««صديقة الدرب»»
استعمل الناس في دمشق وسائل عديدة لغطاء الرأس، منها السُّلك والحطّة والقضاضة والطاقيّة واللّفحة والقاووق والعُرْف والطبّزيّة واللبّادة... وكان بدء تعاملهم مع الطربوش لغطاء الرأس، استعمال طربوش أشبه بالطربوش المغربي، وكان السلطان محمود أول من استخدم الطربوش من السلاطين العثمانيين في القرن التاسع عشر، وقد اعتبر ذلك من مظاهر التمدن والتحديث.. الأمر الذي شجع العسكريين والمسؤولين في الدولة على الأخذ بالطربوش بدل العِمّة..
وبالتالي أخذ الناس على ذلك وجعلوا العمامة على الطربوش ولكن
بشكل ألطف وأصغر حجماً مما كانت عليه، على القاووق ونحوه،
واستخدموا لذلك قماش الأغباني، سواء في لفّة الكبار المعروفة باسم:
(لام ألف) أم لفة الأغباني العريضة للشباب. وكانت طرّة
الطربوش في بادئ الأمر طويلة وعريضة تتدلّى على الكتفين، ولم تزل
تقصر وتصغر حتى صارت بالهيئة المعروفة من اللطافة، وأصبحت
من متممات الزيّ بالطربوش إذا كانت إلى الخلف مائلة إلى اليمين أو اليسار... لما في ذلك من متممات الشبوبية...
ومن الضرورة بمكان الحفاظ على نظافة الطربوش وحُسن مظهره من
استقامة واستواء على الرأس لما في ذلك في اعتقادهم من هيبة ووقار، أما من كان طربوشه على رأسه مزفتا عديم الاستقامة مهروساً فإنّه يوحي بالاشمئزاز والاستصغار...
فلا بُدّ والحال هذه من تنظيف الطربوش وكبسه... ويكون ذلك عند الطرابيشي وفي قوالب خاصة مجوّفة من النحاس, وقد عُرفت أنواع من القوالب منها ما كان يُعرف بـ(البوغلي) و(العزيزي) و(اليارم زحّاف).. وأكثر ما كانت محال كي وتنظيف الطرابيش بدمشق في الدرويشية وسوق باب سريجة، ومحل آخر في بداية سوق مدحت باشا.. حيث يكثر التعامل والأخذ والعطاء... ومن عادة كوّى الطرابيش أن يصنف الطرابيش القوالب التي يستخدمها في مكان بارز من دكانه بحيث يلحظها من يمرّ بدكانه. فعند كيّ الطربوش يشرع الطرابيشي بنزع طرّة الطربوش، ومن ثم يضع ذلك الطربوش في قالب على مقاسه, بحيث يكون الطربوش وكأنه لَبِس القالب، ومن ثم يؤتى بقالب آخر يتسع للطربوش مع القالب الذي كبس الطربوش، ثم يعمد الطرابيشي إلى الضغط على يدي القالب الخارجي.. ولا يزال يكبس حتى يبلغ الطربوش حاجته من الكي.. عندها ينزع الطربوش عن القالب ويعيد إليه الطرّة ويصبح الطربوش جاهزاً للاستعمال. وكان من المعسرين إذا عتِق طربوشه أن يطلب إلى الطرابيشي قلبه له أو صبغه ومن ثم كيّه.
وكان صنع الطربوش على مقاس رأس الراغب بالطربوش على غاية من السهولة، فهم يقصون القماش على مقاس رأس ذلك الرجل ويضعون ذلك القماش في قالب يغلّفونه من الداخل بطبقة رقيقة من القشّ الخاصّ بذلك، لإكساب
الطربوش بعض المقاومة وللمساعدة في عزل الرطوبة عن الرأس، ومن ثمّ يُشدّ الطربوش ويكبس على النار بضع دقائق. ومع ما كان للطربوش من مكانة... فقد طواه الزمان وأصبح أثراً بعد عين... إنها سنّة الحياة.
يَا سُـــورْيَا لاَ تنْحَنِيِ .. .. أَنَا لاَ أُذَلُ وَلاَ أُهَــــاَنْ
خَلِّي جَبِينَكِ عَاَلِيـــــاً .. .. مَادُمْتِ صَاحِبَةُ الْمَكَانْ
للاستفسار او مساعدة راسلوني على هاد الايميل
[email protected]
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)