صفحة 2 من 27 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 5 إلى 8 من 108

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم حمل عبد الله بن الطفيل البكائي على جمع لأهل الشأم، فلما انصرف حمل عليه رجل من بني تميم - يقال له قيس بن قرة، ممن لحق بمعاوية من أهل العراق - فيضع الرمح بين كتفي عبد الله بن الطفيل، ويعترضه يزيد ابن معاوية، ابن عم عبد الله بن الطفيل، فيضع الرمح بين كتفي التميمي، فقال: والله لئن طعنته لأطعننك، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لئن رفعت السنان على ظهر صاحبك لترفعن سنانك عني! فقال له: نعم، لك بذلك عهد الله؛ فرفع السنان عن ابن الطفيل، ورفع يزيد السنان عن التميمي، فقال: ممن أنت؟ قال: من بني عامر؛ فقال له: جعلني الله فداكم! أينما ألفكم ألفكم كرامًا، وإني لحادي عشر رجلًا من أهل بيتي ورهطي قتلتموهم اليوم، وأنا كنت آخرهم. فلما رجع الناس إلى الكوفة عتب على يزيد بن الطفيل في بعض ما يعتب فيه الرجل على ابن عمه، فقال له:
    ألم ترني حاميت عنك مناصحًا ** بصفين إذ خلاك كل حميم
    ونهنهت عنك الحنظلي وقد أتى ** على سابحٍ ذي يمعةٍ وهزيم!
    قال أبو مخنف: حدثني فضيل بن خديج، قال: خرج رجل من أهل الشأم يدعو إلى المبارزة، فخرج إليه عبد الرحمن بن محرز الكندي، ثم الطمحي، فتجاولا ساعة. ثم إن عبد الرحمن حمل على الشأمي فطعنه في ثغرة نحره فصرعه، ثم نزل إليه فسلبه درعه وسلاحه، فإذا هو حبشي، فقال: إنا لله! لمن أخطرت نفسي! لعبد أسود! وخرج رجل من عك يسأل المبارزة، فخرج إليه قيس بن فهدان الكناني، ثم البدني، فحمل عليه العكي فضربه واحتمله أصحابه فقال قيس بن فهدان:
    لقد علمت عكٌّ بصفين أننا ** إذا التقت الخيلان نطعنها شزرا
    ونحمل رايات الطعان بحقها ** فنوردها بيضًا ونصدرها حمرا
    قال أبو مخنف: وحدثني فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه فيقول: شدوا إذا شددتم جميعًا، وإذا انصرفتم فأقبلوا معًا، وغضوا الأبصار، وأقلوا اللفظ، واعتوروا الأقران، ولا يؤتين من قبلكم العرب. قال: وقتل نهيك بن عزير - من بني الحارث بن عدي وعمرو بن يزيد من بني ذهل، وسعيد بن عمرو - وخرج قيس بن يزيد وهو ممن فر إلى معاوية من علي، فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه أخوه أبو العمرطة بن يزيد، فتعارفا، فتواقفا وانصرفا إلى الناس، فأخبر كل واحد منهما أنه لقي أخاه.
    قال أبو مخنف: حدثني جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين الطائي، أن طيئًا يوم صفين قاتلت قتالًا شديدًا، فعبيت لهم جموع كثيرة، فجاءهم حمزة بن مالك الهمداني، فقال: ممن أنتم، لله أنتم! فقال عبد الله ابن خليفة البولاني - وكان شيعيًا شاعرًا خطيبًا: نحن طيىء السهل وطيىء الرمل، وطيىء الجبل، الممنوع ذي النخل؛ نحن حماة الجبلين، إلى ما بين العذيب والعين، نحن طيىء الرماح، وطيىء النطاح، وفرسان الصباح. فقال حمزة بن مالك: بخٍ بخٍ! إنك لحسن الثناء على قومك؛ فقال:
    إن كنت لم تشعر بنجدة معشرٍ ** فأقدم علينا ويب غيرك تشعر
    ثم اقتتل الناس أشد القتال، فأخذ يناديهم ويقول: يا معشر طيىء، فدىً لكم طارفي وتالدي! قاتلوا على الأحساب، وأخذ يقول:
    أنا الذي كنت إذا الداعي دعا ** مصممًا بالسيف ندبًا أروعا
    فأنزل المستلئم المقنعا ** وأقتل المبالط السميدعا
    وقال بشر بن العسوس الطائي ثم الملقطي:
    يا طيىء السهول والأجبال ** ألا انهدوا بالبيض والعوالي
    وبالكماة منكم الأبطال ** فقارعوا أئمة الجهال
    السالكين سبل الضلال
    ففقئت يومئذ عين ابن العسوس، فقال في ذلك:
    ألا ليت عيني هذه مثل هذه ** فلم أمش في الآناس إلا بقائد
    ويا ليتني لم أبق بعد مطرفٍ ** وسعدٍ وبعد المستنير بن خالد
    فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم ** إذا الحرب أبدت عن خدام الخرائد
    ويا ليت رجلي ثم طنت بنصفها ** ويا ليت كفي ثم طاحت بساعدي
    قال أبو مخنف: حدثني أبو الصلت التيمي، قال: حدثني أشياخ محارب، أنه كان منهم رجل يقال له خنثر بن عبيدة بن خالد، وكان من أشجع الناس، فلما اقتتل الناس يوم صفين، جعل يرى أصحابه منهزمين، فأخذ ينادي: يا معشر قيس، أطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الرحمن! الفرار فيه معصية الله سبحانه وسخطه، والصبر فيه طاعة الله عز وجل ورضوانه، فتختارون سخط الله تعالى على رضوانه، ومعصيته على طاعته! فإنما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبًا لنفسه. وقال:
    لا وألت نفس امرىءٍ ولى الدبر ** أنا الذي لا ينثني ولا يفر
    ولا يرى مع المعازيل الغدر
    فقاتل حتى ارتث. ثم إنه خرج مع الخمسمائة الذين كانوا اعتزلوا مع فروة بن نوفل الأشجعي، فنزلوا بالدسكرة والبندنيجين، فقاتلت النخع يومئذ قتالًا شديدًا، فأصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة وحيان بن هوذة وشعيب بن نعيم من بني بكر النخع، وربيعة بن مالك بن وهبيل، وأبي بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه، وقطعت رجل علقمة يومئذ، فكان يقول: ما أحب أن رجلي اصح ما كانت، وإنها لمما أرجو به حسن الثواب من ربي عز وجل. وقال: لقد كنت أحب أن أرى في نومي أخي أو بعض إخواني، فرأيت أخي في النوم فقلت: يا أخي، ماذا قدمتم عليه؟ فقال لي: إنا التقينا نحن والقوم، فاحتججنا عند الله عز وجل، فحججناهم، فما سررت منذ عقلت سروري بتلك الرؤيا.
    قال أبو مخنف: حدثني سويد بن حية الأسدي، عن الحضين ابن المنذر، أن أناسًا كانوا أتوا عليًا قبل الوقعة فقالوا له: إنا لا نرى خالد بن المعمر إلا قد كاتب معاوية، وقد خشينا أن يتابعه. فبعث إليه علي وإلي رجال من أشرافنا، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد يا معشر ربيعة، فأنتم أنصاري ومجيبو دعوتي ومن أوثق حيٍّ في العرب في نفسي، وقد بلغني أن معاوية قد كاتب صاحبكم خالد بن المعمر، وقد أتيت به، وجمعتكم لأشهدكم عليه ولتسمعوا أيضًا ما أقوله. ثم أقبل عليه، فقال: يا خالد بن المعمر، إن كان ما بلغني حقًا فإني أشهد الله ومن حضرني من المسلمين أنك آمنٌ حتى تلحق بأرض العراق أو الحجاز أو أرضٍ لا سلطان لمعاوية فيها، وإن كنت مكذوبًا عليك، فإن صدورنا تطمئن إليك. فحلف بالله ما فعل، وقال جال منا كثير: لو كنا نعلم أنه فعل أمثلناه، فقال شقيق بن ثور السدوسي: ما وفق خالد بن المعمر أن نصر معاوية وأهل الشأم على علي وربيعة؛ فقال زياد بن خصفة التيمي: يا أمير المؤمنين، استوثق من ابن المعمر بالأيمان لا يغدرنك. فاستوثق منه، ثم انصرفنا. فلما كان يوم الخميس انهزم الناس من قبل الميمنة، فجاءنا علي حتى انتهى إلينا ومعه بنوه، فنادى بصوت عالٍ جهير، كغير المكترث لما فيه الناس: لمن هذه الرايات؟ قلنا: رايات ربيعة، فقال: بل هي رايات الله عز وجل، عصم الله أهلها، فصبرهم، وثبت أقدامهم. ثم قال لي: يا فتى، ألا تدني رايتك هذه ذراعًا؟ قلت: نعم والله وعشرة أذرع؛ فقمت بها فأدنيتها، حتى قال: إن حسبك مكانك، فثبت حيث أمرني، واجتمع أصحابي.
    قال أبو مخنف: حدثنا أبو الصلت التيمي، قال: سمعت أشياخ الحي من تيم الله بن ثعلبة يقولون: إن راية ربيعة؛ أهل كوفتها وبصرتها، كانت مع خالد بن المعمر من أهل البصرة. قال: وسمعتهم يقولون: إن خالد ابن المعمر وسفيان بن ثور السدوسي اصطلحا على أن وليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين بن المنذر الذهلي، وتنافسا في الراية، وقالا: هذا فتىً منا له حسب، نجعلها له حتى نرى من رأينا.
    ثم إن عليًا ولى خالد بن المعمر بعد راية ربيعة كلها. قال: وضرب معاوية لحمير بسهمهم على ثلاث قبائل، لم تكن لأهل العراق قبائل أكثر عددًا منها يومئذ: على ربيعة وهمدان ومذحج، فوقع سهم حمير على ربيعة، فقال ذو الكلاع: قبحك الله من سهم! كرهت الضراب! فأقبل ذو الكلاع في حمير ومن تعلقها، ومعهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشأم، وعلى ميمنتهم ذو الكلاع، فحملوا على ربيعة، وهم ميسرة أهل العراق، وفيهم ابن عباس، وهو على الميسرة، فحمل عليهم ذو الكلاع وعبيد الله بن عمر حملةً شديدة بخيلهم ورجلهم، فتضعضعت رايات ربيعة إلا قليلًا من الأخيار والأبدال. قال: ثم إن أهل الشأم انصرفوا، فلم يمكثوا إلا قليلًا حتى كروا، وعبيد الله بن عمر يقول: يا أهل الشأم، إن هذا الحي من أهل العراق قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأنصار علي بن أبي طالب، وإن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثأركم في عثمان وهلك علي بن أبي طالب وأهل العراق، فشدوا على الناس شدةً، فثبتت لهم ربيعة، وصبروا صبرًا حسنًا إلا قليلًا من الضعفاء والفشلة، وثبت أهل الرايات وأهل الصبر منهم والحفاظ، فلم يزولوا، وقاتلوا قتالًا شديدًا. فلما رأى خالد بن المعمر ناسًا من قومه انصرفوا انصرف، ولما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا ورأى قومه قد صبروا رجع وصاح بمن انهزم، وأمرهم بالرجوع، فقال: من أراد من قومه أن يتهمه؛ أراد الانصراف. فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا وقال هو: لما رأيت رجالًا منا انهزموا رأيت أن أستقبلهم وأردهم إليكم، وأقبلت غليكم فيمن أطاعني منهم، فجاء بأمر مشبه.
    قال أبو مخنف: حدثني رجل من بكر بن وائل، عن محرز بن عبد الرحمن العجلي، أن خالدًا قال يومئذ: يا معشر ربيعة، إن الله عز وجل قد أتى بكل رجل منكم من منبته ومسقط رأسه، فجمعكم في هذا المكان جمعًا لم يجمعكم مثله منذ نشرك في الأرض، فإن تمسكوا بأيديكم، وتنكلوا عن عدوكم، وتزولوا عن مصافكم لا يرض الله فعلكم، ولا تقدموا من الناس صغيرًا أو كبيرًا إلا يقول: فضحت ربيعة الذمار، وحاصت عن القتال، وأتيت من قبلها العرب، فإياكم أن يتشاءم بكم العرب والمسلمون اليوم. وإنكم إن تمضوا مقبلين مقدمين، وتصيروا محتسبين فإن الإقدام لكم عادة، والصبر منكم سجية، واصبروا ونيتكم صادقة أن تؤجروا، فإن ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة الآخرة، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملًا.
    فقام رجل من ربيعة فقال: ضاع والله أمر ربيعة حين جعلت إليك أمورها! تأمرنا ألا نزول ولا نحول حتى تقتل أنفسنا، وتسفك دماءنا! ألا ترى الناس قد انصرف جلهم! فقام إليه رجال من قومه فنهروه وتناولوه بألسنتهم. فقال لهم خالد: أخرجوا هذا من بينكم، فإن هذا إن بقي فيكم ضركم، وإن خرج منكم لم ينقصكم، هذا الذي لا ينقص العدد، ولا يملأ البلد، برحك الله من خطيب قوم كرام! كيف جنبت السداد! واشتد قتال ربيعة وحمير وعبيد الله بن عمر حتى كثرت بينهم القتلى، فقتل سمير بن الريان بن الحارث العجلي، وكان من أشد الناس بأسًا.
    قال أبو مخنف: حدثني جيفر بن أبي القاسم العبدي، عن يزيد بن علقمة، عن زيد بن بدر العبدي، أن زياد بن خصفة أتى عبد القيس يوم صفين وقد عبيت قبائل حمير مع ذي الكلاع - وفيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب - لبكر بن وائل، فقوتلوا قتالًا شديدًا، خافوا فيه الهلاك. فقال زياد بن خصفة: يا عبد القيس، لا بكر بعد اليوم. فركبنا الخيول، ثم مضينا فواقفناهم، فما لبثنا إلا قليلًا حتى أصيب ذو الكلاع، وقتل عبيد الله بن عمر رضي الله عنه، فقالت همدان: قتله هانىء بن خطاب الأرحبي؛ وقالت حضرموت: قتله مالك بن عمرو التنعي، وقالت بكر ابن وائل: قتله محرز بن الصحصح من بني عائش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة، وأخذ سيفه ذا الوشاح، فأخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل، فقالوا: إنما قتله رجل منا من أهل البصرة، يقال له: محرز بن الصحصح، فبعث إليه بالبصرة فأخذ منه السيف، وكان رأس النمر بن قاسط عبد الله بن عمرو من بني تيم الله بن النمر.
    قال هشام بن محمد: الذي قتل عبيد الله بن عمر رضي الله عنه محرز بن الصحصح، وأخذ سيفه ذا الوشاح، سيف عمر، وفي ذلك قول كعب بن جعيل التغلبي:
    ألا إنما تبكي العيون لفارسٍ ** بصفين أجلت خيله وهو واقف
    يبدل من أسماء أسياف وائلٍ ** وكان فتىً لو أخطأته المتالف
    تركن عبيد الله بالقاع مسندًا ** تمج دم الخرق العروق الذوارف
    وهي أكثر من هذا. وقتل منهم يومئذ بشر بن مرة بن شرحبيل، والحارث بن شرحبيل، وكانت أسماء ابنة عطارد بن حاجب التميمي تحت عبيد الله بن عمر، ثم خلف عليها الحسن بن علي.
    قال أبو مخنف: حدثني ابن أخي غياث بن لقيط البكري أن عليًا حيث انتهى إلى ربيعة، تبارت ربيعة بينها، فقالوا: إن أصيب علي فيكم وقد لجأ إلى رايتكم افتضحتم. وقال لهم شقيق بن ثور: يا معشر ربيعة، لا عذر لكم في العرب إن وصل إلى علي فيكم وفيكم رجلٌ حي، وإن منعتموه فمجد الحاية اكتسبتموه. فقاتلوا قتالًا شديدًا حين جاءهم علي لم يكونوا قاتلوا مثله، ففي ذلك قال علي:
    لمن رايةٌ سوداء يخفق ظلها ** إذا قيل قدمها حضين تقدما
    يقدمها في الموت حتى يزيرها ** حياض المنايا تقطر الموت والدما
    جزى الله قومًا صابروا في لقائهم ** لدى الموت قومًا ما أعف وأكرما!
    وأطيب أخبارًا وأكرم شيمةً ** إذا كان أصوات الرجال تغمغما
    ربيعة أعني أنهم أهل نجدة ** وبأسٍ إذا لاقوا جسيمًا عرمرما
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    هشام، عن أبي مخنف، قال: حدثني مالك بن أعين الجهني، عن زيد ابن وهب يشتمونه، فخبر بذلك، فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال: انهدوا إليهم، عليكم السكينة والوقار، وقار الإسلام، وسيما الصالحين، فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة، وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حدًا في الإسلام، وهم أولى من يقومون فينقصونني ويجدبونني، وقبل اليوم قاتلوني وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام، وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام، الحمد لله، قديمًا عاداني الفاسقون قعديهم الله ألم يقبحوا! إن هذا لهو الخطب الجليل؛ إن فساقًا كانوا غير مرضيين، وعلى الإسلام وأهله متخوفين، خدعوا شطر هذه الأمة، وأشربوا قلوبهم حب الفتنة، واستمالوا أهواءهم بالإفك والبهتان، قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عز وجل، اللهم فافضض خدمتهم، وشتت كلمتهم، وأبسلهم بخطاياهم فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.
    قال أبو مخنف: حدثني نمير بن وعلة، عن الشعبي، أن عليًا مر بأهل راية فرآهم لا يزولون عن موقفهم، فحرض عليهم الناس، وذكر أنهم غسان، فقال: إن هؤلاء لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منهم النسم، وضرب يفلق منه الهام، ويطيح بالعظام، وتسقط منه المعاصم والأكف، وحتى تصدع جباههم بعمد الحديد، وتنتشر حواجبهم على الصدور والأذقان. أين أهل الصبر، وطلاب الأجر! فثاب إليه عصابة من المسلمين، فدعا ابنه محمدًا؛ فقال: امش نحو أهل هذه الراية مشيًا رويدًا على هينتك، حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح، فأمسك حتى يأتيك رأيي. ففعل، وأعد عليٌّ مثلهم، فلما دنا منهم فأشرع بالرماح في صدورهم أمر علي الذين أعد فشدوا عليهم، وأنهض محمدًا بمن معه في وجوههم، فزالوا عن مواقفهم، وأصابوا منهم رجالًا، ثم اقتتل الناس بعد المغرب قتالًا شديدًا، فما صلى أكثر الناس إلا إيماء.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو بكر الكندي، أن عبد الله بن كعب المرادي قتل يوم صفين، فمر به الأسود بن قيس المرادي، فقال: يا أسود، قال: لبيك! وعرفه وهو بآخر رمق، فقال: عز والله علي مصرعك، أما والله لو شهدتك لآسيتك، ولدافعت عنك، ولو عرفت الذي أشعرك لأحببت ألا يتزايل حتى أقتله أو ألحق بك. ثم نزل إليه فقال: أما والله إن كان جارك ليأمن بوائقك، وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيرًا، أوصني رحمك الله! فقال: أوصيك بتقوى الله عز وجل، وأن تناصح أمير المؤمنين، وتقاتل معه المحلين حتى يظهر أو تلحق بالله. قال: وابلغه عني السلام، وقل له: قاتل عن المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك، فإنه من أصبح غدًا والمعركة خلف ظهره كان العالي، ثم لم يلبث أن مات، فأقبل الأسود إلى علي فأخبره، فقال رحمه الله! جاهد فينا عدونا في الحياة، ونصح لنا في الوفاة.
    قال أبو مخنف: حدثني محمد بن إسحاق مولى بني المطلب، أن عبد الرحمن ابن حنبل الجمحي، هو الذي أشار على علي بهذا الرأي يوم صفين.
    قال هشام: حدثني عوانة، قال: جعل ابن حنبل يقول يومئذ:
    إن تقتلوني فأنا ابن حنبل ** أنا الذي قد قلت فيكم نعثل
    رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف: قال أبو مخنف. فاقتتل الناس تلك الليلة كلها حتى الصباح؛ وهي ليلة الهرير، حتى تقصفت الرماح ونفد النبل، وصار الناس إلى السيوف، وأخذ علي يسير فيما بين الميمنة والميسرة، ويأمر كل كتيبة من القراء أن تقدم على التي تليها، فلم يزل يفعل ذلك بالناس ويقوم بهم حتى أصبح والمعركة كلها خلف ظهره، والأشتر في ميمنة الناس، وابن عباس في الميسرة، وعلي في القلب، والناس يقتتلون من كل جانب، وذلك يوم الجمعة، وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة ويقاتل فيها، وكان قد تولاها عشية الخميس وليلة الجمعة إلى ارتفاع الضحى، وأخذ يقول لأصحابه: ازحفوا قيد هذا الرمح، وهو يزحف بهم نحو أهل الشأم، فإذا فعلوا قال: ازحفوا قاد هذا القوس، فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك، حتى مل أكثر الناس الإقدام، فلما رأى ذلك الأشتر قال: أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم، ثم دعا بفرسه، وترك رايته مع حيان بن هوذة النخعي، وخرج يسير في الكتائب ويقول: من يشتري نفسه من الله عز وجل، ويقاتل مع الأشتر، حتى يظهر أو يلحق بالله! فلا يزال رجل من الناس قد خرج إليه، وحيان بن هوذة.
    قال أبو مخنف: عن أبي جناب الكلبي، عن عمارة بن ربيعة الجرمي، قال: مر بي والله الأشتر فأقبلت معه، واجتمع إليه ناسٌ كثير، فأقبل حتى رجع إلى المكان الذي كان به الميمنة، فقام بأصحابه، فقال: شدوا شدة، - فدىً لكم عمي وخالي - ترضون بها الرب، وتعزون بها الدين، إذا شددت فشدوا، ثم نزل فضرب وجه دابته، ثم قال لصاحب رايته: قدم بها، ثم شد على القوم، وشد معه أصحابه، فضرب أهل الشأم حتى انتهى بهم إلى عسكرهم؛ ثم إنهم قاتلوه عند العسكر قتالًا شديدًا، فقتل صاحب رايته، وأخذ علي - لما رأى من الظفر من قبله - يمده بالرجال.
    قال حدثني عبد الله، عن جويرية، قال: قال عمرو بن العاص يوم صفين لوردان: تدري ما مثلي ومثلك! مثل الأشقر إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر، لئن تأخرت لأضربن عنقك، ائتوني بقيد، فوضعه في رجليه فقال: أما والله يا أبا عبد الله لأوردنك حياض الموت، ضع يدك على عاتقي، ثم جعل يتقدم وينظر إليه أحيانًا، ويقول: لأوردنك: حياض الموت.
    رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف. فلما رأى عمرو بن العاص أن أمر أهل العراق قد اشتد، وخاف في ذلك الهلاك، قال لمعاوية: هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا اجتماعًا، ولا يزيدهم إلا فرقة؟ قال: نعم؛ قال: نرفع المصاحف ثم نقول: ما فيها حكمٌ بيننا وبينكم، فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول: بلى، ينبغي أن نقبل، فتكون فرقة تقع بينهم، وإن قالوا: بلى، نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب إلى أجل أو إلى حين. فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام! ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق! فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت، قالوا: نجيب إلى كتاب الله عز وجل وننيب إليه.
    ما روي من رفعهم المصاحف ودعائهم إلى الحكومة

    قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي، عن أبيه أن عليًا قال: عباد الله، امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالًا، وصحبتهم رجالًا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، ويحكم! إنهم ما رفعوها، ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها، وما رفعوها لكم إلا خديعةً ودهنًا ومكيدة، فقالوا له: ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله؛ فقال لهم: فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فإنهم قد عصوا الله عز وجل فيما أمرهم ونسوا عهده، ونبذوا كتابه. فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي، في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا علي، أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه، وإلا ندفعك برمتك إلى القوم، أو نفعل كما فعلنا بابن عفان؛ إنه علينا أن نعمل بما في كتاب الله عز وجل فقبلنانه؛ والله لتفعلنها أو لنفعلنها بك. قال: فاحفظوا عني نهيي إياكم، واحفظوا مقالتكم لي، أما أنا فإن تطيعوني تقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم! قالوا له: إما لا فابعث إلى الأشتر فليأتك.
    قال أبو مخنف: حدثني فضيل بن خديج الكندي، عن رجل من النخع، أنه رأى إبراهيم بن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير، قال: كنت عند علي حين أكرهه الناس على الحكومة، وقالوا: ابعث إلى الأشتر فليأتك، قال: فأرسل علي إلى الأشتر يزيد بن هانىء السبيعي: أن ائتني؛ فأتاه فبلغه، فقال: قل له ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي، إني قد رجوت أن يفتح لي، فلا تعجلني. فرجع يزيد بن هانىء إلى علي فأخبره، فما هو إلا أن انتهى إلينا، فارتفع الرهج، وعلت الأصوات من قبل الأشتر، فقال له القوم: والله ما نراك إلا أمرته أن يقاتل؛ قال: من أين ينبغي أن تروا ذلك! رأيتموني ساررته؟ أليس إنما كلمته على رءوسكم علانية، وأنتم تسمعونني! قالوا: فابعث إليه فليأتك، وإلا والله اعتزلناك. قال له: ويحك يا يزيد! قل له: أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت، فأبلغه ذلك، فقال له: ألرفع المصاحف؟ قال: نعم؛ قال: أما والله لقد ظننت حين رفعت أنها ستوقع اختلافًا وفرقة، إنها مشورة ابن العاهرة، ألا ترى ما صنع الله لنا! أينبغي أن أدع هؤلاء وانصرف عنهم! وقال يزيد بن هانىء: فقلت له: أتحب أنك ظفرت ها هنا، وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه أو يسلم؟ قال: لا والله، سبحان الله! قال: فإنهم قد قالوا: لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك كما قتلنا ابن عفان. فأقبل حتى انتهى إليهم فقال: يا أهل العراق، يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم القوم ظهرًا، وظنوا أنكم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها! وقد والله تركوا ما أمر الله عز وجل به فيها، وسنة من أنزلت عليه ، فلا تيجبوهم، أمهلوني عدو الفرس، فإني قد طمعت في النصر؛ قالوا: إذًا ندخل معك في خطيئتك؛ قال: فحدثوني عنكم، وقد قتل أماثلكم، وبقي أراذلكم، متى كنتم محقين! أحين كنتم تقاتلون وخياركم يقتلون! فأنتم الآن إذ أمسكتم عن القتال مبطلون، أم الآن أنتم محقون، فقتلاكم الذين لا تنكرون فضلهم فكانوا خيرًا منكم في النار إذًا! قالوا: دعنا منك يا أشتر، قاتلناهم في الله عز وجل، وندع قتالهم لله سبحانه، إنا لسنا مطيعيك ولا صاحبك، فاجتنبنا، فقال: خدعتم والله فانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم. يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن صلواتكم زهادةً في الدنيا وشوقًا إلى لقاء الله عز وجل، فلا أرى فلااركم إلا إلى الدنيا من الموت، ألا قبحًا يا أشباه النيب الجلالة! وما أنتم برائين بعدها عزًا أبدًا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون! فسبوه، فسبهم، فضربوا وجه دابته بسياطهم، وأقبل يضرب بسوطه وجوه دوابهم، وصاح بهم علي فكفوا؛ وقال للناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكًا، فجاء الأشعث بن قيس إلى علي فقال له: ما أرى الناس إلا قد رضوا، وسرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد، فنظرت ما يسأل؛ قال: ائته إن شئت فسله، فأتاه فقال: يا معاوية، لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله عز وجل به في كتابه، تبعثون منكم رجلًا ترضون به، ونبعث منا رجلًا، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه، ثم نتبع ما اتفقا عليه، فقال له الأشعث بن قيس: هذا الحق، فانصرف إلى علي فأخبره بالذي قال معاوية؛ فقال الناس: فإنا قد رضينا وقبلنا، فقال أهل الشأم: فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص؛ فقال الأشعث وأولئك الذين صاروا خوارج بعد: فإنا قد رضينا بأبي موسى الأشعري، قال علي: فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر، فلا تعصوني الآن، إني لا أرى أن أولي أبا موسى. فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي: لا نرضى إلا به، فإنه ما كان يحذرنا منه وقعنا فيه؛ قال علي: فإنه ليس لي بثقة، قد فارقنين وخذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنته بعد أشهر، ولكن هذا ابن عباس نوليه ذلك، قالوا: ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس! لا نريد إلا رجلًا هو منك ومن معاوية سواء، ليس إلى واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر، فقال علي: فإني أجعل الأشتر.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب الكلبي، أن الأشعث قال: وهل سعر الأرض غير الأشتر؟!


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    قال أبو مخنف؛ عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه: إن الأشعث قال: وهل نحن إلا في حكم الأشتر! قال علي: وما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضًا بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد؛ قال: فقد أبيتم إلا أبا موسى! قالوا: نعم؛ قال: فاصنعوا ما أردتم؛ فبعثوا إليه وقد اعتزل القتال، وهو بعرضٍ، فأتاه مولىً له؛ فقال: إن الناس قد اصطلحوا؛ فقال: الحمد لله رب العالمين! قال: قد جعلوك حكمًا؟ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! وجاء أبو موسى حتى دخل العسكر، وجاء الأشتر حتى أتى عليًا فقال: ألزني بعمرو بن العاص، فوالله الذي لا إله إلا هو، لئن ملأت عيني منه لأقتلنه، وجاء الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين، إنك قد رميت بحجر الأرض، وبمن حار الله ورسوله أنف الإسلام، وإني قد عجمت هذا الرجل وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة، قريب القعر، وإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يصير في أكفهم، ويبعد حتى يصير بمنزلة النجم منهم، فإن أبيت أن تجعلني حكمًا، فاجعلني ثانيًا أو ثالثًا، فإنه لن يعقد عقدةً إلا حللتها، ولن يحل عقدة أعقدها إلا عقدت لك أخرى أحكم منها. فأبى الناس إلا أبا موسى والرضا بالكتاب؛ فقال الأحنف: فإن أبيتم إلا أبا موسى فأدفئوا ظهره بالرجال. فكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما تاضى عليه عليٌّ أمير المؤمنين.. فقال عمرو: اكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم فأما أميرنا فلا، وقال له الأحنف: لا تمح اسم إمارة المؤمنين، فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدًا، لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضًاح فأبى ذلك علي مليًا من النهار، ثم إن الأشعث بن قيس قال: امح هذا الاسم برحه الله! فمحي وقال: علي: الله أكبر، سنة بسنة، ومثل بمثل، والله إني لكاتب بين يدي رسول الله يوم الحديبية إذ ق الوا: لست رسول الله، ولا نشهد لك به، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فكتبه، فقال عمرو بن العاص: سبحان الله! ومثل هذا أن نشبه بالكفار ونحن مؤمنون! فقال علي: يابن النابغة، ومتى لم تكن للفاسقين وليًا، وللمسلمين عدوًا! وهل تشبه إلا أمك التي وضعت بك! فقام فقال: لا يجمع بيني وبينك مجلسٌ أبدًا بعد هذا اليوم؛ فقال له علي: وإني لأرجو أن يظهر الله عز وجل مجلسي منك ومن أشباهك. وكتب الكتاب.
    حدثني علي بن مسلم الطوسي، قال: حدثنا حبان، قال: حدثنا مبارك، عن الحسن، قال: أخبرن الأحنف، أن معاوية كتب إلى علي أن امح هذا الاسم إن أردت أن يكون صلح؛ فاستشار - وكانت له قبة يأذن لبني هاشم فيها، ويأذن لي معهم - قال: ما ترون فيما كتب به معاوية أن امح هذا الاسم؟ - قال مبارك: يعني أمير المؤمنين - قال: برحه الله! فإن رسول الله حين وادع أهل مكة كتب: محمد رسول الله فأبوا ذلك حتى كتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله؛ فقلت له: أيها الرجل مالك وما لرسول الله ! إنا والله ما حابيناك ببيعتنا، وإنا لو علمنا أحدًا من الناس أحق بهذا الأمر منك لبايعناه، ثم قاتلناك، وإني أقسم بالله لئن محوت هذا الاسم الذي بايعت عليه وقاتلتهم لا يعود إليك أبدًا قال: وكان والله كما قال. قال: قلما وزن رأيه برأي رجل إلا رجح عليه.
    رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف. وكتب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضى علي على أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين، وقاضى معاوية على أهل الشأم ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين، إنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه، ولا يجمع بيننا غيره، وإن كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله عز وجل - وهما أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص القرشي - عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة. وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس، أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما، والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه أنا على ما في هذه الصحيفة، وأن قد وجبت قضيتهما على المؤمنين، فإن الأمن والاستقامة ووضع السلاح بينهم أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وشاهدهم وغائبهم، وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة، ولا يرداها في حرب ولا فرقة حتى يعصيا، وأجل القضاء إلى رمضان. وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراضٍ منهما، وإن توفي أحد الحكمين فإن أمير الشيعة يختار مكانه، ولا يألو من أهل المعدلة والقسط، وإن مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدلٌ بين أهل الكوفة وأهل الشأم؛ وإن رضيا وأحبا فلا يحضرهما فيه إلا من أرادا، ويأخذ الحكمان من أرادا من الشهود، ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة، وهم أنصارٌ على من ترك ما في هذه الصحيفة، وأراد فيه إلحادًا وظلمًا. اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة.
    شهد من أصحاب علي الأشعث بن قيس الكندي، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن قيس الهمداني، وورقاء بن سمي البجلي، وعبد الله بن محل العجلي، وحجر بن عدي الكندي، وعبد الله بن الطفيل العامري، وعقبة ابن زياد الحضرمي، ويزيد بن حجية التيمي، ومالك بن كعب الهمداني. ومن أصحاب معاوية أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان، وحبيب مسلمة الفهري، والمخارق بن الحارث الزبيدي، وزمل بن عمرو العذري، وحمزة بن مالك الهمداني، وعبد الرحمن بن خالد المخزومي، وسبيع بن يزيد الأنصاري، وعلقمة بن يزيد الأنصاري، وعتبة بن أبي سفيان، ويزيد بن الحر العبسي.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب الكلبي، عن عمارة بن ربيعة الجرمي، قال: لما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر فقال: لا صحبتني يمين، ولا نفعتني بعدها شمالي، إن خط لي في هذه الصحيفة اسم على صلح ولا موادعة. أولست على بينة من ربي، ومن ضلال عدوي! أولستم قد رأيتم الظفر لو لم تجمعوا على الجور! فقال له الأشعث بن قيس: إنك والله ما رأيت ظفرًا ولا جورًا، هلم إلينا فإنه لا رغبة بك عنا؛ فقال: بلى والله لرغبة بي عنك في الدنيا للدنيا والآخرة للآخرة، ولقد سفك الله عز وجل بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خيرٌ منهم، ولا أحرم دمًا؛ قال عمارة: فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قصع على أنفه الحمم - يعني الأشعث.
    قال أبو مخنف، عن أبي جناب، قال: خرج الأشعث بذلك الكتاب يقرؤه على الناس، ويعرضه عليهم، فيقرءونه، حتى مر به على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية، وهو أخو أبي بلال، فقرأه عليهم، فقال عروة ابن أدية: تحكمون في أمر الله عز وجل الرجال! لا حكم إلا لله؛ ثم شد بسيفه فضرب به عجز دابته ضربةً خفيفة، واندفعت الدابة، وصاح به أصحابه، أن املك يدك، فرجع، فغضب للأشعث قومه وناس كثير من أهل اليمن، فمشى الأحنف بن قيس السعدي ومعقل بن قيس الرياحي، ومسعر بن فدكي، وناس كثيرٌ من بني تميم، فتنصلوا إليه واعتذروا؛ فقبل وصفح.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو زيد عبد الله الأودي، أن رجلًا من أود كان يقال له عمرو بن أوس، قاتل مع علي يوم صفين، فأسره معاوية في أسارى كثيرين، فقال له عمرو بن العاص: اقتلهم، فقال له عمرو بن أوس: إنك خالي، فلا تقتلني، وقامت إليه بنو أود فقالوا: هب لنا أخانا؛ فقال: دعوه، لعمري لئن كان صادقًا فلنستغنين عن شفاعتكم، ولئن كان كاذبًا لتأتين شفاعتكم من ورائه، فقال له: من أين أنا خالك! فوالله ما كان بيننا وبين أودٍ مصاهرة؛ قال: فإن أخبرتك فعرفته فهو أماني عندك. قال: نعم؛ قال: ألست تعلم أن أم حبيبة ابنة أبي سفيان زوج النبي ؟ قال: بلى، قال: فإني ابنها، وأنت أخوها، فأنت خالي؛ فقال معاوية: لله أبوك! ما كان في هؤلاء واحد يفطن لها غيره. ثم قال للأوديين: أيستغنى عن شفاعتكم! خلوا سبيله.
    قال أبو مخنف: حدثني نمير بن وعلة الهمداني، عن الشعبي، أن أسارى كان أسرهم عليٌّ يوم صفين كثير، فخلى سبيلهم، فأتوا معاوية، وإن عمرًا ليقول - وقد أسر أيضًا أسارى كثيرة: اقتلهم، فما شعروا إلا بأسرائهم قد خلي سبيلهم، فقال معاوية: يا عمرو، لو أطعناك في هؤلاء الأسرى وقعنا في قبيح من الأمر؛ ألا ترى قد خلي سبيل أسارانا! وأمر بتخلية سبيل من في يديه من الأسارى.
    قال أبو مخنف: حدثني إسماعيل بن يزيد، عن حميد بن مسلم، عن جندب بن عبد الله، أن عليًا قال للناس يوم صفين: لقد فعلتم فعلةً ضعضعت قوة، وأسقطت منة، وأوهنت وأورثت وهنًا وذلة، ولما كنتم الأعلين، وخاف عدوكم الاجتياح، واستحر بهم القتل ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف، ودعوكم إلى ما فيها ليفثئوكم عنهم، ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم، ويتربصوا بكم ريب المنون خديعة ومكيدة، فأعطيتموهم ما سألوا، وأبيتم إلا أن تدهنوا وتجوزوا! وايم الله ما أظنكم بعدها توافقون رشدًا، ولا تصيبون باب حزم.
    قال أبو جعفر: فكتب كتاب القضية بين علي ومعاوية - فيما قيل - يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين من الهجرة، على أن يوافي علي ومعاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في شهر رمضان، مع كل واحد منهما أربعمائة من أصحابه وأتباعه.
    فحدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان بن يوسن بن يزيد، عن الزهري، قال: قال صعصعة بن صوحان يوم صفين حين رأى الناس يتبارون: ألا اسمعوا واعقلوا، تعلمن والله لئن ظهر علي ليكونن مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وإن ظهر معاوية لا يقر لقائل بقول حق.
    قال الزهري: فأصبح أهل الشأم قد نشروا مصاحفهم، ودعوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراقين، فعند ذلك حكموا الحكمين، فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري، واختار أهل الشام عمرو بن العاص، فتفرق أهل صفين حين حكم الحكمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن، ويخفضا ما خفض القرآن، وأن يختارا لأمة محمد ، وأنهما يجتمعان بدومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح.
    فلما انصرف علي خالفت الحرورية وخرجت - وكان ذلك أول ما ظهرت - فآذنوه بالحرب، وردوا عليه: إن حكم بني آدم في حكم الله عز وجل، وقالوا: لا حكم إلا لله سبحانه! وقاتلوا، فلما اجتمع الحكمان بأذرح، وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس، فأرسل الحكمان إلى عبد الله بن عمر ابن الخطاب وعبد الله بن الزبير في إقبالهم في رجال كثير، ووافى معاوية بأهل الشأم، وأبى علي وأهل العراق أن يوافوا؛ فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي الرأي من قريش: أترون أحدًا من الناس برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان؟ قالوا: لا نرى أحدًا يعلم ذلك، قال: فوالله إني لأظن أني سأعلمه منهما حين أخلو بهما وأراجعهما. فدخل على عمرو بن العاص وبدأ به فقال: يا أبا عبد الله، أخبرني عما أسألك عنه، كيف ترانا معشر المعتزلة، فإنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال، ورأينا أن نستأني ونتثبت حتى تجتمع الأمة! قال: أراكم معشر المعتزلة خلف الأبرار، وأمام الفجار! فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك، حتى دخل على أبي موسى فقال له مثل ما قال لعمرو، فقال أبو موسى: أراكم أثبت الناس رأيًا، فيكم بقية المسلمين، فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك، فلقي الذين قال لهم ما قال من ذوي الرأي من قريش، فقال: لا يجتمع هذان على أمر واحد، فلما اجتمع الحكمان وتكلما قال عمرو بن العاص: يا أبا موسى، رأيت أول ما تقضي به من الحق أن تقضي لأهل الوفاء بوفائهم، وعلى أهل الغدر بغدرهم؛ قال أبو موسى: وما ذاك؟ قال: ألست تعلم أن معاوية وأهل الشأم قد وفوا، وقدموا للموعد الذي واعدناهم إياه؟ قال: بلى، قال عمرو: اكتبها؛ فكتبها أبو موسى؛ قال عمرو: يا أبا موسى، أأنت على أن نسمي رجلًا يلي أمر هذه الأمة؟ فسمه لي، فإن أقدر على أن أتابعك فلك علي أن أتابعك، وإلا فلي عليك أن تتابعني! قال أبو موسى: أسمي لك عبد الله بن عمر، وكان ابن عمر فيمن اعتزل؛ قال عمرو: إني أسمي لك معاوية بن أبي سفيان، فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا، ثم خرجا إلى الناس، فقال أبو موسى: إني وجدت مثل عمرو مثل الذين قال الله عز وجل: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو فقال: أيها الناس وجدت مثل أبي موسى كمثل الذي قال عز وجل: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا "، وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    قال ابن شهاب: فقام معاوية عشيةً في الناس، فأثنى على الله جل ثناؤه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فمن كان متكلمًا في الأمر فليطلع لنا قرنه، قال ابن عمر: فأطلقت حبوتي، فأردت أن أقول قولًا يتكلم فيه رجالٌ قاتلوا أباك على الإسلام، ثم خشيت أن أقول كلمة تفرق الجماعة، أو يسفك فيها دم، أو أحمل فيها على غير رأي، فكان ما وعد الله عز وجل في الجنان أحب إلي من ذلك. فلما انصرف إلى المنزل جاءني حبيب بن مسلمة فقال: ما منعك أن تتكلم حين سمعت الرجل يتكلم؟ قلت: أردت ذلك، ثم خشيت أن أقول كلمةً تفرق بين جميع، أو يسفك فيها دم، أو أحمل فيها على غير رأي، فكان ما وعد الله عز وجل من الجنان أحب إلي من ذلك. قال: قال حبيب: فقد عصمت.
    رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف: قال أبو مخنف: حدثني فضيل بن خديج الكندي، قال: قيل لعلي بعد ما كتبت الصحيفة: إن الأشتر لا يقر بما في الصحيفة، ولا يرى إلا قتال القوم؛ قال علي: وأنا والله ما رضيت ولا أحببت أن ترضوا، فإذا أبيتم إلا أن ترضوا فقد رضيت، فإذا رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرضا، ولا التبديل بعد الإقرار، إلا أن يعصى الله عز وجل ويتعدى كتابه، فقاتلوا من ترك أمر الله عز وجل. وأما الذي ذكرتم من تركه أمري وما أنا عليه فليس من أولئك، ولست أخافه على ذلك، يا ليت فيكم مثله اثنين! يا ليت فيكم مثله واحدًا يرى في عدوي ما أرى، إذًا لخفت مئونتكم، ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم؛ وقد نهيتكم عما أتيتم فعصيتموني، وكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن:
    وهل أنا إلا من غزية إن غوت ** غويت وإن ترشد غزية أرشد
    فقالت طائفة ممن معه: ونحن ما فعلنا يا أمير المؤمنين إلا ما فعلت؛ قال: نعم، فلم كانت إجابتكم إياهم إلى وضع الحرب عنا! وأما القضية فقد استوثقنا لكم فيها، وقد طمعت ألا تضلوا إن شاء الله رب العالمين.
    فكان الكتاب في صفر والأجل في رمضان إلى ثمانية أشهر، إلى أن يلتقي الحكمان. ثم إن الناس دفنوا قتلاهم، وأمر عليٌّ الأعور فنادى في الناس بالرحيل.
    قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه، قال: لما انصرفنا من صفين أخذنا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه؛ أخذنا على طريق البر على شاطىء الفرات، حتى انتهينا إلى هيت، ثم أخذنا على صندوداء، فخرج الأنصاريون بنو سعد بن حرام، فاستقبلوا عليًا، فعرضوا عليه النزول، فبات فيهم ثم غدا، واقبلنا معه، حتى إذا جزنا النخيلة، ورأينا بيوت الكوفة، إذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه أثر المرض، فأقبل إليه علي ونحن معه حتى سلم عليه وسلمنا معه، فرد ردًا حسنًا ظننا أن قد عرفه، قال له علي: أرى وجهك منكفئًا فمن مه؟ أمن مرض؟ قال: نعم؛ قال: فلعلك كرهته، قال: ما أحب أنه بغير، قال: أليس احتسابًا للخير فيما أصابك منه؟ قال: بلى، قال: فأبشر برحمة ربك وغفران ذنبك. من أنت يا عبد الله؟ قال: أنا صالح بن سليم، قال: ممن؟ قال: أما الأصل فمن سلامان طيىء، وأما الجوار والدعوة ففي بني سليم بن منصور؛ فقال: سبحان الله! ما أحسن اسمك واسم أبيك واسم أدعيائك واسم من اعتزيت إليه! هل شهدت معنا غزاتنا هذه؟ قال: لا، والله ما شهدتها، ولقد أردتها ولكن ما ترى من أثر لحب الحمى خزلني عنها؛ فقال: " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيلٍ والله غفورٌ رحيمٌ ". خبرني ما تقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام؟ قال: فيهم المسرور فيما كان بينك وبينهم - وأولئك أغشاء الناس - وفيهم المكبوت الآسف بما كان من ذلك - وأولئك نصحاء الناس لك - فذهب لينصرف فقال: قد صدقت، جعل الله ما كان من شكواك حطًا لسيئاتك، فإن المرض لا أجر فيه، ولكنه لا يدع على العبد ذنبًا إلا حطه، وإنما أجرٌ في القول باللسان والعمل باليد والرجل، وإن الله جل ثناؤه ليدخل بصدق النية والسريرة الصالحة عالمًا جمًا من عباده الجنة. قال: ثم مضى عليٌّ غير بعيد، فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري، فدنا منه، وسلم عليه وسايره، فقال له: ما سمعت الناس يقولون في أمرنا؟ قال: منهم المعجب به، ومنهم الكاره له، كما قال عز وجل: " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ". فقال له: فما قول ذوي الرأي فيه؟ قال: أما قولهم فيه فيقولون إن عليًا كان له جمع عظيم ففرقه، وكان له حصن حصين فهدمه، فحتى متى يبني ما هدم، وحتى متى يجمع ما فرق! فلو أنه كان مضى بمن أطاعه - إذ عصاه من عصاه - فقاتل حتى يظفر أو يهلك إذًا كان ذلك الحزم. فقال عليٌّ: أنا هدمت أم هم هدموا! أنا فرقت أم هم فرقوا! أما قولهم: إنه لو كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك، إذًا كان ذلك الحزم، فوالله ما غبي عن رأيي ذلك، وإن كنت لسخيًا بنفسي عن الدنيا، طيب النفس بالموت، ولقد هممت بالإقدام على القوم، فنظرت إلى هذين قد ابتدراني - يعني الحسن والحسين - ونظرت إلى هذين قد استقدماني - يعني عبد الله بن جعفر ومحمد بن علي - فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسل محمد من هذه الأمة، فكرهت ذلك، وأشفقت على هذين أن يهلكا، وقد علمت أن لولا مكاني لم يستقدما - يعني محمد بن علي وعبد الله بن جعفر - وايم الله لئن لقيتهم بعد يومي هذا لألقينهم وليسوا معي في عسكر ولا دار. ثم مضى حتى إذا جزنا بني عوف إذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية، فقال عليٌّ: ما هذه القبور؟ فقال قدامة بن العجلان الأزدي: يا أمير المؤمنين، إن خباب ابن الأرت توفي بعد مخرجك، فأوصى بأن يدفن في الظهر، وكان الناس إنما يدفنون في دورهم وأفنيتهم، فدفن بالظهر رحمه الله، ودفن الناس إلى جنبه، فقال عليٌّ: رحم الله خبابًا، فقد أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتلي في جسمه أحوالًا! وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. ثم جاء حتى وقف عليهم فقال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات. أنتم لنا سلف فارط، ونحن لكم تبعٌ، بكم عما قليل لاحقون. اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم! وقال: الحمد لله الذي جعل منها خلقكم، وفيها معادكم، منها يبعثكم، وعليها يحشركم، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله عز وجل! ثم أقبل حتى حاذى سكة الثوريين، ثم قال: خشوا، ادخلوا بين هذه الأبيات.
    قال أبو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي، قال: مر عليٌّ بالثوريين، فسمع البكاء، فقال: ما هذه الأصوات؟ فقيل له: هذا البكاء على قتلى صفين، فقال: أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرًا محتسبًا بالشهادة. ثم مر بالفائشيين، فسمع الأصوات، فقال مثل ذلك، ثم مضى حتى مر بالشباميين، فسمع رجةً شديدة، فوقف، فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي، فقال عليٌّ: أيغلبكم نساؤكم! ألا تنهونهن عن هذا الرنين! فقال: يا أمير المؤمنين، لو كانت دارًا أو دارين أو ثلاثًا قدرنا على ذلك، ولكن قتل من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل، فليس دار إلا وفيها بكاء، فأما نحن معشر الرجال فإنا لا نبكي، ولكن نفرح لهم، ألا نفرح لهم بالشهادة! قال عليٌّ: رحم الله قتلاكم وموتاكم! واقبل يمشي معه وعليٌّ راكب، فقال له علي: ارجع، ووقف ثم قال له: ارجع، فإن مشى مثلك مع مثلي فتنةٌ للوالي، ومذلة للمؤمن. ثم مضى حتى مر بالناعطيين - وكان جلهم عثمانية - فسمع رجلًا منهم يقال له عبد الرحمن بن يزيد، من بني عبيد من الناعطيين يقول: والله ما صنع علي شيئًا، ذهب ثم انصرف في غير شيء! فلما نظروا إلى علي أبلسوا، فقال: وجوه قومٍ ما رأوا الشأم العام. ثم قال لأصحابه: قومٌ فارقناهم آنفًا خير من هؤلاء، ثم أنشأ يقول:
    أخوك الذي إن أجرضتك ملمةٌ ** من الدهر لم يبرح لبثك واجما
    وليس أخوك بالذي إن تشعبت ** عليك الأمور ظل يلحاك لائما
    ثم مضى، فلم يزل يذكر الله عز وجل حتى دخل القصر.
    قال أبو مخنف: حدثنا أبو جناب الكلبي، عن عمارة بن ربيعة، قال: خرجوا مع علي إلى صفين وهم متوادون أحباء، فرجعوا متباغضين أعداء، ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيها التحكيم، ولقد أقبلوا يتدافعون الطريق كله ويتشاتمون ويضطربون بالسياط، يقول الخوارج: يا أعداء الله، أدهنتم في أمر الله عز وجل وحكمتم! وقال الآخرون: فارقتم إمامنا. وفرقتم جماعتنا. فلما دخل علي الكوفة لم يدخلوا معه حتى أتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفًا، ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي. وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    بعثة علي جعدة بن هبيرة إلى خراسان

    وفي هذه السنة بعث عليٌّ جعدة بن هبيرة فيما قيل إلى خراسان.

  • صفحة 2 من 27 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 30
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:57 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1