وقال أبو حازم: بيني وبين الملوك يوم واحد، أما أمسفلا يجدون لذته ولا أجد شدته، وأما غد فإني وإياهم منه على خطر، وما هو إلا اليومفما عسى أن يكون.
خطبة لقطري بن الفجاءة في ذم الدنيا والتحذير منها
أما بعد. فإني أحذركمالدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفت بالشهوات، وراقت بالقليل وتحببت بالعاجلة، وحليتبالآمال، وتزينت بالغرور. لا تدوم نصرتها، ولا تؤمن فجعتها. غرارة، ضرارة، وخاتلة،زائلة ونافذة، بائدة، أكالة، غوالة. لا تعدو إذ تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيهاوالرضا عنها أن تكون كما قال الله تعالى " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نباتالأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً " مع أن أمراً لميكن منها في حبرة، لغا أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق من سرائها بطناً، إلا منحته منضرائها ظهراً. ولم تصله غيثة رخاء، إلا هطلت عليه مزنة بلاء. وحرية إذا أصبحت لهمنتصرة أن تمسي له خاذلة متنكرة. وأي جانب منها اعذوذب واحلولى، أمر عليه منها جانبوأوبا. فإن آتت امرأ من غصونها ورقاً أرهقته من نوائبها تعبا. ولم يمس منها امرؤ فيجناح أمن إلا أصبح منها على قوادم خوف، غرارة: غرور ما فيها؛ فانية: فان من عليها،لا خير في شيء من زادها إلا التقوى. من أقل منها استكثر مما يؤمنه. ومن استكثرمنها، استكثر مما يوبقه ويطيل حزنه، ويبكي عينه. كم واثق بها قد فجعته، وذي حكمثنته إليها قد صرعته، وذي احتيال فيها قد خدعته. وكم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيراً،وذي نخوة قد ردته ذليلاً. ومن ذي تاج قد كبته لليدين والفم. سلطانها دول. وعيشهارنق، وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام. قطافها سلع. حيها بعرضموت، وصحيحها بعرض سقم. منيعها بعرض اهتضام. وملكها مسلوب، وعزيزها مغلوب. وسليمهامنكوب، وجارها محروب. مع أن وراء ذلك سكرات الموت، وهول المطلع، والوقوف بين يديالحكم العدل " ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " . ألستمفي مساكن من كان قبلكم أطول منكم أعماراً، وأوضح منكم آثاراً، وأعد عديداً، وأكثفجنوداً، وأشد عتوداً. تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار، وظعنوا عنها بالكرهوالصغار. فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم نفساً بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهمبخطب بل أرهقتهم بالقوادح، وضعضعتهم بالنوائب، وعقرتهم بالفجائع. وقد رأيتم تنكرهالمن رادها وآثرها وأخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق إلى الأبد إلى آخر الأمد. هلزودتهم إلا السغب؟ وأحلتهم إلا الضنك، أو نورت لهم إلا الظلمة، أو أعقبتهم إلاالندامة؟ أفهذه تؤثرون أم على هذه تحرصون أم إليها تطمئنون؟ يقول الله جل ذكره " منكان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون " بئستالدار لمن أقام فيها! فاعلموا إذ أنتم تعلمون أنكم تاركوها الأبد، فإنما هي كماوصفها الله تعالى باللعب واللهو، وقد قال تعالى: " أتبنون بكل ريع آية تعبثونوتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتمجبارين "
ابن الزقاق البلنسي
ألا يا واقفاًبي عند قبري
سل الأجداث عن صرف الليالي
وعن حالي فإن عَيَّتْجواباً
فعبرتها تجيب عن السؤال
لئن شمت العدوّ بنا فمهلاً
سينقل للصفائحكانتقالي
وأيّ شماتة في ترك دنيا
لذي أمل رأى عنها ارتحالي
وكنت أُقيمبين الناس فيها
فسرتُ إلى المهيمن ذي الجلال
يقول ابن الرومي
ألا إنماالدنيا كجيفةِ مَيْتةٍ
وطُلّابها مثل الكلاب النواهِسِ
وأعظمهمْ ذمّاً لهاوأشدُّهم
بها شعفاً قوم طوالُ القلانِسِ
ويقول
فلا تحسب الدنيا إذا ماسكنتها
قراراً فما دنياك غير طريق
متى غمرت دنيا أخاها بمائها
فليس وإنأروته غير غريق
عليك بدار لا يزول ظلالها
ولا يتأذى أهلها بمضيق
فمايبلغ الراضي رضاه ببلغة
ولا ينقع الصادي صداه بريق
ويقول
لما تُؤذن الدنيا به منشرورها
يكون بكاء الطفل ساعة يوضَعُ
وإلا فما يبكيه منها وإنها
لأفسح مماكان فيه وأوسع
إذا أبصر الدنيا استهلَّ كأنه
يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)