« أيفعل هذا بشيخنا؟ » فأمر رجل منهم غلامه فقال:
« اقطع يد العبد. » فقام إلى غلام اليمانيّ فقطع يده فنفر الحيّان وضرب قثم بغلته، فدخل على أبي جعفر، وافترق الجند، وصارت مضر فرقة واليمن فرقة وربيعة فرقة والخراسانية فرقة. فقال قثم:
« قد فرّقت بين جندك وجعلتهم أحزابا كلّ حزب منهم يخاف أن يحدث حدثا عليك فتضربه بالحزب الآخر، وقد بقي عليك في التدبير بقيّة. » قال: « وما هي؟ » قال: « اعبر بابنك، فابن له في ذلك الجانب قصرا، وحوّل معه من جيشك قوما، فيصير ذلك بلدا، وهذا بلدا، فإن فسد عليك أهل هذا الجانب، ضربتهم بأهل ذلك الجانب، وإن فسدت عليك مضر، ضربتها بمن أطاعك من اليمن وربيعة والخراسانية، وإن فسدت عليك اليمن، ضربتها بمن أطاعك من مضر وغيرها. » فقبل رأيه ومشورته، فاستوى له ملكه، وكان [ ذلك ] السبب في بناء الجانب الشرقيّ وهي الرصافة أوّلا وإقطاع القوّاد هناك.
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين [ ومائة ]
ولم يجر فيها ما تستفاد منه تجربة.
ودخلت سنتا ثلاث وأربع [ وخمسين ومائة ]
ولم يجر فيها أيضا شيء تستفاد منه تجربة.
ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائة
وفيها بنى المنصور مدينة الرافقة، ووجّه ابنه المهديّ لبنائها، فبناها على [ بناء ] مدينة بغداد في أبوابها وفصولها ورحابها وشوارعها وخندق أبو جعفر على الكوفة والبصرة. وجعل ما أنفق على ذلك من أموال أهلها.
فيحكى: أنّه لمّا أراد بناء سور الكوفة وحفر الخندق لها، أمر بقسمة خمسة دراهم خمسة دراهم على أهل الكوفة، وأراد بذلك علم عددهم، فلمّا عرف عددهم أمر بجبايتهم أربعين درهما من كلّ إنسان، فجبوا. ثم أمر بإنفاق ذلك على سور الكوفة وحفر الخندق لها، فقال شاعرهم:
يا لقوم ما لقينا ** من أمير المؤمنينا
قسم الخمسة فينا ** وجبانا الأربعينا
عزل أسيد عن الجزيرة
وفيها عزل المنصور يزيد بن أسيد عن الجزيرة وولّاها أخاه العبّاس بن محمّد، فشكا يزيد إلى أبي العبّاس فقال:
« يا أمير المؤمنين، إنّ أخاك أساء عزلى وشتم عرضي. » فقال له المنصور:
« اجمع بين إحسانى إليك وإساءة أخي يعتدلا. » فقال يزيد:
« يا أمير المؤمنين، إذا كان إحسانكم جزاء بإساءتكم، كانت طاعتنا لكم تفّضلا منّا عليكم. »
ودخلت سنتا ست وسبع وخمسين ومائة
ولم يجر فيهما ما تستفاد منه تجربة.
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائة
وفيها غضب المنصور على محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن عليّ وكان أمير مكّة.
غضب المنصور على محمد بن إبراهيم
وكان السبب في ذلك أنّ المنصور كتب إليه يأمره بحبس رجل من آل أبي طالب وبحبس الثوري وابن جريح وعبّاد بن كثير، فحبسهم وكان له سمّار بالليل فلمّا كان وقت سمره أبلس وأكبّ على الأرض ينظر إليها ولم ينطق بحرف، حتى تفرّقوا. قال: فدنوت منه فقلت: « قد رأيت ما بك، فما لك؟ » قال: « عمدت إلى ذي رحم برسول الله فحبسته، وإلى عيون من عيون المسلمين فحبستهم ويقدم أمير المؤمنين السنة، فلا أدري ما يكون، ولعلّه أن يأمر بقتلهم فيقوى سلطانه وأهلك ديني. » قال: فقلت: « فتصنع ما ذا؟ » قال: « أوثر الله، وأطلق القوم، اذهب إلى إبلى فخذ راحلة منها، وخذ خمسين دينارا، فأت بها الطالبي، فأقرئه السلام وقل له: ابن عمّك يسألك أن تحلّه من ترويعه إيّاك، وتركب هذه الراحلة وتأخذ هذه النفقة. » قال: فلمّا أحسّ بي، جعل يتعوّذ بالله من شرّى، فلمّا أبلغته الرسالة قال:
« هو في حلّ ولا حاجة بي إلى النفقة ولا إلى الراحلة. » قال: فقلت له:
« إنّ أطيب لنفسه أن تأخذ. » ففعل.
ثم جئت إلى ابن جريح وإلى سفيان وعبّاد فأبلغتهم ما قال، قالوا:
« هو في حلّ. » قال: قلت لهم:
« لا يظهرنّ أحد منكم ما دام المنصور مقيما. » فلمّا قرب المنصور، وجّهنى محمّد بن إبراهيم بألطاف، فلمّا أخبر المنصور أنّ رسول محمّد بن إبراهيم قدم، أمر بالإبل فضربت وجوهها. فلمّا صار إلى بئر ميمون لقيه محمّد بن إبراهيم فلمّا أخبر بذلك أمر بدوابّه فضربت وجوهها، فعدل محمّد فكان يسير في ناحية، وعدل بأبي جعفر عن الطريق في الشقّ الأيسر فأنيخ به، ومحمّد واقف قبالته ومعه طبيب له، فلمّا ركب أبو جعفر وسار، أمر محمّد الطبيب، فمضى إلى مناخ أبي جعفر فرأى نجوه، فقال لمحمّد:
« رأيت نجو رجل لا تطول به الحياة. »
فلمّا دخل مكّة لم يلبث أن مات، وسلم محمّد.
ولمّا مات المنصور، وكان ذلك لستّ خلون من ذي الحجّة، كتمه الربيع، وأحضر أهل بيته وذوي الأسنان منهم، ثم أحضر عامّتهم، وأخذ بيعتهم للمهديّ، ثم لعيسى بن موسى من بعده. فلمّا فرغ من بيعتهم، دعا بالقوّاد حتى بايعوا. ولم يتكلّم أحد إلّا عليّ بن عيسى بن ماهان، فإنّه أبي عند ذكر عيسى بن موسى أن يبايع، فلطمه محمّد بن سليمان وأمصّه وقال:
« من هذا العلج؟ » وهمّ بضرب عنقه، فبايع، ثم تتابع الناس بالبيعة.
وتوفّى وله نيّف وستون سنة، واختلف في النيّف، وكانت ولايته اثنتين وعشرين سنة.
ذكر بعض سير المنصور
ذكر الفضل بن الربيع حكاية عن أبيه قال: بينا أنا قائم بين يدي المنصور إذ أتى بخارجى قد هزم له جيوشا، فأقامه ليضرب عنقه، ثم اقتحمته عينه فقال:
« يا بن الفاعلة، مثلك يهزم الجيوش؟ » فقال له الخارجي:
« ويلك، سوءة لك، بيني وبينك أمس السيف والقتل، واليوم القذف والسبّ، ما كان يؤمنك أن أردّ عليك وقد يئست من الحياة فلا تستقيلها أبدا. » قال: فاستحيى منه المنصور فأطلقه، وما رأى أحد وجهه حولا.
وحكى سلّام الأبرش قال: كنت وأنا وصيف وغلام آخر نخدم المنصور، وكان من أحسن الناس خلقا ما لم يخرج للناس وأشدّهم احتمالا لما يكون من عبث الصبيان، فإذا لبس ثيابه تغيّر لونه وترّبد وجهه واحمرّت عيناه، فيخرج ويكون منه ما يكون، فإذا رجع، عاد لمثل ذلك فنستقبله في ممشاه، فربّما عاتبنا، وقال لي يوما:
« يا بنيّ، إذا رأيتمونى قد لبست ثيابي أو رجعت من مجلسي فلا يدنونّ أحد منكم مني لا أعرّه بشرّ. » وقال المنصور يوما:
« ما كان أحوجنى أن يكون على بابى أربعة نفر لا يكون أعفّ منهم. » قيل له:
« ومن هم يا أمير المؤمنين؟ » قال: « هم أركان الملك، ولا يصلح الملك إلّا بهم، كما أنّ السرير لا يصلح إلّا بأربع قوائم إن نقصت قائمة واحدة لم تستقم، أمّا أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة يأخذ للضعيف من القويّ، والثالث، صاحب خراج يستقصى لي ولا يظلم الرعيّة، فإني غنّى عن ظلمهم. » ثم عضّ على إصبعه السبّابة وقال:
« آه، آه. » قيل له: « يا أمير المؤمنين، ومن هو؟ » قال: « صاحب بريد يكتب إليّ بخبر هولاء على الصّحة. » وقدّم إلى المنصور رجلان أحدهما شاميّ والآخر عراقيّ وقد ولّاهما خراج ناحيتهما، فقال للشاميّ بعد ما وصّاه وتقدّم إليه بما أراد:
« ما أعرفنى بما في نفسك، كأنّى بك وقد خرجت من عندي فقلت الزم الصحّة يلزمك العمل. » وقال للعراقيّ بعد ما وصّاه:
« ما أعرفنى بما في نفسك كأنّى بك وقد خرجت من عندي فقلت: من عال بعدها فلا انجبر اخرج عني وامض إلى عملك، وو الله لئن تعرّضت لذلك لأبلغنّ من عقوبتك ما تستحقّه. » قال: فولّيا جميعا وناصحا.
وذكر إسحاق بن عيسى بن موسى أنّ المنصور ولّى رجلا من العرب حضرموت، فكتب إليه صاحب البريد:
إنّه يكثر الخروج في طلب الصيد وقد أعدّ بزاة وكلابا كثيرة.
فكتب إليه:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« ثكلتك أمّك وعدمتك عشيرتك ما هذه العدّة التي جمعتها، للنكاية في الوحش؟ إنّما استكفيناك أمور المسلمين ولم نستكفك أمور الوحش، سلّم ما كنت تلى من عملنا إلى فلان، والحق بأهلك ملوما مدحورا. » وذكر الهيثم بن عديّ أنّ ابن عيّاش حدّثه أنّ ابن هبيرة أرسل إلى المنصور وهو محصور بواسط والمنصور بإزائه:
« إني خارج يوم كذا وكذا وداعيك إلى المبارزة، فقد بلغني تجبينك إيّاى. » فكتب إليه:
« يا بن هبيرة، إنّك متعدّ طورك، جار في عنان غيّك، يعدك الشيطان ما الله مكذّبه، ويقرّب لك ما الله مباعده، فرويدا تتمّ الكلمة، ويبلغ الكتاب أجله، وقد ضربت لك مثلي ومثلك: بلغني أنّ أسدا لقي خنزيرا، فقال له الخنزير: قاتلني. فقال له الأسد: إنّما أنت خنزير، ولست لي بكفؤ ولا نظير، ومتى فعلت الذي دعوتني إليه فقتلتك، قيل: قتل الأسد خنزيرا، فلم أعتقد بذلك فخرا ولا ذكرا، وإن نالني منك شيء كان سبّة عليّ. فقال: إن أنت لم تفعل رجعت إلى السباع، فأعلمتها أنّك نكلت عني، وجبنت عن قتالي. فقال الأسد:
احتمالي عار كذبك أيسر من لطخ شاربي بدمك. » وذكر لأبي جعفر تدبير هشام بن عبد الملك في حرب كانت له، فبعث إلى رجل يصحبه قديما ينزل رصافة هشام، يسأله عن تلك الحرب، فقدم عليه فقال:
« أنت صاحب هشام؟ » قال: « نعم يا أمير المؤمنين. » قال: « فأخبرني كيف صنع في حرب دبّرها في سنة كذا؟ » فقال:
« إنّه عمل فيها، رحمة الله عليه، كذا وكذا، ثم أتبع بأن فعل، رضي الله عنه، كذا وكذا. » فأحفظ ذلك المنصور فقال:
« قم، غضب الله عليك، تطأ بساطي وتترحّم على عدوّى. » فقام الشيخ وهو يقول:
« إنّ لعدوّك قلادة في عنقي ومنّة في رقبتي لا ينزعها عني إلّا غاسلى. » فأمر بردّه وقال:
« اقعد، هيه، كيف قلت وما صنع بك؟ » فقال:
« إنّه كفاني الطلب، وصان وجهى عن السؤال، فلم أقف على باب عربيّ ولا عجميّ منذ رأيته، أفلا يجب عليّ أن أذكره بخير وأتبعه بثنائى؟ » قال: « بلى والله، لله أمّ نهضت عنك وليلة أدّتك، أشهد أنّك نهيض حرّة وغراس كريم. » ثم استمع منه، وأمر له ببرّ. فقال:
« يا أمير المؤمنين، ما آخذه لحاجة، وما هو إلّا تشرّف بحبائك وتبّجح بصلتك. » وأخذ الصلة وخرج. فقال المنصور:
« لمثل هذا تحسن الصنيعة، ويوضع المعروف. ويجاد بالمصون، وأين في عسكرنا مثله! » وأبطأ المنصور عن الخروج إلى الناس والركوب، فقال الناس: هو عليل وكثّرا. قال: فدخل الربيع عليه، فقال:
« يا أمير المؤمنين، لأمير المؤمنين طول البقاء والناس يقولون... » قال: « ما يقولون؟ » قال:
« يقولون: عليل. » قال: فأطرق قليلا وقال:
« يا ربيع، مالنا وللعامّة، إنّما تحتاج العامّة إلى ثلاث خلال، فإذا فعل بهم فما حاجتهم إذا أقيم لهم من ينظر في أحكامهم، وينصف بعضهم من بعض، ويؤمن سبلهم حتى لا يخافوا ليلهم ونهارهم، ويسدّ ثغورهم وأطرافهم حتى لا يجيئهم عدوّهم، وقد فعلنا ذلك بهم. »
ثم مكث أيّاما وقال:
« يا ربيع، اضرب الطبل. » فركب حتى رأته العامّة.
وظفر المنصور برجل من كبراء بني أمية فقال:
« إني أسألك عن أشياء فاصدقني ولك الأمان. » قال: « نعم. » فقال له المنصور:
« من أين أتى بنو أميّة حتى انتشر أمرهم؟ » قال: « من تضييع الأخبار. » وكان المنصور يقول: ليس بإنسان من أسدى إليه معروف فنسيه قبل الموت.
وكان يقول: العرب تقول: العرى القادح خير من الزّى الفاضح.
ودخل على المنصور رجل من أهل العلم فازدراه واقتحمته عينه فجعل لا يسأله عن شيء إلّا وجده عنده. فقال له:
« أنّى لك هذا العلم. » قال: « لم أبخل بعلم علمته، ولم أستحى من علم أتعلّمه. » قال: « فمن هناك. » وكان المنصور كثيرا ما يقول: من فعل بغير تدبير، وقال في غير تقدير، لم يعدم من الناس هازئا أو لاحيا.
وكان المنصور يقول: الملوك تحتمل كلّ شيء من أصحابها إلّا ثلاثا: إفشاء السرّ، والتعرّض للحرمة، والقدح في الملك.
ولمّا حمل عبد الجبّار بن عبد الرّحمن الأزدي إلى المنصور بعد خروجه عليه، قال له:
« يا أمير المؤمنين، قتلة كريمة. » قال:
« تركتها وراءك يا بن الخناء ».
وخطب يوما بمدينة السلام سنة اثنتين وخمسين ومائة، فقال:
« لا تظالموا، فإنّها ظلمة يوم القيامة. والله لو لا يد خاطئة، وظلم ظالم، لمشيت بين أظهركم وأسواقكم، ولو علمت مكان من هو أحقّ مني بهذا الأمر، لأتيته حتى أدفعها إليه. » وقال يوما: « من علم أنّه إنّما صنع إلى نفسه، لم يستبطئ الناس في شكرهم ولم يستزدهم في مودّتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك، واعلم أنّ طالب الحاجة إليك لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن ردّه.
وخطب يوما فقال:
« الحمد لله أحمده واستعين به وأتوكلّ عليه، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له... » فاعترض معترض عن يمينه فقال:
« أيها الإنسان، أذكّرك من ذكّرت به. » فقطع الخطبة وقال:
« سمعا، سمعا لمن حفظ عن الله، وذكّر به، وأعوذ بالله أن أكون جبّارا عنيدا، وأن تأخذنى العزّة بالإثم، لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين.
« وأنت أيّها القائل، فو الله ما أردت بهذا صلاحا، ولكنّك حاولت أن يقال:
قام، فقال، فعوقب فصبر، وأهون بها. ويلك لو هممت فاهتبلها إذ غفرت. وإيّاك وإيّاكم أيّها الناس وأختها، فإنّ الحكمة علينا نزلت ومن عندنا فصلت فردّوا الأمر إلى أهله يوردوه موارده ويصدروه مصادره. » ثم عاد في خطبته كأنّما يقرأها من راحته:
« و... أشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله... » وخطب المنصور بالمدائن عند قتل أبي مسلم فقال:
« أيّها الناس، لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تسرّوا غشّ الأئمّة، فإنّه لم يسرّ أحد منكم قطّ منكرة إلّا ظهرت في آثار يده أو فلتات لسانه، وأبداها الله لإمامه بإعزاز دينه وإعلاء حقّه. إنّا لم نبخسكم حقوقكم ولم نبخس الدين حقّه عليكم، إنّه من نازعنا عروة هذا القميص أجزرناه خبئ هذا الغمد، وإنّ أبا مسلم بايعنا وبايع لنا على أنّه من نكث بنا فقد أباح دمه. ثم نكث بنا، فحكمنا عليه حكمه على غيره لنا ولم نمنعنا رعاية الحقّ له من إقامة الحقّ عليه. » وكتب صاحب أرمينية إلى المنصور، إنّ الجند شغبوا عليه وكسروا أقفال بيت المال، فأخذوا ما فيه. » فوقّع في كتابه:
« اعتزل عملنا مذموما، فلو عقلت لم يشغّبوا، ولو قويت لم ينتهبوا. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
خلافة المهدي
وفي هذه السنة بويع للمهديّ واسمه محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس.
ودخلت سنة تسع وخمسين ومائة
وفيها أمر المهديّ بإطلاق من كان في سجن المنصور، إلّا من كان قبله تباعة في دم أو قتل، أو من كان معروفا بالسعي في الأرض بالفساد وكان لأحد قبله مظلمة أو حقّ، فأطلقوا.
وكان ممّن أطلق من المطبق يعقوب بن داود مولى بنى سليم، وكان معه في ذلك الحبس محبوسا الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام فلم يطلق.
وارتفع يعقوب بن داود واختصّ بالمهديّ حتى سمّاه أخا في الله.
ذكر السبب في ذلك
لمّا أطلق يعقوب بن داود ولم يطلق الحسن بن إبراهيم ساء ظنّ الحسن وخاف على نفسه فالتمس مخرجا لنفسه وخلاصا، فبعث إلى بعض ثقاته فحفر له سربا من موضع مسامت للموضع الذي هو فيه محبوس.
وكان يعقوب بن داود بعد أن أطلق يطيف با بن علّاثة وهو قاضى المهديّ بمدينة السلام ويلزمه حتى أنس به، وعرف يعقوب ما عزم عليه الحسن بن إبراهيم من الهرب، فأتى ابن علّاثة فأخبره أنّ عنده نصيحة للمهديّ، وسأله إيصاله إلى أبي عبيد الله، فسأله عن تلك النصيحة، فأبى أن يخبره وحذّره فوتها، فانطلق ابن علّاثة إلى أبي عبيد الله، فأخبره خبر يعقوب وما جاءه به، فأمر بإدخاله عليه.
فلمّا دخل سأله إيصاله إلى المهدي ليورد عليه النصيحة التي له عنده، فأدخله عليه، فلمّا دخل على المهديّ، شكر له بلاءه عنده في إطلاقه إيّاه، ثم أخبره أنّ له عنده نصيحة، فسأله عنها بمحضر من أبي عبيد الله وابن علّاثة، فاستخلاه منهما، فأعلمه المهديّ ثقته بهما، فأبى أن يبوح له بشيء حتى يقوما، فأقامهما، فأخلاه، فأخبره خبر الحسن بن إبراهيم وما أجمع به، وإنّ ذلك كائن من ليلته المستقبلة. فوجّه المهديّ من وثق به ليأتيه بخبره فأتاه بتحقيق ما أخبره به يعقوب، فأمر بتحويله إلى نصير، فلم يزل في حبسه إلى أن احتال أو أحتيل له، فخرج هاربا وافتقد فشاع هربه، فطلب فلم يظفر به، وتذكّر المهديّ دلالة يعقوب إيّاه كانت عليه، فرجا عنده من الدلالة عليه مثل الذي كان منه في أمره، فسأل أبا عبيد الله عنه، فأخبره أنّه حاضر. وقد كان لزم أبا عبيد الله فدعا به المهديّ خاليا فذكر له ما كان من فعله في أمر الحسن بن إبراهيم أولّا، ونصحه له فيه، وأخبره بما حدث من أمره، فأخبره يعقوب أنّه لا علم له بمكانه، وأنّه إن أعطاه أمانا يثق به، ضمن له أن يأتيه به، على أن يتمّ له على أمانه ويصله ويحسن إليه. فأعطاه المهديّ ذلك في مجلسه وضمنه له.
فقال له يعقوب:
« فاله يا أمير المؤمنين عن ذكره، ودع طلبه، فإنّ ذلك يوحشه، ودعني وإيّاه حتى أحتال له فآتيك به. » قال يعقوب:
« يا أمير المؤمنين، قد بسطت عدلك لرعيّتك وأنصفتهم وعممتهم بخيرك وفضلك، فعظم رجاؤهم، وانفسحت آمالهم، وقد بقيت أشياء لو ذكرتها لم تدع النظر فيها بمثل ما فعلت في غيرها، وأشياء مع ذلك وخلف بابك يعمل بها لا تعلمها، فإن جعلت لي السبيل إلى الدخول عليك، وأذنت لي في رفعها إليك، فعلت. » فأعطاه المهديّ ذلك وجعله إليه وصيّر سليما الخادم الأسود خادم المنصور سببه [ فى ] إعلام المهديّ بمكانه كلّما أراد الدخول. فكان يعقوب يدخل على المهديّ ليلا ويرفع إليه النصائح في الأمور الحسنة الجميلة من أمر الثغور وبناء الحصون وتقوية الغزاة وتزويج العزّاب وفكاك الأسارى والمحبّسين والقضاء على الغارمين والصدقة على المتعفّفين. فحظى بذلك عنده وربما رجا أن ينال به من الظفر بالحسن بن إبراهيم، واتخذه أخا في الله وأخرج بذلك توقيعا ثبت في الدواوين ووصله بمائة ألف، وكانت أوّل صلة وصله بها، فلم تزل منزلته تنمى وتعلو صعدا إلى أن صيّر الحسن بن إبراهيم في يد المهديّ.
تحرك الشيعة ووجوه أهل خراسان
وفي هذه السنة تحرّك قوم من الشيعة ووجوه أهل خراسان، وسعوا في خلع عيسى بن موسى وتصيير ولاية العهد لموسى بن المهديّ. فكتب المهديّ إلى عيسى بن موسى وهو بالكوفة، في القدوم عليه. فأحسّ عيسى بما يراد منه، فامتنع حتى خشي من انتقاضه وألحّ المهديّ عليه حتى كتب إليه:
« إنّك إن امتنعت من المجيء استحللت منك لمعصيتك ما يستحلّ من العاصي، وإن أجبتنى وخلعت نفسك حتى أبايع لموسى وهارون عوّضتك ما هو أجدى عليك وأعجل نفعا. » فأجابه فبايع لهما، وأمر له بعشرة آلاف ألف، ويقال بعشرين ألف ألف وقطائع كثيرة.
فامتنع وراوغ، فوجّه إليه محمّد بن فرّوخ وهو أبو هريرة القائد في ألف رجل من أصحابه ذوي البصائر في التشيّع، وجعل مع كلّ رجل منهم طبلا، وأمرهم أن يضربوا جميعا بطبولهم عند قدومهم الكوفة، فدخلها ليلا في وجه الصبح، فضرب أصحابه بطبولهم، فراع ذلك عيسى بن موسى روعا شديدا. ثم دخل عليه أبو هريرة فأمره بالشخوص، فاعتلّ بالشكوى، فلم يقبل ذلك منه وأشخصه من ساعته إلى مدينة السلام.
ودخلت سنة ستين ومائة
قدوم عيسى بن موسى
وفيها قدم عيسى بن موسى مع أبي هريرة لستّ خلون من المحرّم، وأقام أيّاما يختلف إلى المهديّ على رسمه لا يكلّم ولا يرى جفوة ولا مكروها حتى أنس بعض الأنس. ثم حضر الدار يوما قبل جلوس المهديّ، فدخل مجلسا كان يكون للربيع في مقصورة صغيرة عليها باب، وقد اجتمع رؤساء الشيعة في ذلك اليوم على خلعه والوثوب به، ففعلوا ذلك وضربوا الباب بجرزهم وعمدهم، فهشموا الباب وكادوا يكسرونه، وشتموه أقبح شتم، وأظهر المهديّ إنكارا لذلك فلم يزعهم ذلك، بل زادوا إلى أن كاشفه ذوو الأسنان من قومه وأهل بيته بحضرة المهديّ وأبوا إلّا خلعه وشتموه في وجهه وكان أشدّهم عليه محمّد بن سليمان.
فلمّا رأى المهديّ ذلك من رأيهم، أمر عيسى بموافقتهم، ودعاه إلى الخروج ممّا له من العهد في أعناق المسلمين وتحليلهم منه، فأبى، وذكر أنّ عليه أيمانا محرّجة في ماله وأهله فأحضر له من الفقهاء والقضاة، منهم محمّد بن عبد الله بن علاثة وغيره من أفتاه بأن يبتاع أمير المؤمنين ما له في أعناق الناس بما له فيه رضاه ممّا يخرج منه من ما له لما يلزمه من الحنث في يمينه، وهو عشرة آلاف ألف درهم، وضياع بالزاب الأعلى وكسكر، فقبل ذلك عيسى وخلع نفسه على المنبر، وبويع لموسى بعد المهديّ.
وكتب عليه بذلك كتاب قرئ عليه بحضرة الأشراف والقضاة والعدول، فاعترف به، وبذل خطّه فيه وشهد فيه أربعمائة وثلاثون رجلا من بنى هاشم والصحابة من قريش والموالي والوزراء والكتّاب والقضاة.
حج المهدي وما كان منه في مكة والمدينة
وفي هذه السنة حجّ المهديّ بالناس وحجّ معه ابنه هارون وجماعة من أهل بيته. وكان ممّن شخص معه يعقوب بن داود على منزلته الرفيعة التي كانت عنده، فأتاه حين وافى مكّة بالحسن بن إبراهيم بن عبد الله الذي كان استأمن له، فأحسن المهديّ صلته وجائزته وأقطعه مالا من الصوافي بالحجاز.
وفيها نزع المهديّ كسوة الكعبة التي كانت عليها، وكساها كسوة جديدة، وذلك أنّ حجبة الكعبة رفعوا إليه أنّهم يخافون أن تنهدم لكثرة ما عليها من الكسوة، فأمر بتنحية ما عليها حتى بقيت مجرّدة ثم طلى البيت بالخلوق وكسى.
وحكى أنّهم لمّا بلغوا إلى كسوة هشام وجدوها ديباجا ثخينا جدا، ووجدوا كسوة من كان قبله عامّتها من متاع اليمن.
وقسّم المهديّ في هذه السنة مالا عظيما في أهل مكّة والمدينة. فذكر أنّه قسّم في تلك السفرة ثلاثين ألف ألف درهم حملت معه ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار، ومن اليمن مائتا ألف دينار، فوهب ذلك كلّه وفرّق من الثياب مائة ألف وخمسين ألف ثوب، ووسّع مسجد رسول الله وأمر بنزع المقصورة التي في المسجد فنزعت وأراد أن ينقض منبر رسول الله فيعيده إلى ما كان عليه ويلقى منه ما كان معاوية زاد فيه، فشاور في ذلك مالك بن أنس، فقيل له:
« إنّ المسامير قد سلكت في الخشب الذي أحدثه معاوية في الخشب الأوّل وهو عتيق ولا نأمن إن خرجت المسامير التي فيه وزعزعت أن ينكسر، فتركه المهديّ على ذلك.
ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائة
خروج المقنع بخراسان
وفيها خرج حكيم المقنّع بخراسان، وكان يقول بتناسخ الأرواح، فاستغوى بشرا كثيرا، وقوى وسار إلى ما وراء النهر، فوجّه المهديّ لقتاله عدّة من قوّاده فيهم معاذ بن مسلم، وهو يومئذ على خراسان، ثم أفرد المهديّ لمحاربته سعيدا الحرشيّ، وضمّ إليه هولاء القوّاد. وابتدأ المقنّع بجمع الطعام في قلعة بكسّ عدّة للحصار.
ظفر بشر بعبد الله بن مروان
وفيها ظفر بشر بن محمّد بن الأشعث الخزاعي بعبد الله بن مروان بالشام فقدم به على المهديّ فجلس المهديّ مجلسا عامّا في الرصافة وقال:
« من يعرف هذا؟ » فقام عبد العزيز بن مسلم العقيلي فصار معه قائما ثم قال له:
« أبا الحكم؟ » قال: « نعم. » قال: « كيف كنت بعدي؟ » ثم التفت إلى المهديّ فقال:
« نعم يا أمير المؤمنين، هذا عبد الله بن مروان. » فعجب الناس من جرأته ولم يعرض له المهديّ بشيء. ثم جاء بعد ذلك بأيّام عمرو بن سهلة الأشعري فادّعى أنّ عبد الله بن مروان قتل أباه وكثرت الحيل على عبد الله بن مروان. فقدّم عمرو بن سهلة عبد الله بن مروان إلى عافية القاضي وادّعى عليه، فتوجّه الحكم أن يقاد به، وأقام عليه البيّنة. فلمّا كاد الحكم يبرم، جاء عبد العزيز بن مسلم العقيلي إلى عافية القاضي يتخطّى رقاب الناس حتى صار إليه فقال:
« يزعم عمرو بن سهلة أنّ عبد الله بن مروان قتل أباه. كذب والله، ما قتل أباه غيري أنا، قتلته بأمر مروان، وعبد الله بن مروان من دمه بريء. » فزالت عن عبد الله بن مروان ولم يعرض المهديّ لعبد العزيز بن مسلم، لأنّه قتله بأمر مروان. وفيها أمر المهديّ يعقوب بن داود بتوجيه الأمناء من قبله إلى جميع الآفاق، ففعل. وكان لا ينفذ للمهديّ كتاب إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب إلى ثقته وأمينه بإنفاذ ذلك.
واتّضعت منزلة أبي عبيد الله وزير المهديّ
ذكر السبب في ذلك
كان الربيع يخلف أبا عبيد الله عند المنصور بجميل أيّام مقامه بالريّ مع المهديّ وكان الموالي يسعون أبا عبيد الله عند المهديّ، فكان أبو عبيد الله يخاف تغيّر رأى المهديّ له، فيكتب إلى الربيع دائما ولا ينقطع رسله عنه، فلا يزال الربيع يذكره بجميل عند المنصور ويعلمه ثقته وكفايته ويتنجّز له الكتب من المنصور إلى المهديّ بالوصاة به وترك قبول قول الموالي فيه.
قال الفضل بن الربيع: فلمّا حجّ أبي مع المنصور في السنة التي مات فيها، وقام أبي بما فام به من أمر البيعة وتلافيه بنفسه تلك الأمور وتجديده البيعة للمهديّ على أهل بيت أمير المؤمنين والقوّاد والموالي وقدم، تلقّيته بعد المغرب، فلم أزل معه حتى تجاوز منزله وترك دار أمير المؤمنين ومضى إلى أبي عبيد الله فقلت له:
« تترك أمير المؤمنين وتأتى أبا عبيد الله؟ » فقال: « يا بنيّ هو وزير الرجل، وليس ينبغي أن نعامله بما كنّا نعامله به ولا نحاسبه بما كان منّا في أمره ونصرتنا له. » قال: فمضينا حتى أتينا باب أبي عبيد الله. فما زال واقفا حتى صلّيت العتمة فخرج الحاجب فقال:
« ادخل. » فثنى رجله وثنيت رجلي فقال:
« إنّما استأذنت لك وحدك يا با الفضل. » قال: « فاذهب وأخبره أنّ الفضل معي ثم اقبل عليّ. » فقال: « وهذا أيضا من ذاك. » فخرج الحاجب فأذن لنا جميعا، فدخلنا وإذا أبو عبيد الله في صدر مجلسه متكئ.
فقلت: يقوم إلى أبي ويتلقّاه فلم يقم. فقلت: يستوى جالسا إذا دنا، فلم يفعل فقلت: يدعو له بمصلّى فلم يفعل.
قال: فقعد أبي بين يديه على البساط وهو متكئ، فجعل يسائله عن مسيره وسفره وحاله، وجعل أبي يتوقّع أن يسأله عمّا كان منه في أمر المهديّ وتجديده بيعته، فأعرض عن ذلك، فذهب أبي يبتدئ بذكره فقال:
« قد بلغنا نبأكم. » قال: فذهب أبي لينهض، فقال له:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« لا أرى الدروب إلّا وقد غلّقت فلو أقمت. » فقال أبي: « إنّ الدروب لا تغلق دوني. »
فقال: « بلى، قد أغلقت. » قال: فظنّ أبي أنّه يريد أن يحتبسه ليسكن من مسيره، ثم يسائله، فقال:
« يا غلام، اذهب، فهيّئ لأبي الفضل في منزل محمّد بن أبي عبيد الله مبيتا. » فلمّا رأى أنّه يريد أن يخرج من الدار، قال:
« فليس تغلق الدروب دوني. » ثم قام، فلمّا خرجنا من الدار أقبل عليّ فقال:
« يا بنيّ، أنت أحمق. » قلت: « وما حمقى؟ » قال: « تقول في نفسك كان ينبغي ألّا تجيء وكان ينبغي إذ جئت فحجبنا ألّا تقيم حتى صلّيت العتمة، وأن ترجع فتنصرف ولا تدخل، وكان ينبغي إذ دخلت فلم يقم لك، أن ترجع ولا تقيم عليه ولا تجلس بين يديه، ولم يكن الصواب إلّا ما عملته كلّه ولكن والله الذي لا إله إلّا هو - واستغلق في اليمين - لأخلقنّ جاهي ولأنفقنّ مالي حتى أبلغ مكروه أبي عبيد الله. » قال: ثم جعل يضطرب بجهده فلا يجد مساغا إلى مكروهه ويحتال الحيل، حتى ذكر القشيري الذي كان أبو عبيد الله حجبه، وكان هذا الرجل في مسامرى المهديّ بنيسابور وبالريّ وفيمن يأنس به، فعارض أبا عبيد الله يوما بين يدي المهديّ في أمر، فتقدّم أبو عبيد الله بأن يحجب عن المهديّ، وأسقط اسمه، فأرسل إليه أبي فجاءه فقال:
« إنّك قد علمت ما ركبك به أبو عبيد الله، وقد بلغ مني كلّ غاية من المكروه وقد أرغت أمره بجهدى فما وجدت عليه طريقا فعندك حيلة في أمره؟ » فقال: « إنّما يؤتى أبو عبيد الله من أحد وجوه أذكرها لك. يقال: هو جاهل بصناعته، فأبو عبيد الله أحذق الناس. أو يقال: هو ظنين فيما يتقلّده، فأبو عبيد الله أعفّ الناس لو أنّ بنات المهديّ في حجره كان لهنّ موضعا. أو يقال: هو يميل إلى أن يخالف السلطان فليس يؤتى أبو عبيد الله من ذلك الّا أنّه يميل إلى القدر. أو يقال: هو متّهم في الله. فأبو عبيد الله ذو عقد وثيق ولكن هذا كلّه مجتمع لك في ابنه. » قال: فتناوله الربيع، فقبّل بين عينيه، ثم دبّ لابن أبي عبيد الله. فو الله ما زال يحتال ويدّس إلى المهديّ ويتّهمه ببعض حرم المهديّ، ويحقّق عليه الزندقة حتى استحكم عند المهديّ الظنّة بمحمّد بن أبي عبيد الله، فأمر فأحضر وأخرج أبو عبيد الله فقال:
« يا محمّد، اقرأ القرآن. » فذهب ليقرأ، فاستعجم عليه، فقال:
« يا معاوية، ألم تعلمني أنّ ابنك جامع للقرآن؟ » قال: « قد أخبرتك يا أمير المؤمنين، ولكنّه فارقني منذ سنين، وفي هذا المدّة نسى القرآن. » قال: « قم، فتقرّب إلى الله تعالى بدمه. » قال: فذهب يقوم فوقع، فقال العبّاس بن محمّد:
« إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تعفى الشيخ، فإنّه يضعف عن ذلك. » قال: ففعل، وأمر به فأخرج وضربت عنقه. قال: واتهمه المهديّ في نفسه.
فقال له الربيع:
« قتلت ابنه، وليس ينبغي أن يكون معك ولا أن تثق به. » قال: فأوحش المهديّ منه، وكان من أمره ما كان. وبلغ الربيع ما أراد واشتفى وزاد.
ودخلت سنة اثنين وستين ومائة
وتتابعت السنون إلى سنة ستّ وستين ومائة لم يجر فيها ما يكتب ويستفاد به شيء.
غضب المهدي على يعقوب بن داود
ولمّا كانت سنه ستّ وستّين ومائة، غضب المهديّ على يعقوب بن داود.
ذكر السبب في ذلك
كان يعقوب بن داود محبوسا في المطبق حتى من عليه المهديّ. وسبب حبسه أنّ أباه داود بن طهمان وإخوته كانوا كتّابا لنصر بن سيّار، ولمّا كانت أيّام يحيى بن زيد، كان يدسّ إليه وإلى أصحابه ما يسمع من نصر ويحذّرهم.
فلمّا خرج أبو مسلم يطلب بدم يحيى بن زيد ويقتل قتلته والمعينين عليه، أتاه داود بن طهمان مطمئنّا إليه لما كان يعلم ممّا جرى بينهما فأمنه أبو مسلم ولم يعرض له في نفسه، لكنّه أخذ أمواله التي استفادها أيّام نصر، وترك له ضيعة كانت له قديمة.
فلمّا مات داود خرج ولده أهل أدب وعلم بأيّام الناس وسيرهم وأشعارهم، ونظروا فإذا ليس لهم عند بنى العبّاس منزلة، فلم يطمعوا في خدمتهم لحال أبيهم من كتابة نصر. فأظهروا مقالة الزيدية ودنوا من آل الحسن طمعا في أن تكون لهم دولة فيعيشوا فيها.
فكان يعقوب منفردا يجول البلاد، وكان مع إبراهيم بن عبد الله أحيانا في طلب البيعة لمحمّد بن عبد الله. فلمّا ظهر إبراهيم بالبصرة كان معه، فلمّا قتل محمّد وإبراهيم تواروا، فأمر المنصور بطلبهم، فأخذ يعقوب وأخوه عليّ فحبسهما في المطبق، فبقوا أيّام حياة المنصور إلى أن من المهديّ عليهما وأطلقهما.
ثم لم تزل منزلته ترتفع عند المهديّ حتى استوزره وتجاوز مرتبة الوزارة، حتى فوّض إليه أمر الخلافة، فأرسل إلى الزيديّة، فأتى بهم من كلّ أوب وولّاهم من أمور الخلافة في الشرق والغرب كلّ عمل جليل نفيس والدنيا كلّها في يده، فكثر حسّاده وسعى عليه الموالي حتى قيل للمهديّ:
« إنّ الشرق والغرب في يد يعقوب وأصحابه، وقد كاتبهم وإنّما يكفيه أن يكتب إليهم فيثوروا في يوم واحد على ميعاد فيأخذوا الدنيا كلّها لمن شاء. » فكان ذلك ملأ قلب المهديّ.
وكان يعقوب بن داود قد عرف من المهديّ خلقا واستهتارا بذكر النساء والجماع. وكان يعقوب يصف له من نفسه شيئا كثيرا، وكذلك كان المهديّ، فيقول خدم المهديّ:
« هو على أن يصبح فيثور بيعقوب. » فإذا أصبح غدا عليه يعقوب وقد بلغه الخبر، فإذا نظر إليه تبسّم فيقول:
« اقعد بحياتى فحدّثني. » فيقول:
« خلوت بجاريتي فلانة، فكان فكان، وقالت وقلت. » فيضع لذلك حديثا، فيحدّث المهديّ بمثل ذلك ويفترقان على الرضا، فيبلغ ذلك من يسعى على يعقوب فيتعجّب منه.
ذكر السبب في تمكن السعاة على يعقوب مع حظوته
خرج ليلة يعقوب من عند المهديّ وقد ذهب من الليل أكثره، وعليه طيلسان يتقعقع، فصادف غلاما آخذا بعنان دابّة معه أشهب وقد نام الغلام، فذهب يعقوب يسوّى طيلسانه، فتقعقع، فنفر البرذون وسقط يعقوب ودنا منه يعقوب فاستدبره وضربه ضربة على ساقه فكسرها. وسمع المهديّ الوجبة، فخرج حافيا فلمّا رأى ما به أظهر الجزع والتفزّع، ثم أمر به فحمل في محفّة إلى منزله، ثم غدا عليه المهديّ مع الفجر، وبلغ ذلك الناس، فغدوا عليه فعادوه ثلاثة متتابعة مع أمير المؤمنين ثم قعد عن عيادته وأقبل يرسل إليه يسأله عن حاله، فلمّا فقد وجهه تمكّن السعادة من المهديّ فلم يأت عاشره حتى أظهر سخطه.
وأمّا السبب الذي يحدّث به يعقوب نفسه بعد موت المهديّ فهو ما حكاه ابنه عليّ بن يعقوب عن أبيه قال: بعث المهديّ إليّ يوما، فدخلت عليه، فإذا هو في مجلس مفروش بفرش مورّد متناه في السرو على بستان فيه شجر رؤوس الشجر من صحن المجلس، وقد اكتسى ذلك الشجر بالأوراد والأزهار من الخوخ والتفّاح وكلّ ذلك مورّد يشبه فرش المجلس الذي كان فيه، فما رأيت شيئا أحسن منه، وإذا عنده جارية ما رأيت أحسن منها ولا أسد قواما ولا أحسن اعتدالا، عليها نحو تلك الثياب، فما رأيت أحسن من جملة ذلك المجلس فقال لي:
« يا يعقوب، كيف ترى مجلسنا هذا؟ » فقلت: « على غاية الحسن، فمتّع الله أمير المؤمنين به وهنّأه إيّاه. » قال: « هو لك، أحمله بما فيه، وهذه الجارية ليتمّ سرورك. » قال: فدعوت له بما يحبّ.
قال: ثم قال لي:
« يا يعقوب، ولى إليك حاجة. » قال: فوثبت قائما، ثم قلت:
« يا أمير المؤمنين، ما هذه إلّا لموجدة، وأنا أستعيذ بالله من سخط أمير المؤمنين. » قال: « لا ولكن أحبّ أن تضمن لي قضاءها، فإني لم أسلكها من حيث تتوهّم، وإنّما قلت ذلك على الحقيقة، فأحبّ أن تضمن لي هذه الحاجة أن تقضيها لي. » قلت: « الأمر لأمير المؤمنين، وعليّ السمع والطاعة. » قال: « والله؟ » قلت: « والله ثلاثا ».
قال: « وحياة رأسك. » قال: « فضع يدك عليه واحلف به. » قال: فوضعت يدي عليه وحلفت به لأعملنّ بما قال ولأقضيّن حاجته. فلمّا استوثق مني في نفسه قال:
« هذا فلان بن فلان من ولد عليّ أحبّ أن تكفيني مؤونته وتريحني منه وتعجّل ذلك. » فقلت: « أفعل. » قال: « فخذه إليك. » قال: فحوّلته إليّ وحوّلت الجارية وجميع ما كان في البيت والمجلس من فرش وآلة وأمر لي بمائة ألف درهم. قال: فحملت ذلك جملة ومضيت به، فلشدّة سروري بالجارية صيّرتها في مجلس بيني وبينها ستر، وبعثت إلى العلويّ فأدخلته إليّ وسألته عن حاله، فأخبرني بها وإذا ألبّ الناس وأحسنهم إبانة.
قال: وقال لي في بعض ما يقول:
« ويحك يا يعقوب، تلقى الله بدمى وأنا رجل من ولد فاطمة بنت محمّد ؟ » قال: قلت: لا والله، فهل فيك أنت خير » قال: « إن فعلت خيرا شكرت ولك عندي دعاء واستغفار. » قال: قلت له:
« فإني أطلقك، فأيّ الطرق أحبّ إليك؟ » قال: « طريق كذا. » قلت: « فمن هاهنا ممّن تأنس به وتثق بموضعه. » قال: « فلان وفلان. » قلت: « فابعث إليهما، وخذ هذا المال وامض معهما مصاحبا في ستر الله، وموعدك وموعد هما للخروج من دارى إلى موضع كذا وكذا الذي اتفقنا عليه في وقت كذا وكذا من الليل. » فإذا الجارية قد حفظت عليّ قولي، فبعثت به مع خادم لها إلى المهديّ وقالت:
« هذا جزاؤك من الذي آثرته على نفسك، صنع وفعل. » حتى ساقت الحديث كلّه.
قال: وبعث المهديّ من وقته فشحن تلك الطرق والمواضع التي وصفها يعقوب والعلويّ برجال، فلم يلبث أن جاءوه بالعلويّ بعينه وصاحبيه والمال على النسخة التي حكتها الجارية.
قال: وأصبحت من غد ذلك اليوم، فإذا رسول المهديّ يستحضرني. قال: وكنت خالي الذرع غير ملق إلى أمر العلويّ بالا حتى أدخل على المهديّ وأجده على كرسيّ في يده مخصرة.
فقال: « يا يعقوب ما حال الرجل؟ » قلت: « يا أمير المؤمنين، قد أراحك الله منه. » قال: « مات؟ » قلت: « نعم. » قال: « والله؟ » قلت: « والله؟ » قال: « فقم وضع يدك على رأسى. » قال: فوضعت يدي على رأسه وحلفت له به.
قال: فقال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)