صفحة 16 من 16 الأولىالأولى ... 6141516
النتائج 61 إلى 63 من 63

الموضوع: عابر سرير - أحلام مستغانمي


  1. #61
    مشرف أخــبار متنوعة ( غريب جدا جرائم وحوادث طرائف ألخ) في كل أنحاء العالم
    الحالة : Don.Ayman غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 1026
    الدولة: U.A.E - DUBAI
    العمل: محاسب
    المشاركات: 3,321
    الحالة الإجتماعية: اعزب
    معدل تقييم المستوى : 258
    Array

    كلمات وأقع في ورطةعاطفية مع عجوز, وإذ بي حمّال وعتّال ومرافق لها, ومسؤول عن إيصالها حتىقسنطينة.
    أهي عقدة يتمي؟ دوماً خطفتني العجائز وغيَّرن وجهتي.
    فما صادفتواحدة تنوء كهولتها بقفّةٍ, إلا ووجدتني أحمل وزرها عنها مدّعياً أنّ وجهتها تصادفوجهتي. مرة تسبب لي الأمر في صفعة تأديبية من أبي, الذي لم يصدِّق عذر تأخري فيالعودة من المدرسة.
    كانت العجوز ذاهبة صوب رحبة الصوف لبيع أرغفة أعدّتها فيالبيت, وقضيت ساعة أمشي جوارها حاملاً محفظة المدرسة بيد, وقفّتها بيديالأخرى.
    كانت تلك الصفعة الوحيدة التي تلقّيتها في حياتي من أبي.

    كانتالعجوز الجالسة جواري تسافر لأول مرّة بمفردها, وجاءت إلى باريس لزيارة ابنتها التيوضعت مولودها الأول. وقبل أن تقلع الطائرة كنت عرفت تقريباً كل شيء عنحياتها.
    لا سرّ للعجائز, كلّ الذي ينقصهن هو رجل مشدود الوثاق إلى كرسيّ, له صبرالاستماع إلى خيبات كهولتهن.
    كانت مرعوبة من الطائرة, وتريد أن تفهم كل شروحاتالمضيفة فيما يخصّ صدرية النجاة وقناع الأوكسجين وحزام الأمان ومخارج الطوارئ. ثمتعود من رعبها وتستسلم للمكتوب وتقول إن الأعمار بيد الله, وتواصل ثرثرتها عن صهرهاالذي اشترى محلّ قصابة في فرنسا, وابنها الذي يسعى إلى الحصول على أوراق للإقامة فيباريس, بعد أن كره العيش في قسنطينة التي كانت ملاذ الفقير فأصبحت مدينة الفقراء. كان المحتاج يقصدها لعلمه بثراء أهلها وكرمهم, وأصبح الآن يقيم فيها مع آلافالفقراء الذين جاؤوها من كل صوب وأفقروا أهلها.
    -
    منين جاوْ يا ولدي " جوجوماجوج" هاذُو اللي كلاوْ الدنيا.. وهججونا من البلاد.. يا حسرة راحوا دار شكونوشكون. بقاوْ غير الرعيان. على بالك أنا بنت شكون؟
    ولم أكن على استعداد لأعرفهذه العجوز ابنة مَن, ومن أية شجرة تنحدر. فأنا لم أكن هناك لأخطبها, ولكن لا يمكنأن تمنع عجوزاً من التباهي بأصلها, وهو كل ما بقي لها في زمن الذلّ.
    كانت منالعائلات العريقة في قسنطينة. اشتهر عمها بإنشاء أول شركة لإنتاج التبغ في الجزائر. كان ممن يُضرب بهم المثل وجاهة وغنىً, وأفهم ألا تتقبل فكرة أن تنتهي ابنتها زوجةلرجل اغتنى في الغربة, ولم يغتنِ عن إرث أباً عن جدّ, ولا فكرة أن تتقاسم الطائرةمع " الرعيان" و "بني عريان".. ولكن:
    -
    هذي الدنيا يا امّا واشنديرو..

    في غمرة اندهاشهم بها, أطلق القدامى على قسنطينة اسم " المدينةالسعيدة", وهذه العجوز الأميّة كم وفَّرت عليها أمّيّتها من ألم, فهي لن تقرأ يوماًما قيل في قسنطينة. هي فقط ترى ماآلت إليه. قسنطينة المكابرة لا تدري ماذا تفعلبثراء ماضٍ تمشي في شوارعه حافية.
    قسنطينة الفاضلة التي تحرسها الآثام ويحكمهاالضجر المتفاقم, وهذيان الأزقة المحمومة المثقلة بالغرائز المعتّقة تحتالملايات.
    لم تتغيَّر. ما زال يرعب نساءها الجميلات التعيسات, الشهيّاتالشهوانيات, الخوف المزمن من نميمة أناسها الطيِّبين الخبثاء. ولذا, هي تجلس صامتةعلى يساري, وأنا قدري حيث أذهب أن أقع بين فكيّ حبّها.
    عندما, بعد ذلك, مرَّتالمضيفة تعرض علينا الجرائد, سمعت الفتاة لأول مرة تنطق لتطلب جريدتي "الوطن" و "الحرية". لم يبق من نصيبي سوى " الشعب" و "المجاهد". تقاسمنا بالتساوي أكاذيبالعناوين.
    يحضرني دائماً في مثل هذه المواقف, قول ساخر لبرنارد شو معلّقاً علىتمثال الحرية في أمريكا " إن الأمم تصنع تماثيل كبيرة للأشياء التي تفقدها أكثر" وهو ما يفسّر وجود أكبر قوس عربي للنصر في البلد الذي مُني بأكبر الخسائروالدمار.

    إمعاناً منّا في تضخيم خسارات ندّعي اكتسابها, نذهب حتى إضافة مانفتقده إلى أسماء أوطاننا. ولأن الجزائر خرجت إلى الوجود "جمهورية ديمقراطيةشعبية", فقد حسمنا منذ الاستقلال مشاكل الشعب وقضية الديمقراطية, وتفوقنا منذ البدءفي ما يخصُّ الحريات على أية دولة أوربية تحمل اسماً من كلمة واحدة!
    أمة تحتفيبخساراتها, وتتوارث منذ الأندلس فن تجميل الهزائم والجرائم بالتعايش اللغوي الفاخرمعها.
    عندما نغتال رئيساً نسمِّي مطاراً باسمه, وعندما نفقد مدينة نسمِّميباسمها شارعاً, وعندما نخسر وطناً نطلق اسمه على فندق,وعندما نخنق في الشعب صوته, ونسرق من جيبه قوته, نسمّي باسمه جريدة.

    انشغلنا بتصفّح الجرائد. لم نتبادلأية كلمة. كانت امرأة غامضة كبيوت نوافذها إلى الداخل, وكان جميلاً الجلوس بمحاذاةأنوثتها المربكة التي توقظ الرواسب العاطفية المتراكمة فيك, وتجعلك تكتشفها منمشربيات النوافذ.
    عبرتني فكرة مجنونة: ماذا لو كان الحب يجلس على يساري, أناالذي لم أقاوم يوماً إغراء امرأة صامتة, ولا جمالية أنوثة تحيط كل شيء فيهابلغز.
    عندما جاؤوا بوجبة العشاء, بدا على العجوز حماسة بددت فجأة خوفها منالموت, وأوقفت سيل الأسئلة التي كانت تطاردني بها, عن اهتزاز الطائرة كما تبدّى لهامن النافذة. بل إنّها استفادت من فقدان شهيتي للأكل, لاستئذاني في تناول بعض ما فيصينيتي.

    أثناء ذلك, كانت الغادة القسنطينية التي على يساري تأكل بدون لهفة, كما لو أنها تأكل بحياءٍ مترفّع, كذلك الزمن الذي كانت النساء يختبئن عن الأنظارليأكلن, وكأن كل متعة لها علاقة بالجسد لا بد أن تمارسها النساء سرّاً, وأن أيّ جوعجسدي لا يليق بامرأة إشهاره.

    بعد العشاء, أُخفتت الأضواء, وقامت المضيفةبتوزيع بعض الألحفة على المسنين والأطفال, فطلبت لحافاً للعجوز عسى النوم أن يخدرعضلة الثرثرة بين فكيّها, وتكفّ مع كلّ مطبّ هوائيّ عن التبؤ لنا بكارثةجوّيّة.
    مسكينة هي, تعتقد أن لا أخطر من طائرة محلقة في السماء.
    لا تدري أنالموت قد يدبِّر لك مقلباً آخر, وينتطرك أرضاً عند سلّم الطائرة, كما حدث مع عبدالعزيز, الصيدلاني المعروف في العاصمة بحبه للحياة, وبخدماته الكثيرة للناس. قائدالطائرة كان من معارفه, فقام بنقله للدرجة الأولى وأوصى المضيفات به خمراً, فرحنيسقينه كؤوس الويسكي الواحدة بعد الأخرى, بحيث كان بعد ساعتين من الطيران بين باريسوالجزائر غير قادر على الوقوف على رجليه. وما كاد يضع قدميه على أول درج للطائرةحتى تدحرج من سلّمها الحديدي الضيق الذي كان يهتزّ تحت قدميه, وانتهى جسده فيالأسفل ليموت بعد يومين إثر نزيف في الدماغ. فلكونه كان من ركاب الدرجة الأولى, وأول من نزل السلم لم يكن أحد ليسبقه ويحول دون تدحرجه حتى الموت!
    فهل كان قائدالطائرة يدري أنه بتغيير درجته من الثانية إلى الأولى, كان يتمادى في تدليله حدّإيصاله إلى مرتبة " شهيد" من الدرجة الأولى؟

    في الطائرة, كما في الحياة, عليك أن تحترم قانون المراتب, ولا تتحايل لتقفز مرتبة, فرّبما كان في ذلك المكسبهلاكك. عليك أن تعرف منذ البدء أين يوجد مكانك, في الأولى أم في الثانية. فأيّتحايل قد يحيلك إلى أسفل.. مع الحقائب!
    عليك أيضاً أن تتأكد أين يوجد مقعدك: علىيمين أم على شمال الحب, فالمأساة تبدأ عندما يتسلى القدر بفوضى ترقيمالمقاعد.


    █║S│█│Y║▌║R│║█


رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #62
    مشرف أخــبار متنوعة ( غريب جدا جرائم وحوادث طرائف ألخ) في كل أنحاء العالم
    الحالة : Don.Ayman غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 1026
    الدولة: U.A.E - DUBAI
    العمل: محاسب
    المشاركات: 3,321
    الحالة الإجتماعية: اعزب
    معدل تقييم المستوى : 258
    Array

    كنت دائم التنبه إلى الفتاة الجالسة جواري, إلى عطرها الخفيف, وإلىتلك الرغبات الصامتة التي تولد في العتمة. يكفي شيء من الضوء الخافت, لتستيقظالحواس وتصبح النساء أجمل مما هنّ عليه.
    قليل من العتمة يوقظ الوهم الجميل فينا, أمّا حلكة التعتيم, فتساوينا بسكان العالم السفلي.
    لم أستطع أن أغفو. ابتسامةبكعب عالٍ, تجاملك من فوق أنوثتها, وتحتك..آه تحتك ثمة ما يمنعك من الابتسام, أنتالجالس بين التقاطع المربع للحياة والموت.

    فجأة أشعلت المضيفة الأضواء, وباشرت بتوزيع بطاقات النزول, بينما مرَّت أخرى لجمع الألحفة من الركاب.
    لاحظتأن العجوز لم تسلِّم لحافها إلى المضيفة, لمحتها تطويه وتخفيه في كيسها. خوفها منالموت لم يمنعها من السطو على تفاهات الحياة.
    إنها كأولئك الذين تنجو طائرتهم منكارثة جوية, أو ينجون من حريق شبَّ في بيتهم, وبعد أن يكونوا عرفوا كل أنواعالويلات, ما يكادون يعودون للحياة حتى يباشرون البحث عن أمتعتهم والتحسر على ما لحقبها من تلف.
    هي تأخذه لا لحاجتها, بل لمجرد " نتف" شركة الطيران. فالذين ينهبونالوطن فوق بالملايين, أعطوا للبسطاء حق سرقة الأشياء الصغيرة أو إتلافها, مساهمةمنهم بالتنكيل بوطن حماته لصوصه.

    فيمَ قد ينفعها هذا اللحاف الصغير؟ ذلكالنائم تحت في المكان الأكثر برداً في الطائرة, أحوج منها إليه.
    أكانت ستفقدشهيتها للأكل, لو أنا أخبرتها بوجوده؟ هل كانت ستتفرَّغ للدعاء والصلوات وتقلع عنسرقة الألحفة, لو أنها علمت أن لا شيء يفصلها عن الموت, وأنها في أيّة لحظة قدتنتقل للإقامة تحت؟
    من عادة الجالسين فوق, أن يرفضوا التفكير في أنّ في كل موقعيمرون به, ثمة طابق سفلي يتربص بهم.
    سألتني العجوز:
    =
    واش آوليدي وصلنالقسمطينة؟
    أجبتها:
    -
    ما زال ثلث ساعة ونوصلو آمّا.
    باشرت بملء استمارتيواستمارتها. هو لا استمارة له, ربما أن له ترف السفر بتذكرة تساوي أضعاف ثمن أيةتذكرة لراكب يجلس "فوقه".
    حتماً في الأمر مزحة ما. إنه يساوي ميتاً, أضعاف ماكان يساويه حيّاً, فلماذا إذن هو بارد وحزين إلى هذا الحد؟
    ألم ينتظر يوماًمطيراً كهذا عمراً بأكمله يعود فيه محمولاً على أكتاف السحب إلى قسنطينة؟
    هاهوذابلغها أخيراً.

    قسمطينة..آ الميمة جيتك بيه. صغيرك العائد من براد المنافي, مرتعداً كعصفور ضمّيه. كان عليه أن يقضي عمراً من أجل بلوغ صدرك. وليدك المغبون, لفرط ما هو لك ما عاد هو, لفرط ما كان خالد ما عاد زيان, لفرط ما أصبح زيان ما وجدله مستقراً غير قبر أخيه.
    نحن أبناء الصخرة, ما عدنا ندري أيَّا منا صخر. ماعادت من خنساء لنستدل على قبرنا بدموعها. كلنا في هذه الطائرة "صخر". لكن ما عليهشيا امّا.. سنواصل توسيع المدافن.

    فجأة نطقت تلك الفتاة المحصَّنة بالصمتكقلعة, وقالت:
    -
    هل بإمكاني أن أستعير قلمك؟
    أجبتها وأنا أمدّها بالقلم:
    -
    حتماً..
    كان في صوتها غيم و رذاذ, وحزن موسيقى تنهطل. لكنّي فتحت مظلةالصمت.
    كنت مغلقاً في وجه رياح الرغبات المباغتة, متحاشياً درباً متعرجاً قديوصلني إلى امرأة جالسة على الكرسيّ الملاصق, ففي قسنطينة ذات المنعطفات الكثيرة, ليس ثمة طريق مستقيم يوصلك إلى مبتغاك.. المسار دائماً لولبيّ!
    أعادت لي القلمبعد أن انتهت من ملء استمارتها. لم تقل سوى "شكراً" وانكفئت في صمتها.
    تكفَّلتجارتي بفضول العجائز سؤالها:
    -
    إن شاء الله كاين اللي يجي يلاقيك في هاذا الليليا بنتي, وإلا نوصلوك معانا أنا وابني. الحالة ماهيش مليحة هاذ الأيام.
    ردتشاكرة:
    -
    يعطيك الصحة.. راح يجي خويا يلاقيني.
    استنتجت أنها لم تكن متزوجةوأنها تعيش مع أهلها.

    كانت المضيفة تمر لحظتها بعربة البضائع. طلبت منهاعلبة سجائر. كنت على وشك أن أدفع ثمنها, عندما سمعت الفتاة تسألها إن كان يوجدعندها ذلك العطر. بقيت مندهشاً, شعرت أنّ الحياة تستفزني, وتواصل معابثتي.
    كانالأمر شيء يتجاوز جمال مصادفة تطابق في اختيار نوع عطر بالذات, إلى هول تصادف وجودتابوته تحتنا. هو الذي كان يحتفظ بين أشيائه بقارورةٍ فارغة لهذا العطر نفسه.
    ماعاد السؤال: من أين له تلك القارورة؟ وعلى أية أنثى انسكبت؟ ومنذ متى وهو يحتفظ بهاكما يحتفظ يتيم بشيءٍ وحده يعرف قيمته؟ بل غدا سؤالاً آخر إقشعّر له جسدي: ماذا لوكان هو الذي طلب ذلك العطر لأنه اليوم أحوجنا إليه؟
    غير أنه في العالم السفلي, حيث هو, لم يتحرر بالموت من الحياة فحسب, بل تحرر به من محنة يتمه واغترابه. فماحاجته إلى عطرٍ يسكبه في قارورة اليتم الفارغة؟
    إنه اليوم الأقل يتماً بيننا. لايخاف على شذى فرحة أن تنضب, له رائحة لا يستطيع الزمن أن ينال منها, إنها رائحةالأبدية.
    أم تراه, في عزلة جثمانٍ ينفضح برائحته, هو يحتاج ذلك العطر للجم رائحةتوقظ شراهة الديدان, وتشي ببشاعة رجلٍ كان حريصاً على جمالية الحضور.
    غير أنالعطر في قارورة هو مشروع شذى رائحة. لا يصبح كذلك إلا بانصهاره بكيمياء الجسد. ولذا ما عاد بإمكان عطرٍ أن يغطّي على تلك الرائحة.
    الرائحة, لا شيء غير اعتذارعطرٍ تأخر فناب عنه الموت.

    عندما عادت المضيفة لتقبض ثمن قارورة العطر منالفتاة, راودتني فكرة أن أهديها إياه, إكراماً لتهكم رائحته, على يتمٍ ننفضح بهعطراً في غيابه.
    غير أنني لم أفعل, خشية أن لا تطمئن لعذري, وتظنني أتحرش بهاكعادة البائسين من الرجال, عندما يظفرون بأنثى مربوطة إلى جوارهم.
    أكنت بذريعةملامسة جثمانه بعطر.. لا أسعى سوى لملامسة صمتها؟

    كنت سعيداً بذلك القليلالذي قالته. مستمتعاً بالارتباك اللذيذ أمام شيء شبيه بالحب. ذاهباً بالصمت إلىأقصاه, مهيئاً بيننا بعمق الالتباس حفرة لغرس شتلة الشهوات. تأخذني سنة التفكير إلىنسج أكثر من بداية قصة قد تكون لي مع هذه المرأة.
    فوق هول النهايات, أصابني رعبالبدايات, جمال الخوف العاطفي, دواره وإغراؤه. إن إستطعت تأمين مظلةٍ تقيني رذاذالرغبة, من أين لي بكمامة تصد شذى عطر الغواية النفاذ؟

    كان العبور الخاطفلرائحته, يشوش بعض الوقت على اشتهائي لها. لكن ما استطاع أن يلغي سلطة عطرهاعليّ.

    █║S│█│Y║▌║R│║█




  • #63
    مشرف أخــبار متنوعة ( غريب جدا جرائم وحوادث طرائف ألخ) في كل أنحاء العالم
    الحالة : Don.Ayman غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 1026
    الدولة: U.A.E - DUBAI
    العمل: محاسب
    المشاركات: 3,321
    الحالة الإجتماعية: اعزب
    معدل تقييم المستوى : 258
    Array

    كان الحب يتقدم نحوي كوقع حوافر الجياد, يسبقه غبار الماضي, ذلك أن في هذهالمرأة شيئاً من تلك. شيء منها لاأعرفه بعد, لكنني أتشممه.
    تلك التي يوم رأيتهالأول مرة في ذلك المقهى ذات ثلاثين أكتوبر عند الساعة الواحدة والربع, شعرت بصاعقةالاصطدام العشقيّ بين كوكبين سيتشظّيا انخطافاً أحدهما بالآخر.
    أذكر, من هولالانبهار بفاجعة على ذلك القدر من جمال الدمار, أني قلت لها وأنا أستأذنها فيالجلوس: " سيدتي.. أشكر الدورة الدموية للكرة الأرضية, لأنها لم تجعلنا نلتقي قبلاليوم".

    في مجرة الحب, من يدير سير الكواكب؟ من يبعدها ويقرِّبها؟ من يبرمجتلاقيها وتصادمها؟ من يطقئ إحداها ويضيء أخرى في سماء حياتنا؟ وهل ينبغي أن يتعثّرالمرء بجثمان ليقع في الحب؟
    في سعينا إلى حبٍّ جديد, دوماً نتعثر بجثمان منأحببنا, بمن قتلناهم حتى نستطيع مواصلة الطريق نحو غيرهم, لكأننا نحتاج جثمانهمجسراً. ولذا في كلّ عثراتنا العاطفية, نقع في المكان نفسه, على الصخرة نفسها, وتنهضأجسادنا مثخنةٍ بخدوشٍ تنكأُ جراح ارتطامنا بالحب الأول. فلا تهدر وقتك في نصحالعشاق, للحبّ أخطاء أبدية واجبة التكرار!
    أأكون ما شفيت منها؟ لكأنها امرأةداخلة في خياشيم ذاكرتي, مخترقة مسام قدري. أتعثّر بعطرها أينما حللت.
    ما كانت " حياة".. إنها الحياة.

    كم حلمت بطائات تأخذني إليها, بمدن جديدة نزورها معاً, بغرف فنادق ينغلق فيها الباب علينا, بصباحات آخذ فيها حمامي فتناولني شفتيها منشفة, بأماسٍ نتحدث فيها طويلاً عن الحب والموت, عن الله, عن العسكر, عن الأحلام المغدوربها.. وعن الأوطان الخادعة.
    حلمت برقمها يظهر على شاشة هاتفي, بصوتها يتناول معيقهوتي, يرافقني إلى مكتبي, يجتاز معي الشوارع, يركب معي الطائرات, يضمّني حزام أمانفي كل مقعد, يطاردني بخوف الأمهات, يطمئنني, يطمئن عليّ, صوت يأخذ بيدي.
    لكن, دوماً كانت لي مع هذه المرأة متع مهددة. ليس ثمة غير هذه الجثث التي بيننا. إحداهاتسافر معي, تسترق السمع إليّ, وتضحك ملء موتها منيّ.
    في حب كذاك لا تتعثر بجثة. أنت تتعثّر بمقبرة.

    كنت منشغلاً بذكراها , عندما فاجأني صوت المضيفة" الرجاءأن تقوّموا ظهور مقاعدكم..أن تبقوا أحزمتكم مربوطة.. وأن تكفّوا عنالتدخين".
    بدأت العجوز على يميني تطالبني بالاهتمام بها. ساعدتها على ربطحزامها, وأنزلت الستارة الصغيرة للنافذة, حتى لا تزداد رعباً إنْ هي نظرت إلىقسنطينة من فوق.
    -
    ما تشوفيش لتحت يامّا.
    كنت أريد أن تطلق سبيلي قليلاً. أنأنظر أنا أيضاً جواري, على يساري, كي أنسى العالم السفلي. أن أسرق اللحظات الأخيرةمن هذا الموعد الشاهق في غرائبيته, لأقول شيئاً لعطرٍ جاء حضوره متأخراً , ومخيفاً, كلحظة هبوط طائرة.
    لكن الطائرة حطت على الأرض بتلك السرعة الارتطامية القصوىالتي تنزل بها الطائرات. كان أزير محركاتها يعلو وهي تسرع بنا على مدرج المطار, ولميعد بإمكان أحد تبادل أيّ حديث.

    ذهب تفكيري عنده, إلى نعشه الذي يرتجّاللحظة مرتطماً بتراب قسنطينة.
    هنا نفترق أنا وهو. هنا ينتهي مهرجان السفر. ولاأملك إلاأن أأتمنها عليه. إنه الليل, والوقت غير مناسب لللإرتماء فيحضنها.
    باكراً تذهب إلى النوم قسنطينة, ولا أحد يجرؤ على إيقاظ حارس الموتى الذيارتدى منامة الغفلة خوفاً من القتلة.
    عليك أن تعرف أنك منذ الآن في حمايةالديدان, التي في غيبتك عششت وتناسلت فوق التراب وتحته.
    أن تتفهم جشع الديدانالبشرية, التي جمعت ثروتاه من موائد تعففك وترفعك حياً عما كان وليمتها. وستحرّضعليك اليوم أخرى, لتقتات بما بقي من جسد سبق أن أطعمت بعضه للثورة.
    نفاخر بمآثرالديدان وإكراماً لنهمها لمزيد من الشهداء, نقدم لها بهاء أجسادنا قرابينولاء.
    فعمرك المسفوح بين ثورتك وثروتهم, منذور يا صديقي كجسدك لديدان الوطن, التي يتولّى مزارعو تخصيب الموت تربيتها وتهيأة التربة الأفضل لها, كما تربي بلادأخرى في أحواضها اللؤلؤ والمرجان.

    مستسلم هو للنعاس الأخير, ومنهك الأحلامأنا. لا أدري من منا الأعظم خوفاً. سيدتي قسنطينة التي لا تستيقظ إلا لجدولة موتنا, تعفّفي عن إيذاء حلمه, تظاهري بالإكتراث به, أحضنيه كذباً وعودي إلى النوم. لاتدققي في أوراقه كثيراً. لا تسأليه عن إسمه, حيثما حلّ كان اسمه القسنطيني, والآنوقد حلّ فيك امنحي إسمه لصخرة أو شجرة عند أقدام جسر, ما دامت كل الشوارع والأزقةمحجوزة أسماؤها لقدامى الشهداء والخسارات القادمة.

    كان أزير الطائرة يغطّيعلى صخب صمت تقاسمته طوال الرحلة معه.
    ماذا أستطيع ضدّ قدر حجز لي في سفرياتالحياة مقعداً فوق رائحة.. وجوار عطر, يستقلان الطائرة نفسها.
    وحدها العجوزالمتشبثة بذراعي تشبّثها بالحياة كانت تصلني دعواتها وابتهالاتها المذعورة.
    كانصوت المضيفة يعلن:" الحرارة في الخارج ست درجات. الساعة الآن تشير إلى الحادية عشرةوالنصف ليلاً. الرجاء إبقاء أحزمتكم مربوطة. لقد حطّت بنا الطائرة في مطار محمدبوضياف.. قسنطينة".


    إنتهت في 10 يوليو 2002 م
    الساعة العاشرة والنصف ..صباحاً

    █║S│█│Y║▌║R│║█



  • صفحة 16 من 16 الأولىالأولى ... 6141516

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. سرير مرسيدس رومانسي
      بواسطة En.Khaled Alfaiomi في المنتدى صور طريفة مضحكة كاريكاتير
      مشاركات: 11
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 05:34 AM
    2. أحلام مستغانمي
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 02:28 AM
    3. زوج يجعل من ابنة زوجته الطفلة ضرة لها ويعاشرهما على سرير واحد
      بواسطة روح الحلا في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 05-31-2010, 09:28 AM
    4. جميع روايات احلام مستغانمي
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 05-01-2010, 01:44 AM
    5. مقالة للكاتبة والأدبية أحلام مستغانمي
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى الحـــوار العام للمغتربين السوريينDialogue Discussion Forum
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 03-13-2010, 09:24 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1