المكيدة ضد عباس
وكان قبل ذلك احضر قوما من الأمراء واستحلفهم انهم يخونونه ولا يخامرون عليه، واحضر جماعه من مقدمي العرب من درماء وزريق وجذام وسنبس وطلحه وجعفر ولواته واستحلفهم بالمصحف والطلاق على مثل ذلك فما راعنا وأنا عنده بكره الجمعة، إلا والناس قد لبسوا السلاح وزحفوا إلينا ورؤوسهم الأمراء الذين أستحلفهم بالأمس، فأمر بسد دوابه فشدت وأوقفت على باب داره، فكانت بيننا وبين المصرين كالسد لا يصلون إلينا لا زدحام الدواب دوننا. فخرج إليهم غلامه عنتر الكبير كان أشار عليه بذلك الرأي وهو زمامهم، صاح عليهم وشتمهم وقال روحوا إلى بيوتكم فسيبوا الدواب ومضى الركابية والمكارية والجمالون، وبقيت الدواب مهملة ووقع فيها النهب. فقال لي العباس اخرج احضر الأتراك وهم عند باب النصر والكتاب ينفقون فيهم. فلما جئتهم واستدعيتهم ركبوا كلهم، وهم في ثماني مائه فارس وخرجوا من القاهرة منهزمين من القتال، وركب المماليك وهم أكثر من الأتراك وخرجوا أيضاً من باب النصر، ورجعت إليه عرفته ثم اشتعلت بإخراج أهلي الذي كان حملهم إلى داره فأخرجتهم واخرجت حرم عباس. فلما خلت الطريق ونهبت تلك الدواب بأجمعها وصل المصريون إلينا فأخرجونا ونحن في قله وهم في خلق كثير. فلما خرجنا من باب النصر وصلوا إلى الأبواب أغلقوها وعادوا إلى دروبنا نهبونا، فأخذوا من قاعة داري أربعين غراره جمالية مخالطة فيها من الفضة والذهب والكسوات شيء كثير. وأخذوا من أصطبلي ستة وثلاثين حصاناً وبغله سروجيه بسروجها وعدتها كاملة وخمسه وعشرين جملاً، وأخذوا من إقطاعي من كوم أشفين مائتي رأس بقر للنشابين ألف شيه واهراء غلة. ولما سرنا عن باب النصر تجمعت قبائل العرب الذين استحلفهم وقاتلونا من يوم الجمعه وضحى نهار إلى يوم الخميس العشرين من ربيع الأول فكانوا يقاتلون النهار كله، فإذا جن الليل ونزلنا أغفلونا إلى أن ننام، ثم يركبونا في ماءه فارس ويدفعون خيلهم في بعض جوانبنا ويرفعون أصواتهم بالصياح فما نفر من خيلنا وخرج إليهم أخذوه.
أسامة جريح
وانقطعت يوما عن أصحابي وتحتي حصان أبيض هو أردى خيلي، شده الركابي ولايدري ما يجري، وما معي من السلاح غير سيفي، فحمل علي العرب فلم أجد ما أدفعهم به، ولا ينجيني منهم حصاني، وقد وصلتني رماحهم قلت أثب عن الحصان واخذب سيفي أدفعهم. فجمعت نفسي لأثب فتتعتع الحصان فوقعت على الحجارة وأرض خشنه فانقطعت قطعه من جلدة رأسي ودخت حتى ما بقيت ادري بما انا فيه فوقفت علي منهم قوم وأنا جالس مكشوف الرأس غائب الذهن وسيفي مرمي بجهازه، فضربني واحد منهم ضربتين بالسيف وقال هات الوزن وأنا لا أدري ما يقول، ثم أخذ حصاني وسيفي. ورآني الأتراك فعادوا إلي، ونفذ لي ناصر الدين بن عباس حصاناًوسيفاًوسرت وأنا لاأقدر على عصابة أشد بها جراحي، فسبحان من لا يزول ملكه. وسرنا وما مع أحد منا كف زاد، وإذا أردت أشرب ماء ترجلت، شربت بيدي، وقبل أن أخرج بليلة جلست في بعض دهاليز داري على كرسي وعرضوا علي ستة عشر جمل روايا وما شاء الله سبحانه من القرب والسطائح. وعجزت عن حمل أهلي فردتهم من بلبيس إلى عند الملك الصالح أبي الغارات طلائع ابن زريك رحمه الله فأحسن إليهم وأنزلهم في دار واجرى لهم ما يحتاجونه. ولما أراد العرب الذين يقاتلونا الرجوع عنا جاءونا يطلبون حسبنا إذا عدنا.
عباس يقتله الإفرنج
وسرنا إلى يوم الأحد ثالث وعشرين ربيع الأخر فصبحنا الإفرنج جمعهم على المليح فقتلوا عباساً وابنه حسام الملك وأسروا ابنه ناصر الدين وأخذوا خزانته وحرمه وقتلوا من ظفروا به، وأخذ أخي نجم الدولة أبا عبد الله محمد رحمه الله أسيراً، وعادوا عنا ونحن قد تحصنا عنهم في الجبال.
مخاطر وادي موسى
فسرنا أشد من الموت في بلاد الفرنج بغير بغداد زاد للرجال ولاعلف للخيل إلى أن وصلنا جبال بني فهيد لعنهم الله في وادي موسى، وطلعنا في طرقات ضيقه وعره إلى أرض فسيحة والرجال وشياطين رجيمة من ظفروا به منا منفرد قتلوه. وتلك الناحية لا تخلو من بعض بني ربيعة الأمراء الطائيين، فسألت من ها هنا من الأمراء بني ربيعة؟ قالوا منصور بن غدفل وهو صديقي فدفعت لواحد دينارين وقلت أمض إلى المنصور قل له صديقك ابن منقذ يسلم عليك ويقول لك صل إليه بكره، وبتنا في مبيت سوء من خوفهم.
فلما أضاء الصبح اخذوا عدتهم ووقفوا على عين وقالوا ما ندعكم تشربون ماءنا ونهلك ونحن بالعطش. وتلك العين تكفي ربيعة ومضر، وكم في أرضهم مثلها، وإنما قصدهم أن ينشئوا الشر بيننا وبينهم ويأخذونا، ونحن فيما نحن فيه ومنصور بن غدفل وصل، فصاح عليهم وسبهم فتفرقوا. وقال أركب فركبنا ونزلنا في طريق أضيق من الطريق التي طلعت فيها وأوعر. فنزلنا إلى لوطا سالمين، وما كدنا نسلم. فجمعت للأمير منصور ألف دينار مصريه ودفعتها إليه وعاد.
في دمشق
وسرنا حتى وصلنا بلد دمشق بمن سلم من الإفرنج وبني فهيد يوم الجمعة خامس ربيع الآخر من السنة. وكانت السلامة من تلك الطريق من دلائل قدرة الله عز وجل وحسن دفاعه.
قصة السرج
ومن عجيب ما جرى لي في تلك الواقعة أن الظافر كان أرسل إلى ابن عباس وهواراً صغير اً مليحاً إفرنجيا. وكنت قد خرجت إلى قرية لي، وابني أبو الفوارس مرهف عند ابن عباس فقالكنا نريد لهذا الرهوار سرجاً مليحاً من السروج الغزية فقال له ابني قد وجدته يا مولاي وهو فوق الغرض قال أين هو قال في دار خادمك والدي له سرج غزي مليح قال انفذ أحضره فأرسل رسولاً إلى داري أخذ السرج فأعجبه وشد به على الرهوار وكان السرج طلع معي من الشام على بعض الجنائب وهو منبت مجرى بسواد في غاية الحسن وزنه مائة مثقال وثلاثون مثقالاً. ووصلت أنا من الإقطاع فقال لي ناصر لدين أدللنا عليك أخذنا هذا السرج من دارك فقلت يا مولاي ماسعدني بخدمتك! فلما خرج علينا الإفرنج بالمويلح كان معي من مماليكي خمسه رجال على الجمال أخذت العرب خيلهم. فلما وقع الإفرنج بقيت الخيل سائبه، فنزل الغلمان عن الجمال واعترضوا الخيل وأخذوا منها ما ركبوه. فكان على بعض الخيل التي أخذوها ذلك السرج الذهب الذي أخذه ابن عباس. وكان حسام الملك ابن عم عباس وأخو عباس ابن العادل قد سلما فيمن سلم منا. وقد سمع حسام الملك خبر السرج وأنا أسمع كل ما كان لهذا المسكين يعني ابن عباس قد نهب فمنه ما نهب الإفرنج، ومنه ما نهبه أصحابه قلت لعلك تعني السرج الذهب قال نعم فأمرت بإحضاره وقلت اقرأ ما عليه اسم عباس عليه وابنه أو اسمي ومن كان في مصر يقدر يركب بسرج ذهب في أيام الحافظ غيري وكان أسمي مكتب على دائر السرج بالسواد ووسطه منبت. فلما قرأ ما عليه إعتذر وسكت.
عدم الاتعاظ بنكبة رضوان
ولولا نفاد المشيئة في عباس وابنه وعواقب البغي وكفر النعمة كان اتعظ بما جرى قبله للأفضل رضوان بن الولخشي رحمه الله، كان وزيرا فقام الجند عليه بأمر الحافظ كما قاموا على عباس، فخرج من مصر يريد الشام ونهبت داره وحرمه حتى أن رجلاً يعرف بالقائد مقبل رأى مع السودان جاريه فاشتراها منهم وبعثها إلى داره، وكانت له امرأة صالحه فاطلعت الجارية إلى الحجرة في علو الدار فسمعتها تقول لعل الله يظفرنا بمن بغى علينا وكفر نعمتنا. فسألتها من أنت فقالت قطر الندى بنت رضوان فنفذت المرأة إلى زوجها القائد مقبل أحضرته وهو على باب القصر في خدمته فعرفته حال البنت. فكتب إلى الحافظ مطالعه فعرف بذلك. فنفذ من خدام القصر من أخذها من دار مقبل ورفعها إلى القصر.
أسامه بمهمة سياسية تجاه رضوان
ثم أن رضوان وصل إلى صلخد وفيها أمين الدولة طغد كين أتابك رحمه الله فأكرمه وأنزله وخدمه. وملك الأمراء أتابك زنكي بن اقسنقر رحمه الله على بعلبك يحاصرها. فراسل رضوان واستقر انه يمضي إليه وكان رجلاً كاملاً كريماً شجاعاً كاتباً عارفا، وللجند إليه ميل عظيم لكرمه. فقال لي الأمير معين الدين رضي الله عنه هذا ان انضاف إلى أتابك دخل علينا منه ضرر كثير قلت فأي شيء ترى قال تسير إليه لعلك ترد رأيه عن قصد أتابك ويكون وصوله إلى دمشق وأنت ترى فيما تفعله في هذا رأيك فسرت إليه إلى صلخد واجتمعت به وبأخيه الأوحد وتحدثت معهما. فقال لي الأفضل رضوانفرط الأمر مني ورهنت قولي عند هذا السلطان بوصولي إليه، ولزمني الوفاء بقولي. قلت أقدمك الله على خير وأنا أعود إلى صاحبي فأنه ما يستغني عني بعد أن اخرج إليك بما في نفسي قال قل قلت إذا وصلت إلى أتابك معه من العسكر ما ينفذ نصفه معك إلى مصر ويبقى نصفه يحاصرنا به قال لا قلت فإذا هو نزل على دمشق وحاصرها وأخذها بعد المدة الطويلة يقدر وقد ضعف عسكرة وفرغت نفقاتهم وطالت سفرتهم، يسير معك إلى مصر قبل أن يجدد بركه ويقوي عسكرت قال لا قلت ذلك الوقت يقول لك نسير إلى حلب نجدد آلة سفرنا فإذا وصلتم إلى حلب قال نمضي إلى الفرات نجمع التركمان فإذا نزلتم على الفرات قال إن لم نعد الفرات ما يجتمع لنا التركمان فإذا عديتم تشوف بك وافتخر على سلاطين الشرق وقال هذا عزيز مصر في خدمتي وتتمنى ذلك الوقت أن ترى حجرا من حجارة الشام فلا تقدر عليها وتذكر حينئذً كلامي وتقول نصحني ما قبلت فاطرق مفكرا لا يدري ما يقول ثم التفت إلي وقال ماذا أعمل؟ وأنت تريد ترجع. قلت أن كان في مقامي مصلحه أقمت. قال نعم فاقمت. وتكرر الحديث بيني وبينه حتى استقر وصوله إلى دمشق.، وان يكون له ثلاثون ألف دينار نصفها نقد ونصفها إقطاع، ويكون له دار العقيقي، ويخرج لأصحابه ديوان. وكتب لي خطه بذلك وكان كاتبا حسنا. وقال أن شئت سرت معك. قلت لا أنا أسير ومعي الحمام من هاهنا. فإذا وصلت واخيلت الدار ورتبت الأمر، طيرت إليك الحمام وسرت أنا في الوقت ألقاك في نصف الطريق وادخل بين يديك فتقرر ذلك وودعته وسرت.
رضوان في حبس مصر
و كان أمين الدولة يشتهي مصيره إلى مصر لما قد وعده به واطعمه فبه، فجمع له من قدر عليه وسيره بعد مفارقتي له. فلما دخل حدود مصر غدر به الذين كانوا معه من الأتراك ونهبوا ثقله، والتجأ هو إلي حي من أحياء العرب وراسل الحافظ وطلب منه الأمان وعاد إلى مصر، فساعة وصوله إلى مصر أمر به الحافظ فحبس هو وولده. واتفق طلوعي إلى مصر وهو في الحبس في دار في جانب القصر فنقب بمسمار حديد أربعه عشر ذرعا وخرج ليله الخميس وله من الأمراء نسيب قد عرف امره فهو عند القصر ينتظره ومصطنع له من لواته، ومشوا إلى النيل عدوا إلى الجيزة واختبطت القاهرة لهروبه. وأصبح في منظره في الجيزة والناس يجتمعون إليه. وعسكر مصر قد تأهب لقتاله، ثم اصبح بكره الجمعه عدى إلى القاهرة والعسكر المصري مع قيماز صاحب الباب مدرعين للقاء، فلما وصلهم هزمهم ودخل القاهرة
رضوان يقتله الحرس الفاطمي
وكنت قد ركبت أنا واصحابي إلى باب القصر قبل دخوله البلد فوجدت أبواب القصر مغلقه وما عندها أحد، فرجعت نزلت في داري، ونزل رضوان في الجامع الأقمر واجتمع إليه الأمراء وحملوا إليه الطعام والنفقه. وقد جمع الحافظ قوما من السودان في القصر شربوا وسكروا، وفتح لهم باب القصر فخرجوا يريدون رضوانا. فلما وقع الصياح ركب الأمراء كلهم من عند رضوان وتفرقوا هو من الجامع، وجد حصانه قد أخذه الركابي وراح، فرآه رجل من صبيان الخاص واقفاً على باب الجامع فقاليا مولاي ما تركب حصاني؟ قال بلى فجاء إليه يركض وسيفه بيده، فأومأ كأنه يميل للنزول وضربه بالسيف فوقع، ووصله في السودان قتلوه، وتقاسم أهل مصر لحمه يأكلونه ليكونوا شجعاناً. فقد كان فيه معتبر وواعظ لولا نفاذ المشيئة.
بالفصاد ينجو جريح
وأصاب ذلك اليوم رجلاً من أصحابنا الشامين جراح كثيرة، فجاءني أخوه وقالأخي تالف قد وقع فيه كذا وكذا جرح سيوف وغيرها، وهو مغمور ما يفيق. قلت ارجع افصده. قالقد خرج منه عشرون رطل دم. قلت إرجع إفصده، فأنا اخبر منك بالجراح وليس له دواء غير الفصاد. فمضى غاب عني ساعتين ثم عاد وهو مستبشر، قال أنا فصدته وهو أفاق وأكل وشرب وذهب عنه البؤس. قلت الحمد الله ولولا أني جربت هذا في نفسي عدة مرار ما وصفته لك.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
زيارة أسامة الثانية لدمشق(1154 - 1164 م)
ثم اتصلت بخدمه الملك العادل نور الدين رحمه الله وكاتب الملك الصالح في تسير أهلي وأولادي الذين تخلفوا بمصر وكان محسناً إليهم. فرد الرسول اعتذر بأنه يخاف عليهم من الإفرنج، وكتب إلي يقول ترجع إلى مصر وأنت تعرف ما بيني وبينك، وإن كنت مستوحشاً من أهل القصر فتصل إلى مكة وأنفذ لك كتاباً بتسليم مدينه أسوان إليك، وأمدك بما تتقوى به على محاربة الحبشة فأسوان ثغر من ثغور المسلمين واسير أهلك وأولادك. ففاوضت الملك العادل واستطلعت أمره فقاليا فلان، ما صدقت متى تخلص من مصر وفتنتها، تعود إليها! العمر أقصر من ذلك. أنا انفذ أحذ لأهلك الأمان من ملك الإفرنج أسير من يحضرهم. فانفذ رحمه الله أخذ أمان الملك وصليبه في البر والبحر.
أسرة أسامة بيد الإفرنج
وسيرت الأمان مع غلام لي وكتاب الملك العادل وكتابي إلى الملك الصالح، فسيرهم في عشاري من الخاص إلى دمياط، وحمل لهم كل ما يحتاجونه من النفقات الزاد ووصى بهم، واقلعوا من دمياط في بطسه من بطس الإفرنج، فلما دنوا من عكاروالملك، لا رحمه الله، فيها نفذ قوم في مركب صغير كسروا البطسه بالفؤوس واصحابي يرونهم، وركب ووقف على الساحل نهب كل ما فيه. فخرج إليه الغلام لي سابحاً والأمان معه وقال لهيا مولاي الملك، ما هذا أمانك؟ قال بلى، ولكن هذا رسم المسلمينإذا انكسر لهم مركب على بلد نهبه أهل ذلك البلد. قال فتسبينا؟ قاللا، وانزلهم لعنه الله في دار وفتش النساء حتى أخذ كل ما معهم. وقد كان في المركب حلى اودعه النساء وكسوات وجوهر وسيوف وسلاح وذهب وفضه بنحو من ثلاثين ألف دينار، فأخذ الجميع ونفذ لهم خمس مائه دينار، وقالتوصلوا بهذه إلى بلادكم وكانوا رجالاً ونساء في خمسين نسمه. وكنت إذ ذلك مع الملك العادل في بلاد الملك مسعود رعبان وكيسون. فهون علي سلامة أولادي وأولاد أخي، وحرمنا ذهاب ما ذهب من المال إلا ما ذهب لي من الكتب، فإنها كانت أربعة آلاف مجلد من الكتب الفاخرة، فإن ذهابها حزازة في قلبي ما عاشت. فهذه نكبات تزعزع الجبال وتفني الأموال، والله سبحانه يعوض برحمته ويختم بلطفه ومغفرته. وتلك وقعات كبار شاهدتها مضافة إلى نكبات نكبتها سلمت فيها النفس لتوقيت الآجال واجحفت بهلاك المال.
معارك مع الإفرنج ومع المسلمين
وقد كان بين هذه الوقعات فترات شهدت فيها من الحروب مع الكفار والمسلمين ما لا احصيها، وسأورد من عجائب ما شاهدته ومارسته في الحروب ما يحضرني ذكره، وما النسيان بمستنكر لمن طال عليه ممر الأعوام وهو وراثة بني آدم من أبيهم عليه الصلاة والسلام.
شرف الفارس جمعة
فمن ذلك ما شهدته من أنفة الفرسان وحملهم نفوسهم على الأخطار، أننا كنا التقينا نحن وشهاب الدين محمود بن قراجا، صاحب حماه ذلك الوقت وكانت الحرب بيننا وبينه ما تغب، والمواكب واقفه والطراد بين المتسرعة، فجاءني رجل من أجنادنا وفرساننا المعدودين يقال له جمعه من بني نمير وهو يبكي، فقلت لهمالك يا أبا محمود؟ هذا وقت بكاء؟ قال طعنني سرهناك بن أبي منصور. قلتوإذا طعنك سرهنك أي شيء يكون؟ قالما يكون شيء إلا يطعنني سرهنك! والله إن الموت أسهل علي من أن يطعنني لكنه استغفلني واغتالني فجعلت أسكته واهون الأمر عليه، فرد رأس فرسه راجعاً. فقلتإلى أين يا أبا محمود؟ قالإلى سرهناك، والله لأطعنه أو لأموتن دونه. فغاب ساعة واشتغلت أنا بمن مقابلي، ثم عاد وهو يضحك فقلتما عملت؟ فقالطعنته والله، ولو لم اطعنه لفظت روحي، فحمل عليه في جمع أصحابه فطعنه وعاد، فكأن هذا الشعر عن سرهنك وجمعة بقوله
لله درك ما تظن بثائرً
حران ليس عن التراث براقد
أيقظته ورقدت عنه ولم ينم
حنقاً عليك وكيف نوم الجاهد
إن تمكن الأيام منك وعلها
يوماً يكل لك بالصواع الزائد
وقد يكون سرهنك هذا من الفرسان المذكورين مقدماً في الأكراد، إلا أنه كان شاباً وجمعة رجل كهل له ميزة بالسن والتقدمية في الشجاعة.
في صدر الإسلام
وذكرت بفعلة سرهنك ما فعله مالك بن الحارث الاشتر رحمه الله بأبي مسيكه الايادي. وذلك انه لما ارتدت العرب في أيام أبي بكر رضوان الله عليه، وعزم الله سبحانه له على قتالهم، جهز العساكر إلى قبائل العرب المرتدين. فكان أبو مسيكه الأيادي مع بني حنيفة وكانوا أشد العرب شوكه. وكان مالك الأشتر في جيش أبي بكر رحمه الله. فلما توقفوا برز مالك بين الصفين وصاحيا أبا مسيكة فبرز له فقال ويحك يا أبا مسيكة، بعد الإسلام وقراءة القرآن رجعت إلى الكفر؟ فقالإياك عني يا مالك! انهم يحرمون الخمر، ولا صبر عنها. قال هل لك في المبارزة؟ قال نعم. فالتقيا بالرماح والتقيا بالسيوف فضربه أبو مسيكة فشق رأسه وشتر عينه وبتلك الضربه سمي الأشتر. فرجع وهو معتنق رقبه فرسه إلى رحله، واجتمع له قوم من أهله وأصدقائه يبكون. فقال لأحدهمادحل يدك في فمي. فادحل إصبعه في فمه فعضها مالك فالتوى الرجل من الوجع. فقال مالك لابأس على صاحبكم. يقال إذا سلمت الأضراس سلم الرأس، أحشوها يعني الضربه سياقاً وشدوها بعمامة فلما حشوها وشدوها قالهاتوا فرسي. قالواإلى أين قالإلى أبى مسيكة. فبرز بين الصفين وصاح يا أبا مسيكة! فخرج إليه مثل السهم فضربه مالك بالسيف على كتفه فشقها إلى سرجه فقتله. ورجع مالك إلى رحله فبقى أربعين يوماً لا يستطيع الحراك، ثم ابل وعوفي من جرحه ذلك.
سلامة المطعون
ومن ذلك ما شهدته من سلامة المطعون، وقد ظن أنه هلك، أننا التقينا بوادر خيل شهاب الدين محمود بن قراجا، قد جاء إلى أرضنا وكمن لنا كميناً. فلم توقفنا نحن وهو انتشرت خيلنا. فجاءني فارس من جندنا يقال له علي بن سلام نميري وقال أصحابنا قد انتشروا ان حملوا عليه أهلكوهم. قلت احبس عني اخوتي وبني عمي حتى أردهم. فقاليا أمراء، دعوا هذا يرد الناس ولا تتبعوه، وإلا حملوا عليهم قلعوهم. قالوا يمضي. فخرجت أناقل حصاني حتى رددتهم، وكانوا ممسكين عنهم ليستجر وهم ويتمكنوا منهم. فلما رأوني قد رددتهم حملوا علينا وخرج كمينهم وأنا على فسحة من أصحابي فرجعت مباريهم أريد احمي أعقاب أصحابي فوجدت ابن عمي ليث الدولة يحيى رحمه الله قد حدب من وراء أصحابي من قبل الطريق وأنا في شمالية فجئناهم، فتسرع فارس من خيلهم يقال له فارس بن زمام رجل عربي فارس مشهور، وجازنا يريد الطعن في أصحابنا فسبقني إليه ابن عمي فطعنه فوقع هو وحصانه وفقع الرمح سمعتها أنا وأولئك. وكان الوالد رحمه الله أرسل رسولا إلى شهاب الدين فأخذه معه لما جاء لقتالنا فلما طعن فارس بن زمام ولم يبلغ منا ما أراد نفذ الرسول من مكانه بجواب ما سار فيه ورجع إلى حماه، فسألت الرسولهل مات فارس بن زمام، قاللا والله ولافيه جرح قالليث الدولة طعنه وأنا أراه فرماه ورمى حصانه وسمعت قعقعة كسر الرمح، لما غشيه ليث الدولة من يساره مال على جانبه الأيمن وفي يده قنطاريته فوقع حصانه على قنطاريته وهي على وهده فانكسرت، وتذنب ليث الدولة برمحه فوقع من يده، والذي سمعت قعقعة قنطاريه فارس بن زمام، ورمح ليث الدولة أحضره بين يدي شهاب الدين وأنا حاضر، وهو صحيح ما فيه كسر ولا في فارس جرح، فعجبت من سلامته وكانت تلك الطعنه طعنه فيصل كما قال عنترة
الخيل تعلم والفوارس أنني
فرقت جمعهم بطعنة فيصل
ورجع جميعهم كمينهم ما نالوا منه ما أرادوه. والبيت المقدم من أبيات عنترة بن شداد يقول فيها
إني أمرؤ من خير عبس منصباً
شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت فتلاحظت
ألفيت خيرا من معم مخول
وإن المنية لو تمثل مثلت
مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
والخيل تعلم والفوارس أنني
فرقت جمعهم بطعنة فيصل
ودعوا نزال فكنت أول نازل
وعلام أركبه إذا لم أنزل
أول قتال حضره أسامة
ومثل ذلك ما جرى لي على افامية فإن نجم الدين بن إيلغازي بن ارتق رحمه الله كسر الإفرنج على البلاط وذلك يوم الجمعة خامس جمادى الأولى سنة، ثلاث عشرة وخمسمائة وأفناهم وقتل صاحب إنطاكية روجار وجميع فرسانه، فسار إليه عمي عز الدين ابو العساكر سلطان رحمه الله، وتخلف والدي رحمه الله في حصن شيزر، وقد وصاه ان يسيروني إلى افامية بمن معي بشيزر من الناس والعرب لنهب زرع افامية، وكان قد هدف من العرب إلينا خلق كثير. فلما سار عمي نادى المنادي بعد يوميات من مسيره وسرت في نفر قليل ما عشرين فارساً، ونحن على يقين أن افاميه مافيها خياله ومعي خلق عظيم من النهاية والبداية، فلما صرنا على وادي أبو الميمون، والنهابة والعرب متفرقون في الزرع، خرج علينا من الإفرنج جمع كثير، وكان قد وصلها تلك الليلة ستون فارساً وستون راجلاً فكشفونا عن الوادي، فاندفعنا بين أيديهم إلى أن وصلنا الناس الذين في الزرع ينتهبونه فضجوا ضجة عظيمة، فهان علي الموت لهلاك ذلك العالم معي، فرجعت على فارس في أولهم قد ألقى عنه درعه وتخفف ليجوزنا من بين أيدينا، فطعنته في صدره فطار عن سرجه ميتا. ثم استقبلت خيلهم المتتابعة فولوا أنا غر من القتال ما حضرت قتالا قبل ذلك اليوم وتحتي فرس مثل الطير ألحق أعقابهم لأطعن فيهم ثم اجتن عنهم. وفي أخرهم فارس على حصان ادهم مثل الجمل بالدرع ولأمه الحرب وأنا خائف منه لا يكون جذاباً لي ليعود علي، حتى رأيته ضرب حصانه بمهمازه فلوح بذنبه فعلت انه قد اعيا، فحملت عليه طعنته فنفذ الرمح من قدامه نحواً من ذراع، وخرجت من السرج لخفة جسمي وقوة الطعنه وسرعة الفرس، ثم تراجعت وجذبت رمحي وأنا أظن أنى قتلته، فجمعت أصحابي وهم سالمون. وكان معي مملوك صغير يجر فرساً لي دهماء مجنوبة وتحته بغلة مليحة سروجية وعليها مركوب صقيل فضة، فنزل عن البغلة وسيبها وركب الحجرة فطارت به إلى شيزر، فلما عدت إلى أصحابي وقد مسكوا البغله سألت عن الغلام فقالوا راح. فعلمت انه يصل شيزر ويشغل قلب الوالد رحمه الله، فدعوت رجلاًمن الجند وقلتتسرع إلى شيزر تعرف والدي بما جرى. وكان الغلام لما وصل أحضره الوالد بين يديه وقالأي شيء لقيتم؟ قاليا مولاي خرج الإفرنج في ألف، وما أظن أحد يسلم إلا مولاي قالكيف يسلم مولاك دون الناس؟ رأيته قد لبس وركب الخضراء هو يحدثه، وذلك الفارس قد وصله وأخبره باليقين ووصلت بعده فاستخبرني رحمه الله. فقلت يا مولاي كان أول قتال حضرته، فلما رأيت الإفرنج قد وصلوا إلى الناس هان علي الموت فرجعت إلى الإفرنج لأقتل أو أحمي ذلك العالم فقال رحمه الله متمثلاً
يفر جبان القوم عن أم رأسه
ويحمي شجاع القوم من لا يلازمه
ووصل عمي رحمه الله من عند نجم الدين ايلغازي رحمه الله بعد أيام فأتاني رسوله يستدعيني في وقت ما جرت عادته فيه، فجئته فإذا عنده رجل من الإفرنج فقالهذا الفارس قد جاء من افامية يريد يبصر الفارس الذي طعن فيليب الفارس، فإن الإفرنج تعجبوا من تلك الطعنة وإنها خرقت الزردية من طاقتين وسلم الفارس. قلتكيف سلم؟ قال ذلك الفارس الإفرنجي جاءت الطعنة في جلدة خاصرته. فقلت نعم الأجل حصن حصين. وما ظننته يسلم من تلك الطعنة. قلت يجب على من وصل إلى الطعنة أن يشد يده وذراعه على الرمح جانبه ويدع الفرس يعمل ما يعمله في الطعنة، فإنه متى حرك يده بالرمح مدها به لم يكن لطعنته تأثير ولا نكاية.
يسلم بعد أن قُطع شريان قلبه
وشاهدت فارساً من رجالنا يقال له ندى بن تليل القشيري وكان من شجعاننا، وقد التقينا نحن والإفرنج وهو معرى ما عليه غير ثوبين فطعنه فارس من الإفرنج في صدره فقطع هذه العصفورة التي في الصدر وخرج الرمح من جانبه، فرجع وما نظنه يصل منزله حياً، فقدر الله سبحانه ان سلم وبرأ جرحه، لكنه لبث سنة إذا نام على ظهره لا يقدر يجلس إن لم يجلسه إنسان بأكتافه، ثم زال عنه ما كان يشكوه وعاد إلى تصرفه وركوبه كما كان. قلت فسبحان من نفذت مشيئته في خلقه يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
واخر يموت من إبرة
كان عندنا رجل من المصطنعة يقال له عتاب، اجسم ما يكون من الرجل واطولهم دخل بيته فاعتمد على يده عند جلوسه على ثوب بين يديه كانت فيه إبرة دخلت لعظم خلقه وجهارة صوته يموت من إبرة وهذا القشيري يدخل في صدره قنطاريه تخرج من جنبه لا يصيبه شيء.
حوادث الزمر كل
نزل علينا صاحب إنطاكية لعنه الله بفارسه وراجله وخيامه في بعض السنيين فركبنا ولقيناهم نظن انهم يقاتلونا، فجاؤا نزلوا منزلاً كانوا ينزلونه وهجموا في خيامهم، فرجعنا نحن إلى آخر النهار ثم ركبنا، ونحن نظن انهم يقاتلونا فما ركبوا من خيامهم. وكان للابن عمي ليث الدولة يحيي غلة قد نجزت وهي بالقرب من الفرنج فجمع دواب يريد يمضي إلى الغلة يحملها، فسرنا معه في عشرين فارساً معدين وقفنا بينه وبين الفرنج إلى أن حمل الغلة ومضى، فعدلت أنا ورجل من مولدين يقال له حسام الدولة مسافر رحمه الله إلى كرم رأينا فيه شخوصاً وهم على شط النهر، فلما وصلنا الشخوص التي رأيناها والشمس على مغيبها، فإذا شيخ عليه معرقة إمراة ومعه آخر. فقال له حسام الدولة وكان رحمه الله رجلاً جيداً كثير المزاح يا شيخ أي شيء تعمل ها هنا؟ قالأنتظر الظلام واسترزق الله تعالى من خيل هؤلاء الكفار. قال يا شيخ بأسنانك تقطع عن خيلهم؟ قال لا بهذه السكين. وجذب سكين من وسطه مشدودة بخيط مثل شعلة النار، وهو بغير سراويل، فتركناه وانصرفنا. أصبحت من بكرة ركبت انتظر ما يكون من الإفرنج، وإذا الشيخ جالس في طريقي على حجر والدم على ساقه وقدمه وقد جمد. قلت يهنئك السلامة، أي شيء عملت؟ قالأخذت منهم حصاناً وترساً ورمحاً ولحقني راجل وأنا خارج من عسكرهم طعنني نفذ القنطارية في فخذي وسبقت بالحصان والترس والرمح، وهو مستقل بالطعنة التي فيه كأنها في سواه. وهذا الرجل يقال له الزمركل من شياطين اللصوص. حدثني عنه الأمير معين الدين رحمه الله قال أغرت زمان مقامي بحمص على شيزر وعدت آخر النهار نزلت على ضيعة من بلدة حماه، وأنا عدو لصاحب حماه، قال فجاءني قوم معهم شيخ قد أنكروه فقبضوه وجاؤوني به فقلت يا شيخ أيش أنت قاليا مولاي أنا رجل صعلوك شيخ زمن وأخرج يده من زمنه قد اخذ لي العسكر عنزتين جئت خلفهم لعل إن يتصدقوا علي بهما. فقلت لقوم من الجندارية احفظوه إلى غد فأجلسوه بينهم وجلسوا على اكمام فروة عليه فاستغفلهم في الليل وخرج من الفروة وتركها تحتهم وطار فعدوا في أثره، سبقهم ومضى، قال وكنت قد نفذت بعض أصحابي في شغل فلما عادوا وفيهم جندار يقال له سومان قد كان يسكن بشيزر فحدثته حديث الشيخ قال واحسرتي عليه لو كنت لحقته كنت شربت دمه هذا الزمر كل. قلتفأي شيء بينك وبينه قال نزل عسكر الفرنج على شيزر فخرجت أدور به لعل أسرق حصاناً منهم، فلما أظلم الظلام مشيت إلى طوالة خيل بين يدي، وإذا هذا جالس بين يدي. فقال ليإلى أين قلتاخذ حصاناً من هذه الطوالة. قال وأنا من العشاء انظرها حتى تأخذ أنت الحصان! قلت لا تهذ. قال لا تغتر. والله ما أدعك تأخذ شيئاً. فما التفت إلى قوله ويممت إلى الطوالة. فقام وصاح بأعلى صوتهوافقري واخيبة تعبي وسهري. وصيح حتى خرج على الفرنج، فأما هو فطار، فطردوني حتى رميت نفسي في النهر، وما ظننت أني أسلم منهم، ولو لحقتهم كنت شربت دمه، وهو لص عظيم، وما تبع العسكر إلا يسرق منه. فكان هذا الرجل يقول من يراهما في هذا يسرق رغيف خبز من بيته.
سرقة الخيل
ومن عجيب ما اتفق في السرقة ان رجلا كان في خدمتي يقال له علي ابن الدودويه من اهل مثكير ونزل يوما الإفرنج لعنهم الله على كفر طاب، وهي ذا ذاك لصلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله. فخرج هذا علي بن الدودوية، دار بهم وأخذ حصاناً ركبه وخرج من العسكر يركض، وهو يسمع الحس خلفه ويعتقد ان بعضهم ركب في طلبه، وهو مجد في الركض والحس خلفه حتى ركض قدر فرسخين والحس معه. فالتفت يبصر ما خلفه في الظلام، وإذ بغلة كانت تألف الحصان قد قطعت مقودها وتبعته، فوقف حتى شد فوطته في رأسها وأخذها وأصبح عندي في حماه بالحصان والبغله. وكان الحصان من أجود الخيل وأحسنها وأسبقها.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
أتابك يستولي على حصان أسامة
كنت يوماً عند أتابك وهو يحاصر رفنية وقد استدعاني وقال لي يا فلان أي شيء في حصانك الذي خبيته؟ وكان قد بلغه خبر الحصان. قلت لا والله يا مولاي مالي حصان مخبى، حصني كلها في العسكر. قالفالحصان لإفرنجي؟ قلتحاضر قالانفذ أحضره أنفذت أحضرته وقلت للغلامامضي به إلى الإصطبل. فقال أتابكاتركه الساعة عندك. ثم أصبح سبق، فسبق، وردته إلىاصطبلي، وعاد استدعاه من البلد وسبق به فسبق فحملته إلى اسصطبله.
سهم في حلق
وشاهدت في الحرب عند انتهاء المدة كان عندنا رجل من الجند يقال له رافع الكلابي، وهو فارس مشهور. اقتتلنا نحن وبنو قراجا وقد جمعوا لنا من التركمان وغيرهم وحشدوا وباسطناهم على فسحة من البلد، ثم تكاثروا علينا فرجعنا وبعضنا يحمي بعضا. وهذا رافع فيمن يحمي الأعقاب، وهو لابس كزاغند وعلى رأسه خوذة بلا لئام. فالتفت لعله يرى فيهم فرصه فينحرف عليهم فضربه سهم كشما في حلقه ذبحه ووقع مكانه ميتاً.
طعنه في فرس
وكذلك شاهدت شهاب الدين بن قراجا، وقد انصلح ما بيننا وبينه، وقد نفذ إلى عمي يقول لهتأمر أسامه يلقاني هو وفارس واحد إلى كرعة لنمضي نبصر موضعا نكمن فيه لأفامية ونقاتلها. فأمرني عمي بذلك فركبت ولقيته وأبصرنا الموضع. ثم اجتمع عسكرنا وعسكرة، وأنا على عسكر شيزر وهو في عسكرة، وسرنا إلى افاميه ولقينا فارسهم وراجلهم في الخراب الذي لها وهو مكان لا يتصرف فيه الخيل من الحجارة والأعمدة وأصول الحيطان الخراب، فعجزنا عن قلعهم من ذلك المكان. فقال لي رجل من جندنا تريد تكسرهم؟ قلتنعم قالاقصد بنا باب الحصن. قلتسيروا. وندم القائل وعلم أنهم يدسونا ويجوزون إلى حصنهم، فأراد أن يردني عن ذلك، فأبيت وقصدت الباب. فساعة ما رأنا الإفرنج قاصدين الباب عاد إلينا فارسهم وراجلهم فداسونا وجازوا. ترجل الفرسان داخل باب الحصن واطلعوا خيلهم إلى الحصن وصفوا عوالي قنطاريتهم في الباب، وأنا وصاحب لي من مولدي أبي رحمه الله، اسمه رافع بن سوتكين وقف تحت السور مقابل الباب وعلينا شيء كثير من الحجارة والنشاب، وشهاب الدين واقوف في موكب بعيد منهم على خوف الأكراد. فقد طعن صاحب لنا يقال له حارثة النمري نسيب جمعة في صدر فرسه طعنه معترضة. ونزلت القنطاريه في الفرس فتخبطت حتى وقعت القنطاريه منها ووقعت جلده صدرها جميعها فبقيت مسبلة على اعضادها.
في زند
وشهاب الدين بمعزل عن القتال، فجاء سهم من الحصن فضربه في الجانب عظم زنده فما دخل في جانب عظم زنده مقدار طول شعيرة، فجاءني رسوله يقوللا تزل مكانك حتى تجمع الناس الذين تفرقوا في البلد، فأنا قد جرحت أحس الجرح في قلبي وأنا راجع فاحفظ أنت الناس. ومضى رجعت أنا بالناس نزلت على برج خريبه. وكان الإفرنج عليه ديبان يكشفان إذا أردنا الغارة على أفامية. ووصلت العصر إلى شيزر وشهاب الدين في دار والدي يريد يحل جرحه ويداويه، وعمي قد منعه وقال والله ما تحل جرحك إلا في دارك. قالأنا في دار والدي - يعني الوالد رحمه الله. قال إذا وصلت دارك وبرأ جرحك دار والدك بحكمك. فركب المغرب وسار حماه فأقام الغد وبعد غد ثم اسودت يده وغاب عنه رشده ومات، وما كان به الإفراغ الأجل.
طعنة تقطع عدة أضلاع
وشاهدت من الطعنات العظيمة طعنه طعنها فارس من الإفرنج، خذلهم الله فارس من أجنادنا يقال له سابه بن قنيب كلابي قطع له ثلاثة أضلاع من جانبه اليسار وثلاثة أضلاع من جانبه الأيمن وضرب شفار الحربة مرفقه ففصله كما يفصل الجزار المفصل ومات لساعته.
وأخرى تقطع الزرد
وطعن رجل من أجنادنا كردي يقال له مياح فارساً من الإفرنج ادخل قطعه من الزرد في جوفه وقتله. ثم ان الإفرنج غاروا علينا بعد أيام، ومياح قد تزوج وخرج وهو لابس وفوق درعه ثوب احمر من ثياب العروس قد تشهر به فطعنه فارس من الإفرنج فقتله رحمه الله. يا قرب مأتمه من العرس فذكرت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد انشد قول قيس بن الخطيم
أجا لدهم يوم الحفيظة حاسراً
كان يدي بالسيف مخراق لاعب
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحاضرين من الأنصار رضي الله عنهم هل حضر أحد منكم يوم الحديقة؟ فقال رجل منهم أنا حضرته يا رسول الله عليك وسلم وحضره قيس بن الخطيم وهو قريب عهد بالعرس وعليه ملاءة حمراء فوالذي بعثك بالحق لقد عمل في قتاله كما قال عن نفسه
وثالثة تنفذ في صدر الإفرنجي
ومن عجائب الطعن ان رجلا من الأكراد يقال له حمدات كان قديم الصحبة قد سافر مع والدي رحمه الله إلى اصبهان إلى دركاه السلطان ملكشاه فكبر وضعف بصره ونشأ له اولاد. فقال له عمي عز الدين رحمه الله يا حمدات كبرت وضعفت، ولك علينا حق وخدمه، فلو لزمت مسجدك وكان له مسجد على باب داره واثبتنا أولادك في الديوان ويكون لك أنت كل شهر ديناران وحمل دقيق وأنت في مسجدك. قال افعل يا أمير. فأجري له ذلك مديدة. ثم جاء إلى عمي وقال يا أمير والله لا تطاوعني نفسي على القعود في البيت وقتلي على فرسي أشهى إلي من الموت على فرشي. قال الأمر لك وأمر برد ديوانه عليه كما كان. فما مضى إلا الأيام القلائل حتى غار علينا السرداني صاحب طرابلس. ففزع الناس إليهم وحمدات في جملة الروع، فوقف على رفعة من الأرض مستقبل القبله فحمل عليه فارس من الإفرنج من غربيه فصاح إليه بعض اصحبنا يا حمدات فلتفت، فرأى الفارس قاصده فرد رأس فرسه شمالا ومسك رمحه بيده وسدده إلى صدر الإفرنجي فطعنه فنفذ الرمح منه، فرجع الإفرنجي متعلقاً برقبة حصانه في أخر رمقه. فلما انقضى القتال قال حمدات لعمي يا أمير لو أن حمدات كان في المسجد من طعن هذه الطعنه؟ فاذكرني قول الفند الزماني
أيا طعنه ما شيخ
كبير يفنى بالي
تفتيت بها إذ
كره الشكة أمثالي
وكان الفند قد كبر وحضر القتال فطعن فارسين مقتربين فرماهما جميعاً
طعنة تودي بفارسين وفرسين
وقد كان جرى لنا مثل ذلكوهو ان فلاحاً من العلاة جاء يركض إلى أبي وعمي رحمهما الله، قال شاهدت سربة إفرنج تائهين قد جاءوا من البرية لو خرجتم إليهم آخذتموهم فركب ابي وعماي خرجوا بالعسكر إلى السربة التائه وإذا به السرداني صاحب طرابلس في ثلاثمائة فارس ومائتين تركبولي وهم رماة الإفرنج. فلما رأوا اصحبنا ركبوا خيلهم أطلقوا على أصحابنا هزموهم وتموا يطردونهم، فاحرف عليهم مملوك لوالدي يقال له ياقوت الطويل وأبي وعمي رحمهما الله يريانه، فطعن فارسا منهم إلى جانبه فارس آخر وهما يتبعان أصحابنا فرمى الفارسين والفرسين. وكان هذا الغلام كثير التخليط والزلات لا يزال قد فعل فعلة يجب تأديبه عليها. فكلما هم والدي به وبتأديبه يقول عمييا أخي بحياتك هب لي ذنبه ولاتنس له تلك الطعنه فيصفح عنه لكلام أخيه. وكان حمدات الذي تقدم ذكره ظريف الحديث، حدثني والدي رحمه الله قالقلت لحمدات ونحن سائرون في طريق أصبهان سحراً، أمير حمدات أكلت اليوم شيئاً؟ قال نعم يا أمير أكلت ثريدة قال ركبنا في الليل وما نزلنا ولا أوقدنا ناراً، من أين لك الثريدة قال يا أمير عملتها في فمي اخلط في فمي الخبز واشرب عليه الماء يصير كالثريدة.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
والد أسامة مقاتلاً
وكان الوالد رحمه الله كثير المباشرة للحرب وفي بدنه جراح هائلة ومات على فراشه، وحضر يوما القتال وهو لابس وعليه خوذه إسلامية بآنف فزرقه رجل بحربه - وكان معظم قتاله مع العرب في ذلك الزمان فوقعت الحربة في أنف الخوذة فأنطوى وادمى انفه ولم يؤذيه. ولو كان قدر سبحانه ان يميل المزراق عن أنف الخوذه أهلكه، وضرب مرة أخرى بنشابة في ساقه وفي خفه دشني فوقع السهم في الدشن فانكسر فيه ولم يجرحه، هذا الحسن دفاع الله الله تعالى.
وشهد رحمه الله يوم الأحد تاسع وعشرين شوال سنة سبع وتسعين وأربعمائة مع سيف الدولة خلف بن ملاعب الأشهبي صاحب أفامية بأرض كفر طاب فلبس جوشنه، وعجل الغلام عن طرح كلاب الجوشن من الجانب فجائه خشت فضربه في ذلك الموضع الذي أخل الغلام بسترة فوق بزه الأيسر خرج الخشت من فوق بزه الأيمن، فكانت أسباب السلامة لما جرت بها المشيئة من العجب، والجرح لما قدره الله سبحانه من العجب. فطعن رحمه الله في ذلك اليوم فارساً أحرف حصانه وثنى يده برمحه وجذبه من المطعون. فحدثني قال حسست شيئاً قد لذع زندي، فظننته من حرارة صفائح الجوشن، إلا أن رمحي سقط من يدي، فردتها فإذا قد طعنت في يدي وقد استرخت لقطع شيء من الأعصاب، فحضرته يرحمه الله وزيد الجرائحي يداوي جرحه وعلى رأسه غلام واقف، فقاليا زيد اخرج هذه الحصاة من الجرح، فما كلمه الجرائحي فعاد فقال يا زيد ما تبصر هذه الحصاة؟ ما تزيلها من الجراح! فلما أضجره قالأين الحصاة؟ هذا رأس عصب قد انقطع. وكان بالحقيقة ابيض كأنه حصاة من حصا الفرات. وأصابه ذلك اليوم طعنه أخرى وسلم الله حتى مات على فراشه رحمه الله يوم الاثنين ثامن شهر رمضان سنه إحدى وثلاثين وخمس مائة.
والد أسامة ناسخاً
وكان يكتب خطاً مليحاً، فما غيرت تلك الطعنة من خطه، وكان لا ينسخ سوى القرآن، فسألته يوماً فقلتيا مولاي كم كتبت ختمه؟ قالالساعة تعلمون. فلما حضرته الوفاة قال في ذلك الصندوق مساطر كتبت على كل مسطرة ختمة ضعوها يعني المساطر تحت خدي في القبر فعددناها فكانت ثلاثاً وأربعين مسطرة. فكانت كتب بعدتها ختماتختمه كبيره ختمها بالذهب وكتب فيها علوم القرآن قراأته وغريبة وعربيته وناسخه ومنسوخة وتفسيره وسبب نزوله وفقهه بالحبر والحمرة والزرقة، وترجمه بالتفسير الكبير وكتب ختمه أخرى بالذهب مجردة من التفسير، وباقي الخاتمات بالحبر مذهبة الأعشار والأخماس والآيات ورؤوس السور ورؤوس الأجزاء. وما يقتضي الكتاب ذكر هذا وإنما ذكرته لا يستدعي له ممن وقف عليه.
غلام يفدي مولاه
أعود إلى ما تقدم. وفي ذلك اليوم أصاب غلام كان لعمي عز الدولة أبي المرهف نصر رحمه الله يقال له موفق الدولة شمعون طعنه عظيمة التقاها دون عمي عز الدين أبي العساكر سلطان رحمه الله. واتفق ان عمي أرسله رسولاً إلى الملك رضوان بن تاج الدولة تتش إلى حلب، فلما حضر بين يديه قال لغلمانهمثل هذا يكون الغلمان وأولاد الحلال في حق مواليهم. وقال لشمعون حدثهم حديثك أيام والدي وما فعلته مع مولاك. فقاليا مولانا بالأمس حضرت القتال مع مولاي فحمل عليه فارس يطعنه، فدخلت بينه وبين مولاي لأفديه بنفسي فطعنني، قطع من أضلاعي ضلعين وهما - ونعمتك - عندي قمطره. فقال له الملك رضوانوالله ما أعطيك الجواب حتى تنفذ تحضر القمطرة والأضلاع. فأقام عنده وأرسل من أحضر القمطرة وفيها عظمان من أضلاعه. فعجب رضوان من ذلك وقال لأصحابهكذا اعملوا في خدمتي. فأما الأمر الذي سأله عنه أيام والده تاج الدولة فإن جدي سديد الملك أبا الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ رحمه الله سير ولده عز الدولة نصراً رحمه الله إلى خدمته تاج الدولة وهو معسكر بظاهر حلب فقبض عليه واعتقله ووكل به من يحفظه، وكان لا يدخل إليه سوى مملوكه هذا شمعون والموكلون حول الخيمة فكتب عمي إلى أبيه رحمهما الله يقول تنفذ لي في الليلة الفلانيه وعينها قوم من أصحابه ذكرهم وخيل أركبها إلى الموضع الفلاني. فلما كانت تلك الليلة دخل شمعون خلع ثيابه فلبسها مولاه وخرج على الموكلين في الليل، فما أنكره، ومضى إلى أصحابه وركب وسار، ونام شمعون في فراشه. وجرت العادة أن يجيئه شمعون في السحر بوضوئه فكان رحمه الله من الزهاد القائمين ليلهم يتلون كتاب الله تعالى، فلا أصبحوا لم يروا شمعون دخل كعادته دخلوا الخيمة فوجدوا شمعون وعز الدولة قد راح، فانهوا ذلك إلى تاج الدولة فأمر بإحضاره، فلما حضر بين يديه قال كيف عملت؟ قالأعطيت مولاي ثيابي لبسها وراح ونمت أنا في فراشه قالوما خشيت أن أضرب رقبتك؟ قال يا مولاي إذا ضربت رقبتي وسلم مولاي وعاد إلى بيته فأنا السعيد بذلك، ما اشتراني ورباني إلا لأفديه بنفسي. فقال تاج الدولة رحمه الله لحاجبه سلم إلى هذا الغلام خيل مولاة ودابته وخيامه وجميع ركبه وسير يتبع صاحبه وما أنكر عليه وما احنقه ما فعل في خدمت مولاه، فهذا الذي قال له رضوان حدث أصحابي ما عملته أيام والدي مع مولاك. أعود إلى حديث الحرب المقدم ذكرها مع ابن ملاعب.
عم أسامه يطعن في جفن عينه
و جرح عمي عز الدولة رحمه الله في ذلك اليوم عده جراح منها طعنه طعنها في جفن عينيه السفلاني من ناحية المأق، ونشب الرمح في المأزق عند مؤخر العين فسقط الجفن جميعه وبقي معلقا بجلده من مؤخر العين، والعين تلعب لا تستقر، وأنما الجفون التي تمسك العين، فخاطبها الجرائحي وداواها فعادت كحالها الأوله لا تعرف العين المطعونة من الأخرى.
شجاعة عم أسامه ووالده
وكانا رحمهما الله من أشجع قومهما، ولقد شهدتهما يوما وقد خرجا إلى الصيد بالبزاة نحو تل ملح وهناك طير ماء كثير، فما شعرنا إلا وعسكر طرابلس قد أغار على البلد ووقفوا عليه، فرجعنا وكان الوالد من أثر المرض، فأما عمي فخف بمن معه من العسكر وسار حتى عبر المخاض إلى الإفرنج وهم يرونه، وأما الوالد فسار والحصان يخب به وأنا معه صبي وفي يده سفرجله يمتص منها، فلما دنونا من الإفرنج قال لي أمض أنت أدخل من السكر وعبر هو من ناحية الإفرنج. ومره أخرى شاهدته وقد أغارت علينا خيل محمود بن قراجا، ونحن على فسحه من البلد، وخيل محمود أقرب إليه منها، وأنا قد حضرت القتال ومارست الحرب، فلبست كزاغندي وركبت حصاني وأخذت رمحي، وهو رحمه الله على بغله. فقلت يا مولاي ما تركب حصانك! قال بلى وسار كما هو غير منزعج ولا مستعجل، وأنا لخوفي عليه ألح عليه في ركوبه حصانه إلى أن وصلنا إلى البلدة وهو على بغلته، فلما عاد أولئك وأمنا قلت يا مولاي ترى العدو قد حال بيننا وبين البلد وأنت لا تركب بعض جنائبك وأنا أخاطبك فلا تسمع! قال يا ولدي، في طالعي أنني لا ارتاع. وكان رحمه الله له اليد الطولى في النجوم مع ورعه ودينه وصومه الدهر وتلاوة القرآن، وكان يحرضني على معرفة علم النجوم فآبى وأمتنع، فيقول فاعرف أسماء النجوم ما يطلع منها ويغرب. وكان يريني النجوم ويعرفني أسماءها.
مكيدة أفرنجيه على شيرز
ورأيت من أقدام الرجال ونخواتهم في الحرب أنا أصبحنا وقت صلاه الصبح رأينا سربه من الإفرنج نحوا من عشرة فوارس جاءوا إلى باب المدينة قبل أن يفتح فقالوا للبواب أي شيء اسم هذا البلد؟ والباب خشب بينهما عوارض وهو داخل الباب. قال شيزر فرموه بنشاب من خلل الباب ورجعوا وخيلهم تخب بهم. فركبنا فكان عمي رحمه الله أول راكب وأنا معه والإفرنج رائحون غير منزعجين يلحقنا من الجند نفر، فقلت لعمي على أمرك آخذ أصحابنا واتبعهم اقلعهم وهم غير بعيدين. قال لا وكان أخبر مني بالحرب في الشام إفرنجي لا يعرف شيزر؟ هذه مكيدة. ودعا فارسين من الجند على فرسين سوابق وقال أمضيا اكشفا تل ملح وكان مكمنا للإفرنج. فلما شارفاه خرج عليها عسكر انطاكيه جمعيه فأستقبنا متسرعيهم نريد الفرصه فيهم قبل ركود الحرب ومعنا جمعه النميري وابنه محمود وجمعه فارسنا وشيخنا، فوقع ابنه محمود في وسطهم فصاح جمعه يا فرسان الخيل! ولدي! فرجعنا معه في سته عشر فارسا طعنا سته عشر فارسا من الفرنج وأخذنا صاحبنا من بينهم اختلطنا نحن وهم حتى أخذ واحد رأس ابن جمعه تحت إبطه فخلص ببعض تلك الطعنات.
أسامة وجمعة يهزمان ثمانية فرسان
ومع هذا فلا يثق إنسان بشجاعته ولا يعجب بأقدامه، فوالله لقد سرت مع عمي رحمه الله أغرنا على أفامية، وأتفق أن رجالها خرجوا ليسيروا قافلة فسيروها وعادوا، ونحن لقيناهم فقتلنا منهم قدر عشرين رجلاً، ورأيت جمعة النميري رحمه الله وفيه نصف قنطارية قد طعن بها في لبد السرج وخرج الرمح من البداد إلى فخذه ونفذ إلى خلفه فانكسرت القنطارية فيه فراعني ذالك. فقاللا بأس، أنا سالم. ومسك سنان القنطارية وجذبها منه وهو وفرسه سالمان. فقلتيا أبا محمود اشتهي أتقرب من الحصن أبصره. قالسر. فرحت أنا وهو نخب فرسينا، فلما أشرفنا على الحصن إذا من الإفرنج ثمانية من الفرسان وقوف على الطريق وهي مشرفة على الميدان من ارتفاع لا ينزل منه إلا من تلك الطريق. فقال لي جمعة قف حتى أريك ما أصنع فيهم. قلت ما هذا أنصاف، بل نحمل عليهم أنا وأنت. قالسر، فحملنا عليهم فهزمناهم ورجعنا نحن نرى إنا قد فعلنا شيئاً ما يقدر يفعله غيرنا، نحن اثنان قد هزمنا ثمانية فرسان من الإفرنج.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)