فجعل الحجّاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبي، وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمي، وعلى خيله سفيان بن الأبرد الكلبي، وعلى رجاله عبد الرحمن بن حبيب الحكمي. وجعل ابن الأشعث على ميمنته الحجّاج بن جارية الخثعمي، وعلى ميسرته الأبرد بن قرّة التميمي، وعلى خيله عبد الرحمن بن العباس بن عامر الشعبي، وسعيد بن جبير، وأبو البختري الطائيّ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. فكانوا يتزاحفون كلّ يوم ويقتتلون. فأما أهل الكوفة والبصرة فتأتيهم موادّهم من السواد فهم في ما شاءوا من خصب. وأما أهل الشام ففي ضيق شديد قد غلب عليهم الأسعار وقلّ عندهم الطعام وفقدوا اللحم وكانوا كأنّهم في حصارهم وهم على ذلك يغادون أهل العراق ويراوحون فيقتتلون أشدّ القتال. وكان الحجّاج يدنى خندقه مرّة وهؤلاء أخرى.
فعبّى ذات يوم الحجّاج أصحابه وزحف فيها. وخرج ابن الأشعث في سبعة صفوف بعضها في أثر بعض وعبّى الحجّاج لكتيبة القرّاء التي فيها جبلة بن زحر ثلاث كتائب وعليهم الجرّاح بن عبد الله الحكمي، فأقبلوا نحوهم.
فتحدّث أبو يزيد السكسكي قال: أنا والله في الخيل التي عبّئت لجبلة بن زحر كلّ كتيبة تحمل حملة، فو الله ما استفضضناهم ولا شيئا منهم.
وقال أبو الزبير الهمداني: كنت في خيل جبلة بن زحر. فلمّا حمل علينا أهل الشام مرّة بعد مرّة نادانا عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه، فقال:
« يا معشر القرّاء، إنّ الفرار ليس بأحد من الناس أقبح منه بكم. إني سمعت عليّا - رفع الله درجته في الصالحين والشهداء والصدّيقين - يقول يوم لقينا أهل الشام: أيها المؤمنون، إنّه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ونوّر قلبه باليقين. فقاتلوا المحلّين المبتدعين الذين قد جهلوا الحقّ فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه. » وتكلّم أبو البختري بنحو من هذا الكلام وحضّ على قتالهم، وكذلك الشعبيّ، وسعيد بن جبير.
وقال جبلة:
« إذا حملتم عليهم فاحملوا حملة صادقة لا تردّوا فيها وجوهكم حتى تخالطوا صفّهم. » قال: فحملنا حملة بجدّ منّا في قتالهم وقوّة منّا عليهم. فضربنا الكتائب الثلاث حتى تكسّرت بعضها في بعض وتفرّقت. ثم مضينا حتى واقعنا صفّهم فضاربناهم حتى أزلناهم عنه. ثم انصرفنا، فمررنا بجبلة صريعا لا ندري كيف قتل.
قال: فهدّنا ذلك وجئنا فوقفنا موقفنا الذي كنّا به وإنّ قرّاءنا لمتوافرون ونحن نتناعى جبلة بن زحر، كأنّما فقد كلّ واحد منّا أباه أو أخاه، بل هو في ذلك الموطن كان أشدّ علينا فقدا.
فقال لنا أبو البختريّ:
« لا يستبيننّ عليكم قتل جبلة بن زحر، فإنّما كان كرجل منكم أتته منيّته ليومها، وكلّكم ذائق ما ذاق، ومدعوّ فمجيب. » قال: فنظرت في وجوه القرّاء، فإذا الكآبة على وجوههم بيّنة، وإذا ألسنتهم منقطعة، وإذا الفشل قد ظهر فيهم. فسرّ أهل الشام ما رأوا فينا، ثم نادونا:
« يا أعداء [ الله، ] قد هلكتم والله، وقتل الله طاغيتكم. » وقدم علينا، ونحن على تلك الحال، بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني، فشجّع الناس مقدمه وقالوا:
« هذا يقوم مقام جبلة. » فسمع هذا الكلام من بعضهم أبو البختري، فقال:
« قبحتم، إن كان كلّما قتل رجل واحد ظننتم أن قد أحيط بكم، فإن قتل الآن مصقلة ألقيتم بأيديكم وقلتم: لم يبق أحد نقاتل معه. ما أخلقكم أن يخلف رجاؤنا فيكم. » وكان قدم بسطام من الريّ.
قال أبو المخارق: قاتلناهم مائة يوم أعدّها عدّا لا يزيد يوما ولا ينقص يوما وما كنّا قطّ أجرأ عليهم ولا هم أهون علينا منهم في ذلك اليوم. وذلك أنّا قاتلناهم عامة يومنا أحسن القتال قاتلناهم قطّ ونحن آمنون من الهزيمة عالون القوم، إذ خرج سفيان بن الأبرد الكلبي في الخيل من ميمنة أصحابه حتى دنا من الأبرد بن قرّة التميمي وعلى ميسرة عبد الرحمن بن محمد. فو الله ما قاتله كبير قتال حتى انهزم. فأنكرها الناس منه، وكان شجاعا، ولم يكن الفرار له بعادة.
فطن الناس أنّه كان أو من وصولح على أن ينهزم بالناس. فلما فعلوا تقوّضت الصفوف من نحوه، وركب الناس رؤوسهم وأخذوا في كلّ وجه.
فصعد عبد الرحمن بن محمد المنبر، وأخذ ينادى الناس:
« إليّ إليّ، أنا محمد. » فأتاه عبد الله بن رزام الحارثي، فوقف تحت منبره في خيل له، وجاءه عبد الله بن ذؤاب السلمى في خيل له، فوقف قريبا منه وثبت حتى دنا منه أهل الشام، فأخذت نبالهم تحوزه. فقال:
« يا ابن رزام، احمل على هذه الرجّالة. » فحمل عليهم حتى أمعنوا. ثم جاءت خيل أخرى ورجّالة، فقال:
« احمل عليهم يا ابن ذؤاب. » فحمل عليهم حتى أمعنوا وثبت لا يبرح. ودخل أهل الشام العسكر، فصعد إليه عبد الله بن يزيد بن المغفّل الأزدي، فقال:
« انزل، فإني أخاف عليك إن لم تنزل أن تؤسر، ولعلّك إن انصرفت اليوم أن تجمع لهم جميعا في غد يهلكهم الله. » وكانت بنت عبد الله بن يزيد تحت عبد الرحمن بن محمد. فنزل وخلّى أهل العراق العسكر وانهزموا لا يلوون. ومضى عبد الرحمن مع أناس من أهل بيته.
فقال الحجّاج:
« أتركوهم، فليبتدروا ولا تتبعوهم. » ونادى المنادى:
« من رجع فهو آمن. » ورجع محمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك إلى الشام بعد الوقعة، وخلّيا العراق والحجّاج.
دخول الحجاج الكوفة وجلوسه للناس
وجاء الحجّاج حتى دخل الكوفة وجلس للناس. فكان لا يبايعه أحد من أهل العراق إلّا قال:
« أتشهد أنّك قد كفرت؟ » فإذا قال: « نعم، » بايعه، وإلّا قتله.
فجاء رجل من خثعم، وكان معتزلا للناس جميعا من وراء الفرات. فسأله عن حاله فقال:
« ما زلت معتزلا وراء هذه النطفة منتظرا أمر الناس حتى ظهرت، فأتيت لأبايعك مع الناس. » فقال:
« أمتربّص؟ أتشهد أنّك كافر؟ » « بئس الرجل أنا إذا! إن كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر. » قال:
« إذا أقتلك. » قال:
« فإن قتلتني، والله ما بقي من عمرى إلّا كظمء حمار، وإني لأنتظر الموت صباح مساء. » قال:
« اضربوا عنقه. » فلما ضربوا عنقه لم يبق أحد حوله من الحرس إلّا رحمه ورثى له من القتل.
قتله كميل بن زياد النخعي وما دار بينهما من كلام
ودعا بكميل بن زياد النخعي، وكان ركينا في الحرب حليما صاحب نجدة وحفاظ من أصحاب عليّ بن أبي طالب ، فقال:
« أنت المقتصّ من أمير المؤمنين عثمان؟ قد كنت أحبّ أن أجد عليك سبيلا. » فقال:
« والله ما أدري على أيّنا أنت أشدّ غضبا: عليه حين أقاد من نفسه، أم عليّ حين عفوت عنه؟ » فراجعه الحجّاج. فقال:
« أيها الرجل! لا تصرف عليّ أنيابك، ولا تتهدّم عليّ تهدّم الكثيب، ولا تكشر كشران الذئب. والله ما بقي من عمرى إلّا مثل ظمئ الحمار، فإنّه يشرب غدوة، ويموت عشيّة ويشرب عشيّة ويموت غدوة. اقض ما أنت قاض، فإنّ الموعد الله، وغدا الحساب. » فقال الحجّاج:
« فإنّ الحجّة عليك. » قال:
« إن كان القضاء إليك. » قال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« اقتلوه! » فقتل رحمه الله.
وأتى برجل آخر من بعده طلبه الحجّاج. فقال الحجّاج:
« إني أرى وجه رجل ما أظنّه يشهد على نفسه بالكفر. » قال:
« أخادعى أنت عن نفسي؟ بلى أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد. » فضحك الحجّاج وخلّى سبيله.
وتوفّى في هذه السنة المهلّب منصرفه من كسّ يريد مرو وأصابته الشوصة فدعا حبيبا ومن حضر من ولده فوصّاهم.
وصية المهلب إلى ولده حين حضرته الوفاة
قال:
« عليكم بتقوى الله، وصلة الرحم. اجمعوا أمركم ولا تختلفوا. تبارّوا لتجتمع أموركم. إنّ بنى الأمّ يختلفون وكيف ببني العلّات. وعليكم بالطاعة والجماعة، ولتكن أفعالكم أفضل من أقوالكم، فإني أحبّ الرجل أن يكون لعمله فضل على لسانه. واتّقوا الجواب وزلّة اللسان، فإنّ الرجل تزلّ قدمه فينتعش من زلّته، ويزلّ لسانه فيهلك. وآثروا الجود على البخل وأحبّوا العرب، واصطنعوا العرف. فإنّ الرجل تعده العدة فيموت دونك، فكيف الصنيعة عنده! عليكم في الحرب بالأناة والمكيدة، فإنّها أنفع من الشجاعة، وإذا كان [ اللقاء ]، ونزل القضاء. فإن أخذ رجل بالحزم وظهر على العدوّ، قيل: [ أتى ] الأمر من وجهه ثم ظفر. وإن لم يظفر بعد الأناة، قيل: ما فرّط ولا ضيّع، ولكنّ القضاء غالب.
وعليكم بقراءة القرآن وتعلّم السنن وآداب الصالحين. وإيّاكم والخفّة وكثرة الكلام في مجالسكم. اعرفوا حقّ من يغشاكم، فكفى بغدوّ الرجل ورواحه إليكم تذكرة له. وقد استخلفت عليكم يزيد. » فقال المفضّل:
« لو لم تقدّم يزيد لقدّمناه. » ومات المهلّب وصلّى عليه حبيب، ثم سار بالجند إلى مرو. فكتب يزيد إلى عبد الملك بوفاة أبيه واستخلافه إيّاه، فأقرّه الحجّاج. وذلك في سنة اثنتين وثمانين.
ذكر وقعة الحجاج وابن الأشعث بمسكن
لمّا انهزم ابن الأشعث من دير الجماجم، وتفرّق أصحابه حصل خلق منهم بالمدائن مع محمد بن أبي وقّاص وجماعة مع عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي سمرة بن جندب. وخرج الحجّاج في آثارهم، فبدأ بالمدائن. فلمّا بلغ محمد بن سعد عبوره خرج مع أصحابه حتى لحق بابن الأشعث. وخرج إليه عبيد الله بن عبد الرحمن أيضا، واجتمع إليه الناس من كلّ أوب حتى عسكروا معه على دجيل بمسكن، وأتاه فلّ الكوفة، وتلاوم الناس على الفرار، وبايع أكثرهم بسطام بن مصلقة على الموت، وخندق عبد الرحمن على أصحابه، وبثق الماء من جانب، فوجّه القتال من وجه واحد.
وقدم عليه خالد بن حرير بن عبد الله القسري من خراسان في ناس كانوا معه من بعث الكوفة، فاقتتلوا خمس عشرة ليلة من شعبان أشدّ قتال حتى قتل زياد بن عثيم من أصحاب الحجّاج وكان على مسالحه، فهدّه ذلك وهدّ أصحابه. وعبّى أصحابه وحضّهم على القتال، وباكرهم بقاتل لم ير مثله قطّ. وجاءه عبد الملك بن المهلّب مجفّفا وقد كشفت خيل سفيان بن الأبرد.
فقال له الحجّاج:
« ضمّ إليك يا عبد الملك هذا النشر لعلّى أحمل عليهم. » ففعل، وحمل الناس من كلّ جانب، فانهزم أهل العراق أيضا وقتل أبو البختري الطائيّ وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكانا قالا قبل أن يقتلا:
« إنّ الفرار كلّ ساعة لقبيح بنا. » فصبرا وأصيبا.
ومشى بسطام بن مصقلة في أربعة آلاف ممّن بايعوه على الموت، فهزم أهل الشام مرارا وكشفهم حالا بعد حال، ولم يكن الحجّاج يعرف إليهم طريقا إلّا الطريق الذي يلتقون فيه. فأتى بشيخ كان راعيا، فدلّه على طريق من وراء أجمة في الكرخ طوله ستّة فراسخ في ضحضاح من الماء. فبات الحجّاج الليلة وانتخب من جلد أهل الشام أربعة آلاف، وقال لقائدهم:
« ليكن هذا العلج أمامك وهذه خمسة آلاف درهم. فان أقامك على عسكرهم فادفع إليه المال، وإن كذبنا فاضرب عنقه. فإن رأيتهم فاحمل عليهم في من معك وليكن شعاركم: يا حجّاج يا حجّاج. » فانطلق القائد صلاة العصر، والتقى عسكر الحجّاج وعسكر ابن الأشعث حين فصل القائد بمن معه. فاقتتلوا إلى الليل، فانكشف الحجّاج من جهة بسطام بن مصقلة كما حكينا من أمره قبل، حتى عبر السّيب ودخل ابن الأشعث عسكره فانتهبه.
ذكر تكاسل كان من ابن الأشعث عاد بوبال عليه واتفاق محمود للحجاج
قيل لابن الأشعث:
« الرأي أن تتبعه ولا تنفّس عنه. » فقال:
« [ قد ] تعبنا ولحقنا نصب. » فرجع إلى عسكره، وألقى أصحابه السلاح وباتوا آمنين، في أنفسهم لهم الظفر، وهجم القوم عليهم نصف الليل يصيحون بشعارهم. فجعل الرجل من أصحاب ابن الأشعث لا يدرى أين يتوجّه، دجيل من يساره وجدلة أمامه ولها جرف منكر.
فكان من غرق أكثر ممن قتل. وسمع الحجّاج الصوت، فعبر السيب، وكان قد قطعه إلى عسكره، ثم وجّه خيله إلى القوم، فالتقى العسكران على ابن الأشعث، فانهزم في ثلاثمائة. فمضى على شاطئ دجلة حتى أتى دجيلا، فعبره في السفن وعقروا دوابّهم، وانحدر في السفن إلى البصرة. فدخل الحجّاج عسكره وقتل من وجد، حتى قتل أربعة آلاف، فيهم بسطام بن مصقلة وجماعة من أهل الشرف والصبر.
وخرج ابن الأشعث بمن معه من الفلّ منهزمين نحو سجستان فلمّا دخل كرمان تلقّاه عمرو بن لقيط وكان عامله عليها. فسأله نزلا، ونزل.
فقال له شيخ من عبد القيس يقال له معقل:
« والله، لقد بلغنا عنك يا بن الأشعث أنّك جبان في مواطنك. » فقال عبد الرحمن:
« ما جبنت، والله لقد دلفت إلى الرجال بالرجال، ولففت الخيل بالخيل، ولقد قاتلت وقاتلت راجلا، فما انهزمت، ولا تركت العرصة للقوم في موطن حتى لا أجد مقاتلا، ولا أرى معي مقاتلا، ولكني زاولت ملكا مؤجّلا. » ثم مضى ابن الأشعث بمن معه حتى فوّز في مفازة كرمان وخيل الشام تتبعه، ثم مضى حتى خرج إلى زرنج مدينة سجستان، وفيها رجل من بنى تميم كان استعمله عبد الرحمن عليها يقال له عبد الله بن عامر بن بنى مجاشع. فلمّا قدم عليه ابن الأشعث منهزما أغلق باب المدينة دونه، ومنعه دخولها. فأقام عبد الرحمن أيّاما رجاء افتتاحها ودخولها. فلمّا رأى أنه لا يصل إليها خرج حتى أتى بست، فكان استعمل عليها رجلا يقال له: عياض بن هميان السدوسي، فاستقبله وقال له:
« انزل. »
ذكر طمع عياض في ابن الأشعث
فجاء ابن الأشعث حتى نزل به وانتظر حتى غفل أصحاب عبد الرحمن، وتفرّقوا عنه وثب عليه، فأوثقه وأراد أن يأمن بها عند الحجّاج ويتخذ بها عنده مكانا، وقد كان رتبيل حين سمع بمقدم عبد الرحمن عليه استقبله في جنوده، وجاء حتى أحاط ببست، وبعث إلى البكريّ، والله، لئن آذيته بما يقذى عينه أو ضررته ببعض المضرّة، أو رزأته حبلا من شعر، لا أبرح العرصة حتى أستنزلك فأقتلك وجميع من معك، ثم أسبى ذراريّكم، وأقسّم بين الجند أموالكم، وأقتل من عاند منكم. » فأرسل إليه البكري أن:
« أعطنا أمانا على أنفسنا وأموالنا ونحن ندفعه إليك سالما وما كان له من مال موقّرا. »
فصالحه على ذلك وآمنهم. ففتحوا لابن الأشعث وخلّوا سبيله، فأتى رتبيل فقال له بعد ما أنس وتساءلا:
« هذا الرجل كان عاملي على هذه المدينة، وركب مني ما رأيت، فأذن لي في قتله؟ » قال:
« آمنته وأكره الغدر به. » فقال:
« فأذن لي في لهزه ودفعه والتصغير به. » فقال:
« أمّا هذا فنعم. » ففعل به عبد الرحمن، ثم مضى مع رتبيل حتى دخل بلاده، فأنزله رتبيل وأكرمه وعظّمه وكان معه ناس من الفلّ كثير.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر ما اغتر به عبد الرحمن حتى فارق رتبيل ثم اضطر إلى معاودته
كان جماعة من أصحاب عبد الرحمن وعظم فلوله ممّن لم يقبلوا أمان الحجّاج وناصبوه في مواطنه لم يكن لهم عنده وجه، فاضطرّوا إلى الخروج في إثر عبد الرحمن، فلم يزالوا يتساقطون إلى نواحي سجستان حتى اجتمع منهم وممّن اتّبعهم من أهل البلد نحو من ستين ألفا. فنزلوا على عبد الله بن عامر، فحصروه وكتبوا إلى عبد الرحمن يخبرونه بعددهم وجماعتهم وهو عند رتبيل، وكان يصلّى بهم عبد الرحمن بن العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، وكتبوا إليه أن:
« أقبل، لعلّنا نسير إلى خراسان، فإنّ بها منّا جندا عظيما، فلعلّهم يبايعوننا على قتال أهل الشام وهي بلاد واسعة عريضة فيها حصون. »
فخرج إليه عبد الرحمن بمن معه، فحصروا عبد الله بن عامر حتى استنزلوه، فأمر به عبد الرحمن، فضرب وعذّب وحبس. ثم إنّه توجّه إليهم خيل الشام، عليهم عمارة بن تميم اللخميّ.
ذكر آراء أشير بها على ابن الأشعث ورأى رءاه وحده سديد لو ساعدوه عليه
أشار أصحاب عبد الرحمن عليه أن يخرج عن سجستان، وقالوا له:
« هلمّ بنا، نأتى خراسان وندع لهم سجستان. » فقال عبد الرحمن:
« على خراسان يزيد بن المهلّب وهو شابّ شجاع صارم وليس بتارك سلطانه، ولو قد دخلتموها وجدتموه سريعا إليكم، ولن يدع أهل الشام اتّباعكم، فأكره أن يجتمع عليكم أهل خراسان وأهل الشام، وأخاف ألّا تنالوا ما تظنّون. » فقالوا:
« إنّما أهل خراسان منّا، ونحن نرجو أن لو دخلناها أن يكون من يتّبعنا منهم أكثر ممّن يقاتلنا، وهي أرض طويلة عريضة نتنحّى فيها حيث شئنا ونمكث حتى يهلك الله الحجّاج أو عبد الملك، أو نرى رأينا. » فقال لهم عبد الرحمن:
« سيروا على اسم الله. » فساروا حتى بلغوا هراة. فلم يشعروا بشيء حتى خرج من عسكره عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن جندب القرشيّ في ألفين، ففارقه وأخذ طريقا سوى طريقهم.
فلمّا أصبح ابن الأشعث خطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
« أمّا بعد، فإني قد شهدتكم في هذه المواطن، وليس منها مشهد لا أصبر لكم فيه نفسي حتى لا يبقى فيه منكم أحد، وقد كنت لمّا رأيتكم لا تصبرون ولا تصدقون القتال، أتيت ملجأ ومأمنا فكنت فيه. فجاءتني كتبكم بأن: أقبل إلينا فإنّا قد اجتمعنا وأمرنا واحد، لعلّنا نقاتل عدوّنا. فأتيتكم، فرأيتم أن أمضى إلى خراسان وزعمتم أنّكم مجتمعون لي، وأنّكم لن تتفرّقوا عني، فحسبي منكم يومي هذا. قد صنع عبيد الله ما قد رأيتم، فاصنعوا أنتم أيضا ما بدا لكم. أما أنا فمنصرف إلى صاحبي الذي أتيتكم من قبله. فمن أحبّ منكم أن يتبعني فليتبعني، ومن كره ذلك فليذهب حيث أحبّ في كنف الله. » فتفرّقت منهم طائفة ونزلت معه طائفة وبقي عظم العسكر. فوثبوا إلى عبد الرحمن بن عباس الهاشميّ لما انصرف ابن الأشعث، فبايعوه ثم مضى عبد الرحمن بن الأشعث إلى رتبيل ومضوا هم إلى خراسان حتى انتهوا إلى هراة، فلقيهم الرقاد بن عبيد العتكيّ، فقتلوه وخرج إليهم يزيد بن المهلّب، وأرسل إليهم وإلى الهاشميّ:
« قد كان لك في البلاد متّسع ومن هو أكلّ مني حدّا وأهون شوكة، فارتحل إلى بلد ليس [ لى ] فيه سلطان، فإني أكره قتالك. وإن أحببت أن أمدّك بمال لسفرك أعنتك عليه. » فأرسل إليه:
« ما نزلنا هذه البلاد لمحاربة ولا انتقام، ولكنّا أردنا أن نريح ثم نشخص إن شاء الله، وليست بنا حاجة إلى ما عرضت. » فانصرف رسول يزيد إليه، وأقبل الهاشميّ على الجباية وبلغ يزيد، فقال:
« من أراد أن يريح ثم يجتاز لم يجب الخراج. » فقدّم المفضّل في خمسة آلاف ثم أتبعه في أربعة آلاف.
ووزن يزيد نفسه بسلاحه، فكان أربعمائة رطل، فقال:
« ما أرانى إلّا قد ثقلت عن الحرب. أيّ فرس يحملني! » ثم دعا بفرسه الكامل، فركبه حتى أتى هراة، وأرسل إلى الهاشميّ:
« قد أرحت وأسمنت وجبيت، فلك ما جبيت، وإن أردت زيادة زدناك.
فاخرج، فو الله ما أريد أن أقاتلك. » فأبى إلّا القتال، ودسّ الهاشميّ إلى جند يزيد يمنّيهم ويعدهم إلى نفسه. فأخبر بعضهم يزيد، فقال:
« جلّ الأمر عن العتاب. أتغدّى بهذا قبل أن يتعشّى بي. » فسار إليه حتى تدانى العسكران وتأهّبوا للقتال، وألقى ليزيد كرسيّ، فقعد عليه، وولّى الحرب أخاه المفضّل، وقال له:
« قدّم خيلك. » فتقدّم بها وتهايجوا، فلم يكن بينهم كبير قتال حتى تفرّق الناس عن عبد الرحمن الهاشميّ، وصبر وصبرت معه طائفة من أهل الحفاظ، فكثرهم الناس، فانكشفوا. فأمر يزيد بالكفّ عن اتّباعهم، وأخذوا ما كان في عسكرهم، وأسروا منهم أسرى فيهم سعيد بن أبي وقّاص، وموسى بن عمر بن عبيد الله بن معمر، وعيّاش بن الأسود بن عوف الزهري، والهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة، ويزيد بن الحصين، وعبد الرحمن بن طلحة بن عبيد الله بن خلف، وعبد الله بن فضالة الزهراني. ولحق الهاشمي بالسند، وابن سمرة قصد مرو.
ثم انصرف يزيد إلى مرو، وبعث بالأسرى إلى الحجّاج مع ابن عمّ له، وخلّى عن ابن طلحة وعبد الله بن فضالة.
وسعى قوم عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، فأخذه يزيد، وحبسه. فأمّا محمد بن سعد بن أبي وقّاص، فيقال: إنّه قال ليزيد:
« أسألك بدعوة أبي لأبيك. » ولقوله هذا حديث فيه طول.
ذكر ما تقدم به الأسرى عند الحجاج
لمّا قدم الأسرى على الحجّاج، قدّم موسى بن عمر بن عبد الله بن معمر، فقال:
« أنت صاحب عديّ الرحمن. » فقال:
« أصلح الله الأمير، كانت فتنة شملت البرّ والفاجر، فدخلنا فيها، وقد أمكنك الله منّا، فإن عفوت فبحلمك وبفضلك، وإن عاقبت، عاقبت ظلمة مذنبين. » فقال الحجّاج:
« أمّا قولك: شملت البرّ والفاجر فكذبت، ولكنّها شملت الفجّار وعوفي منها الأبرار، وأمّا اعترافك بذنبك فعسى أن ينفعك. » فعزل، ورجا له الناس العافية. حتى قدّم الهلقام بن نعيم، فقال له الحجّاج:
« أخبرني عنك، ما رجوت اتّباع عبد الرحمن بن محمد، أرجوت أن يكون خليفة؟ » قال:
« نعم، رجوت ذلك وطمعت أن ينزلني منزلتك من عبد الملك. » فغضب الحجّاج، وقال:
« اضربوا عنقه! » ونظر إلى موسى بن عمر بن عبد الله بن معمر وقد كان نحّى عنه، فقال:
« اضربوا عنقه! » وقتل، وقتل بقيّتهم.
كلام للشعبي لما حمل إلى الحجاج
كان الحجّاج لمّا هزم الناس نادى مناديه:
« من لحق بقتيبة بن مسلم بالريّ فهو أمانه. » فلحق ناس كثير بقتيبة وفيهم عامر الشعبيّ. فذكره الحجّاج يوما وقال:
« أين هو، وما فعل؟ » قال له يزيد بن أبي مسلم، وهو كاتب الحجّاج:
« بلغني أيها الأمير أنّه لحق بقتيبة. » فكتب الحجّاج إلى قتيبة أن يبعث إليه بالشعبى حين ينظر في كتابه. فسرّحه إليه.
قال الشعبي: كنت لابن أبي مسلم صديقا. فلمّا قدم بي على الحجّاج لقيته وقلت له:
« أشر عليّ. » قال:
« ما أدري ما أشير به عليك، غير أن: اعتذر ما استطعت من عذر. » فلمّا دخلت سلّمت بالإمرة ثم قلت:
« أيها الأمير إنّ الناس قد أمرونى أن أعتذر إليك بغير ما يعلم الله أنه الحق.
وأيم الله لا أقول في هذا المقام إلّا حقا. قد والله سوّدنا عليك، وخرجنا واجتهدنا عليك كلّ الجهد فما ألونا. فما كنّا بالفجرة الأقوياء، ولا بالبررة الأتقياء. ولقد نصرك الله علينا، وأظفرك بنا، فإن سطوت فبذنوبنا وما جرّت إلينا أيدينا، وإن عفوت عنّا فبحلمك. وبعد فالحجّة لك علينا. » فقال له الحجّاج:
« أنت والله أحبّ إليّ ممّن يدخل عليّ يقطر سيفه من دمائنا ثم يقول: ما فعلت وما شهدت. قد أمنت عندنا يا شعبيّ. » قال: فانصرفت. فلما مشيت قليلا، قال:
« هلّم يا شعبيّ! » قال: فوجل لذلك قلبي، ثم ذكرت قوله: « قد أمنت ». فاطمأنّت نفسي. قال:
« كيف وجدت الناس بعدنا يا شعبيّ؟ » وكان لي مكرما. فقلت:
« أصلح الله الأمير، اكتحلت والله بعدك السهر، واستوعرت الجناب واستحلست الخوف وفقدت صالح الإخوان، ولم أجد من الأمير خلفا. » قال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« انصرف يا شعبيّ. » فانصرفت.
فيروز يمنع الحجاج أن ينال ماله
وقيل: إنّ الحجّاج لمّا أتى بالأسرى من عند يزيد بن المهلّب، قال لحاجبه:
« إذا دعوت بسيّدهم فأتنى بفيروز فأبرزوا سريره. » وهو حينئذ بواسط القصب، قبل أن تبنى مدينة واسط. ثم قال لحاجبه:
« جئني بسيّدهم. » فقال لفيروز:
« قم! »
فقال له الحجّاج:
« أبا عثمان ما أخرجك مع هؤلاء؟ فو الله ما لحمك من لحومهم، ولا دمك من دمائهم. » فقال:
« فتنة عمّت الناس فكنّا فيها. » فقال:
« أكتب لي أموالك. » قال:
« ثم ما ذا؟ » قال:
« أكتبها أوّل. » قال:
« ثم أنا آمن على دمى؟ » قال:
« أكتبها، ثم أنظر. » قال:
« أكتب يا غلام: ألف ألف، ألفي ألف. » حتى ذكر مالا عظيما. فقال الحجّاج:
« أين هي، وعند من هذه الأموال؟ » قال: [ « عندي. » قال:
« فأدّها. » قال:
« وأنا آمن على دمى؟ » قال:
« والله، لتؤدّينّها، ثم لأقتلنّك. » قال: ] « لا والله لا، جمعت مالي ودمى. » فقال الحجّاج للحاجب:
« نحّه! »
فنحّاه ثم أمر به فعذّب. وكان في ما عذّب به أن كان يشدّ عليه القصب الفارسيّ المشقّق، ثم يجرّ حتى تحزّز جسده، ثم ينضح عليه الخلّ والملح.
فلما أحسّ بالموت، قال لصاحب العذاب:
« إنّ الناس لا يشكّون أنّى قتلت. ولى ودائع أموال عند الناس لا تؤدّى إليكم أبدا. فأظهرونى للناس ليعلموا أنّى حيّ فيؤدّوا المال. » فأعلم الحجّاج فقال:
« أظهروه. » فأخرج، فصاح في الناس:
« من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرنى فأنا فيروز الحصين. إنّ لي عند أقوام مالا. فمن كان لي عنده شيء فهو له وهو في حلّ فلا يؤدّينّ أحد منه درهما. ليبلغ الشاهد الغائب. » فأمر به الحجّاج فقتل.
ذكر خديعة للحجاج ظن الناس بها أنه آمنهم حتى قتلهم
كان الحجّاج أمر مناديا فنادى عند الهزيمة يوم الزاوية:
« ألا لا أمان لفلان ولا لفلان. » سمّى رجالا من الأشراف ولم يقل: الناس آمنون. فقال الناس:
« قد آمن الناس كلّهم إلّا هؤلاء النفر. » فأقبلوا إلى حجرته. فلما اجتمعوا أمرهم بوضع أسلحتهم، ثم قال:
« لآمرنّ بكم اليوم رجلا ليس بينه وبينكم قرابة. » فأمر بهم عمارة بن تميم اللخميّ، ففرّقهم وقتلهم.
فروى النضر بن شميل عن هشام بن حسّان أنّه قال يوما: قتل الحجّاج صبرا مائة ألف وعشرين ألفا، أو مائة ألف وثلاثين ألفا، منهم يوم الزاوية أحد عشر ألفا، ما استبقى منهم إلّا رجلا واحدا كان ابنه في الكتّاب مع ابن الحجّاج، فدعا الصبيّ وقال:
« أهبه لك »، قال:
« نعم. » فخلّى سبيله.
ذكر هلاك عبد الرحمن بن الأشعث ورأي لبعض أصحابه صحيح
كان مع عبد الرحمن بن الأشعث لمّا انصرف من هراة راجعا إلى رتبيل، رجل من أود يقال له: علقمة بن عمرو. فقال له:
« إني ما أريد أن أدخل معك. » قال له عبد الرحمن:
« ولم؟ » قال:
« لأنّى أتخوف عليك وعلى من معك. » قال:
« وكيف؟ » قال:
« والله لكأنّى بكتاب من الحجّاج قد جاء فوقع إلى رتبيل يرغبه ويرهبه، فإذا هو قد بعث بك سلما أو قتلك ومن معك. ولكن هاهنا خمسمائة رجل قد تبايعنا على أن ندخل مدينة فنتحصّن فيها ونقاتل حتى نعطى أمانا، أو نموت كراما. » فقال عبد الرحمن:
« كلّا، فادخل معي، فإني أواسيك وأكرمك. » فأبى عليه. ودخل عبد الرحمن إلى رتبيل وخرج هؤلاء الخمسمائة. فبعثوا عليهم مودودا البصريّ. فأقاموا حتى قدم عليهم عمارة بن تميم اللخميّ، فحاصرهم، فقاتلوه، وامتنعوا منه حتى آمنهم. فخرجوا إليه، فوفى لهم.
وتتابعت كتب الحجّاج إلى رتبيل في عبد الرحمن أن:
« ابعث به إليّ، فو الله لأوطينّ أرضك ألف ألف مقاتل. » وكان عمارة قد انتهى إلى سجستان في ثلاثين ألفا، وكان عند رتبيل رجل من تميم من بنى يربوع يقال له: عبيد بن أبي سبيع، وكان مع ابن الأشعث، فخصّ برتبيل، وكان قديما رسول ابن الأشعث فخفّ عليه. فلمّا رأى رتبيل لا يسلم ابن الأشعث خلا به وخوّفه الحجّاج، وقال:
« أنا آخذ لك من الحجّاج عقدا ليكفّنّ الحجّاج عن أرضك سبع سنين على أن تدفع إليه ابن الأشعث. » فقال رتبيل:
« فإني أفعل. » فكاتب الحجّاج وأعلمه أنّ رتبيل لا يعصيه وأنّه يتوصّل له إلى أخذ ابن الأشعث، وأخذ من الحجّاج مالا، وخرج إلى عمارة بن تميم، فاستجعل منه ألف ألف درهم، وأخذ من رتبيل أيضا مالا، واشترط لرتبيل ألّا يغزى بلاده عشر سنين، وأن يؤدّى بعد العشر سنين في كلّ سنة تسعمائة ألف درهم. فأعطى هو وابن أبي سبيع، وأرسل رتبيل إلى ابن الأشعث، فأحضره وثلاثين من أهل بيته وقد أعدّ لهم الجوامع والقيود، فألقى في عنقه جامعة، وفي عنق أخيه القاسم بن محمد بن الأشعث جامعة، وأرسل بهم إلى أدنى مسلحة عمارة منه. وقال لجماعة من كان مع ابن الأشعث:
« تفرّقوا إلى حيث شئتم. » ولمّا قرب ابن الأشعث من عمارة، ألقى نفسه من فوق قصر، فمات واحتزّ رأسه، فأتى به وبالأسرى عمارة فضرب أعناقهم، وأرسل برأس الأشعث وبرؤوس أهله إلى الحجّاج، فأرسل به الحجّاج إلى عبد الملك، فأرسل به عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز وهو يومئذ على مصر.
فحكى ابن عائشة: انّه لمّا أتى عبد الملك برأس ابن الأشعث، أرسل به مع خصيّ له إلى امرأة من بنات عمر بن الأشعث كانت تحت رجل من قريش. فلمّا وضع بين يديها نهضت إليه وقالت:
« مرحبا برأس لا يتكلّم، ملك ابن ملوك، طلب ما هو أهله، فأبت المقادير. » فذهب الخصيّ ليأخذ الرأس واجتذبته من يده وقالت:
« لا والله حتى أبلغ حاجتي منه. » ثم دعت بخطميّ فغسلته وغلّفته، ثم قالت:
« شأنك به الآن. » فأخذه. ثم أخبر عبد الملك، فلما دخل عليه زوجها قال له:
« إن استطعت أن تصيب منها سحلة. »
ذكر سبب عزل يزيد بن المهلب عن خراسان
كان الحجّاج يهاب ناحية يزيد بن المهلّب بعد فراغه من عبد الرحمن بن محمد ويعرف منزلته من عبد الملك فيخشاه على موضعه وقد كان أذلّ أهل العراق كلّهم، إلّا آل المهلّب، فأكثر على عبد الملك في شأن يزيد بن المهلّب، وخوّفه غدره وعيّره، فإنّه وأهل بيته زبيريّون.
فكتب إليه عبد الملك:
« قد أكثرت في معنى يزيد، وإنّ الذي دعا آل المهلّب إلى الوفاء لابن الزبير هو الذي يدعوهم إلى الوفاء لي. » وبلغ يزيد بن المهلّب ما يريد الحجّاج. فكان يكثر الغزوات ويعتلّ على الحجّاج إذا استقدمه أنّه بإزاء عدوّ وحروب. إلى أن أذن عبد الملك في عزل يزيد وتقليد قتيبة بن مسلم خراسان.
فكتب الحجّاج إلى يزيد بن المهلّب أن:
« استخلف أخاك المفضّل. » وكتب إلى المفضّل بولاية خراسان. فجعل المفضّل يستحثّ يزيد. فقال له يوما يزيد:
« يا أخي، إنّ الحجّاج لا يقرّك بعدي، وإنما دعاه [ إلى ] ما صنع مخافة أن أمتنع عليه. » قال:
« بل حسدتني. » قال يزيد:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 18 (0 من الأعضاء و 18 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)