صفحة 19 من 20 الأولىالأولى ... 917181920 الأخيرةالأخيرة
النتائج 73 إلى 76 من 80

الموضوع: تجارب أمم المجلد الثالث


  1. #73
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر عقوبة سريعة بعقب إقدام على يمين كاذبة

    وحكى بعض المشايخ من النوفليين قال: وشى قوم بيحيى بن عبد الله، فحبسه الرشيد، قال: فدخلنا على عيسى بن جعفر وقد وضعت له وسائد بعضها فوق بعض وهو قائم متّكئ عليها، وإذا هو يضحك من شيء في نفسه متعجّبا منه فقلنا:
    « ما الذي يضحك الأمير، أدام الله سروره؟ » قال: « لقد دخلني اليوم سرور ما دخلني مثله قطّ. » فقلنا: « تمّم الله للأمير سروره. » فقال:
    « والله لا أحدّثكم به إلّا قائما. » واتّكأ على فرش كانت هناك قائما، وهو قائم، فقال:
    كنت اليوم عند أمير المؤمنين الرشيد، فدعا بيحيى بن عبد الله فأخرج من السجن مكبّلا بالحديد وعنده بكّار بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير - وكان بكّار هذا شديد البغض لآل أبي طالب، وكان يبلّغ هارون الرشيد عنهم ويشى بهم، وكان الرشيد ولّاه المدينة وأمره بالتضييق عليهم - فلمّا دعى بيحيى قال له الرشيد:
    « هيه هيه - متضاحكا - وهذا أيضا يزعم أنّا سممناه. »
    فقال يحيى: « ما معنى يزعم، ها هو ذا لساني. » وأخرج لسانه أخضر مثل السلق.
    قال: فتربّد هارون، واشتدّ غضبه، فقال يحيى:
    « يا أمير المؤمنين، إنّ لنا قرابة ورحما ولسنا بترك ولا ديلم، يا أمير المؤمنين، إنّا وأنتم أهل بيت واحد، فأذكّرك الله والقرابة والرحم برسول الله علام تعذّبنى وتحبسني؟ » قال: فرقّ له هارون الرشيد، وأقبل بكّار الزبيري على الرشيد، فقال:
    « يا أمير المؤمنين، لا يغرّك كلامه، فإنّه شاقّ عاص، وهذا منه مكر وخبث، إنّ هذا أفسد علينا مدينتنا وأظهر فيها العصيان. » قال: فأقبل يحيى عليه، فو الله ما استأذن أمير المؤمنين في الكلام حتى قال:
    « أفسدوا عليكم مدينتكم؟ ومن أنتم عافاكم الله؟ » قال الزبيري: هذا كلامه قدّامك، فكيف إذا غاب عنك؟ يقول: ومن أنتم عافاكم الله، واستخفافا بنا. » قال: فأقبل يحيى عليه، فقال:
    « نعم، ومن أنتم عافاكم الله، المدينة كانت مهاجر عبد الله بن الزبير، أم مهاجر رسول الله ، ومن أنت حتى تقول: أفسدوا علينا مدينتنا، وإنّما بآبائى وأباء هذا هاجر أبوك إلى المدينة. » ثم قال:
    « يا أمير المؤمنين، إنّما الناس نحن وأنتم، فإن خرجنا عليكم قلنا أكلتم وأجعتمونا، ولبستم وأعريتمونا، وركبتم وأرجلتمونا فوجدنا بذلك مقالا فيكم، ووجدتم بخروجنا عليكم مقالا فينا، فتكافأ فيه القول، ويعود أمير المؤمنين على أهله فيه بالفضل يا أمير المؤمنين، فلم يجترئ هذا وضرباؤه على أهل بيتك يسعى بهم عندك. إنّه، والله، ما يسعى بنا إليك نصيحة منه لك وإنّه ليأتينا فيسعى بك عندنا عن غير نصيحة منه لنا يريد أن يباعد بيننا ويشتفى من بعض ببعض والله يا أمير المؤمنين، لقد جاء إليّ هذا حيث قتل أخي محمّد بن عبد الله، - فقال: لعن الله قاتله - وأنشدنى فيه مرثية قالها نحوا من عشرين بيتا وقال: إن تحرّكت في هذا الأمر فأنا أول من يبايعك وما يمنعك أن تلحق بالبصرة فأيدينا مع يدك. » قال: فتغيّر وجه الزبيري واسودّ. وأقبل عليه هارون فقال:
    « أيّ شيء يقول هذا؟ » قال: كاذب يا أمير المؤمنين، ما كان ممّا قال حرف. » قال: فأقبل على يحيى بن عبد الله، فقال:
    « تروى القصيدة التي رثاه بها؟ » قال: نعم يا أمير المؤمنين، أصلحك الله.
    فأنشدها إيّاه.
    فقال الزبيري:
    « والله يا أمير المؤمنين، الذي لا إله إلّا هو - حتى أتى على اليمين الغموس - ما كان ممّا قال شيء، ولقد تقوّل عليّ ما لم أقل. » قال: « فأقبل الرشيد على يحيى بن عبد الله فقال:
    « قد حلف، فهل من بيّنة سمعوا هذه المرثية منه؟ » قال: « لا يا أمير المؤمنين، ولكني استحلفه بما أريد. » قال: فاستحلفه. فقال:
    « قل أنا بريء من حول الله وقوّته موكّل إلى حولي وقوّتى إن كنت قلته. »
    قال الزبيري:
    « يا أمير المؤمنين، أيّ شيء هذا من الحلف؟ احلف بالله الذي لا إله إلّا هو، وتستحلفنى بشيء لا أدري ما هو. » قال يحيى بن عبد الله:
    « يا أمير المؤمنين، إن كان صادقا فما عليه أن يحلف بما استحلفه به، فقال هارون:
    « احلف له ويلك. » قال: فقال: « أنا بريء من حول الله وقوّته موكّل إلى حولي وقوّتى. » قال: فاضطرب منها وأرعد، فقال:
    « يا أمير المؤمنين، ما أدري أيّ شيء هذا اليمين التي يستحلفني بها، وقد حلفت بالله أعظم الأشياء. » قال: فقال هارون:
    « لتحلفنّ له أو لأصدّقنّ قوله عليك ولأعاقبنّك. » قال: فقال: « أنا بريء من حول الله وقوّته موكّل إلى حولي وقوّتى إن كنت قلته. » قال: فخرج من عند هارون، فضربه الله بالفالج فمات من ساعته. » قال: فقال عيسى بن جعفر:
    « وما يسرّنى أنّ يحيى [ ما ] نقصه حرفا ممّا كان جرى بينهما ولا قصّر في شيء من مخاطبته إيّاه. »
    وذكر أبو يونس قال: سمعت عبد الله بن العبّاس بن عليّ الذي يعرف بالخطيب قال: كنت يوما على باب الرشيد أنا وأبي، وحضر ذلك اليوم الجند والقوّاد ما لم أر مثلهم على باب خليفة قطّ لا قبله ولا بعده، فخرج الفضل بن الربيع إلى أبي، فقال له: « ادخل. » ومكث ساعة، ثم خرج إلّى فقال:
    « ادخل. » فدخلت فإذا أنا بالرشيد معه امرأة يكلّمها، فأومأ إلى أبي أنّه لا يريد اليوم أن يدخل أحدا وإنّما استأذنت لك لكثرة من رأيت حضر الباب، فإذا دخلت هذا المدخل زادك ذلك نبلا عند الناس. فما مكثنا إلّا قليلا حتى جاء الفضل بن الربيع فقال:
    « إنّ عبد الله بن مصعب الزبيري يستأذن في الدخول. » فقال: « إني لا أريد أن أدخل اليوم أحدا إليّ. » فقال: إنّه يقول: « إنّ عندي شيئا أذكره. » فقال: « قل له يقله لك. » قال: « قد قلت له ذاك، فزعم أنّه لا يقوله إلّا لك. » قال: « أدخله. » وخرج ليدخله، وعادت المرأة، وشغل بكلامها وأقبل عليّ أبي فقال:
    « إنّه ليس عنده شيء يذكره وإنّما أراد الفضل بهذا أن يوهم من على الباب أنّ أمير المؤمنين لم يدخلنا لخاصيّة خصصنا بها وإنّما أدخلنا لأمر نسأل عنه كما دخل هذا الزبيري. » وطلع الزبيري فقال:
    « يا أمير المؤمنين، ها هنا شيء أذكره. » فقال: « قل. » فقال له: « إنّه سرّ. » فقال: « ما من العبّاس سرّ. » فنهضت. فقال:
    « ولا منك يا حبيبي. » فجلست. فقال:
    « قل. » قال: « إني والله قد خفت على أمير المؤمنين زوجته وابنته وجاريته التي تلى فراشه وخادمه الذي يلي ثيابه وأخصّ خلق الله به من قوّاده وأبعدهم منه. » قال: فرأيته قد تغيّر لونه وقال له:
    « من ما ذا. » قال: « جاءتني دعوة يحيى بن عبد الله بن الحسن فعلمت أنّه لم يبلغني مع العداوة بيننا وبينهم حتى لم يبق على بابك أحد إلّا وقد أدخله في الخلاف عليك. » فقال: « أتقول هذا في وجهه؟ » قال: « نعم. » قال الرشيد: « عليّ بيحيى. » فدخل فأعاد القول بحضرته. فقال يحيى:
    « والله يا أمير المؤمنين، قد جاء بشيء لو قبل لمن هو دونك فيمن هو أكبر مني وهو قادر عليه لما أفلت منه أبدا، ولكن لي رحم وقرابة فلو أخّرت هذا الأمر ولم تعجل لكفيت مؤونتي بغير يدك ولسانك، وعسى بك أن تقطع رحمك وإني أباهله بين يديك وتصبر قليلا. »
    فقال: « يا عبد الله، قم فصلّ إن رأيت ذاك. » وقام يحيى فاستقبل القبلة وصلّى ركعتين خفيفتين، وصلّى عبد الله ركعتين. ثم برك يحيى وقال:
    « ابرك. » ثم شبّك يمينه في يمينه، ثم قال:
    « اللهمّ إن كنت تعلم أنّى دعوت عبد الله بن مصعب إلى الخلاف على هذا - ووضع يده عليه وأشار إليه - فأسحتنى بعذاب من عندك ولكنى إلى حولي وقوّتى، وإلّا فكله إلى حوله وقوّته وأسحته بعذاب من عندك، آمين ربّ العالمين.
    فقال: « آمين ربّ العالمين. » فقال يحيى بن عبد الله لعبد الله بن مصعب: « قل كما قلت. » فقال عبد الله:
    « اللهم إن كنت تعلم أنّ يحيى بن عبد الله لم يدعني إلى الخلاف على هذا، فكلنى إلى حولي وقوّتى وأسحتنى بعذاب من عندك، وإلّا فكله إلى حوله وقوّته وأسحته بعذاب من عندك، آمين ربّ العالمين. » وتفرّقا.
    فأمر الرشيد بيحيى بن عبد الله فحبس في ناحية من الدار. فلمّا خرج وخرج عبد الله بن مصعب أقبل الرشيد على أبي فعدّد عليه مننه على يحيى وأياديه عليه فكلّمه أبي بما لا يدفع به عن عصفور خوفا على نفسه، فأمرنا بالانصراف، فانصرفنا، فدخلت مع أبي أنزع عنه سواده، وكان ذلك من عادتي، فبينا أنا أحلّ منطقته إذ دخل عليه الغلام، فقال:
    « رسول عبد الله بن مصعب. » فقال: « أدخله. » فدخل. وقال:
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #74
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    « يقول لك مولاي: أنشدك الله إلّا بلغت إليّ. » فقال أبي: « قل له أجد مسّ تعب، وقد وجّهت إليك بعبد الله، فما أردت أن تلقيه إلى فألقه إليه. » فخرج الغلام. وقال لي:
    « إنّما دعاني ليستعين بي على الإفك، فإن أعنته قطعت رحم رسول الله ، وإن خالفته سعى بن، فاذهب إليه فكلّ ما قال لك فليكن جوابك له: أخبر أبي. » وخرجت في إثر الرسول. فلمّا صرت في بعض الطريق وأنا مغموم بما أقدم عليه، قلت للرسول:
    « ويحك، ما أمره وما أزعجه بالإرسال إلى أبي الفضل في مثل هذا الوقت؟ » فقال: « إنّه جاء من الدار فما هو إلّا أن نزل عن الدابّة، حتى صاح: بطني، بطني. » قال: فما حفلت بقول الغلام. فلمّا صرنا على باب الدار، وكان في درب لا منفذ له، فتح البابين، وإذا النساء خرجن منشورات الشعور متحزّمات بالحبال يلطمن وجوههنّ وينادين بالويل، وقد مات الرجل، فعجبت من ذلك، وعطفت راجعا أركض ركضا لم أركض قبله مثله، والغلمان والحشم ينتظروننى لتعلّق قلب الشيخ بي. فلمّا رأونى دخلوا يتعادون، فاستقبلني مرعوبا في قميص ومنديل ينادى:
    « ما وراءك يا بنّى؟ » قلت: « إنّه مات. » قال: « الحمد لله الذي قتله وأراحك وإيّانا منه. » فما قطع كلامه حتى ورد خادم للرشيد يأمر أبي بالركوب وإيّاى معه، فقال أبي ونحن نسير:
    « لو جاز أن يدّعى ليحيى نبوّة لادّعاها أهله له رحمه الله، وعند الله نحتسبه ولا والله ما نشكّ أنّه قتل. » فمضينا حتى دخلنا على الرشيد، فلمّا نظر إلينا قال:
    « يا عبّاس، أما عندك الخبر؟ » فقال أبي:
    « بلى يا أمير المؤمنين، فالحمد لله الذي صرعه بلسانه ووقاك يا أمير المؤمنين قطع أرحامك. » فقال الرشيد:
    « الرجل والله سليم على ما تحبّ. » ورفع الستر فدخل يحيى وأنا والله أتبيّن الارتباع في الشيخ، فلمّا نظر إليه الرشيد صاح به:
    « يا أبا محمّد، إنّ الله قد قتل عدوّك الجبّار. » قال:
    « الحمد لله الذي أبان لأمير المؤمنين كذب عدوّه عليّ وأعفاه من قطع رحمه، والله يا أمير المؤمنين لو كان هذا الأمر ممّا أطلبه وأصلح له وأريده، ولم يكن الظفر به إلّا بالاستعانة به، ثم لم يبق في الدنيا غيري وغيرك وغيره ما تقويّت به عليك أبدا، فكيف وأنا لا أطلب هذا الأمر ولا أريده ولا أصلح له. » ثم قال:
    « وهذا والله من أحد آفاتك - وأشار إلى الفضل بن الربيع - والله لو وهبت له عشرة آلاف درهم ثم طمع في زيادة تمرة لباعك بها. » فقال:
    « أمّا العبّاسيّ، فلا تقل فيه إلّا خيرا. » وأمر له في هذا اليوم بمائة ألف دينار وكان حبسه بعض يوم.
    هياج العصبية في الشام بين النزارية واليمانية

    وفي هذه السنة هاجت العصبيّة بالشام بين النزاريّة واليمانيّة، فقتل بينهما بشر كثير. فولّى الرشيد موسى بن يحيى بن خالد الشام، وضمّ إليه، من القوّاد والأجناد ومشايخ الكتّاب جماعة فلمّا ورد الشام أصلح بين أهلها وسكنت الفتنة، فردّ الرشيد الحكم فيهم إلى يحيى، فعفا عنهم وصفح عن جناياتهم، فمدحه الشعراء وأكثروا.
    عزل موسى بن عيسى عن مصر

    وفيها عزل الرشيد موسى بن عيسى عن مصر، وولّى جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك مصر، فولّاها جعفر عمر بن مهران.
    ذكر السبب في ولايته وما كان منه

    كان قد بلغ الرشيد أنّ موسى بن عيسى بن موسى قد تجبّر بمصر وعزم على الخلع، فقال:
    « والله لا أعزله إلّا بأخسّ من على بابى، انظروا لي رجلا. » فذكر عمر بن مهران، وكان إذ ذاك يكتب للخيزران ولم يكتب قطّ لغيرها، وكان رجلا أحول مشنوء الوجه، وكان لباسه خسيسا أرقع ثيابه طيلسانه، وكانت قيمته ثلاثين درهما وكان يشمّر ثيابه ويقصّر كمامه ويركب بغلا وعليه رسن ولجام حديديّ ويردف غلامه خلفه. فدعا به وولّاه مصر حربها وخراجها وضياعها. فقال:
    « يا أمير المؤمنين، أتولّاها على شريطة. » قال: « وما هي؟ » قال: « يكون إذنى إليّ إذا أصلحت البلاد انصرفت. » فجعل له ذلك، فمضى إلى مصر، واتصلت ولاية عمر بموسى بن عيسى، فكان يتوقّع قدومه. فدخل عمر بن مهران مصر على بغل وغلامه أبو درّة على بغل، فقصد دار موسى والناس عنده. فدخل وجلس في أخريات الناس، فلمّا تفرّق الناس قال موسى بن عيسى: « ألك حاجة يا شيخ؟ » قال: « نعم. » وأخرج الكتب، فدفعها إليه، قال: « يقدم أبو حفص أبقاه الله. » قال: « فأنا أبو حفص. » قال: « أنت عمر بن مهران؟ » قال: « نعم. » فقال: « لعن الله فرعون حين قال: أليس لي ملك مصر؟ » ثم سلّم إليه العمل ورحل، فتقدّم عمر بن مهران إلى أبي درّة غلامه فقال:
    « لا تقبل من الهدايا إلّا ما يدخل في الجراب، لا تقبل دابّة ولا جارية ولا غلاما. » وجعل الناس يبعثون بضروب الهدايا والألطاف فلا يقبل إلّا المال والثياب ويأتى بها عمر فيوقّع عليها أسماء من بعث بها. ثم وضع الجباية وكان بمصر قوم قد اعتادوا المطل وكسر الخراج، فبدأ برجل منهم فلواه فقال:
    « والله لا أدّيت ما عليك من الخراج إلّا في بيت المال بمدينة السلام إن سلمت. » قال: « فإني أؤدّى. » وتحمّل عليه، فقال:
    « قد حلفت ولا أحنث. » فأشخصه مع ثلاثة من الجند، وكتب معهم إلى الرشيد. وكان العمّال يكاتبون إذ ذاك الخليفة:
    « أنّى دعوت بفلان بن فلان، وطالبته بما عليه من الخراج فلوانى واستنظرني فأنظرته، ثم دعوته، فدافع ولوانى، فعل ذلك مرارا، فآليت إلّا يؤدّيه إلّا في بيت المال بمدينة السلام، وجملة ما عليه من المال كذا وكذا وقد أنفذته مع فلان وفلان، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب إليّ بوصوله فعل إن شاء الله. » فلم يلوه أحد بشيء من الخراج، واستأدى النجم الأوّل والنجم الثاني، فلمّا كان النجم الثالث وقعت المطاولة والمطل. فأمر بإحضار الهدايا التي بعث بها إليه، فنظر في الأكياس وأحضر الجهبذ، فوزن ما فيها وأجراها عن أهلها، ثم دعا بالأسفاط فنادى على ما فيها فباعها وأجرى أثمانها عن أهلها.
    ثم قال:
    « يا قوم، حفظت هداياكم إلى وقت حاجتكم إليها فأدّوا إلينا مالنا. » فأدّوا إليه حتى أغلق مال مصر، فانصرف ولا يعلم أنّه أغلق مال مصر غيره. وانصرف فخرج على بغل وأبو درّة على بغل وكان إذنه إليه.
    ودخلت سنة سبع وسبعين ومائة

    ولم يجر فيها على ما بلغنا شيء يكتب في هذا الكتاب.
    ودخلت سنة ثمان وسبعين ومائة الفضل بن يحيى يولّى خراسان أيضا

    وفيها ولّى الفضل بن يحيى بن خالد خراسان مضافا إلى ما كان إليه من ولاية الجبل وجرجان وطبرستان. فشخص إليها، فأحسن بها السيرة وبنى المساجد والرباطات وغزا ما وراء النهر، فخرج إليه خاراخرّة ملك اسروشنة وكان ممتنعا.
    واتخذ الفضل بن يحيى جندا من عجم خراسان سمّاهم العبّاسيّة، وجعل ولاءهم له، وبلغت عدّتهم خمسمائة ألف رجل، وقدم بغداذ منهم عشرون ألف رجل فسمّوا ببغداذ الكرنبية، وخلّف الباقي بخراسان على على أسمائهم ودفاترهم.
    وفرّق الفضل من الأموال ما هو بالسرف أليق منه بالجود. وقد ذكرنا من ذلك طرفا. فمّما جرى له من هذا النمط أنّ إبراهيم بن جبريل كان خرج مع الفضل مكرها، فأحفظ الفضل ذلك عليه. قال إبراهيم: فدعاني يوما بعد ما أغفلنى حينا، فلمّا صرت بين يديه سلّمت، فما ردّ عليّ، فقلت في نفسي: شرّ والله، وكان مضطجعا فاستوى جالسا ثم قال:
    « ليفرخ روعك يا إبراهيم فإنّ قدرتي عليك تمنعني منك. » قال: ثم عقد لي على سجستان فلمّا حملت خراجها وهبه لي وزادني خمسمائة ألف درهم.
    وكان معه عمّه إبراهيم فوجّهه إلى كابل فافتتحها وغنم غنائم كبيرة ووصل إليه في ذلك الوجه سبعة آلاف ألف درهم، وكان عنده من مال الخراج أربعة آلاف درهم. فلمّا قدم بغداد وبنى داره واستزار الفضل ليريه نعمته عليه وأعدّ له الهدايا والطرف وآنية الذهب والفضّة، وأمر بوضع الأربعة آلاف ألف في ناحية من الدار. فلمّا قال الفضل بن يحيى، قدّم اليه الهدايا والطرف فأبى أن يقبل منها شيئا وقال:
    « لم آتك لأسلبك. » قال: « إنّها نعمتك أيّها الأمير. » قال: « ولك عندنا مزيد. » فلم يأخذ من جميع ذلك إلّا سوطا سجزيّا. وقال:
    « هذا من آلة الفرسان. » فقال له: « هذا المال من مال الخراج. » قال: « هو لك. » فأعاد عليه، فقال: « أما لك بيت يسعه؟ » وانصرف.
    ولمّا قدم الفضل بن يحيى من خراسان خرج الرشيد إلى بستان أمّ جعفر يستقبله وتلقّاه بنو هاشم والناس على مراتهم، فجعل يصل الرجل بألف ألف وبخمسمائة آلاف درهم. وأعطى الشعراء فأكثر. فحكى مروان بن أبي حفصة وكان قد زاره: أنّه وصل إليه في مدّة مقامه عليه سبعمائة ألف درهم.
    ودخلت سنة تسع وسبعين ومائة

    قتل ابن طريق
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #75
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وفيها رجع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة واشتدّت شوكته، وكثر تبعه، فوجّه الرشيد إليه يزيد بن مزيد الشيبانى فراوغه يزيد إلى أن ظنّ أنّه كرهه، ثم التمس غرّته حتى وجدها فقتله وجماعة كانوا معه وتفرّق الباقون.
    وقالت الفارعة أخت الوليد بن طريف:
    أيا شجر الخابور ما لك مورقا ** كأنّك لم تحزن على ابن طريف
    فتى لا يحبّ الزّاد إلّا من التّقى ** ولا المال إلّا من قنا وسيوف
    واعتمر الرشيد في هذه السنة في شهر رمضان شكرا لله عز وجل على ما أبلاه في الوليد بن طريف. ثم انصرف إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحجّ، ثم حجّ بالناس فمشى من مكّة إلى منى، ثم إلى عرفات، وشهد المشاهد كلّها، والمشاعر ماشيا.
    ثم دخلت سنة ثمانين ومائة هياج العصبية بين أهل الشام

    وفيها هاجت العصبيّة بالشام بين أهلها، وتفاقم أمرها فقلق الرشيد واغتمّ لذلك، وقال لجعفر بن يحيى:
    « إمّا أن تخرج أنت، أو أخرج أنا. » فقال له جعفر: « بل أقيك بنفسي. » فشخص في جلّة القوّاد والكراع والسلاح وعقد له على الشام. فلمّا أتاهم أصلح بينهم وقتل زواقيلهم والمتلصّصة منهم، ولم يدع به رمحًا ولا فرسا، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة، وأطفأ النائرة، وعاد إلى جعفر، واستخلف على الشام عيسى بن العكّى فزاد الرشيد في إكرامه ومدحه الشعراء.
    ويقال: إنّه لمّا عاد ومثل بين يدي الرشيد، قبّل يديه ورجليه ثم مثل بين يديه فقال:
    « الحمد لله الذي آنس وحشتي بأمير المؤمنين، وأجاب دعوتي، ورحم تضرّعى ونسأ في أجلى، حتى أرانى وجه سيّدي، وأكرمنى بقربه وأمتنّ عليّ بتقبيلى يده، وردّني إلى خدمته، فو الله إن كنت لأذكر غيبتي عنه ومخرجي والمقادير التي أزعجتنى فأعلم أنّها كانت بمعاص لحقتني وخطايا قد أحاطت بي، ولو طال مقامي عنك يا أمير المؤمنين لخفت أن يذهب عقلي إشفاقا على قربك، وأسفا على فراقك، وأن يعجل بي عن إذنك الاشتياق إلى رؤيتك.
    فالحمد لله الذي عصمنى في حال الغيبة، وأمتعنى بالعافية، ومسكنى بالطاعة وحال بيني وبين استعمال المعصية، ولم أشخص إلّا عن رأيك ولم أقدم إلّا عن إذنك ولم يخترمنى أجلى دونك، والله يا أمير المؤمنين، فلا أعظم من اليمين بالله، لقد عاينت ما لو تعرض لي الدنيا كلها، لاخترت قربك ولما رأيتها عوضا من المقام معك. » ثم أثنى عليه ثناء طويلا.
    ثم ولّى الرشيد جعفرا خراسان وسجستان، فاستعمل جعفر عليها محمّد بن الحسن بن قحطبة.
    ودخلت سنة إحدى وسنة اثنتين وثمانين ومائة

    ولم يجر فيهما على ما بلغنا ما يليق ذكره بهذا الكتاب.
    ودخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة

    خروج خاقان الخزر

    وفيها كان خروج ملك الخزر من باب الأبواب وإيقاعهم بالمسلمين هنالك وأهل الذمّة وسبيهم أكثر من مائة ألف فانتهكوا أمرا عظيما لم يسمع في الأرض بمثله.
    ذكر السبب في ذلك

    وكان سبب ذلك أنّ الفضل بن يحيى خطب بنت خاقان الخزر، فحملت إليه، فماتت ببرذعة. وكان على أرمينية يومئذ سعيد بن سلم بن قتيبة فرجع من كان معها من الطراخنة إلى أبيها فأخبروه أنّ ابنته قتلت غيلة، فحنق لذلك وعمل ما عمل.
    فولّى الرشيد أرمينية يزيد بن مزيد مع آذربيجان، وضمّ إليه قوّاد الجند ووجّهه، وأنزل خزيمة بن خازم نصيبين ردءا لأهل أرمينية.
    وقيل أيضا: أنّ سبب دخول الخزر أرمينية في زمن هارون كان أنّ سعيد بن سلم ضرب عنق المنجّم السلميّ بفاس، فدخل ابنه بلاد الخزر فاستجاشهم، فدخلوا أرمينية من الثلمة، فانهزم سعيد، ونكحوا المسلمات وأقاموا سبعين يوما، فلمّا صار يزيد بن مزيد إلى أرمينية، خرج الخزر وسدّت الثلمة.
    استقدام الرشيد علي بن عيسى من خراسان

    وفيها استقدم الرشيد عليّ بن عيسى بن هامان من خراسان وكان سبب ذلك أنّه أبلغ عنه أمور عظام. وقيل: إنّه أجمع على الخلاف، فاستخلف عليّ بن عيسى ابنه يحيى ووافى حضرة الرشيد بأموال عظيمة، فردّه الرشيد إلى خراسان من قبل ابنه المأمون لحرب أبي الخصيب، فرجع.
    ودخلت سنة أربع وثمانين ومائة

    ولم يجر فيها ما يكتب.
    وكذلك سنة خمس وثمانين ومائة
    ودخلت سنة ستّ وثمانين ومائة حوادث عدّة

    وفيها خرج عليّ بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبي الخصيب إلى نسّا، فقتله بها وسبى نساء وذراريّه، واستقامت خراسان.
    وحجّ هارون الرشيد وأخرج معه ابنيه محمّدا الأمين، وعبد الله المأمون، وليّى عهده.
    فبدأ بالمدينة وأعطى أهلها ثلاثة أعطية، كانوا يقدمون إليه فيعطيهم عطاء، ثم إلى محمّد فيعطيهم عطاء ثانيا، ثم إلى المأمون فيعطيهم عطاء ثالثا.
    ثم صار إلى مكّة، فأعطى أهلها عطاء. فبلغ ذلك ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار.
    وكان الرشيد عقد لابنه محمّد بن زبيدة وسمّاه الأمين وضمّ إليه الشام والعراق في سنة خمس وسبعين، ثم بايع لعبد الله المأمون بالرّقة في سنة ثلاث وثمانين ومائة، وولّاه من حدّ همذان إلى آخر المشرق.
    وكان القاسم بن الرشيد في حجر عبد الملك بن صالح، فلمّا بايع الرشيد لمحمّد وعبد الله، كتب إليه عبد الملك بن صالح يسأله في أبيات شعر أن يجعل القاسم ثالثا في ولاية العهد، فبايع له وسمّاه المؤتمن، وولّاه الجزيرة والثغور والعواصم.
    ولمّا قسم الأرض بين أولاده الثلاثة قال بعض الناس: قد أحكم أمر الملك، وقال بعضهم: بل ألقى بأسهم بينهم وسيختلفون، فقال بعضهم:
    رأى الملك الرّشيد أضلّ رأى ** بقسمته الخلافة والبلادا
    أراد به ليقطع عن بنيه ** خلافهم ويبتذلوا الودادا
    فقد غرس العداوة غير آل ** وأورث شمل ألفتهم بدادا
    فويل للرّعيّة عن قليل ** لقد أهدى لها الكرب الشدادا
    ستجرى من دمائهم بحور ** زواخر لا يرون لها نفادا
    ولمّا قضى هارون الرشيد مناسكه، تقدّم إلى الفقهاء والقضاة وأهل العلم أن يجهدوا آراءهم في كتابين، أحدهما على محمّد الأمين يشترط عليه الوفاء لعبد الله المأمون بما إليه من الأعمال وما صيّر له من الضياع والجواهر والأموال، والآخر نسخة البيعة التي أخذها على الخاصّة والعامّة والشروط على محمّد وعبد الله من الأحكام والسياسات، وأشهد أهل بيته ووزراءه وقوّاده ومواليه وكتّابه ومن كان في الكعبة معه، وكان جميع ذلك في البيت الحرام. ثم رأى أن يعلّق الكتاب في الكعبة، فلمّا رفع ليعلّق، سقط، فقال الناس:
    « هذا أمر سريع الانتقاض لا يتمّ. » ونسخة هذين الكتابين فيهما طول وهي موجودة في كتب التواريخ وغيرها فلم أشتغل بنسخهما، وكتب كتبا بذلك إلى سائر العمّال في الأمصار.
    ودخلت سنة سبع وثمانين ومائة

    وفيها قتل الرشيد جعفر بن يحيى، وأوقع بالبرامكة
    ذكر السبب في ذلك
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #76
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    كانت أسباب تغيّره لهم كثيرة.
    فمن ذلك أنّ الرشيد سلّم يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن إلى جعفر، فحبسه عنده ثم دعا به ليلة، فسأله عن شيء من أمره. فأجابه إلى أن قال:
    « اتّق الله في أمري ولا تتعرّض أن يكون خصمك غدا محمّد فو الله ما أحدثت حدثا، ولا آويت محدثا. » فرق له وقال:
    « اذهب حيث شئت من بلاد الله. » فقال:
    « كيف أذهب ولا آمن أن أؤخذ فأردّ إليك أو إلى غيرك؟ » فوجّه معه من يؤدّيه إلى مأمنه، وبلغ الخبر الرشيد من عيون كانت له عليه، فدعاه ودعا بالغداء، فأكلا وجعل يلقّمه ويحادثه إلى أن كان آخر ما دار بينهما أن قال:
    « ما فعل يحيى بن عبد الله؟ » قال:
    « بحاله يا أمير المؤمنين في الحبس والضيق والأكبال الثقيلة. » قال: « بحياتى؟ » فأحجم جعفر، وكان من أرّق الناس ذهنا وأصحّهم فكرا. فهجس في نفسه أنّه قد علم بما جرى في أمره. فقال:
    « لا وحياتك يا سيّدي، ولكن أطلقته لمّا علمت أنّه لا حياة به ولا مكروه عنده. »
    قال: « نعمّا فعلت ما ع*** ما كان في نفسي. » فلمّا خرج أتبعه بصره حتى كاد يتوارى عن عينه وقال:
    « قتلني الله إن لم أقتلك. » ومن أسباب ذلك أنّ الرشيد قلب جارية ارتضى عقلها وأدبها، وكانت حسنة الغناء، جزلة الشعر، مليحة الكتابة، بارعة الجمال، فلمّا رأى كمالها استام صاحبها فيها واستام بها مائة ألف دينار وقال:
    « يا أمير المؤمنين، عليّ يمين بعتقها ألّا أنقصها من ذلك شيئا. » فتقدّم بإطلاق ذلك لمولاها.
    فقال جعفر لأبيه وأخيه:
    « إنّ هذا إن أقدم على مثل هذه الأشياء أفنى بيوت الأموال. وقد رأيت أن أتقدّم بحمل قيمة هذه الدنانير دراهم فتوضع في طريقه مبدّدة فإنّه الآن لا يعلم ما قيمة ما أطلق، وإذا رآها حلّت في عينه ولعلّه أن ينصرف عن هذا الرأي. » ففعل ذلك وأمر بالمال ووضع في ممرّ له، فلمّا نظر إليه الرشيد قال:
    « من أين هذا الحمل؟ » قال له الخازن:
    « إنّه ليس بحمل، ولكنّه أخرج من الخزانة وهو ثمن الجارية وقد أحلّ مكانه ببيت المال. » فأمر بعض خدمه أن يرفعه عنده وأودعه بيتا وسمّاه بيت مال العروس، وبحث عن الأموال، فوجد البرامكة قد استهلكوها فتغيّر لهم حتى أوقع بهم.
    وكان أيضا من أسباب ذلك ما تحدّث به إبراهيم بن المهديّ قال: أتيت جعفر بن يحيى يوما فقال:
    « أما تعجب من منصور بن زياد؟ » قلت: « في ما ذا؟ » قال: « سألته: هل ترى في دارى عيبا؟ قال: نعم، ليس فيها لبنة ولا صنوبرة. » قال إبراهيم: فقلت:
    « الذي يعيبها عندي أنّك أنفقت عليها عشرين ألف ألف، وهي شيء لا آمنه عليك غدا عند أمير المؤمنين. » قال: « هو يعلم أنّه قد وصلني بأضعاف ذلك سوى ما عرّضنى له. » قال: قلت:
    « إنّ العدوّ إنّما يأتيه في هذا من جهة أن يقول: يا أمير المؤمنين، إذا أنفق على دار عشرين ألف ألف فأين نفقاته. وأين صلاته، وأين النوائب التي تنوبه، وما ظنّك يا أمير المؤمنين بما وراء ذلك وهذه جملة سريعة إلى القلب والتوقّف على الحاصل منها صعب. » فقال جعفر: « إن سمع مني. » قلت: « إنّ لأمير المؤمنين نعما على قوم قد كفروها بالستر لها أو بإظهار القليل من كثيرها وأنا رجل نظرت إلى نعمته عندي فوضعتها في رأس جبل ثم قلت للناس: تعالوا فانظروا. » قلت: « نعم إنّ ناظرك قلت. » وكان من أسباب ذلك أيضا أنّ الرشيد كان لا يصبر على الجدّ ويحبّ الأنس. وكان قد أنس بجعفر وكان لا يصبر عن أخته العبّاسه بنت المهديّ، وكان يحضرهما إذا جلس للشرب، وذلك بعد أن أعلم جعفرا قلّة صبره عنه وعنها، وقال لجعفر:
    « أزوّجكها ليحلّ لك النظر إليها إذا أحضرتها مجلسي. » وتقدّم إليه إلّا يمسّها ولا يكون منه شيء ممّا يكون من الرجل إلى زوجته، فزوّجها منه على ذلك، فكان يحضرهما مجلسه إذا جلس للشرب، ثم يقوم عن مجلسه ويخلّيهما فيثملان من الشراب وهما شابّان، فيقوم إليها جعفر فيجامعها، حتى حملت منه وولدت ولدا ذكرا، فخافت على نفسها من الرشيد إن علم بذلك، فوجّهت بالولد مع حواضن من مماليكها إلى مكّة فلم يزل الأمر مستترا عن هارون إلى أن وقع بين عبّاسة وبين بعض جواريها شرّ، فأنهت أمرها وأمر الصبيّ [ إلى الرشيد ] وأخبرته بمكانه ومع من هو من جواريها وما معه من الحلي الذي زينّته به أمّه. فأمسك هارون حتى حجّ هذه الحجّة التي ذكرناها فأرسل إلى الموضع الذي كانت الجارية أخبرته به، واستدعاه ومن معه من الحواضن، فلمّا أحضروا سأل اللواتي مع الصبيّ، فأخبرنه بمثل القصّة التي أخبرته به الرافعة على عبّاسة فأراد قتل الصبى، ثم تحوّب من ذلك.
    وكان جعفر يتّخذ للرشيد طعاما كلما حجّ بعسفان، فلمّا كان في هذه السنة اتّخذ الطعام على الرسم، واستزار الرشيد، فاعتلّ عليه ولم يحضر طعامه. ولم يزل معه حتى جرى عليه ما جرى، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله.
    وقد كان الرشيد قبل إقدامه بالقتل على جعفر بن يحيى وحبسه ليحيى وأولاده تنكّر لهم حتى عرف ذلك أكثر من يليه، وعرفه البرامكة أيضا.
    فمن ذلك ما ذكر بختيشوع بن جبريل عن أبيه أنّه قال: إني لقاعد يوما في مجلس الرشيد إذ طلع يحيى بن خالد، وكان فيما مضى يدخل بلا إذن، فلمّا دخل فصار بالقرب من الرشيد وسلّم، ردّ عليه ردّا ضعيفا. فعلم يحيى أنّ أمرهم قد تغيّر، ثم أقبل عليّ الرشيد، فقال: « يا جبريل، أيدخل عليك وأنت في منزلك أحد بلا أذنك؟ » فقلت: « لا والله، ولا يطمع في ذلك. » قال: « فما بالنا، يدخل إلينا بلا إذن. » فقام يحيى فقال: « يا أمير المؤمنين، قدّمنى الله قبلك، والله ما ابتدأت ذلك الساعة وما هو إلّا شيء كان خصّنى به أمير المؤمنين ورفع به ذكرى حتى إني كنت لأدخل وهو في فراشه مجرّدا حينا وحينا في بعض إزاره، وما علمت أنّ أمير المؤمنين كره ما كان يحبّ، وإذ قد علمت فإني أكون في الطبقة الثانية من أهل الإذن، أو الثالثة، إن أمرنى سيّدي بذلك. » فاستحيى، وكان من أرّق الخلفاء وجها وعيناه في الأرض ما يرفع طرفه إليه، ثم قال:
    « ما أردت ما تكره، ولكنّ الناس يقولون. » قال جبريل: فظننت أنّه لم يسنح له جواب يرتضيه. فأجاب بهذا القول، ثم أمسك عنه وخرج يحيى.
    ومن ذلك أنّ الرشيد رأى يحيى بن خالد يوما وقد دخل الدار، فقام الغلمان له، فقال الرشيد لمسرور الخادم:
    « مر الغلمان إلّا يقوموا ليحيى إذا دخل الدار. » فلمّا دخل بعد ذلك، لم يقم له أحد، فاربدّ لونه فكان الغلمان والحجّاب بعد إذا رأوه أعرضوا عنه. وكان ربّما استسقى الشربة من الماء أو غيره، فلا يسقونه، وبالحريّ إن سقوه أن يكون ذاك بعد أن يدعو بها مرارا.
    ومن ذلك ما تحدّث به إبراهيم بن المهديّ وكان مختصّا به لأنّ جعفرا هو الذي قدّمه وقرّبه من الرشيد، وكان صاحبه ووليّ نعمته.
    قال إبراهيم: قال لي جعفر يوما:
    « إني قد استربت بأمر هذا الرجل - يعنى الرشيد - وقد ظننت أنّ ذلك شيء سبق إلى نفسي منه، فأردت أن أعتبر ذلك بغيري، فكنت أنت، فارمق ذلك في يومك هذا وأعلمني ما ترى منه. » قال: ففعلت ذلك في يومي، فلمّا نهض الرشيد من مجلسه كنت أوّل أصحابه نهض عنه حتى صرت إلى شجر في طريقي، فدخلتها ومن معي، فأمرتهم بإطفاء الشمع، وأقبل الندماء يمرّون بي واحدا واحدا فأراهم ولا يرونني، حتى إذا لم يبق منهم أحد إذا أنا بجعفر قد طلع، فلمّا حاذى الشجر قال:
    « اخرج يا حبيبي. » فخرجت، فقال:
    « ما عندك؟ » فقلت: « حتى تعلمني كيف علمت أنّى هاهنا. » قال: « عرفت عنايتك بي وبما أعنى به، وإنّك لم تكن لتنصرف أو تعلمني ما رأيت منه، وعلمت أنّك تكره أن ترى واقفا في هذا الوقت وليس في طريقك موضع أستر منه فقضيت بأنّك فيه. » قلت: « نعم. » قال: « فهات ما عندك. »
    قلت: « رأيت الرجل يهزل إذا جددت، ويجدّ إذا هزلت. » قال: « كذا هو، فانصرف يا حبيبي. » فانصرفت.
    ذكر الخبر عن مقتله
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني


  • صفحة 19 من 20 الأولىالأولى ... 917181920 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    2. أربع اخطاء في تذويب الطعام المجمد
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى ملتقى المطبخ والمأكولات والحلويات السورية Syrian food and sweets
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 06-10-2010, 03:26 AM
    3. انطلاق السباق المحلي السادس بقطر
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-11-2010, 12:27 PM
    4. العشى الليلي Night blindness
      بواسطة Dr.Ahmad في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 01:57 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1