وانقضى نيسان وأنا أزور منزل فارس كرامة وألتقي بسلمى وأجلس قبالها في تلك الحديقة متأملاً محاسنها، معجباً بمواهبها، مصغياً لسكينة كآبتها، شاعراً بوجود آياد خفية تجتذبني إليها. فكل زيارة كانت تبين لي معنى جديداً من معاني جمالها وسراً علوياً من أسرار روحها حتى أصبحت أمام عينيّ كتاباً أقرأ سطوره وأستظهر آياته وأترنم بنغمته ولا أستطيع الوصول إلى نهايته.
إن المرأة التي تمنحها الآلهة جمال النفس مشفوعاً بجمال الجسد هي حقيقة ظاهرة غامضة نفهمها بالمحبة ونلمسها بالطهر، وعندما نحاول وصفها بالكلام تختفي عن بصائرنا وراء ضباب الحيرة والالتباس. وسلمى كرامة كانت جميلة النفس والجسد فكيف أصفها لمن لا يعرفها؟ هل يستطيع الجالس في ظل أجنحة الموت أن يستحضر تغريدة البلبل وهمس الوردة وتنهدة الغدير؟ أيقدر الأثير المثقل بالقيود أن يلاحق هبوط نسمات الفجر؟ ولكن أليس السكوت أصعب من الكلام؟ وهل يمنعني التهيب عن إظهار خيال من خيالات سلمى بالألفاظ الواهية إذا كنت لا أستطيع أن أرسم حقيقتها بخطوط من الذهب؟ إن الجائع السائر في الصحراء لا يأبى أكل الخبز اليابس إذا كانت السماء لا تمطره المن والسلوى.
كانت سلمى نحيلة الجسم تظهر بملابسها البيضاء الحريرية كأشعة قمر دخلت من النافذة. وكانت حركاتها بطيئة متوازنة أشبه شيء بمقاطيع الألحان الأصفهانية، وصوتها منخفضاً حلواً تقطعه التنهدات فينسكب من بين شفتيها القرمزيتين مثلما تتساقط قطرات الندى عن تيجان الزهور بمرور تموجات الهواء. ووجهها ــ ومن يا ترى يستطيع أن يصف وجه سلمى كرامة؟ بأية ألفاظ نقدر أن نصور وجهاً حزيناً هادئاً محجوباً وليس محجوباً بنقاب من الاصفرار الشفاف؟ بأية لغة نقدر أن نتكلم عن ملامح تعلن في كل دقيقة سراً من أسرار النفس الكبيرة المتألمة في داخل الجسد، وتذكر الناظرين إليها بعالم روحي بعيد عن هذا العالم؟ إن الجمال في وجه سلمى لم يكن منطبقاً على المقاييس التي وضعها البشر للجمال، بل كان غريباً كالحلم أو كالرؤيا أو كفكر علوي لا يقاس ولا يحد ولا يتسخ بريشة المصور، ولا يتجسم برخام الحفار. جمال سلمى لم يكن في شعرها الذهبي بل في هالة الطهر المحيطة به. ولم يكن في عينيها الكبيرتين بل في النور المنبعث منهما. ولا في شفتيها الورديتين بل في الحلاوة السائلة عليهما. ولا في عنقها العاجي بل في كيفية انحنائه قليلاً إلى الأمام. جمال سلمى لم يكن في كمال جسدها بل في نبالة روحها الشبيهة بشعلة بيضاء متقدة سابحة بين الأرض واللانهاية. جمال سلمى كان نوعاً من النبوغ الشعري الذي نشاهد أشباحه في القصائد السامية والرسوم والأنغام الخالدة، وأصحاب النبوغ تعساء مهما تسامت أرواحهم تظل مكتنفة بغلاف من الدموع.
وكانت سلمى كثيرة التفكير قليلة الكلام، ولكن سكوتها كان موسيقياً ينتقل بجليسها إلى مسارح الأحلام البعيدة، ويجعله أن يصغي لنبضات قلبه ويرى خيالات أفكاره وعواطفه منتصبة أمام عينيه.
أما الصفة التي كانت تعانق مزايا سلمى وتساور أخلاقها فهي الكآبة العميقة الجارحة، فالكآبة كانت وشاحاً معنوياً ترتديه فتزيد محاسن جسدها هيبة وغرابة، وتظهر أشعة نفسها من خلال خيوطه كخيوط شجرة مزهرة من وراء ضباب الصباح.
وقد أوجدت الكآبة بين روحي وروح سلمى صلة المشابهة فكان كلانا يرى في وجه الثاني ما يشعر به قلبه ويسمع صوته صدى مخبآت صدره فكأن الآلهة قد جعلت كل واحد منا نصفاً للآخر يلتصق به بالطهر فيصير إنساناً كاملاً، وينفصل عنه فيشعر بنقص موجع في روحه.
إن النفس الحزينة المتألمة تجد راحة بانضمامها إلى نفس أخرى تماثلها بالشعور وتشاركها بالإحساس مثلما يستأنس الغريب بالغريب في أرض بعيدة عن وطنيهما ــ فالقلوب التي تدنيها أوجاع الكآبة بعضها مع بعض لا تفرقها بهجة الأفراح وبهرجتها، فرابطة الحزن أقوى في النفوس من روابط الغبطة والسرور؛ والحب الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهراً وجميلاً وخالداً.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وبعد أيام دعاني فارس كرامة إلى تناول العشاء في منزله، فذهبت ونفسي جائعة إلى ذلك الخبز العلوي الذي وضعته السماء بين يدي سلمى ــ ذلك الخبز الروحي الذي نلتهمه بأفواه أفئدتنا فتزداد جوعاً ــ ذلك الخبز السحري الذي ذاق طعمه قيس العربي ودانتي الطلياني وسافو اليونانية فالتهبت أحشاؤهم وذابت قلوبهم ــ ذلك الخبز الذي عجنته الآلهة بحلاوة القبل ومرارة الدموع وأعدته مأكلاً للنفوس الحساسة المستيقظة لتفرحها بطعمه وتعذبها بتأثيره.
ولما بلغت المنزل وجدت سلمى جالسة على مقعد خشبي في زاوية من الحديقة وقد أسندت رأسها إلى عمد شجرة، فبانت بثوبها الأبيض كواحدة من عرائس الخيال تخفر ذلك المكان. فدنوت منها صامتاً وجلست بقربها جلوس مجوسي متهيب أمام النار المقدسة. ولما حاولت الكلام وجدت لساني منعقداً وشفتي جامدتين فاستأنست بالسكوت لأن الشعور العميق غير المتناهي يفقد شيئاً من خاصته المعنوية عندما يتجسم بالألفاظ المحدودة. ولكنني شعرت بأن سلمى كانت تسمع في السكينة مناجاة قلبي المتواصلة، وتشاهد في عيني أشباح نفسي المرتعشة.
وبعد هنيهة خرج فارس كرامة إلى الحديقة ومشى نحونا مرحباً بي كعادته باسطاً يده إلي كأنه يريد أن يبارك بها ذلك السر الخفي الذي يربط روحي بروح ابنته ثم قال مبتسماً (هلما يا ولديّ إلى العشاء فالطعام ينتظرنا) فقمنا وتبعناه وسلمى تنظر إلى من وراء أجفان مكحولة بالرقة والانعطاف كأن لفظة "يا ولدي" قد أيقظت في داخلها شعوراً جديداً عذباً يكتنف محبتها لي مثلما تحتضن الأم طفلها.
جلسنا إلى المائدة نأكل ونشرب ونتحدث ــ جلسنا في تلك الغرفة نتلذذ بألوان الطعام الشهية وأنواع الخمور المعتقة، وأرواحنا تسبح على غير معرفة منا في عالم بعيد عن هذا العالم، وتحلم بمآتي المستقبل ونتأهب للوقوف أمام مخاوفه وأهواله. ثلاثة أشخاص تختلف أفكارهم باختلاف مقاصدهم من الحياة وتتفق سرائرهم باتفاق قلوبهم بالمودة والمحبة، ثلاثة من الضعفاء الأبرياء يشعرون كثيراً ويعرفون قليلاً وهذه هي المأساة المستتبة على مرسح النفس. شيخ جليل شريف يحب ابنته ولا يحفل بغير سعادتها ــ وصبية في العشرين من عمرها ترى المستقبل قريباً بعيداً وتحدق به لترى ما يخبئ لها من الغبطة والشقاء ــ وفتى كثير الأحلام والهواجس لم يذق بعد خمر الحياة ولا خلها. يحرك جناحيه ليطير سابحاً في فضاء المحبة والمعرفة ولكنه لا يستطيع النهوض لضعفه. ثلاثة جالسون حول مائدة أنيقة في منزل منفرد عن المدينة تخيم عليه سكينة الدجى وتحدق به عيون السماء. ثلاثة يأكلون ويشربون وفي أعماق صحونهم وكؤوسهم قد أخفى القدر المرارة والأشواك.
ولم ننته من العشاء حتى دخلت علينا إحدى الخادمات وخاطبت فارس كرامة قائلة: "في الباب رجل يطلب مقابلتك يا سيدي".
فسألها بسرعة "من هو هذا الرجل". فأجابت: "أظنه خادم المطران يا سيدي". فسكت دقيقة وأحدق بعيني ابنته نظير نبي ينظر إلى وجه السماء ليرى ما تخبئه من الأسرار. ثم التفت نحو الخادمة وقال "دعيه يدخل".
فعادت الخادمة وبعد هنيهة ظهر رجل بأثواب مزركشة وشارب معكوف الطرفين فسلم منحنياً وخاطب فارس كرامة قائلاً "قد بعثني سيادة المطران بمركبته الخصوصية لأطلب إليك أن تتكرم بالذهاب إليه فهو يريد أن يباحثك بأمور ذات أهمية".
فانتصب الشيخ وقد تغيرت ملامحه وانحجبت بشاشة وجهه وراء نقاب من التأمل والتفكير ثم اقترب مني وقال بصوت تساوره الرقة والحلاوة "أرجو أن أعود وألقاك هنا، فسلمى ستجد بك مؤنساً يبعد بأحاديثه وحشة الليل، ويزيل بأنغام نفسه تأثير الوحدة والانفراد" ثم التفت نحو ابنته وزاد مبتسماً "أليس كذلك يا سلمى؟".
فأحنت الصبية رأسها وقد توردت وجنتاها قليلاً وبصوت يضارع نغمة الناي رقة قالت "سوف أجهد النفس لكي أجعل ضيفنا مسروراً يا والدي".
وخرج الشيخ مصحوباً بخادم المطران، وظلت سلمى واقفة تنظر من النافذة نحو الطريق حتى اختفت المركبة عن بصرها وراء ستائر الظلام، واضمحل ارتجاج الدواليب بتباعد المسافة وتشرب السكون حرتقة سنابك الخيل ثم جلست قبالتي على مقعد موشى بنسيج من الحرير الأخضر فبانت بأثوابها الناصعة كزنبقة لوت قامتها نسمات الصباح على بساط من الأعشاب.
ومرت دقائق وكلانا صامت حائر مفتكر يترقب الآخر ليبدأ بالكلام. ولكن هل هو الكلام الذي يحدث التفاهم بين الأرواح المتحابة؟ هل هي الأصوات والمقاطيع الخارجة من الشفاه والألسنة التي تقرب بين القلوب والعقول؟ أفلا يوجد شيء أسمى مما تلده الأفواه وأطهر مما تهتز به أوتار الحناجر؟ أليست هي السكينة التي تحمل شعاع النفس إلى النفس وتنقل همس القلب إلى القلب؟
أليست هي السكينة التي تفصلنا عن ذواتنا فنسبح في فضاء الروح غير المحدود مقتربين من الملأ الأعلى شاعرين بأن أجسادنا لا تفوق السجون الضيقة وهذا العالم لا يمتاز عن المنفى البعيد؟
ونظرت سلمى إلي وقد باحت أجفانها بسرائر نفسها ثم قالت بهدوء سحري "تعال نخرج إلى الحديقة ونجلس بين الأشجار لنرى القمر طالعاً من وراء الجبل".
فوقفت مطيعاً وقلت ممانعاً "أليس الأفضل أن نبقى ههنا يا سلمى حتى يطلع القمر وينير الحديقة؟ أما الآن فالظلام يحجب الأشجار والأزهار فلا نستطيع أن نرى شيئاً فأجابت "إذا حجب الظلام الأشجار والرياحين عن العين فالظلام لا يحجب الحب عن النفس".
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
قالت هذه الكلمات بلهجة غريبة ثم حولت عينيها ونظرت نحو النافذة فبقيت أنا صامتاً مفكراً بكلماتها مورداً لكل مقطع معنى راسماً لكل معنى حقيقة. ثم عادت وأحدقت بي كأنها ندمت على ما قالت فحاولت استرجاع كلماتها من أذني بسحر أجفانها. ولكن سحر تلك الأجفان لم يسترجع تلك الألفاظ إلا ليعيدها إلى أعماق صدري أكثر وضوحاً وأشد تأثيراً وليبيقها هناك ملتصقة بقلبي متوجة مع عواطفي إلى آخر الحياة.
كل شيء عظيم وجميل في هذا العالم يتولد من فكر واحد أو من حاسة واحدة في داخل الإنسان. كل ما نراه اليوم من أعمال الأجيال الغابرة كان قبل ظهوره فكراً في عاقلة رجل أو عاطفة لطيفة في صدر امرأة.. الثورات التي أجرت الدماء كالسواقي وجعلت الحرية تعبد كالآلهة كانت فكراً خيالياً مرتعشاً بين تلافيف دماغ رجل فرد عاش بين ألوف من الرجال. الحروب الموجعة التي ثلت العروش وخربت الممالك كانت خاطراً يتمايل في رأس رجل واحد. التعاليم السامية التي غيرت مسير الحياة البشرية كانت ميلاً شعرياً في نفس رجل واحد منفصل بنبوغه عن محيطه. فكر واحد أقام الأهرام وعاطفة واحدة خربت طروادة وخاطر واحد أوجد مجد الإسلام وكلمة واحدة أحرقت مكتبة الإسكندرية.
فكر واحد يجيئك في سكينة الليل ويسير بك إلى المجد أو إلى الجنون. نظرة واحدة من أطراف أجفان امرأة تجعلك أسعد الناس أو أتعسهم. كلمة واحد تخرج من بين شفتي رجل تصيرك غنياً بعد الفقر أو فقيراً بعد الغنى.. كلمة واحد لفظتها سلمى كرامة في تلك الليلة الهادئة أوقفتني بين ماضيّ ومستقبلي وقوف سفينة بين لجة البحار وطبقات الفضاء. كلمة واحدة معنوية قد أيقظتني من سبات الحداثة والخلو وسارت بأيامي على طريق جديدة إلى مسارح الحب حيث الحياة والموت.
خرجنا إلى الحديقة وسرنا بين الأشجار شاعرين بأصابع النسيم الخفية تلامس وجهينا وقامات الأزهار والأعشاب اللدنة تتمايل بين أقدامنا، حتى إذا ما بلغنا شجرة الياسمين جلسنا صامتين على ذلك المقعد الخشبي نسمع تنفس الطبيعة النائمة ونكشف بحلاوة التنهد خفايا صدرينا أمام عيون السماء الناظرة إلينا من وراء زرقة السماء.
وطلع القمر إذا ذاك من وراء صنين وغمر بنوره تلك الروابي والشواطئ فظهرت القرى على أكتاف الأودية كأنها قد انبثقت من اللاشيء. وبات لبنان جميعه من تحت تلك الأشعة الفضية كأنه فتى متكئ على ساعده تحت نقاب لطيف يخفي أعضاءه ولا يخفيها.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
لبنان عند شعراء الغرب مكان خيالي، قد اضمحلت حقيقته بذهاب داود وسليمان والأنبياء مثلما انحجبت جنة عدن بسقوط آدم وحواء. هو لفظة شعرية لا اسم لجبل ــ لفظة ترمز عن عاطفة في النفس وتستحضر إلى الفكر رسوم غابات من الأرز يفوح منها العطر والبخور، وأبراج النحاس والرخام تتعالى بالمجد والعظمة، وأسراب من الغزلان تتهادى بين الطلول والأودية، وأنا قد رأيت لبنان في تلك الليلة مثل فكر شعري خيالي منتصب كالحلم بين اليقظة واليقظة.
كذا تتغير الأشياء أمام أعيننا بتغيير عواطفنا، وهكذا نتوهم الأشياء متشحة بالسحر والجمال عندما لا يكون السحر والجمال إلا في نفوسنا.
والتفتت إليّ سلمى وقد غمر نور القمر وجهها وعنقها ومعصميها فبانت كتمثال من العاج نحتته أصابع متعبد لعشتروت ربة الحسن والمحبة "لماذا لا تتكلم ــ لماذا لا تحدثني عن ماضي حياتك؟".
فنظرت إلى عينيها المنيرتين ومثل أخرس فاجأ النطق شفتيه أجبتها قائلاً "ألم تسمعي متكلماً مذ جئت إلى هذا المكان ــ أو لم تسمعي كل ما قلته مذ خرجنا إلى الحديقة؟ إن نفسك التي تسمع همس الأزهار وأغاني السكينة تستطيع أن تسمع صراخ روحي وضجيج قبلي".
فحجبت وجهها بيديها ثم قالت بصوت متقطع "قد سمعتك. نعم سمعتك.. سمعت صوتاً صارخاً خارجاً من أحشاء الليل وضجة هائلة منبثقة من قلب النهار".
فقلت بسرعة وقد نسيت ماضي حياتي ونسيت كياني ونسيت كل شيء ولم أعرف سوى سلمى ولا أشعر بغير وجودها "وأنا قد سمعتك يا سلمى ــ سمعت نغمة عظيمة محيية جارحة تتموج لها دقائق الفضاء وتهتز بارتعاشها أسس الأرض".
فأغمضت سلمى أجفانها وظهر على شفتيها القرمزيتين خيال ابتسامة محزنة ثم همست قائلة "قد عرفت الآن بأنه يوجد شيء أعلى من السماء، وأعمق من البحر، وأقوى من الحياة والموت والزمن. قد عرفت الآن ما لم أكن أعرفه بالأمس ولا أحلم به".
منذ تلك الدقيقة صارت سلمى كرامة أعز من صديق وأقرب من الأخت وأحب من الحبيبة. صارت فكراً سامياً يتبع عاقلتي وعاطفة رقيقة تكتنف قلبي وحلماً جميلاً يجاور نفسي.
ما أجهل الناس الذين يتوهمون أن المحبة تتولد بالمعاشرة الطويلة والمرافقة المستمرة. إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي وإن لم يتم هذا التفاهم بلحظة واحدة لا يتم بعام ولا بجيل كامل.
ورفعت سلمى رأسها ونظرت نحو الأفق البعيد حيث تلتقي خطوط صنين بأذيال الفضاء ثم قالت "لقد كنت لي بالأمس مثل أخ اقترب منه مطمئنة وأجلس بجانبه في ظلال والدي. أما الآن فقد شعرت بوجود أقوى وأعذب من العلاقة الأخوية. قد شعرت بعاطفة غريبة مجردة من كل علاقة. عاطفة قوية عميقة مخيفة لذيذة تملأ قلبي حزناً وفرحاً".
فأجبتها "أليست هذه العاطفة التي نخافها ونرتجف لمرورها في صدورنا جزءاً من الناموس الكلي الذي يسيّر القمر حول الأرض والأرض حول الشمس والشمس وما يحيط بها حول الله؟".
فوضعت يدها على رأسي وغرست أصابعها بشعري وقد تهلل وجهها وترقرقت الدموع في عينيها مثلما تلمع قطرات الندى على أطراف أوراق النرجس ثم قالت "مَن من البشر يصدق حكايتنا ــ مَن منهم يصدق بأننا في الساعة التي تجيء بين غروب الشمس وطلوع القمر قد قطعنا العقبات واجتزنا المعابر الكائنة بين الشك واليقين. مَن منهم يعتقد بأن نيسان الذي جمعنا لأول مرة هو الشهر الذي أوقفنا في قداس أقداس الحياة؟".
قالت هذه الكلمات ويدها ما برحت على رأسي المنحني ولو تخيرت في تلك الدقيقة لما فضلت تيجان الملوك وأكاليل الغار على تلك اليد الحريرية المتلاعبة بشعري ــ ثم أجبتها قائلاً "إن البشر لا يصدقون حكايتنا لأنهم لا
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)