size="6"]
الجزء الثالث
مضت خمس سنوات على وفاة والدتي رحمها الله
كنت فيها الأم والأب وكل شيء لسارة .. التي أصبحت بالنسبة لي شيء كبير ومهم في حياتي أكثر من ذي قبل ..
لم يبق في المنزل بعد رحيل أمي سوانا ..
كان الملل يحيط بنا بالرغم من محاولتي جاهداً أن أزيل آثاره .. وأن أدخل البهجة إلى قلب سارة بعد أن فقدت أعز اثنين على قلبها ..
أمي (رحمها الله) ..
وجواهر ..
أجل .. اختفت جواهر بعد رحيل أمي بسنتين دون سابق إنذار ..
إلى مكان غير معروف مما أدى إلى انتكاس سارة .. التي كان عليّ محاولة إخراجها مرة أخرى من انطوائها ..
ولكن كيف ذلك ..؟
العلم عند الله ..
فأنا سأبذل ما في وسعي لأجلها ..
*********
يبدو أنني استغرقت وقتا في التفكير .. أشعر بصداع شديد ..
نهضت من سريري متوجها إلى أسفل لأعد لي شايا ساخناً ريثما تنتهي سارة من واجباتها ثم نذهب بعد ذلك للسوق ..
ساقتني قدماي إلى غرفة والدتي لاشعورياً ..
دخلت الغرفة.. أضأت المصباح .. وجلست على طرف السرير..
فتحت أحد الأدراج على جانب السرير.. فوجدت مفكرة صغيرة ..
ترى ما بداخلها ؟!.. فتحتها .. فغرت فمي حين قرأت المكتوب كعنوان لها
(مذكراتي أكتبها في حياتي .. ليقراها أبنائي من بعدي)..
فتحت الصفحة الأولى والثانية والثالثة ..
كل صفحة أحداثها تختلف عن الأخرى ..
شدني عنوان إحدى الصفحات (أصعب الأيام) ..
ترى ما هو أصعب أيام حياتك أمي؟؟
هل عندما مات أبي؟
أو عندما انتقلنا لمنزلنا هذا؟؟
هل؟؟ .. وهل؟.. أسئلة كثيرة ترددت في مخيلتي قبل أن أقرأ ماكُتب في تلك الصفحة ..
لم يكن خبر وفاة والدي ..
ولم يكن حدث انتقالنا لمنزلنا هذا ..
ولا غيرها من الأفكار التي طرأت على بالي البتة ..
لقد كان ..
خبر زواج والدي !!!..
نعم لقد تزوج والدي عليها دون علمنا ..
هل يعقل هذا؟ ..
أنا لا أعارض ولكن لِم لم يخبرنا؟؟
لم لم تقل أمي لنا ذلك؟؟
من هي تلك المرأة .. وكيف تزوجها .. ومتى .. وهل لنا أخوة منها .. أم لا؟ ..
لا أصدق قرأت وقرأت حتى كاد رأسي أن ينفجر ..
جاءني صوت سارة الواقفة على الباب ..
وقد لبست عباءتها ..
سألتها عما إذا كانت تريد الخروج الآن .. هزت رأسها إيجابا
أعدت المفكرة إلى الدرج وأطفأت المصباح وخرجت ..
قضينا قرابة الساعتين في السوق ..
عدت بعدها وأنا في غاية التعب ..
توجهت إلى المطبخ وعملت لي كوبا من الشاي..
صعدت إلى غرفتي تمددت على السرير وأنا احتسي بعضا منه..
وسرعان ما شعرت بالراحة وخلدت للنوم ..
**********
صوت طرق الباب أزعجني .. فتحت عيني شيئا فشيئا
وتكلمت بصوت يكاد يخرج من حنجرتي .. تفضل ..
فُتح الباب ببطء .. وأنا أسمع صوت أزيزه ..
وانتظر من سارة أن تتحدث دون أن أتحرك من مكاني ..
جاءني صوت طالما أحببته .. وطالما تسليت بسماعه .. أطربني سنوات معدودة ..
وانقطع عني بقية عمري ..
التفت إلى مصدر الصوت ..
تفاجئت .. ذهلت ..
لم أعرف كيف أتصرف ..
وظللت مشدوها أنظر ..
لقد كان .. أبــــــــــــــــــــــي ..
أجل كان قابضا يديه ومادهما إليّ ..
قال بصوت حنون ..
أحمد .. هذه أمانة عندك فحافظ عليها ..
مددت يدي وأنا أنظر في عينيه خوف أن أفقدهما مرة أخرى ..
وضع ما معه في يدي .. باختصار كانت ..
أحمد .. هيا قم سوف تقام الصلاة وأنت نائم ..
حسناً سارة ها أنا ذاهب .. استعذت من الشيطان وقمت للصلاة ..
********
عدت إلى غرفتي وحاولت أن استرجع ما رأيته في الحلم ..
ماهي هذه الأمانة التي يوصيني والدي بها ..
كان شيئا له بريق ولمعان ..
شيء ثمين .. وإلاّ لم يكن ليحرص عليه كل هذا الحرص ..
في المساء كنت جالسا مع سارة في غرفتها ..
كانت ساكتة وهادئة على غير العادة .. تسترق النظر إليّ بين فينة وأخرى ..
وكأنها تريد قول شيء وخائفة من ردة فعلي ..
مابك سارة ماذا تريدين أن تقولي ..
لاتخفي شيئا ..
ترددت قليلاُ ثم قالت:--
الجزء الرابع
مابك سارة ماذا تريدين أن تقولي ؟؟
لاتخفي شيئا ..
ترددت قليلاُ ثم قالت:
جواهر..!!
سرت قشعريرة في أوصالي ..
منذ متى لم اسمع هذا الاسم؟ .. الذي طالما تمنيت سماعه
ترى أين أنت وماذا حصل لك؟
مابها يا عزيزتي ..؟
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول:
اشتقت إليها .. أريد أن أراها ..
انفجرت سارة بالبكاء ..
أحمد أرجوك أريدها
لا أريد أن أفقدها أكثر من ذلك ..
لا أريد أن أعيش بدونها ..
يكفي فقدي لأمي وأبي ..
أرجوك أحمد .. أرجوك ..
غطت وجهها بكفيها واسترسلت في البكاء ..
يا إلهي من أين لي بالقوة حتى أجعلها تهدأ ؟
العون يارب ..
اقتربت منها وضممتها وأنا اقرأ عليها آيات من القرآن ..
إلى أن هدأت ونامت..
خرجت من عندها بعد أن أطفأت النور .. وأنا بحال يرثى لها ..
ياإلهي ماذا أفعل؟..
*********
في اليوم التالي
استأذنت من عملي مبكراً..
ذهبت إلى منزل جواهر ..
طرقت الباب لكن بدون جدوى ..
اتجهت إلى المنزل المجاور .. طرقت ففتحت لي امرأة عجوز ..
سلمت عليها وسألتها عن جواهر ووالدتها ..
أخبرتني بأن والدة جواهر تزوجت وانتقلت بعد فترة من زواجها إلى منزل زوجها
وتركت هذا المنزل منذ سنتين ..
سألتها عما إذا كانت تعرف إلى أين انتقلوا أو اسم زوجها أو وظيفته؟؟
لكنها لم تكن تعرف شيئاً ..
استأذنت منها وعدت أدراجي ..
كيف أتصرف ؟.. لا أريد أن تعيش سارة في شقاء ..
لم أصدق أنها خرجت مما هي فيه ..
ولكنها بحكم شعورها بالوحدة والحاجة إلى من يفهمها أكثر مني عادت إلى تلك الحالة من البكاء والصياح .. وعليّ إخراجها من هذه الحالة بأي طريقة ..
ذهبت إلى البيت
وكانت مستلقية على كنبة في الصالة..
سألتها إذا كانت تعرف اسم والدة جواهر أو لا..
ردت فوراً (آمنة) ..
ولكن لم تسأل؟
لم أجبها
لقد مر عليّ هذا الاسم
ولكن أين؟؟؟!!!
آآآآآه تذكرت في المفكرة..!!
ذهبت إلى غرفة أمي بسرعة وجلست على طرف السرير فتحت المفكرة وجدت اسمها في صفحة أصعب الأيام ..
أجل اسمها آمنة وهي من أعز صديقات أمي ..
ولأبي منها بنت أسمها
جـــــــــــواهرررر...
دارت الدنيا في رأسي
جواهر أختي .. أيعقل هذا ؟؟!!
طوال هذه السنين وسارة تقول لي إنها أختي وأنا اضحك عليها ..
هي أيضا قالت لي هذا الكلام ..
قالت كلمتها وكأني صٌفعت على وجهي قالت:
(أحمد أنا أحبك)
جمدت في مكاني
ماذا قلت صغيرتي؟
أجابت: ألا يحق لي ذلك ألست أخي؟
ومن قال ذلك؟
أمي ..
لا أصدق ما يحدث كنت اعتقد أنه بحكم صداقتها تؤمن بأخوتها وتعتبرني أيضا أخا لها ..
قمت مسرعاً إلى سارة كانت تحتضن صورة وتبكي ..
أخذت منها الصورة ونظرت كانت صورة والدي (رحمه الله) وهويحمل في يديه جواهر ..
عادت بي الذاكرة إلى الوراء ..
(غضبت أمي .. جواهر..جواهر هل يمكن أن تسير حياتنا بدون ذكرها ..
استغربت من رد أمي لكني لذت بالصمت
أما سارتي فقد تغيرت ملامحها واغرورقت عيناها بالدموع وذهبت إلى غرفتها وهي تبكي.. لابد أن في الموضوع سر ولابد أن أعرفه؟
لماذا كل هذه العصبية , أماه طفلة وتريد أن تفرح وتُفرح صديقتها ماذا في الأمر؟
أجابت بغضب فلتفرح بعيدا عنا فلا دخل لنا بالغرباء..
لم أرد , بل توجهت إلى سارة محاولا مواساتها..
بمجرد دخولي أخفت شيئا كان في يدها
حتى هذه الصغيرة لديها أسرارها التي لاتريد لأحد الاطلاع عليها..!!
لم أسألها عما أخفت ولكن سألتها عن جواهر ولم كل هذا الاهتمام بها؟
نظرت إلي وقالت؛ ألا تذكر السر الذي أخبرتك به..
سر!!!
عما تتحدثين؟
نظرت إلي مما أدى إلى إطراقي
أحيانا أخاف من نظراتها..
اقتربت مني وهمست ألم أقل لك أن جواهر أختي وأنا أحبها جداً..
سكت قليلا وأنا أتذكر ذلك..
هي تحبك لأنك صديقتها..
بل أختها ألا تفهم؟
بلا .. بلا ..أفهم)..
آآآآآآآه..
تذكرت
والدي كان يحمل في يديه (جواهرررر) عندما جاءني في الحلم ..
أجل يحمل جواهر ..
وأراد مني أن أبحث عنها وأحافظ عليها ..
ولكن أين أنت ياجواهر .. أين أنت؟؟
كانت سارة تنظر إليّ مستغربة من تصرفي وبكائي ..
بكيت على أيام مضت أضعت فيها أختي بسذاجتي وغبائي ..
بكيت على ما أخفاه والدي عنا ..
بكيت على جفاء والدتي لطفلة لاذنب لها ..
بكيت لأني لم أحقق لها أمنيتها بأن أكون لها أبا كما أرادت ..
قلت بصوت مسموع:
عودي .. أرجوك ..
أعدك بأن أحقق لك ما تريدين ..
أعدك بأن أكون لك الأب والأخ ..
سأحبك كما أحببتني ..
لن أخذلك في شيء ولكن عودي لنا جواهر أرجوك عودي...
بكت سارة لبكائي ..
يامليكي أنت ربي أنت حسبي ومعيني .. ياإلهي ساعدني ..
ماذا أفعل .. كيف سأتصرف .. وأين سأجدها؟..
خرجت من المنزل على غير هدى ..
عسى أن تقودني قدماي إليها .. أو يأتي المارد فيأخذني إليها حيث تكون ..
بعد ساعات من السير في الشوارع والطرقات عدت للمنزل واتجهت إلى غرفة سارة ..
لأرى ما حل بها بعد أن كان مني ما كان ..
كانت مستلقية على السرير ..
وواضح عليها التعب والإنهاك ..
اقتربت منها .. كانت تتمتم بكلمات غير مفهومة ..
وضعت يدي على رأسها .. حرارتها مرتفعة جدا ً..
أخذت أهزها وأناديها ..
وهي على حالها ..
حملتها بين يدي .. وأنا في أشد الحاجة لمن يحملني ..
لطفك يارب ..
أخذتها إلى المستشفى ..
أدخلت قسم الطوارئ ..
مرت دقائق وكأنها دهر ..
خرجت الطبيبة المناوبة من عندها ..
سألتها .. فأجابت ضعف عام وارتفاع في درجة الحرارة .. وتستلزم التنويم حتى تتحسن حالتها
لم أدر بنفسي إلا وأنا أسير خلفها لأكمل إجراءات التنويم ..
عدت إلى المنزل بعد أن اطمأننت عليها ..
أخذت أتأمل أرجاء المنزل .. أستعيد ذكرياتي معها فيه ..
هنا كانت تستقبلني عندما آتي من العمل وأحملها على ظهري ..
على هذا الكرسي كنت أجلس لأذاكر لها ..
عند التلفاز كانت أمي (رحمها الله) تحمل لنا الطعام وقت راحتنا ..
أمي!! أمي!!
هل من الممكن أن تكون أمي قد كتبت معلومات أخرى عن زوجة أبي في مذكراتها غير كونها صديقتها..؟
توجهت إلى غرفتها .. قلبت المفكرة صفحة صفحة بلا فائدة ..
فتشت الدرج فوجدت نوتة أرقام صغيرة ..
بالتأكيد سيكون الرقم موجود .. تصفحتها لم أعثر لها على اسم ..
لكن ماهذا الاسم الغريب ..
السارقة ..
ترى من هي .. ولم تنعتها أمي بالسارقة ..
لحظة !!.. آمنة شاكر ..
هذا ما كتب تحت اسم السارقة
بالتأكيد هي ..
ضحكت في خاطري على هذا النعت .. أسمتها أمي بالسارقة لأنها أخذت والدي منها..
ياللنساء .. يغرن من أي شيء ..
حفظت الرقم في هاتفي النقال إلى أن يتسنى لي الاتصال في الصباح ..
فالوقت متأخر ولابد لي أن أنام ..
تمددت على سرير أمي أحاول أن أنام ..
ولكن هيهات هيهات.. قُلب رأسي من التفكير..
كيف لي بالنوم وسارة مريضة .. وجواهر لانعرف أين اختفت؟
ماذا أفعل كي أعيد المياه لمجاريها وتعود سارة كما كانت فراشة المنزل ..
والتقي بك ياجواهر كي أحقق أمانيك ..
الآن عرفت ما هو الشيء الذي كنت أبحث عنه من جراء إيصالي لسارة المدرسة ..
ولكن .. بعد فوات الأوان ..
لا لم يفت الأوان ..
مازال هناك أمل بان ألقاك عاجلا أم آجلا يا جواهر ..
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)