الهجرة الأولى إلى الحبشة شهر رجب السنة الخامسة من المبعث
(سنة 615م)
لما رأى رسول الله ما يصيب أصحابه من البلاء والعذاب وما هو فيه من العافية لمكانه من الله عز وجل ودفاع أبي طالب عنه وأنه لا يقدر أن يمنعهم، قال لهم:
«لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه» ومكث هو فلم يبرح يدعو إلى الله سرا وجهرا.
وكان اسم النجاشي وقتئذ أصحمة بن أبجر، ومعنى أصحمة بالعربية عطية، والنجاشي اسم لكل ملك يلي الحبشة وكان الأحباش مسيحيين نسطوريين فخرج المهاجرون متسللين سرا وذلك في شهر رجب سنة خمس من بعد النبوّة (سنة 615 م).
وكان الذي خرجوا اثني عشر رجلا وأربع نسوة حتى انتهوا إلى الشعيبة، فمنهم الراكب والماشي، ووفق الله للمسلمين ساعة جاءوا سفينتين للتجار حملوهم فيها إلى أرض الحبشة وخرجت قريش في أثرهم حتى جاءوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدا، فكان خروجهم سرا.
قالوا: قدمنا أرض الحبشة فجاورنا بها خير جار، أمِنّا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذي ولا نسمع شيئا نكرهه، وكانت الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها ويجدون فيها رزقا وأمنا حسنا.
كان عدد المهاجرين قليلا ولكن كان لهجرتهم هذه شأن عظيم في تاريخ الإسلام فإنها كانت برهانا ساطعا لأهل مكة على مبلغ إخلاص المسلمين وتفانيهم في احتمال ما يصيبهم من المشقات والخسائر في سبيل تمسكهم بعقيدتهم، وكانت هذه الهجرة الأولى مقدمة للهجرة الثانية إلى الحبشة ثم الهجرة إلى المدينة، وهذه أسماء المهاجرين والمهاجرات:
عثمان بن عفان ومعه امرأته رقية بنت رسول الله، أبو حذيفة بن عتبة ومعه امرأته سهلة بنت سهيل، مصعب بن عمير، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، أبو سلمة بن عبد الأسد ومعه امرأته، أم سلمة، عثمان بن مظعون، عبد الله بن مسعود، عامر بن ربيعة ومعه امرأته، ليلى بنت أبي هيثمة، أبو سبرة، حاطب بن عمرو، سهيل بن بيضاء وهو سهيل بن وهب.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
شفاعة الغرانيق افتراء الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى بعض المؤرخين ونقل عنهم المفسرون أن رسول الله لما رأى من قومه كفَّا عنه، جلس خاليا وتمنى فقال: ليته لا ينزل عليّ شيء ينفرهم عني وقارب رسول الله قومه ودنا منهم ودنوا منه فجلس يوما مجلسا في ناد من تلك الأندية حول الكعبة فقرأ عليهم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (النجم: 1)، حتى بلغ: {أَفَرَءيْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَى} (النجم: 19، 20) ألقى الشيطان كلمتين على لسانه: «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى» فتكلم رسول الله بها ثم مضى فقرأ السورة كلها وسجد وسجد القوم جميعا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود، ويقال: إن أبا أحيحة سعيد ابن العاص أخذ ترابا ورفعه إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخا كبيرا فبعض الناس يقول: إنما الذي رفع التراب الوليد وبعضهم يقول: أحيحة، وبعضهم يقول كلاهما فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول الله وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده وأما إذا جعلت لها نصيبا فنحن معك، فكبر ذلك على رسول الله ص من قولهم حتى جلس في البيت، فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فعرض عليه السورة.
فقال جبريل: ما جئتك بهاتين الكلمتين، فقال رسول الله ص «قلتُ على الله ما لم يقل» فأوحى الله إليه: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذا لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا إِذًا لأَذَقْنَكَ ضِعْفَ الْحَيَوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} إلى قوله: {إِلاَّ فِى كِتَبٍ مُّبِينٍ} (الإسراء: 73 - 75).
نقل هذه الرواية ابن سعد في «طبقاته» عن عبد الله بن حنطب، وقد قال الترمذي: إن عبد الله ابن حنطب لم يدرك النبي ص أخرجه الثلاثة، أما الآية التي قيل: إنها نزلت بسبب أن رسول الله ص قد قال على الله ما لم يقل بذكره شفاعة الغرانيق وهي: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} (الإسراء: 73) الآية، فلم تنزل بهذه المناسبة، فقد قال ابن عباس في رواية عطاء، نزلت هذه الآية في وفد ثقيف أتوا رسول الله ص فسألوه شططا وقالوا: متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة من شجرها وطيرها ووحشها فأبى رسول الله ص ولم يجبهم فكرروا ذلك الالتماس وقالوا: إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله ص عنهم وداخلهم الطمع فصاح عليهم عمر وقال: أما ترون رسول الله ص قد أمسك عن الكلام كراهية لما تذكرونه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى صاحب «الكشاف» أنهم جاءوا بكاتبهم فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله إلى ثقيف لا يعشرون ولا يحشرون، ولا يجبون، فسكت رسول الله ص ثم قالوا للكاتب: اكتب ولا يجبون، والكاتب ينظر إلى رسول الله ص فقام عمر بن الخطاب وسلّ سيفه وقال: أسعرتم قلب نبينا يا معشر قريش، أسعر الله قلوبكم نارا، فقالوا: لسنا نكلمك إنما نكلم محمدا، فنزلت هذه الآية، وهذه القصة إنما وقعت بالمدينة فلهذا السبب قالوا: إن هذه الآية مدنية.
وذكر الطبري مسألة شفاعة الغرانيق فقال: حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد المدني، عن محمد بن كعب القرظي، ثم سرد رواية محمد بن كعب القرظي بما يقارب رواية عبد الله بن حنطب التي نقلناها عن طبقات ابن سعد إلا أنه قال: فأنزل الله عز وجل: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءايَتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحج: 52) فأذهب الله عز وجل عن نبيّه الحزن وآمنه من الذي كان يخاف ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم إنها الغرانيق العلا وإن شفاعتهن ترتجى بقول الله عز وجل حين ذكرت اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى تِلْكَ إِذا قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَآء سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَنٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الاْنفُسُ وَلَقَدْ جَآءهُم مّن رَّبّهِمُ الْهُدَى أَمْ لِلإنسَنِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الاْخِرَةُ والاْولَى وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى السَّمَوتِ لاَ تُغْنِى شَفَعَتُهُمْ شَيْئا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآء وَيَرْضَى} إلى قوله: {لِمَن يَشَآء وَيَرْضَى} (النجم: 21 - 26) أي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده، الخ.
أما محمد بن كعب القرظي - منسوب إلى بني قريظة الطائفة المعروفة من اليهود - فهو تابعي توفي سنة ثمان ومائة، جاء في «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني ما يأتي:
«وما تقدم نقله عن قتيبة من أنه ولد في عهد النبي ص لا حقيقة له وإنما الذي ولد في عهده هو أبوه فقد ذكروا أنه من سبي قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت فخلوا سبيله، حكى ذلك البخاري في ترجمة محمد، قال الفخر الرازي في «تفسيره»: الآية المتقدمة بعد أن ذكر قصة الغرانيق، هذه رواية عامة المفسرين الظاهريين، أما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة، واحتجوا عليه بالقرآن والسنّة والمعقول، أما القرآن فمن وجوه:
أحدها: قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (الحاقة: 44 - 46).
وثانيها: قوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَآء نَفْسِى إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ} (يونس: 15).
وثالثهما: قوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى} (النجم: 3، 4)، فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلا، وكان قد ظهر كذب الله تعالى في الحال، وذلك لا يقوله مسلم.
ورابعها: قوله تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذا لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا} (الإسراء: 73)، وكلمة كاد معناها قرب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل.
وخامسها: قوله: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا} (الإسراء: 74)، وكلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لوجود غيره فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل لوجود التثبيت.
وسادسها: قوله: {كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} (الفرقان: 32).
وسابعها: قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} (الأعلى: 6).
أما السنة فهي ما رُوي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة؛ وصنف فيه كتابا.
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وأيضا فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي ص قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن، وليس فيها حديث الغرانيق.
ورُوي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق، وأما المعقول فمن وجوه:
أحدها: أن من جوَّز على الرسول ص تعظيم الأوثان فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.
وثانيها: أنه عليه السلام ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلا أو في أوقات خلوة وذلك يبطل قولهم.
وثالثها: أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سجدا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم؟.
رابعا: قوله: {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَنُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءايَتِهِ} (الحج: 52) وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها فإذا أراد الله الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن بالقرآن فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى.
وخامسها: وهو أقوى الوجوه - أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ويبطل قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: 67) فإنه لا فرق في العقل بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة وكل ما في الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها هنا لكنهم ما بلغوا حد التواتر وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة.
ثم ذكر الفخر الرازي تفصيلات أخرى فلتراجع، وإنا نعتقد أن هذه القصة باطلة ومدسوسة ومن وضع الزنادقة الذين يريدون بالإسلام سوءا ومع هذا فليس من المعقول أن يعترف النبي ص بشفاعة الغرانيق وهو يدعو إلى عبادة الله تعالى ويحارب الأصنام ولو كان الشيطان له سلطان عليه ص بدرجة أنه يملي عليه ويحرك لسانه بالكفر لكان ألعوبة له ليس في هذه القصة فقط بل في غيرها أيضا، والنبي معصوم من الشيطان، قال البيضاوي في تفسيره بعد ذكر قصة الغرانيق: - ثم نبّهه جبريل فاغتم به فعزاه الله بهذه الآية وهو مردود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه -، قال إسماعيل القنوي في «حاشيته»: وهو مردود عند
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
المحققين، بل يجب أن يكون مردودا عند جميع المسلمين لما عرفته من أمارات الكذب، قوله: وإن صح الخ إشارة إلى منع صحته رواية لما قاله القاضي عياض في «الشفاء»: إنه لم يوجد في شيء من الكتب المعتمدة بسند صحيح وقال إنه من وضع الزنادقة. وقال القاضي عياض: إن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواة ثقة بسند سليم متصل إنما أولع به المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب. قال ابن حزم في كتاب «الملل والنحل» جزء 4 ص 23: وأما الحديث الذي فيه «وأنهن الغرانيق العلا وأن شفاعتهن لترتجى» فكذب بحت لأنه لم يصح قط من طريق النقل ولا معنى للاشتغال به إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد.
وقال البيهقي: رواة هذه القصة كلهم مطعون فيهم، وقال الإمام النووي نقلا عنه: وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب سجود المشركين مع رسول الله ص ما جرى على لسانه من الثناء على آلهتهم فباطل لا يصح منه شيء لا من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن مدح إله غير الله كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله ص ولا أن يقوله الشيطان على لسانه ص ولا يصح تسلط الشيطان عليه وإلا لزم عدم الوثوق بالوحي، اهـ.
وقال الآلوسي في «تفسيره»: «وأقبح الأقوال التي رأيناها في هذا الباب وأظهرها فسادا أنه ص أدخل تلك الكلمة من تلقاء نفسه حرصا على إيمان قومه ثم رجع عنها، ويجب على قائل ذلك التوبة، كبرت كلمة خرجت من أفواههم إن يقولون إلا كذبا، وقريب منه ما قيل إنها كانت قرآنا منزلا في وصف الملائكة عليهم السلام، فلما توهم المشركون أنه يريد عليه الصلاة والسلام مدح آلهتهم بها نسخت، وأنت تعلم أن تفسير الآية أي قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا} (الحج: 52) الخ، لا يتوقف على ثبوت أصل لهذه القصة».
أما معنى قوله تعالى في سورة الحج: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ} (الحج: 52) الخ الآية، أن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى، وإن عصمهم عن الخطأ مع العلم فلم يعصمهم عن جواز السهو ووسوسة الشيطان بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر، فالآية ليست بخصوص قصة الغرانيق بل هي بخصوص وسوسة الشيطان على العموم للأنبياء والرسل، فالواجب ألا يتبعوا إلا فيما يفعلونه عن علم، فذلك هو المحكم، وقال أبو مسلم: معنى الآية أنه لم يرسل نبيا إلا إذا تمنى كأنه قيل وما أرسلنا إلى البشر ملكا، وما أرسلنا إليهم نبيا إلا منهم وما أرسلنا نبيا خلا عند تلاوته الوحي من وسوسة الشيطان وأن يلقي في خاطره ما يضاد الوحي ويشغله عن حفظه فيثبت الله النبي على الوحي وعلى حفظه ويعلم صواب ذلك وبطلان ما يكون من الشيطان، قال: وفيما تقدم من قوله: {قُلْ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (الحج: 49)، تقوية لهذا التأويل فكأنه تعالى أمره أن يقول للكافرين أنا نذير لكم لكني من البشر لا من الملائكة ولم يرسل الله تعالى مثلي ملكا بل أرسل رجالا فقد يوسوس الشيطان إليهم.
فأمثال هذه القصص المدسوسة المكذوبة على رسول الله هي التي جعلت للطاعنين في الإسلام مجالا للنقد وتشويه الحقائق وتقبيح المحاسن، وقد حُشِرت في كتبنا من غير تحقيق وهاك دليلا آخر على كذب هذه القصة من الوجهة التاريخية وهو:
إن الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت في رجب سنة خمس من النبوة وكانت السجدة في رمضان من السنة نفسها أي قبل إسلام حمزة وعمر لأنهما أسلما في السنة السادسة.
وقد أجمع المؤرخون على أن المسلمين قبل إسلام عمر كانوا يستخفون في دار الأرقم ويؤدون شعائرهم الدينية في منازلهم، وكان أصحاب النبي ص لا يقدرون أن يصلوا عند الكعبة حتى أسلم عمر. فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلوا معه واتفقوا على تسميته «الفاروق».
فإذا كان المسلمون قبل إسلام عمر ما كانوا يستطيعون الصلاة عند الكعبة فكيف مع هذا يقال: إن رسول الله سجد عند الكعبة وسجد معه القوم جميعا؟ الحقيقة أن الرواية كذب واختلاق محض.
قال «موير» في الجزء الثاني من «حياة محمد»: إن حمزة وعمر أسلما في السنة السادسة من النبوة، وقال: إن المسلمين لم يعودوا يخفون صلاتهم في منازلهم بل كانوا بعدئذ يجتمعون حول الكعبة ويصلون وهم آمنون مطمئنون.
إن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة عادوا إلى مكة بسبب ما بلغهم من تحسن الأحوال أو أنهم سمعوا إشاعة كاذبة تطمئنهم فقدموا في شوال سنة خمس إلا أنه لم يدخل أحد منهم إلا بجوار عثمان بن مظعون فإنه دخل بلا جوار ومكث قليلا ثم أسرع الرجوع إلى الحبشة لأن المسلمين كانوا لا يزالون يُضطهدون وكان النبي ص يعيب الأصنام».
فكل هذه البراهين تؤيد أن قصة شفاعة الغرانيق أو أن النبي ص ذكر آلهة قريش بخير، افتراء واختلاق ولا يمكن أن يصدق هذه القصة أحد من المؤرخين المحققين، وقد ذُكِرَت في كتاب «تاريخ القرون الوسطى» لجامعة كامبردج الجزء الثاني ص 310، 311، باعتبار أنها صحيحة، وأنه ص ندم على ما قال ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه، واستنتج الكاتب أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يعتقد أنه إنما يتبع أمرا إلهيا سواء عند تلفظه بهذه الكلمات أو عند عدوله عنها، لكنه علق في الهامش بما يأتي:
«إن كثيرا من المحققين المسلمين يعتبرون هذه القصة خرافية وهذا ما كان ينتظر منهم، لكن من المدهش أن مؤرخا غير متحيز مثل - كايتاني - ينكرها أيضا».
وأنا أقول: لا وجه للدهشة لأن المؤرخ الذي يقدر موقفه ولا يتحيز لأحد يعترف بالحقيقة بغض النظر عن أي اعتبار آخر فإذا كان الأستاذ (كايتاني) وهو ذلك المؤرخ الإيطالي الكبير الذي يصدر المؤلفات الضخمة عن تاريخ الإسلام ينكر هذه القصة فما ذلك إلا أنه لم يرد أن يثبت إلا ما وصل إليه تحقيقه في هذه المسألة دون تحيز.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
إسلام حمزة
حمزة بن عبد المطلب، وأمه هالة بنت وهب، وهو عم رسول الله وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، وكان رضي الله عنه أسن من رسول الله بسنتين، وهو سيد الشهداء وآخى رسول الله بينه وبين زيد بن حارثة، أسلم سنة ست من النبوة وكنيته أبو عمارة وكان شجاعا، محاربا، قوي الجسم، طويل القامة.
وكان سبب إسلامه أن أبا جهل اعترض رسول الله فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له فلم يكلمه رسول الله وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد لقريش عند الكعبة فجلس معهم ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له فكان إذا رجع من قنصه لم يرجع إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز قريش وأشدّها شكيمة وكان يومئذ مشركا على دين قومه، فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله فرجع إلى بيته قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم آنفا؛ وجده ها هنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد، فاحتمل حمزة الغضب فخرج سريعا لا يقفُ على أحد كما كان يصنع، يريد الطواف بالبيت معدا لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها ضربة شجه بها شجة منكرة وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت، فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي منه ذلك، أنا أشهد أنه رسول الله وأن الذي يقوله الحق فوالله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين. قال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا وثبت حمزة على إسلامه، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله ص قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولونه به ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأبلى بلاءً عظيما مشهورا، وقاتل يوم بدر بسيفين وشهد أُحدا فقُتلَ بها يوم السبت النصف من شوال من السنة الثالثة من الهجرة بعد أن قتل من المشركين قبل أن يُقتل أحدا وثلاثين نفسا، وبينما كان يقاتل إذ عثر عثرة وقع فيها على ظهره فانكشف الدرع عن بطنه فزرقه وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله، ومثّل به المشركون وبجميع قتلى المسلمين وجعل نساء المشركين، هند وصواحباتها يجدعن أنوف المسلمين وآذانهم ويبقرن بطونهم، وبقرت هند بطن حمزة رضي الله عنه فأخرجت كبده فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها، فقال النبي ص «لو دخل بطنها لم تمسها النار»، وبكى رسول الله ص لما رآه قتيلا، ومع ذلك عفا رسول الله عن هند يوم الفتح، ودُفن عند أُحد في موضعه وكان عمره تسعا وخمسين سنة، وكان حمزة أول شهيد صلى عليه رسول الله ص
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)