آمنة الردى وأم الذي أوعدت بالثكل ثاكل وليس بمعطى العفو من غير قدرة ويعفو إذا ما مكنته المقاتل أهاشم يا فتى دين ودنيا ومن هوى في اللباب من اللباب أهابك أن أبوح بذات نفسي وتركي للعتاب من العتاب وقال أشجع بن عمرو في هيبة السلطان: منعت مهابتك النفوس حديثها بالشيء تكرهه وإن لم تعلم ومن الولاة مفخم لا يتقى والسيف تقطر شفرتاه من الدم وقال أيضا لهارون الرشيد: وعلى عدوك يا ابن عم محمد رصدان ضوء الصبح والإظلام فإذا تنبه رعته وإذا غفا سلت عليه سيوفك الأحلام وقال الحسن بن هانئ في الهيبة فأفرط: ملك تصور في القلوب مثاله فكأنه لم يخل منه مكان ما تنطوي عنه القلوب بفجرة إلا يكلمه بها اللحظان حتى الذي في الرحم لم يك صورة لفؤاده من خوفه خفقان فمجاز هذا البيت في إفراطه أن الرجل إذا خاف شيئاً وأحبه أحبه بسمعه وبصره وشعره وبشره ولحمه ودمه وجميع أعضائه فالنطف التي في الأصلاب داخلة في هذه الجملة. قال ألا ترثي لمكتئب يحبك لحمه ودمه ألا ترثي لمكتئب يحبك لحمه ودمه وقال المكفوف في آل محمد عليه السلام: أحبكم حباً على الله أجره تضمنه الأحشاء واللحم والدم وفي مثل هذا قول الحسن بن هانئ: وأخفت أهل الشرك حتى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق فإذا خافه أهل الشرك خافته النطف التي في أصلابهم على المجاز الذي ذكرناه. ومجاز آخر: أن النطف التي أخذ الله عليها ميثاقها يجوز أن يضاف إليها ما هي لا بد فاعلة من قبل أن تفعله كما جاء في الأثر: إن الله عز وجل عرض على آدم ذريته فقال: هؤلاء أهل الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون وهؤلاء أهل النار وبعمل أهل النار يعملون. ومن قولنا في الهيبة: يا من يجرد من بصيرته تحت الحوادث صارم العزم رعت العدو فما مثلت له إلا تفزع منك في الحلم أضحى لك التدبير مطرداً مثل اطراد الفعل للاسم رفع الحسود إليك ناظره فرآك مطلعاً مع النجم تسمو العيون إلى إمام عادل معطى المهابة نافع ضرار ونرى عليه إذا العيون لمحنه سيما الحليم وهيبة الجبار حسن السيرة والرفق بالرعية قال الله تعالى لنبيه محمد (ص) فيما أوصاه به من الرفق بالرعية: " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ". وقال النبي (ص): من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير كله ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير كله. ولما استخلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله أرسل إلى سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب فقال لهما: أشيرا علي. فقال له سالم: اجعل الناس أباً وأخاً وابناً فبر أباك واحفظ أخاك وارحم ابنك. وقال له محمد بن كعب: أحبب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك واعلم أنك لست أول خليفة. وقال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر: يا أبت ما لك لا تنفذ في الأمور فوالله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور. فقال له عمر: لا تعجل يا بني فإن الله تعالى ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعوه وتكون فتنة. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة أما بعد فإن أمكنتك القدرة على المخلوق وقال المنصور لولده عبد الله المهدي: لا تبرم أمراً حتى تفكر فيه فإن فكرة العاقل مرآة تريه حسناته وسيآته. واعلم أن الخليفة لا تصلحه إلا التقوى والسلطان لا تصلحه إلا الطاعة والرعية لا يصلحها إلا العدل. وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وانقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه. وقال خالد بن عبد الله القسري لبلال بن أبي بردة: لا يحملنك فضل المقدرة على شدة السطوة ولا تطلب من رعيتك إلا ما تبذله لها فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وقال أبو عبيد الله كاتب المهدي: ما أحوج ذا القدرة والسلطان إلى دين يحجزه وحياء يكفه وعقل يعقله وإلى تجربة طويلة وعين حفيظة وأعراق تسري إليه وأخلاق تسهل الأمور عليه وإلى جليس شفيق وصاحب رفيق وإلى عين تبصر العواقب وقلب يخاف الغير. ومن لم يعرف لؤم الكبر لم يسلم من فلتات اللسان
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
ولم يتعاظم ذنباً وإن عظم ولا ثناء وإن سمح. وكتب أردشير إلى رعيته: من أردشير المؤيد ملك الملوك ووارث العظماء إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين والأساورة الذين هم حفظة البيضة والكتاب الذين هم زينة المملكة وذوي الحرث الذين هم عماد البلاد: السلام عليكم فإنا بحمد الله إليكم سالمون. فقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا بها إتاوتها الموظفة عليها ونحن مع ذلك كاتبون بوصية فاحفظوها: لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدو ولا تحتكروا فيشملكم القحط وتزوجوا في الأقارب فإنه أمس للرحم وأثبت للنسب ولا تعدوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقي على أحد ولا ترفضوها فإن الآخرة لا تدرك إلا بها. ولما انصرف مروان بن الحكم من مصر إلى الشام استعمل عبد العزيز ابنه على مصر وقال له حين ودعه: أرسل حكيماً ولا توصه. أي بني انظر إلى عمالك فإن كان لهم عندكم حق غدوة فلا تؤخره إلى عشية وإن كان لهم عشية فلا تؤخره إلى غدوة وأعطهم حقوقهم عند محلها تستوجب بذلك الطاعة منهم. وإياك أن يظهر لرعيتك منك كذب فإنهم إن ظهر لهم منك كذب لم يصدقوك في الحق. واستشير جلساءك وأهل العلم فإن لم يستبن لك فاكتب إلي يأتك رأيي فيه إن شاء الله تعالى. وإن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب واحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب منطفئ الجمرة فإن أول من جعل السجن كان حليماً ذا أناة. ثم انظر إلى أهل الحسب والدين والمروءة فليكونوا أصحابك وجلساءك ثم اعرف منازلهم منك على غير استرسال ولا انقباض. أقول هذا واستخلف الله عليك. أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن مجالد عن الشعبي قال: قال زياد: ما غلبني أمير المؤمنين معاوية في شيء من السياسة إلا مرة واحدة استعملت رجلاً فكسر خراجه فخشي أن أعاقبه ففر إليه واستجار به فأمنه. فكتبت إليه: إن هذا أدب سوأ من قبلي. فكتب إلي: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة لا نلين جميعاً فتمرح الناس في المعصية ولا نشتد جميعا فنحمل الناس على المهالك ولكن تكون أنت للشدة والغلظة وأكون أنا للرأفة والرحمة. ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم قالت الحكماء: أحزم الملوك من قهر جده هزله وغلب رأيه هواه وجعل له الفكر صاحباً يحسن له العواقب وأعرب عن ضميره فعله ولم يخدعه رضاه عن سخطه ولا غضبه عن كيده. وقال عبد الملك بن مروان لابنه الوليد وكان ولي عهده: يا بني اعلم أنه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه الرعية إلا حزم أو توان. وقالوا: لا ينبغي للعاقل أن يستصغر شيئاً من الخطأ أو الزلل فإنه متى ما استصغر الصغير يوشك أن يقع الكبير فقد رأينا الملوك تؤتى من العدو المحتقر ورأينا الصحة تؤتى من الداء اليسير ورأينا الأنهار تتدفق من الجداول الصغار. وقالوا: لا يكون الذم من الرعية لراعيها إلا لإحدى ثلاث: كريم قصر به عن قدره فاحتمل لذلك ضغناً أو لئيم بلغ به إلى ما لا يستحق فأورثه ذلك بطراً أو رجل منع حظه من الإنصاف فشكا تفريطا. ومن كتاب للهند: خير الملوك من أشبه النسر حوله الجيف لا من أشبه الجيف حولها النسور. وقيل لملك سلب ملكه: ما الذي سلبك ملكك فقال: دفع شغل اليوم إلى غد والتماس عدة بتضييع عدد واستكفاء كل مخدوع عن عقله. والمخدوع عن عقله من بلغ قدراً لا يستحقه أو أثيب ثواباً لا يستوجبه. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: انتهزوا هذه الفرص فإنها تمر مر السحاب ولا تطلبوا أثراً بعد عين. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحزم الخلفاء. كانت عائشة رضي الله عنها إذا ذكر عمر قالت: كان والله أحوزياً نسيج وحده وقد أعد للأمور أقرانها. وقال المغيرة بن شعبة: ما رأيت أحداً هو أحزم من عمر كان والله له فضل يمنعه أن يخدع وعقل يمنعه أن يخدع. وقال عمر: لست بخب والخب لا يخدعني. ومر عمر رضي الله عنه ببنيان يبنى بآجر وجص فقال: لمن هذا قيل: لعاملك على البحرين. فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها. فأرسل فشاطره ماله. وكان سعد بن أبي وقاص يقال له: المستجاب لقول النبي (ص): اتقوا دعوة سعد. فلما شاطره عمر ماله قال له سعد: لقد
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
هممت. قال له عمر: بأن تدعو علي قال: نعم. قال: إذا لا تجدني بدعاء ربي شقيا. وهجا رجل الشعراء سعد بن أبي وقاص يوم القادسية فقال: ألم تر أن الله اظهر دينه وسعد بباب القادسية معصم فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن أيم فقال سعد: اللهم اكفني يده ولسانه فقطعت يده وبكم لسانه. ولما عزل عمر أبا موسى الأشعري عن البصرة وشاطره ماله وعزل أبا هريرة عن البحرين وشاطره ماله وعزل الحارث بن كعب بن وهب وشاطره ماله دعا أبا موسى فقال له: ما جاريتان بلغني أنهما عندك إحداهما عقيلة والأخرى من بنات الملوك قال: أما عقيلة فإنها جارية بيني وبين الناس وأما التي هي من بنات الملوك فإني أردت بها غلاء الفداء. قال: فما جفنتان تعملان عندك قال: رزقتني شاة في كل يوم فيعمل نصفها غدوة ونصفها عشية. قال: فما مكيالان بلغني أنهما عندك قال: أما أحدهما فأوفي به أهلي وديني. وأما الآخر فيتعامل الناس به. فقال: ادفع إلينا عقيلة والله إنك لمؤمن لا تغل أو فاجر مبل أرجع إلى عملك عاقصاً بقرنك مكتسعاً بذنبك. والله إن بلغني عنك أمر لم أعدك. ثم دعا أبا هريرة فقال له: هل علمت من حين أني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغني أنك ابتعت أفراساً بألف دينار وستمائة دينار قال: كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت. قال: قد حسبت لك رزقك ومؤونتك وهذا فضل فأده. قال: ليس لك ذلك. قال بلى والله وأوجع ظهرك. ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال: إيت بها. قال: احتسبتها عند الله. قال: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعاً. أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين! ما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر. وأميمة أم أبي هريرة. وفي حديث أبي هريرة قال: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله قال: فقلت: ما أنا عدو الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما ما سرقت مال الله. قال: فمن أين لك عشرة آلاف قلت: خيل تناتجت وعطايا تلاحقت وسهام تتابعت. قال: فقبضها مني. فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين. فقال لي بعد ذلك: ألا تعمل قلت: لا. قال: قد عمل من هو خير منك يوسف صلوات الله عليه. قلت: قال: ثم دعا الحارث بن كعب بن وهب فقال: ما قلاص وأعبد بعتها بمائتي دينار قال: خرجت بنفقة معي فتجرت فيها. فقال: أما والله ما بعثناكم لتتجروا في أموال المسلمين! أدها. فقال: أما والله لا عملت عملاً بعدها أبداً. قال: انتظر حتى استعملك. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر: من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص سلام عليك أما بعد فإنه بلغني أنك فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد. وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك فاكتب إلي من أين أصل هذا المال ولا تكتمه. فكتب إليه: من عمرو بن العاص إلى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين. سلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد. فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وأنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي. وإني اعلم أمير المؤمنين أني ببلد السعر به رخيص وأني من الحرفة والزراعة ما يعالجه أهله وليس في رزق أمير المؤمنين سعة. وبالله لو رأيت خيانتك حلالاً ما خنتك فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحساباً هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها. ولعمري إن عندك من لا يذم معيشته ولا تذم له. وذكرت أن عنك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فأنى كان ذلك ولم نفتح قفلك ولم نشركك في عملك. فكتب إليه عمر: أما بعد فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر ونسقك الكلام في غير مرجع! وما يغني عنك أن تزكي نفسك وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك. فإنكم أيها الرهط الأمراء جلستم على عيون المال ثم لم يعوزكم عذر تجمعون لأبنائكم وتمهدون لأنفسكم. أما تجمعون العار وتورثون النار والسلام. فلما قدم عليه محمد بن مسلمة صنع له عمرو طعاماً كثيراً. فأبى محمد بن مسلمة أن يأكل منه شيئاً. فقال له عمر: أتحرمون طعامنا فقال: لو قدمت إلي طعام الضيف أكلته ولكنك قدمت إلى طعاماً هو تقدمة شر. والله لا أشرب عندك الماء فاكتب لي كل شيء هو لك ولا تكتمه. فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه. فأخذ إحداهما وترك الأخرى. فغضب عمرو بن العاص فقال: يا محمد بن مسلمة قبح الله زماناً عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل. والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلى ابنه مثلها وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزوراً بالذهب والفضة. قال له محمد ابن مسلمة: اسكت والله عمر خير منك وأما أبوك وأبوه ففي النار. والله لولا الزمان الذي سبقك فيه لألفيت مقتعد شاة يسرك غزرها ويسوءك بكؤها. فقال عمرو: هي عندك بأمانة الله. فلم يخبر بها عمر.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)