يقول الفتي تغلب على ما جرى بدمع جرى فوق الخدود نهور أقول وفي قلبي من البين لوعه وبي حسرات طي الفؤاد تثور الفراق أبينا الجرو والزير عمنا عليهم قلبي والحشا مكسور يارب يارحمن ياسامع الدعا عليك أتكالنا يا جابر المكسور سألناك ربي بالخليل وأبنه بحق الذي اليه العبيد تزور فيا رب يارحمن اجير قلوبنا بجاه عيسى وموسى والفضل المشهور بجاه داود مع يحيى مع الخضر وبالعرش والكرسي وبحر النور ترزقنا بولدين يحيوا ذكرنا أيا من ترزق كل وحش كسور
( قال الراوي ) وكان الامير تغلب ينشده هذه الابيات وأخوه مالك يقول آمين يا رب العالمين فاستجاب الله دعاهما ولم يخيب شكواهما فما مضت مدة يسيرة وبرهه قصيرة حتى حبلت نساءهما ولما تمت ايامهما ولدنا الاثنان في يوم واحد فولدت زوجة مالك بنتا وزوجة تغلب ولدا ذكرا فقامت في الحي الافراح والمسرات وكان جناب الاميرين في الصيد والقنص فأرسلوا لهما بعض العبيد يبشرهما بذلك وكان اسمه مسرور فلما اقبل عليهما العبد قالا له علامك يا مسرور ابشير ام نذير فقال اني بشير واشار اليهما بهذه الابيات :
قال الداعي المسمى مسرور ياسادتي اتيتكم قاصد بشير ياأمير مالك اتاك بنت كالقمر ووجها كالشمس والبدر المنير وانت يا تغلب اتاك غلام يفرح القلب المتيم يا أمير اتيت اليكم حالا بلا بطا فوق حمرا كأنها طير يطير اريد منكم ياكرام بشارتي اجبروا بالله قلبي الكسير
( قال الراوي ) فلما سمعا كلام العبد فرحا فرحاً شديدا واعتقا العبد واعطوه الف دينار ولما حضرا إلى الحي امرا بذبح الذبائح وأولما الولائم وأقاما الفرح والسرور لمدة شهرين كاملين وارسلا حالا يعلما اباهما وعمهما الزير ويبشرهما بذلك وسميا الغلام الاوس والبنت مي وتعاهدا الاخان على زواج البنت بالغلام اذا كبر ولما بلغ الجرو والمهلهل ذلك الخبر فرحا جداً وشكرا الله على هذه النعمه العظيمه وركب الجرو في جمع غفير من قومه وابطاله وسار جهت اولاده لانه كان لديه غاية الاشتياق لمشاهدتهما ولما اقترب من تلك الديار وبلغ ولديه قدومه خرج لملاقاته في موكب عظيم وعند وصوله سلما عليه ووقعا على يديه يقبلانه فقبلهما بين عينهما ودعا لهما ثم سألاه عن عمهما فقال انه في خير وعافيه وانه مازال في خيامه وهو ملازم طعامه مع مدامه ثم سار إلى المدينه وكان ذلك اليوم اعظم من يوم الزينه ونزل الجرو في القصر الكبير ووقف بخدمته الصغير والكبير والمأمور والامير وأقام في تلك الديار مدة شهرين كوامل وكان في آخر هذه المده مرض ابنه تغلب فأقام عشرة اياما في الفراش ومات فحزن عليه الجرو حزنا عظيما وعملوا عليه مناحة عظيمه ودفنوه بكل أحترام . ووقارولماعزم الجروعلى الرجوع إلى بلا ده استدعى ولده مالك واوصاه با
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
لرعيه وان يكون عادلا في حكمه وان يزوج ابنته مي بالاوس ابن اخيه وبعد ذلك سار وحده في قطع القفار إلى ان وصل اطلاله واجتمع باهله وعياله واما الامير مالك فانه اعتنى بتربيه ابنته وابن اخيه كما اوصاه جناب ابيه حتى كبرا وبلغا درجه الكمال وكان الاوس يركب ظهور الخيل ويتعلم الفروسيه مع الفرسان واستمر على ذلك مده من الزمن حتى صار من صناديد الرجال وشاع ذكره في كل مكان وكانت ابنه عمه مي من اجمل النساء والرجال وكان الاوس يحبها محبه عظيمه فكانا كروحين في جسد واحد فلما شاع ذكرها في قبائل الاعراب وتواردت على ابيها الخطاب وكان قد سمع بها الصنديد بن الاكوع وهو ابن عم الملك تبع حسان فعشقها على السماع وكان من الملوك العظام فارسل وزيره ليخطبها من ابيها فلما وصل الوزير وعلم مالك بالخبر فقال ولله هو نعم الصهر وبه انال الفخر على طول الدهر غير انه لاخفاك اطال الله عمرك وبقاك باْن ابنتي مخطوبه لأبن عمها الأوس ونحن الآن مباشرين بأمر العرس فلا يمكنني أن أنقض الكتاب وهذا الذي يمنعني عن اجراء الايجاب فقال له الوزير اكتب لي الجواب فكتب اليه هذه الأبيات :
يقول الفتى مالك على ماجرى له بدمع جرى فوق الخدود صدود أيا غاديا مني على متن ضامر تسابق لضرب المرهف المبرود تهدي هداك الله خذلي رسالتي اعطيه مكتوبي تنال سعودي اذا جيت لصنديد فقل له باني على طول الزمان ودود ومي ترى مخطوبة لأبن عمها ومعها تربى والانام شهود فحاشى لمثلي ان يخون اقاربه وافسح زمامي ثم اكون عنود ترى روحي ياامير ومهجتي وهو عندنااحلى من المولود فلو كنت اعطيها لغير ابن عمها لكنت انت اليوم اولى بالمقصود
ثم ان الوزير اخذ هذا الجواب ورجع إلى عند الصنديد واعطاه اياه فلما وقف على حقيقة الحال خرج عن دائرة الاعتدال فغير زيه وتنكر وركب جواده وسارالى تلك الديار وحده وعن وصوله إلى مضارب الاميرمالك لم يجد هناك ولم يكن في الحي الا النساء والبنات فسأل بعض النساء عن غياب الرجال فقالت منهم من سار إلى القبائل ليعزموا الناس إلى العرس والفرح ومنهم من ذهب مع الامير مالك لصيد والقنص ففرح بهذا الاتفاق وتقدم نحو الصيوان واركز رمحه ووقف على الباب ونادى هيا ياأصحاب البيت فقد اتاكم ضيف من ابعد مكان وكانت مي داخل الخيام وحدها فما ردت جوابا وماأبدت خطابا ولما ابطئت عليه الجواب وعرف ان الصيوان خاليا من الرجال انشد يقول :
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
قال الفتى الغريب الذي شكا ولي قلب من بين الجوانح ذاب اتيت قاصد مالكا في حاجه ولي ساعة واقف انا في الباب يا أهل هذا البيت اين اميركم واين مضى من الديار وغاب ياربة البيت الذي داخل الحمى مابالكم لاتردوا الجواب الافاخبروني يا بنات بحالكم قلبي غدا من أجلكم مرتاب اذا كان اهل الحي غابوا جميعهم اما فيكم كريمه ذات حجاب فتقر ضيفا قد اتى غريبه وتستر أهاليها مع الغياب اكيد ما كل النساء تستر الفتى ولاكل من يحوي الرديه صاب
( قال الراوي ) فلما سمعت مي شعره ونظامه وعرفت قصده ومرامه أخذتها الغيرة والمروءة لتستر عرض أهلها من القيل والقال وأشارت تقول :
تقول فتاة الحي مي التي شكت الا فاسمع للقول يا نجاب يا مرحبا بالضيف لما زارنا لك الخير والاكرام والترحاب انزل مكانك حتى احضر لك الغدا وتأكل من زادنا وتشرب انا بنت مالك راح للصيد والدي مع ابن عمي الاوس والاحباب انزل حتى يرجعوا رجالنا ويأتوا لنحو الحي بعد غياب فكم جاء الينا يا أمير مثالكم خلائق كثيرة ما لهن حساب نحن نحب الضيف اذا جاء محلنا انزل واجلس جانب الاطناب
( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها وقع الصنديد في حبها وغرامها ورفع ستار الخيمه بسنان رمحه فوجد صبيه بديعه الجمال فزاد به الوجد والبلبال فصاحت عليه من خلف الستار وقالت علامك تنظر بنات الملوك يا غدار ثم ردت منديلها على وجهها وقالت له لاشك انك قليل الحياء كامخ فا كنت ضيفا كما تقول فانزل كي آتيك بالغداء والا فما هذه الوقاحه ثم قالت لجاريتها اطلعي افرشي له حتى يجلس ويتغذى لبينما يأتي ابي من البريه فخرجت الجاريه اليه وسالته كي ينزل في الصيوان فقال لها انه عيب علي ان انزل عند الحريم وانا سيد عظيم لئلا ادعي بكامح هذا من اعظم القبائح وما اتيت إلى هذه الديار الا لامر ضروري وهو ان اتزوج الاميرة ولما تأكدت الاميرة من مرامه قالت يانجيب ان كنت الضيوف فاقعد في الصيوان حتى يأتي ابي من البريه هذا فلم يسمع لها كلام وقال لابد من أخذك إلى الاطلال وهناك اتزوج بك بالحلال لاني اتيت من بلاد بعيده لاجل هذه الغايه الوحيده وقد نلت مرادي وحصلت على مسرة فؤادي ثم انه قام تلك الليله في ذلك المكان وهو مسرور فرحان ولما كان الصباح ركب ظهر الحصان واردفها خلفه وصار يقطع القفار ويوصل سير الليل بسير النهار حتى وصل الديار ولما سمعت اكابر قومه بقدومه ظافرا غانما اجتمعوا الية
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
وهنئوه بالسلامه وسألوه عن سفرته وماجرى له في غربته فقال اني عند وصولي إلى تلك الاطلال هجمت علي الفرسان والابطال ومددت اكثرهم على بساط الرمال وفعلت فعل تذكر على طول الاجيال وقتلت الامير مالك وابن اخيه واتيت بالعروس إلى هنا وقد بلغت المنى فلما سمعت مي منه هذا الكلام كان عليها اشد من ضرب الحسام فنهضت على الاقدام فقالت له امام الاعيان لقد نطقت بالزور والبهتان فوحق الاله الديان لو كان ابي وابن عمي حاضران لما كنت رجعت سالما إلى اوطانك ولا اجتمعت بأهلك وخلانك ولكنك خطفتني بالاحتيال وهربت في الحال قبل ان تدركك الر جل ويحل بك الوبال ثم انها بعد هدا الكلام بكت بدمع سجام ولما سمع الحاضرون فحوى كلا مها خافوا من القواقب وعلموا بأن كلام الصديد ليس له صحة فهو في حديثه كاذب واما الصنديد فانه اغتاظ من هذا الكلام فنهض والطمها على موجهها وقال هكذا تتكلمين يابنت اللثام امام السادات الكرام ثم سل سيفه وغمده واراد أن يعد مها الحياة فعتد ذلك وثب الوزير وبا قي الا مراء بالعجل وردوه عن ذلك العمل وقالوا له انت امير اتجمل عقلك كعقل النسوان فما تقول عنك ملوك الممالك اذا سمعت بذلك ومازلوا يتوسلون بالكلام حتى لان وكان له سجان أقسى من الصوان فاستدعاه اليه فحضر وكان اسمه عمران بن الازور فقال خذ هذه الملعونه إلى بيتك وسلمها إلى زوجتك لتقيدها بالحديد وتعذبها العذاب الشديد وتلبسها ثياب الشعر وتضربها خمس مرات في النهار وتطعمها خمس ارغفة من الشعير فقال يامولاي ان هذه الصبيه لاتستحق الضرب والانتقام ولاتستاهل غير الاعزاز والاكرام وهي كأنها البدر التمام فقال لها كيف العمل ومانحن الا عبيد الملك الصنديد فعند ذلك نزعت عنها ثيابها الحريريه والبسها ثوبا من شعر الخنزير وأرادت ان تضربها بالسياط على قدميها فوقعت على رجليها وجعلت تبكي وتثني عليها ثم انشدت من فؤاد متبول :
با الله ان ترثي إلى احوالي فالدهر فرق صحبتي وعيالي يا وحدتي يا ذلتي يا غربتي قد صرت بعد العز بالاغلال قد كنا في جاه ورفعه منصب والله ربي عالم الاحوال فترفقي هذا النهار بحالتي فلعل ربي يستجيب لحالي اني كريمه من اكابر معشر فاقوا الورى بالجاه والافضال ويعيدني بعد العناء إلى الوطن وأرى جميع الاهل والاخوال ولهم وقائع في البلاد جميعها بين الملوك وزمرة الابطال
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)