حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا نوح بن قيس الطاحي، عن عثمان بن محصن، أن ابن عباس كان يقول في: " والفجر وليالٍ عشرٍ "، قال: الفجر هو المحرم، فجر السنة.
حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق؛ عن الأسود بن يزيد، عن عبيد بن عمير، قال: إن المحرم شهر الله عز وجل، وهو رأس السنة، فيه يكسى البيت، ويؤرخ التأريخ، ويضرب فيه الورق، وفيه يوم كان تاب فيه قوم، فتاب الله عز وجل عليهم.
حدثني أحمد بن ثابت الرازي، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا زكرياء بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، أن أول من أرخ الكتب يعلى بن أمية، وهو باليمن، وأن النبي ص قدم المدينة في شهر ربيع الأول، وأن الناس أرخوا لأول السنة؛ وإنما أرخ الناس لمقدم النبي ص.
وقال علي بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري. وعن محمد ابن صالح، عن الشعبي، قالا: أرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم عليه السلام إلى بنيان البيت، حين بناه إبراهيم وإسماعيل، ثم أرخ بنو إسماعيل من بنيان البيت؛ حتى تفرقت، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم، ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون من خروج سعد ونهد وجهينة، بني زيد، من تهامة؛ حتى مات كعب بن لؤي، فأرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل؛ فكان التأريخ من الفيل، حتى أرخ عمر ابن الخطاب من الهجرة؛ وذلك سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة.
حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا الدراوردي، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: جمع عمر بن الخطاب الناس، فسألهم، فقال: من أي يوم نكتب؟ فقال علي عليه السلام: من يوم هاجر رسول الله ص، وترك أرض الشرك، ففعله عمر رضي الله عنه.
قال أبو جعفر: وهذا الذي رواه علي بن مجاهد، عمن رواه عنه في تأريخ بني إسماعيل غير بعيد من الحق؛ وذلك أنهم لم يكونوا يؤرخون على أمر معروف يعمل به عامتهم، وإنما كان المؤرخ منهم يؤرخ بزمان قحمة كانت في ناحية من نواحي بلادهم، ولزبةٍ أصابتهم؛ أو بالعامل كان يكون عليهم، أو الأمر الحادث فيهم ينتشر خبره عندهم؛ يدل على ذلك اختلاف شعرائهم في تأريخاتهم؛ ولو كان لهم تأريخ على أمرٍ معروف، وأصلٍ معمول عليه، لم يختلف ذلك منهم.
ومن ذلك قول الربيع بن ضبع الفزاري:
هأنذا آمل الخلود وقد ** أدرك عقلي ومولدي حجرا
أبا امرئ القيس هل سمعت به ** هيهات هيهات طال ذا عمرا!
فأرخ عمره بحجر بن عمرو أبي امرئ القيس.
وقال نابغة بني جعدة:
فمن يك سائلًا عني فإني ** من الشبان أزمان الخنان
فجعل النابغة تأريخه ما أرخ بزمان علة كانت فيهم عامة.
وقال آخر:
وما هي إلا في إزارٍ وعلقةٍ ** مغار ابن همامٍ على حي خثعما
فكل واحد من هؤلاء الذين ذكرت تأريخهم في هذه الأبيات، أرخ على قرب زمان بعضهم من بعض، وقرب وقت ما أرخ به من وقت الآخر؛ بغير المعنى الذي أرخ به الآخر؛ ولو كان لهم تأريخ معروف كما للمسلمين اليوم ولسائر الأمم غيرها، كانوا إن شاء الله لا يتعدونه؛ ولكن الأمر في ذلك كان عندهم إن شاء الله على ما ذكرت؛ فأما قريش من بين العرب؛ فإن آخر ما حصلت من تأريخها قبل هجرة النبي ص من مكة إلى المدينة على التأريخ بعام الفيل؛ وذلك عام ولد رسول الله ص، وكان بين عام الفيل والفجار عشرون سنة، وبين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنة، وبين بناء الكعبة ومبعث النبي ص خمس سنين.
قال أبو جعفر: وبعث رسول اله ص وهو ابن أربعين سنة، وقرن بنبوته - كما قال الشعبي - ثلاث سنين: إسرافيل؛ وذلك قبل أن يؤمر بالدعاء وإظهاره على ما قدمنا الرواية والإخبار به، ثم قرن بنبوته جبريل عليه السلام بعد السنين الثلاث، وأمره بإظهار الدعوة إلى الله، فأظهرها، ودعا إلى الله مقيمًا بمكة عشر سنين، ثم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول من سنة أربع عشرة من حين استنبئ، وكان خروجه من مكة إليها يوم الاثنين، وقدومه المدينة يوم الاثنين؛ لمضى اثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول.
حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا موسى بن داود، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس، قال: ولد النبي ص يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، ورفع الحجر يوم الاثنين، وخرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، قال: قدم رسول الله ص المدينة يوم الاثنين، لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول.
قال أبو جعفر: فإذا كان الأمر في تأريخ المسلمين كالذي وصفت، فإنه وإن كان من الهجرة، فإن ابتداءهم إياه قبل مقدم النبي ص المدينة بشهرين وأيام؛ هي اثنا عشر؛ وذلك أن أول السنة المحرم، وكان قدوم النبي ص المدينة، بعد مضي ما ذكرت من السنة، ولم يؤرخ التأريخ من وقت قدومه؛ بل من أول تلك السنة.
ذكر ما كان من الأمور المذكورة في أول سنة من الهجرة
قال أبو جعفر: قد مضى ذكرنا وقت مقدم النبي ص المدينة، وموضعه الذي نزل فيه حين قدمها، وعلى من كان نزوله، وقدر مكثه في الموضع الذي نزله، وخبر إرتحاله عنه. ونذكر الآن ما لم نذكر قبل مما كان من الأمور المذكورة في بقية سنة قدومه؛ وهي السنة الأولى من الهجرة.
فمن ذلك تجميعه ص بأصحابه الجمعة، في اليوم الذي ارتحل فيه من قباء؛ وذلك أن ارتحاله عنها كان يوم الجمعة عامدًا المدينة، فأدركته الصلاة، صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف، ببطن واد لهم - قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجدًا - فيما بلغني - وكانت هذه الجمعة، أول جمعة جمعها رسول الله ص في الإسلام، فخطب في هذه الجمعة؛ وهي أول خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل.
خطبة رسول الله ص في أول جمعة جمعها بالمدينة
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، أنه بلغه عن خطبة رسول الله ص في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عوف:
" الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلةٍ من العلم، وضلالةٍ من الناس، وانقطاع من الزمان ودنوٍ من الساعة، وقربٍ من الأجل؛ من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصمها فقد غوى وفرط؛ وضل ضلالًا بعيدًا. وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم؛ أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرًا؛ وإن تقوى الله لمن عمل به على وجلٍ ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية، لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرًا في عاجل أمره، وذخرًا فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا، ويحذركم الله نفسه، والله رءوف بالعباد. والذي صدق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول عز وجل: " ما يبدل القول لدي وما أنا بظلامٍ للعبيد ". فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرًا، ومن يتق الله فقد فاز فوزًا عظيمًا. وإن تقوى الله يوقي مقته، ويوقي عقوبته، ويوقي سخطه، وأن تقوى الله يبيض الوجوه، ويرضي الرب، ويرفع الدرجة.
خذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله؛ قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين. فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه؛ الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العظيم!.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، أن رسول الله ص ركب ناقته، وأرخى لها الزمام، فجعلت لا تمر بدار من دور الأنصار إلا دعاه أهلها إلى النزول عندهم، وقالوا له: هلم يا رسول الله! إلى العدد والعدة والمنعة؛ فيقول لهم ص: خلوا زمامها فإنها مأمورة؛ حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم، فبركت على باب مسجده؛ وهو يومئذ مربدٌ لغلامين يتيمين من بني النجار في حجر معاذ بن عفراء؛ يقال لأحدهما سهل وللآخر سهيل، ابنا عمرو بن عباد بن ابن ثعلبة ابن غنم بن مالك بن النجار. فلما بركت لم ينزل عنها رسول الله ص، ثم وثبت فسارت غير بعيد، ورسول الله ص واضعٌ لها زمامها لا يثنيها به؛ ثم التفتت خلفها، ثم رجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه ووضعت جرانها، ونزل عنها رسول الله ص، فاحتمل أبو أيوب رحله، فوضعه في بيته، فدعته الأنصار إلى النزول عليهم، فقال رسول الله ص: المرء مع رحله. فنزل على أبي أيوب خالد بن زيد بن كليب، في بني غنم بن النجار.
قال أبو جعفر: وسأل رسول الله ص عن المربد لمن هو؟ فأخبره معاذ بن عفراء، وقال: هو ليتيمين لي، سأرضيهما. فأمر به رسول الله ص أن يبنى مسجدًا، ونزل على أبي أيوب، حتى بنى مسجده ومساكنه. وقيل: إن رسول الله ص اشترى موضع مسجده، ثم بناه.
والصحيح عندنا في ذلك، ما حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك، قال: كان موضع مسجد النبي ص لبني النجار، وكان فيه نخل وحرث وقبورٌ من قبور الجاهلية، فقال لهم رسول الله ص: ثامنوني به، فقالوا: لا نبتغيه به ثمنًا إلا ما عند الله، فأمر رسول الله ص بالنخل فقطع، وبالحرث فأفسد، وبالقبور فنبشت، وكان رسول الله ص قبل ذلك يصلي في مرابض الغنم، وحيث أدركته الصلاة.
قال أبو جعفر: وتولى بناء مسجده ص هو بنفسه وأصحابه من المهاجرين والأنصار.
وفي هذه السنة بني مسجد قباء.
وكان أول من توفي بعد مقدمه المدينة من المسلمين - فيما ذكر - صاحب منزله كلثوم بن الهدم، لم يلبث بعد مقدمه إلا يسيرًا حتى مات.
ثم توفي بعده أسعد بن زرارة في سنة مقدمه، أبو أمامة. وكانت وفاته قبل أن يفرغ رسول الله ص من بناء مسجده، بالذبحة والشهقة. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد إبن إسحاق. حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن؛ أن رسول الله ص قال: بئس الميت أبو أمامة ليهود ومنافقي العرب! يقولون: لو كان محمد نبيًا لم يمت صاحبه؛ ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئًا.
وقد حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن معمر، عن الزهري، عن أنس، أن النبي ص كوى أسعد ابن زرارة من الشوكة.
قال ابن حميد، قال سلمة، عن إبن إسحاق، قال: حدثني عاصم ابن عمر بن قتادة الأنصاري أنه لما مات أبو أمامة أسعد بن زرارة، اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله ص - وكان أبو أمامة نقيبهم - فقالوا: يا رسول الله؛ إن هذا الرجل قد كان منا حيث قد علمت؛ فاجعل منا رجلًا مكانه، يقيم من أمرنا ما كان يقيمه، فقال لهم رسول الله ص: أنتم أخوالي وأنا منكم؛ وأنا نقيبكم.
قال: وكره رسول الله ص أن يخص بها بعضهم دون بعض؛ فكان من فضل بني النجار الذي تعد على قومهم، أن رسول الله ص كان نقيبهم.
وفي هذه السنة مات أبو أحيحة بماله بالطائف. ومات الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي فيها بمكة.
وفيها بنى رسول الله ص بعائشة بعد مقدمها المدينة بثمانية أشهر؛ في ذي القعدة في قول بعضهم، وفي قول بعضٍ: بعد مقدمه المدينة بسبعة أشهر، في شوال، وكان تزوجها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة خديجة وهي ابنة ست سنين، وقد قيل: تزوجها وهي ابنة سبع.
حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل - يعني ابن أبي خالد - عن عبد الرحمن بن أبي الضحاك، عن رجل من قريش، عن عبد الرحمن بن محمد، أن عبد الله بن صفوان وآخر معه أتيا عائشة، فقالت عائشة: يا فلان؛ أسمعت حديث حفصة؟ قال لها: نعم يا أم المؤمنين، قال لها عبد الله بن صفوان: وما ذاك؟ قالت: خلالٌ في تسع لم تكن في أحدٍ من النساء إلا ما آتى الله مريم بنت عمران؛ والله ما أقول هذا فخرًا على أحد من صواحبي، قال لها: وما هن؟ قالت: نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله ص لسبع سنين، وأهديت إليه لتسع سنين، وتزوجني بكرًا لم يشركه في أحدٌ من الناس، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه، ونزل فيَّ آيةٌ من القرآن كادت الأمة أن تهلك، ورأيت جبريل ولم يراه أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي لم يله أحدٌ غير الملك وأنا.
قال أبو جعفر: وتزوجها رسول الله ص - في ما قيل - في شوال، وبنى بها حين بنى بها في شوال.
ذكر الرواية بذلك
حدثنا ابن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله ص في شوال، وبنى بي في شوال. وكانت عائشة تستحب أن يبنى بالنساء في شوال.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة عن عروة، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله ص في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله كانت أحظى عنده مني! وكانت عائشة تستحب أن يدخل بالنساء في شوال.
قال أبو جعفر: وقيل: إن رسوال الله ص بنى بها في شوال يوم الأربعاء في منزل أبي بكر بالسنح.
وفي هذه السنة بعث النبي ص إلى بناته وزوجته سودة بنت زمعة، زيد بن حارثة وأبا رافع، فحملاهن من مكة إلى المدينة.
ولما رجع - فيما ذكر - عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بن أبي بكر بمكان أبيه أبي بكر، فخرج عبد الله بعيال أبيه إليه، وصحبهم طلحة بن عبيد الله، معهم أم رومان، وهي أم عائشة؛ وعبد الله بن أبي بكر حتى قدموا المدينة.
وفي هذه السنة زيد في صلاة الحضر - فيما قيل - ركعتان، وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين؛ وذلك بعد مقدم رسول الله ص المدينة بشهر، في ربيع الآخر، لمضي اثنتي عشرة ليلة منه، زعم الواقدي أنه لا خلاف بين أهل الحجاز فيه.
وفيها - في قول بعضهم - ولد عبد الله بن الزبير. وفي قول الواقدي: ولد في السنة الثانية من مقدم رسول الله ص المدينة في شوال.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: قال محمد بن عمر الواقدي: ولد ابن الزبير بعد الهجرة بعشرين شهرًا بالمدينة.
قال أبو جعفر: وكان أول مولودٍ ولد من المهاجرين في دار الهجرة، فكبر - فيما ذكر - أصحاب رسول الله حين ولد؛ وذلك أن المسلمين كانوا قد تحدثوا أن اليهود يذكرون أنهم قد سحروهم فلا يولد لهم؛ فكان تكبيرهم ذلك سرورًا منهم بتكذيب الله اليهود فيما قالوا من ذلك.
وقيل: إن أسماء بنت أبي بكر، هاجرت إلى المدينة وهي حاملٌ به.
وقيل أيضًا: إن النعمان بن بشير ولد في هذه السنة؛ وإنه أول مولد ولد للأنصار بعد هجرة النبي ص إليهم؛ وأنكر ذلك الواقدي أيضًا.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا الواقدي، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه، عن جده، قال: كان أول مولود من الأنصار النعمان بن بشير؛ ولد بعد الهجرة بأربعة عشر شهرًا، فتوفي رسول الله ص وهو ابن ثماني سنين، أو أكثر قليلًا.
قال: وولد النعمان قبل بدر بثلاثة أشهر أو أربعة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود، قال: ذكر النعمان بن بشير عند ابن الزبير، فقال: هو أسن مني بستة أشهر.
قال أبو الأسود: ولد ابن الزبير على رأس عشرين شهرًا من مهاجر رسول الله ص، وولد النعمان على رأس أربعة عشر شهرًا في ربيع الآخر.
قال أبو جعفر: وقيل: إن المختار بن أبي عبيد الثقفي وزياد ابن سمية فيها ولدا.
قال: وزعم الواقدي أن رسول الله ص عقد في هذه السنة في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره، لحمزة بن عبد المطلب لواءً أبيض في ثلاثين رجلًا من المهاجرين ليعترض لعيرات قريش، وأن حمزة لقى أبا جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فحجز بينهم مجدي بن عمر الجهني فافترقوا، ولم يكن بينهم قتال. وكان الذي يحمل لواء حمزة أبو مرثد.
وأن رسول الله ص عقد أيضًا في هذه السنة، على رأس ثمانية أشهر من مهاجره في شوال، لعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف لواء أبيض وأمره بالمسير إلى بطن رابغ، وأن لواءه كان مع مسطح بن أثاثة، فبلغ ثنية المرة - وهي بناحية الجحفة - في ستين من المهاجرين، ليس فيهم أنصاري؛ وأنهم التقوا هم والمشركون على ماء يقال له أحياء؛ فكان بينهم الرمي دون المسايفة.
قال: وقد اختلفوا في أمير السرية؛ فقال بعضهم: كان أبو سفيان بن حرب، وقال بعضهم: كان مكرز بن حفص.
قال الواقدي: ورأيت الثبت على أبي سفيان بن حرب، وكان في مائتين من المشركين.
قال: وفيها عقد رسول الله ص لسعد بن أبي وقاص إلى الخرار لواءً أبيض يحمله المقداد بن عمرو في ذي القعدة. وقال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: خرجت في عشرين رجلًا على أقدامنا - أو قال: واحد وعشرين رجلًا - فكنا نكمن النهار، ونسير الليل حتى صبحنا الخرار صبح خامسةٍ؛ وكان رسول الله ص، قد عهد إلي إلا أجاوز الخرار، وكانت العير قد سبقتني قبل ذلك بيوم، وكانوا ستين، وكان من مع سعد كلهم من المهاجرين.
قال أبو جعفر: وقال ابن إسحاق في أمر كل هذه السرايا التي ذكرت عن الواقدي قوله فيها غير ما قاله الواقدي، وأن ذلك كله كان في السنة الثانية من وقت التاريخ.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: قدم رسول الله ص المدينة في شهر ربيع الأول لاثنتى عشرة ليلة مضت منه، فأقام بها ما بقي من شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجماديين ورجب وشعبان ورمضان وشوالا وذا القعدة وذا الحجة - وولى تلك الحجة المشركون - والمحرم.
وخرج في صفر غازيًا على رأس اثنى عشر شهرًا من مقدمه المدينة، لثنتى عشرة ليلةٍ مضت من شهر ربيع الأول؛ حتى بلغ ودان؛ يريد قريشًا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة؛ ويه غزوة الأبواء، فوادعته فيها بنو ضمرة؛ وكان الذي وادعه منهم عليهم سيدهم كان في زمانه ذلك مخشى بن عمرو، رجل منهم.
قال: ثم رجع رسول الله ص إلى المدينة، ولم يلق كيدًا، فأقام بها بقية صفر وصدرًا من شهر ربيع الأول.
وبعث في مقامه ذلك عبيدة بن الحارث بن المطلب في ثمانين أو ستين راكبًا من المهاجرين؛ ليس فيهم من الأنصار أحدٌ، حتى بلغ أحياء ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فلقى بها جمعًا عظيمًا من قريش؛ فلم يكن بينهم قتال؛ إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم؛ فكان أول سهم رمي به في الإسلام.
ثم انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حاميةٌ، وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر حليف بني نوفل بن عبد مناف - وكانا مسلمين؛ ولكنهما خرجا يتوصلان بالكفار إلى المسلمين - وكان على ذلك الجمع عكرمة بن أبي جهل.
قال محمد: فكانت راية عبيدة - فيما بلغني - أول راية عقدها رسول الله ص في الإسلام لأحد من المسلمين.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وبعض العلماء يزعم أن رسول الله ص كان بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل إلى المدينة. قال: وبعث حمزة بن عبد المطلب في مقامه ذلك إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبًا من المهاجرين؛ وهي من أرض جهينة ليس فيهم من الأنصار أحدٌ، فلقى أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، فكان موادعًا للفريقين جميعًا، فانصرف القوم بعضهم عن بعض، ولم يكن بينهم قتال.
قال: وبعض القوم يقول: كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله ص لأحد من الملسمين، وذلك أن بعثه وبعث عبيدة بن الحارث كانا معًا، فشبه ذلك على الناس.
قال: والذي سمعنا من أهل العلم عندنا أن راية عبيدة بن الحارث كانت أول راية عقدت في الإسلام.
قال: ثم غزا رسول الله في شهر ربيع الآخر، يريد قريشًا، حتى إذا بلغ بواط من ناحية رضوى رجع ولم يلق كيدًا، فلبث بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأول.
ثم غزا يريد قريشًا، فسلك على نقب بني دينار بن النجار، ثم على فيفاء الخبار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر، يقال لها: ذات الساق، فصلى عندها، فثم مسجده. وصنع له عندها طعامٌ فأكل منه وأكل الناس معه، فموضع أثا في البرمة معلوم هنالك. واستقى له ماء به يقال له المشيرب. ثم ارتحل فترك الخلائق بيسار، وسلك شعبة يقال لها شعبة عبد الله - وذلك اسمها اليوم - ثم صب ليسار، حتى هبط يليل، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة؛ واستقى له من بئر بالضبوعة. ثم سلك الفرش؛ فرش ملل، حتى لقى الطريق بصخيرات اليمام. ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع، فأقام بها بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة. ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدًا.
وفي تلك الغزوة قال لعلي بن أبي طالب ما قال.
قال: فلم يقم رسول الله ص حين قدم من غزوة العشيرة بالمدينة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله ص في طلبه، حتى بلغ واديًا يقال له سفوان من ناحية بدر، وفاته كرز فلم يدركه؛ وهي غزو بدر الأولى؛ ثم رجع رسول الله ص إلى المدينة، فأقام بها بقية جمادى الآخرة ورجب وشعبان. وقد كان بعث فيما بين ذلك سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط.
وزعم الواقدي أن في هذه السنة - أعني السنة الأولى من الهجرة - جاء أبو قيس بن الأسلت رسول الله ص، فعرض عليه رسول الله ص الإسلام، فقال: ما أحسن ما تدعو إليه! أنظر في أمري، ثم أعود إليك. فلقيه عبد الله بن أبي، فقال له: كرهت والله حرب الخزرج! فقال أبو قيس: لا أسلم سنة؛ فمات في ذي القعدة.
ثم كانت السنة الثانية من الهجرة
فغزا رسول الله ص - في قول جميع أهل السير - فيها، في ربيع الأول بنفسه غزوة الأبواء - ويقال ودان - وبينهما ستة أميال هي بحذائها؛ واستخلف رسول الله ص على المدينة حين خرج إليها سعد بن عبادة بن دليم. وكان صاحب لوائه في هذه الغزاة حمزة بن عبد المطلب، وكان لواؤه - فيما ذكر - أبيض.
وقال الواقدي: كان مقامه بها خمسة عشرة ليلة، ثم قدم المدينة.
قال الواقدي: ثم غزا رسول الله ص في مائتين من أصحابه؛ حتى بلغ بواط في شهر ربيع الأول؛ يعترض لعيرات قريش، وفيها أمية بن خلف ومائة رجلٍ من قريش وألفان وخمسمائة بعير. ثم رحع ولم يلق كيدًا.
وكان يحمل لواءه سعد بن أبي وقاص، واستخلف على المدينة سعد ابن معاذ في غزوته هذه.
قال: ثم غزا في ربيع الأول في طلب كرزين بن جابر الفهري في المهاجرين، وكان قد أغار على سرح المدينة، وكان يرعى بالجماء فاستاقه، فطلبه رسول الله حتى بلغ بدرًا فلم يلحقه؛ وكان يجمل لواءه علي بن أبي طالب عليه السلام. واستخلف على المدينة زيد بن حارثة.
غزوة ذات العشيرة
قال: وفيها خرج رسول الله ص يعترض لعيرات قريش حتى أبدأت إلى الشام في المهاجرين - وهي غزوة ذات العشيرة - حتى بلغ ينبع؛ واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد؛ وكان يحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب. فحدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يزيد بن خثيم؛ عن محمد بن كعب القرظي؛ قال: حدثنا أبوك يزيد بن خثيم، عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي رفيقي مع رسول الله ص في غزوة العشيرة، فنزلنا منزلًا فرأينا رجالًا من بني مدلج يعملون في نخل لهم، فقلت: لو انطلقنا! فنظرنا إليهم كيف يعملون، فانطلقنا فنظرنا إليهم ساعةً، ثم غشينا النعاس، فعمدنا إلى صور من النخل؛ فنمنا تحته في دقعاء من التراب، فما أيقظنا رسول الله ص، أتانا وقد تتربنا في ذلك التراب؛ فحرك عليًا برجله، فقال: قم يا أبا تراب؛ ألا أخبرك بأشقى الناس؟ أحمر ثمود عاقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا - يعني قرنه - فيخضب هذ منها؛ وأخذ بلحيته.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن محمد بن خثيم المحاربي، عن محمد بن كعب القرظي، عن محمد بن خثيم - وهو أبو يزيد - عن عمار بن ياسر، قال: كنت أنا وعلي رفيقين، فذكر نحوه.
وقد قيل في ذلك غير هذا القول؛ وذلك ما حدثني به محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، قال: قيل لسهل بن سعد: إن بعض أمراء المدينة يريد أن يبعث إليك أن تسب عليًا عند المنبر، قال: أقول ماذا؟ قال: تقول: أبا تراب، قال: والله ما سماه بذلك إلا رسول الله ص، قال: قلت: وكيف ذلك يا أبا العباس؟ قال: دخل علي على فاطمة، ثم خرج من عندها، فاضطجع في فيء المسجد. قال: ثم دخل رسول الله ص على فاطمة، فقال لها: أين ابن عمك؟ فقالت: هو ذاك مضطجع في المسجد، قال: فجاءه رسول الله ص؛ فوجده قد سقط رادؤه عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره، ويقول: اجلس أبا تراب. فوالله ما سماه به إلا رسول الله ص؛ ووالله ما كان اسمٌ أحب إليه منه!.
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة في صفر، لليال بقين منه، تزوج علي بن أبي طالب عليه السلام فاطمة رضي الله عنها؛ حدثت بذلك، عن محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي جعفر.
سرية عبد الله بن حجش
قال أبو جعفر الطبري: ولما رجع رسول الله ص من طلب كرز بن جابر الفهري إلى المدينة، وذلك في جمادى الآخرة، بعث في رجب عبد الله بن جحش معه ثمانية رهط من المهاجرين؛ ليس فيهم من الأنصار أحدٌ؛ فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني الزهري ويزيد بن رومان؛ عن عروة بن الزبير، بذلك.
وأما الواقدي فإنه زعم أن رسول الله ص بعث عبد الله ابن جحش سريةً في اثني رجلًا من المهاجرين.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، عن الزهري ويزيد بن رومان، عن عروة، قال: وكتب رسول الله ص له كتابًا - يعني لعبد الله بن جحش - وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين؛ ثم ينظر فيه فيمضي له أمره به، ولا يستكره أحدًا من أصحابه، فلما سار عبد الله ابن حجش يومين، فتح الكتاب، ونظر فيه، فإذا فيه: " وإذا نظرت في كتابي هذا؛ فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف؛ فترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم ". فلما نظر عبد الله في الكتاب، قال: سمعٌ وطاعةٌ؛ ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله ص أن أمضي إلى نخلة، فأرصد بها قريشًا حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحدًا منكم؛ فمن كان منكم يريد الشهادة، ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع؛ فأما أنا فماضٍ لأمر رسول الله ص.
فمضى ومضى معه أصحابه، فلم يتخلف عنه منهم أحد، وسلك على الحجاز؛ حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران، أضل سعد بن وقاص وعتبة بن غزوان بعيرًا لهما كانا يتعقبانه، فتخلفا عليه في طلبه. ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت به عيرٌ لقريش تحمل زبيبًا وأدمًا وتجارة من تجارة قريش فيها، منهم عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة.
فلما رآهم القوم هابوهم، وقد نزلوا قريبًا منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن - وقد كان حلق رأسه - فلما رأوه أمنوا، وقالوا: عمار لا بأس عليكم منهم. وتشاور القوم فيهم؛ وذلك في آخر يوم من رجب؛ فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم؛ فليمتنعن به منكم؛ ولئن قتلتموهم في الشهر الحرام. فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم؛ ثم تشجعوا عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله فأعجزهم، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين؛ حتى قدموا على رسول الله ص بالمدينة.
قال: وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش، أن عبد الله بن جحش، قال لأصحابه: إن لرسول الله ص مما غنمتم الخمس - وذلك قبل أن يفرض الله من الغنائم الخمس - فعزل لرسول الله ص خمس الغنيمة، قسم سائرها بين أصحابه؛ فلما قدموا على رسول الله ص، قال: ما أمرتكم بقتالٍ في الشهر الحرام. فوقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئًا.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)