فيكثر غلطه، ومنهم الضابط المتقن المثبت الذي يندر جدًا أن يخطئ، وليس كل ما يصلح مستندًا للتوقف عن خبر الأول أو رده يصلح لمثل ذلك في خبر الثاني. فأما الصدق وتعمد الكذب ولاسيما في الحديث النبوي فالأمر فيها أعظم، وللكذب دواع وموانع، والناس متفاوتون جدًا في الانقياد للدواعي أو الموانع، فإني أعرف من الأغنياء الوجهاء من يساوم بالسلعة الخفيفة، فيقول له الدكاني: ثمنها ثلاثة قروش، فيقول كاذبًا: إن صاحب ذلك الدكان يبيعها بقرشين، يكذب هذه الكذبة طبعًا في أن يغر الدكاني فيعطيه إياها بقرشين مع علمه أن كذبه قد ينكشف عن قريب، بل إذا نجح فأخذها بقرشين، قد يذهب فيخبر بالقصة متمدحًا بكذبته، وأعرف من المقلين من لا تسمح له نفسه بمثل هذا الكذب ولو ظن أنه يتحصل به على مقدار كبير، فأما الحديث النبوي فالأمر فيه أشد، والمتدينون من الكذب فيه أبعد وأبعد. فإن قيل: قد ذكر أهل الحديث أن جماعة صالحين كانوا يكذبون في الحديث عمدًا في المواعظ ونحوها،207وذكروا في الهيثم بن عدي -وهو ممن يكذبون- أنه كان يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب.
قلت: أما صالحٌ يتعمد الكذب فلا يكون إلا شديد الجهل بالدين، ومثل هذا نادر لا يسوغ أن يقاس به من عرف بالدين والعلم والصدق، ولو ساغ هذا لساغ أن يتهم كل إنسان بكل نقيصة عرفت لغيره، ولو عرف بأنه من أبعد الناس عنها.
فأما الهيثم بن عدي فتلك الحكاية إنما حكاها عباس الدوري قال: (حدثنا بعض أصحابنا قال: قالت جارية الهيثم بن عدي: كان مولاي …) والجارية لا يعرف حالها، والمخبر عنها لا يدرى من هو وما حاله، وإنما ذكروا هذه الحكاية على أنها نادرة مستطرفة؛ لأن مثل هذا نادر كما مر، وإنما استندوا في تكذيب الهيثم إلى دلائل ثابتة. هذا وعلماء السنة لا يستندون في التصديق والتكذيب إلى أن ذاك يروقهم وهذا لا يعجبهم، ولكنهم ينظرون إلى الرواة فمن كان من أهل الصدق والأمانة والثقة لا يكذبونه، غير أنهم إذا قام الدليل على خطئه خطأوه - سواء كان ذلك فيما يسوءهم أم فيما يعجبهم. وأما من كان كذابًا أو متهمًا أو مغفلًا أو مجهولًا أو نحو ذلك فإنهم لا يحتجون بروايته. ومن هؤلاء جماعة كثير قد رووا عنهم في كتب التفسير وكثير من كتب الحديث والسير والمناقب والفضائل والتاريخ والأدب، وليست روايتهم عنهم تصديقًا لهم وإنما هي على سبيل التقييد والاعتبار، فإذا جاء دور النقد جروا على ما عرفوه، فما ثبت عما رواه هؤلاء برواية غيرهم من أهل الصدق قبلوه، وما لم يثبت فإن كان مما يقرب وقوعه لم يروا بذكره بأسًا وإن لم يكن حجة، وإن كان مما يستبعد أنكروه، فإن اشتد البعد كذبوه، وهذا التفصيل هو الحق المعقول، ومعلوم أن الكذوب قد يصدق فإذا صدقناه حيث عرفنا صدقه واستأنسنا بخبره حيث يقرب صدقه لم يكن علينا -بل لم يكن لنا- أن نصدقه حيث لم يتبين لنا صدقه، فكيف إذا تبين لنا كذبه؟
منزلة القواعد النظرية
أما القواعد النظرية قديمها وحديثها فحقها أن تضاف -كما أشار إليه الدكتور- إلى القواعد السندية بعد دراسة الناقد لهذه دراسة وافية وإيفائها حقها. فأما الاقتصار على القواعد النظرية أو ترجيح غير القطعي الحقيقي منها على رواية الثقات الأثبات، أو الاستدلال به على صدق الحكايات الواهية فضرره أكثر من نفعه، كثيرًا ما يبلغنا حدوث حادثة في عصرنا هذا فنرى صحتها؛ لأننا نرى أن الأسباب تستدعيها وتكاد توجب وقوعها، ثم يتبين أنها لم تقع، وتبلغنا واقعة فنرتاب فيها ونكاد نجزم بتكذيبها، ثم تبين أنها وقعت،208فإن قيل: إنما ذلك لخطئنا في اعتقاد أن هذا سبب أو مانع، أو في تقدير قوته، أو لجهلنا بأسباب وموانع أخرى أقوى مما عرفناه، قلت: فإذا كان هذا جهلنا بزماننا ومكاننا وبيئتنا، فكيف بما مضى عليه بضعة عشر قرنًا؟
ومما يجب التنبيه له أنه قد يثبت من جهة السند نص يستنكره بعض النقاد، وحق مثل هذا أن لا يبادر إلى رده، بل يمعن النظر في أمرين: الأول: معنى النص، فقد يكون المراد منه معنى غير الذي استنكر، الثاني: سبب الاستنكار، فكثيرًا ما يجيء الخلل من قِبَله.
وقد تقضي القرائن وقوع أمر سكتت عنه الروايات الصحيحة وترد رواية واهية السند فيها ما يؤدي ذاك الأمر في الجملة فيبادر الناقد إلى تثبيتها، وفي هذا ما فيه، ألا ترى أنه قد يجيئك شخص ضربه آخر فتسأله: لم ضربك؟ فيقول: بلا سبب، فترتاب في صدقه، فإذا جاء خصمه فقال: إنما ضربته؛ لأنه سبني سبًا شنيعًا، قال كيت وكيت، ظننت أنه صادق في الجملة، أي أنه قد كان سب، ولكنه قد يكون دون ما ذكره الضارب بكثير، فالصواب أن تذكر الرواية وأنها واهية السند، ثم يقال: ولكن القرائن تقتضي أنه قد كان شيء من ذاك القبيل، هذا هو مقتضى التحقيق والأمانة.
ثم قال أبو رية (ص 328) (طالب الحديث بغير فقه…).
أقول: قال أبو رية (ص46) (وروى البخاري ومسلم عن النبي قال: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب بها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ»).
إذا طبق هذا الحديث على أهل الحديث فثقاتهم كلهم داخلون في الفرقتين الأوليين المحمودتين، راجع فتح الباري (1/161) وفي حديث زيد بن ثابت عن النبي عند الترمذي وغيره «نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه». فشمل الدعاء كما ترى من حفظ وبلغ وإن لم يكن فقيهًا.
وذكر عن الثوري: «لو كان الحديث خيرًا لذهب كما ذهب الخير».
أقول: لم يقصد نفي الخير عن هذا الحديث نفسه، كيف والقرآن خير كله ولم يذهب. ولا عن طلب الحديث جملة،209فإن المتواتر المعلوم قطعًا عن الثوري خلاف ذلك؛ وإنما قصد أن كثيرًا من الناس يطلبون الحديث لغير وجه الله وذلك أنه رأى أن الرغبة في الخير المحض لم تزل تقل، كانت في الصحابة أكثر منها في التابعين، وفي كبار التابعين أكثر منها في صغارهم وهلم جرا، وفي جانب ذلك رأى رغبة الناس في طلب الحديث لم تنقص، فرأى أنها ليست خيرًا على الإطلاق، يعني أن كثيرًا ممن يطلب الحديث يطلبه ليذكر ويشتهر ويقصده الناس ويجتمعوا حوله ويعظموه. وأقول: إن العليم الخبير أحكم الحاكمين كما شرع الجهاد في سبيله لإظهار دينه، ومع ذلك يسر ما يرغب فيه من جهة الدنيا، فكذلك شرع حفظ السنة وتبليغها، ومع ذلك يسر ما يرغب في ذلك من جهة الدنيا؛ لأنه كما يحصل بالجهاد عن الإسلام وإن قل ثواب بعض المجاهدين فكذلك يحصل بطلب الحديث وحفظه حفظ الدين ونشره وإن قل أجر بعض الطالبين.
وذكر أبو رية (ص330) كلمات لبعض المحدثين في ذم أهل الحديث يعنون طلابه، التقطها من كتاب العلم لابن عبد البر، وقد قال ابن عبد البر هناك (2: 125): (وهذا كلام خرج على ضجر، وفيه لأهل العلم نظر). وإيضاح ذلك أن الرغبة في طلب الحديث كانت في القرون الأولى شديدة، وكان إذا اشتهر شيخ ثقة مُعمَّر مكثر من الحديث قصده الطلاب من آفاق الدنيا، منهم من يسافر الشهر والشهرين وأكثر ليدرك ذاك الشيخ، وأكثر هؤلاء الطلاب شبان، ومنهم من لا سعة له من المال إنما يستطيع أن يكون معه من النفقة قدر محدود يتقوت منه حتى يرجع أو يلقى تاجرًا من أهل بلده يأخذ منه الشيء، وكان منهم من كل نفقته جراب يحمله فيه خبز جاف يتقوت كل يوم منه كسرة يبلها بالماء ويجتزئ بها، ولهم في ذلك قصص عجيبة فكان يجتمع لدى الشيخ جماعة من هؤلاء كلهم حريص على السماع منه وعلى الاستكثار ما أمكنه في أقل وقت، إذ لا يمكنه إطالة البقاء هناك لقلة ما يبده من النفقة، ولأنه يخاف أن يموت الشيخ قبل أن يستكثر من السماع منه، ولأنه قد يكون شيوخ آخرون في بلدان أخرى، يريد أن يدركهم ويأخذ عنهم، فكان هؤلاء الشباب يتكاثرون على الشيخ ويلحون عليه ويبرمونه، فيتعب ويضيق بهم ذراعًا، وهو إنسان له حاجات وأوقات يجب أن يسترح فيها وهم لا يدعونه، ومع ذلك فكثير منهم لا يرضون أن يأخذوا من الشيخ سلامًا بسلام بل يريدون اختباره ليتبين له أضابط هو أم لا. فيوردون عليه بعض الأسئلة التي هي مظنة الغلط ويناقشونه في210بعض الأحاديث ويطالبونه بأن يبرز أصل سماعه، وإذا عثروا للشيخ على خطأ أو سقط أو استنكروا شيئًا من حاله خرجوا يتناقلون ذلك بقصد النصيحة، فكان بعض أولئك الشيوخ إذا ألح عليه الطلبة وضاف بهم ذرعًا أطلق تلك الكلمات (أنتم سخنة عين، ولو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربا، ما رأيت علمًا أشرف ولا أهلًا أسخف من أهل الحديث. صرت اليوم ليس شيء أبغض إلي من أن أرى واحدًا منهم. إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟ لأنا أشد خوفًا منهم من الفساق) لأنهم يبحثون عن خطئه وزلله ويشيعون ذلك.
والغريب أن أولئك الطلاب لم يكونوا يدعون هذه الكلمات تذهب، بل يكتبونها ويروونها فيما يروون، فيذكر من يريد عتاب الطلاب وتأديبهم كابن عبد البر، ويهتبلها أبو رية ليعيب بها الحديث وأهله جملة.
فأما قول الثوري: «أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة، وودت أني خرجت منه كفافًا لا علي ولا لي». فهذا كلام المؤمن الشديد الخشية تتضاءل عنده حسناته الكثيرة العظيمة ويتعاظم في نظره ما يخشى أن يكون عرض له من تقصير أو خالطه من عجب، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو هذا فيما كان له بعد رسول الله من عمل، وإنما كان عمله ذلك جهادًا في سبيل الله وإعلاء دينه وتمكين قواعده وإقامة العدل التام، وغير ذلك من الأعمال الفاضلة، وقد كان فيها كلها أبعد الناس عن حظ النفس، بل كان يبلغ في هضم نفسه وأهل بيته، وكل عارف بالإيمان وشأنه يعرف لكلمة عمر حقها، ولكن الرافضة عكسوا الوضع، وقفاهم أبو رية في كلمة الثوري وما يشبهها!
وعلق أبو رية على كلمة (لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب… إلخ) ما تقدم تفنيده في مواضع.
خاتمة أبي رية
قال (ص331): (خاتمة…).
ذكر عبارات لابن خلدون تتلخص في أمور: الأول ذكر من الدواعي إلى الكذب التشيع للمذاهب والتزلف إلى ذوي المراتب. فأقول قد عرف المحدثون هذا وعدة أسباب أخرى أشاروا إليها في البواعث على الوضع، وإنما الفرق بينهم وبين بعض من يتعاطى النقد في عصرنا أن المحدثين علموا أن هذين الداعيين -مثلًا- لا يدعوان إلى الكذب؛ لأنه كذب، وإنما يدعو الأول إلى ما ذكر ما يؤيد المذهب، والثاني إلى ذكر ما يرضي ذا المرتبة،211وإن كلًا من التأييد والإرضاء ليس وقفًا على الكذب، بل يمكن أن يقع بما هو صدق، إذن فالمخبر بما يؤيد مذهبه أو يرضي رئيسه يجوز مع صرف النظر عن الأمور الأخرى أن يكون صادقًا وأن يكون كاذبًا، فالحكم بأحدهما لوجود الداعي غير سائغ، بل يجب النظر في الأمور الأخرى ومنها الموانع، فإذا وجد داع ومانع وانحصر النظر فيهما تعين الأخذ بالأقوى، وكل من الدواعي والموانع تتفاوت قوته في الأفراد تفاوتًا عظيمًا، فلابد من مراعاة ذلك ومن تدبر هذا علم أنه الحق لا ريب فيه وأنه يرى شواهده في نفسه وفي من حواليه، وعلم أن ما يسلكه بعض متعاطي النقد من أهل العصر في اتهام بعض أفاضل المتقدمين بالكذب لوجود بعض الدواعي عندهم في الجملة تهور مؤسف أما أئمة الحديث فقد عرفوا الرواة وخبروهم وعرفوا أحوالهم وأخبارهم واعتبروا مروياتهم كما تقدم في مواضع منها (ص55، 62) فمن وثقه المتثبتون منهم فمحاولة بعض العصريين اتهامه لأنه كان -مثلًا- يتشيع أو يخالط بني أمية أو نحو ذلك لغو لا يرتضيه العارف البتة، هذا حكم يقبله علماء السنة لهم وعليهم، ألا ترى أن مسلمًا صحح حديث أبي معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر قال: (قال علي: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أن يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلامنافق») ولا أعلم أحدًا طعن فيه، مع أن عدي بن ثابت معروف بالتشيع بل وصفه بعضهم بالغلو فيه، وكان إمام مسجد الشيعة وقاصهم، والبخاري إن لم يخرج هذا الحديث فقد احتج بعدي بن ثابت في عدة أحاديث، ولو كان يتهمه بكذب ما في الرواية لما احتج به البتة.
الأمر الثاني: ذكر من أسباب الكذب خطأ أن يخطئ المخبر في معرفة حقيقة ما عاين أو سمع، وينقل الخبر بحسب ما اعتقد، أقول: قد عرف المحدثون هذا، ولذلك شرطوا في الراوي أن يكون ضابطًا متثبتًا عارفًا بمعاني الكلام إذا روى بالمعنى، ويختبرون حاله في ذلك باعتبار حديثه كما تقدم (ص55، 62) وغيرهما.
الأمر الثالث: ذكر من أسباب تلقي الراوي الصدوق خبر الكاذب ونقله له، حسن الظن بالمخبر، وموافقة الخبر لرغبة الراوي وضعف تمحيصه. أقول: وهذا قد عرفه أئمة الحديث، ولذلك لم يعدوا رواية الثقة لخبر عن رجل تصحيحًا ولا توثيقًا.
212الأمر الرابع: ذكر أن الحكم بصحة الخبر لا ينبغي أن يكتفي فيه بثقة الراوي، بل ينبغي أن يتقدم ذلك النظر في طبيعة الخبر وعرضه على أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الإنساني، ويقاس الغائب على الشاهد، فإذا عرف أنه ممكن نظر في حال الرواة، قال: (أما إذا كان مستحيلًا فلا فائدة للنظر في التعديل والتجريح).
أقول: وهذا قد عرفه الأئمة، وقدروا كل شيء من هذا قدره. راجع (ص191).
وقال (ص334) عن ابن خلدون: (فأبو حنيفة رضي الله عنه يقال: بلغت روايته إلى سبعة عشر حديثًا).
أقول: هذه مجازفة قبيحة وتفريط شائن، أفما كان ابن خلدون يجد عالمًا يسأله؟ الأحاديث المروية عن أبي حنيفة تعد بالمئات، ومع ذلك لم يرو عنه إلا بعض ما عنده؛ لأنه لم يتصدَّ لإسماع الحديث. راجع (ص34)
قال: (ومالك رحمه الله إنما صح عنده ما في كتاب الموطأ).
أقول: وهذه مجازفة أخرى، لم يقصد مالك أن يجمع حديثه كله ولا الصحيح منه في الموطأ، إنما ذكر في الموطأ ما رأى حاجة جمهور الناس داعية إليه.
قال: (وغايتها ثلثمائة حديث أو نحوها).
أقول: وهذه مجازفة ثالثة، انظر كتاب أبي رية (ص271) حيث ذكر عن الأبهري أنها ستمائة، فأما ما ذكره هناك أن الموطأ كان عشرة آلاف حديث فلم يزل مالك ينقص منه، فقد فنده ابن حزم في إحكامه (2/137).
وقال أيضًا (إن الصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتيا، ولا كان الذين يؤخذ عن جميعهم). [64]
أقول: قال الإمام الشافعي: «أصحاب النبي كلهم ممن له أن يقول في العلم» راجع ما تقدم (ص42).
ثم قال أبو رية (ص334-338): (أعظم ما رزئ به الإسلام. قال الأستاذ الإمام محمد عبده…) فذكر أمورًا قد تقدم النظر فيها، وذكر (ص336) قول يحيى القطان: (ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث) ففسر الصالحين بالمرائين، والمعروف عند أهل الحديث أنهم أناس استغرقوا في العبادة والتقشف وغفلوا عن ضبط الحديث، فصاروا يحدثون على التوهم، كأبان بن أبي عياش ويزيد بن أبان الرقاشي وصالح المري وغيرهم.
وفي آخر (ص337): (أما الأخبار الآحاد فإنما يجب الإيمان بما ورد فيها على من بلغته وصدق بصحة روايتها).
أقول: ومن لم يصدق فمدار الحكم فيه على المانع له من التصديق، فمن الموانع ما لا يمنع إلا الزائغ، وراجع (ص56).
وقال: (ص338) (هل كل من وثقه جمهور المتقدمين يكون ثقة)؟ وذكر في هذه الصفحة إلى (ص344) كلمات لصاحب المنار، منها كلام في كعب الأحبار ووهب بن منبه، وقد تقدم النظر في ذلك (ص67-70) وغيرها. ومنها في نقد المتون: (ومن تعرض له منهم كالإمام أحمد والبخاري لم يوفه حقه كما تراه فيما يورده الحافظ ابن حجر في التعارض بين الروايات الصحيحة له ولغيره).
أقول: من أنعم النظر في الرواة والمرويات ومساعي أئمة الحديث في الجمع والتنقيب والبحث والتخليص والتمحيص عرف كيف يثني عليهم، وأبقى الله لمن بعدهم ما يتم به الابتلاء وتنال به الدرجات العلى ويمتاز هؤلاء عن هؤلاء، وقد أسلفت (ص161، 188) أن الاستشكال لا يستلزم البطلان. بدليل استشكال كثير من الناس كثيرًا من آيات القرآن، وذكرت في (ص172) أن الخلل في ظن البطلان أكثر جدًا من الخلل في الأحاديث التي يصححها الأئمة المتثبتون.
قال: (ومنه ما كان يتعذر عليهم العلم بموافقته أو مخالفته للواقع ظاهر حديث أبي ذر عند الشيخين وغيرهما أين تكون الشمس بعد غروبها؟ فقد كان المتبادر منه للمتقدمين أن الشمس تغيب عن الأرض كلها وينقطع نورها عنها مدة الليل إذ تكون تحت العرش تنتظر الإذن لها بالطلوع ثانية).
أقول: للحديث روايات: إحداها: رواية وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر «سألت النبي عن قوله تعالى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } قال: مستقرها تحت العرش» أخرجاه في الصحيحين.
الثانية في الصحيحين أيضًا من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال «دخلت المسجد ورسول الله جالس، فلما غابت الشمس قال: يا أبا ذر! هل تدري أين تذهب هذه؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها. وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها»، قال: (ثم قرأ في قراءة عبد الله: وذلك مستقر لها)، لا أدري من القارئ، ولعله إبراهيم التيمي. وظاهر اختلاف سياق الروايتين أنهما حديثان كل منها مستقل عن الآخر، وليس في المرفوع عن هاتين الروايتين ذكر أنها حين تغرب تكون تحت العرش أو في مستقرها.
وهناك رواية البخاري عن الفريابي عن الثوري عن الأعمش بنحو رواية أبي معاوية إلا أنه قال: («تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن. ». ) ونحوه بزيادة في رواية لمسلم من وجه آخر عن إبراهيم التيمي وقال: («حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة…») فقد يقال: لعل أصل الثابت214عن أبي ذر الحديثان الأولان، ولكن إبراهيم التيمي ظن اتفاق معناهما فجمع بينهما في الرواية الثالثة، وقد يقال: بل هو حديث واحد اختصره وكيع على وجه، وأبو معاوية على آخر. فالله أعلم
هذا وجري الشمس هو -والله أعلم- هذا الذي يحسه الناس، فإنه على كل حال هو الذي تطلق عليه العرب (جري الشمس) تدبر، وبحسب ذلك يفهم الحديث. وقال الله تبارك وتعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ } ومهما يكن هذا السجود فإنه يدل على الانقياد التام، والشمس منقادة لأمر ربها أبدًا، وانحطاطها في رأي العين إلى أسفل أجدر بأن يسمى سجودًا، والمأمور يعمل إذا انقاد، وشأنه الانقياد دائمًا، فشأنه عند توقع أن يؤمر بتركه أن يستأذن.
فأما طلوعها آخر الزمان من مغربها فرأيت لبعض العصريين كلامًا سأذكره لينظر فيه: ذكر أنه يحتمل أن يحدث الله عز وجل ما يعوق هذه الحركة المحسوسة الدائرة بين الشمس والأرض فتبطئ تدريجًا كما يشعر به ما جاء في بعض الأخبار أن الأيام تطول آخر الزمان، حتى تصل إلى درجة استقرار، ويكون عروض هذا الاستقرار بعد غروبها عن هذا الوجه من الأرض الذي كان فيه النبي ، ثم تنعكس الحركة فتطلع على أهل هذا الوجه من مغربهم. قال: وذاك الموضوع الذي سوف تستقر فيه معين بالنسبة إلى موضعها من الأرض، فيصح أن يكون هو المستقر. قال: وكان الظاهر والله أعلم أن يقال: (تحت الأرض) أي بالنظر إلى أهل الوجه. لكنه عدل إلى (تحت العرش) لأوجه: منها كراهية إثارة ما يستغربه العرب حينئذ من هيأة الخلق مما يؤدي إلى شك وتساؤل واشتغال الأفكار بما ليس من مهمات الدين التي بعث لها الرسل، وقد ذكر بعضهم نحو هذا في قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }. ومنها أنه إن كان تحت الأرض عند أهل هذا الوجه فهو فوقها عند غيرهم، أما العرش فذاك الموضع والعالم كله تحته، راجع الرسالة العرشية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومنها أنه لما ذكر أنه موضع سجودها كانت نسبة السجود إلى كونه تحت العرش أولى.
أقول: فلم يلزم مما في الرواية الثالثة من الزيادة غيبوبة الشمس عن الأرض كلها، ولا استقرارها عن الحركة215كل يوم بذاك الموضع الذي كتب عليها أن تستقر فيه متى شاء ربها سبحانه.
بحث مع صاحب المنار
قال (ص339): (…بعد العلم القطعي لا مندوحة لنا عن أحد أمرين، إما الطعن في سند الحديث وإن صححوه؛ لأن رواية ما يخالف القطعي من علامات الوضع عند المحدثين أنفسهم. وأقرب تصوير للطعن فيما اشتهر رواية بالصدق والضبط أن يكون الصحابي أو التابعي منهم سمعه من مثل كعب الأحبار. ونحن نعلم أن أبا هريرة روى عن كعب الأحبار، وكان يصدقه، ونرى الكثير من أحاديثه عنعنة لم يصرح بسماعه من النبي ، ومن القطعي أنه لم يسمع الكثير منها من لسانه لتأخر إسلامه، فمن القريب أن يكون سمع بعضها من كعب الأحبار، ومرسل الصحابي إنما يكون حجة إذا سمعه من صحابي مثله، ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب الأحبار وكان يصدقه. وإما تأويل الحديث بأنه مروي بالمعنى وأن بعض رواته لم يفهم المراد منه فعبر بما فهمه…).
أقول: عليه في هذا مؤاخذات:
الأولى: أن الأمرين اللذين ذكر أنه لا مندوحة عنهما وهما الطعن والتأويل لا يتعينان، بل بقى ثالث وهو التوقف، ويتعين حيث لا يتهيأ للناقد تأويل مقبول ولا طعن معقول.
الثانية: أنه قدم الطعن على التأويل، والواجب ما دام النظر في حديث ثابت في الصحيحين تقديم التأويل.
الثالثة: قوله: إن مخالفة القطعي من علامات الوضع، محله إذا تحققت المخالفة، ولم يكن هناك احتمال للتأويل البتة.
الرابعة: الطعن المعقول هو الذي يتحرى أضعف نقطة في السند، فما باله عمد إلى أقوى من فيه وهو الصحابي، وهو أبو ذر الغفاري، وقد قال النبي : «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر» ثبت من حديث أمير المؤمنين علي وعدد من الصحابة.
الخامسة: أن أبا ذر لم ينقل عنه إصغاء إلى كعب، ولا إلى من هو مثل كعب، بل جاء أن كعب قال في مجلس عثمان: «ما أديت زكاته فليس بكنز. فضربه أبو ذر بعصاه. وقال: ما أنت وهذا يا ابن اليهودية؟» أو كما قال. وفي المسند (5: 162) عنه: (لقد تركنا رسول الله وما يتقلب في السماء طائر إلا ذكر لنا منه علمًا) وفي البخاري عنه أنه قال في زمان عثمان: «لا والله أسألهم دينًا ولا أستفتيهم عن دين حين ألقى الله عز وجل» افتراه يستغني عن إخوانه من جلة الصحابة هذا الاستغناء ثم يأخذ عن كعب أو نحوه؟
216السادسة: أن من سمع الصحابة من كعب لم يسمعوا منه إلا بعض ما يخبر به عن صحف أهل الكتاب، ورواية أبي هريرة عن كعب قليلة وكلها من هذا القبيل. وراجع (ص68، 73)
السابعة: لم يذكر دليلًا على دعواه أن أبا هريرة وابن عباس كانا يصدقان كعبًا، ولا أعلم أنا دليلًا على ذلك، أما إخبارهما عنه ببعض ما يخبر به عن صحف أهل الكتاب فغايته أنهما كانا يميلان إلى عدم كذبه.
الثامنة: أن الذي عرف للصحابة في قول أحدهم: (قال النبي …) أنه إن لم يكن سماعًا له من النبي فهو سماع له من صحابي آخر ثابت الصحبة كما تقدم (ص115)، وجميع ما ثبت عنهم جملة وتفصيلًا مما فيه ذكر إرسالهم إنما هو هذا أو الدليل الصريح الذي استدلوا به على أن أبا هريرة قد يرسل إنما هو حديثه في «من أصبح
جنبًا فلا يصبح»، وقد بين أنه سمعه من صحابيين فاضلين وهما أسامة بن زيد والفضل بن عباس، مع أنه قلما كان يذكر الحديث بل كان الغالب من حاله أن يفتي بذلك فتوى ولا يذكر النبي . ولا يعلم أحدًا من الصحابة قال في حديث: (قال النبي …) ثم بين أو ذكر مرة أخرى أو تبين بوجه من الوجوه أنه عنده عن تابعي عن صحابي عن النبي . بل يعز جدًا أخذ الصحابي عن تابعي عن صحابي عن النبي ، إنما توجد أمثلة يسيرة جدًا لصغار الصحابة يسندونها على وجهها، راجع (ص 156-157) وكان الصحابي إذا قال: (قال النبي …) كان محتملًا عند السامعين للوجهين كما مر، فأما أن يكون إنما سمعه من تابعي عن صحابي عن النبي فلم يكن عندهم محتملًا، وإذ لم يكن محتملًا فارتكاب الصحابي إياه كذب، وقد برأهم الله تعالى عن الكذب، وأبعد من ذلك أن يكون إنما سمعه من تابعي عن النبي ، وأبعد وأبعد أن يكون التابعي مثل كعب. التاسعة: زعم -مع الأسف- أن هذا أقرب تصوير للطعن، وهو كما ترى أبعد تصوير، بل هو محض الباطل، ولو احتجت إلى الطعن في سند الخبر لأريتك كيف يكون الطعن المعقول بشواهده من كلام الأئمة كابن المديني والبخاري وأبي حاتم وغيرهم، فإن لهم عللًا ليس كل منها قادحة حيث وقعت، ولكنها تقدح إذا وقعت في خبر تحقق أنه منكر، وهذا من أسرار الفن.
العاشرة: أن هذا الطعن يترتب عليه من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وهي المكيدة التي مرت الإشارة إليها (ص201) وإيضاحها قبل ذلك، وكل من التأويل ولو مستكرها والوقف أسلم من هذا الطعن،217ولو غير السيد رشيد رضا قاله لذكرت قصة المرأة التي اشتكى طفلها ولم تعلم ما شكواه غير أنها نظرت إلى يافوخه يضطرب كما هو شأن الأطفال، فأخذت سكينًا وبطت يافوخه كما يصنع بالدمل… إلى آخر ما جرى.
الحادية عشر: قوله في أبي هريرة (من القطعي… لتأخر إسلامه) قد تقدم رده (ص156)
الثانية عشر: لا يخفى حال ما ذكره أخيرًا وسماه تأويلًا.
وذكر (ص340) الحكايات عن كعب ووهب وقال: (لم يكن يحيى بن معين وأبو حاتم وابنه وأمثالهم يعرفون ما يصح من ذلك وما لا يصح، لعدم اطلاعهم على تلك الكتب).
أقول: في هذا أمور:
الأول: أن الأئمة كانوا يعرفون النبي ص وسنته، فبذلك كانوا يعرفون حال كعب ووهب في ما نسباه إلى النبي ص، فإذا وثقوها فمعنى ذلك أنهم عرفوا صدقهما في هذا الباب، وهذا هو الذي يهم المسلمين. فأما ما حكياه عن صحف أهل الكتاب فليس بحجة سواء أصدقا فيها أم كذبا.
الثاني: تقدم في فصل الإسرائيليات (ص67-95) ما يعلم منه أن غالب ما ينسب إلى كعب لا يثبت عنه، ومر (ص91) أن في كتاب فضائل الشام سبع عشرة حكاية عن كعب لا تثبت عنه ولا واحدة منها. وعسى أن يكون حال وهب كذلك، فمن أراد التحقيق فليتتبع ما يثبت عنهما صريحًا بالأسانيد الصحيحة ثم ليعرضه على كتب أهل الكتاب الموجودة كلها، ويتدبر الأمر الثالث وهو ما تقدم (ص69-72) من تتبع اليهود ما كان موجودًا في العالم عند ظهور الإسلام وبعده إلى مدة من نسخ كتبهم في العالم كله وإتلافها لمخالفتها ما يرضونه من نسخ حديثة أبقوها، مع ما عرف عنهم من استمرار التحريف عمدًا، وانقراض كثير من كتبهم البتة، ثم ليحكم.
قال: (وإننا نرى بعض الأئمة المجتهدين قد تركوا الأخذ بكثير من الأحاديث الصحيحة…).
أقول: قد تقدم النظر في هذا (ص35، 178).
وقال (ص341) في حكايات كعب ووهب: (وما كان منها غير خرافة فقد تكون الشبهة فيه أكبر، كالذي ذكره كعب من صفة النبي ص في التوراة).
أقول: قد مر الخبر (ص70-71) وأنه ثابت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن التوراة، ويروى عن عبد الله بن سلام وعن كعب،218فأما الشبهة التي أشار إليها فلا يكاد يوجد حق لا يمكن أن يحاول مبطل بناء شبهة عليه، فمن التزم أن يتخلى عن كل ما يمكن بناء شبهة عليه أوشك أن يتخلى عن الحق كله.
وقال: (وإني لا أعتقد صحة سند حديث ولا قول عالم صحابي يخالف ظاهر القرآن، وإن وثقوا رجاله، فرب راوٍ يوثق للاغترار بظاهر حاله وهو سيئ الباطن).
أقول: قد تقدم (ص14) ما نقله أبو رية عن صاحب المنار قال: (النبي ص مبين القرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقض خبر من أخباره) وأوضحت ذلك هناك، فإن أراد هنا بقوله: (يخالف ظاهر القرآن) ما لو صح لكان إبطالًا أو نقضًا فذاك، فأما البيان بالتفصيل والتخصيص والتقييد ونحوها فإن يثبت بخبر الواحد بشرطه، وأدلة خبر الواحد ومنها: جريان العمل به في عهد النبي ص وأصحابه، وعمل أهل العلم تشمل هذا ومنها ما هو نص فيه. راجع (ص22، 45، 49). ومما يزيده وضوحًا أن دلالة العموم ونحوه كثيرًا ما تتخلف. وقد قيل: ما من عام إلا وقد خص. وذهب بعضهم إلى أنه خص شيء من العام سقطت دلالته على الباقي. وتخصيص العمومات ثابت في قضايا لا تحصى، فاحتمال القضية له أبين وأوضح وأولى من احتمال لا يمكنك أن تثبته في واقعة واحدة وهو كذب راو وثقه الأئمة المتثبتون وصححوا حديثه محتجين به، ولم يطعن فيه أحد منهم طعنًا بينًا. أما كعب ووهب فليسا من هذا لوجهين: الأول: أنهما ليسا بهذه الدرجة، راجع (ص69-70) الثاني: أنه لم يثبت ما نسبه إليهما من سوء الظن.
ثم قال أبو رية (ص342): (جل أحاديث الآحاد لم تكن مستفيضة في القرن الأول).
ونقل عبارة للسيد رشيد رضا في مقدمته لمغني ابن قدامة، وقد تقدم النظر فيها (ص15)، وعبارة السيد رشيد (جل الأحاديث التي يحتج بها أهل الحديث على أهل الرأي والقياسيين من علماء الرواية) ثم قال صاحب المنار: (فعلم بذلك أنها ليست من التشريع العام الذي جرى عليه عمل النبي وأصحابه، وليست مما أمر النبي أن يبلغ الشاهد فيه الغائب…).
أقول: قد تقدم دفع هذا (ص28-35)، وراجع (ص20-21 وص52).
219ثم حكى كلمات عمن ليس قوله حجة، ولا ذكر حجة، فأعرضت عنها، ومنها ما عزاه إلى كتاب ليس عنده، فليراجع.
ثم ذكر (ص347-348) آيات من القرآن، وقد تقدم ما يتعلق بذلك (ص13).
ثم ذكر (ص348) قول ابن حجر في الفتح في الكلام على حديث إيصاء النبي ص بالقرآن (اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأوهم، ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص أو بطريق الاستنباط، فإذا تبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به).
كذا صنع أبو رية، وآخر عبارة ابن حجر في الفتح (5: 268) هكذا: (…عملوا بكل ما أمرهم النبي ص به لقوله تعالى: { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } الآية…).
وقال (ص349): (وعن أبي الدرداء مرفوعًا: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وماحرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية…»).
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)