صفحة 2 من 21 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 5 إلى 8 من 81

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)


  1. #5
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر عبد الرزاق أنّ حماد بن سعيد الصنعاني أخبره قال: أخبرني زياد بن عبيد الله، قال: أتيت الشأم، فاقترضت؛ فبينا أنا يومًا على الباب باب هشام، إذ خرج علي رجل من عند هشام، فقال لي: ممن أنت يا فتى؟ قلت: يمان، قال: فمن أنت؟ قلت: زياد بن عبيد الله بن عبد المدان، قال: فتبسم، وقال: قم إلى ناحية العسكر فقل لأصحابي: ارتحلوا فإنّ أمير المؤمنين قد رضي عني، وأمرني بالمسير، ووكّل بي من يخرجني قال: قلت: مَنْ أنت يرحمك الله؟ قال: خالد بن عبد الله القسري، قال: ومرهم يا فتى أن يعطوك منديل ثيابي وبرذوني الأصفر. فلما جزت قليلًا ناداني، فقال: يا فتى، وإن سمعت بي قد وليت العراق يومًا فالحق بي. قال: فذهبت إليهم، فقلت: إنّ الأمير قد أرسلني إليكم بأنّ أمير المؤمنين قد رضي عنه؛ وأمره بالمسير. فجعل هذا يحتضنني وهذا يقبل رأسي، فلما رأيت ذلك منهم، قلت: وقد أمرني أن تعطوني منديل ثيابه وبرذونه الأصفر، قالوا: إي والله وكرامة، قال: فأعطوني منديل ثيابه وبرذونه الأصفر، فما أمسى بالعسكر أحد أجود ثيابًا منّي، ولا أجود مركبًا منّي، فلم ألبث إلا يسيرًا حتى قيل: قد وليَ خالد العراق، فركبني من ذلك همّ، فقال لي عريف لنا: ما لي أراك مهمومًا! قلت: أجل قد ولي خالد كذا وكذا، وقد أصبت ها هنا رزيقا عشت به، وأخشى أن أذهب إليه فيتغير علي فيفوتني ها هنا وها هنا، فلست أدري كيف أصنع! فقال لي: هل لك في خصلة؟ قلت: وما هي؟ قال: توكلني بأرزاقك وتخرج، فإن أصبت ما تحبّ فلي أرزاقك، وإلّا رجعت فدفعتها إليك، فقلت نعم. وخرجت، فلما قدمت الكوفة ليست من صالح ثيابي. وأذن للناس، فتركتهم حتى أخذوا مجالسهم، ثم دخلت فقمت بالباب، فسلمت ودعوت وأثنيت، فرفع رأسه، فقال: أحسنت بالرّحب والسعة، فما رجعت إلى منزلي حتى أصبت ستمائة دينار بين نقد وعرض.
    ثم كنت أختلف إليه، فقال لي يومًا: هل تكتب يا زياد؟ فقلت: أقرأ ولا أكتب، أصلح الله الأمير! فضرب بيده على جبينه، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! سقط منك تسعة أعشار ما كنت أريده منك، وبقي لك واحدة فيها غنى الدهر قال: قلت: أيها الأمير، هل في تلك الواحدة ثمن غلام؟ قال: وماذا حينئذ! قلت: تشتري غلامًا كاتبًا تبعث به إلي فيعلّمني، قال: هيهات! كبرت عن ذلك، قال: قلت: كلّا، فاشترى غلامًا كاتبًا حاسبًا بستين دينارًا، فبعث به إلي، فأكببتُ على الكتاب، وجعلت لا آتيه إلا ليلًا، فما مضت إلا خمس عشرة ليلة حتى كتبت ما شئت وقرأت ما شئت. قال: فإني عنده ليلة، إذ قال: ما أدري هل أنجحت من ذلك الأمر شيئًا؟ قلت: نعم، أكتب ما شئت، وأقرأ ما شئت، قال: إني أراك ظفرت منه بشيء يسير فأعجبك، قلت: كلا، فرفع شاذكونه، فإذا طومار، فقال: اقرأ هذا الطومار، فقرأت ما بين طرفيه، فإذا هو من عامله على الري، فقال: اخرج فقد ولّيتك عمله، فخرجت حتى قدمت الري، فأخذت عامل الخراج، فأرسل إلي: إن هذا أعرابي مجنون، فإنّ الأمير لم يولّ على الخراج عربيًا قطّ، وإنما هو عامل المعونة، فقل له: فليرّني على عملي وله ثلثمائة ألف، قال: فنظرتُ في عهدي، فإذا أنا على المعونة، فقلت: والله لا انكسرت، ثم كتبت إلى خالد: إنك بعثتني على الري، فظننت أنك جمعتها لي. فأرسل إلي صاحب الخراج أن أقرّه على عمله ويعطيني ثلثمائة ألف درهم. فكتب إلي أن اقبل ما أعطاك، واعلم أنّك مغبون. فأقمت بها ما أقمت، ثم كتبت: إني قد اشتقت إليك فارفعني إليك، ففعل، فلما قدمت عليه ولّاني الشرطة.
    وكان العامل في هذه السنة على المدينة ومكة والطائف عبد الواحد بن عبد الله النضْري وعلى قضاء الكوفة حسين بن حسن الكندي، وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس. وقد قيل إن هشامًا إنما استعمل خالد بن عبد الله القسري على العراق وخراسان في سنة ست ومائة، وإن عامله على العراق وخراسان في سنة خمس ومائة كان عمر بن هبيرة.
    ثم دخلت سنة ست ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ففي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك عن المدينة عبد الواحد بن عبد الله النضري وعن مكة والطائف، وولّى ذلك كله خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، فقدم المدينة يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من جمادى الآخرة سنة ست ومائة، فكانت ولاية النضري على المدينة سنة وثمانية أشهر.
    وفيها غزا سعيد بن عبد الملك الصائفة.
    وفيها غزا الحجاج بن عبد الملك اللان، فصالح أهلها، وأدوا الجزية.
    وفيها ولد عبد الصمد بن علي في رجب.
    وفيها مات الإمام طاوس مولى بخير بن ريسان الحميري بمكة وسالم بن عبد الله بن عمر، فصلى عليهما هشام. وكان موت طاوس بمكة وموت سالم بالمدينة.
    حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، قال: مات سالم بن عبد الله سنة خمس ومائة في عقب ذي الحجة، فصلى عليه هشام بن عبد الملك بالبقيع، فرأيت القاسم بن محمد بن أبي بكر جالسًا عند القبر وقد أقبل هشام ما عليه إلا درّاعة، فوقف على القاسم فسلم عليه، فقام إليه القاسم فسأله هشام: كيف أنت يا أبا محمد؟ كيف حالك؟ قال: بخير، قال: إني أحب والله أن يجعلكم بخير. ورأى في الناس كثرة، فضرب عليهم بعث أربعة آلاف؛ فسمّي عام الأربعة الآلاف.
    وفيها استقضى إبراهيم بن هشام محمد بن صفوان الجمحي ثم عزله، واستقضى الصلت الكندي.
    ذكر الخبر عن الحرب بين اليمانية والمضرية وربيعة

    وفي هذه السنة كانت الوقعة التي كانت بين المضرية واليمانية وربيعة بالبروقان من أرض بلخ.
    ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة
    وكان سبب ذلك - فيما قيل - أنّ مسلم بن سعيد غزا، فقطع النهر، وتباطأ الناس عنه؛ وكان ممن تباطأ عنه البختري بن درهم، فلما أتى النهر رد نصر بن سيار وسليم بن سليمان بن عبد الله بن خازم وبلعاء بن مجاهد بن بلعاء العنبري وأبا حفص بن وائل الحنظلي وعقبة بن شهاب المازني وسالم بن ذرابة إلى بلخ، وعليهم جميعًا نصر بن سيار، وأمرهم أن يخرجوا الناس إليه. فأحرق نصر باب البختري وزياد بن طريف الباهلي، فمنعهم عمرو بن مسلم من دخول بلخ - وكان عليها - وقطع مسلم بن سعيد النهر فنزل نصر البروقان، فأتاه أهل صغانيان، وأتاه مسلمة العقفاني من بني تميم، وحسان بن خالد الأسدي؛ كلّ واحد منهما في خمسمائة، وأتاه سنان الأعرابي وزرعة بن علقمة وسلمة بن أوس والحجاج بن هارون النميري في أهل بيته، وتجمّعت بكر والأزد بالبروقان، رأسهم البختري، وعسكر بالروقان على نصف فرسخ منهم، فأرسل نصر إلى أهل بلخ: قد أخذتم أعطياتكم فألحقوا بأميركم، فقد قطع النهر. فخرجت مضر إلى نصر، وخرجت ربيعة والأزد إلى عمرو بن مسلم، وقال قوم من ربيعة: إن مسلم بن سعيد يريد أن يخلع؛ فهو يكرهنا على الخروج. فأرسلت تغلب إلى عمرو بن مسلم: إنك منا، وأنشدوه شعرًا قاله رجل عزا باهلة إلى تغلب - وكان بنو قتيبة من باهلة - فقالوا: إنّا من تغلب، فكرهت بكر أن يكونوا في تغلب فتكثر تغلب، فقال رجل منهم:
    زعمت قتيبة أنها من وائل ** نسب بعيد يا قتيبة فاصعدي
    وذكر أن بني معن من الأزد يدعون باهلة، وذكر عن شريك بن أبي قيلة المعني أن عمرو بن مسلم كان يقف على مجالس بني معن، فيقول: لئن لمم نكن منكم ما نحن بعرب؛ وقال عمرو بن مسلم حين عزاه التغلبي إلى بني تغلب: أما القرابة فلا أعرفها، وأما المنع فإني سأمنعكم؛ فسفر الضحاك بن مزاحم ويزيد بن المفضل الحداني، وكلما نصرًا وناشداه فانصرف. فحمل أصحاب عمرو بن مسلم والبختري على نصر، ونادوا: يا لَ بكر! وجالوا، وكر نصر عليهم؛ عليهم؛ فكان أوّل قتيل رجلٌ من باهلة، ومع عمرو بن مسلم البحتري وزياد بن طريف الباهلي، فقتل من أصحاب عمرو بن مسلم في المعركة ثمانية عشر رجلًا، وقتل كردان أخو الفرافصة ومسعدة ورجل من بكر بن وائل يقال له إسحاق، سوى من قتل في السكك، وانهزم عمرو بن مسلم إلى القصر وأرسل إلى نصر: ابعث إلى بلعاء بن مجاهد، فأتاه بلعاء، فقال: خذْ لي أمانًا منه، فآمنه نصر، وقال: لولا أني أشمت بك بكر بن وائل لقتلتك.
    وقيل: أصابوا عمرو بن مسلم في طاحونة، فأتوا به نصرًا في عنقه حبل، فآمنه نصر، وقال له ولزياد بن طريف والبختري بن درهم: الحقوا بأميركم.
    وقيل: بل التقى نصر وعمرو بالبروقان، فقتل من بكر بن وائل واليمن ثلاثون، فقالت بكر: علام نقاتل إخواننا وأميرنا، وقد تقرّبنا إلى هذا الرجل فأنكر قرابتنا! فاعتزلوا. وقاتلت الأزد، ثم انهموا ودخلوا حصنًا فحصرهم نصر، ثم أخذ عمرو بن مسلم والبختري أحد بني عباد وزياد بن طريف الباهلي، فضربهم نصر مائة مائة، وحلق رءوسهم ولحاهم، وألبسهم المسوح. وقيل: أخذ البختري في غيضة كان دخلها، فقال نصر في يوم البروقان:
    أرى العين لجت في ابتدارٍ وما الذي ** يرد عليها بالدموع ابتدارها!
    فما أنا بالواني إذا الحرب شمرت ** تحرق في شطر الخميسين نارها
    ولكنّني أدعو لها خندف التي ** تطلع بالعبء الثقيل فقارها
    وما حفظت بكر هنالك حلفها ** فصار عليها عار قيس وعارها
    فإن تك بكر بالعراق تنزرت ** ففي أرض مرو علها وازورارها
    وقد جربت يوم البروقان وقعة ** لخندف إذ حانت وآن بوارها
    أتتني لقيس في بجيلة وقعة ** وقد كان قبل اليوم طال انتظارها
    يعني حين أخذ يوسف بن عمر خالدًا وعياله.


  • #6
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وذكر علي بن محمد أن الوليد بن مسلم قال: قاتل عمرو بن مسلم نصر بن سيار فهزمه عمرو، فقال لرجل من بني تميم كان معه: كيف ترى أستاه قومك يا أخا بني تميم؟ يعيره بهزيمتهم، ثم كرت تميم فهموا أصحاب عمرو، فانجلى الرهج وبلعاء بن مجاهد في جمع من بني تميم يشلهم، فقال التميمي لعمرو: هذه أستاه قومي. قال: وانهزم عمرو، فقال بلعاء لأصحابه: لا تقتلوا الأسرى ولكن جردوهم، وجوبوا سراويلاتهم عن أدبارهم، ففعلوا، فقال بيان العنبري يذكر حربهم بالبروقان:
    أتاني ورحلي بالمدينة وقعة ** لآل تميم أرجفت كل مرجف
    تظل عيون البرش بكر بن وائل ** إذا ذكرت قتلى البروقان تذرف
    هم أسلموا للموت عمرو بن مسلم ** وولوا شلالًا والأسنة ترعف
    وكانت من الفتيان في الحرب عادة ** ولم يصبروا عند القنا المتقصف
    خبر غزو مسلم بن سعيد الترك

    وفي هذه السنة غزا مسلم بن سعيد الترك؛ فورد عليه عزله من خراسان من خالد بن عبد الله، وقد قطع النهر لحربهم وولاية أسد بن عبد الله عليها.
    ذكر الخبر عن غزوة مسلم بن سعيد هذه الغزوة
    ذكر علي بن محمد عن أشياخه أنّ مسلمًا غزا في هذه السنة، فخطب الناس في ميدان يزيد، وقال: ما أخلف بعدي شيئًا أهمّ عندي من قوم يتخلفون بعدي مخلّقي الرقاب، يتواثبون الجدران على نساء المجاهدين؛ اللهم افعل بهم وافعل! وقد أمرت نصرًا ألّا يجد متخلّفًا إلا قتله، وما أرثى لهم من عذاب ينزله الله بهم - يعني عمر بن مسلم وأصحابه - فلما صار ببخارى أتاه كتاب من خالد بن عبد الله القسري بولايته على العراق، وكتب إليه: أتمم غزاتك. فسار إلى فرغانة، فقال أبو الضحاك الرَّواحي - أحد بني رواحة من بني عبس، وعداده في الأزد، وكان ينظر في الحساب: ليس على متخلف العم معصية، فتخلف أربعة آلاف. وسار مسلم بن سعيد، فلما صار بفرغانة بلغه أن خاقان قد أقبل إليه، وأتاه شميل - أو شبيل - بن عبد الرحمن المازني، فقال: عاينت عسكر خاقان في موضع كذا وكذا، فأرسل إلى عبد الله بن أبي عبد الله الكرماني مولى بني سليم، فأمره بالاستعداد للمسير، فلما أصبح ارتحل بالعسكر، فسار ثلاث مراحل في اليوم؛ ثم سار من غد حتى قطع وادي السبّوح، فأقبل إليهم خاقان، وتوافت إليه الخيل؛ فأنزل عبد الله بن أبي عبد الله قومًا من العفراء والموالي، فأغار الترك على الذين أنزلهم عبد الله ذلك الموضع فقتلوهم، وأصابوا دوابّ لمسلم وقتل المسّيب بن بسر الريّاحي، وقتل البراء - وكان من فرسان المهلّب - وقتل أخو غوزك، وثار الناس في وجوههم، فاخرجوهم من العسكر، ودفع مسلم لواءه إلى عامر بن مالك الحمَّاني، ورحل بالناس فساروا ثمانية أيام، وهم مطيفون بهم؛ فلما كانت الليلة التاسعة أراد النزول، فشاور الناس فأشاروا عليه بالنزول، وقالوا: إذا أصبحنا وردنا الماء، والماء منا غير بعيد؛ وإنك إن نزلت المرج تفرّق الناس في الثمار، وانتهب عسكرك، فقال لسورة بن الحرّ: يا أبا العلاء، ما ترى؟ قال: أرى ما رأى الناس ونزلوا. قال: ولم يرفع بناء في العسكر، وأحرق الناس ما ثقل من الآنية والأمتعة، فحّرقوا قيمة ألف ألف، وأصبح الناس فساروا، فوردوا الماء فإذا دون النهر أهل فرغانة والشاش، فقال مسلم بن سعيد: أعزم على كلّ رجل إلا اخترط سيفه؛ ففعلوا فصارت الدنيا كلها سيوفًا، فتركوا الماء وعبروا، فأقام يومًا، ثم قطع من غدٍ، وأتبعهم ابن الخاقان. قال: فأرسل حميد بن عبد الله وهو على الساقة إلى مسلم: قف ساعةً فإن خلفي مائتي رجل من الترك حتى أقاتلهم - وهو مثقلٌ جراحةً - فوقف الناس، فعطف على الترك، فأرسل أهل السُّغد وقائدهم وقائد الترك في سبعة، وانصرف البقيّة، ومضى حميد ورمى بنشّابه في ركبته، فمات.
    وعطش الناس، وقد كان عبد الرحمن بن نعيم العامري حمل عشرين قربة على إبله، فلما رأى جهد الناس أخرجها، فشربوا جرعًا، واستسقى يوم العطش مسلم بن سعيد فأتوه بإناء، فأخذ جابر - أو حارثة - بن كثير أخو سليمان بن كثير من فيه، فقال مسلم: دعوه، فما نازعني شربتي إلا من حرّ دخله، فأتوا خجندة، وقد أصابتهم مجاعة وجهد، فانتشر الناس فإذا فارسان يسألان عن عبد الرحمن بن نعيم، فأتياه بعهد على خراسان من أسد بن عبد الله، فأقرأه عبد الرحمن مسلمًا، فقال: سمعًا وطاعة، قال: وكان عبد الرحمن أول من اتخذ الخيام في مفازة آمل.
    قال: وكان أعظم الناس غنى يوم العطش إسحاق بن محمد الغداني، فقال حاجب الفيل لثابت قطنة، وهو ثابت بن كعب:
    نقضي الأمور وبكر غير شاهدها ** بين المجاذيف والسُّكان مشغول
    ما يعرف الناس منه غير قطنته ** وما سواها من الآباء مجهول
    وكان لعبد الرحمن بن نعيم من الولد نعيم وشديد وعبد السلام وإبراهيم والمقداد، وكان أشدهم نعيم وشديد، فما عزل مسلم بن سعيد، قال الخرزج التغلبي: قاتلنا الترك، فأحاطوا بالمسلمين حتى أيقنوا بالهلاك؛ فنظرت إليهم وقد اصفرت وجوههم، فحمل حوثرة بن يزيد بن الحرّ بن الحنيف بن نصر بن يزيد بن جعونة على الترك في أربعة آلاف، فقاتلهم ساعة ثم رجع، وأقبل نصر بن يسار في ثلاثين فارسًا، فقاتلهم حتى أزالهم عن مواضعهم، وحمل الناس عليهم؛ فانهزم الترك.
    قال: وحوثرة هذا هو ابن أخي رقبة بن الحرّ. قال: وكان عمر بن هبيرة قال لمسلم بن سعيد حين ولّاه خراسان: ليكن حاجبك من صالح مواليك، فإنه لسانك والمعبر عنك، وحثّ صاحب شرطتك على الأمانة، وعليك بعمال العذر. قال: وما عمال العذر؟ قال مر أهل كل بلد أن يختاروا لأنفسهم، فإذا اختاروا رجلً فولّه، فإن كان خيرًا لك، وإن كان شرًا كان لهم دونك؛ وكنت معذورًا.
    قال: كان مسلم بن سعيد كتب إلى عامله بالبصرة: احمل إلى توبة بن أبي أسيد، مولى بني العنبير فكتب ابن هبيرة إلى عامله في البصرة: احمل إلى توبة بن أسيد، فحمله فقدم - وكان رجلًا جميلًا جهيرًا له سمتٌ - فلما دخل على ابن هبيرة، قال ابن هبيرة: مثل هذا فليولّ، ووجه به إلى مسلم، فقال له مسلم: هذا خاتمي فاعمل برأيك؛ فلم يزل معه حتى قدم أسد بن عبد الله، فأراد توبه أن يشخص مع مسلم، فقال له أسد: أقم معي فأنا أحوج إليك من مسلم. فأقام معه، فأحسن الناس وألان جانبه، وأحسن إلى الجند وأعطاهم أرزاقهم، فقال له أسد: حلفّهم بالطلاق فلا يختلف أحد عن مغزاه، ولا يدخل بديلًا، فأبى ذلك توبة فلم يحلفهم بالطلاق.
    قال: وكان الناس بعد توبة يحلفون الجند بتلك الأيمان، فلما قدم عاصم ابن عبد الله أراد أن يحلّف الناس بالطلاق فأبوا، وقالوا: نحلف بأيمان توبة. قال: فهم يعرفون ذلك، يقولون: أيمان توبة.
    حج هشام بن عبد الملك

    وحجّ بالناس في هذه السنه هشام بن عبد الملك؛ حدثني بذلك أحمد ابن ثابت عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي وغيرة، لا خلاف بينهم في ذلك. قال الواقدي: حدثني ابن أبي الزنّاد، عن أبيه، قال: كتب إلي هشام بن عبد الملك قبل أن يدخل المدينة أن اكتب لي سنن الحج، فكتبتها له، وتلقاه أبو الزنّاد. قال أبو الزنّاد: فإني يومئذ في الموكب خلفه، وقد لقيه سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان، وهشام يسير، فنزل له، فسلم عليه، ثم سار إلى جنبه، فصاح هشام: أبو الزناد! فتقدّمت، فسرت إلى جنبه الآخر، فأسمع سعيدًا يقول: يا أمير المؤمنين، إن الله لم يزل ينعم على أهل بيت أمير المؤمنين، وينصر خليفته المظلوم، ولم يزالوا يلعنون في هذه المواطن الصالحة أبا تراب، فأمير المؤمنين ينبغي له أن يلعنه في هذه المواطن الصالحة؛ قال: فشق على هشام، وثقل عليه كلامه، ثم قال: ما قدمنا لشتم أحد ولا للعنه، قدمنا حجاجًا. ثم قطع كلامه وأقبل علي فقال: يا عبد الله بن ذكوان، فرغت مما كتبت إليك؟ فقلت: نعم، فقال أبو الزنّاد: وثقل على سعيد ما حضرته يتكلم به عند هشام، فرأيته منكسرًا كلما رآني.
    وفي هذه السنة كلم إبراهيم بن محمد بن طلحة هشام بن عبد الملك - وهشام واقف قد صلى في الحجر - فقال له: أسألك بالله وبحرمة هذا البيت والبلد الذي خرجت معظمًا لحقه، إلا رددت على ظلامتي! قال: أي ظلامة؟ قال: داري، قال: فأين كنت عن أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: ظلمني والله، قال: فعن الوليد بن عبد الملك؟ قال: ظلمني والله قال: فعن سليمان؟ قال: فعن عمر بن عبد العزيز؟ قال يرحمه الله، ردّها والله علي، قال: فعن يزيد بن عبد الملك؟ قال ظلمني والله، هو قبضها مني بعد قبضي له، وهي في يديك. قال هشام: أما والله لو كان فيك ضربٌ لضربتك، فقال إبراهيم: في والله ضرب بالسيف والسوط.
    فانصرف هشام والأبرش خلفه فقال: أبا مجاشع، كيف سمعت هذا اللسان؟ قال: ما أجود هذا اللسان! قال: هذه قريش وألسنتها، ولايزال في الناس بقايا ما رأيت مثل هذا.
    وفي هذه السنة قدم خالد بن عبد الله القسري أميرًا على العراق.
    ولاية أسد بن عبد الله القسري على خراسان

    وفيها استعمل خالد أخاه أسد بن عبد الله أميرًا على خراسان، فقدمها ومسلم بن سعيد غازٍ بفرغانة، فذكر عن أسد أنه لما أتى النهر ليقطع، منعه الأشهب بن عبيد التميمي أحد بني غالب، وكان على السفن بآمل، فقال له أسد: أقطعني، فقال: لا سبيل إلى إقطاعك؛ لأني نهيت عن ذلك، قال: لاطفوه وأطمعوه فأبى؛ قال فإني الأمير، ففعل، فقال أسد: اعرفوا هذا حتى نشركه في أمانتنا، فقطع النهر، فأتى السُّغد، فنزل مرجها، وعلى خراج سمرقند هانئ بن هانئ، فخرج في الناس يتلقى أسدًا، فأتوه بالمرج، وهو جالس على حجر، فتفائل الناس، فقالوا أسد على حجر! ما عند هذا خير. فقال له هانئ: أقدمت أميرًا فنفعل بك ما نفعل بالأمراء؟ قال: نعم ثم دعا بالغداء فتغدى بالمرج، وقال: من ينشط بالمسير وله أربعة عشر درهمًا - ويقال: قال ثلاثة عشر درهمًا - وها هي ذي في كمي؟ وإنه لبيكي ويقول: إنما أنا رجل مثلكم وركب فدخل سمرقند وبعث رجلين معهما عهد عبد الرحمن بن نعيم على الجند، فقدم الرجلان على عبد الرحمن بن نعيم، وهو في وادي أفشين على الساقة - وكانت الساقة على أهل سمرقند الموالى وأهل الكوفة - فسألا عن عبد الرحمن فقالوا: هو في الساقة، فأتياة بعهد وكتاب بالقفل والإذن لهم فيه، فقرأ الكتاب. ثم أتى به مسلمًا وبعهده، فقال مسلم: سمعًا وطاعة، فقام عمر بن هلال السدوسي - ويقال التميمي - فقنّعه سوطين لما كان منه بالروقان إلى بكر بن وائل، وشتمه حسين بن عثمان بن بشر بن المحتفز، فغضب عبد الرحمن بن نعيم، فزجوهما ثم أغلظ لهما، وأمر بهما فدفعا، وقفل بالناس وشخص معه مسلم.
    فذكر علي بن محمد على أصحابه، أنهم قدموا على أسد، وهو بسمرقند، فشخص أسد إلى مرو، وعزل هانئًا، واستعمل على سمرقند الحسن بن أبي العمرّطة الكندي من ولد آكل المرار. قال: فقدمت على الحسن امرأته الجنوب ابنة القعقاع بن الأعلم رأس الأزد، ويعقوب بن القعقاع قاضي خراسان؛ فخرج يتلقاها، وغزاهم الترك، فقيل له: هؤلاء الترك قد أتوك - وكانوا سبعة آلاف - فقال: ما أتونا بل أتيناهم وغلبناهم على بلادهم واستعبدناهم، وايم الله مع هذا لأدنينّكم منهم، ولأقرننّ نواصي خيلكم بنواصي خيلهم.
    قال ثم خرج فتباطأ حتى أغاروا وانصرفوا، فقال الناس: خرج إلى امرأته يتلقاها مسرعًا وخرج إلى العدّو متباطئًا. فبلغه خطبهم، فقال: تقولون وتعيبون! اللهمَّ اقطع آثارهم وعجّل أقدارهم، وأنزل بهم الضراء وارفع عنهم السراء! فشتمه الناس في أنفسهم.
    وكان خليفته حين خرج إلى الترك ثابت قطنة، فخطب الناس فحصر فقال: من يطع الله ورسوله فقد ضلّ، وأرتج عليه، فلم ينطق بكلمة، فلما نزل عن المنبر قال:
    إن لم أكن فيكم خطبيًا فإنني ** بسيفي إذا جدَّ الوغى لخطيب
    فقيل له: لو قلت هذا على المنبر، لكنت خطبيًا، فقال حاجب الفيل اليشكري يعيره حصره:
    أبا العلاء للقد لاقيت معضلةً ** يوم العروبة من كرب وتخنيق
    تلوى اللسان إذا رمت الكلام به ** كما هوى زلق من شاهق النِّيق
    لما رمتك عيون الناس ضاحيةً ** أنشأت تجرض لما قمت بالرِّيق
    أمَّا القران فلا تهدى لمحكمةٍ ** من القران ولا تهدى لتوفيق
    وفي هذه السنة ولد عبد الصمد بن علي في رجب.
    وكان العمل على المدينة ومكة والطائف في هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي. وعلى العراق وخراسان خالد بن عبد الله القسري، وعامل خالد على صلاة البصرة عقبة بن عبد الأعلى، وعلى شرطتها مالك بن المنذربن الجارود، وعلى قضائها ثمامة بن عبد الله بن أنس، وعلى خراسان أسد بن عبد الله.


  • #7
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم دخلت سنة سبع ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فمن ذلك ما كان من عباد الرُّعيني باليمن محكِّمًا، فقتله يوسف ابن عمر، وقتل معه أصحابه كلهم وكانوا ثلثمائة.
    وفيها غزا الصائفة معاوية بن هشام، وعلى جيش الشام ميمون بن مهران، فقطع البحر حتى عبر إلى قبرس، وخرج معهم البعث الذي هشام كان أمر به في حجته سنة سبع على الجعائل، غزا منهم نصفهم وقام النصف. وغزا البر مسلمة بن عبد الملك.
    وفيها وقع بالشأم طاعون شديد.
    وفيها وجّه بكير بن ماهان أبا عكرمة وأبا محمد الصادق ومحمد بن خنيس وعمار العبادي في عدة من شيعتهم، معهم زياد خال الوليد الأزرق دعاة إلى خراسان، فجاء رجل من كندة إلى أسد بن عبد الله، فوشى بهم إليه، فأتى بأبي عكرمة ومحمد بن خنيس وعامت أصحابه، ونجا عمار، فقطع أسد أيدي من ظفر به منهم وأرجلهم، وصلبهم. فأقبل عمار إلى بكير بن ماهان، فأخبره الخبر، فكتب به إلى محمد بن علي، فأجابه: الحمد لله الذي صدق مقالتكم ودعوتكم، وقد بقيت منكم قتلى ستقتل.
    وفي هذه السنة حمل مسلم بن سعيد إلى خالد بن عبد الله، وكان أسد ابن عبد الله له مكرمًا بخراسان لم يعرض له ولم يحبسه، فقدم مسلم وابن هبيرة مجمع على الهرب، فنهاه عن ذلك مسلم، وقال له: إن القوم فينا أحسن رأيًا منكم فيهم.
    وفي هذه السنة غزا أسد جبال نمرون ملك الغرشستان ممايلي جبال الطالقان، فصالحه نمرون وأسلم على يديه، فهم اليوم يتولون اليمن.
    غزوة الغور

    وفيها غزا أسد الغور وهي جبال هراة.
    ذكر الخبر عن غزوة أسد هذه الغزوة
    ذكر علي بن محمد عن أشياخه أن أسدًا غزا الغور، فعمد أهلها إلى أثقالهم فصيروها في كهف ليس إليه طريق، فأمر أسد باتّخاذ توابيت ووضع فيها الرجال، ودلّاها بالسلاسل، فاستخرجوا ما قدروا عليه، فقال ثابت قطنة:
    أرى أسدًا تضمن مفظعاتٍ ** تهيبها الملوك ذوو الحجاب
    سما بالخيل في أكناف مرو ** وتوفزهن بين هلا وهاب
    إلى غورين حيث حوى أزبٌّ ** وصكٌّ بالسيوف وبالحراب
    هدانا الله بالقتلى تراها ** مصلبةًبأفواه الِّشعاب
    ملاحم لم تدع لسراة كلبٍ ** مهترةً ولا لبنى كلاب
    فأوردها النِّهاب وآب منها ** بأفضل ما يصاب من النهاب
    وكان إذا أناخ بدارقوم ** أراها المخزيات من العذاب
    ألم يزر الجبال جبال ملغ ** ترى من دونها قطع السَّحاب
    بأرعن لم يدع لهم شريدًا ** وعاقبها الممض من العقاب
    وملع من جبال خوط فيها تعمل الحزم الملعيّة.
    وفي هذه اللسنة نقل أسد من كان بالبروقان من الجند إلى بلخ، فأقطع كل من كان له بالبروقان مسكنٌ مسكنًا بقدر مسكنه، ومن لم يكن له مسكن أقطعه مسكنًا، وأراد أن ينزلهم على الأخماس، فقيل له: إنهم يتعصبون، فخلط بينهم، وكان قسم لعمارة مدينة بلخ الفعله على كل كورة على قدر خراجها، وولِّى بناء مدينة بلخ برمك أبا خالد بن برمك، - وكان البروقان منزل الأمراء ويبن البروقان ويبن بلخ فرسخان وبين المدينة والنوبهار قدر غلوتين - فقال أبو البريد في بنيان أسد مدينة بلخ:
    شفعت فؤادك فالهوى لك شاعف ** رئم على طفل بحوامل عاطف
    ترعى البرير بجانبي متهدِّلٍ ** ريَّن لا يعشو إليه آلف
    بمحاضرٍ من منحني عطفت له ** بقرٌ ترجح زانهنَّ روادف
    إن المباركة التي أحصنتها ** عصم الذلِّيل بها وقرَّ الخائف
    فأراك فيها ما أرى من صالح ** فتحًا وأبواب السماء رواعف
    فمضى لك الاسم الذي يرضى به ** عنك البصير بما نويت اللَّاطف
    يا خير ملك ساس أمر رعيَّة ** إني على صدق اليمين لحالف
    الله آمنها بصنعك بعدما ** كانت قلوب خوفهنّ رواجف
    وحجّ بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام، حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر. وكذلك قال الواقدي وهشام وغيرهما.
    وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها الذين ذكرناهم قبل في سنة ست ومائة.
    ثم دخلت سنة ثمان ومائة

    ذكر ما كان فيها من الأحداث

    ففيها كانت غزوة مسلمة بن عبد الملك حتى بلغ قيساريّة، مدينة الروم ممايلي الجزيرة، ففتحها الله على يديه.
    وفيها أيضًا غزا إبراهيم بن هشام ففتح أيضًا حصنًا من حصون الروم.
    وفيها وجّه بكير بن ماهان إلى خراسان عدّة؛ فيهم عمّار العبادي؛ فوشى بهم رجل إلى أسد بن عبد الله، فأخذ عمارًا فقطع يديه ورجليه ونجا أصحابه، فقدموا على بكير بن ماهان فأخبروه الخبر، فكتب بذلك إلى محمد بن علي، فكتب إليه في جواب الكتاب: الحمد لله الذي صدّق دعوتكم ونجّى شيعتكم.
    وفيها كان الحريق بدابق؛ فذكر محمد بن عمر أنّ عبد الله بن نافع حدثه عن أبيه، قال: احترق المرعى حتى احترق الدواب والرجال.
    غزو الختل

    وفيها غزا أسد بن عبد الله الختّل؛ فذكر عن علي بن محمد أن خاقان أتى أسدًا وقد انصرف إلى القواديان، وقطع النهر، ولم يكن بينهم قتال في تلك الغزاة. وذكر عن أبي عبيدة، أنه قال: بل هزموا أسدًا وفضحوه؛ فتغنى عليه الصبيان:
    أز ختلان آمذي ** برو تباه آمذي
    قال: وكان السبل محاربًا له، فاستجلب خاقان، وكان أسد قد أظهر أنه يشتو بسرخ دره، فأمر أسد الناس فارتحلوا، ووجه راياته، وسار في ليلة مظلمة إلى سرخ دره، فكبر الناس، فقال أسد: ما للناس؟ قالوا: هذه علامتهم إذا قفلوا، فقال لعروة المنادي: ناد إن الأمير يريد غورين؛ ومضى وأقبل خاقان حين انصرفوا إلى غورين النهر فقطع النهر، فلم يلتق هو ولا هم، ورجع إلى بلخ، فقال الشاعر في ذلك يمدح أسد بن عبد الله:
    ندبت لي من كل خمس ألفين ** من كل لحاف عريض الدفين
    قال: ومضى المسلمون إلى الغوريان فقاتلوهم يومًا، وصبروا لهم، وبرز رجل من المشركين، فوقف أمام أصحابه وركز رمحه، وقد أعلم بعصابة خضراء - وسلم بن أحوز واقف مع نصر بن سيّار - فقال سلم لنصر: قد عرفت رأى أسد، وأنا حامل على هذا العلج؛ فلعلي أن أقتله فيرضى. فقال: شأنك، فحمل عليه، فما اختلج رمحه حتى غشيه سلم فطعنه، فإذا هو بين يدي فرسه، ففحص برجله، فرجع سلم فوقف، فقال لنصر: أنا حامل حملة أخرى؛ فحمل حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من العدوّ، فاختلفا ضربتين، فقتله سلم، فرجع سلم جريحًا، فقال نصر لسلم: قف لي حتى أحمل عليهم، فحمل حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من العدوّ، فاختلفا ضربتين، فقتله سلم، فرجع سلم جريحًا، فقال نصر لسلم: قف لي حتى أحمل عليهم، فحمل حتى خالط العدو، فصرع رجلين ورجع جريحًا، فوقف فقال: أترى ما صنعنا يرضيه؟ لا أرضاه الله! فقال: لا والله فيما أظنّ. وأتاهما رسول أسد فقال: يقول لكما الأمير: قد رأيت موقفكما منذ اليوم وقلة غنائكما عن المسلمين لعنكما الله! فقالا: آمين إن عدنا لمثل هذا. وتحاجزوا يومئذ، ثم عادوا من الغد فلم يلبث المشركون أن انهزموا، وحوى المسلمون عسكرهم، وظهروا على البلاد فأسروا وسبوا وغنموا، وقال بعضهم رجع أسد في سنة ثمان ومائة مفلولا من الختل، فقال أهل خراسان:


  • #8
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    أز ختّلان آمذي برو تباه آمذي ** بيدل فراز آمذي
    قال: وكان أصاب الجند في غزاة الختل جوع شديد، فبعث أسد بكبشين مع غلام له، وقال: لا تبعهما بأقل من خمسمائة، فلما مضى الغلام، قال أسد: لا يشتريهما إلا ابن الشخير، وكان في المسلحة، فدخل ابن الشخير حين أمسى، فوجد الشاتين في السوق، فاشتراهما بخمسمائة، فذبح إحداهما وبعث بالأخرى إلى بعض إخوانه، فلما رجع الغلام إلى أسد أخبره بالقصة، فبعث إليه أسد بألف درهم.
    قال: وابن الشخير هو عثمان بن عبد الله بن الشخير، أخو مطرّف بن عبد الله بن الشخير الحرشي.
    وحجّ بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام وهو على المدينة ومكة والطائف. حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال محمد بن عمر الواقدي.
    وكان العمال في هذه السنة على الأمصار في اللاة والحروب والقضاء هم العمال الذين كانوا في السنة التي قبلها، وقد ذكرناهم قبل.
    ثم دخلت سنة تسع ومائة

    ذكر الأحداث التي كانت فيها

    فممّا كان فيها من ذلك غزوة عبد الله بن عقبة بن نافع الفهري على جيش في البحر وغزوة معاوية بن هشام أرض الروم، ففتح حصنًا بها يقال له طيبة، وأصيب معه قوم من أهل أنطاكية.
    خبر مقتل عمر بن يزيد الأسيدي

    وفيها قتل عمر بن يزيد الأسيدي؛ قتله مالك بن المنذر بن الجارود.
    ذكر الخبر عن ذلك
    وكان سبب ذلك - فيما ذكر - أن خالد بن عبد الله شهد عمر بن يزيد أيام حرب يزيد بن المهلب، فأعجب به يزيد بن عبد الملك، وقال: هذا رجل العراق، فغاظ ذلك خالدًا، فأمر مالك بن المنذر وهو على شرطة البصرة أن يعظّم عمر بن يزيد، ولا يعصى له أمرًا حتى يعرّفه الناس، ثم أقبل يعتلّ عليه حتى يقتله، ففعل ذلك، فذكر يومًا عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، فافترى عليه مالك، فقال له عمر بن يزيد: تفتري على مثل عبد الأعلى! فأغلظ له مالك، فضربه بالسياط حتى قتله.
    غزو غورين

    وفيها غزا أسد بن عبد الله غورين، وقال ثابت قطنة:
    أرى أسدًا في الحرب إذ نزلت به ** وقارع أهل الحرب فاز وأوجبا
    تناول أرض السبل، خاقان ردؤه ** فحرق ما استعصى عليه وخربا
    أتتك وفود الترك ما بين كابل ** وغورين إذ لم يهربوا منك مهربا
    فما يغمر الأعداء من ليث غابة ** أبي ضاريات حرشوه فعقبا
    أزبّ كأنّ الورس فوق ذراعه ** كريه المحيا قد أسن وجربا
    ألم يك في الحصن المبارك عصمة ** لجندك إذ هاب الجبان وأرهبا!
    بنى لك عبد الله حسنًا ورثته ** قديمًا إذا عد القديم وأنجبا
    وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله عن خراسان وصرف أخاه أسدًا عنها.
    ذكر الخبر عن عزل هشام خالدا وأخاه عن خراسان

    وكان سبب ذلك أن أسدًا أخا خالد تعصب حتى أفسد الناس، فقال أبو البريد - فيما ذكر علي بن محمد لبعض الأزد: أدخلني علي ابن عمك عبد الرحمن ابن صبح، وأوصه بي، وأخبره عني، فأدخله عليه - وهو عامل لأسد على بلخ - فقال: أصلح الله الأمير! هذا أبو البريد البكري أخونا وناصرنا، وهو شاعر أهل المشرق، وهو الذي يقول:
    إن تنقض الأزد حلفًا كان أكده ** في سالف الدهر عباد ومسعود
    ومالك وسويد أكداه معًا ** لما تجرد فيها أي تجريد
    حتى تنادوا أتاك الله ضاحية ** وفي الجلود من الإيقاع نقصيد
    قال: فجذب أبو البريد يده، وقال: لعنك الله من شفيع كذب! أصلحك الله! ولكني الذي أقول:
    الأزد إخوتنا وهم حلفاؤنا ** ما بيننا نكث ولا تبديل
    قال: صدقت، وضحك. وأبو البريد من بني علباء بن شيبان بن ذهل ابن ثعلبة.
    قال: وتعصب على نصر بن سيار ونفر معه من مضر، فضربهم بالسياط، وخطب في يوم جمعة فقال في خطبته: قبح الله هذه الوجوه! وجوه أهل الشقاق والنفاق، والغب والفساد. اللهم فرّق بيني وبينهم، وأخرجني إلى مهاجري ووطني، وقلّ من يروم ما قبلي أو يترمرم، وأمير المؤمنين خالي، وخالد بن عبد الله أخي، ومعي اثنا عشر ألف سيف يمان.
    ثم نزل عن منبره، فلما صلى ودخل عليه الناس، وأخذوا مجالسهم، أخرج كتابًا من تحت فراشه، فقرأه على الناس، فيه ذكر نصر بن سيار وعبد الرحمن بن نعيم الغامدي وسورة بن الحرّ الأباني - أبان بن دارم - والبختري بن أبي درهم من بني الحارث بن عبّاد، فدعاهم فأنّبهم، فأزم القوم، فلم يتكلم منهم أحد، فتكلم سورة، فذكر حاله وطاعته ومناصحته، وأنه ليس ينبغي له أن يقبل قول عدوّ مبطل، وأن يجمع بينهم وبين من قرفهم بالباطل. فلم يقبل قوله، وأمر بهم فجردوا، فضرب عبد الرحمن بن نعيم، فإذا رجل عظيم البطن، أرسح؛ فلما ضرب التوى، وجعل سراويله يزلّ عن موضعه، فقام رجل من أهل بيته، فأخذ رداءًا له فيؤززره. فأومى إليه أن افعل، فدنا منه فأزّره - ويقال بل أزّره أبو نميلة - وقال له: اتزر أبا زهير، فإن الأمير والٍ مؤدب. ويقال: بل ضربهم في نواحي مجلسه.
    فلما فرغ قال: أين تيس بني حمان؟ - وهو يريد ضربه؛ وقد كان ضربه قبل - فقال: هذا تيس بني حمان؛ وهو قريب العهد بعقوبة الأمير، وهو عامر بن مالك بن مسلمة بن يزيد بن حجر بن خيسق بن حمسان بن كعب بن سعد. وقيل إنه خلفهم بعد الضرب، ودفعهم إلى عبد ربه بن أبي صالح مولى بني سليم - وكان من الحرس - وعيسى بن أبي يريق، ووجههم إلى خالد، وكتب إليه: إنهم أرادوا الوثوب عليه؛ فكان ابن أبي بريق كلما نبت شعر أحدههم حلقه، وكان البختري بن أبي درهم، يقول: لوددت أنه ضربني وهذا شهرًا - يعني نصر بن سيار لما كان بينهما بالبروقان - فأرسل بنو تميم إلى نصر: إن شئتم انتزعناكم من أيديهم، فكفهم نصر، فلما قدم بهم على خالد لام أسدًا وعنفه، وقال: ألا بعثت برءوسهم! فقال عرفجة التميمي:
    فكيف وأنصار الخليفة كلهم ** عناة وأعداء الخليفة تطلق!
    بكيت ولم أملك دموعي وحق لي ** ونصر شهاب الحرب في الغل موثق
    وقال نصر:
    بعثت بالعتاب في غير ذنب ** في كتاب تلوم أم تميم
    إن أكن موثقًا أسيرًا لديهم ** في هموم وكربة وسهوم
    رهن قسر فما وجدت بلاء ** كإسار الكرام عند اللئيم
    أبلغ المدعين قسرًا وقسر ** أهل عود القناة ذات الوصوم
    هل فطمتم عن الخيانة والغد ** ر أم أنتم كالحاكر المستديم؟
    وقال الفرزدق:
    أخالد لولا الله لم تعط طاعة ** ولولا بنو مروان لم توثقوا نصرا
    إذًا للقيتم دون شد وثاقه ** بني الحرب لا كشف اللقاء ولا ضجرا
    وخطب أسد بن عبد الله على منبر بلخ، فقال في خطبته: يا أهل بلخ، لقيتموني الزاغ والله لأزيغن قلوبكم.
    فلما تعصب أسد وأفسد الناس بالعصبية، كتب هشام إلى خالد بن عبد الله: اعزل أخاك، فعزله فاستأذن له في الحجّ، فقفل أسد إلى العراق ومعه دهاقين خراسان، في شهر رمضان سنة تسع ومائة، واستخلف أسد على خراسان الحكم بن عوانة الكلبي، فأقام الحكم صيفية، فلم يغز.
    ذكر الخبر عن دعاة بني العباس

    وذكر علي بن محمد أنّ أوّل من قدم خراسان من دعاة بني العباس زياد أبو محمد مولى همدان في ولاية أسد بن عبد الله الأولى، بعثه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وقال له: ادع الناس إلينا وانزل في اليمن، والطف بمضر. ونهاه عن رجل من أبرشهر، يقال له غالب؛ لأنه كان مفرطًا في حب بني فاطمة.
    ويقال: أوّل من جاء أهل خراسان بكتاب محمد بن علي حرب بن عثمان، مولى بني قيس بن ثعلبة من أهل بلخ.

  • صفحة 2 من 21 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1