عَقْلك قال‏:‏ ما دخلتُ في شيء قَط إلا خَرجتُ وقال الأصمعيُ‏:‏ ما سَمِعتً الحسن بنَ سهل مُذْ صار في مَرْتبة الوزارة يتَمثّل إلاّ بهذين البيتين‏:‏ وما بَقيتْ من اللَّذّات إلا مًحادثةُ الرِّجال ذوي العُقول وقد كَانوا إذا ذُكِرُوا قليلاً فقد صارُوا أقلَّ من القَلِيل وقال محمدُ بنُ عبد الله بن طاهر ‏"‏ ويرْوي لمحمود الورّاق ‏"‏‏:‏ لَعَمْرك ما بالعَقْل يكتسب الغِنَى ولا باكتِسَاب المال يُكتَسَب العقلُ وكَمْ من قَليل المال يُحمد فَضْله وآخرَ ذىِ مال وليس له فَضْل وما سَبقَت من جاهل قطًّ نِعْمَة إلى أحدٍ إلا أضّرَ بها الجَهْل وذو اللُّبّ إن لم يُعْطِ أحمدتَ عقلَه وإن هو أعطَى زانه القَوْلً والفِعْلُ وقال محمد بنُ مُناذر‏:‏ وتَرى الناسَ كثيراً فإذا عُدَّ أهل العَقْل قلُّوا في العَدَدْ لا يقلُّ المَرْء في القَصْد ولا يَعدم القِلَة مَنْ لم يقتصد لا تعد ْشرّاً وعِد خيراً ولا تُخْلِف الوَعْدَ وعَجِّل ما تَعد يُعْرَف عَقْل المَرْءِ في أربَع مشيته أولها والحَرَكْ ودوْر عَيْنيه وألفاظه بعدُ عليهنّ يَدُورِ الفلكَ ورُبَّما أَخْلفن إلاّ التي آخرُها منهنَ سُمين لك هَذِي دَليلات على عَقْله والعقلُ في أركانه كاْلمَلِك إِنْ صحَّ صحَ المرءُ من بعده ويهْلِك المرءُ إذا ما هَلك فانظرُ إلى مَخْرج تَدْبِيره وعقْلِهِ ليس إلى ما ملك فرُّبما خَلَّط أهلُ الحِجَا وقد يكون النَّوْك في ذي النُّسك فإنْ إمام سالَ عن فاضل فادلُل على العاقل لا أمَّ لك وكان هَوْذة بن عليّ الحَنفيّ يُجيز لَطِيمة كِسْرِى في كلِّ عام - واللِّطِيمة عِير تَحْمِل الطِّيبَ والبَزّ - فوفَد على كِسرى فسأله عن بَنِيه فسمَّى له عدداً فقال‏:‏ أيهم أحب إليك قال‏:‏ الصَغير حتى يَكْبُر والغائبُ حتى يرْجِع والمَريض حتى يُفيق فقال له‏:‏ ما غِذاؤك في بلدك قال‏:‏ الخُبز فقال كسرى لجلسائه‏:‏ هذا عَقْل الخبز يُفضِّله عَلَى عُقول أهل البَوادي الذين غِذَاؤهم اللَّبن والتمر‏.‏ وهوذة بن علي الحنفي هو الذي يقول فيه أعشى بكر‏:‏ له أكاليلُ بالياقوت فَضَّلًها صَوَاغُها لا تَرَى عيباَ ولا طَبعا وقال أبو عُبَيدة عن أبي عمرو‏:‏ لم يَتَتوّج مَعدِّيّ قطُّ وإنما كانت التِّيجان لليمن فسألتُه عن هوذة بن عليّ الحنفي فقال‏:‏ إنما كانت خَرَزات تُنظم له‏.‏ وقد كتب النبي إلى هَوْذة بن عليّ يدْعوه إلى الإسلام كما كتب إلى الملوك‏.‏ وفي بعض الحديث‏:‏ إنَّ الله عزَّ وجلّ لما خلق العقل قال‏:‏ أقْبِل فأقْبل ثم قال له‏:‏ أَدْبِر فأدبر‏.‏ فقال‏:‏ وعزَّتي وجَلالي ما خلقتُ خَلْقاً أحبَّ إليَّ منك ولا وَضَعتُك إلا في أحَبِّ الْخَلْق إلي‏.‏ وبالعقل أَدْرك الناس معرفةَ الله عزَّ وجلّ ولا يشُكّ فيه أحدٌ من أهل العقول يقول الله عز وجلّ في جميع الأُمم‏:‏ ‏"‏ وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنّ الله ‏"‏‏.‏ وقال أهلُ التفسير في قول الله ‏"‏ قسَم لِذِي حِجْر ‏"‏ قالوا‏:‏ لذي عَقل‏.‏ وقالوا‏:‏ ظنُّ العاقل كهانة‏.‏ وقال الحسنُ البَصْريّ‏:‏ لو كان للناس كلِّهم عُقول خَرِبت الدنيا‏.‏ وقال الشاعر‏:‏ يُعَد رفيِع القَوم مَن كَان عاقلاً وإن لم يكُن في قَوْمه بحَسيبِ وإِنْ حل أرضاَ عاش فيها بعَقله وما عاقلٌ في بلده بغَريب وقال الأحْنف بن قيْس أنا للعاقل المدبر أرْجى منِّي للأحْمق المقبل‏.‏ ‏"‏ قال‏:‏ ولما أهْبط الله عز وجلّ آدمَ عليه السلام إلى الأرض أتاه جبْريل عليه السلاٍم فقال له‏:‏ يا آدم إنّ الله عزّ وجلّ قد حَبَاك بثلاث خصالٍ لتختارَ منها واحدة وتَتَخَلى عن اثنتين قال‏:‏ وما هنَّ قال‏:‏ الحياء والدِّين والعَقْل‏.‏ قال آدم‏:‏ اللهم إنَي اخترت العقلَ‏.‏ فقال جبريلُ عليه السلامُ للحياء والدين‏:‏ ارتفِعَا قالا‏:‏ لن نَرتفع قال جبريلُ عليه السلام‏:‏ أعَصَيتُما قالا‏:‏ لا ولكنا أمرْنا أن لا نُفارق العقلَ حيث كان‏.‏