أرى أسدا تضمّن مقطعات ** تهيّبها الملوك ذوو الحجاب
سما بالخيل من أكناف مرو ** يوقّرهنّ بين هلا وهاب
إلى غورين حيث حوى أربّ ** وصافح بالسّيوف وبالحراب
هدى ضلّالنا قتلى نراها ** مصلّية بأفواه الشّعاب
وكان إذا أناخ بدار قوم ** أراها المخزيات من العذاب
ودخلت سنة ثمان ومائة غزو الختّل
وفيها غزا أسد بن عبد الله الختّل. فذكر علي بن محمّد بإسناده، أنّ خاقان أتى أسدا وقد انصرف إلى القواذيان وقطع النّهر، فلم يكن بينهم قتال، ومضى إلى الغوريان، فقاتلوهم يوما، وصبروا لهم، وبرز رجل من المشركين، فوقف أمام أصحابه، وركز رمحه وقد أعلم بعصابة خضراء، وسلم بن أحوز واقف مع نصر بن سيّار، فقال سلم لنصر:
« قد علمت سوء رأي أسد، وأنا حامل على هذا العلج، فلعلّى أقتله فيرضى. » قال:
« شأنك » فحمل عليه، فما اختلج رمحه حتى غشيه سلم، فطعنه، فإذا هو بين يدي فرسه يفحص برجليه، ورجع سلم، فوقف فقال لنصر:
« أنا حامل حملة أخرى. »
فحمل، حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من العدوّ، فاختلفا ضربتين، فقتله سلم، ورجع سلم جريحا، فوقف. فقال نصر لسلم:
« قف لي، حتى أحمل عليهم. » فحمل، حتى خالط العدوّ، فصرع رجلين، ورجع جريحا، ووقف فقال:
« أترى ما صنعنا يرضيه، لا رضي الله عنه؟ » قال:
« لا والله، فيما أظنّ. » قال: وأتاهما رسول أسد فقال:
« يقول لكما الأمير: قد رأيت موقفكما منذ اليوم، وقلّة غنائكما عن المسلمين، لعنكم الله! » فقالا:
« آمين، إن عدنا لمثل هذا. » وتحاجزوا يومئذ، ثم عادوا من الغد. فلم يلبث المشركون أن انهزموا، وحوى المسلمون عسكرهم، وظهروا على البلاد، فأسروا وغنموا.
ثم دخلت سنة تسع ومائة
عزل هشام بن عبد الملك خالدا القسري عن خراسان والسبب في ذلك
وفي هذه السنّة، عزل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري عن خراسان، وصرف أخاه أسدا عنها. وكان السّبب في ذلك أنّ أسدا أخا خالد تعصّب، حتى أفسد النّاس، وخطب في يوم جمعة فقال في خطبته:
« قبّح الله هذه الوجوه، وجوه أهل الشّقاق والنّفاق والشّغب والفساد.
اللهمّ فرّق بيني وبينهم، وأخرجنى إلى مهاجرى ووطنى. » ثم قال:
« من يروم ما قبلي، أو يترمرم وامير المؤمنين خالي، وخالد بن عبد الله أخي ومعي اثنا عشر ألف سيف يمان؟ » ثم نزل عن منبره. فلمّا صلّى ودخل عليه النّاس وأخذوا مجالسهم أخرج كتابا من تحت فراشه، فقرأه على النّاس، فيه ذكر نصر بن سيّار، وعبد الرّحمن بن نعيم، وسورة بن أبجر، والبختري بن أبي درهم من بنى الحارث بن عبّاد. فدعا بهم، وأنبهم، فأرّم القوم، وتكلّم سورة بن أبجر، فذكر حاله وطاعته ومناصحته، وأنّه ليس ينبغي له أن يقبل قول عدوّ مبطل، وأن يجمع بينهم وبين من فوقهم بالباطل. فلم يقبل قوله، وأمر بهم فجرّدوا، فضرب عبد الرّحمن بن النّعيم، وكان رجلا بطينا أرسح. فلمّا ضرب التوى وجعل سراويله يزلّ عن موضعه. فقام بعض أهل بيته، فأخذ رداء له هرويّا، وقام مادّا ثوبه بيديه، وهو ينظر إلى أسد يريد أن يأذن له فيؤزره. فأومأ إليه أن افعل. فدنا منه فأزّره وقال:
« اصبر أبا زهير، فإنّ الأمير وال مؤدّب. »
ثم ضرب الجميع، وحلّقهم بعد الضّرب، ودفعهم إلى عبد ربّه بن أبي صالح مولى بنى سليم وكان من الحرسي، وعيسى بن بريق، ثم وجّههم إلى خالد، وكتب إليه أنّهم أرادوا الوثوب عليه. فكان ابن بريق كلّما نبت شعر أحدهم حلقه.
وكان البختري بن أبي درهم يقول: « وددت أنّه ضربني وهذا شهرا. » يعنى نصر بن سيّار، لما كان بينهم بالبروقان.
فأرسل بنو تميم إلى نصر:
« إن شئتم انتزعناكم من أيديهم. » فكفّهم نصر. فلمّا قدم بهم على خالد، لام أسدا، وعنّفه، وقال:
« ألا بعثت برؤوسهم؟ » فقال عرفجة التميمي:
فكيف، وأنصار الخليفة كلّهم ** عناة وأعداء الخليفة مطلق
بكيت ولم أملك دموعي وحقّ لي ** ونصر شهاب الحرب في الغلّ موثق
وقال نصر:
بعثت بالعتاب في غير ذنب ** في كتاب تلوم أمّ تميم
إن أكن موثقا أسيرا لديهم ** في هموم وكربة وسهوم
رهن قسر فما وجدت بلاء ** كإسار الكريم عند اللئيم
أبلغ المدّعين قسرا، وقسر ** أهل عود القناة ذات الوصوم
هل فطمتم عن الخيانة والنّك ** ث، أم أنتم كالحاكم المستديم
وقال الفرزدق:
أ خالد، لو لا الله لم تعط طاعة ** ولو لا بنو مروان لم توثقوا نصرا
إذا للقيتم دون شدّ وثاقه ** بنى الحرب لا كشف اللقاء ولا غمرا
وكان قدم خراسان أبو محمّد مولى همدان، داعيا بعثه محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس وقال له:
« أدع النّاس إلينا، وانزل في اليمن، والطف بمضر. » ونهاه عن رجل يقال له غالب من أبرشهر، لأنّه كان مفرطا في حبّ بنى فاطمة. فلمّا قدم زياد أبو محمّد، ودعا إلى بنى العبّاس، وذكر سيرة بنى مروان وظلمهم، وجعل يطعم النّاس الطّعام، توافى إليه خلق، فقدم عليه غالب من أبرشهر، فكانت بينهم منازعة، غالب يفضّل آل أبي طالب، وزياد يفضّل بنى العبّاس. فأخبر بخبرهم أسد بن عبد الله، فدعا بزياد، وكان معه رجل يكنّى أبا موسى. فلمّا نظر إليه أسد قال له:
« أعرفك، رأيتك في حانوت بدمشق. » قال:
« نعم. » قال أسد لزياد:
« فما هذا الّذى بلغني عنك. » قال:
« رفع إليك الباطل. إنّما قدمت خراسان في تجارة لي وقد فرّقت مالي على النّاس ولو قد صار إليّ خرجت. » قال له أسد:
« أخرج عن بلادي. » فانصرف عنه، وعاد إلى أمره.
وكان الحسن بن شيخ على خراج مرو، ويبلغه خبره، فدخل على أسد وعظّم عليه أمره، فأرسل إليه. فلمّا نظر إليه قال:
« ألم أنهك عن المقام بخراسان؟ » فقال له زياد:
« ليس عليك، أيّها الأمير، مني بأس. » فأحفظه فأمر بقتلهم، وكانوا عشرة.
فقال له أبو موسى:
« اقض ما أنت قاض. » فازداد غضبا وقال:
« أنزلتنى منزلة فرعون. » فقال:
« ما أنزلتك، ولكن الله أنزلك. » فقتلوا، وكانوا عشرة من أهل الكوفة، ولم ينج منهم يومئذ إلّا غلامان استصغرهما، وصلب الباقون. فأتى من الغد أحدهما وسأله أن يلحقه بأصحابه، فأشرف به على السّوق وهو يقول:
« رضينا بالله ربّا، وبالقرآن إماما، وبمحمد نبيا. »
فدعا أسد بسيف كان لبخارا خذاه، وضرب عنقه بيده.
ثم قدم بعدهم رجل من أهل الكوفة يقال له كثير. فكان يأتيه الّذين لقوا زيادا فيدعوهم. وكان على ذلك سنة أو سنتين، وكان كثير أمّيّا. فقدم عليه خداش وهو في قرية يقال لها مرغم، فغلب كثيرا على أمره. ولمّا تعصّب أسد وأفسد النّاس بالعصبيّة، بلغ ذلك هشاما، فكتب إلى خالد: اعزل أخاك.
فعزله، واستأذن له بالحجّ، ففعل. فقفل أسد إلى العراق، واستخلف الحكم بن عوانة الكلبيّ، فأقام الحكم صيفته ولم يغز.
استعمال هشام بن عبد الملك أشرس على خراسان
واستعمل هشام بن عبد الملك على خراسان أشرس بن عبد الله السّلمى، وأمره، أن يكاتب خالدا، وكان أشرس فاضلا خيّرا، كانوا يسمّونه: الكامل، لفضله عندهم.
وقال: ولمّا قدم خراسان، فرح به أهلها، فاستعمل على شرطته عميرة أبا أميّة اليشكري، ثم عزله وولّى السّمط، واستقضى محمّد بن زيد وكان أوّل من اتّخذ الرّابطة بخراسان، فاستعمل على الرّابطة عبد الملك بن زياد الباهليّ.
وتولّى أشرس صغير الأمور وكبيرها بنفسه، وكان يحجّ بالنّاس في هذه السّنين إبراهيم بن هشام. فيقال: إنّه خطب النّاس بمنى في غد يوم النّحر وقال:
« سلوني، فأنا ابن الوحيد، لا تسألون أحدا أعلم مني. » فقام إليه رجل من العراق فسأله عن الأضحية: أواجبة هي؟ فما درى أيّ شيء يقول، فنزل.
ثم دخلت سنة عشر ومائة
وفي هذه السّنة همّ أشرس بأن يدعو أهل الذّمّة ممّا وراء النّهر إلى الإسلام على أن يوضع عنهم الجزية.
ذكر سوء رأي أشرس وفساد تدبيره وحرصه على المال حتى نصب الناس له الحرب
ذكر أنّ أشرس قال في عمله بخراسان:
« أبغونى رجلا له ورع وفضل أوجّهه إلى من وراء النّهر يدعوهم إلى الإسلام. » فأشاروا عليه بأبي الصّيداء صالح بن طريف مولى بنى ضبّة، فقال:
« لست بالماهر بالفارسيّة. » فضمّوا إليه الرّبيع بن عمران التيمي. فقال أبو الصّيداء:
« فإني أخرج على شريطة أنّ من أسلم لم تؤخذ منه الجزية، فإنّما خراج خراسان على رؤوس الرّجال. » قال أشرس: « أجل، ذلك لك. » قال أبو الصيداء لأصحابه: « فإني أخرج، فإن لم يف أعنتمونى عليهم. » قالوا: « نعم. » فشخص إلى سمرقند، وعليها الحسن بن أبي العمرّطة الكندي حربها وخراجها. فدعا يومئذ أبو الصّيداء أهل سمرقند ومن حولها إلى الإسلام على أن توضع عنهم الجزية. فتسارع النّاس إلى ذلك، فكتب غورك إلى أشرس أنّ الخراج قد انكسر، وكتب أشرس إلى ابن أبي العمرّطة في ذلك، فقال ابن أبي العمرّطة لأبي الصّيداء:
« لست من الخراج في شيء. فدونك هانئا والاشحيذ. » فقام أبو الصّيداء يمنعهم من أخذ الجزية ممّن أسلم. فكتب هانئ إلى أشرس وقال:
« ممّن تأخذ الخراج، والنّاس قد أسلموا وبنو المساجد. » فكتب أشرس إلى هانئ والعمّال:
« إنّ الخراج قوّة للمسلمين، وقد بلغني أنّ أهل السّغد وأشباههم لم يسلموا رغبة وإنّما دخلوا في الإسلام تعوّذا من الجزية، فانظر من اختتن وأقام الفرائض، وحسن إسلامه، وقرأ من القرآن شيئا فارفع عنه خراجه، وإلّا فاستوفه منه. » فأعاد العمّال الجزية على من أسلم، فامتنعوا، واعتزل من أهل السّغد سبعة آلاف، فنزلوا على ستّة فراسخ من سمرقند، وخرج إليه أبو الصّيداء والرّبيع بن عمران التيمي، وأقسم الشّيبانى وأبو فاطمة الأزدي وجماعته من العرب لينصرونهم، ولم يخرج ابن أبي العمرّطة إلى حربهم، فعزل أشرس بن أبي العمرّطة عن الحرب، واستعمل مكانه المجشّر بن مزاحم السّلمى، وضمّ إليه عميرة بن سعد الشّيبانى.
فلمّا قدم المجشّر كتب إلى أبي الصّيداء وثابت قطنة، وكان خرج معه يسألهما أن يقدما عليه في أصحابهما، فقدم أبو الصّيداء وثابت قطنة، فحبسهما.
فقال أبو الصّيداء:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« أغدرتم ورجعتم عمّا قلتم؟ » فقال له هانئ:
« ليس بغدر ما كان فيه حقن الدّماء. » وحمل أبا الصّيداء إلى الأشرس، وحبس ثابت قطنة عنده. فلمّا حمل أبو الصّيداء اجتمع أصحابه، وولّوا أمرهم أبا فاطمة ليقاتلوا هانئا، فقال لهم:
« كفّوا، حتى أكتب إلى الأشرس فيأتينا رأيه. » فكتبوا إلى أشرس، فكتب الأشرس:
« ضعوا عليهم الجزية. » فرجع أصحاب أبي الصّيداء منكسرين وضعف أمرهم، ولم يقدموا على محاربة السّلطان، وتتبّع العمّال الرؤساء منهم وحملوا إلى مرو، وبقي ثابت قطنة محبوسا، وألحّ هانئ والعمّال في الخراج وجباية الأموال والجزية، حتى استخفّوا بعظماء العجم، وسلّطوا عليهم من أقامهم، وحرّق ثيابهم، وألقى مناطقهم في أعناقهم، وأخذوا الجزية من الضّعفاء. فكفرت السّغد وبخارى، واستجاشوا التّرك فلم يزل ثابت قطنة في حبس المجشّر حتى قدم نصر بن سيّار واليا على المجشّر، فحمل ثابتا إلى أشرس مع إبراهيم بن عبد الله الليثي، فحبسه، وكان نصر بن سيّار ألطفه وأحسن إليه، فمدحه ثابت وهو محبوس عند أشرس، فقال:
ما هاج شوقك من نؤى وأحجار ** ومن رسوم عفاها صوب أمطار
لم يبق منها ومن أعلام عرصتها ** إلّا صبيح، وإلّا موقد النّار
وماثل في ديار الحيّ بعدهم ** مثل الرّبيئة في أهدامه العاري
ديار ليلى قفار، لا أنيس بها ** دون الحجون وأين الحجن من دارى
بدّلت منها، وقد شطّ المزار بها ** وادي المخافة لا يسرى بها السّارى
بين السّماوة في حزم مشرّقة ** ومعنق دوننا آذيّة جارى
نقارع التّرك ما تنفك نائحة ** منّا ومنهم على ذي نجدة شار
إن كان ظنّى بنصر صادقا أبدا ** فما أدبّر من نقضي وإمرارى
لا يصرف الجند حتى يستفيء بهم ** نهبا عظيما ويوفى ملك جبّار
حتى تروهم ودون السّرح بارقة ** فيها لواء كظلّ الأجدل الضّارى
لا يمنع الضّيم إلّا ذو محافظة ** من الخضارم سبّاق بأوتار
إني وإن كنت من جذم الّذى نشرت ** منه الفروع وزندي الثّاقب الواري
لذاكر منك أمرا قد سبقت به ** من كان قبلك يا نصر بن سيّار
ناضلت عني نضال الحرّ إذ قصرت ** عني لعشيرة واستبطأت أنصاري
وصار كلّ صديق كنت آمله ** ألبا عليّ، ورثّ الحبل من جارى
وما تلبّست بالأمر الّذى وقعوا ** به عليّ ولا دنّست أطمارى
ولا عصيت إماما كان طاعته ** حقّا عليّ، ولا فارقت من عار
ولمّا ارتدّ أهل السّغد وأهل بخارى لأجل الجزية، واستجاشوا التّرك، خرج إليهم أشرس، فنزل آمل، وأقام ثلاثة أشهر، وقدم قطن بن قتيبة بن مسلم فعبر النّهر في عشرة آلاف واقبل التّرك مع أهل بخارى والسّغد فحصروا قطن بن قتيبة في خندقه، وجعل خاقان ينتخب كلّ يوم فارسا فيعبر، وقطعت قطعة من التّرك النهر فقال قوم:
« أقحموا دوابّكم عريا. » فعبروا، وأغاروا على سرح النّاس، فأخرج أشرس ثابت قطنة بكفالة عبد الله بن بسطام بن مسعود بن عمرو، ووجّهه مع عبد الله بن بسطام في خيل، فاتّبعوا التّرك، فقاتلوهم بآمل حتى استنقذوا ما بأيديهم. ثم قطع التّرك النّهر راجعين، ثم عبر أشرس بالنّاس إلى قطن بن قتيبة، ووجّه أشرس رجلا يقال له: مسعود، أحد بنى حيّان في سريّة، فلقيهم العدوّ، فقاتلهم، فهزم مسعود وأصيب رجال من المسلمين، وأقبل العدوّ. فلمّا صاروا بقرب، لقيهم المسلمون، فقاتلوهم، فجال المسلمون، فقتل في تلك الجولة خلق من المسلمين. ثم كرّ المسلمون، وصبروا، فانهزم المشركون، ومضى أشرس بالنّاس حتى نزل بيكند، وقطع عنهم العدوّ الماء، فأقام أشرس والمسلمون في عسكرهم يومهم وليلتهم، فأضحوا وقد نفد ماؤهم، فاحتفروا فلم ينبطوا وعطشوا، فارتحلوا إلى المدينة الّتى منها قطعوا الماء عنهم، وعلى مقدّمة المسلمين قطن بن قتيبة، فلقيهم العدوّ، فقاتلوهم، فجهدوا من العطش، فمات منهم سبعمائة وعجز النّاس عن القتال، وكاد قوم يوسرون من الجهد، فحضّ الحارث بن سريج النّاس. فقال:
« أيّها النّاس، القتل بالسّيف أكرم في الدّنيا وأعظم أجرا عند الله من الموت عطشا. » وتقدّم الحارث بن سريج وقطن بن قتيبة وجماعة من بنى تميم وقيس، فقاتلوا حتى أزالوا التّرك عن الماء، وابتدره النّاس، فاستقوا ورووا. فمرّ ثابت قطنة بعبد الملك بن دثار الباهلي، فقال:
« يا عبد الملك، هل لك في الجهاد؟ » قال:
« أنظرني ريث ما أغتسل وأتحنّط. » فوقف له، حتى خرج ومضى. فقال ثابت لأصحابه:
« أنا أعلم بقتال هؤلاء منكم. » وحضّهم، فحملوا على العدوّ، واشتدّ القتال، فقتل ثابت وعبد الملك في عدّة من المسلمين فضمّ قطن بن قتيبة وإسحاق بن حسّان خيلا من بنى تميم تبايعوا على الموت، فأقدموا على العدوّ، فقاتلوهم حتى كشفوهم وركبهم المسلمون يقتلونهم حتى حجزهم الليل وتفرّق العدوّ. فأتى أشرس بخارى فحاصر أهلها.
وتحدّث قوم شهدوا قتال التّرك لمّا التقوا على الماء وقاتلوا عليه، قالوا:
سمعنا ثابتا يقول:
« اللهمّ إني كنت ضيف ابن بسطام البارحة، فاجعلني ضيفك الليلة، والله لا ينظر إليّ بنو أميّة مشدودا في الحديد. » فحمل، وحمل أصحابه، فكذب أصحابه وثبت هو، فرمى برذونه فشبّ، وضربه فأقدم وضرب فارتثّ، فقال وهو صريع:
« اللهم إني أصبحت ضيفا لابن بسطام، وقد أمسيت ضيفك، فاجعل قراي من ثوابك الجنّة. »
ولحق غورك في تلك الوقعة بالتّرك. فيقال: إنّه وقع وسط خيل، فلم يجد بدّا من اللحاق بهم. ويقال: إنّ أشرس كان أرسل إلى غورك يطلب منه طاسا كان عنده. فقال غورك لرسول أشرس:
« إنّه لم يبق معي شيء أتدهّن به غير هذا الطّاس. فاصفح عنه. » فأرسل إليه:
« اشرب في قرعة، وابعث إليّ بالطّاس. » فكان ذلك سبب فراقه.
فيقال: إنّ أشرس نزل قريبا من مدينة بخارى، ثم تحوّل منه إلى كمرجة، وكانت كمرجة من أشرف آجام خراسان وأعظمها. فمرّ بهم سبّابة مولى قيس وقال:
« إني قصدتكم للنّصيحة. إنّ خاقان مارّ بكم غد، فأرى لكم أن تظهروا عدّتكم ليرى حدّا واحتشادا فينقطع طمعه منكم. » فقال لهم رجل:
« استوثقوا منه، فإنّه جاءكم ليفت في أعضادكم. » قالوا:
« لا تفعل هذا مولانا، وقد عرفناه بالنّصيحة. » فلم يقبلوا منه، وفعلوا ما أمرهم به المولى. وصبّحهم خاقان، فلمّا حاذى بهم ارتفع إلى طريق بخارى، كأنّه يريدها، فانحدر بجنوده من وراء تلّ بينه وبينهم. فنزلوا وتأهّبوا وهم لا يشعرون بهم. فما فاجأهم أن طلعوا على التّلّ، فإذا جبل حديد فيهم أهل فرغانة والطّاربند وأفشينة ونسف وطوائف من أهل بخارا. فسقط في أيدى النّاس.
فقال لهم كليب بن قبان الذّهلى:
« هم يريدون مزاحفتكم، فسرّحوا دوّابكم المجفّفة في طريق النّهر، كأنّكم تريدون أن تسقوها، فإذا حدرتموها فخذوا طريق الباب، وتسرّبوا الأوّل فالأوّل. » فلمّا رءاهم التّرك يتسرّبون، شدّوا عليهم في مضيق، وكانوا أعلم بالطّريق من التّرك، فسبقوهم إلى الباب، فلحقوهم عنده، وقتلوا رجلا من العرب كان على حاميتهم يقال له المهلّب، وقاتلوهم، فغلبوهم على الباب الخارج من الخندق ودخلوه، فاقتتلوا، وجاء رجل بحزمه قصب قد أشعلها، فرمى بها في وجوههم، فتنحّوا، وأجلوا عن قتلى وجراحات. وأمسى القوم.
فانصرف التّرك وأحرق العرب القنطرة.
وجاءهم خسرو بن يزدجرد في ثلاثين رجلا. فقال:
« يا معشر العرب، لم تقتلون أنفسكم وأنا الّذى جئت بخاقان ليردّ عليّ مملكة آبائى؟ وأنا آخذ لكم الأمان. » فشتموه، فانصرف.
فجاءهم بازغرى في مائتين، وكان داهية، من وراء النّهر، وكان خاقان لا يخالفه، ومعه رجلان من قرابة خاقان، ومعه أفراس من رابطة أشرس، فقال:
« آمنونا حتى ندنو منكم، وأعرض عليكم ما أرسلنى به إليكم خاقان. » فآمنوه، فدنا من المدينة، فأشرفوا عليه، ومعه أسرى من العرب، وقال بازغرى:
« يا معشر العرب، احدروا إليّ رجلا منكم أكلّمه برسالة خاقان. » فحدروا حبيبا مولى مهرة من أهل درقتين، فكلّموه، فلم يفهم. فقال:
« احدروا إليّ رجلا يعقل عني. » فحدروا يزيد بن سعيد الهلالي، وكان يشدو شيئا من التركية. فقال له:
« هذه خيل الرّابطة، ووجوه العرب، معه أسرى. » وقال لهم:
« إنّ خاقان أرسلنى إليكم وهو يقول لكم: إني أجعل من كان عطاءه منكم ثلاثمائة، ستّمائة، ومن كان عطاؤه ستّمائة أجعله ألفا، وهو مجمع بعد هذا على الإحسان إليكم. » فقال له يزيد:
« هذا أمر لا يلتئم، كيف يكون العرب وهم ذئاب، مع التّرك وهم شاء لا يكون بيننا وبينهم صلح. » فغضب بازغرى.
فقال التّركيان اللذان معه:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« ألا تضرب عنقه؟ » فقال:
« لا، نزل إلينا بأمان. » وفهم يزيد ما قالا له، فخاف. فقال:
« بلى يا بازغرى، إلّا أن تجعلونا نصفين، فيكون نصفنا في أثقالنا، ويسير النّصف معه، فإن ظفر خاقان فنحن معه، وإن كان غير ذلك كنّا كسائر مدائن سغد. » فرضي بازغرى والتّركيان بما قال. فقال له:
« اعرض على القوم ما تراضينا به. » وأقبل، فأخذ بطرف الحبل، فجذبوه حتى صار على السّور، فنادى:
« يا أهل كمرجه اجتمعوا، فقد جاءكم قوم يدعونكم إلى الكفر بعد الإيمان. » قالوا:
« لا نجيب ولا نرضى. » قال:
« يدعونكم إلى قتال المسلمين مع المشركين. » قالوا:
« نموت جميعا قبل ذلك. » قال:
« فأعلموهم ذلك. » قال:
« فأشرفوا عليهم. » فقال:
« يا بازغرى، أتبيع الأسرى الّذين في أيديكم فنفادى بهم؟ فأما ما دعوتنا إليه فإنّا لا نجيبكم إليه. » فقال لهم:
« أفلا تشترون أنفسكم منّا؟ فما أنتم عندنا إلّا بمنزلة من في أيدينا منكم. » وكان في أيديهم الحجّاج بن حميد النّضرى.
فقالوا:
« يا حجّاج، إلا تتكلّم؟ » قال:
« عليّ رقباء. » ثم أمر خاقان بقطع الشّجر. »
ذكر حيلة تمت مع اتفاق حسن
فكان خاقان يقطع الشّجر الرّطب، ويلقيه في الخندق، وجعل أهل كمرجة يلقون معه الحطب اليابس، حتى سوّى الخندق ليقطعوا إليهم. فأشعلوا النّيران، فهاجت ريح شديدة، صنعا من الله عز وجل، فاشتعلت النّيران في الحطب، فأحرق ما عملوا في ستّة أيام، في ساعة واحدة من نهار، ورميناهم فأوجعناهم، وشغلناهم بالجراحات، فأصابت بازغرى نشّابة في سرّته، فاحتقن بوله، فمات من ليلته، فقطع أتراكه أذانهم، فأصبحوا بشرّ منكّسين رؤوسهم يبكونه، ودخل عليهم أمر عظيم.
فلمّا امتدّ النّهار، جاءوا بالأسرى، وهم مائة، فيهم أبو العوجاء العتكي وأصحابه، فقتلوهم، ورموا إليهم برأس الحجّاج بن حميد النّضريّ، وكان مع المسلمين مائتان من أولاد المشركين كانوا رهائن في أيديهم، فقتلوهم، واستماتوا، واشتد القتال، وقاموا على باب الخندق، وصار منهم على السّور خمسة أعلام.
فقال كليب: « من لي بهؤلاء؟ » فقال ظهير بن مقاتل الطّلاوى:
« أنا لك بهم. » فذهب يسعى وقال لفتيان:
« امشوا خلفي. » وهو جريح.
فقتل من أصحاب الأعلام اثنان ونجا ثلاثة.
فقال لهم خاقان:
« عليكم بهذا الغنم وقسمه في أصحابه. » ثم قال لهم:
« كلوا لحومها واسلخوا جلودها واملأها ترابا، ثم اكبسوا خندقهم بها. » ففعلوا، وبعث الله سحابة فمطرت وسال الخندق، فاحتمل المطر ما ألقوا فيه، فألقاه في النّهر الأعظم. فيقال: إنّ خاقان لمّا رأى أنّه لا يصل إليهم، شتم أصحابه، وعيّر أهل السّغد وفرغانة والشّاش والدّهاقين وقال لهم:
« زعمتم أنّ في هذه خمسين حمارا وأنّا نفتحها في خمسة أيّام وقد صارت الخمسة الأيام شهرين. » وشتمهم وأمرهم بالارتحال، فقالوا:
« ما ندع جهدا، ولكن أحضرنا غدا فانظر. » فلمّا كان الغد جاء خاقان فوقف فقام إليه ملك الطّاربند، واستأذنه في القتال والدّخول عليهم. قال:
« لا أرى أن نقاتل في هذا الموضع. » وكان خاقان يعظّمه، فقال له:
« اجعل لي جاريتين من جواري العرب وأنا أدخل عليهم. » فأذن لهم، فقاتل حتى قتل ثمانية، وجاء حتى وقف على ثلمة، وكان إلى جنب الثّلمة بيت فيه خرق يفضى إلى الثّلمة، وفي البيت رجل مريض من بنى تميم، فرماه بكلّوب، فتعلّق بدرعه، ثم نادى النّساء والصّبيان فجذبوه حتى سقط لوجهه، ورماه رجل بحجر فأصاب أصل أذنه فصرع، وجاء شابّ أمرد من التّرك، فأخذ سيفه، وغلبناهم على جسده. وكانوا قد اتّخذوا أبنية من خشب، فألصقوها بحائط الخندق، ونصبوا قبالة ما اتّخذوا أبوابا، وأقعدوا وراءها الرّماة وجاء رجلان، فاطّلع أحدهما في الخندق، فرماه واحد منّا، فلم تضرّه الرّمية لكثرة سلاحه، وكان عليه كاسخودة تبّتيّة، فرماه رجل شيبانيّ، وليس يرى منه غير عينيه، ورماه غالب بن المهاجر، فدخلت نشّابة في عينيه وتنكّس، فلم يدخل خاقان شيء أشدّ منه. فأرسل إلى المسلمين: « أنّه ليس من رأينا أن نرتحل من مدينة ننزل عليها دون افتتاحها أو نرحلهم عنها. » فقال لهم كليب بن قبان:
« وليس من ديننا أن نعطى بأيدينا حتى نقتل، فاصنعوا ما بدا لكم. »
فرأى التّرك أنّ مقامهم عليهم ضرر، فقالوا:
« نعطيكم الأمان على أن ترحلوا بأموالكم وأهاليكم إلى سمرقند أو الدّبوسيّة. » ورأى أهل كمرجة ما هم فيه من الحصار والشدّة، فبعثوا إلى أهل سمرقند يشاورونهم. فأشاروا عليهم بالدّبوسيّة وقالوا: هي أقرب.
فرجع إلى أصحابه، فأخذوا من التّرك رهائن لئلّا يعرضوا لهم، وأخذ التّرك من العرب رهائن، وارتحل خاقان، وأظهر أنّه إنّما فعل ذلك من أجل غورك، أنّه مع العرب، وأنّ ابنه المختار طلب إليه في ذلك مخافة على أبيه. فأجابه إلى ذلك.
وقال المسلمون:
« أعطونا رجلا كبيرا يكون معنا. » فقال لهم التّرك:
« اختاروا من شئتم. » فاختاروا كورصول، وكان معهم. فلمّا ارتحل خاقان قال كورصول للعرب:
« ارتحلوا ».
قالوا:
« نكره أن نرتحل والتّرك لم يمضوا، فلا نأمنهم أن يعرضوا لبعض النّساء فتحمى العرب، فنصير إلى ما كنّا فيه من الحرب. » قال: فكفّ عنهم حتى مضى خاقان والتّرك.
فلمّا صلّوا الظّهر أمرهم كورصول بالرّحلة، وقال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« إنّما الشّدّة والخوف أن تسيروا فرسخين، ثم تصيروا إلى قرى متّصلة، فارتحلوا. » وكان في أيدى التّرك من العرب خمسة رهائن، وفي أيدى العرب من التّرك خمسة، فارتدف خلف رجل من التّرك رجل من العرب معه خنجر، وليس على التّركى غير قباء، فساروا بهم. ثم قال العجم لكورصول:
« إنّ الدّبوسيّة فيها عشرة آلاف مقاتل، فلا نأمن أن يخرجوا علينا. » فقال لهم العرب:
« إن قاتلوكم قاتلناهم معكم. » فساروا، فلمّا صار بينهم وبين الدّبوسيّة قدر فرسخ وأقلّ، نظر أهلها إلى فرسان ورجّالة، فظنّوا أنّ كمرجة قد فتحت، وإنّ خاقان قصدهم. فتهيّأوا للحرب، فوجّه كليب بن قبان رجلا من بنى ناجية يقال له الضّحّاك، على برذون يركض، وعلى الدّبوسيّة عقيل بن ودّان السّعديّ. فأتاهم الضّحّاك وهم صفوف فرسان ورجّالة، فأخبرهم بالخبر، فأقبل أهل الدّبوسيّة يركضون، فحملوا كلّ من كان يضعف عن المشي ومن كان مجروحا. ثم إنّ كليبا أرسل محمّد بن كرّان ومحمّد بن درهم ليعلما سباع بن النّعمان وسعيد بن عطيّة وسائر الرّهائن في أيدى التّرك، أنّهم قد بلغوا مأمنهم، ثم خلّوا عن الرّهن، فجعلت العرب ترسل رجلا من الرّهن الّذين في أيديهم من التّرك، وترسل التّرك رجلا من الّذين في أيديهم من العرب، حتى بقي سباع بن النّعمان في أيدى التّرك، ورجل من التّرك في أيدى العرب، وجعل كلّ فريق منهم يخاف على صاحبه الغدر.
فقال سباع:
« خلّوا رهينة التّرك. » فخلّوه وبقي سباع في أيديهم. فلمّا التقى مع كورصول قال له:
« لم فعلت هذا؟ » قال:
« إني وثقت برأيك، وقلت: ترفّع نفسك عن الغدر في مثل هذا. » فوصله وسلّحه، وحمله على برذون، وردّه إلى أصحابه.
وكان حصار كمرجة خمسة وثلاثين يوما. فيزعمون أنّهم لم يسقوا إبلهم خمسة وعشرين يوما.
وفي هذه السّنة جعل خالد بن عبد الله القسري بالبصرة الصّلاة مع الشرط والأحداث، والقضاء إلى بلال بن أبي برده، فجمع ذلك كلّه.
ودخلت سنة احدى عشرة ومائة وفيها عزل هشام أشرس بن عبد الله عن خراسان
وكان السّبب في ذلك، أنّ شدّاد بن خالد بن عبد الله الباهلي شخص إلى هشام، فشكاه، فعزله واستعمل الجنيد بن عبد الرّحمن على خراسان سنة احدى عشرة ومائة. وكان السّبب في استعماله إيّاه، أنّه كان أهدى لأمّ حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام قلادة فيها جوهر، فأعجبت هشاما، فأهدى لهشام قلادة أخرى، فاستعمله على خراسان، وحمله على ثمانية من البريد، فسأله أكثر من تلك الدوابّ، فلم يفعل. فقدم خراسان في خمسمائة وأشرس بن عبد الله يقاتل أهل بخارا والسّغد. فسأل عن رجل يسير معه إلى ما وراء النّهر، فدلّ على الخطّاب بن محرز السّلمى خليفة أشرس. فسار معه، فلمّا قدم آمويه، أشار عليه الخطّاب أن يقيم ويكتب إلى من بزمّ ومن حوله، فقدموا عليه، فأبى وقطع النّهر، وأرسل إلى أشرس أن أمدّنى بخيل، وخاف أن يقتطع قبل أن يصل إليه، فوجّه إليه أشرس عامر بن مالك الحمّانى. فلمّا كان ببعض الطّريق، عرض له التّرك والسّغد ليقتطعوه قبل أن يصل إلى الجنيد. فدخل عامر حائطا حصينا، وقاتلهم على ثلمة الحائط ومعه ورد بن زياد بن أدهم بن كلثوم، فرماه رجل من العدوّ بنشّابة عرض منخريه، فأنفذ المنخرين. فقال له عامر بن مالك:
« يا بالزّاهرية، كأنّك دجاجة مقفّ. » وكان خاقان على تلّ خلفه أجمة عظيمة. فخرج من عسكر أشرس، عاصم بن عمير السّمرقندى وواصل بن عمرو القينى في شاكريّته، فاستدارا حتى صارا من وراء الأجمة والماء، فضمّوا خشبا وقصبا وما قدروا عليه، حتى اتّخذوا طريقا، فعبروا عليه، فلم يشعر خاقان إلّا بالتّكبير من ورائه، وحمل واصل والشاكريّة على العدوّ، فقاتلوهم، فقتل تحت واصل برذونان، وهزم خاقان وأصحابه.
وخرج عامر بن مالك من الحائط، فمضى إلى الجنيد، وهو في سبعة آلاف، فتلقّى الجنيد، فأقبل معه وعلى مقدّمة الجنيد عمارة بن خزيم فلمّا انتهى إلى فرسخين من بيكند، تلقّته خيل التّرك، فقاتلهم، وكاد الجنيد يهلك ومن معه، ثم أظهره الله، فسار حتى قدم العسكر وقد ظفر بأولئك الأتراك. فزحف إليه خاقان فالتقوا دون رومان من بلاد سمرقند وقطن بن قتيبة على ساقة الجنيد، وواصل في أهل بخارا، وكان ينزلها قاسم ملك الشّاش، وأسر الجنيد ابن أخي خاقان في هذه الغزاة، فبعث به إلى هشام، وأوفد لمّا أصاب في وجهه ذلك عمّار بن معاوية العدويّ ومحمّد بن الجرّاح العبديّ وعبد ربّه بن أبي صالح السّلمى إلى هشام.
ثم أتى الجنيد مرو غانما ظاهرا.
فقال خاقان:
« هذا غلام مترف هرب مني العام، وأنا مهلكه في قابل. » واستعمل الجنيد عمّاله، فلم يستعمل إلّا مضريّا، وكان بينه وبين الباهليّين تباعد، لما كان بينهم بالبروقان.
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائة
وفي هذه السّنة استشهد الجرّاح بن عبد الله الحكمي في من معه من أهل الشّام بمرج أردبيل، وافتتحت التّرك أردبيل. ولمّا بلغ هشاما أنّ التّرك قتلت الجرّاح بن عبد الله وافتتحت أردبيل، دعا سعيد بن عمرو الحرشيّ، فقال له:
« أنّه بلغني أنّ الجرّاح بن عبد الله قد انحاز عن المشركين. » فقال:
« كلّا يا أمير المؤمنين، الجرّاح أعرف بالله من أن ينحاز عن العدوّ، لكنّه قتل. » قال:
« فما الرأي؟ » قال:
« تبعثني على أربعين دابّة من دوّاب البريد، ثم تبعث إليّ كلّ يوم أربعين دابّة عليها أربعون رجلا. ثم اكتب إلى أمراء الأجناد يوافونى. » ففعل ذلك هشام، فأصاب سعيد بن عمرو للتّرك ثلاثة جموع وفودا إلى خاقان بمن أسروا من المسلمين وأهل الذّمّة. فاستنفذ الحرشيّ ما أصابوا، وأكثر القتل فيهم.
ثم أنفذ هشام أخاه مسلمة بن عبد الملك في أثر التّرك، فسار في شتاء شديد البرد، ومطر وثلوج، فطلبهم، حتى جاز الباب، وخلّف الحارث بن عمرو الطائيّ بالباب.
وقعة الجنيد مع الترك
وفي هذه السّنة كانت وقعة الجنيد مع التّرك ورئيسهم خاقان بالشّعب. وفيها قتل سورة بن أبجر والأشراف.
وقد قيل: إنّ هذه الوقعة كانت في سنة ثلاث عشرة.
وكان سبب ذلك أنّ الجنيد بن عبد الرّحمن خرج غازيا في هذه السّنة يريد طخارستان، فنزل على نهر بلخ، ووجّه عمارة بن خزيم إلى طخارستان في ثمانية عشر ألفا، وإبراهيم بن بسّام الليثي في عشرة آلاف في وجه آخر.
وجاشت التّرك، فأتوا سمرقند، وعليها سورة بن أبجر أحد بنى دارم. وكتب سورة إلى الجنيد:
« انّ خاقان جاش بالتّرك، فخرجت إليهم، فما قدرت أن أمنع حائط سمرقند، فالغوث! »
فأمر الجنيد النّاس بالعبور، فقام إليه المجشّر بن مزاحم السّلمى وابن بسطام الأزدي، وابن صبيح الحرقى، فقالوا:
« إن التّرك ليسوا كغيرهم، لا يلقونك صفّا ولا زحفا وقد فرّقت جندك:
فمسلم بن عبد الرّحمن بالرّوب، والبختي بهراة، ولم يحضرك أهل الطّالقان، وعمارة بن خزيم غائب. » وقال له المجشّر:
« إنّ صاحب خراسان لا يعبر النّهر في أقلّ من خمسين ألفا، فأكتب إلى عمارة، فليأتك، وأمهل ولا تعجل. » قال:
« فكيف بسورة ومن معه من المسلمين، لو لم أكن إلّا في بنى مرّة، أو من طلع معي من أهل الشّام، لعبرت. » قال:
« أليس أحقّ النّاس أن يشهد الوغا ** وأن يقتل الأبطال، ضخم على ضخم»
وعبر، ونزل كسّ، وبعث الأشهب بن عبيد الحنظلي ليعلم علم القوم.
فرجع إليه فقال:
« قد أتوك، فتأهّب. » فبلغ التّرك مسيره، فعوّروا طريق كسّ وما فيه من الركايا.
فقال الجنيد:
« أيّ الطّرق إلى سمرقند أمثل؟ » قالوا:
« طريق المحترقة. » فقال المجشّر بن مزاحم السّلمى:
« القتل بالسّيف أمثل من القتل بالنّار. إنّ طريق المحترقة فيه الشّجر والحشيش، ولم يزرع منذ سنتين، فقد تراكم بعضه على بعض، فإن لقيت خاقان، أحرق ذلك كلّه، فقتلنا بالنّار والدّخان، ولكن خذ طريق العقبة، فهو بيننا وبينهم سواء. » فأخذ الجنيد طريق العقبة، فارتقى في الجبل. فأخذ المجشّر بعنان دابّته وقال:
« إنّه كان يقال: إنّ رجلا من قيس مترفا يهلك على يده جند من جنود خراسان، وقد خفنا أن تكونه. » قال: « أفرخ روعك. » فقال المجشّر: « أمّا ما كان بيننا مثلك فلا يفرح. » فبات في أصل العقبة، ثم ارتحل حتى. أصبح، فصار الجنيد بين مرتحل ومقيم، فتلقّاه فارس. فقال له:
« ما اسمك؟ » قال:
« حرب. » قال:
« ابن من؟ » قال:
« ابن محرب. » قال:
« ممّن؟ » قال:
« من بنى حنظلة. » قال:
« سلّط الله عليك الحرب، والحرب، والكلب. » ومضى بالنّاس حتى دخل الشّعب وبينه وبين سمرقند أربعة فراسخ.
فصبّحه خاقان في جمع عظيم، وزحف إليه السّغد، وشاش، وفرغانة. فحمل خاقان على المقدّمة، وعليها عثمان بن عبد الله بن السّخّير، فرجعوا إلى العسكر والتّرك تتبعهم وجاءوهم من كلّ وجه، وقد كان الإخريد قال للجنيد:
« ردّ النّاس إلى العسكر، فقد جاءك جمع كثير. » فطلع أوائل الخيل من العدوّ، والنّاس يتغدّون، فرءاهم عبيد الله بن زهير بن حيّان، فكره أن يعلم النّاس حتى يفرغوا من غدائهم، والتفت أبو الوأل، فرءاهم، وقال: « العدّو! » فركب النّاس إلى الجنيد. فصيّر تميما والأزد في الميمنة، وربيعة في الميسرة ممّا يلي الجبل، وعلى مجفّفة خيل بنى تميم عبيد الله بن زهير بن حيّان، وعلى المجرّدة عمر بن حرفاس المنقري، وعلى جماعة بنى تميم عامر بن مالك الحمّانى، وعلى الأزد عبد الله بن بسطام بن مسعود، وعلى خيلهم المجفّفة والمجرّدة فضيل بن هنّاد وعبد الله بن حوذان: أحدهما على المجفّفة والآخر على المجرّدة. فالتقوا وربيعة ممّا يلي الجبل في مكان ضيّق، فلم يقدم عليهم أحد. وقصد العدوّ الميمنة، وفيها تميم والأزد في موضع واسع فيه مجال للخيل، فترجّل حيّان بن عبيد الله بن زهير بين يدي أبيه، ودفع برذونه إلى أخيه عبد الملك.
فقال له أبوه:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)