صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 5 إلى 6 من 6

الموضوع: العقد الفريد/الجزء الأول/19


  1. #5
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    باسطة وعطاء الله دونه مبذول فأما عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ لها‏.‏ العتبي قال‏:‏ حدثنا طارق بن المبارك عن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة قال‏:‏ جاءت دولة المسودة وأنا حديث السن كثير العيال متفرق المال فجعلت لا أنزل قبيلة من قبائل العرب إلا شعرت فيها فلما رأيت أمري لا يكتتم أتيت سليمان بن علي فاستأذنت عليه قرب المغرب فأذن لي وهو لا يعرفني فلما صرت إليه قلت‏:‏ أصلحك الله لفظتني البلاد إليك ودلني فضلك عليك فإما قبلتني غانماً وإما رددتني سالماً قال‏:‏ ومن أنت فانتسبت له فعرفني وقال‏:‏ مرحباً اقعد فتكلم غانماً قلت‏:‏ أصلحك الله إن الحرم اللاتي أنت أقرب الناس إليهن معنا وأولى الناس بهن بعدنا قد خفن بخوفنا ومن خاف خيف عليه قال‏:‏ فاعتمد سليمان على يديه وسالت دموعه على خديه ثم قال‏:‏ يا بن أخي يحقن الله دمك ويستر حرمك ويسلم مالك إن شاء الله ولو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت‏.‏ فلم أزل في جوار سليمان آمناً‏.‏ وكتب سليمان إلى أبي العباس أمير المؤمنين‏:‏ أما بعد يا أمير المؤمنين فإنا إنما حاربنا بني أمية على عقوقهم ولم نحاربهم على أرحامهم وقد دفت إلي منهم دافة‏.‏ لم يشهروا سلاحاً ولم يكثروا جمعاً وقد أحسن الله إليك فأحسن فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لهم أماناً ويأمر بإنفاذه إلي فليفعل‏.‏ فكتب لهم كتاباً منشوراً وأنفذه إلى سليمان بن علي في كل من لجأ إليه من بني أمية فكان ودخل عبد الملك بن صالح يوماً على الرشيد فلم يلبث في مجلسه أن التفت الرشيد فقال متمثلاً‏:‏ أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد ثم قال‏:‏ أما والله لكأني أنظر إلى شؤبؤبها قد همع وعارضها قد لمع وكأني بالوعيد قد وقع فأقلع عن براجم بلا معاصم وجماجم بلا غلاصم فمهلاً مهلاً فبي والله يسهل لكم الوعر‏.‏ ويصفو لكم الكدر وألقت إليكم الأمور مقاليد أزمتها فالتدارك التدارك قبل حلول داهية خبوط باليد لبوط بالرجل‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ أفذاً ما تكلمت أم توأماً يا أمير المؤمنين قال‏:‏ بل فذاً قال اتق الله في ذي رحمك وفي رعيتك التي استرعاك الله ولا تجعل الكفر مكان الشكر ولا العقاب موضع الثواب فقد محضت لك النصيحة وأديت لك الطاعة وشددت أواخي ملكك بأثقل من ركني يلملم وتركت عدوك سبيلاً تتعاوره الأقدام فالله الله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن وصلته إن الكتاب لنميمة واش وبغي باغ ينهش اللحم ويلغ في الدم فكم ليل تمام فيك كابدته ومقام ضيق فرجته وكنت كما قال الشاعر أخو بني كلاب‏:‏ ومقام ضيق فرجته بلساني ومقامي وجدل لو يقوم الفيل أو فياله زل عن مثل مقامي وزجل والتفت الرشيد يوماً إلى عبد الملك بن صالح فقال‏:‏ أكفراً بالنعمة وغدراً بالإمام قال‏:‏ لقد بؤت إذاً بأعباء الندم وسعيت في استجلاب النقم وما ذلك يا أمير المؤمنين إلا بغي باغ نافسني فيك بقديم الولاية وحق القرابة يا أمير المؤمنين إنك خليفة الله ورسوله في أمته وأمينه على رعيته لك عليها فرض الطاعة وأداة النصيحة ولها عليك التثبت في حادثها والعدل في حكمها‏.‏ فقال له هارون‏:‏ تضع لي من لسانك وترفع علي من جنانك بحيث يحفظ الله لي عليك هذا قمامة كاتبك يخبرني بفعلك فقال عبد الملك‏:‏ أحقاً يا قمامة قال‏:‏ نعم لقد أردت قتل أمير المؤمنين والغدر به فقال عبد الملك‏:‏ كيف لا يكذب علي من خلفي من بهتني في وجهي‏!‏ قال الرشيد‏:‏ هذا ابنك عبد الرحمن شاهد عليك قال‏:‏ يا أمير المؤمنين هو بين مأمور أو عاق فإن كان مأموراً معذور وإن كان عاقاً فما أخاف من عقوقه أكثر‏.‏ وقال له الرشيد يوماً وكان معتلاً عليه‏:‏ أتبقون بالرقة قال‏:‏ نعم ونبرغث قال له‏:‏ يا بن الفاعلة ما حملك على أن سألتك عن مسألة فرددت علي في مسألتين وأمر به إلى الحبس‏.‏ فلم يزل في حبسه حتى أطلقه الأمين‏.‏ إبراهيم بن السندي قال‏:‏ سمعت عبد الملك بن صالح يقول بعد إخراج المخلوع له من الحبس وذكر الرشيد وفعله به فقال‏:‏ والله إن الملك لشيء ما نويته ولا تمنيته ولا نصبت له ولا أردته ولو أردته لكان إلي أسرع من الماء إلى الحدور ومن النار إلى يبس العرفج وإني لمأخوذ بما لم أجن ومسؤول عما لم أعرف ولكن حين رآني للملك قميناً وللخلافة خطيراً ورأي لي يداً تنالها إذا مدت وتبلغها إذا بسطت ونفساً تكمل لخصالها وتستحقها بفعالها - وإن كنت لم أجن تلك الخصال ولم أصطنع تلك الفعال ولم أترشح لها في السر ولا أشرت إليها في الجهر - ورآها تجن حنين الوالدة الوالهة وتميل ميل الهلوك خاف أن ترغب إلى خير مرغب وتنزع إلى أخصب منزع وعاقبني عقاب من سهر في طلبها وجهد في التماسها فإن كان إنما حسبني أني أصلح لها وتصلح لي وأليق بها وتليق لي فليس ذلك بذنب جنيته فأتوب منه ولا تطاولت له فأحط نفسي عنه وإن زعم أن لا صرف لعقابه ولا نجاة من عذابه إلا أن أخرج له من حد العلم والحلم والحزم فكما لا يستطيع المضياع أن يكون مصلحاً كذلك لا يستطيع العاقل أن يكون جاهلاً وسواء علي أعاقبني على علمي وحلمي أم عاقبتني على نسبي وسني وسواء علي عاقبتني على جمالي أو عاقبتني على محبة الناس لي ولو أردتها لأعجلته عن التفكير وشغلته عن التدبير ولما كان فيها من الخطب إلا اليسير‏.‏ إبراهيم بن السندي قال‏:‏ كنت أساير سعيد بن سلم حين قيل له‏:‏ إن أمير المؤمنين قد غضب على رجاء بن أبي الضحاك وأمر بأخذ ماله فارتاع بذلك وجزع فقيل له‏:‏ ما يروعك منه فوالله ما جعل الله بينكما نسباً ولا سبباً فقال‏:‏ بلى النعمة نسب بين أهلها والطاعة سبب مؤكد بين الأولياء‏.‏ وبعث بعض الملوك إلى رجل وجد عليه فلما مثل بين يديه قال‏:‏ أيها الأمير إن الغضب شيطان فاستعذ بالله منه وإنما خلق العفو للمذنب والتجاوز للمسيء فلا تضق عما وسع الرعية من حلمك وعفوك‏.‏ فعفا عنه وأطلق سبيله‏.‏ ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلز على بعض الأمر قال‏:‏ أصلح الله الأمير تثبت فإن التثبت نصف العفو‏.‏ قال الحجاج لرجل دخل عليه‏:‏ أنت صاحب الكلمة قال‏:‏ أبوء بالذنب وأستغفر الرب وأسأل العافية قال‏:‏ قد عفونا عنك‏.‏ وأرسل بعض الملوك في رجل أراد عقوبته فلما مثل بين يديه قال‏:‏ أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلا نظرت في أمري نظر من برئي أحب إليه من سقمي وبراءتي أحب إليه من جرمي‏.‏ وقال خالد بن عبد الله لسليمان بن عبد الملك حين وجد عليه‏:‏ يا أمير المؤمنين إن القدرة تذهب الحفيظة وأنت تجل عن العقوبة ونحن مقرون بالذنب فإن تعف عني فأهل ذلك أنت وإن تعاقبني فأهل ذلك أنا‏.‏ وأمر معاوية بن أبي سفيان بعقوبة روح بن زنباع فقال‏:‏ أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تضع مني خسيسة أنت رفعتها أو تنقض مني مريرة أنت أبرمتها أو تشمت بي عدواً أنت وقمته إلا أتى حلمك وصفحك عن خطئي وجهلي فقال معاوية‏:‏ خليا عنه إذا أراد الله أمراً يسره‏.‏ وجد عبد الملك بن مروان على رجل فجفاه وأطرحه ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه شاحباً ناحلاً فقال له‏:‏ مذ متى اعتللت فقال‏:‏ ما مسني سقم ولكني جفوت نفسي إذ جفاني الأمير وآليت أن لا أرضى عنها حتى يرضى عني أمير المؤمنين‏.‏ فأعاده إلى حسن رأيه‏.‏ وقعد الحسن بن سهل لنعيم بن حازم فأقبل إليه حافياً حاسراً وهو يقول‏:‏ ذنبي أعظم من السماء ذنبي أعظم من الأرض فقال الحسن‏:‏ على رسلك أيها الرجل لا بأس عليك قد تقدمت لك طاعة وحدثت لك توبة وليس للذنب بينهما موضع ولئن وجد موضعاً فما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو‏.‏ أذنب رجل من بني هاشم ذنباً إلى المأمون فعاتبه فيه فقال يا أمير المؤمنين من حمل مثل دالتي ولبس ثوب حرمتي ومت بمثل قرابتي اغتفر له فوق زلتي قال‏:‏ صدقت يا بن عمي واعتذر رجل إلى المأمون من ذنب فقال‏:‏ إني وإن كانت زلتي قد أحاطت بحرمتي فإن فضلك محيط بها وكرمك موقوف عليها‏.‏ أخذه صريع الغواني فقال‏:‏ إن كان ذنبي قد أحاط بحرمتي فأحط بذنبي عفوك المأمولا دخل يزيد بن عمر بن هبيرة على أبي جعفر المنصور بعدما كتب أمانه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن إمارتكم بكر ودولتكم جديدة فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرارتها تخف على قلوبهم طاعتكم وتسرع إلى أنفسهم محبتكم وما زلت مستبطئاً لهذه الدعوة‏.‏ فلما قام قال أبو جعفر‏:‏ عجباً من كل من يأمر بقتل هذا‏!‏ ثم قتله بعد ذلك غدراً‏.‏ الهيثم بن عدي قال‏:‏ لما انهزم عبد الله بن علي من الشام قدم على المنصور وفد منهم فتكلموا عنده ثم قام الحارث فقال‏:‏ يا أمير



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!





رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #6
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    المؤمنين إنا لسنا وفد مباهاة وإنما نحن وفد توبة ابتلينا بفتنة استخفت كريمنا واستفزت حليمنا ونحن بما قدمنا معترفون ومما سلف منا معتذرون فإن تعاقبنا فقد أجرمنا وإن تعف عنه فطالما أحسنت إلى من أساء منا فقال المنصور للحرسي‏:‏ هذا خطيبهم وأمر برد ضياعه عليه بالغوطة‏.‏ قال أحمد بن أبي داود‏:‏ ما رأينا رجلاً نزل به الموت فما شغله ذلك ولا أذهله عما كان يحب أن يفعله إلا تميم بن جميل فإنه كان تغلب على شاطئ الفرات وأوفى به الرسول باب أمير المؤمنين المعتصم في يوم الموكب حين يجلس للعامة ودخل عليه فلما مثل بين يديه دعا بالنطع والسيف فأحضرا بجعل تميم بن جميل ينظر إليهما ولا يقول شيئاً وجعل المعتصم يصعد النظر فيه ويصوبه وكان جسيماً وسيماً ورأى أن يستنطقه لينظر أين جنانه ولسانه من منظره فقال‏:‏ يا تميم إن كان لك عذر فأت به أو حجة فأدل بها فقال‏:‏ أما إذ قد أذن لي أمير المؤمنين فإني أقول‏:‏ الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين‏.‏ يا أمير المؤمنين إن الذنوب تخرس الألسنة وتصدع الأفئدة ولقد عظمت الجريرة وكبر الذنب وساء الظن ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك وأرجو أن يكون أقربهما منك وأسرعهما إليك أولاهما بإمامتك وأشبههما بخلافتك ثم أنشأ يقول‏:‏ أرى الموت بين السيف والنطع كامناً يلاحظني من حيثما أتلفت وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي وأي امرئ مما قضى الله يفلت ومن ذا الذي يدلى بعذر وحجة وسيف المنايا بين عينيه مصلت يعز على الأوس بن تغلب موقف يسل علي السيف فيه وأسكت ولكن خلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسرة تتفتت كأني أراهم حين أنعى إليهم وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فإن عشت عاشوا خافضين بغبطة أذود الردى عنهم وإن مت موتوا فكم من قائل‏:‏ لا يبعد الله روحه وآخر جذلان يسر ويشمت قال‏:‏ فتبسم المعتصم وقال‏:‏ كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل اذهب فقد غفرت لك الصبوة وتركتك للصبية‏.‏ وحكي أن أمير المؤمنين المهدي قال لأبي عبيد الله لما قتل ابنه‏:‏ إنه لو كان في صالح خدمتك وما تعرفناه من طاعتك وفاء يجب به الصفح عن ولدك ما تجاوز أمير المؤمنين ذلك به إلى غيره ولكنه نكص على عقبيه وكفر بربه قال أبو عبيد الله‏:‏ رضانا عن أنفسنا وسخطنا عليها موصول برضاك وسخطك ونحن خدم نعمتك تثيبنا على الإحسان فنشكر وتعاقبنا على الإساءة فنصبر‏.‏ أبو الحسن المدائني قال‏:‏ لما حج المنصور مر بالمدينة فقال للربيع الحاجب‏:‏ علي بن جعفر بن محمد قتلني الله إن لم أقتله فمطل به ثم ألح عليه فحضر فلما كشف الستر بينه وبينه ومثل بين يديه همس جعفر بشفتيه ثم تقرب وسلم فقال‏:‏ لا سلم الله عليك يا عدو الله تعمل علي الغوائل في ملكي قتلني الله إن لم أقتلك قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن سليمان صلى الله على محمد وعليه أعطى فشكر وإن أيوب ابتلى فصبر وإن يوسف ظلم فغفر وأنت على إرث منهم وأحق من تأسى بهم‏.‏ فنكس أبو جعفر رأسه ملياً وجعفر واقف ثم رفع رأسه فقال‏:‏ إلي أبا عبد الله فأنت القريب القرابة وذو الرحم الواشجة السليم الناحية القليل الغائلة ثم صافحه بيمينه وعانقه بشماله وأجلسه معه على فراشه وانحرف له عن بعضه وأقبل عليه بوجهه يحادثه ويسائله ثم قال‏:‏ يا ربيع عجل لأبي عبد الله كسوته وجائزته وإذنه‏.‏ قال الربيع‏:‏ فلما حال الستر بيني وبينه أمسكت بثوبه فقال‏:‏ ما أرانا يا ربيع إلا وقد حبسنا فقلت‏:‏ لا عليك هذه مني لا منه فقال‏:‏ هذه أيسر سل حاجتك فقلت له‏:‏ إني منذ ثلاث أدفع عنك وأداري عليك ورأيتك إذ دخلت همست بشفتيك ثم رأيت الأمر انجلى عنك وأنا خادم سلطان ولا غنى لي عنه فأحب منك أن تعلمينه قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بحفظك الذي لا يرام ولا أهلك وأنت رجائي فكم من نعمة أنعمتها علي قل لك عندها شكري فلم تحرمني وكم من بلية ابتليت بها قل عندها صبري فلم تخذلن اللهم بك أدرأ في نحره وأستعيذ بخيرك من شره فإنك على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم‏.‏ كان يزيد بن راشد خطيباً وكان فيمن دعا إلى خلع سليمان بن عبد الملك والبيعة لعبد العزيز بن الوليد فنذر سليمان قطع لسانه‏.‏ فلما أفضت الخلافة إليه دخل عليه يزيد بن راشد فجلس على طرف البساط مفكراً ثم قال‏:‏ يا أمير المؤمنين كن كنبي الله ابتلي فصبر وأعطي فشكر وقدر فغفر قال‏:‏ ومن أنت قال‏:‏ يزيد بن راشد‏.‏ فعفا عنه‏.‏ حبس الرشيد رجلاً فلما طال حبسه كتب إليه‏:‏ إن كل يوم يمضي من نعيمك يمضي من بؤسي مثله والأمد قريب والحكم لله‏.‏ فأطلقه‏.‏ ومر أسد بن عبد الله القسري وهو والي خراسان بدار من دور الاستخراج ودهقان يعذب في حبسه وحول أسد مساكين يستجدونه فأمر لهم بدراهم تقسم فيهم فقال الدهقان‏:‏ يا أسد إن كنت تعطى من يرحم فارحم من يظلم فإن السموات تنفرج لدعوة المظلوم يا أسد احذر من ليس له ناصر إلا الله واتق من لا جنة له إلا الابتهال إليه إن الظلم مصرعه وخيم ولا تغتر بإبطاء الغيثات من ناصر متى شاء أن يجيب أجاب وقد أملى لقوم ليزدادوا إثماً‏.‏ فأمر أسد بالكف عنه‏.‏ عتب المأمون على رجل من خاصته فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن قديم الحرمة وحديث التوبة يمحوان ما بينهما من الإساءة فقال‏:‏ صدقت ورضي عنه‏.‏ وكان ملك من ملوك فارس عظيم المملكة شديد النقمة وكان له صاحب مطبخ فلما قرب إليه طعامه صاحب المطبخ سقطت نقطة من الطعام على يديه فزوى لها الملك وجهه وعلم صاحب المطبخ أنه قاتله فكفأ الصحفة على يديه فقال الملك‏:‏ علي به فلما أتاه قال له‏:‏ قد علمت أن سقوط النقطة أخطأت بها يدك فما عذرك في الثانية قال‏:‏ استحييت للملك أن يقتل مثلي في سني وقديم حرمتي في نقطة فأردت أن أعظم ذنبي ليحسن به قتلي فقال له الملك‏:‏ لئن كان لطف الاعتذار ينجيك من القتل ما هو بمنجيك من العقوبة اجلدوه مائة جلدة وخلوه‏.‏ الشيباني قال‏:‏ دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبض ضياعهم فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين محمد بن عبد الملك بين يديك ربيب دولتك وسليل نعمتك وغصن من أغصان دوحتك أتأذن لي في الكلام قال‏:‏ نعم قال‏:‏ نستمتع الله حياطة ديننا ودنيانا ورعاية أدنانا وأقصانا ببقائك ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا هذا مقام العائد بفضلك الهارب إلى كنفك وظلك الفقير إلى رحمتك وعدلك ثم تكلم في حاجته فقضاها‏.‏ أذقني طعم النوم أو سل حقيقة علي فإن قامت ففصل بنانيا خلعت فاستطار فأصبحت ترامى به البيد القفار تراميا ولم يقل أحد في هذا المعنى أحسن من قول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر‏:‏ أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي تستك منها المسامع فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع أكلفتني ذنب امرئ وتركته كذي العر يكوى غيره وهو راتع فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع وقال فيه أيضاً‏:‏ ولست بمستبق أخاً لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب فإن أك مظلوماً فعبد ظلمته وإن تك ذا عتب فمثلك يعتب حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني جناية لمبلغك الواشي أغش وأكذب ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب فهبني امرأ إما بريئاً علمته وإما مسيئاً تاب منه وأعتبا وكنت كذي داء يبغي لدائه طبيباً فلما لم يجده تطببا وقال الممزق لعمرو بن هند‏:‏ تروح وتغدو ما يحل وضينها إليك ابن ماء المزن وابن محرق أحقاً أبيت اللعن أن ابن مزننا على غير إجرام بريقي مشرقي فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل وإلا فادركني ولما أمزق فأنت عميد الناس مهما تقل نقل ومهما تضع من باطل لا يحقق وتمثل بهذه الأبيات عثمان بن عفان في كتابه إلى علي بن أبي طالب يوم الدار‏.‏ وكتب محمد بن عبد الملك الزيات لما أحس بالموت وهو في حبس المتوكل برقعة إلى المتوكل فيها‏:‏ هي السبيل فمن يوم إلى يوم كأنه ما تريك العين في النوم لا تعجلن رويداً إنما دول دنيا تنقل من قوم إلى قوم إن المنايا وإن أصبحت ذا فرح تحوم حولك حوماً أيما حوم وقال عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة للمنصور وقد أراد عقوبة رجل‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الانتقام عدل والتجاوز فضل والمتفضل قد جاوز حد المنصف ونحن نعيذ أمير المؤمنين أن يرضى لنفسه أوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين‏.‏ جرى بين أبي مسلم صاحب الدعوة وبين قائد من قواده يقال له شهرام كلام فقال له قائده كلمة فيها بعض الغلظ ثم ندم على ما كان منه فجعل يتضرع ويتنصل إليه فقال له أبو مسلم‏:‏ لا عليك لسان سبق ووهم أخطأ وإنما الغضب شيطان وأنا جرأتك علي بطول احتمالي منك فإن كنت للذنب متعمداً فقد شاركتك فيه وإن كنت مغلوباً فإن العذر يسعك وقد عفونا على كل حال‏.‏ فقال‏:‏ أصلح الله الأمير إن عفو مثلك لا يكون غروراً قال‏:‏ أجل قال‏:‏ فإن عظم الذنب لا يدع قلبي يسكن وألح في الاعتذار فقال له أبو مسلم‏:‏ عجباً لك إنك أسأت فأحسنت فلما أحسنت أأسيء‏!‏ دخل أبو دلف على المأمون وقد كان عتب عليه ثم أقاله فقال له وقد خلا مجلسه‏:‏ قل أبا دلف وما عسيت أن تقول وقد رضي عنك أمير المؤمنين وغفر لك ما فعلت فقال يا أمير المؤمنين‏:‏ ليالي تدنو منك بالبشر مجلسي ووجهك من ماء البشاشة يقطر قال المأمون‏:‏ لك بها رجوعك إلى المناصحة وإقبالك على الطاعة ثم عاد له إلى ما كان عليه‏.‏ وقال له المأمون يوماً‏:‏ أنت الذي تقول‏:‏ إني امرؤ كسروي الفعال أصيف الجبال وأشتوا العرافا ما أراك قدمت لحق طاعة ولا قضيت واجب حرمة قال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إنما هي نعمتك ونحن فيها خدمك وما هراقة دمي في طاعتك إلا بعض ما يجب لك‏.‏ ودخل أبو دلف على المأمون فقال‏:‏ أنت الذي يقول فيك ابن جبلة‏:‏ إنما الدنيا أبو دلف بين باديه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثره فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين شهادة زور وكذب شاعر وملق مستجد وليكن الذي يقول فيه ابن أخيه‏:‏ ذريني أجوب الأرض في طلب الغنى فما الكرج بالدنيا ولا الناس قاسم الكرج‏:‏ منزل أبي دلف وكان اسمه القاسم بن عيسى‏.‏ وقال المنصور وجعل لمعن بن زائدة‏:‏ ما أظن ما قيل عنك من ظلمك أهل اليمن واعتسافك عليهم إلا حقاً قال‏:‏ كيف ذلك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ بلغني عنك أنك أعطيت شاعراً لبيت قاله ألف دينار وأنشده البيت وهو‏:‏ معن بن زائدة الذي زيدت به فخراً إلى فخر بنو شيبان قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين قد أعطيته ألف دينار ليس على هذا البيت ولكن على قوله‏:‏ ما زلت يوم الهاشمية معلماً بالسيف دون خليفة الرحمن فمنعت حوزته وكنت وقاءه من وقع كل مهند وسنان قال‏:‏ فاستحيا المنصور وجعل ينكت بالمخصرة ثم رفع رأسه وقال‏:‏ اجلس أبا الوليد‏.‏ أتي عبد الملك بن مروان بأعرابي سرق فأمر بقطع يده فأنشأ يقول‏:‏ يدي يا أمير المؤمنين أعيذها بعفوك أن تلقى مكاناً يشينها ولا خير في الدنيا وكانت حبيبة إذا ما شمالي فارقتها يمينها فأبى إلا قطعه فقالت أمه‏:‏ يا أمير المؤمنين واحدي وكاسبي قال‏:‏ بئس الكاسب كان لك وهذا حد من حدود الله قالت‏:‏ يا أمير المؤمنين اجعله من بعض ذنوبك التي تستغفر الله منها فعفا عنه‏.‏



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!






  • صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. العقد الفريد/الجزء الأول/18
      بواسطة الصقرالحنون في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 08-02-2010, 07:04 PM
    2. العقد الفريد/الجزء الأول/10
      بواسطة الصقرالحنون في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 08-02-2010, 05:38 PM
    3. العقد الفريد/الجزء الأول/9
      بواسطة الصقرالحنون في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 08-02-2010, 05:32 PM
    4. العقد الفريد/الجزء الأول/8
      بواسطة الصقرالحنون في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 08-02-2010, 05:26 PM
    5. العقد الفريد/الجزء الأول/7
      بواسطة الصقرالحنون في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 08-02-2010, 05:19 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1