وكان لفراسياب أخ يقال له: كي شواسف، صار إلى بلاد الترك بعد أخيه، وكان له ابن يقال له: خرزاسف، فملك البلاد بعد أبيه كي شواسف، وهو ابن أخي فراسياب الذي حارب منوشهر.
ولما فرغ كيخسرو من المطالبة بوتره، واستقرّ في ملكه، زهد في الملك، وتنسّك وأعلم الوجوه من أهل بيته ومملكته، أنّه على التخلّى. فاشتدّ جزعهم، وتضرّعوا إليه، وراودوه على المقام على تدبير ملكهم. فأبى عليهم، ولما يئسوا، قالوا:
« فإذا قمت على ما أنت عليه، فسمّ من يقوم به. » وكان لهراسف حاضرا، فأشار بيده إليه، وأعلمهم أنّه خاصّته ووصيّه. فقبل لهراسف الوصية، وأقبل الناس عليه، وفقد كيخسرو. فبعض الناس يقول: إنّه غاب للتنسك، ولا يدرى أين مات. وبعضهم يقول غير ذلك. وكان ملكه ستين سنة. ثم ملك بعده لهراسب.
لهراسب وما كان من أمر بختنصر
ويقال: إنّه ابن أخي كيقابوس. واتّخذ سريرا من ذهب مكلّلا بالجوهر، للجلوس عليه. وبنيت له بأرض خراسان مدينة بلخ وسمّاها: الحسناء. وهو أوّل من دوّن الدواوين، وقوّى ملكه بانتخاب الجنود لنفسه وعمر الأرض.
وذلك أنّ الأتراك اشتدت شوكتهم في زمانه، فجعل منزله بلخ ليقاتل الأتراك.
ووجّه بختنصّر إصبهبدا لما بين الأهواز إلى أرض الروم من غربي دجلة.
ويقال: إن اسمه بالفارسية: بخت نرسى. فشخص حتى أتى دمشق، فصالحه أهلها.
ووجّه قائدا له، فأتى بيت المقدس، فصالح ملك بني إسرائيل، وهو رجل من ولد داود، وأخذ منه رهائن وانصرف. فلما بلغ طبرية وثبت بنو إسرائيل على ملكهم، فقتلوه وقالوا:
« داهنت أهل بابل وخذلتنا »، واستعدّوا للقتال.
فكان من عاقبة جنايتهم على ملكهم أن كتب قائد بختنصّر إليه بما كان.
فكتب إليه يأمره أن يقيم بموضعه حتى يوافيه، وأن يضرب أعناق الرهائن الذين معه، وسار بختنصّر، حتى أتى بيت المقدس، فأخذ المدينة عنوة، وقتل المقاتلة، وسبى الذرية، وهرب الباقون إلى مصر.
فكتب بختنصّر إلى ملك مصر: « إنّ عبيدا لي هربوا مني إليك. فسرّحهم إليّ، وإلّا غزوتك وأوطأت بلادك الخيل. » فكتب إليه ملك مصر:
« ما هم عبيدك، ولكنهم الأحرار أبناء الأحرار. » فغزاه بختنصّر، فقتله، وسبى أهل مصر. ثم انصرف بسبي كثير من أهل فلسطين والأردن فيهم دانيال النبي وغيره من أبناء الأنبياء، وخرب بيت المقدس منذ ذاك.
وكان لهراسف بعيد الهمّة، طويل الفكر، شديد القمع للملوك المحيطة بإيرانشهر. وكانت ملوك الروم والمغرب والهند يحملون إليه في كل سنة وظيفة معروفة وإتاوة معلومة، ويقرّون له أنّه ملك الملوك هيبة له. وكان بختنصّر حمل إليه من بيت المقدس خزائن وأموالا عظيمة. ثم كبرت سنّه، وأحسّ بالضعف.
فملّك ابنه بشتاسف، واعتزل الملك، وكان عمره وملكه فيما ذكر مائة وعشرين سنة. وقد قيل: إنّ بختنصّر كان في خدمة لهراسف، وتوجّه من قبله إلى الشام وبيت المقدس، ليجلى اليهود عنها، ففعل، ثم انصرف. ثم كان في خدمة ابنه بشتاسف، ثم في خدمة ابنه بهمن، وإنّ بهمن أقام ببلخ التي كانت تسمى: الحسناء، وأنفذ بختنصّر إلى بيت المقدس لإجلاء اليهود، وإنّ السبب في ذلك كان وثوب صاحب بيت المقدس على رسل بهمن وقتله بعضهم. فمضى بختنصّر، فسبى وهدم بيت المقدس. وانصرف إلى بابل، وملّك « متنيا » وسمّاه: « صدقيا ». فلمّا صار بختنصّر ببابل، خالفه صدقيا. فغزاه بختنصّر ثانيا، وظفر به. فأخرب المدينة والهيكل وأوثق صدقيا وحمله إلى بابل، بعد أن ذبح ولده وسمل عينيه، فمكث بنو إسرائيل ببابل، إلى أن رجعوا إلى بيت المقدس. فكانت غلبة بختنصّر - وهو بخت نرسى - إلى أن مات، في هذا القول الذي حكيناه آنفا، أربعين سنة.
ثم قام بعده ابن له يقال له: نمروذ، ثم ابن له يقال له: بلتنصّر، فخلّط، ولم يرتض بهمن أمره، فعزله، وملّك مكانه:
كيرش
وتقدّم إليه بهمن أن يرفق ببني إسرائيل، ويطلق لهم النزول حيث أحبّوا، والرجوع إلى أرضهم وأن يولّى عليهم من يختارونه، فاختاروا دانيال النبي فولّا أمرهم. وكان ملك كيرش ومدة سنيه معدودة من خراب بيت المقدس، منسوبة إلى بختنصّر ومبلغها سبعون سنة. ثم ملك بابل وناحيتها من قبل بهمن رجل من قرابته يقال له:
اخشوارس
ابن كيرش بن جاماسب الملقّب ب « العالم ».
وولد لإخشوارس ولد من امرأة من سبى بني إسرائيل يقال لها: أشير، صنعا من الله لبني إسرائيل، فسمّاه:
كيرش
فملك بعد أبيه وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وعلّمه خاله التوراة، وفهم أمر دانيال ومن كان معه: مثل حننيا، وعازريا، وعزير. وتأدّب وعلم العلوم. وسأله بنو إسرائيل أن يأذن لهم في الخروج إلى بيت المقدس فأبى وقال:
« لو كان معي منكم ألف نبي، ما فارقني [ ما فارقني ] ما دمت حيّا ».
وولّى دانيال القضاء، وأمره ان يخرج كل شيء في الخزائن مما كان بختنصّر أخذه من بيت المقدس، فبنى وعمر في أيام كيرش، ومات بهمن لثلاث عشرة سنة خلت من قيام كيرش ببابل.
وقد حكى أهل التوراة في أمر بختنصّر أقوالا مختلفة تركنا ذكرها. إلّا أنهم ذكروا أن بختنصّر لما خرّب بيت المقدس، أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا، ثم يقذفه في بيت المقدس. فقذفوا فيه من التراب ما ملأه. ولما انصرف إلى بابل، اجتمع معه سبايا بني إسرائيل، وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلّهم. فاجتمع عنده الكلّ، فاختار منهم سبعين ألف صبيّ. فلمّا خرجت غنائم جنده، سألوه أن يقسم فيهم الصبيان. فقسم في الملوك منهم، فأصاب كلّ رجل منهم أربعة. فكان من أولئك الغلمة: دانيال النبي، وحننيا، وميشايل، وسبعة آلاف من أهل بيت داود، وأحد عشر ألفا من سبط آسر بن يعقوب، وعلى ذلك سائر أولاد يعقوب الأسباط.
ثم غزا بختنصّر العرب. وذلك في زمن معدّ بن عدنان. فوثب على كلّ من كان في بلاده من تجّار العرب، وكانوا يقدمون عليه بالتجارات، ويمتارون من عندهم الحبّ والتمر والثياب وغيرها. فجمع من ظفر به منهم، وبنى لهم حيرا على النجف، وحصّنه، وضمّهم فيه، ووكّل بهم حرسا. ثم نادى في الناس بالغزو، فتأهّبوا لذلك، وانتشر الخبر في من يليهم من العرب، فخرجت إليهم طوائف منهم مسالمين فأحسن إليهم، وأنزلهم بختنصّر شاطئ الفرات، فابتنوا موضع معسكرهم، وسمّوه: « الأنبار » وخلّى عن أهل الحيرة، فاتّخذوها منزلا مدّة حياة بختنصّر. فلمّا مات انضموا إلى أهل الأنبار وبقي ذلك الحير خرابا.
وملك كي بشتاسف بن كي لهراسف، فبنى مدينة فسّا، وهو أول من عرف بسط دواوين الكتّاب، لا سيّما ديوان الرسائل، وأمر الكتّاب أن يطيلوا كتب الرسائل، ويذكروا فيها الأسباب والعلل.
وكان له ديوانان: أحدهما ديوان الخراج، والآخر ديوان النفقات. فكان كلّ ما يرد، فإلى ديوان الخراج، وكل ما يخرج من جيش وغيره، فإلى ديوان النفقات. وكان من رسم الوزير - واسمه: « برزج فرمذار » - أن يكون له خليفة يسمى:
« إيرانمارغر »، يصل إلى الملك، ويعرض عليه وينوب عن الوزير. فأمّا المتقلّد لديوان الرسائل فيسمّى: « دبيرفذ »، وكان له كاتب موكّل بدار المملكة، فان وقع على أحد تقصير في منزلة، أو حطّ في درجة، رجع إلى ذلك الكاتب حتى يبيّن حال مرتبته، فيجري عليه رسمه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ظهور زردشت
وظهر في أيامه زردشت، وأراده على قبول دينه، فامتنع من ذلك، ثم صدّقه، وقبل ما دعاه إليه وأتاه به، من كتاب يكتب في جلد اثنى عشر ألف بقرة، حفرا في الجلود، ونقشا بالذهب. وصيّر بشتاسف ذلك بإصطخر ووكّل به الهرابذة، ومنع تعليمه العامة، وبنى ببلاد الهند بيوتا للنيران، وتنسّك واشتغل بالعبادة. وهادن خرزاسف بن كي سواسف ابن أخي فراسياب وملك الترك على ضرب من الصلح. وفي شريطة الصلح أن يكون [ بباب ] خرزاسف دابّة موقوفة في منزلة الدواب التي تكون على أبواب الملوك، فأشار زردشت على بشتاسف، بنقض الهدنة، ومفاسدة ملك الترك. فقبل منه، وبعث إلى الدابّة، والموكّل بها، أن ينصرف، وأظهر الغدر. فغضب خرزاسف، وكتب إليه كتابا غليظا، وأمره بتوجيه زردشت إليه، وأقسم - إن امتنع - أن يغزوه حتى يسفك دمه ودماء أهل بيته.
فلما ورد الرسول بالكتاب، كتب كتابا أغلظ منه جوابا عن كتابه، وآذنه بالحرب، وأعلمه أنّه غير ممسك [ عنه ] إن أمسك، فسار بعضهما إلى بعض، ومع كلّ واحد منهما إخوته وأهل بيته. فقتل بينهما خلق كثير، وأحسن الغناء ابن بشتاسف إسفنديار، وقتل بيدرفش الساحر بيده مبارزة. فصارت الدبرة على الترك، فقتلوا قتلا ذريعا، ومضى خرزاسف هاربا على وجهه، ورجع بشتاسف إلى بلخ.
فلمّا مضت لتلك الحرب سنون، سعى على إسفنديار رجل يقال له: فرّوخ، فأفسد قلب بشتاسف عليه. وذاك أنه أعلمه: أنه ينتدب للملك، ويزعم أنه أحقّ به، وأن الناس مائلون إليه. فصدّق بشتاسف بذلك، وترك الرفق ومعالجة الأمور على تؤدة، وأخذ في أن يندبه لحرب دون حرب. فكان ينجح فيها كلّها، ثم أمر بتقييده، وصيّره في الحصن الذي فيه حبس النساء. وصار بشتاسف إلى جبل يقال له: « طميذر »، لدراسة دينه، والتنسك هناك، وخلّف أباه لهراسف في مدينة بلخ شيخا هرما قد أبطله الكبر، وترك خزائنه وأمواله على امرأته.
فكان من عاقبة ذلك، أن حملت الجواسيس خبره إلى خرزاسف، فجمع جنودا لا يحصون كثرة، وشخص من بلاده نحو بلخ. فلما انتهى إلى تخوم ملك فارس، قدّم أمامه جوهرمز أخاه - وكان مرشّحا للملك - في جماعة من المقاتلة كثيرة، وأمرهم أن يغذّوا السير، حتى يتوسطوا المملكة، ثم يوقعوا بأهلها ويغيروا على المدن والقرى. ففعل جوهرمز ذلك، وسفك الدماء، واستباح الحرم، وسبى ما لا يحصى كثرة، واتبعه خرزاسف، فأحرق الدواوين، وقتل لهراسف والهرابذة، وهدم بيوت النيران، واستولى على الأموال والكنوز، وسبى ابنتين لبشتاسف، وأخذ فيما أخذ « درفش كابيان »، وشخص يتبع بشتاسف، فهرب منه بشتاسف، حتى تحصّن في الجبل الذي يعرف بطميذر مما يلي فارس، ونزل ببشتاسف ما ضاق به ذرعا وندم على ما صنعه بإسفنديار.
فيقال: إنه وجّه إليه بجاماسف، حتى استخرجه من محبسه، وصار به إلى أبيه. فلما دخل عليه، اعتذر إليه ووعده عقد التاج على رأسه، وأن يفعل به مثل الذي فعل به لهراسف، وقلّده عسكره، وأمره بمحاربة خرزاسف. فلما سمع إسفنديار كلام أبيه، طابت نفسه، وكفّر بين يديه، وتولّى الأمر، وتقدم فيما احتاج إليه.
ثم عبّى ليلته أصحابه، فلما أصبح، أمر بنفخ القرون، وسار بالجنود نحو عسكر الترك. فلما رأت الترك عسكره، خرجوا إليه على وجوههم يتسابقون وفي القوم جوهرمز وأندرمان. فالتحمت الحرب بينهم، وانقضّ إسفنديار [ و ] بيده الرمح كالبرق، حتى خالط القوم، وأكبّ عليهم بالطعن. فلم تكن هنيهة حتى ثلم في القوم ثلمة عظيمة، وفشا في الترك: إسفنديار قد أطلق من الحبس، فانهزموا لا يلوون على شيء، وانصرف إسفنديار وقد ارتجع العلم الأكبر، وحمل معه منشورا.
فلمّا دخل على بشتاسف، استبشر بظفره، وأمر باتّباع القوم وقتل خرزاسف إن قدر عليه، بلهراسف، وبقتل جوهرمز وأندرمان، بمن قتل من ولده، وبهدم حصون الترك وبحرق مدنها وبقتل أهلها، بمن قتلوا من حملة الدين، وباستنقاذ السبايا، ووجّه معه من القواد والعظماء خلقا كثيرا. فدخل إسفنديار بلاد الترك، ورام ما لم يرمه أحد، واعترض - على ما تزعم الفرس - العنقاء المذكورة، ورماها، ودخل مدينة الصفر عنوة، حتى قتل ملكها وإخوته ومقاتلته، واستباح أمواله، وسبى ذراريّه ونساءه واستنقذ أختيه، وكتب بالفتح إلى أبيه.
ياسر أنعم
فأمّا ملوك اليمن، فقد كتبناهم إلى عهد سليمان وأيّامه، ثم صار الملك إلى ياسر بن عمرو الذي يقال له: ياسر أنعم، لإنعامه على العرب. وكان سار غازيا نحو المغرب. حتى بلغ واديا يقال له: وادي الرمل، ولم يكن بلغه أحد قبله، ولم يجد وراءه مجازا لكثرة الرمل. فبينا هو مقيم إذ انكشف الرمل. فأمر بعض أهل بيته أن يعبر هو وأصحابه. فعبروا، ولم يرجعوا. فأمر بصنم من نحاس، فصنع ثم نصب على صخرة عظيمة على شفير الوادي، وكتب في صدره بالمسند:
« هذا الصنم لياسر أنعم الحميري، ليس وراءه مذهب، فلا يتكلّفن ذلك أحد فيعطب. »
تبع
ثم ملك بعد تبّع. وهو تبان، وهو أسعد، وهو أبو كرب بن مليكيكرب، تبّع بن زيد بن عمرو بن تبّع ذي الاذعار بن أبرهة تبّع ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ.
وكان تبّع هذا في أيام بشتاسف وأردشير بهمن بن إسفنديار بن بشتاسف.
خرج وغزا، وبلغ الأنبار، والموصل، ثم آذربيجان، ولقي بها الترك، فهزمهم، وقتل بها المقاتلة، وسبى الذريّة، فأقام بها دهرا، وهابته الملوك، وأهدت إليه، وقدم عليه رسول ملك الهند بالهدايا والطرف من الحرير والمسك، وسائر الطرف، فرأى ما لا يرى مثله.
فقال: « ويحك! أكلّ هذا في بلادكم؟ » فقال: أبيت اللعن، هذا أقلّ ما ترى في بلادنا، وأكثره في بلاد الصين. » ووصف له بلاد الصين، وسعتها وخصبها. فآلى ليغزونّها، وسار بحمير، حتى أتى الصين في جمع عظيم، حتى دخلها، فقتل مقاتلتها، واكتسح ما وجد فيها.
ويزعمون أنّ مسيره إليها كان - ومقامه بها ورجعته منها - في سبع سنين. وخلّف بالتبّت اثنى عشر ألف فارس من حمير، فهم أهل التبت اليوم، ويزعمون أنهم عرب، وخلقهم وألوانهم خلق العرب وألوانهم.
أردشير بهمن
وملك بعد بشتاسف أردشير بهمن. وانبسطت يده، وتناول الممالك بقدرة [ حتى ] ملك الأقاليم. وابتنى بالسواد مدينة وهي المعروفة ب « همينيا » وهو أبو دارا [ الأكبر ]، وأبو ساسان أبي الفرس الأخير أردشير بن بابك وولده.
وكان بهمن بن إسفنديار كريما، متواضعا، مرضيّا. وكانت تخرج كتبه: « من أردشير بهمن عبد الله، وخادم الله، والسائس لأمركم ».
ويقال: إنّه غزا الرومية الداخلة، في ألف ألف مقاتل. ولم تزل ملوك الأرض تحمل إليه الإتاوة، إلى أن هلك، وابنه دارا [ الأكبر ] في بطن أمه. فملّكوا خماى بنته شكرا لأبيها. وكان من أعظم ملوك الفرس شأنا، وأفضلهم تدبيرا. وله كتب ورسائل تفوق كتب أردشير وعهده. وتفسير « بهمن » بالعربية: « الحسن النيّة ».
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
خماي
ثم ملكت خماي بنته، لأنّها حملت منه دارا الأكبر، وسألته أن يعقد التاج له في بطنها، ويؤثره بالملك، ففعل بهمن ذلك. وكان ساسان بن بهمن في ذلك الوقت رجلا يتصنّع للملك، [ لا يشكّ ] فيه. فلما رأى ساسان ما فعل أبوه، شقّ عليه، فلحق بإصطخر، وتزهّد، وخرج من الحلية، واتخذ غنيمة، فكان يتولّى ماشيته بنفسه، واستشنعت العامة ذلك من فعله، وقالوا: « صار ساسان راعيا ».
وسبّوه به. ثم لمّا كبر دارا حوّل التاج إليه. وكانت خماى ضبطت الحكم بنجدة ورأى وحصافة، وأغزت الروم جيشا، وأوتيت ظفرا. فقمعت الأعداء وشغلتهم عن تطرّف شيء من بلادها، ونال رعيّتها في تدبيرها خفض ورفاهة، إلى أن ملّك ابنها:
دارا بن بهمن
فنزل بابل، وكان ضابطا لملكه، قاهرا لمن حوله من الملوك يؤدّون إليه الخراج. ابتنى بفارس مدينة، وسماها: « دارا بجرد ». وحذف دوابّ البريد ورتّبها. وكان معجبا بابنه « دارا »، وبلغ من حبّه إيّاه أن سمّاه باسم نفسه، وصيّر له الملك من بعده، وكان له وزير يسمّى: « رشتين » محمودا في عقله. فشجر بينه وبين غلام تربّى مع دارا الأصغر يقال له: « بيرى »، شرّ وعداوة. فسعى رشتين عليه عند الملك. فيقال: إنّ الملك سقى بيرى شربة فمات، فاضطغن دارا الأصغر على رشتين، وعلى جماعة كانوا عاونوه.
دارا الأصغر
فلمّا ملك دارا ابن دارا بن بهمن، كان أول ما تكلم به حين عقد التاج على رأسه، قال:
« لن ندفع أحدا في مهوى الهلكة، ومن تردّى فيها، لم نكففه عنها. » واستكتب أخا بيرى، واستوزره، رعاية لحق أخيه، وأنسا به، ولم يكن في موضع الوزارة، ولا كان له كفاية رشتين.
فكان من عاقبة ذلك، أن أفسد قلبه على أصحابه، وحمله على قتل بعضهم، فاستوحشت منه الخاصّة والعامّة، ونفروا عنه، وكان حقودا جبّارا. فعرف خبره الإسكندر فغزاه وقد ملّه أهل مملكته، واستوحش جنده، وأحبّ الجميع الراحة منه. فلحق كثير من وجوه أصحابه وأعلام جنده بالإسكندر، فأطلعوه على عورة دارا وقوّوه عليه، فلمّا التقيا ببلاد الجزيرة، اقتتلا سنة. ثم إنّ رجالا من أصحاب دارا وثبوا به، فقتلوه، وتقرّبوا بذلك إلى الإسكندر، فأمر بقتلهم وقال:
« هذا جزاء من اجترأ على ملكه. » وتزوّج ابنته: روشنك. ثم غزا الهند ومشارق الأرض، فملكها. ثم انصرف وهو يريد الاسكندرية، فهلك بناحية السواد، فحمل في تابوت من ذهب إلى أمّه. وكان ملكه أربع عشرة سنة، واجتمع ملك الروم وكان قبل الإسكندر متفرقا، وتفرّق ملك فارس وكان مجتمعا.
مما يحكى عن الإسكندر وحيله الإسكندر ودارا
وقد كان فيلفوس أبو الإسكندر، صالح دارا، على خراج يحمله إليه في كلّ سنة. فلمّا هلك الأب، وملك الإسكندر، وطمع في دارا، منعه الخراج الذي كان يحمله أبوه إليه. فأسخط دارا، فكتب إليه يؤنّبه بسوء صنيعه في تركه حمل ما كان أبوه يحمله من الخراج، وأنه إنما دعاه إلى حبس ذلك، الصبى والجهل، وبعث إليه بصولجان وكرة وبقفيز من السمسم: يعلمه بذلك أنه إنّما ينبغي أن يلعب مع الصبيان بالصولجان، ولا يتقلّد الملك، ولا يتلبّس به، ويعلمه أنه إن لم يقتصر على ما أمره به، وتعاطى الملك، بعث إليه من يأتيه به في وثاق، وأن عدّة جنوده الذين يبعث بهم، كعدّة حبّ السمسم الذي بعث به إليه.
فكتب الإسكندر في جواب ذلك، أن قد فهم ما كتب به، ونظر إلى ما أرسله من الصولجان والكرة، وتيمّن به، لإلقاء الملقى الكرة إلى الصولجان واجتراره إيّاها، وأنّه شبّه الأرض بالكرة، وتفأل بملكه إياها، واحتوائه عليها، وأنه يجترّ ملك دارا إلى ملكه، وبلاده إلى حيّزه من الأرض، وأن نظره إلى السمسم الذي بعث به، كنظره إلى الصولجان والكرة، لدسمه وبعده من المرارة والحرافة. وبعث إلى دارا مع كتابه بصرّة من « خردل »، وأعلمه في ذلك الجواب: أنّ ما بعث به إليه قليل، غير أنّ ذلك مثل الذي بعث به في القوّة، والحرافة، والمرارة، وأنّ جنوده فيما وصف به منه.
فلما وصل إلى دارا جواب كتاب الإسكندر، جمع إليه جنده، وتأهّب لمحاربة الإسكندر، وتأهّب له الإسكندر، وسار نحو بلاد دارا. فلمّا التقيا، وجرى ما جرى من أمر القائدين اللذين تقرّبا إلى الإسكندر وطلبا الحظوة عنده والوسيلة، وكان نادى الإسكندر ألّا يقتل دارا، وأن يؤسر أسرا، فلمّا أعلم الإسكندر بما جرى، سار حتى وقف عنده، فرآه يجود بنفسه. فنزل الإسكندر عن دابته، حتى جلس عند رأسه، وأخبره أنه ما همّ بقتله، وأن الذي أصابه لم يكن عن رأيه.
وقال له: « سلني ما بدا لك فإنى أسعفك به. » فقال له دارا: « لي حاجتان: إحداهما أن تنتقم لي من الرجلين اللذين فتكا بي - وسمّاهما - والأخرى أن تتزوج ابنتى: روشنك. » فأجابه إلى الحاجتين، وأمر بصلب الرجلين اللذين انتهكا من ملكهما ما انتهكا، وتزوّج روشنك وملك الأرض كلها.
ويقال: إن الرجلين اللذين قتلا دارا، إنّما فعلا ذلك بأمر الإسكندر، وكان شرط لهما شرطا. فلما طعناه، دفع إليهما حكمهما، ووفى لهما بشرطهما، ثم قال:
« قد وفيت لكما بالشرط، ولم تكونا شرطتما أنفسكما، وأنا قاتلكما، فإنّه ليس ينبغي لقتلة الملوك أن يستبقوا، إلّا بذمّة لا تخفر »، فقتلهما وصلبهما.
ويقال: إنّ الإسكندر في الأيام التي نازل فيها دارا كان يصير إليه بنفسه على أنه رسول. فيتوسط العسكر، ويعرف كثيرا مما يحتاج إليه. فكان إذا وصله دارا، أعجب به واستحسن سمته ومجاراته. إلى أن اتهمه وأحسّ الإسكندر، فهرب.
ذكر حيلة للإسكندر
فلمّا تواقفت الخيلان يوم الحرب، خرج الإسكندر من صفّ أصحابه وأمر من ينادى:
« يا معشر الفرس! قد علمتم ما كتبنا لكم من الأمانات، فمن كان منكم على الوفاء، فليعتزل عن العسكر، وله منّا الوفاء بما ضمنّاه. » واتهمت الفرس بعضها بعضا. فكان أول اضطراب حدث فيهم.
حيلة أخرى
ومما يحكى من حيله في الحروب: أنه لما شخص عن فارس إلى أرض الهند، تلقّاه فور ملكها في جمع عظيم، ومعه ألف فيل عليها السلاح والرجال، وفي خراطيمها السيوف والأعمدة، فلم تقف دواب الإسكندر وانهزم. فلما حصل في مأمنه، أمر باتخاذ فيلة من نحاس مجوّفة، وربط خيله بين تلك التماثيل حتى ألفتها، ثم أمر فملئت نفطا وكبريتا، وألبسها الدروع، وجرّت على العجل إلى المعركة، وبين كلّ تمثالين منها جماعة من أصحابه. فلما نشبت الحرب، أمر بإشعال النيران في أجواف التماثيل، فلما حميت، انكشف أصحابه عنها، وغشيتها الفيلة، فضربتها بخراطيمها، فنشطت وولّت مدبرة راجعة على أصحابها، وصارت الدبرة على ملك الهند.
حيلة أخرى له
ومما يحكى أيضا عنه: أنه كان نزل على مدينة حصينة. فتحصن منه أهلها وعرف خبرها، فأعلم أنّ فيها من الميرة والعيون المنفجرة كفايتهم. فدسّ تجّارا متنكرين، وأمرهم بدخول المدينة، وأمدّهم بمال على سبيل التجارة، وتقدم إليهم ببيع ما معهم، وابتياع ما أمكنهم من الميرة، والمغالاة بها. ففعل التجار ذلك، ورحل الإسكندر عنهم. فلم يزل التجار يشترون الميرة، إلى أن حصل في أيديهم أكثره. فلما علم الإسكندر ذلك، كتب إليهم أن أحرقوا الميرة التي في أيديكم واهربوا. ففعلوا ذلك، وزحف الإسكندر إليها، فحاصرهم أياما يسيرة، فأعطوه الطاعة، وملك المدينة.
وكان أيضا إذا انصرف عن مثل هذه المدينة، شرّد من حولها من أهل القرى، وتهدّدهم بالسبي، حتى خرجوا هاربين معتصمين بالمدينة، فلا يزال بذلك حتى يعلم أنّه قد دخلها أضعاف أهلها وأسرعوا في الميرة، فيرجع حينئذ، فيحاصرهم، ويفتح المدينة.
الإسكندر وأرسطوطالس
ومما يحكى عنه: أنّه كتب إلى أرسطوطالس يخبره: أنّ في عسكره من الروم جماعة من خاصته، لا يأمنهم على نفسه، لما يرى من بعد هممهم وشجاعتهم وكثرة آلتهم، ولا يرى لهم عقولا تفي بتلك الفضائل، ويكره الإقدام بالقتل عليهم بالظنّة، مع وجوب الحرمة.
فكتب إليه أرسطوطالس:
« فهمت كتابك، وما وصفت به أصحابك. فأمّا ما ذكرت من بعد هممهم فإنّ الوفاء من بعد الهمة. وأمّا ما ذكرت من شجاعتهم ونقص عقولهم عنها، فمن كانت هذه حاله، فرفّهه في معيشته، واخصصه بحسان النساء. فإنّ رفاهة العيش توهى العزم، وتحبّب السلامة، وتباعد من ركوب الخطأ والغرر. وليكن خلقك حسنا تخلص لك النيات، ولا تتناول من لذيذ العيش ما لا يمكن أوساط إخوتك مثله.
فليس مع الاستيثار محبة، ولا مع المواساة بغضة. واعلم أنّ المملوك إذا اشترى لا يسأل عن مال مولاه وإنّما يسأل عنه خلقه. » وكان الإسكندر في الأيام التي لقي فيها دارا، وجل من محاربته، ودعاه إلى الموادعة، لما رأى كثرة عدّته وعتاده وعدد جنده. فاستشار دارا أصحابه في أمره، فغشّوه، وزيّنوا له الحرب، لفساد قلوبهم عليه، وكاتبوا الإسكندر، وأطمعوه فيه. وكان ملك دارا أربع عشرة سنة. فهدّم الإسكندر حصون الفرس، وبيوت النيران، وقتل الهرابذة، وأحرق كتبهم، ودواوين دارا.
وكاتب معلّمه ووزيره أرسطوطالس يعلمه: أنّه شاهد بإيرانشهر رجالا ذوي أصالة في الرأي، وجمال في الوجوه، لهم مع ذلك صرامة وشجاعة، وأنه رأي لهم هيآت وخلقا، لو كان عرف حقيقتها، لما غزاهم، وأنّه إنّما ملكهم بحسن الاتفاق والبخت، وأنّه لا يأمن - إن ظعن عنهم - وثوبهم، ولا تسكن نفسه إلّا ببوارهم.
فكتب إليه أرسطوطالس:
« فهمت كتابك في رجال فارس. فأما قتلهم فهو من الفساد في الأرض ولو قتلتهم لأنبت البلد أمثالهم لأنّ إقليم بابل يولّد أمثال هؤلاء الرجال، من أهل العقول والسداد في الرأي، والاعتدال في التركيب، فصاروا أعداءك وأعداء عقبك بالطبع، لأنّك تكون قد وترت القوم، وكثرت الأحقاد على أرض الروم منهم وممن بعدهم، وإخراجك إياهم في عسكرك مخاطرة بنفسك وأصحابك. ولكنى أشير عليك برأى هو أبلغ لك في كلّ ما تريد من القتل، وهو أن تستدعى أولاد الملوك منهم، ومن يستصلح للملك ويترشح له، فتقلّدهم البلدان، ويتوليهم الولايات، ليصير كل واحد منهم ملكا برأسه، فتتفرّق كلمتهم، ويجتمعوا على الطاعة لك، ولا يؤدّى بعضهم إلى بعض طاعة، ولا يتّفقوا على أمر واحد، ولا تجتمع كلمتهم. » ففعل الإسكندر ذلك، فتمّ أمره، وأمكنه أن يتجاوز ملك الفرس، فسار قدما إلى أرض الهند، حتى قتل ملكها مبارزة، بعد حروب عظيمة هائلة، وفتح مدنها، ثم صار إلى الصين، وصنع بها كصنيعه بأرض الهند، ثم طاف مما يلي القطب الشمالي، ورجع إلى العراق، وخرج منها بعد أن ملّك ملوك الطوائف، فمات في طريقه بشهرزور، ويقال: بل في قرية من قرى بابل، وكان عمره ستّا وثلاثين سنة، وملك منها ثلاث عشرة سنة وأشهرا. وقتل دارا في السنة الثالثة من ملكه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الإسكندر وملك الصين
وفي الرواية الصحيحة: أنّ الإسكندر لما انتهى إلى بلاد الصين، أتاه حاجبه وقد مضى من الليل شطره، فقال:
« هذا رسول ملك الصين بالباب يستأذن في الدخول عليك. » قال: « أدخله. » فأدخله. فوقف بين يدي الإسكندر، وسلّم، ثم قال:
« إن رأى الملك يستخلينى. » فأمر الملك من بحضرته أن ينصرفوا، فانصرفوا كلهم وبقي حاجبه. فقال:
« إن الذي جئت له، لا يحتمل أن يسمعه غيرك. » قال: « فتّشوه. » فلم يوجد معه سلاح. فوضع الإسكندر بين يديه سيفا مسلولا وقال له:
« قف بمكانك وقل ما شئت. » وأخرج كلّ من كان بقي عنده.
فقال:
« أنا ملك الصين، لا رسوله، جئت أسألك عما تريده، فإن كان مما أمكن عمله - ولو على أصعب الوجوه - عملته، وأغنيتك عن الحرب. » فقال له الإسكندر: « ما الذي آمنك منى؟ » قال: « علمي بأنّك عاقل حكيم، ولم تك بيننا عداوة، ولا مطالبة بذحل، وأنّك تعلم، إن قتلتني، لم يكن ذلك سببا لتسليم أهل الصين إليك ملكهم، ولم يمنعهم قتلي من أن ينصبوا لأنفسهم ملكا، ثم ينسب إلى غير الجميل، وضدّ الحزم. » فأطرق الإسكندر، وعلم أنه رجل عاقل، ثم قال له:
« الذي أريد منك ارتفاع مملكتك لثلث سنين عاجلا، ونصف ارتفاع مملكتك لكلّ سنة ».
قال: « هل غير هذا؟ » قال: « لا. » قال: « قد أجبتك، ولكن سلني: كيف تكون حالي بعد ذلك؟ » قال: « قل، كيف تكون حالك؟ » قال: « أكون أول قتيل من محارب، أو أول أكيلة مفترس. » قال: « فإن قنعت منك بارتفاع سنتين، كيف تكون حالك؟ » قال: « تكون أصلح قليلا وأفسح مدّة. » قال: « فإن قنعت منك بارتفاع سنة؟ » قال: « يكون في ذلك بقاء لملكى، وذهاب جميع لذّاتى. » قال: « فإن قنعت منك بارتفاع الثلث، كيف تكون حالك؟ » قال: يكون السدس للفقراء ومصالح البلاد، ويكون الباقي لجيشى ولسائر أسباب الملك ».
فقال: « قد اقتصرت منك على هذا. » فشكره وانصرف. فلما طلعت الشمس، أقبل جيش الصين، حتى طبّق الأرض، وأحاط بجيش الإسكندر، حتى خافوا الهلاك. وتواثب أصحابه حتى ركبوا الخيل، واستعدوا للحرب بعد الأمن والطمأنينة إلى السلم. فبينا هم كذلك، إذ طلع ملك الصين وعليه التاج وهو راكب. فلما تراءى الصفّان، ورأى الإسكندر ملك الصين، قدّر أنه حضر للحرب.
فصاح به: « أغدرت؟ » فترجّل، وقال: « لا، والله. » قال: « فادن منى. » فدنا وقال: « ما هذا الجيش الكثير؟ » قال: « إني أردت أن أريك أنّى لا أطيعك من قلّة وضعف، ولكني رأيت العالم العلوي مقبلا عليك، ممكّنا لك ممن هو أقوى منك وأكثر عددا، ومن حارب العالم العلوي غلب، فأردت طاعته بطاعتك، والتذلل له بالتذلل لك. » فقال له الإسكندر: « ليس مثلك من يسام الذلّ، ولا من يؤدّى الجزية، فما رأيت بيني وبينك من الملوك، من يستحق التفضيل والوصف بالعقل، غيرك، وقد أعفيتك من جميع ما أردته منك، وأنا منصرف عنك ».
فقال ملك الصين: « فلست تخسر. » ثم انصرف عنه الإسكندر، فبعث إليه ملك الصين بضعف ما قرّره معه.
وبنى الإسكندر اثنتي عشرة مدينة، وسمّاها كلّها « الاسكندرية »، منها: مدينة « جيّ » بإصبهان، وثلاث مدن أخرى بخراسان، وهي: هراة، ومرو، وسمرقند.
وبنى بأرض بابل مدينة لروشنك، وبنى بأرض يونان سبع مدن.
البطالسة
وعرض على ابن للإسكندر الملك بعد وفاة أبيه، فأبى واختار النسك، ملّكت اليونانية على رواية أكثر الناس بطليموس. ثم ملك عدة متوالية يقال لكل واحد منهم: « بطلميوس »، كما يقال لملوك الفرس: « الأكاسرة » وتغلّب قوم من اليونانيين بعده على نواحي مصر والشام.
الأشغانية ومن عاصرهم
واختلف أهل الرواية في عدد ملوك الطوائف الذين ملكوا إقليم بابل، إلى أن قام بالملك أردشير بابكان، فنظم ملك الفرس. فبعضهم يزعم أنّ آشك - وهو ابن دارا الأكبر - جمع جمعا كثيرا وسار إلى أنطيخس، وكان مقيما بسواد العراق من قبل الروم، وزحف إليه أنطيخس. فالتقيا ببلاد الموصل، فقتل أنطيخس، وغلب آشك على السواد، وصار في يده من الموصل إلى الريّ وإصبهان، وعظّمه سائر ملوك الطوائف لشرفه، وما كان من فعله، وبدءوا به على أنفسهم في كتبهم، وبدأ فيما كان يكتب إليهم بنفسه، وسمّوه ملكا، وأهدوا إليه، من غير أن يعزل أحدا منهم، أو يستعمله.
ثم ملك جوذرز بن أشكان
وهو الذي غزا بني إسرائيل المرّة الثانية. وذلك بعد قتلهم يحيى بن زكريّا.
فسلّطه الله عليهم، فأكثر القتل فيهم، فلم تعد لهم [ جماعة بعد ] ذلك ورفع الله عنهم النبوّة، وأنزل بهم الذلّ.
وكان من سنّة الفرس بعد الإسكندر، أن يخضعوا لمن ملك بلاد الجبل.
فخضعوا للأشغانيّة، وأوّلهم: أشك بن أشكان، ثم سابور بن أشكان - وفي أيامه ظهر عيسى بن مريم بأرض فلسطين - ثم ملك جوذرز بن أشغانان الأكبر، ثم بيرى الأشغانى، ثم جوذرز الأشغانى، ثم نرسى الأشغانى، ثم هرمز الأشغانى، ثم أردوان الأشغانى، ثم كسرى الأشغانى، ثم بلاش الأشغانى، ثم أردوان الأصغر الأشغانى، ثم أردشير بن بابك.
فكان مدّة هؤلاء إلى أن وثب أردشير على الأردوان، فقتله وجمع أمر الفرس، مائتين وستّا وستّين سنة. ولم يقع إلينا شيء من تدابيرهم يستفاد منه تجربة إلّا خبر لبعض الروم، وهو:
ذكر حيلة لبعض ملوك الروم
كان أحد ملوك الفرس وجّه رجلا من جلّة قوّاده في جيش إلى ملك الروم، فحاربه، فأجلاه الفارسيّ عن أكثر بلاده، حتى فتح أنطاكية، وجاوزها، وأوغل في بلاد الروم. فجمع ملك الروم رؤساء قومه، فشاورهم. فأشاروا بأمور مختلفة، حتى انفرد له رجل من أهل مملكته، ولم يكن من أبناء الملوك.
فقال: « إنّ عندي رأيا أشير به. فإن رزق الله الظفر، فما لي عندك؟ »
قال الملك: « سل حاجتك. » قال: « إني أرى الرأي الصحيح، وأخاطر فيه بنفسي، فاجعل لي الملك من بعدك. » قال: « نعم »، فوثّق له به.
فقال الرومي: « إنّ الفرس قد طمعت في ملكنا، فلم يبق منهم نجد ولا ذو رأى إلّا وجّهوه في وجوهنا، وقد ضعفنا عنهم، وقد حملوا ذراريّهم إلى الشام والجزيرة. فالرأي أن تأذن لي فأنتخب من عسكرك خمسة آلاف رجل، ثم أحملهم في البحر، وأصير من خلفهم، فأوكل بمضائق الطرق، وصعاب العقاب، رجالا من أصحابي من أهل البأس والنجدة، فإنّ خبري إذا بلغهم، فتّ في عضدهم ونخبت قلوبهم، ورجعوا إلى عيالاتهم وأموالهم متقطّعين، فلا يمرّ بالمواضع التي وكّلت بها أحد من الفرس إلّا قتل، فلا يسلم إلّا القليل الذين إذا صاروا إلى الشام أتيت عليهم وتشرّدهم أنت من خلفهم. » فأجابه الملك إلى رأيه، وأنفذه إلى الشام. فلما بلغ الفرس أنّ الروم قد خلفتهم في أموالهم، وأهاليهم، خرج أكثرهم على وجوههم متقطّعين لا يلوون على شيء، ومرّوا بمضائق الطرق، فقتل أكثرهم، وخرج ملك الروم إلى من بقي منهم، فهزمهم، فلم يسلم منهم إلّا القليل. فتحوّل الملك بذلك السبب من أهل بيت المملكة بالروم، إلى قوم ليسوا من أهل بيتها، بل هم من أهل إرميناقس، فبقى فيهم إلى هذه الغاية.
ذكر سبب طمع العرب في أطراف الفرس
كنّا حكينا من أمر بختنصّر أنّه أنزل الحيرة من العرب جماعة، فانتقلوا بعد موته إلى الأنبار، وبقي الحير خرابا يبابا، زمانا طويلا، لا تطلع [ عليهم ] طالعة من بلاد العرب، ولا يطمع أحد فيهم من الريف، بعد ما قصدهم بختنصّر.
فلمّا غلب الإسكندر على مملكة الفرس، وجعلها مقسومة في ملوك الطوائف، ضعف كل واحد منهم في نفسه، وصار عدوّه بالقرب منه من الأرض، ولكلّ واحد خندق يقصده الآخر، فيغير بعضهم على بعض، ثم يرجع كالخطفة.
وقد كان كثر في ذلك الزمان أولاد معدّ بن عدنان، ومن كان معهم من قبائل العرب، وملأوا بلادهم من تهامة وما يليهم، وحدثت بينهم أحداث وحروب، فتفرّقوا، وخرجوا يطلبون متّسعا في بلاد اليمن ومشار [ ف ] الشام، وأقبلت منهم قبائل حتى نزلوا البحرين وبها جماعة من الأزد، وكانوا نزلوها في زمان ابن ماء السماء، وتحالف القوم الذين خرجوا من تهامة على التنوخ بالبحرين - التّنوخ: المقام - وكان منهم قوم من قضاعة، وقوم من معدّ، وقوم من إياد.
فتعاقدوا على التوازر والتناصر، وصاروا يدا على الناس وصار اسمهم: « تنوخ ».
ثم لمّا بلغهم انتشار أمر الفرس واختلاف كلمتهم، تطلّعت نفوسهم إلى ريف العراق، وطمعوا في الفرس وفيما يلي بلاد العرب من أعمالهم، أو مشاركتهم فيها، واهتبلوا ما وقع بين ملوك الطوائف من الاختلاف، فأجمع رؤساؤهم على المسير الى العراق. فلمّا ساروا، وجدوا الإرمانيّين - وهم القوم الذين بأرض بابل وما يليها إلى ناحية الموصل - يقاتلون الأردوانيّين، وهم: ملوك الطوائف، وهم فيما بين نفّر - قرية من سواد العراق - إلى الأبلّة وأطراف البادية. فلم تدن لهم، فدفعوهم عن بلادهم. وإنما قيل: « الإرمانيّين » لأنّه كان يقال لعاد: « إرم »، فلمّا هلكت، قيل لثمود: « إرم »، ثم سمّوا: « الإرمانيّين » وهم بقايا « إرم »، وهم نبط السواد. ويقال لدمشق: « إرم ».
ثم طلع قوم من تيم الله، وغطفان في من تنخ معهم من الحلفاء والعشائر على الأنبار، على ملك الإرمانيّين. وطلع قوم من كندة وبنى فهم مع من حالفهم. وتنخ بعضهم على نفّر على ملك الأردوانيّين، فأنزلوا الحير، فلم تزل طالعة الأنبار وطالعة نفّر على ذلك، لا يدينون للأعاجم، ولا تدين لهم الأعاجم، حتى قدمها تبّع - وهو أسعد بن مليكيكرب - في جيوشه، فخلّف بها من لم تكن به قوّة ومن لم يقو على الغزو معه، ولا الرجوع إلى بلاده. فانضمّوا إلى أهل الحيرة، وخرج تبّع في حمير سائرا، ثم رجع إليهم، فأقرّهم على حالهم، وانصرف إلى اليمن وفيهم من كلّ القبائل من بنى لحيان - وهم بقايا جرهم - وطيّء، وكلب، وتميم، وغيرهم، واتّصلت جماعتهم وقووا، وكانوا بين الأنبار والحيرة إلى طفّ الفرات في المظالّ والأبنية، وكانوا يسمّون: « عرب الضاحية ».
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)