الحرب؛ وكان عبادة من الاثنى عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى. قال أبو جعفر: فلما أذن الله عز وجل لرسوله في القتال، ونزل قوله: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين كله لله "، وبايعه الأنصار على ما وصفت من بيعتهم، أمر رسول الله أصحابه ممن هو معه بمكة من المسلمين بالهجرة والخروج إلى المدينة، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وقال: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانًا ودارًا تأمنون فيها فخرجوا أرسالًا، وأقام رسول الله ص بمكة ينتظر أن يأذن له ربه بالخروج من مكة؛ فكان أول من هاجر من المدينة والهجرة إلى المدينة من أصحاب رسول الله ص من قريش، ثم من بني مخزوم، أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة رسول الله ص بسنة، وكان قدم على رسول الله ص بمكة من أرض الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرًا.
ثم كان أول من قدم المدينة من المهاجرين بعد أبي سلمة، عامر بن ربيعة، حليف بني عدي بن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب. ثم عبد الله ابن جحش بن رئاب، وأبو أحمد بن جحش - وكان رجلًا ضرير البصر، وكان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد - ثم تتابع أصحاب رسول الله ص إلى المدينة أرسالا.
وأقام رسول الله ص بمكة بعد أصحابه من المهاجرين؛ ينتظر أن يؤذن له في الهجرة. ولم يتخلف معه بمكة أحد المهاجرين إلا أخذ فحبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة. وكان أبو بكر كثيرًا ما يستأذن رسول الله ص في الهجرة، فيقول له رسول اله ص: لا تعجل، لعل الله أن يجعل لك صاحبًا، فطمع أبو بكر أن يكونه، فلما رأت قريش أن رسول الله ص قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم، يغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارًا، وأصابوا منه منعة، فحذروا خروج رسول الله ص إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع أن يلحق بهم لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة؛ وهي دار قصي بن كلاب، التي كانت قريش لا تقضي أمرًا إلا فيها، يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر سول الله ص حين خافوه!
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، عن ابن عباس، قال: وحدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس والحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس قال: لما اجتمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا دار الندوة، ويتشاوروا فيها في أمر رسول الله غدوا في اليوم الذي تعدوا له؛ وكان ذلك اليوم يسمى الزحمة، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بتٌ له، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفًا على بابها، قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخٌ من أهل نجد، سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى إلا يعدمكم منه رأي ونصحٌ، قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم، وقد اجتمع فيها أشراف قريش كلهم، من كل قبيلة؛ من بنى عبد شمس شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، ومن بنى نوفل ابن عبد مناف طعيمة بن عدي وجبير بن مطعم والحارث بن عامر ابن نوفل. ومن بنى عبد الدار بن قصي النضر بن الحارث بن كلدة. ومن بنى أسد بن عبد العزى أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام. ومن بنى مخزوم أبو جهل بن هشام، ومن بنى سهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج. ومن بنى جمح أمية بن خلف؛ ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش.
فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان أمره ما قد كان وما قد رأيتم؛ وإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيًا؛ قال: فتشاورا. ثم قال قائلٌ منهم: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا به ما أصاب أشابهه من الشعراء الذين قبله: زهيرًا، والنابغة ومن مضى منهم؛ من هذا الموت يصيبه منه ما أصابهم.
قال: فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي؛ والله لو حبستموه - كما تقولون - لخرج أمره من وراء الباب الذي أغلقتموه دونه إلى أصحابه؛ فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم حتى يغلبوكم على أمركم هذا؛ ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره.
ثم تشاوروا، فقال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلدنا؛ فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، إذا غاب عنا وفرغنا منه. فأصلحنا أمرنا، وألفتنا كما كانت.
قال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي؛ ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به! والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم، فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد فيه رأيًا غير هذا! قال: فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد! قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتىً شابًا جلدًا، نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفًا صارمًا ثم يعمدون إليه، ثم يضربونه بها ضربة رجل واحد فيقتلونه فنستريح؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل كلها؛ فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاُ، ورضوا منتا بالعقل فعقلناه لهم.
قال: فقال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي لا أرى لكم غيره.
فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له، فأتى جبريل رسول الله ص، فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه! قال: فلما كان العتمة من الليل، اجتمعوا على بابه فترصدوه متى ينام، فيثبون عليه. فلما رأى رسول الله ص مكانهم، قال لعلي بن أبي طالب: نم على فراشي، واتشح ببردي الحضرمي الأخضر؛ فنم فإنه لا يخلص إليك شيء تكرهه منهم. وكان رسول الله ص ينام في برده ذلك إذا نام.
قال أبو جعفر: زاد بعضهم في هذه القصة في هذا الموضع: وقال له: إن أتاك ابن أبي قحافة، فأخبره أنى توجهت إلى ثور، فمره فليلحق بي، وأرسل إلي بطعام، واستأجر لي دليلًا يدلني على طريق المدينة؛ واشتر لي راحلةً. ثم مضى رسول الله ص، وأعمى الله أبصار الذين كانوا يرصدونه عنه، وخرج عليهم رسول الله ص.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: اجتمعوا له. وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال وهم على بابه: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان لكم منه ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم؛ فجعلت لكم نار تحرقون فيها.
قال: وخرج رسول الله ص، فأخذ حفنة من تراب، ثم قال: نعم، أنا أقول ذلك، أنت أحدهم. وأخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم؛ وهو يتلو هذه الآيات من يس: " يس، والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين، على صراط مستقيم " إلى قوله: " وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون "، حتى فرغ رسول الله من هؤلاء الآيات، فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على راسه ترابًا؛ ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمدًا، قال: خيبكم الله! قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يطلعون، فيرون عليًا على الفراش متسجيًا ببرد رسول الله ص، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم، عليه برده؛ فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي عن الفراش، فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا، فكان مما نزل من القرآن في ذلك اليوم، وما كانوا أجمعوا له: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو ليقتلوك أو ليخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "، وقول الله عز وجل: " أم يقولون شاعرٌ نتربص به ريب المنون، قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين " وقد زعم بعضهم أن أبا بكر أتى عليًا فسأله عن نبي الله ص فأخبره أنه لحق بالغار من ثور، وقال: إن كان لك فيه حاجةٌ فالحقه، فخرج أبو بكر مسرعًا، فلحق نبي الله ص في الطريق، فسمع رسول الله ص جرس أبي بكر في ظلمة الليل، فحسبه من المشركين، فأسرع رسول الله ص المشي، فانقطع قبال نعله ففلق إبهامه حجرٌ فكثر دمها، وأسرع السعي، فخاف أبو بكر أن يشق
على رسول الله ص، فرفع صوته، وتكلم، فعرفه رسول الله ص فقام حتى أتاه، فانطلقا ورجل رسول الله ص تستن دمًا؛ حتى انتهى إلى الغار مع الصبح؛ فدخلاه. وأصبح الرهط الذين كانوا يرصدون رسول الله ص، فدخلوا الدار، وقام علي عليه السلام عن فراشه، فلما دنوا منه عرفوه، فقالوا له: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، أو رقيبًا كنت عليه! أمرتموه بالخروج فخرج؛ فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد، فحبسوه ساعة ثم تركوه، ونجى الله رسوله من مكرهم وأنزل عليه في ذلك: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو ليقتلوك أو ليخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ". قال أبو جعفر: وأذن الله عز وجل لرسوله ص عند ذلك بالهجرة، فحدثنا علي بن نصر الجهضمي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة، قال: لما خرج أصحاب رسول الله ص إلى المدينة، وقبل أن يخرج - يعني رسول الله ص - وقبل أن تنزل هذه الآية التي أمروا فيها بالقتال، أستأذنه أبو بكر؛ ولم يكن أمره بالخروج مع من خرج من أصحابه، حبسه رسول الله ص، وقال له: أنظرني، فإنى لا أدري؛ لعلي يؤذن لي بالخروج.
وكان أبو بكر قد اشترى راحلتين يعدهما للخروج مع أصحاب رسول الله ص إلى المدينة؛ فلما استنظره رسول الله ص، وأخبره بالذي يرجو من ربه أن يأذن له بالخروج، حبسهما وعلفهما، انتظار صحبة رسول الله ص، حتى أسمنهما، فلما حبس علي خروج النبي ص، قال أبو بكر: أتطمع أن يؤذن لك؟ قال: نعم؛ فانتظره فمكث بذلك.
فأخبرتني عائشة، أنهم بينا هم ظهرًا في بيتهم، وليس عند أبي بكر إلا ابنتاه: عائشة وأسماء؛ إذا هم برسول الله ص، حين قام قائم الظهيرة - وكان لا يخطئه يومًا أن يأتي بيت أبو بكر أول النهار وآخره - فلما رأى أبو بكر النبي ص جاء ظهرًا، قال له: ما جاء بك يا نبي الله إلا أمرٌ حدث؟ فلما دخل عليهم النبي ص البيت، قال لأبي بكر: أخرج من عندك، قال: ليس علينا عين إنما هما ابنتاي قال: إن الله قد أذن لي بالخروج إلى المدينة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، الصحابة، الصحابة! قال: الصحابة. قال أبو بكر: خذ إحدى الراحلتين - وهما الراحلتان اللتان كان يعلفهما أبو بكر، ويعدهما للخروج، إذا أذن لرسوال الله ص - فأعطاه إحدى الراحلتين، فقال: خذها يا رسول الله فارتحلها، فقال النبي ص. قد أخذتها بالثمن، وكان عامر بن فهيرة مولدًا من مولدي الأزد، كان للطفيل ابن عبد الله بن سخبرة، وهوأبو الحارث بن الطفيل، وكان أخا عائشة بنت أبي بكر وعبد الرحمن بن أبي بكر لأمهما، فأسلم عامر بن فهيرة، وهو مملوك لهم، فاشتراه أبو بكر فأعتقه، وكان حسن الإسلام، فلما خرج النبي ص وأبو بكر، كان لأبي بكر منيحةٌ من غنمٍ تروح على أهله، فأرسل أبو بكر عامرًا في الغنم إلى ثورٌ، فكان عامر بن فهيرة يروح بتلك الغنم على رسول الله ص بالغار في ثور، وهو الغار الذي سماه الله في القرآن، فأرسل بظهرهما رجلًا من بنى عبد بن عدي، حليفًا لقريش من بنى سهم، ثم آل العاص بن وائل؛ وذلك العدوي يومئذ مشركٌ، ولكنهما استأجراه، وهو هاد بالطريق. وفي الليالي التي مكثا بالغار كان يأتيهما عبد الله بن أبي بكر حين يمسي بكل خبر بمكة، ثم يصبح بمكة ويريح عامر الغنم كل ليلة، فيحلبان، ثم يسرح بكرة فيصبح في رعيان الناس ولا يفطن له؛ حتى إذا هدأت عنهما الأصوات، وأتاهما أن قد سكت عنهما، جاءهما صاحبهما ببعيريهما، فانطلقا وانطلق معهما بعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما، يردفه أبو بكر ويعقبه على رحله، ليس معهما أحدٌ إلا عامر بن فهيرة، وأخو بنى عدي يهديهما الطريق، فأجاز بهما في أسفل مكة، ثم مضى بهما حتى حاذى بهما الساحل، أسفل من عسفان، ثم استجاز بهما حتى عارض الطريق بعد ما جاوز قديدًا، ثم سلك الخرار، ثم أجاز على ثنية المرة، ثم أخذ على طريق يقال لها المدلجة بين طريق عمق وطريق الروحاء، حتى توافوا طريق العرج، وسلك ماء يقال له الغابر عن يمين ركوبة؛ حتى يطلع على بطن رئم، ثم جاء حتى قدم المدينة على بنى عمرو بن عوف قبل القائلة. فحدثت أنه لم يبق فيهم إلا يومين - وتزعم بنو عمرو بن عوف أن قد أقام فيهم أفضل من ذلك - فاقتاد راحلته فاتبعته حتى دخل في دور بنى النجار، فأراهم رسول الله ص مربدًا كان بين ظهري دورهم.
وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي، قال: حدثني عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي ص، قالت: كان رسول الله ص لا يخطئه أحدٌ طرفي النهار أن يأتي بيت أبي بكر إما بكرةً، وإما عشيةً حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله بالهجرة، وبالخروج من مكة من بين ظهراني قومه، أتانا رسول الله ص بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتي فيها.
قالت: فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله ص هذه الساعة إلا لأمر حدث. قالت: فلما دخل تأخر أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله ص، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختى أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله ص: أخرج عني من عندك، قال: يا نبي الله، إنما هما ابنتاي، وما ذاك فداك أبي وأمي! قال: إن الله عز وجل قد أذن لي بالخروج والهجرة، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال: الصحبة.
قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح؛ حتى رأيت أبا بكر يومئذٍ يبكي من الفرح. ثم قال: يا نبي الله، إن هاتين راحلتاي، كنت أعددتهما لهذا. فاستأجرا عبد الله بن أرقد - رجلًا من بني الديل بن بكر، وكانت أمه أمرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركًا - يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما، ولم يعلم - فيما بلغني - بخروج رسول الله ص أحدٌ حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر؛ فأما علي بن أبي طالب فإن رسول الله ص - فيما بلغني - أخبره بخروجه، وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله ص الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله ص وليس بمكة أحدٌ عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عند رسول الله ص، لما يعرف من صدقه وأمانته. فلما أجمع رسول الله ص للخروج أتى أبا بكر بن أبي قحافة، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور جبل في أسفل مكة، فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحها عليهما إذا أمسى بالغار. وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، فأقام رسول الله ص في الغار ثلاثًا، ومعه أبو بكر، وجعلت قريش حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم، فكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش ومعهم، ويستمع ما يأتمرون به، وما يقولون في شأن رسول الله ص وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر، فاحتلبا وذبحا، فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم، حتى يعفي عليه، حتى إذا مضت الثلاث، وسكن عنهما الناس، أتاهما صاحبهما الذي استأجرا ببعيريهما، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما. فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة، فإذا ليس فيها عصامٌ فحلت نطاقها، فجعلته لها عصامًا، ثم علقتها به - فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر: ذات النطاقين؛ لذلك - فلما قرب أبو بكر الراحلتين إلى رسول الله ص، قرب له أفضلهما، ثم قال له: اركب فداك أبي وأمي! فقال رسول الله ص إني لا أركب بعيرًا ليس لي، قال: فهو لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي! قال: لا ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به؟ قال: كذا وكذا، قال: قد أخذتها بذلك، قال: هي لك يا رسول الله، فركبا فانطلقا، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه خلفه يخدمهما بالطريق.
حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وحدثت عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله ص وأبو بكر أتانا نفرٌ من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟ قلت: لا أدري والله أين أبي! قالت: فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشًا خبيثًا - فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي. قالت: ثم انصرفوا ومكثنا ثلاث ليال، لا ندري أين توجه رسول الله ص؛ حتى أقبل رجل من الجن، من أسفل مكة يغني بأبيات من الشعر غناء العرب والناس يتبعونه؛ يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة، وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ** رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واغتدوا به ** فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بنى كعب مكان فتاتهم ** ومقعدها للمؤمنين بمرصد
قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله ص، وأن وجهه إلى المدينة، وكانوا أربعه: رسول الله ص، وأبو بكر، وعامر بن فهيرة، وعبد الله بن أرقد دليلهما.
قال أبو جعفر: حدثني أحمد بن المقدام العجلي، قال: حدثنا هشام ابن محمد بن السائب الكلبي، قال: حدثنا عبد الحميد بن أبي عبس بن محمد بن أبي عبس بن جبر، عن أبيه، قال: سمعت قريش قائلًا يقول في الليل على أبي قبيس:
فإن يسلم السعدان يصبح محمدٌ ** بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فلما أصبحوا قال أبو سفيان: من السعدان؟ سعد بكر، سعد تميم، سعد هذيم! فلما كان في الليلة الثانية سمعوه يقول:
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرًا ** ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا ** على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى ** جنانٌ من الفردوس ذات رفارف
فلما أصبحوا، قال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
قال أبو جعفر: وقدم دليلهما بهما قباء، على بني عمرو بن عوف، لثنتى عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول، يوم الاثنين حين اشتد الضحى، وكادت الشمس أن تعتدل.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، قال: حدثني رجال قومي من أصحاب رسول الله ص، قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله ص من مكة، وتوكفنا قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا، ننتظر رسول الله ص؛ فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال؛ فإذا لم نجد ظلًا دخلنا بيوتنا، وذلك في أيام حارةٍ؛ حتى إذا كان في اليوم الذي قدم فيه رسول الله ص جلسنا كما كنا نجلس؛ حتى إذا لم يبق ظلٌ دخلنا بيوتنا، وقدم رسول الله ص حين دخلنا البيوت، فكان أول من رأه رجلٌ من اليهود، وقد رأى ما كنا نصنع، وإن كنا ننتظر قدوم رسول الله ص، فصرخ بأعلى صوته: يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء.
قال: فخرجنا إلى رسول الله ص، وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر في مثل سنه وأكثرنا من لم يكن رأى رسول الله ص قبل ذلك، قال: وركبه الناس، وما نعرفه من أبي بكر؛ حتى زال الظل عن رسول الله ص، فقام أبو بكر فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك، فنزل رسول الله ص - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم، أخي بني عمرو بن عوف، ثم أحد بني عبيد، ويقال: بل نزل على سعد بن خيثمة.
ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم: إنما كان رسول الله ص إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم، جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة؛ وذلك أنه كان عزبًا لا أهل له، وكان منازل العزاب من أصحاب رسول الله ص من المهاجرين عنده؛ فمن هنالك يقال: نزل على سعد بن خيثمة، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة بيت العزاب، فالله أعلم أي ذلك كان، كلا قد سمعنا.
ونزل أبو بكر بن أبي قحافة على خبيب بن أساف، أخي بني الحارث ابن الخزرج بالسنح، ويقول قائل: كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير، أخي بني الحارث بن الخزرج.
وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة ثلاث ليالٍ وأيامها؛ حتى أدى عن رسول الله ص الودائع التي كانت عنده إلى الناس؛ حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله ص، فنزل معه على كلثوم بن هدم، فكان علي يقول: وإنما كانت إقامته بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة، ليلةً أو ليلتين، وكان يقول: كنت نزلت بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة، فرأيت إنسانًا يأتيها في جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئًا معه، قال: فاستربت لشأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه، فيعطيك شيئًا، ما أدري ما هو؟ وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك! قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف إني امرأة لا أحد لي؛ فإذا أمسى عدا علي أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، وقال: احتطبي بهذا. فكان علي بن أبي طالب يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني هذا الحديث علي بن هند بن سعد بن سهل بن حنيف، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فأقام رسول الله ص بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس؛ وأسس مسجدهم، ثم أخرجه الله عز وجل من بين أظهرهم يوم الجمعة؛ وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك. والله أعلم.
ويقول بعضهم: إن مقامه بقباء كان بضعة عشر يومًا.
قال أبو جعفر: واختلف السلف من أهل العلم في مدة مقام رسول الله ص بمكة بعد ما استنبىء، فقال بعضهم: كانت مدة مقامه بها إلى أن هاجر إلى المدينة عشر سنين.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا يحيى بن محمد بن قيس المدني - يقال له أبو زكير - قال: سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يذكر عن أنس بن مالك، أن رسول الله ص بعث على رأس أربعين، فأقام بمكة عشرًا.
حدثني الحسين بن نصر الآملي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ قال: أخبرتني عائشة وابن عباس، أن رسول الله ص لبث بمكة عشر سنين، ينزل عليه القرآن.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا يحيى ابن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: أنزل على رسول الله ص القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين، فأقام بمكة عشرًا.
حدثني أحمد بن ثابت الرازي، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنز ل على النبي صص وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، فمكث بمكة عشرًا.
حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، قال: هاجر رسول الله ص على رأس عشرٍ من مخرجه.
قال أبو جعفر: وقال أخرون: بل أقام بعدما استنبىء بمكة ثلاثة عشرة سنة.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد - يعني ابن سلمة -، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: أقام رسول الله ص بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه.
حدثني محمد بن خلف، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا أبو جمرة الضبعي، عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله ص لأربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة.
حدثني محمد بن معمر، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا زكرياء ابن إسحاق، قال: حدثنا عمر بن دينار، عن ابن عباس، قال: مكث رسول الله ص بمكة ثلاث عشرة سنة.
حدثني عبيد بن محمد الوراق، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، قال: بعث النبي ص لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة.
قال أبو جعفر: وقد وافق قول من قال: بعث رسول الله ص لأربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة قول أبي قيس صرمة بن أبي أنس، أخي بني عدي بن النجار، في قصيدته التي يقول فيها، وهو يصف كرامة الله إياهم بما أكرمهم به من الإسلام، ونزول نبي الله ص، عليهم:
ثوى في قريشٍ بضع عشرة حجةً ** يذكر لو يلقى صديقًا مواتيا!
ويعرض في أهل المواسم نفسه ** فلم ير من يؤوى، ولم ير داعيا
فلما أتانا أظهر الله دينه ** فأصبح مسرورًا بطيبة راضيا
وألفى صديقًا وأطمأنت به النوى ** وكان له عونًا من الله باديا
يقص لنا ما قال نوحٌ لقومه ** وما قال موسى إذ أجاب المناديا
وأصبح لا يخشى من الناس واحدا ** قريبًا، ولا يخشى من الناس نائيا
بذلنا له الأموال من جل مالنا ** وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
ونعلم أن الله لا شيء غيره ** ونعلم أن الله أفضل هاديا
فأخبر أبو القيس في قصيدته هذه أن مقام رسول الله ص في قومه قريش، كان بعدما استنبىء وصدع بالوحي من الله بضع عشرة حجة.
وقال بعضهم كان مقامه بمكة خمس عشرة سنة:
ذكر من قال ذلك
حدثني بذلك الحارث، عن ابن سعد، عن محمد بن عمر، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ واستشهد بهذا البيت من قول أبي قيس صرمة بن أبي أنس، غير أنه أنشد ذلك:
ثوى في قريشٍ بضع عشرة حجةً ** يذكر لو يلقى صديقًا مواتيا!
قال أبو جعفر: وقد روى عن الشعبي أن إسرافيل قرن برسول الله ص قبل أن يوحى إليه ثلاث سنين.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي، قال: حدثنا الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي - قال: وحدثنا إملاءً من لفظه منصورٌ عن الأشعث، عن الشعبي - قال: قرن إسرافيل بنوة رسول الله ص ثلاث سنين، يسمع حسه، ولا يرى شخصه. ثم كان بعد ذلك جبريل عليه السلام.
قال الواقدي: فذكرت ذلك لمحمد بن صالح بن دينار، فقال: والله يا بن أخي لقد سمعت عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعاصم بن عمر بن قتادة يحدثان في المسجد ورجل عراقي يقول لهما هذا، فأنكراه جميعًا، وقالا: ما سمعنا ولا علمنا إلا أن جبريل هو الذي قرن به، وكان يأتيه بالوحي من يوم نبىء إلى أن توفي ص.
حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عامر، قال: أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام، فنزل القرآن على لسانه عشر سنين بمكة وعشر سنين بالمدينة.
قال أبو جعفر: فلعل الذي قالوا: كان مقامه بمكة بعد الوحي عشرًا عدوا مقامه بها من حين أتاه جبريل بالوحي من الله عز وجل، وأظهر الدعاء إلى توحيد الله. وعد الذين قالوا: كان مقامه ثلاث عشرة سنة من أول الوقت الذي استنبىء فيه؛ وكان إسرافيل المقرون به وهي السنون الثلاث التي لم يكن أمر فيها بإظهار الدعوة.
وقد روى عن قتادة غير القولين اللذين ذكرت؛ وذلك ما حدثت عن روح بن عبادة، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: نزل القرآن على رسول الله ص ثماني سنين بمكة وعشرًا بعدما هاجر، وكان الحسن يقول: عشرًا بمكة وعشرًا بالمدينة.
ذكر الوقت الذي عمل فيه التأريخ
قال أبو جعفر: ولما قدم رسول الله المدينة، أمر بالتأريخ فيما قيل. حدثني زكرياء بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبي سلمة، عن ابن شهاب، أن النبي لما قدم المدينة - وقدمها في شهر ربيع الأول - أمر بالتأريخ.
قال أبو جعفر: فذكر أنهم يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه إلى أن تمت السنة.
وقد قيل أول من أمر بالتأريخ في الإسلام عمر بن الخطاب رحمه الله.
ذكر الأخبار الواردة بذلك
حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا حبان ابن علي العنزي، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر: إنه تأتينا منك كتب ليس لها تأريخ. قال: فجمع عمر الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول الله ص. وقال بعضهم: لمهاجر رسول الله ص، فقال عمر: لا بل نؤرخ لمهاجر رسول الله ص، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل.
حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا خالد بن حيان أبو زيد الخراز، عن فرات بن سلمان، عن ميمون بن مهران، قال: رفع إلى عمر صكٌ محله في شعبان، فقال عمر: أي شعبان؟ الذي هو أت، أو الذي نحن فيه؟ قال: ثم قال لأصحاب رسول الله ص: ضعوا للناس شيئًا يعرفونه، فقال: بعضهم: اكتبوا على تأريخ الروم، فقيل: إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين؛ فهذا يطول. وقال بعضهم: اكتبوا على تأريخ الفرس؛ فقيل: إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله؛ فاجتمع رأيهم على أن ينظزوا: كم أقام رسول الله ص بالمدينة؟ فوجدوه عشر سنين؛ فكتب التأريخ من هجرة رسول الله ص.
حدثت عن أمية بن خالد وأبي داود الطيالسي، عن قرة بن خالد السدوسي، عن محمد بن سيرين، قال: قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: أرخوا، فقال عمر: ما أرخوا؟ قال: شيء تفعله الأعاجم، يكتبون في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر بن الخطاب: حسنٌ، فأرخوا.
فقالوا: من أي السنين نبدأ؟ قالوا: من مبعثه، وقالوا: من وفاته؛ ثم أجمعوا على الهجرة. ثم قالوا: فأي الشهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان، ثم قالوا المحرم، فهو منصرف الناس من حجهم؛ وهو شهرٌ حرام، فأجمعوا على المحرم.
حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثني سعيد بن أبي مريم. وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أبي، قالا جميعًا: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، قال: حدثني أبو حازم، عن سهل ابن سعد، قال: ما أصاب الناس العدد؛ ما عدوا من مبعث رسول الله ص، ولا من وفاته، ولا عدوا إلا من مقدمه المدينة.
حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عباس، قال: كان التأريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله ص المدينة، وفيها ولد عبد الله بن الزبير.
حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا يعقوب ابن إسحاق بن أبي عباد؛ قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو ابن دينار، عن ابن عباس، قال: كان التأريخ في السنة التي قدم رسول الله ص فيها، فذكر مثله.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)