رسالتي إلى أردوغان
كتبها د.راغب السرجاني





أستاذي الجليل، وأستاذ جيلنا كله الأخ الحبيب أردوجان.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

أشاهد مع أمتنا الكريمة، ومع العالم أجمع كذلك، جهودكم المباركة لإعزاز الإسلام، والدفاع عن مقدساته وحرماته، فهنيئًا لكم اجتماع الصالحين من أبناء أمة الإسلام على حبكم وتأييدكم، وأسأل الله أن يثبتكم، وأن يرزقكم نور البصيرة، وحسن العمل، وروعة الخواتيم.

أستاذي الجليل.. رأيت أن من واجبي وأنا أرى مسيرتكم الرائعة، أن أسهم بما أستطيع لتدعيم موقفكم، وأن أدلي بدلوي بعدة وصايا قد يجعل الله فيها خيرًا لك وللأمة، وقد تكون سببًا في نجاتي يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأسأل الله أن تلقى هذه الوصايا منه القبول، وأن تجد طريقها إلى قلبك وعقلك..


الوصية الأولى:

قد ولاك الله أمرًا عظيمًا، وشأنًا جليلاً، فأنت إمام من أئمة المسلمين، يتولى بشكل مباشر قيادة دولة عظيمة فيها خلق كثير، فيا لسعادتك إن كان عملك خالصًا لله! فأول السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل، وأحسبك -والله حسيبك- هذا الإمام، فلا تخطوَنَّ خطوة إلا وأنت تحتسبها لله، ولا تقدمَنَّ على أمر إلا وأنت ترجو المثوبة من الله، ولتعلم أن النية تتقلب كثيرًا، فعليك دومًا بتجديدها، ولا يغرنك الآثار الجليلة لأعمالك؛ فإن الله يحبط عمل الشهيد والعالم والجواد إن كان لغيره ، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، ولا تركن إلى الدنيا فإنها زائلة، ولا يلهينَّك مال ولا كرسي عن طاعة ربك، واعلم أنك موقوف بين يدي العزيز الجبار، وأن الله سيسألك عن الذرة والقطمير، فأعد لكل سؤال جوابًا، ولتدرك أن البشر يُسألون عن أنفسهم وأزواجهم وأولادهم، أما أنت فسيسألك ربنا عن شعب كامل، بل قد يسألك عن أمة الإسلام التي تعلقت قلوبها بك، فالحذر الحذر من نسيان هذا اليوم الطويل، والعمل العمل لكي تظهر أمام الله في أبهي صورة وأنقى سريرة.


ثم انتبه -أخي أردوجان- إلى أن كل ما وصلت إليه هو محض فضل من الله ، وكل ما نجحت فيه من قرارات وأفعال هو توفيق من الحكيم الخبير سبحانه، فلا يدخلنَّك عُجْب أبدًا، ولا تقولنَّ إنما أوتيته على علم عندي، وأظهِرْ دومًا الافتقار إلى الله، وانسب إليه كل أعمالك؛ فهو الناصر، وهو المعز، وهو المعطي، وهو المتصرف في كونه كله، ولتكن حيث أمرك الله أن تكون، ولتحذر أن يراك الله حيث لا يجب أن يراك، واجتهد في تطبيق شريعة ربك ففيها النجاة في الدنيا والآخرة، ولا يدفعنك إرضاء الناس إلى إغضاب ربك، ولتعلم أن ارتفاع قدرك مرهون باتباعك لكتاب الله وسنة رسوله الكريم ، فإياك إياك أن تهجرهما، وليكن نصب عينيك أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.





الوصية الثانية:

شعبك هو زادك -بعد الله - في هذه المسيرة المباركة، فالضعف الذي نراه في غالب الحكام العرب نتج عن انفصالهم عن شعوبهم وهجرهم لمصالحه، فلا تهمل حاجة شعبك وراحتهم أبدًا، ولا تخالفن إرادة شعبك الذي اختارك لقيادته إلا إذا أمرك بحرام، فإنْ فعل فلا تطعه ولو ضاع ملكك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا تحتجبن عن شعبك أبدًا، وليكن لك تواصل دائم مع الفقير والأرملة واليتيم، ولا تقبلن بظلم في دائرة حكمك، واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، ولا توليَنَّ أحدًا ولاية إلا إذا كان يستحقها، وراقبْ ولاة أمرك وتابعهم، ولا تسمحن لهم بفساد أو تجاوز؛ فإنك تحمل وزر ذلك كله. ولا تقربَنَّ المنافقين منك فإنهم لا يزيدونك إلا ضعفًا وخبالاً ولو كانوا يمدحونك أو يعظمونك، ولتحرص على تفوق بلدك في كل المجالات؛ فالإسلام دين شامل ينتظم كل أمور الحياة، فلا ينبغي لنا أن نرى صورة من صور الضعف في أي قطاع من قطاعات دولتك، فليكن جيشك قويًّا، واقتصادك عملاقًا، وجامعاتك متفوقة، ومستشفياتك متقدمة، وشوارعك نظيفة، وإعلامك واعيًا، ومدارسك أخلاقية.

ولا تنصرفَنَّ إلى قضية على حساب قضية أخرى، بل كن متوازنًا في كل أمورك، ولا تتركنَّ ملف الأكراد دون حلول واضحة ناجعة، ولتعلم أنهم في النهاية مسلمون أتراك، لهم حقوق كما أن عليهم واجبات، وإنك إن تقربت منهم، وأجزلت لهم العطاء بصدق وضعوك فوق رءوسهم، فهم أحفاد صلاح الدين الأيوبي. ولا تجعلَنَّ العلمانيين في بلدك عدوًّا لك، بل اعلم أنهم يحتاجون إلى نصحك، ويفتقرون إلى دعوتك، وقد منَّ الله عليك بما فقدوه، ولو علموا الحق فلعلهم يتبعونه، وبدلاً من أن يكونوا حجر عثرة في طريقك لعلهم يصبحون من حملة راية الإسلام في ربوع الدنيا، فلا تعتقدن أن كلماتك لهم ستذهب سدى، بل أخلص النية في دعوتهم، وسيفتح لك الله قلوبهم.