صفحة 17 من 28 الأولىالأولى ... 7151617181927 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 65 إلى 68 من 110

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء التاسع)


  1. #65
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    شغب الجند والعامة ببغداد وولاية سليمان بن عبد الله بن طاهر عليهما

    ولثلاث عشرة خلت من شهر رمضان منها فتح السجن ببغداد، ووثبت الشاكرية والنائبة ببغداد من جندهما بمحمد بن أوس البلخي.
    ذكر الخبر عن سبب ذلك وما آل الأمر إليه فيه
    ذكر أن السبب في ذلك كان أن محمد بن أوس قدم بغداد مع سليمان ابن عبد الله بن طاهر وهو على الجيش القادمين من خراسان مع سليمان والصعاليك الذين تألفهم سليمان بالري، ولم تكن أسماؤهم في ديوان السلطان بالعراق، ولا أمر سليمان فيهم بشئ؛ وكانت السنة فيهم أن يقام لم قدم معه من خراسان بالعراق حسب ما يقام بخراسان لنظرائهم من مال ضياع ورثة ذي اليمينين ويكتب بذلك إلى خراسان ليعارض الورثة هنالك من مال العامة، بدل ما كان دفع من مالهم بالعراق، فلما قدم سليمان بن عبد الله العراق، وجد بيت مال الورثة فارغًا وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر قد تقدم عندما صح عنده من الخبر بتصيير الأمر فيما كان يتولاه إلى أخيه سليمان بن عبد الله، فأخذ ما كام حاصلًا لورثة أبيه وجده في بيت مالهم، واستسلف على ما لم يرتفع، وتعجل من المتقبلين أموال نجوم لم تحل حتى استنظف ذلك أجمع؛ وشخص. فأقام بالجويث في شرقي دجلة، ثم عبر حتى صار في غريبها، فضاقت بسليمان الدنيا، وتحرك الشاكرية والجند في طلب الأرزاق، وكتب سليمان إلى أبي عبد الله المعتز بذلك وقدر أموالهم، وأدخل في المال تقدير القادمين معه؛ ووجه محمد بن عيسى بن عبد الرحمن الكاتب الخراساي كاتبه في ذلك؛ فأجيب بعد مناظرات إلى أن سبب له على عمال السواد مال صودر عليه لطمع من بمدينة السلام وشحن السواد لا يقوم بما يجب للنائبة فضلًا عن القادمين مع النائبة؛ فلم يتهيأ لسلمان الوصول إلى شئ من المال، وقدم ابن أوس والصعاليك وأصحابه، فقصر المال عنه وعمن كان يقدر وصوله إليه من النائبة، فوقفوا على ذلك وعلى السبب المضر بهم فيه. وكان القادمون مع سليمان من الصعاليك وغيرهم لما قدموا بغداد أساءوا المجاورة لأهلها، وجاهروا بالفاحشة وتعرضوا للحرم والعبيد والغلمان، وعادوهم لمكانهم من السلطان؛ حتى امتلئوا عليهم غيظًا وحنقًا. وقد كان سليمان بن عبد الله وحر على الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب بنر زريق، لمكانه كان من عبيد الله بن عبد الله " بن طاهر " ونصرته له وكفايته، وانصرافه عن سليمان وأسبابه. فلما انصرف الحسين ابن إسماعيل إلى بغداد بعقب ما كان يتولاه لعبيد الله من أمر الجند والشاكرية، فحبس كاتبه في المطبق وحاجبه في سجن باب الشأم، ووكل بباب الحسين ابن إسماعيل جندًا من قبل إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم؛ لأن سليمان ولى إبراهيم ما كان الحسين بن إسماعيل يتولاه لعبيد الله من أمر جسري بغداد وطساسيج قطربل ومسكن والأنبار؛ فلما حدث ما حدث من بيعة المهتدي وشغب الجند والشاكرية بمدينة السلام، ووقعت الحرب في تلك الأيام، شد محمد ابن أوس على رجل من المراوزة، كان من الشيعة، فضربه في دار سليمان ثلثمائة سوط ضربًا مبرحًا، وحبسه بباب الشأم؛ وكان هذا الرجل من خاصة الحسين بن إسماعيل؛ فلما حدث هذا الحادث احتيج إلى الحسين بن إسماعيل؛ لفضل جلده وإقدامه فنحى من كان ببابه موكلًا فظهر، فتراجع أصحابه من غير أمر؛ وقد كانوا فرقوا على القواد، وضم منهم جمع كبير إلى محمد بن أبي عون القائد؛ فذكر أن المضمومين إلى ابن أبي عون لما صاروا إلى بابه، فرق فيهم من ماله؛ للراجل عشرة دراهم، وللفارس دينارًا؛ فلما رجعوا إلى الحسين رفع ابن أبي عون بذكر ذلك؛ فلم يخرج في ذلك تعيين ولا أمر؛ فلم يزل الحال على هذا والجند والشاكرية يصيحون في طلب مال البعة وما بقي لهم من مال الطمع المتقدم؛ وقد رد أمرهم في تقسيط مالهم؛ وقبضهم إلى الحسين على ما كان الأمر عليه أيام عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. وكان الحسين لا يزال يلقى إليهم ما عليه محمد بن أوس ومن قدم مع سليمان من القصد لأخذ أموالهم والفوز بها دونهم؛ حتى امتلأت قلوبهم فلما كان يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، اجتمع جماعة من الجند والشاكرية، ومعهم جماعة من العامة حتى صاروا إلى سجن باب الشأم ليلًا، فكسروا بابه، وأطلقوا في تلك الليلة أكثر من كان فيه، ولم يبق فيه من أصحاب الجرائم أحدٌ إلا الضعيف والمريض والمثقل؛ فكان ممن خرج في تلك الليلة نفرٌ من أهل بيت مساور بن عبد الحميد الشاري، وخرج معهم المروزي مضروب محمد بن أوس وجماعة ممن قدم لزم السطان إلى أن صاروا إلى قبضته زهاء خمسين ألفًا، وأصبح الناس في يوم الجمعة وباب الحبس مفتوح؛ فمن قدر أن يمشي مشى، ومن لم يقدر اكترى له ما يركبه؛ وما يمنع من ذلك مانع، ولا يدفع دافع؛ فكان ذلك من أقوى الأمور التي بعثت الخاصة والعامة على دفع الهيبة بينهم وبين سليمان بن عبد الله وسد باب السجن بباب الشأم بآجر وطين؛ ولم يعلم أنه كان لإبراهيم ابن إسحاق في هذه الليلة ولا أحد من أصحابه حركة أصلًا؛ فتحدث الناس أن الذي جنى على سجن باب الشأم بمكان المروزي الذي ضربه ابن أوس فيه حتى يخلص. ثم لم يمض بعد ذلك خمسة أيام، حتى نافر ابن أوس الحسين ابن إسماعيل في أمر مال النائبة أراده محمد بن أوس لأصحابه ومنعه الحسين وتجاريا في ذلك كلامًا غلظ بينهما، فخرج محمد متنكرًا؛ فلما كان الغد من ذلك اليوم غدا محمد بن أوس إلى دار سليمان، وغدا الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال مولى طاهر، وحضر الناس باب سليمان؛ وكان بين من حضر من أصحاب ابن أوس وبين النائبة محادثة، علت فيها الأصوات؛ فتبادر أصحاب ابن أوس والقادمون إلى الجزيرة، وعبر إليهم ابن أوس وولده، وتصايح الناس بالسلاح، وخرج الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال والمظفر ابن سيسل في أصحابهم، وصاح الناس بالعامة: من أراد النهب فليلحق بنا؛ فقيل: إنه عبر الجسرين من العامة في ذلك الوقت مائة ألف إنسان في الزواريق، وتوافى الجند والشاكرية بالسلاح؛ فوافى أوائل الناس الجزيرة؛ فلم يكن إلا قدر اللحظة حتى حمل رجل من أهل سرخس على الكبير من ولد محمد بن أوس، وطعنه، فأراده عن شهري كان تحته؛ ثم أخذته السيوف فانهزم عنه أصحابه، فلم يعمل أحد منهم شيئًا، وسلب الجريح وحمل في زورق، حتى عبر به إلى دار سليمان بن عبد الله بن طاهر، فألقى هناك. له ما يركبه؛ وما يمنع من ذلك مانع، ولا يدفع دافع؛ فكان ذلك من أقوى الأمور التي بعثت الخاصة والعامة على دفع الهيبة بينهم وبين سليمان بن عبد الله وسد باب السجن بباب الشأم بآجر وطين؛ ولم يعلم أنه كان لإبراهيم ابن إسحاق في هذه الليلة ولا أحد من أصحابه حركة أصلًا؛ فتحدث الناس أن الذي جنى على سجن باب الشأم بمكان المروزي الذي ضربه ابن أوس فيه حتى يخلص. ثم لم يمض بعد ذلك خمسة أيام، حتى نافر ابن أوس الحسين ابن إسماعيل في أمر مال النائبة أراده محمد بن أوس لأصحابه ومنعه الحسين وتجاريا في ذلك كلامًا غلظ بينهما، فخرج محمد متنكرًا؛ فلما كان الغد من ذلك اليوم غدا محمد بن أوس إلى دار سليمان، وغدا الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال مولى طاهر، وحضر الناس باب سليمان؛ وكان بين من حضر من أصحاب ابن أوس وبين النائبة محادثة، علت فيها الأصوات؛ فتبادر أصحاب ابن أوس والقادمون إلى الجزيرة، وعبر إليهم ابن أوس وولده، وتصايح الناس بالسلاح، وخرج الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال والمظفر ابن سيسل في أصحابهم، وصاح الناس بالعامة: من أراد النهب فليلحق بنا؛ فقيل: إنه عبر الجسرين من العامة في ذلك الوقت مائة ألف إنسان في الزواريق، وتوافى الجند والشاكرية بالسلاح؛ فوافى أوائل الناس الجزيرة؛ فلم يكن إلا قدر اللحظة حتى حمل رجل من أهل سرخس على الكبير من ولد محمد بن أوس، وطعنه، فأراده عن شهري كان تحته؛ ثم أخذته السيوف فانهزم عنه أصحابه، فلم يعمل أحد منهم شيئًا، وسلب الجريح وحمل في زورق، حتى عبر به إلى دار سليمان بن عبد الله بن طاهر، فألقى هناك.
    فذكر بعض من حضر سليمان، أنه لما رآه اغرورقت عيناه من الدمع، ومهد له، وأحضر له الأطباء، ومضى ابن أوس من وجهه إلى منزله؛ وكان ينزل في دار لآل أحمد بن شيرزاد بالدور، ممايلي قصر جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك. وجد أهل بغداد في آثارهم والقواد معهم حتى تلقوهم، فكانت بينهم وقعة بالدور؛ أولها في آخر الساعة الثانية وآخرها في أول الساعة السابعة؛ فلم يزالوا يتراشقون بالنشاب ويتطاعنون بالرماح، ويتخابطون بالسيوف. وأعان ابن أوس جيرانه من أهل سويقة قطوطا وأصحاب الزواريق من ملاحي الدور. واشتدت الحرب، ووجه أهل بغداد يطلبون نفاطين من دار سليمان. فذكروا أن حاجبه دخل، فأعلمه ذلك؛ فأمر بمنعهم منه؛ وقاتل ابن أوس قتالًا شديدًا، فناله جراحٌ من سهام وطعن، فانهزم وأصحابه؛ وقد كان أخرج حرمه من داره؛ فلم يزل أهل بغداد يتبعونهم حتى أخرجوهم من باب الشماسية، ووصل الناس إلى منزل ابن أوس؛ فانتهبوا جميع ما كان فيه؛ فذكر أنه انتهب له بقيمة ألفي درهم؛ والمقلل يقول: ألف ألف وخمسين ألفًا؛ وأنه انتهب له زهاء مائة سراويل مبطن بسمور؛ سوى ما كان مبطنًا بغيره من الوبر مما يشاكل ذلك؛ وانتهب له من الفرش الطبري الخام والمقصور والمدرج والمقطوع ما يكون قيمته ألف ألف درهم؛ وانصرف الناس فجعل الجند يدخلون دار سليمان، وهم يكثرون، ومعهم النهب وهم يصيحون، وما لهم مانع ولا زاجر. وأقام ابن أوس ليلته تلك بالشماسية مع من لحق به من أصحابه. وقد كان أهل بغداد وثبوا بمنازل الصعاليك التي كانوا فيها سكانًا فنهبوها، وتعرضوا لمن كان تخلف منهم، فتلاح القوم هرابًا، ولم يبق منهم في اليوم الثاني ببغداد أحد ظاهرًا.


  • #66
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فذكر أن سليمان وجه تلك الليلة إلى ابن أوس ثيابًا وفرشًا وطعامًا؛ فيقال: إن محمدًا قبله، وقيل: إنه رده. وأصبح الناس في اليوم الثاني وغدا الحسين بن إسماعيل والمظفر بن سيسل إلى دار الشاه بن ميكال، ولحق به وجوه الشاكرية والنائبة وغيرهم؛ فأقاموا هناك مراغمين سليمان بن عبد الله بن طاهر. وخلت دار سليمان فلم يحضرها إلا جميعة. فبعث إليهم سليمان مع محمد بن نصر بن حمزة بن مالك الخزاعي، وهو لا يعلم ما عليه عقد القوم، يعلمهم قبح ما ركبوا من مكحمد بن أوس، وما يجب لمحمد بحرمته وقديمه، وأنهم لو أنهوا إليه ما أنكروا منه لتقدم في ذلك بما يكفيهم معه الحال التي ركبوها، فضج الشاكرية الذين حضروا دار الشاه جميعًا وقالوا: لا نرضى بمجاورة ابن أوس ولا بمجاورة أحد من أصحابه ولا من الصعاليك المنضمين إليه؛ وإنهم إن أكرهوا على ذلك تعاقدوا مباينته، وخلع من يسومهم إياه، وأحال الشاه بن ميكال والحسين بن إسماعيل والمظفر بن سيسل على كراهة القوم، فرجع الرسول بذلك إلى سليمان، فرده إليهم بكلام دون ذلك، ووعدهم وقال: أنا أثق بقولكم وضمانكم دون أيمانكم وعهودكم. ثم استوى جالسًا.
    وذكر أنه لم يزل مستثقلًا محمد بن أوس ومن لحقه به من الصعاليك وغيرهم، عارفًا بسوء رغبتهم ورداءة مذاهبهم، وبسوم محمد بن أوس في نفسه خاصة ومحبته وشروعه في كل ما دعا إلى خلاف وفرقة، وأسبغ هذا المعنى، وكثر فيه حتى خرج به إلى الإغراق فيه؛ إلى أن قال: لقد كنت أدخل في قنوتي في الصلاة طلب الراحة من ابن أوس. ثم التفت إلى محمد بن علي بن طاهر، فأمره بالمصير إلى ابن أوس، والتقدم إليه في العزم على الإنصراف إلى خراسان، وأن يعلمه أنه لا سبيل له إلى الرجوع إلى مدينة السلام، ولا إلى تولي شئ من الأمور التي يتولاها لسيلمان.
    فلما تناهى الخبر إلى ابن أوس رحل من الشماسية، فصار في رقة البردان على دجلة، فأقام بها أيامًا حتى اجتمع إليه من تفرق من أصحابه، ثم رحل فنزل النهروان، فلم يزل بها مقيمًا. وقد كان كتب إلى بايكباك وصالح ابن وصيف يعرض عليهما نفسه، ويشكو إليهما ما نزل به؛ فلم يجد عندهما شيئًا مما قصد؛ وقد كان محمد بن عيسى بن عبد الرحمن مقيمًا بسامرا لينجز أمور سليمان، وكان كارهًا لابن أوس، منحرفًا عنه، وكان ابن أوس مضطرب الأمر لسوء محضر محمد بن عيسى الكاتب؛ فلما انقطعت عن ابن أوس وأصحابه المادة، تعبثوا بأهل القرى والسابلة، وأكثروا الغارات والنهب، ورحل حتى نزل النهروان.
    فذكر عن بعض من قصدوه لينتهبوه، فذكرهم المعاد، وخوفهم الله أنهم ردوا عليه أن قالوا له: إن كان النهب والقتل جائزًا في مدينة السلام؛ وهي قبة الإسلام، ودار عز السلطان؛ فما استنكار ذلك في الصحارى والبراري! ثم رحل ابن أوس عن النهروان بعد أن أثر في تلك الناحية آثارًا قبيحة، وأخذ أهل البلاد بأداء الأموال، وحمل منها الطعام في السفن في بطن النهروان إلى إسكاف بني جنيد لبيعه هناك.
    وكان محمد بن المظفر بن سيسل بالمدائن، فلما بلغه مصير ابن أوس إلى النهروان صير إقامته بالنعمانية من عمل الزوابي خوفًا على نفسه منه لحضور أبيه كان في يوم الوقعة.
    فذكر عن محمد بن نصر بن منصور بن بسام - وعبرتا ضيعته - أن وكيله انصرف عنها هاربًا بعد أن أدى إلى ابن تحت العذاب وخوف الموت قريبًا من ألف وخمسمائة دينار؛ ولم يزل ابن أوس مقيمًا هنالك، يقرب ويباعد، ويقبض ويبسط، ويشتد ويلين، ويرهب؛ حتى أتاه كتاب بايكباك بولاية طريق خراسان من قبله، فكان من وقت خروجه من مدينة السلام إلى وقت ورود الكتاب عليه بالولاية شهران وخمسة عشر يومًا.
    وذكر عن بعض ولد عاصم بن يونس العجلي أن أباه كان يتولى ضياعًا للنوشرى بناحية طريق خراسان، وأنه كتب إلى النوشرى يذكر ما عاين من قوة عسكر ابن أوس وظاهر عدتهم، ويشير بأن يذكر ذلك لبايكباك، ويصف خلاء طريق خراسان من سلطان يتولاه ويحوط أهله، وأن هذا عسكر مشحن بالرجال والعدة والعتاد، مقيم في العمل، وأن النوشرى ذكر ذلك لبايكباك، وأشار عليه بتوليته طريق خراسان، وتخفيف المؤنة عن السلطان، فقبل ما أشار به عليه، وأمر بكتبه فكتب، وولى طريق خراسان في ذي العقدة من هذه السنة - وهي سنة خمس وخمسين ومائتين - وكان موسى خليفة مساور ابن عبد الحميد الشاري مقيمًا بالدسكرة ونواحيها في زهاء ثلثمائة رجل، قد ولاه مساور ما بين حلوان إلى السوس على طريق خراسان وبطن جوخى وما قرب ذلك من طساسيج السواد.
    وفيها أمر المهتدي بإخراج القيان والمغنين والمغنيات من سامرا ونفيهم منها إلى بغداد؛ بعد أمرٍ كان قد تقدّم من قبيحة في ذلك قبل أن ينزل بابنها ما نزل، وأمر بقتل السباع التي كانت في دار السلطان وطرد الكلاب وإبطال الملاهي وردّ المظالم، وجلس لذلك للعامة، وكانت ولايته والدنيّا كلها من أرض الإسلام مفتونة.
    ذكر خبر استيلاء مفلح على طبرستان ثم انصرافه عنها

    وفيها شخص موسى بن بغا ومن معه من الموالي وجند السلطان من الري وانصرف مفلح عن طبرستان بعد أن دخلها، وهزم الحسن بن زيد، وأخرجه عنها إلى أرض الديلم.
    ذكر الخبر عن شخوصه عنها
    ذكر أنّ السبب في ذلك أنّ قبيحة أمّ المعتز لمّا رأت من الأتراك اضطرابًا، وأنكرت أمرهم، كتبت إلى موسى بن بغا تسأله القدوم إلى ما قبلها، وأمّلت وروده عليها قبل حدوث ما حدث عليها وعلى ابنها المعتزّ، فعزم موسى على الإنصراف إليها، وكان ورود كتابها عليه ومفلح بطبرستان. فكتب موسى إلى مفلح يأمره بالإنصراف إليها وهو بالرّي، فحدثني بعض أصحابنا من أهل طبرستان، أنّ كتاب موسى ورد على مفلح بذلك، وقد توجّه نحو أرض الديلم في طلب الحسن بن زيد الطالبي. فلما ورد عليه الكتاب انصف راجعًا إلى حيث توجه منه، فعظم ذلك على قوم كانوا معه من رؤساء أهل طبرستان ممن كان هاربًا قبل مقدم مفلح عليهم من الحسن ابن زيد، لما كانوا قد رجوا من مدمه عليهم وكفايتهم أمر الحسن بن زيد والرجوع إلى منازلهم وأوطانهم؛ وذلك أنّ مفلحًا كان يعدهم اتّباع الحسن ابن زيد حيث توجّه حتى يظفربه أو يخترم دونه ويول لهم - فيما ذكر لي - لو رميت قلنسوتي في أرض الديلم ما إجترأ أحد منهم أن يدنو منها. فلما رأى القوم انصرافه عن الوجه الذي توجّهله من غير عسكر للحسن بن زيد ولا أحد من الديلم صدّه، سألوه - فيما ذكر لي - عن السبب الذي صرفه عما كان يعدهم به من اتّباع ابن زيد، وجعلوا يكلمونه - فيما أخبرت - وهو كالمسبوت لا يجيبهم بشيء؛ فلما أكثروا عليه قال لهم: ورد علي كتاب الأمير موسى بعزمةٍ منه ألّا أضع كتابه من يدي بعد ما يصل إلي حتى أقبل عليه. وأنا مغموم بأمركم؛ ولكن لا سبيل إلى مخالفة الأمير. فلم يتهيأ لموسى الشخوص من الري إلى سامرّا حتى وافاه الكتاب بهلاك المعتزّ وقيام المهتدي بعده بالأمر، ففثأه ذلك عمّا كان عزم عليه من الشخوص، لفوته ما قدّر إدراكه من أمر المعتزّ. ولمّا وردت عليه بيعة المهتدي، امتنع أصحابه عليه من بيعته، ثم بايعوا. فورد خبر بيعتهم سامرّا لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان من هذه السنة.
    ثم إنّ الموالي الذين في عسكر موسى بلغهم ما استخرج صالح بن وصيف من أموال الكتاب وأسباب المعتزّ والمتوكل، فشحّوا بذلك على المقيمين بسامرّا؛ فدعوا موسى إلى الإنصراف بهم إلى سامرّا.
    وقدم مفلح على موسى بالرّي تاركًا طبرستان على الحسن بن زيد، فذكر عن القاشاني أنه قال: كتب إلي ابن أخي من الري يذكر أنه لقى مفلحًا بالري، فسأله عن سبب انصرافه فذكر أن الموالى قد أبوا أن يقيموا، وأنهم إذا انصرفوا لم يغن مقامه شيئًا.
    ثم إن موسى افتتح خراج سنة ست وخمسين ومائتين يوم الأحد مستهل شهر رمضان سنة ست وخمسين ومائتين، فاجتني - فيما ذكر - في يوم الأحد قدر خمسمائة ألف درهم، فاجتمع أهل الري، فقالوا، أعز الله الأمير! إنك تزعم أن الموالى يرجعون إلى سامرا لما يقدرونه من كثرة العطاء هناك، وأنت وأصحابك في أكثر وأوسع مما القوم هناك فيه؛ فإن رأيت أن تسد هذا الثغر، وتحتسب في أهله الأجر والثواب، وتلزمنا من خراجنا في خاص أموالنا لمن معك ما ترى أن نحتمله فلت. فلم يجبهم إلى ما سألوا، فقالوا: أصلح اللله الأمير! فإذا كان الأمير عزم على تركنا، والأنصراف عنا، فما معنى أخذنا بالخراج لسنة لم نبتدىء بعمارتها؛ وأكثر غلة سنة خمس وخمسين ومائتين، التي قد أخذ الأمير خراجها في الصحارى لا يمكننا الوصول إليها إن رحل الأمير عنا! فلم يلتفت إلى شيء ما وصفوه له، وسألوه إياه.
    واتصل خبر انصرافه بالمهتدي، فكتب إليه في ذلك كتبًا كثيرة، لم تؤثر أثرًا. فلما انتهى إليه قفول موسى من الري، ولم تغن الكتب شيئًا وجه رجلين من بني هاشم، يقال لأحدهما عبد الصمد بن موسى، ويعرف الآخر بأبي عيسى يحيى بن إسحاق بن موسى بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، وحملا رسالة إلى موسى وإلى من ضم عسكره من الموالى، يصدقهم فيها عن الحال بالحضرة وضيق الأموال بها، وما يحاذر من ذهاب ما يخلفونه مراء ظهورهم، وغلبة الطالبين عليه واتساع آثارهم إلى ناحية الجبل. فشخص بذلك الهاشميان في جماعة من الموالي " وأتباعهم من الديلم "، وأبل موسى ومن معه وصالح بن وصيف في ذلك يعظم على المهتدي انصرافه، وينسبه إلى المعصية والخلاف، ويبتهل عليه في أكثر ذلك، ويبرأ إلى الله من فعله.
    ذكر أن كتاب صاحب البريد بهمذان لما ورد على المهتدي بفصول موسى نها، رفع المهتدي يديه إلى السماء، ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: اللهم إني أبرأ إليك من فعل موسى بن بغا وإخلاله بالثغر وإباحته العدو؛ فإني قد أعذرت إليه فيما بيني وبيه اللهم تول كيد من كايد المسلمين، اللهم انصر جيوش المسلمين حيث كانوا اللهم إني شاخص بنيتي واختياري إلى حيث نكب المسلمون فيه، ناصرًا لهم ودافعًا عنهم. اللهم فآجرني بنيتي إذ عدمت صالح الأعوان! ثم انحدرت دموعه يبكي.
    وذكر عن بعض من حضر المهتدي في بعض مجالسه التي يقول فيها هذا القول، وحضرة سليمان بن وهب، فقال أيأمرني أمير المؤمنين أن أكتب إلى موسى بما أسمع منه؟ فقال له: نعم، اكتب بما تسمع مني؛ وإن أمكنك أن تنفشه في الصخر فافعل فلقيه الهاشميان في الطريق ولم يغنيا شيئًا، وضج الموالي، وكادوا يثبون بالرسل، ورد موسى في جواب الرسالة يعتذر بتخلف من معه عن الرجوع إلى قوله دون ورود باب أمير المؤمنين، وأنه إن رام التخلف عنهم لم يأمنهم على نفسه، ويحتج بما عاين الرسل الموجهون إليه.
    فورد الرسل بذلك. وأوفد مع الرسل موسى وفدًا من عسكره، فوافو سامرا لأربع خلون من المحرم سنة ست وخمسين ومائتين.


  • #67
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر الخبر عن مفارقة كنجور علي بن الحسين بن قريش

    وفي هذه السنة فارق كنجور علي بن الحسين بن قريش، وكان قد نفي أيالم المعتز إلى فارس، فوكل به علي بن الحسين، وحبسه؛ فلما أراد علي ابن الحسين محاربة يعقوب بن الليث أخرجه من الحبس، وضم إليه خيلًا ورجالًا، فلما انهزم الناس عن علي بن الحسين لحق كنجور بناحية الأهواز، فأثر في ناحية رامهرمز أثرًا، ثم لحق بابن دلف، فوافاه بهمذان، وأساء السيرة في أسباب وصيف وضياعه ووكلائه في تلك الناحية، ثم لح بعد ذلك بعسكر موسى، فلما أقبل موسى فيمن ضمه العسكر، بلغ ذلك صالحًا، فكتب عن المهتدي في حمل كنجور إلى الباب ميدًا، فأبى ذلك الموالي، ثم لم نزل الكتب تختلف فيه إلى أن أنزل العسكر القاطول. ثم ظهر أن صالحًا قعد لمراغمته، وأن موسى ترحل إلى سامرا على المباينة لصالح ومن مال إليه، ولحق بايكباك بعسكر موسى، وأقام موسى هناك يومين، ووجه المهتدي إليه أخاه إبراهيم لأمه في أمر كنجور يعلمه أن الموالي بسامرا قد أبوا أن يقاروا على دخول كنجور، ويأمره بتقييده وحمله إلى مدينة السلام؛ فلم يتهيأ في ذلك ما قدره صالح، وكان جوابهم أن قالوا: إذا دخلنا سامرا امتثلنا ما أمر به أمير المؤمنين في كنجور وغيره.
    خروج أول علوي بالبصرة

    وللنصف من شوال من هذه السنة، ظهر في فرات البصرة رجل زعم أنه علي بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، وجمع إليه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ، ثم عبر دجلة، فنزل الديناري.
    ذكر الخبر عن أمره والسبب الذي بعثه على الخروج هنالك
    وكان اسمه ونسبه - فيما ذكر - علي بن محمد بن عبد الرحيم، ونسبه في عبد اليس، وأمه رة ابنة علي بن رحيب بن محمد بن حكيم، من بني أسد ابن خزيمة، من ساكني قرية من رى الري، يال لها ورزنين، بها مولده ومنشؤه؛ فذكر عنه أنه كان يول: جدي محمد بن حكيم من أهل الكوفة أحد الخارجين على هشام بن عبد الملك مع زيد بن علي بن الحسين. فلما قتل زيد هرب فلحق بالري، فلجأ إلى ورزنين، فأقام بها. وأن أبا أبيه عبد الرحيم رجل من عبد القيس، كان مولده بالطالقان، وأنه قدم العراق فأقام بها، واشترى جارية سندية، فأولدها محمدًا أباه، فهو علي بن محمد هذا، وأنه كان متصلًا قبل بجماعة من آل المنتصر؛ منهم غانم الشطرنجي وسعيد الصغير ويسر الخادم؛ وكان منهم معاشه ومن قوم من أصحاب السلطان وكتابه يمدحهم ويستميحهم بشعره.
    ثم إنه شخص - فيما ذكر - من سامرا سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين، فادعى بها أنه علي بن محمد بن الفضل بن حسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، ودعا الناس بهجر إلى طاعته، واتبعه جماعة كثيرة من أهلها، وأبته جماعة أخر، فكانت بسببه بين الذين اتبعوه والذين أبوه عصبية قتلت بينهم جماعة، فانتقل عنهم لما حدث ذلك إلى الأحساء وضوى إلى حي من بني تميم ثم من بني سعد، يال لهم بنو الشماس؛ فكان بينهم مقامه. وقد كان من أهل البحرين أحلوه من أنفسهم محل النبي - فيما ذكر حتى جبى له الخراج هنالك ونفذ حكمه بينهم، وقاتلوا أسباب السلطان بسببه ووتر منهم جماعة كثيرة، فتنكروا له فتحول عنهم إلى البادية.
    ولما انتقل إلى البادية صحبه جماعة من أهل البحرين، منهم رجل كيال من أهل الأحساء يقال له يحيى بن محمد الأزرق المعروف بالبحراني، مولى لبني دارم ويحيى بن أبي ثعلب، وكان تاجرًا من أهل هجر، وبعض موالي بني حنظلة أسود يقال له سليمان بن جامع؛ وهو قائد جيشه، ثم كان ينتقل في البادية من حي إلى حي، ذكر عنه أنه كان يقول: أوتيت في تلك الأيام آيات من آيات إمامتي ظاهرة للناس منها - فيما ذكر عنه - أنه قال: إني لقيت سورًا من القرآن لا أحفظها، فجرى بها لساني في ساعة واحدة، منها سبحان والكهف وص. قال: ومن ذلك أني لقيت نفسي على فراشي، فجعلت أفكر في الموضع الذي أقصد له، وأجعل مقامي به؛ إذنبت بي البادية، وضقت بسوء طاعة أهلها، فأظلتني سحابة، فبرقت ورعدت، واتصل صوت الرعد منها بسمعي، فخوطبت فيه، فقيل: اصد البصرة، فقلت لأصحابي وهم يكنفونني: إني أمرت بصوت هذا الرعد بالمصير إلى البصرة.
    وذكر أنه عند مصيره إلى البادية أو هم أهلها أنه يحيى بن عمرو أبو الحسين المقتول بناحية الكوفة، فاختدع بذلك قومًا منهم، حتى اجتمع بها منهم جماعة كثيرة فزحف بهم إلى موضع بالبحرين يال له الردم، فكانت بينهم وقعة عظيمة، كانت الدائرة فيها عليه وعلى أصحابه، قتلوا فيها تلًا ذريعًا، فنفرت عنه العرب وكرهته، وتجنبت صحبته، فلما تفرت عنه العرب، ونبت به البادية، شخص عنها إلى البصرة، فنزل بها في بني ضبيعة، فاتبعه بها جماعة؛ منهم علي بن أبان المعروف، بالمهلبي وأخواه محمد والخليل وغيرهم. وكان دومه البصرة في سنة أربع وخمسين ومائتين، ومحمد بن رجاء الحضاري عامل السلطان بها، وواف ذلك فتنة أهل البصرة بالبلالية والسعدية، فطمع في أحد الفريقين أن يميل إليه، فأمر بأربعة نفر من أصحابه، فخرجوا بمسجد عباد، أحدهم يسمى محمد بن سلم القصاب الهجري، والآخر بريش القريعي والثالث على الضراب، والرابع الحسين الصيدناني، وهم الذين كانوا صحبوه بالبحرين، فدعوا إليه، فلم يجبه من أهل البلد أحد، وثاب إليهم الجند فتفرقوا ولم يظفر بأحد منهم، فخرج من البصرة هاربًا، فطلبه ابن رجاء فلم يقدر عليه، وأخبر ابن رجاء بميل جماعة من أهل البصرة إليه، فأخذهم فحبسهم؛ فكان فيمن حبس يحيى بن أبي ثعلب ومحمد بن الحسن الأيادي وابن صاحب الزنج علي بن محمد الأكبر وزوجته أم ابنه ومعها ابنة له وجارية حامل، فحسبهم ومضى هو لوجهه يريد بغداد، ومعه من أصحابه محمد بن سلم ويحيى بن محمد وسليمان بن جامع وبريش القريعي، فلما صاروا بالبطيحة نذر بهم بعض موالي الباهليين، كان يلي أمر البطيحة، يال له عمير بن عمار، فأخذهم وحملهم إلى محمد بن أبي عون، وهو عامل السلطان بواسط، فاحتال لابن أبي عون حتى تخلص هو وأصحابه من يده، ثم صار إلى مدينة السلام، فأقام بها حولًا، وانتسب فيها إلى أحمد بن عيسى بن زيد، وكان يزعم أنه ظهر له أيام مقامه بها آيات، وعرف ما في ضمائر أصحابه، وما يفعله كل واحد منهم؛ وأنه سأل ربه بها آية أن يعلم حقيقة أمره، فرأى كتابًا يكتب له، وهو ينظر إليه على حائط، ولا يرى شخص كاتبه.
    وذكر عن بعض تباعه أنه بمقامه بمدينة السلام استمال جماعة، منهم جعفر بن محمد الصوحاني - كان ينتسب إلى زيد بن صوحان - ومحمد بن القاسم وغلامًا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان: مشر ورفيق، فسمى مشرقًا حمزة وكناه أبا أحمد، وسمى رفيقًا جعفرًا وكناه أبا الفضل. ثم لم يزل عامه ذلك بمدينة السلام حتى عزل محمد بن رجاء عن البصرة، فخرج عنها، فوثب رؤساء الفتنة من البلالية والسعدية، ففتحوا المجالس، وأطلقوا من كان فيها؛ فتخلصوا فيمن تخلص. فلما بلغه خلاص أهله، شخص إلى البصرة، فكان رجوه إليها في شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين، ومعه علي بن أبان - وقد كان لحق به وهو بمدينة السلام - ويحيى بن محمد، ومحمد بن سلم، وسليمان بن جامع، وغلامًا يحيى بن عبد الرحمن: مشرق ورفيق؛ وكان يحضر هؤلاء الستة رجلٌ من الجند يكنى أبا يعوب، ولب نفسه بعد ذلك بجربان، فساروا جميعًا حتى وافوا برنخل، فنزلوا صرًا هنالك يعرف بصر القرشي، على نهر يعرف بعمود ابن المنجم؛ كان بنو موسى بن المنجم احتفروه؛ وأظهر أنه وكيل لولد الواثق في بيع السباخ وأمر أصحابه أن ينحلوه ذلك، فأقام هنالك.
    فذكر عن ريحان بن الح أحد غلمان الشورجيين - وهو أول من صحبه منهم - أنه قال: كنت موكلًا بغلمان مولاي، أنل الدي إليهم من البصرة، وأفره فيهم، فحملت ذلك إليهم كما كنت أفعل، فممرت به وهو مقيم ببرنخل في قصر القرشي، فأخذني أصحابه، فصاروا بي إليه، وأمروني بالتسليم عليه بالإمرة، ففعلت ذلك، فسألني عن الموضع الذي جئت منه، فأخبرته أني أقبلت من البصرة فال: هل سمعت لنا بالبصرة خبرًا؟ قلت: لا قال: فما خبر الزينبي؟ قلت: لا علم لي به، قال: فخبر البلالية والسعديةّ؟ قلت: ولا أعرف أخبارهم أيضًا، فسألني عن أخبار غلمان الشورجيين وما يجري لكل غلام منهم من الدقيق والسويق والتمر وعمن يعمل في الشورج من الأحرار والعبيد، فأعلمته ذلك، فدعاني إلى ما هو عليه، فأجبته، فقال لي: احتل فيمن قدرت عليه من الغلمان، فأقبل بهم إلي. ووعدني أن يودني على من آتيه به منهم، وأن يحسن إلي؛ واستخلفني ألا أعلم أحدًا بموضعه، وأن أرجع إليه. فخلى سبيلي، فأتيت بالديق الذي معي الموضع الذي كنت قصدته به، وأمت عنده يومي، ثم رجعت إليه من غد، فوافيته وقد قدم عليه رفيق غلام يحيى بن عبد الرحمن، وكان وجه إلى البصرة في حوائج من حوائجه، ووافاه بشبل بن سالم - وكان من غلمان الدباسين - وبحريرة كان أمره بابتياعها ليتخذها لواء؛ فكتب فيها بحمزة وحضرة: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله " إلى آخر الآية، وكتب اسمه واسم أبيه، وعلقها في رأس مردى، وخرج في السحر من ليلة السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان.
    فلما صار إلى مؤخر القصر الذي كان فيه، لقيه غلمان رجل من الشورجيين يعرف بالعطار، متوجهين إلى أعمالهم، فأمر بأخذهم فأخذوا، وكتف وكيلهم، وأخذ معهم، وكانوا خمسين غلامًا، ثم صار إلى الموضع الذي يعمل فيه السنائي، فأخذ منه خمسمائة غلام، فيهم المعروف بأبي حديد، وأمر بوكيلهم فأخذ معم مكتوفًا، وكانوا في نهر يعرف بنهر المكاثر، ثم مضى إلى موضع السيرافي، فأخذ منه خمسين ومائة غلام، فيهم زريق وأبو الخنجر ثم صار إلى موضع ابن عطاء، وأخذ معهم ثمانين غلامًا. ثم أتى موضع إسماعيل المعروف بغلام سهل الطحان، ثم لم يزل يفعل ذلك كذلك في يومه، حتى اجتمع إليه بشر كثير من غلمان الشورخيين، ثم جمعهم وقام فيهم خطيبًا، فمناهم ووعدهم أن يقودهم ويرأسهم، ويملكهم الأموال، وحلف لهم الأيمان الغلاظ ألا يغدر بهم، ولا يخذلهم، ولا يدع شيئًا من الإحسان إلا أتى إليهم. ثم دعا مواليهم، فقال: قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلى هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم وقهرتموهم، وفعلتم بهم ما حرم الله عليكم أن تفعلوه بهم، وجعلتم عليهم ما لا يطيقون فكلمني، أصحابي فيكم، فرأيت إطلاقكم، فقالوا: إن هؤلاء الغلمان أباق، وهم يهربون منك فلا يبقون عليك ولا علينا، فخذ منا مالًا وأطلقهم لنا. فأمر غلمانهم فأحضروا شطبًا ثم بطح كل قوم مولاهم ووكيلهم، فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة، وأحلفهم بطلاق نسائهم ألا يعلموا أحدًا بموضعه، ولا بعدد أصحابه، وأطلقهم. فمضوا نحو البصرة.
    ومضى رجل منهم يقال له عبد الله، ويعرف بكريخا، حتى عبر دجيلًا، فأنذر الشورجيين ليحرزوا غلمانهم، وكان هناك خمسة عشر ألف غلام.
    ثم سار بعدما صلى العصر حتى وافى دجيلًا، فوجد سفن سماد تدخل في المد، فقدمها، فركب فيها، وركب أصحابه حتى عبروا دجيلًا، وصاروا إلى نهر ميمون، فنزل المسجد الذي في وسط السوق الشارع على نهر ميمون، وأقام هناك. ولم يزل ذلك دأبه، يجتمع إليه السودان إلى يوم الفطر. فلما أصبح نادى في أصحابه بالاجتماع لصلاة الفطر فاجتمعوا، وركز المردي الذي عليه لؤلؤة، وصلى بهم وخطب خطبة ذكر فيها ما كانوا عله من سوء الحال، وأن اللد قد استنقذهم به من ذلك، وأنه يريد أن يرفع أدارهم، وبملكهم العبيد والأموال والمنازل، ويبلغ بهم أعلى الأمور، ثم حلف لهم على ذلك. فلما فرغ من صلاته وخطبته، أمر الذين فهموا عنه قوله أن يفهموه من لا فهم له من عجمهم، لتطبب بذلك أنفسهم، ففعلوا ذلك، ودخل القصر. فلما كان بعد يوم قصد نهر بور، فوافى جماعة من أصحابه هناك الحميري في جماعة، فدفعوهم حتى حتى أخرجوهم إلى الصحراء، فلحقهم صاحب الزنج فيمن معه، فأوقع بالحميري وأصحابه، فانهزموا حتى صاروا إلى بطن دجلة. واستأمن إليه رجل من رؤساء يكنى بأبي صالح، يعرف بالقصير، في ثلثمائة من الزنج، فمناهم ووعدهم.
    فلما كثر من اجتمع إليه من الزنج قود قواده، وقال لهم: كل من أتى منكم برجل فهو مضموم إليه. وقيل إنه لم يقود قواده إلا بعد مواقعة الخول ببيان ومصيره إلى سبخة القندل.


  • #68
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وكان ابن أبي عون نقل عن ولاية واسط إلى ولاية الأبلة وكور دجلة، فذكر أنه انتهى إليه في اليوم الذي قود فيه أقواده أن الحميري وعقيلًا مع خليفة ابن أبي عون المقيم كان بالأبلة، قد أقبلوا نحوه، ونزلوا نهر طين، فأمر أصحابه بالمصير إلى الزريقية وهي في مؤخر الباذاورد، فصار إليها في وقت صلاة الظهر، فصلوا بها، واستعدوا للقتال، وليس في عسكره يومئذ إلا ثلاثة أسياف: سيفه، وسيف علي بن أبان، وسيف محمد بن سلم، ونهض بأصحابه فيما بين الظهر والعصر راجعًا نحو المحمدية، وجعل علي بن أبان في آخر أصحابه، وأمره أن يعرف خبر من يأتيه من ورائه، وتقدم في أوائل الناس حتى وافى المحمدية، فقعد على النهر، وأمر الناس فشربوا منه، وتوافى إليه أصحابه، فقال له علي بن أبان: قد كنا نرى من ورائنا بارقةً ونسمع حس قوم يتبعوننا، فلسنا ندري: أرجعوا عنا أم هم قاصدون إلينا؟ فلم يستم كلامه حتى لحق القوم، وتنادى الزنج السلاح، فبدر مفرج النوبي المكنى بأبي صالح، وريحان ابن صالح، وفتح الحجام - وكان فتح يأكل - فلما نهض تناول طبقًا كان بين يديه، وتقدم أصحابه، فليقه رجل من الشورجيين، يقال له بلبل، فلما رآه فتح حمل عليه وحذفه بالطبق الذي كان في يده، فرمى بلبل بسلاحه، وولى هاربًا، وانهزم أصحابه، وكانوا أربعة آلاف رجل، فذهبوا على وجوههم، وقتل من قتل منهم، ومات بعضهم عطشًا، وأسر منهم قوم، فأتى بهم صاحب الزنج، فأمر بضرب أعناقهم فضربت، وحملت الرءوس على بغال كان أخذها من الشورجيين، كانت تنقل الشورج؛ ومضى حتى وافى القادسية؛ وذلك وقت المغرب، فخرج من القرية رجل من موالي بعض الهاشميين على أصحابه، فقتل رجلًا من السودان، فأتاه الخبر، فقال له أصحابه: ائذن لنا في انتهاب الرية وطلب قاتل صاحبنا، فقال: لا سبيل إلى ذلك دون أن نعرف ما عند القوم، وهل فعل القاتل ما فعل عن رأيهم، ونسألهم أن يدفعوه إلينا، فإن فعلوا وإلا ساغ لنا قتالهم.
    وأعجلهم المسير، فصاروا إلى نهر ميمون راجعين، فأقام في المسجد الذي كان أقام فيه في بدأته وأمر بالرءوس المحمولة معه فنصبت، وأمر بالأذان أبا صالح النوبي فأذن، وسلم عليه بالإمرة، فقام فصلى بأصحابه العشاء الآخرة، وبات ليلته بها، ثم مضى من الغد حتى مر بالكرخ فطراها، وأتى قرية تعرف بحبى في وقت صلاة الظهر، فعبر دجيلًا من مخاضة دل عليها، ولم يدخل القرية، وأقام خارجًا منها، وأرسل إلى من فيها، فأتاه كبراؤهم وكبراء أهل الكرخ، فأمرهم بإقامة الأنزال له ولأصحابه فأقيم له ما أراد، وبات عندهم ليلته تلك، فلما أصبح أهدى له رجل من أهل جبى فرسًا كميتًا، فلم يجد سرجًا ولا لجامًا، فركبه بحبل وسنفه بليف، وسار حتى انتهى إلى المعروف بالعباسي العتيق، فأخذ منه دليلًا إلى السيب، وهو نهر القرية المعروفة بالجعفرية، ونذر به أهل القرية، فهربوا عنها، ودخلها فنزل برجل وجدوه، فسأله عن وكلاء الهاشميين، فأخبره أنهم في الأجمة، فوجه الملقب بجربان، فأتاه برئيسهم وهو يحيى بن يحيى المعروف بالزبيري أحد موالي الزياديين، فسأله عن المال، فقال: لا مال عندي، فأمر بضرب عنقه، فلما خاف القتل أقر بشيء قد كان أخفاه، فوجه معه، فأتاه بمائتي دينار وخمسين دينارًا وألف درهم، فكان هذا أول ما صار إليه، ثم سأله عن دواب وكلاء الهاشميين فدله على ثلاثة براذين: كميت، وأشقر، وأشهب؛ فدفع أحدهما إلى ابن سلم، والآخر إلى يحيى بن محمد، وأعطى مشرقًا غلام يحيى بن عبد الرحمن الثالث.
    وكان رفيق يركب بغلًا كان يحمل عليه الثقل، ووجد بعض السودان دارًا لبعض بني هاشم فيها سلاح، فانتهبوه، فجاء النوبي الصغير بسيف، فأخذه صاحب الزنج، فدفعه إلى يحيى بن محمد، فصار في أيدي الزنج سيوفٌ وبالات وزقايات وتراس، وبات ليلته تلك بالسيب؛ فلما أصبح أتاه الخبر أن رميسًا والحميري وعقيلًا الأبلي قد وافوا السيب، فوجه يحيى بن محمد في خمسمائة رجل، فيهم سليمان وريحان بن صالح وأبو صالح النوبي الصغير، فلقوا القوم فهزموهم، وأخذوا سميرية وسلاحًا، وهرب من كان هنالك، ورجع يحيى بن محمد فأخبره الخبر، فأقام يومه، وسار من غد يريد المذار، بعد أن اتخذ على أهل الجعفرية ألا يقاتلوه، ولا يعينوا عليه أحدًا، ولا يستروا عنه. فلما عبر السيب صار إلى قرية تعرف بقرية اليهود شارعة على دجلة، فوافق هنالك رميسًا في جمع، فلم يزل يقاتلهم يومه ذلك، وأسر من أصحابه عدة، وعقر منهم جماعة بالنشاب. وقتل غلام لمحمد بن أبي عون كان مع رمسيس، وغرقت سميرية كان فيها ملاحها، فأخذ وضربت عنقه، وسار من ذلك الموضع يريد المذار. فلما صار إلى النهر المعروف بباب مداد جاوزه حتى أصحر، فرأى بستانًا، وتلا يعرف بجبل الشياطين، فقصد للتل فقعد عليه، وأثبت أصحابه في الصحراء، وجعل لنفسه طليعة.
    فذكر عن شبل أنه قال: أنا كنت طليعته على دجلة، فأرسلت إليه أخبره أن رميسًا بشاطئ دجلة يطلب رجلًا يؤدي عنه رسالة، فوجه إليه علي بن أبان ومحمد بن سلم وسليمان بن جامع، فلما أتوه قال لهم: اقرءوا على صاحبكم السلام، وقولوا له: أنت آمن على نفسك حيث سلكت من الأرض؛ لا يعرض لك أحدٌ، واردد هؤلاء العبيد على مواليهم، وآخذ لك عن كل رأس خمسة دنانير. فأتوه فأعلموه ما قال لهم رميس، فغضب من ذلك وآلى ليرجعن فليبقرن بطن امرأة رمسيس، وليحرقن داره، وليخوضن الدماء هنالك. فانصرفوا إليه، فأجابوه بما أمروا به، فانصرف إلى مقابل الموضع الذي هو به من دجلة، فأقام به، فوافاه في ذلك اليوم إبراهيم بن جعفر المعروف بالهمذاني؛ ولم يكن لحق به إلا في ذلك الوقت، وأتاه بكتب فقرأها، فلما صلى العشاء الآخرة، أتاه إبراهيم، فقال له: ليس الرأي لك إتيان المذار، قال: فما الرأي؟ قال: ترجع، فقد بايع لك أهل عبادان وميان ورذان وسليمانان، وحلفت جمعًا من البلالية بفوهة القندل وأبرسان ينتظرونك. فلما سمع السودان ذلك من قول إبراهيم مع ما كان رمسيس عرض عليه في ذلك اليوم خافوا أن يكون احتال عليهم ليردهم إلى مواليهم، فهرب بعضهم، واضطرب الباقون. فجاءه محمد بن سلم فأعلمه اضطرابهم، وهرب منهم، فأمر بجمعهم في ليلته تلك، ودعا مصلحًا، وميز الزنج من الفراتية. ثم أمر مصلحًا أن يعلمهم أنه لا يردهم ولا أحدًا منهم إلى مواليهم، وحلف لهم على ذلك بالأيمان الغلاظ، وقال: ليحط بي منكم جماعة، فإن أحسوا مني غدرًا فتكوا بي. ثم جمع الباقين؛ وهم الفراتية والقرماطيون والنوبة وغيرهم ممن يفصح بلسان العرب، فحلف لهم على مثل ذلك، وضمن ووثق من نفسه، وأعلمهم أنه لم يخرج لعرض من أعراض الدنيا، وما خرج إلا غضبًا لله، ولما رأى ما عليه الناس من الفساد في الدين، وقال: ها أنا ذا معكم في كل حرب، أشرككم فيها بيدي، وأخاطر معكم فيها بنفسي. فرضوا ودعوا له بخير. فلما أسحر أمر غلامًا من الشورجيين يكنى أبا منارة، فنفخ في بوق لهم كانوا يجتمعون بصوته، وسار حتى أتى السيب راجعًا، فألقى هناك الحميري ورميسًا وصاحب ابن أبي عون، فوجه إليهم مشرقًا برسالة أخفاها، فرجع إليه بجوابها، فصار صاحب الزنج إلى النهر، فتقدم صاحب محمد بن أبي عون، فسلم عليه، وقال له: لم يكن جزاء صاحبنا منك أن تفسد عليه عمله، وقد كان منه إليك ما قد علمت بواسط، فقال: لم آت لقتالكم، فقل لأصحابك يوسعون لي في الطريق، حتى أجاوزكم.
    فخرج من النهر إلى دجلة، ولم يثبت أن جاء الجند معهم أهل الجعفرية في السلاح الشاك؛ فتقدم المكنى بأبي يعقوب المعروف بجربان، فقال لهم: يا أهل الجعفرية، أما علمتم ما أعطيتمونا من الأيمان المغلظة ألا تقاتلونا، ولا تعينوا علينا أحدًا، وأن تعينونا متى اجتاز بكم أحد منا! فارتفعت أصواتهم بالنعير والضجيج، ورموه الحجارة والنشاب. وكان هناك موضع فيه زهاء ثلثمائة زرنوق، فأمر بأخذها فأخذت، وقرن بعضها ببعض حتى صارت كالشاشات، وطرحت إلى الماء، وركبها المقاتلة فلحقوا القوم، فقال بعضهم: عبر علي بن أبان يومئذ قبل أخذ الزرانيق سباحة، ثم جمعت الزرانيق، وعبر الزنج وقد زالوا عن شاطئ النهر فوضعوا فيهم السيف، فقتل منهم خلق كثير، وأتى منهم بأسرى، فوبخهم وخلى سبيلهم، ووجه غلامًا من غلمان الشورجيين يقال له سالم يعرف بالزغاوي، إلى من كان دخل الجعفرية من أصحابه، فردهم، ونادى: ألا برئت الذمة ممن انتهب شيئًا من هذه القرية، أو سبى منها أحدًا، فمن فعل ذلك فقد حلت به العقوبة الموجعة.
    ثم عبر من غربي السيب إلى شرقيه، واجتمع أصحابه الرؤساء حتى إذا جاوز القرية بمقدار غلوة سمع النعير من ورائه في بطن النهر، فتراجع الزنج، فإذا رمسيس والحميري وصاحب ابن أبي عون قد وافوه لما بلغهم حال أهل الجعفرية. فألقى السودان أنفسهم عليهم، فأخذوا منهم أربع سميريات بملاحيها مقاتليها، فأخرجوا السميريات بمن فيها، ودعا بالمقاتلة فسألهم، فأخبروه أن رميسًا وصاحب ابن أبي عون لم يدعاهم حتى حملاهم على المصير إليه، وأن أهل القرى حرضوا رميسًا وضمنوا له ولصاحب ابن أبي عون مالًا جليلًا، وضمن له الشورجييون على رد غلمانهم؛ لكل غلام خمسة دنانير، فسألهم عن الغلام المعروف بالنميري المأسور والمعروف بالحجام، فقالوا: أما النميري فأسير في أيديهم، وأما الحجام فإن أهل الناحية ذكروا أنه كان يتلصلص في ناحيتهم، ويسفك الداء، فضربت عنقه، وصلب على نهر أبي الأسد. فلما عرف خبرهم أمر بضرب أعناقهم، فضربت إلا رجلًا يقال له محمد بن الحسن البغدادي، فإنه حلف له أنه جاء في الأمان، لم يشهر عليه سيفًا، ولا نصب له حربًا، فأطلقه. وحمل الرءوس والأعلام على البغال، وأمر بإحراق سفنهم فأحرقت.
    وسار حتى أتى نهر فريد، فانتهى إلى نهر يعرف بالحسن بن محمد القاضي وعليه مسناة تعترض بين الجعفرية ورستاق القفص، فجاءه قوم من أهل القرية من بني عجل، فعرضوا عليه أنفسهم، وبذلوا له ما لديهم، فجزاهم خيرًا، وأمر بترك العرض لهم.
    وسار حتى أتى نهرًا يعرف بباقثا، فنزل خارجًا من القرية التي على النهر وهي قرية تشرع على دجيل فأتاه أهل الكرخ، فسلموا عليه ودعوا له بخير، وأمدوه من الأنزال بما أراد. وجاء رجل يهودي خيبري يقال له ماندويه فقبل يده، وسجد له - زعم - شكرًا لرؤيته إياه، ثم سأله عن مسائل كثيرة، فأجابه عنها، فزعم أنه يجد صفته في التوراة، وأنه يرى القتال معه، وسأله عن علامات في بدنه ذكر أنه عرفها فيه، فأقأم معه ليلته تلك يحادثه.
    وكان إذا نزل اعتزل عسكره بأصحابه الستة، ولم يكن يومئذ ينكر النبيذ على أحد من أصحابه، وكان يتقدم إلى محمد بن سلم في حفظ عسكره؛ فلما كان في تلك الليلة أتاه في آخر الليل رجلٌ من أهل الكرخ، فأعلمه أن رميسًا وأهل المفتح والقرى التي تتصل بها وعقيلًا وأهل الأبلة قد أتوه ومعهم الدبيلا بالسلاح الشاك، وأن الحميري في جمع من أهل الفرات وقد صاروا في تلك الليلة إلى قنطرة نهر ميمون، فقطعوها ليمنعوه العبور. فلما أصبح أمر، فصيح بالزنج، فعبروا دجيلا، وأخذ في مؤخر الكرخ حتى وافى نهر ميمون، فوجد القنطرة مقطوعة، والناس في شرقي النهر والسميريات في بطنه، والدبيلا في السميريات، وأهل القرى في الجريبيات والمجونحات؛ فأمر أصحابه بالإمساك عنهم، وأن يرحلوا عن النهر توقيًا للنشاب، ورجع فقعد على مائة ذراع من القرية؛ فلما لم يروا أحدًا يقاتلهم خرج منهم قوم ليعرفوا الخبر، وقد كان أمر جماعة من أصحابه، فأتوا القرية، فكمنوا فيها مخفين لأشخاصهم؛ فلما أحسوا خروج من خرج منهم، شدوا عليهم، اثنين وعشرين رجلا، وسعوانحو الباقين، فقتلوا منها جماعة على شاطىءالنهر، ورجعوا إليه بالرؤس والأسرى، فأمر بضرب أعناقهم بعد مناظرة جرت بينه وبينهم، وأمر بالاحتفاظ بالرؤس، وأقام إلى نصف النهار، وهو يسمع أصواتهم، فأتاه رجل من أهل البادية مستامنا، فسأله عن غوور النهر؛ فأعلمه أنه يعرف موضعا منه يخاض، وأعلمه أن القوم على معاودته بجمعهم يقاتلونه؛ فنهض مع الرجل حتى أتى به موضعا على مقدارميل من المحمدية فخاض النهر بين يديه، وخاض الناس خلفه، وحمله ناصح المعروف بالرملى، وعبر بالدواب؛ فلما صار في شرقي النهر كر راجعا نحو نهر ميمون؛ حتى أتى المسجد فنزل فيه، وأمر بالرؤس فنصبت، وأقام يومه، وانحدر جيش رميس بجمعه في بطن دجيل، فأقاموا بموضع يعرف بأقشى بإزاء النهر المعروف ببرد الخيار، ووجه طليعة فرجع إليه، فأخبره بمقام القوم هناك، فوجه من ساعته ألف رجل، فأقاموا بسبخة هناك على فوهة هذا النهر، وقال لهم: إن أتوكم إلى المغرب؛ وإلا فأعلموني. وكتب كتابًا إلى قيل، يذكره فيه أنه قد بايعه في جماعة من أهل الأبلة، وكتب إلى رمسيس يذكره حلفه له بالسيب أنه لا يقاتله؛ وأنه ينهى أخبار السلطان إليه، ووجه بالكتابين إليهما مع بعض الأكرة بعد أن أحلفه أن يوصلهما.

  • صفحة 17 من 28 الأولىالأولى ... 7151617181927 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 40
      آخر مشاركة: 09-01-2010, 05:38 AM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1