قال شبل: كان سبب تقصير الفرس عن عبور النهر بمنصور، أن رجلًا من الزنج كان ألقى نفسه لما رأى منصورًاقاصدًا نحو النهر يريد عبوره فسبقه سباحة، فلما وثب الفرس تلقاه الأسود، فنكص به، فغاصا مًا ثم أطلع منصور رأيه، فنزل إليه غلام من السودان من عرفاء مصلح يقال له أبرون، فاحتز رأسه، وأخذ سلبه، وقتل ممن كان معه جماعة كثيرة، وقتل مع منصور أخوه خلف بن جعفر، فولى يارجوخ ما كان إلى منصور من العمل أصغجون.
ذكر الخبر عن قتل مفلح
ولاثنتي شرة بقيت من جمادى الأولى منها، قتل مفلح بسهم أصابه بغير نصل في صدغه يوم الثلاثاء، فأصبح ميتًا يوم الأربعاء في غد ذلك اليوم، وحملت جثته إلى سامرا، فدفن بها.
ذكر الخبر عن سبب مقتله وكيف كان الوصول إليه
قد مضى ذكري شخوص أبي أحمد بن المتوكل من سامرا إلى البصرة لحرب اللين لما تناهى إليه وإلى المعتمد ما كان من فظيع ما ركب من المسلمين بالبصرة، وما قرب منها من سائر أرض الإسلام، فعاينت أنا الجيش الذي شخص فيه أبو أحمد ومفلح ببغداد، وقد اجتازوا بباب الطاق، وأنا يومئذ نازل هنالك، فسمعت جماة من مشايخ أهل بغداد يقولون: قد رأينا جيوشًا كثيرة من الخلفاء، فما رأينا مثل هذا الجيش أحسن عدة، وأكمل سلاحًا وعتادًا، وأكثر عددًا وجمعًا، وأتبع ذلك الجيش من متسوقة أهل بغداد خلق كثير.
وذكر عن محمد بن الحسن أن يحيى بن محمد البحراني كان مقيمًا بنهر معقل قبل موافاة أبي أحمد موضع الخبيث، فاستأذنه في المصير إلى نهر العباس؛ فكره ذلك، وخاف أن يوافيه جيش السلطان، وأصحابه متفرقون، فألح عليه يحيى حتى أذن له، فخرج واتبعه أكثر أهل عسكر الخبيث.
وكان علي بن أبان مقيمًا بجبى في جمع كثير من الزنج، والبصرة قد صارت مغنمًا لأهل عسكر الخبيث، فهم يغادونها ويراوحونها لنقل ما نالته أيديهم منها، فليس بعسكر الخبيث يومئذ من أصحابه إلا القليل؛ فهو على ذلك من حاله حتى وافى أبو أحمد في الجيش الذي كان معه فيه مفلح، فوافى جيش عظيم هائل لم يرد على الخبيث مثله؛ فلما انتهى إلى نهر معقل هرب من كان هناك من جيش الخبيث، فلحقوا به مرعوبين، فراغ ذلك الخبيث، فدعا برئيس من رؤساء جيشه الذي كان هناك، فسألهما عن السبب الذي له تركا موضعهما؛ فأخبراه بما عاينا من عظم أمر الجيش الوارد، وكثرة عدد أهله وإحكام عدتهم، وأن الذي عاينا من ذلك لم يكن في قوتهما الوقوف له في العدة التي كانا فيها؛ فسألهما: هل علما من يقود الجيش؟ فقالا: لا قد اجتهدنا في علم ذلك، فلم نجد من يصدقنا عنه. فوجه الخبيث طلائعه في سميريات لترف الخبر، فرجعت رسله إليه بتعظيم أمر الجيش وتفخيمه؛ ولم يقف أحدٌ منهم على من يقوده ويرأسه، فزاد ذلك في جزعه وارتياعه، فبادر بالإرسال إلى علي بن أبان، يعلمه خبر الجيش الوارد، ويأمره بالمصير إليه فيمن معه، ووافى الجيش، فأناخ بإزائه؛ فلما كان اليوم الذي كانت فيه الوقعة وهو يوم الأربعاء، خرج الخبيث ليطوف في عسكره، ماشيًا، ويتأمل الحال فيمن هو مقيم معه من حزبه ومن هو مقيم بإزائه من أهل حربه، وقد كانت السماء مطرت في ذلك اليوم مطرًا خفيفًا والأرض ثرية عنها الأقدام، فطوف ساعة من أول النهار، ثم رجع فدعا بدواة وقرطاس لينفذ كتابًا إلى علي بن أبان، يعلمه ما قد أطله من الجيش ويأمره بتقديم من قدر على تقديمه من الرجال؛ فإنه لفي ذلك إذ أتاه المكنى أبا دلف - وهو أحد قواد السودان - فقال له: إن القوم قد صعدوا وانهزم عنهم الزنج، وليس في وجوههم من يردهم حتى انتهوا إلى الجبل الرابع. فصاح به وانتهزه، وقال: اغرب عني فإنك كاذب فيما حكيت؛ وإنما ذلك جزع دخلك لكثرة ما رأيت من الجمع، فانخلع قلبك، ولست تدري ما تقول. فخرج أبو دلف من بين يديه، وأقبل على كاتبه، وقد كان أمر جعفر بن إبراهيم السجان بالنداء في الزنج وتحريكهم للخروج إلى موضع الحرب؛ فأتاه السجان، فأخبره أنه قد ندب الزنج، فخرجوا، وإن أصحابه قد ظفروا بسميريتين، فأمره بالرجوع لنحريك الرجالة، فرجع ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيرًا، حتى أصيب مفلح بسهم غرب لا يعرف الرامي به، ووقعت الهزيمة، وقوى الزنج على أهل حربهم، فنالوهم بما نالوهم به من القتل. ووافى الرءوس يومئذ حتى ملأت كل شئ، وجعل الزنج يقتسمون لحوم القتلى ويتهادونها بينهم.
وأتى الخائن بأسير من أبناء الفراغنة، فسأله عن رأس الجيش، فأعلمه بمكان أبي أحمد ومفلح، فارتاع لذكر أبي أحمد - وكان إذا راعه أمر كذب به - فقال: ليس في الجيش غير مفلح! لأني لست أسمع الذكر إلا له؛ ولو كان في الجيش من ذكر هذا الأسير لكان صوته أبعد، ولما كان مفلح إلا تابعًا له، ومضافًا إلى صحبته.
وقد كان أهل عسكر الخبيث لما خرج عليهم أصحاب أبي أحمد، جزعوا جزعًا شديدًا، وهربوا من منازلهم، ولجئوا إلى النهر المعروف بنهر أبي الخصيب ولا جسر يومئذ عليه، فغرق فيه يومئذ خلق كثير من النساء والصبيان، ولم يلبث الخبيث بعد الوقعة إلا يسيرًا، حتى وافاه علي بن أبان في جمع من أصحابه، فوافاه وقد استغنى عنه، ولم يلبث مفلح أن مات، وتحيز أبو أحمد إلى الأبلة، ليجمع ما فرقت الهزيمة منه، ويجدد الاستعداد، ثم صار إلى نهر أبي الأسد فأقام به.
قال محمد بن الحسن: فكان الخبيث لا يدري كيف قتل مفلح، فلما بلغه أنه أصيب بسهم، ولم ير أحدًا ينتحل رميه ادعى أنه كان الرامي له.
قال: فسمعته يقول: سقط بين يدي سهم، فأتاني به واح خادمي، فدفعه إلي، فرميت به فأصبت مفلحًا.
قال محمد: وكذب في ذلك، لأني كنت حاضرًا ذلك المشهد، وما زال عن فرسه حتى أتاه المخبر بخبر الهزيمة، وأتى بالرءوس وانقضت الحرب.
وفي هذه السنة وقع الوباء في الناس في كور دجلة، فهلك فيها خلق كثير في مدينة السلام وسامرا وواسط وغيرها.
وفيها قتل خرسخارس ببلاد الروم في جماعة من أصحابه.
ذكر خبر أسر يحيى بن محمد البحراني ثم قتله
وفيها أسر يحيى بن محمد البحراني صاحب قائد الزنج، وفيها قتل.
ذكر الخبر عن أسره وقتله وكيف كان
ذكر عن محمد بن سمعان الكاتب أنه قال: لما وافى يحيى بن محمد نهر العباس، لقيه بفوهة النهر ثلثمائة فارسًا من أصحاب أصغجون العامل - كان عامل الأهواز في ذلك الوقت، كانوا مرتبين في تلك الناحية - فلما بصر بهم يحيى استقلهم، ورأى كثرة من معه من الجمع مما لا خوف عليه معهم، فلقيهم أصحابه غير مستجنين بشئ يرد عنهم عاديتهم، ورشقتهم أصحاب أصغجون بالسهام، فأكثروا الجراح فيهم. فلما رأى ذلك يحيى عبر إليهم شرين ومائة فارس كانت معه، وضم إليهم من الرجال جمعًا كثيرًا، وانحاز أصحاب أصغجون عنهم، وولج البحراني ومن معه نهر العباس؛ وذلك وقت قلة الماء في النهر، وسفن القيروانات جانحة على الطين. فلما أبصر أصحاب تلك السفن بالزنج تركواسفنهم، وحازها الزنج، وغنموا ما كان فيها غنائم عظيمة جليلة، ومضوا بها متوجهين نحو البطيحة المعروفة ببطيحة الصحناة، وتركوا الطريق النهج، وذلك للتحاسد الذي كان بين البحراني وعلي بن أبان المهلبي. وإن أصحاب يحيى أشاروا عليه ألا يسلك الطريق الذي يمر فيها بعسكر علي، فأصغى إلى مشورتهم، وشرعوا له الطريق المؤدي إلى البطيحة التي ذكرنا، فسلكها حتى ولج البطيحة، وسرح الخيل التي كانت معه، وجعل معها أبا الليث الأصبهاني، وأمره بالمصير بها إلى عسكر الذي ورد عليه، وكان الخبيث وجه إلى يحيى البحراني يعلمه ورود الجيش الذي ورد عليه، ويأمره بالتحرز في منصرفه من أن يلقاه أحد منهم، فوجه البحراني الطلائع إلى دجلة فانصرفت طلائعه وجيش أبي أحمد منصرف من الأبلة إلى نهر أبي الأسد، وكان السبب في رجوع الجيش إلى نهر أبي الأسد، أن رافع بن بسطام وغيره من مجاوري نهر العباس وبطيحة الصحناة كتبوا إلى أبي أحمد يعرفونه خبر البحراني وكثرة جمعه، وأنه يقدر أن يخرج من نهر العباس إلى دجلة، فيسبق إلى نهر أبي الأسد ويعسكر به، ويمنعه الميرة، ويحول بينه وبين من يأتيه أو يصدر عنه؛ فرجعت إليه طلائه بخبره، وعظم أمر الجيش عنده، وهيبته منه؛ فرجع في الطريق الذي كان سلكه بمثقة شديدة نالته ونالت أصحابه، وأصابهم وباء من ترددهم في تلك البطيحة، فكثر المرض فيهم، فلما قربوا من نهر العباس جعل يحيى بن محمد سليمان بن جامع على مقدمته، فمضى يقود أوائل الزنج، وهم يجرون سفنهم، يريدون الخروج من نهر العباس، وفي النهر للسلطان شذوات وسميريات تحمى فوهته من قبل أصغجون، ومعها جمع من الفرسان والرجالة، فراعه وأصحابه ذلك، فخلوا سفنهم، وألقوا أنفسهم في غربي نهر العباس، وأخذوا على طريق الزيدان ماضين نحو عسكر الخبيث، ويحيى غار بما أصابهم، لم يأته علم شئ من خبرهم، وهو متوسط عسكره، قد وقف على قنطرة قورج العباس في موضع ضيق تشتد فيه جرية الماء، فهو مشرف على أصحابه الزنج، وهم في جر تلك السفن التي كانت معهم، فمنها ما يغرق، ومنها ما يسلم.
قال محمد بن سمعان: وأنا في تلك الحال معه واقف، فأقبل علي متعجبًا من شدة جرية الماء وشدة ما يلقى أصحابه من تلقيه بالسفن، فقال لي: أرأيت لو هجم لينا عدونا في هذه الحال، من كان أسوأ حالًا منا! فما انقضى كلامه حتى وافى طاشتمر التركي في الجيش الذي أنفذه إليهم أبو أحمد عند رجوعه من الأبلة إلى نهر أبي الأسد، ووقعت الضجة في عسكره.
قال محمد: فنهضت مشتوفًا للنظر، فإذا الأعلام الحمر قد أقبلت في الجانب الغربي من نهر العباس ويحيى به؛ فلما رآها الزنج ألقوا أنفسهم في الماء جملة فعبروا إلى الجانب الشرقي وعرى الموضع الذي كان فيه يحيى فلم يبق معه إلا بضعة عشر رجلًا فنهض يحيى عند ذلك، فأخذ درقته وسبفه، واحتزم بمنديل، وتلقى القوم الذين أتوه في النفر الذين معه فرشقهم أصحاب طاشتمر بالسهام، وأسرع فيهم الجراح، وجرح البحراني بأسهم ثلاثة في عضدته وساقه اليسرى، فلما رآه أصحابه جريحًا تفروا عنه، فلم يعرف فيقصد له، فرجع حتى دخل بعض تلك السفن، وعبر به إلى الجانب الشرقي من النهر؛ وذلك وقت الضحى من ذلك اليوم، وأثقلت يحيى الجراحات التي أصابته، فلما رأى الزنج ما نزل به اشتد جزهم، وضعفت قلوبهم، فتركوا القتال، وكانت همتهم النجاة بأنفسهم، وحاز السلطان الغنائم التي كانت في السفن بالجانب الغربي من النهر؛ فلما حووها أقعدوا في بعض تلك السفن النفاطين، وعبروهم إلى شرقي النهر، فأحرقوها ما كان هناك من السفن التي كانت في أيدي الزنج، وانفض الزنج عن يحيى، فجعلوا يتسللون بقية نهارهم بعد قتل فيهم ذريع، وأسر كثير؛ فلما أمسوا وأسدف الليل طاروا على وجوههم، فلما رأى يحيى تفرق أصحابه، ركب سميرية كانت لرجل من المقاتلة البيضان، وأقعد معه فيها متطببًا يقال له عباد يعرف بأبي جيش؛ وذلك لما كان به من الجراح، وطمع في التخلص إلى عسكر الخبيث، فسار حتى قرب من فوهة النهر، فبصر ملاحو السميرية بالشذا والسميريات واعتراضها في النهر، فجزعوا من المرور بهم، وأيقنوا أنهم مدركون، فعبروا إلى الجانب الغربي، فألقوه ومن معه على الأرض في زرع كان هناك، فخرج يمشي وهو مثقل؛ حتى ألقى نفسه؛ فأقام بموضعه ليلته تلك، فلما أصبح بموضعه ذلك نهض عباد المتطبب الذي كان معه، فجعل يمشي متشوقًا لأن يرى إنسانًا، فرأى بعض أصحاب السلطان، فأشار إليهم فأخبرهم بمكان يحيى، وأتاه بهم حتى سلمه إليهم. وقد زعم قوم أن قومًا مروا به، فرأوه فدلوا عليه، فأخذ. فانتهى خبره إلى الخبيث صاحب الزنج، فاشتد لذلك جزعه، وعظم عليه توجعه.
ثم حمل يحيى بن محمد الأزرق البحراني إلى أبي محمد، فحمله أبو أحمد إلى المعتمد بسامرا، فأمر ببناء دكة بالحير، بحضرة مجرى الحلبة فبنيت، ثم رفع للناس حتى أبصروه، فضرب بالسياط.
وذكر أنه دخل سامرا يوم الأربعاء لتسع خلون من رجب على جمل، وجلس المعتمد من غد ذلك اليوم - وذلك يوم الخميس - فضرب بين يديه مائتي سوط بثمارها، ثم قطعت يداه ورجلاه من خلاف، ثم خبط بالسيوف ثم ذبح ثم أحرق. قال محمد بن الحسن: لما قتل يحيى البحراني وانتهى خبره إلى صاحب الزنج، قال: عظم علي قتله، واشتد اهتمامي به، فخوطبت فقيل لي: قتله خير لك، إنه كان شرهًا. ثم أقبل على جماعة كنت أنا فيهم، قال: ومن شرهه أنا غنمنا غنيمة من بعض ما كنا نصيبه؛ فكان فيه عقدان، فوقعا في يدي يحيى، فأخفى عني خطرًا، وعرض علي أخسها، واستوهبنيه فوهبته له، فرفع لي العقد الذي أخفاه، فدعوته فقلت: أحضرني العقد الذي أخفيته، فأتاني بالعقد الذي وهبته له، وجحد أن يكون أخذه غيره، فرفع لي العقد، فجعلت أصفه وأنا أراه، فبهت، وذهب فأتاني به، واستهوهبنيه فوهبته له، وأمرته بالاستغفار.
وذكر عن محمد بن الحسن أن محمد بن سمعان حدثه أن قائد الزنج قال لي في بعض أيامه: لقد عرضت لي النبوة فأبيتها، فقلت: ولم ذاك؟ قال: لأن لها أعباء خفت ألا أطيق حملها!.
ذكر خبر انحياز أبي أحمد بن المتوكل إلى واسط
وفي هذه السنة انحاز أبو أحمد بن المتوكل من الموضع الذي كان به من قرب موضع قائد الزنج إلى واسط.
ذكر الخبر عن سبب انحيازه ذلك إليها
ذكر أن السبب في ذلك كان أن أبا أحمد لما صار إلى نهر أبي الأسد، فأقام به، كثر العلل فيمن معه من جنده وغيرهم، وفشا فيهم الموت؛ فلم يزل مقيمًا هنالك حتى أبل من نجا منهم من الموت من علته، ثم انصرف راجعًا إلى باذاورد، فعسكر به، وأمر بتجديد الآلات وإطاء من معه من الجند أرزاقهم وإصلاح الشذوات والسميريات والمعابر، وشحنها بالقواد من مواليه وغلمانه، ونهض نحو عسكر الخبيث، وأمر جماعة من قواده بقصد مواضع سماها لهم من نهر أبي الخصيب وغيره، وأمر جماعة منهم بلزومه والمحاربة معه في الموضع الذي يكون فيه، فمال أكثر القوم حين وقعت الحرب، والتقى الفريقان إلى نهر أبي الخصيب، وبقي أبو أحمد في قلة من أصحابه، فلم يزل عن موضعه إشفاقًا من أن يطمع فيه الزنج، وفيمن بإزائهم من أصحابه وهم بسبخة نهر منكي، وتأمل الزنج تفرق أصحاب أبي أحمد عنه، وعرفوا موضعه، فكثروا عليه، واستعرت الحرب، وكثر القتل والجراح بين الفريقين، وأحرق أصحاب أبي أحمد قصورًا ومنازل من منازل الزنج، واستنقذوا من النساء جمعًا كثيرًا، وصرف الزنج جمعهم إلى الموضع الذي كان به أبو أحمد فظهر الموفق على الشذا، وتوسط الحرب محرضًا أصحابه حتى أتاه من جمع الزنج ما علم أنه لا يقاوم بمثل العدة اليسيرة التي كان فيها، فرأى أن الحزم في محاجزتهم، فأمر أصحابه عند ذلك بالرجوع إلى سفنهم على تؤدة ومهل، فصار أبو أحمد إلى الشذا التي كان فيها بعد أن استقر أكثر الناس في سفنهم، وبقيت طائفة من الناس، ولجئوا إلى تلك الأدغال والمضايق، فانقطعوا عن أصحابهم، فخرج عليهم كمناء الزنج، فاقتطعوهم ووقعوا بهم، فحاموا عن أنفسهم، وقاتلوا قتالًا شديدًا، وقتلوا عددًا كثير منالزنج، وأدركتهم المنايا فقتلوا، وحملوا إلى قائد الزنج مائة رأس وعشرة أرؤس، فزاد ذلك في عتوه. ثم انصرف أبو أحمد إلى الباذاورد في الجيش، وأقام يعبي أصحابه للرجوع إلى الزنج، فوقعت نار في طرف من أطراف عسكره؛ وذلك في أيام عصوف الريح، فاحترق السكر، ورحل أبو أحمد منصرفًا، وذلك في شعبان متن هذه السنة إلى واسط، فلما صار إلى واسط تفرق عنه عامة من كان معه من أصحابه.
ولعشر خلون من شبان كانت هذه صعبة هائلة بالصيمرة. ثم سم من غد ذلك اليوم وذلك يوم الأحد، هدة هي أعظم من التي كانت في اليوم الأول، فتهدم من ذلك أكثر المدينة، وتساقطت الحيطان وهلك من أهلها - فيما قيل - زهاء عشرين ألفًا.
وضرب بباب الامة بسامرا رجل يعرف بأبي فقعس، قامت عليه البنة - فيما قيل - بشتم السلف ألف سوط وعشرين سوطًا، فمات وذلك اليوم يوم الخميس لسبع خلون من شهر رمضان.
ومات يارجوخ يوم الجمعة لثمان خلون من شهر رمضان، فصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل وحضر جعفر بن المعتمد.
وفيها كانت وقعة بي موسى بن بغا وأصحاب الحسن بن زيد، فهزم موسى أصحاب الحسن.
وفيها انصرف مسرور البلخي عن مساور الشاري إلى سامرا، ومعه أسراء من الشراة، واستخلف على عسكره بالحديثة جعلان. ثم شخص أيضًا مسرور البلخي إلى ناحية البواريخ، فلقى مساورًا بها، فكانت بينهما وقعة بها أسر مسرور من أصحابه جماعة، ثم انصرف لليال بقيت من ذي الحجة.
وفي هذه السنة حدث في الناس ببغداد داء كان أهلها يسمونه القفاع.
وفيها رجع أكثر الحاج من الرعاء خوف العطش، وسلم من سار منهم إلى مكة.
وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن.
ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك منصرف أبي أحمد بن المتوكل من واسط، وقدومه سامرا يوم الجمعة لأربع بقين من شهر ربيع الأول، واستخلافه على واسط وحرب الخبيث بتلك الناحية محمدًا المولد.
ذكر الخبر عن مقتل كنجور
ومن ذلك مقتل كنجور.
ذكر الخبر عن سبب مقتله
وكان سبب ذلك أنه كان والى الكوفة، فانصرف عنها يريد سامرا بغير إذن، فأمر بالرجوع فأبى، فحمل إليه - فيما ذكر - مال ليفرق في أصحابه أرزاقهم منه، فلم يقنع بذلك، ومضى حتى ورد عكبراء في ربيع الأول، فتوجه إليه من سامرا عدة من القواد، فيهم: ساتكين وتكين وعبد الرحمن ابن مفلح وموسى بن أتامش وغيرهم؛ فذبحوه ذبحًا، وحمل رأسه إلى سامرا، لليلة بقيت من شهر ربيع الأول، وأصيب معه نيف وأربعون ألف دينار، وألزم كاتب له نصراني مالًا، ثم ضرب هذا الكاتب في شهر ربيع الآخر بباب العامة ألف سوط، فمات.
وفيها غلب شركب الجمال على مرو وناحيتها وأنهبا.
وفيها انصرف يعقوب بن الليث عن بلخ، فأقام بقهستان، وولى عماله هراة وبوشنج وباذ غيس، وانصرف إلى سجستان.
وفيها فارق عبد الله السجزى يعقوب بن الليث مخالفًا له، وحاضر نيسابور، فوجه محمد بن طاهر إليه الرسل والفقهاء، فاختلفوا بينهما، ثم ولاه الطبسين وقهستان.
ذكر خبر دخول المهلبي ويحيى بن خلف سوق الأهواز
ولست خلون من رجب منها، دخل المهلبي ويحيى بن خلف النهر بطي سوق الأهواز، فقتلوا بها خلقًا كثيرًا، وقتلوا صاحب المعونة بها.
ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة وكيف كان هلاك صاحب الحرب من قبل السلطان فيها
ذكر أن قائد الزنج خفي عليه أمر الحريق الذي كان في عسكر أبي أحمد بالباذاورد، فلم يعلم خبره إلا بعد ثلاثة أيام ورد به عليه رجلان من أهل عبادان فأخبره، فعاد للعيث، وانقطعت عنه الميرة، فأنهض على ابن أبان المهلبي، وضم إليه أكثر الجيش، وسار معه سليمان بن جامع، وقد ضم إليه الجيش الذي كان مع يحيى بن محمد البحراني وسليمان بن موسى الشعراني، وقد ضمت إليه الخيل وسائر الناس مع علي بن أبان المهلبي والمتولي للأهواز يومئذ رجل يقال له أصغجون، ومعه نيزك في جماعة من القواد، فسار إليهم علي بن أبان في جمعه من الزنج، ونذر به أصغجون، فنهض نحوه في أصحابه، فالتقى العسكران بصحراء تعرف بدرسماران، فكانت الدبرة يومئذ على أصغجون، فقتل يزك في جمع كثير من أصحابه، وغرق أصغجون، وأسر الحسن بن هرثمة المعروف بالشار يومئذ، والحسن بن جعفر المعروف براوشار.
قال محمد بن الحسن: فحدثني الحسن بن الشار، قال: خرجنا يومئذ من أصغجون للقاء الزنج؛ فلم يلبث أصحابنا، وانهزموا، وقتل نيزك، وفقد أصغجون، فلما رأيت ذلك نزلت عن فرس محذوف، كان تحتي، وقدرت أن أتناول بذنب جنيبة كانت معي، وأقمحها النهر، فأنجو بها. فسبقني إلى ذلك غلامي، فنجا وتركني، فأتيت موسى بن جعفر لأتخلص معه، فركب سفينة، ومضى فيها، ولم يقم علي، وبصرت بزورق فأتيته فركبته، فكثر الناس علي وجعلوا يطلبون الركوب معي فيتعلقون بالزورق حتى غروقوه، فانقلب، وعلوت ظهره، وذهب الناس عني، وأدركني الزنج، فجعلوا يرمونني بالنشاب، فلما خفت التلف قلت: أمسكوا عن رميي، وألقوا إلي شيئًا أتعلق به، وأصير إليكم، فمدوا إلي رمحًا، فتناولته بيدي وصرت إليهم.
وأما الحسن بن جعفر، فإن أخاه حمله لى فرس، وأعده ليسفر بينه بين أمير الجيش، فلما وقعت الهزيمة بادر في طلب النجاة، فعثر به فرسه فأخذ.
فكتب لي بن أبان إلى الخبيث بأمر الوقعة، وحمل إليه رءوسًا وأعلامًا كثيرة، ووجه الحسن بن الشار والحسن بن جعفر وأحمد بن روح، فأمر بالأسرى إلى السجن، ودخل علي بن أبان الأهواز، فأقام يعيث بها إلى أن ندب السلطان موسى بن بغا لحرب الخبيث.
شخوص موسى بن بغا لحرب صاحب الزنج
وفيها شخص موسى بن بغا عن سامرا لحره، وذلك لثلاث عشر بقيت من ذي القعدة، وشيعه المعتمد إلى خلف الحائطين، وخلع عليه هناك.
وفيها وافى عبد الرحمن بن مفلح الأهواز وإسحاق بن كنداج البصرة وإبراهيم بن سيما باذورد لحرب قائد الزنج من قبل موسى بن بغا.
ذكر الخبر عما كان من أمر هؤلاء في النواحي التي ضمت إليهم مع أصحاب قائد الزنج في هذه السنة
ذكر أن ابن مفلح لما وافى الأهواز، أقام بقنطرة أربك عشرة أيام، ثم مضى إلى المهلبي، فواقعه، فهزمه المهلبي وانصرف، واستعد ثم عاد لمحاربته، فأوقع به وقعة غليظة، وقتل من الزنج قتلًا ذريعًا، وأسر أسرى كثيرة، وانهزم علي بن أبان، وأفلت ومن معه من الزنج، حتى وافوا بيانًا، فأراد الخبيث ردهم، فلم يرجعوا للذعر الذي خالط قلوبهم. فلما رأى ذلك أذن لهم في دخول عسكره، فدخلوا جميعًا، فأقاموا بمدينته. ووافى عبد الرحمن حصن المهدي ليعسكر به، فوجه إليه الخبيث علي بن أبان، فواقعه فلم يقدر عليه، ومضى علي يريد الموضع المعروف بالدكر، وإبراهيم بن سيما يومئذ بالباذاورد، فواقعه إبراهيم، فهزم علي بن أبان، وعاوده فهزمه أيضًا إبراهيم، فمضى في الليل، وأخذ معه أدلاء؛ فسلكوا به الآجام والأدغال؛ حتى وافى نهر يحيى، وانتهى خبره إلى عبد الرحمن، فوجه إليه طاشتمر في جمع من الموالي، فلم يصل إلى علي ومن منه لوعورة الموضع الذي كانوا فيه، وامتناعه بالقصب والحلافي، فأضرمه عليهم نارًا، فخرجوه منه هاربين، فأسر منهم أسرى، وانصرف إلى عبد الرحمن بن مفلح بالأسرى والظفر، ومضى علي ابن أبان حتى وافى نسوخًا، فأام هناك فيمن معه من أصحابه، وانتهى الخبر بذلك إلى عبد الرحمن بن مفلح، فصرف وجهه نحو العمود، فوافاه وأقام به.
وصار علي بن أبان إلى نهر السدرة، وكتب إلى الخبيث يستمده ويسأله التوجيه إليه بالشذاءات، فوجه إليه ثث عشرة شذاة، فيها جمع كثير من أصحابه، فسار علي ومعه الشذا حتى وافى عبد الرحمن، وخرج إليه عبد الرحمن بمن معه، فلم يكن بينهما قتال، وتواف الجيشان يومهما ذلك؛ فلما كان الليل، انتخب علي بن أبان من أصحابه جماعة يثق بجلدهم وصبرهم، ومضى فيهم ومعه سليمان بن موسى المعروف بالشعراني، وترك سائر عسكره مكانه ليخفى أمره، فصار من وراء عبد الرحمن، ثم بيته في عسكره، فنال منه ومن أصحابه نيلًا، وانحاز عبد الرحمن عنه، وخلى عن أربع شذوات من شذواته فأخذها لي وانصرف، ومضى عبد الرحمن لوجهه حتى وافى الدولاب فأام به، وأعد رجالًا من رجاله، وولى عليهم طاشتمر، وأنفذهم إلى علي ابن أبن. فوافوه بنواحي بياب آزور، فأوقعوا به وقعة، انهزم منها إلى نهر السدرة، وكتب طاشتمر إلى عبد الرحمن بانهزام علي عنه، فأقبل عبد الرحمن بجيشه حتى وافى العمود، فأقام به، واستعد أصحابه للحرب، وهيأ شذواته، وولى عليها طاشتمر، فسار إلى فوهة نهر السدرة، فواقع علي بن أبان وقعة عظيمة، انهزم منها علي، وأخذ منه عشرات شذوات، ورجع علي إلى الخبيث مفلولًا مهزومًا، وسار عبد الرحمن من فوره، فعسكر ببيان، فكان عبد الرحمن ابن مفلح وإبراهيم بن سيما يتناوبان المصير إلى عسكر الخبيث، فيوقعان به، ويخيفان من فيه، وإسحاق بن كنداج يومئذ مقيم بالبصرة، قد قطع الميرة عن عسكر الخبيث؛ فكان الخبيث يجمع أصحابه في اليوم الذي يخاف فيه موافاة عبد الرحمن بن مفلح وإبراهيم بن سيما حتى ينقضى الحرب، ثم يصرف فريقًا منهم إلى ناحية البصرة، فيواقع بهم إسحاق بن كنداج، فأقاموا في ذلك بضعة عشر شهرًا إلى أن صرف موسى بن بغا عن حرب الخبيث، ووليها البلخي، وانتهى الخبر بذلك إلى الخبيث.
وفيها غلب الحسن بن زيد لى قومس، ودخلها أصحابه.
وفيها كانت وقعة بين محمد بن الفضل بن سنان القزويني ووهسوذان بن جستان الديلمي، فهزم محمد بن الفضل وهسوذان.
وفيها ولي موسى بن بغا الصلابي الري حين وثب كيغلغ على تكين، فقتله فسار إليها.
وفيها غلب صاحب الروم على سميساط، ثم نزل على ملطية، وحاصر أهلها، فحاربه أهل ملطية فهزموه، وقتل أحمد بن محمد القابوس نصرًا الإقريطشي بطريق البطارقة.
وفيها وجه من الأهواز جماعة من الزنج أسروا إلى سامرا، فوثبت العامة بهم سامرا، فقتلوا أكثرهم وسلبوهم.
ذكر الخبر عن دخول يعقوب بن الليث نيسابور
وفيها دخل يعقوب بن الليث نيسابور.
ذكر الخبر عن الكائن الذي كان منه هناك
ذكر أن يعقوب بن الليث صار إلى هراة، ثم قصد نيسابور، فلما قرب منها وأراد دخولها، وجه محمد بن طاهر يشتأذنه في تلقيه، فلم يأذن له، فبعث بعمومته وأهل بيته، فتلقوه، ثم دخل نيسابور لأربع خلون من شوال بالعشى، فنزل طرفًا من أطرافها يعرف بداودباذ، فركل إليه محمد بن طاهر، فدخل عليه في مضربه، فساءله، ثم أقبل على تأنيبه وتوبيخه على تفريطه في عمله، ثم انصرف وأمر عزير بن السري بالتوكيل به، وصرف محمد بن طاهر وولي عزيزًا نيسابور، ثم حبس محمد بن طاهر وأهل بيته. وورد الخبر بذلك على السلطان، فوجه إليه حاتم بن زيرك بن سلام، ووردت كتب يقوب على السلطان لعشر بقين من ذي القعدة، فقعد - فيما ذكر - جعفر بن المعتمد وأبو أحمد بن المتوكل في إيوان الجوسق، وحضر القواد، وأذن لرسل يعقوب. فذكر رسله ما تناهى إلى يعقوب من حال أهل خراسان، وأن الشراة والمخالفين قد غلبوا عليها، وضعف محمد بن طاهر، وذكوا مكاتبة أهل خراسان يعقوب ومسألتهم إياه قدومه عليهم واستانتهم، وأنه صار إليها، فلما كان على عشرة فراسخ من نيسابور، سار إليه أهلها، فدفعوها إليه فدخلها. فتكلم أبو أحمد وعبيد الله بن يحيى، وقالا للرسل: إن أمير المؤمنين لا يقار يعقوب على ما فعل، وأنه يأمره بالانصراف إلى العمل الذي ولاه إياه، وأنه لم يكن له أن يفعل ذلك بغير أمره فليرجع، فإنه إن فعل كان من الأولياء، وإلا لم يكن له إلا ما للمخالفين. وصرف إليه رسله بذلك ووصلوا، وخلع على كل واحد منهم خلعة فيها ثلاثة أثواب؛ وكانوا أحضروا رأسًا على قناة فيه رقعة فيها: هذا رأس عدو الله عبد الرحمن الخارجي بهراة، ينتحل الخلافة منذ ثلاثين سنة، قتله يعقوب بن الليث.
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس المعروف ببريه.
ثم دخلت سنة ستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمما كان فيها من ذلك قتل رجل من أكراد مساور الشاري محمد بن هارون بن المعمر، وجده في زورق يريد سامرا، فقتله وحمل رأسه إلى مساور، فطلبت ربيعة بدمه في جمادى الآخرة، فندب مسرور البلخي وجماعة من القواد إلى أخذ الطريق على مساور.
وفيها قتل قائد الزنج علي بن زيد العلوي صاحب الكوفة.
خبر الوقعة بين يعقوب بن الليث والحسن بن زيد الطائي
وفيها واقع يعقوب بن الليث الحسن بن زيد الطالبي، فهزمه ودخل طبرستان.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وعن سبب مصير يعقوب إلى طبرستان
أخبرني جماعة من أهل الخبرة بيعقوب أن عبد الله السجزي كان يتنافس الرياسة بسجستان، فقهره يعقوب، فتخلص منه عبد الله، فلحق بمحمد بن طاهر بنيسابور، فلما صار يعقوب إلى نيسابور وهرب عبد الله، فلحق بالحسن بن زيد، فشخص يعقوب في أثره بعد ما كان من أمره وأمر محمد بن طاهر ما قد ذكرت قبل، فمر في طريق إلى طبرستان بأسفرائيم وواحيها، وبها رجل كنت أعرفه يطلب الحديث، يقال له بديل الكشي، يظهر التطوع والأمر المعروف، وقد استجاب له عامة أهل تلك الناحية، فلما نزلها يعقوب راسله، وأخبره أنه مثله في التطوع وأنه معه، فلم يزل يرفق به حتى صار إليه بديل، فلما تمكن منه قيده، ومضى به معه إلى طبرستان، فلما صار إلى قرب سارية لقيه الحسن بن زيد.
فقيل لي: إن يعقوب بعث إلى الحسن بن زيد يسأله أن يبعث إليه بعبد الله السجزي حتى ينصرف عنه؛ فإنما قصد طبرستان من أجله لا لحربه، فأبى الحسن بن زيد تسليمه إليه، فآذنه يعقوب بالحرب، فالتقى عسكرهما، فلم تكن إلا كلا ولا، حتى هزم الحسن بن زيد، ومضى نحو الشرز وأرض الديلم، ودخل يعقوب سارية، ثم تقدم منها إلى آمل، فجبى أهلها خراج سنة، ثم شخص من آمل نحو الشرز في طلب الحسن بن زيد حتى صار إلى بعض جبال طبرستان، فأدركته فيه الأمطار، وتتابعت عليه - فيما ذكر لي - نحوًا من أربعين يومًا، فلم يتخلص من موضعه ذلك إلا بمشقة شديدة. وكان - فيما قيل لي - قد صعد جبلًا، لما رام النزول عنه لم يمكنه ذلك إلا محمولًا على ظهور الرجال، وهلك عامة ما كان معه من الظهر.
ثم رام الدخول خلف الحسن بن زيد إلى الشرز، فحدثني بعض أهل تلك الناحية أنه انتهى إلى الطريق الذي أراد سلوكه إليه، فوقف عليه، وأمر أصحابه بالوقوف، ثم تقدم أمامهم يتأمل الطريق، ثم رجع إلى أصحابه، فأمرهم بالانصراف، وقال لهم: إن لم يكن إليه طريق غير هذا فلا طريق إليه.
فأخبرني الذي ذكر لي ذلك، أن نساء أهل تلك الناحية قلن لرجالهن: دعوه يدخل هذا الطريق؛ فإنه إن دخل كفينا كم أمره، وعلينا أخذه وأسره لكم. فلما انصرف راجعًا، وشخص عن حدود طبرستان، عرض رجاله، ففقد منهم - فيما قيل لي - أربعين ألفًا، وانصرف عنها، وقد ذهب عظم ما كان معه من الخيل والإبل والأثقال.
وذكر أنه كتب إلى السلطان كتابًا يذكر فيه مسيره إلى الحسن بن زيد، وأنه سار من جرجان إلى طميس. فافتتحها. ثم سار إلى سارية، وقد أخرب الحسن بن زيد القناطر، ورفع المعابر، وعور الطريق، وعسكر الحسن بن زيد على باب سارية متحصنًا بأودية عظام، ود مالأه خرشاد بن جيلاو، صاحب الديلم، فزحف باقتدار فيم جمع إليه من الطبرية والديالمة والخراسانية والقمية والجبلية والشأمية والجزرية، فهزمته وقتلت عدة لم يبلغها بعهدي عدة، وأسرت سبعين من الطالبيين؛ وذلك في رجب، وسار الحسن بن زيد إلى الشرز ومعه الديلم.
وفي هذه السنة اشتد الغلاء في عامة بلاد الإسلام، فانجلى - فيما ذكر - عن مكة من شدة الغلاء من كان بها مجاورًا إلى المدينة وغيرها من البلدان، ورحل عنها العامل الذي كان بها مقيمًا وهو بريه، وارتفع السعر ببغداد، فبلغ الكر الشعير عشرين ومائة دينار، والحنطة خمسين ومائة، ودام ذلك شهورًا.
وفيها قتلت الأعراب منجور والي حمص، فاستعمل عليها بكتمر.
وفيها صار يعقوب بن الليث حين انصرف عن طبرستان إلى ناحية الري، وكان السبب في مصيره إليها - فيما ذكر لي - مصير عبد الله السجزي إلى الصلابي مستجيرًا به من يعقوب، لما هزم يعقوب الحسن بن زيد، فلما صار يعقوب إلى خوار الري كتب إلى الصلابي يخيره بين تسليم عبد الله السجزي إليه حتى ينصرف عنه، ويرتحل عن عمله، وبين أن يأذن بحربه. فاختار الصلابي - فيما قيل لي - تسليم عبد الله، فسلمه إليه، فقتله يعقوب، وانصرف عن عمل الصلابي.
ذكر خبر مقتل العلاء بن أحمد الأزدي
وفيها قتل العلاء بن أحمد الأزدي.
ذكر الخبر عن سبب مقتله
ذكر أن العلاء بن أحمد فلج وتعطل، فكتب السلطان إلى أبي الرديني عمر بن علي بن مر بولاية أذربيجان، وكانت قبل إلى العلاء، فصار أبو الرديني إليها ليتسلمها من العلاء، فخرج العلاء في قبة في شهر رمضان لحرب أبي الرديني، ومع أبي الرديني جماعة من الشراة وغيرهم، فقتل العلاء.
فذكر أنه وجه عدة من الرجال في حمل ما خلف العلاء، فحمل من قلعته ما بلغت قيمته ألفي وسبعمائة ألف درهم.
وفيها أخذت الروم لؤلؤة من المسلمين.
وحج بالناس فيها إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي المعروف ببريه.
ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من انصراف الحسن بن زيد من أرض الديلم إلى طبرستان وإحراقه شالوس لما كان من ممالأتهم يعقوب وإقطاعه ضياعهم الديالمة.
ومن ذلك ما كان من أمر السلطان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بجمع من كان ببغداد من حاج خراسان والري وطبرستان وجرجان، فجمعهم في صفر منها، ثم قرئ عليهم كتاب يعلمون فيه أن السلطان لم يول يعقوب بن الليث خراسان، ويأمرهم بالبراءة منه لإنكاره دخوله خراسان وأسره محمد بن طاهر.
وفي هذه السنة توفي عبد الله بن الواثق في عسكر الصفار يعقوب.
وفيها قتل مساور الشاري يحيى بن حفص الذي كان يلي خراسان بكرخ جدان في جمادى الآخرة، فشخص مسرور البلخي في طلبه، ثم تبعه أبو أحمد بن المتوكل، وتنحى مساور فلم يلحق. وفي جمادى الأولى منها هلك أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري.
ذكر خبر وقعة كانت برامهرمز في هذا العام
وفيها كانت بين محمد بن واصل وعبد الله بن مفلح وطاشتمر وقعة برامهرمز، فقتل ابن واصل طاشتمر، وأسر ابن مفلح.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة والسبب فيها
كان السبب في ذلك - فيما ذكر لي - أن ابن واصل قتل الحارث بن سيما وهو عامل السلطان بفارس وتغلب عليها، فضمت إلى موسى بن بغا فارس والأهواز والبصرة والبحرين واليمامة؛ مع ما كان إليه من عمل المشرق؛ فوجه موسى بن بغا عبد الرحمن بن مفلح إلى الأهواز، وولاه إياها وفارس، وضم إليه طاشتمر، فاتصل بابن واصل ذلك من فعل موسى، وأن ابن مفلح قد توجه إلى فارس يريده، وكان قبل مقيمًا بالأهواز على حرب الخارجي بناحية البصرة. فزحف إليه ابن واصل، فالتقيا برامهرمز، وانضم أبو داود الصعلوك إلى ابن واصل معينًا له على ابن مفلح، فظفر ابن واصل بابن مفلح، فأسره وقتل طاشتمر، واصطلم عسكر ابن مفلح، ثم لم يزل ابن مفلح في يده حتى قتله، وقد كان السلطان وجه إسماعيل بن إسحاق إلى ابن واصل في إطلاق ابن مفلح، فلم يجبه إلى ذلك ابن واصل. ولما فرغ ابن واصل من ابن مفلح أقبل مظهرًا أنه يريد واسطًا لحرب موسى بن بغا حتى انتهى إلى الأهواز، وبها إبراهيم بن سيما في جمع كثير. فلما رأى موسى بن بغا شدة الأمر وكثرة المتغلبين على نواحي المشرق، وأنه لا قوام له بهم، سأل أن يعفى من أعمال المشرق، فأعفي منها، وضم ذلك إلى ابن أبي أحمد، ووليه أبو أحمد بن المتوكل، فانصرف موسى بن بغا من واسط إلى باب السلطان مع عماله عن أعمال المشرق.
وفيها ولي أبو الساج الأهواز وحرب قائد الزنج، فصار إليها أبو الساج بعد شخوص عبد الرحمن بن مفلح إلى ناحية فارس.
وفيها كانت بين عبد الرحمن صهر أبي الساج وعلي بن أبان المهلبي وقعة بناحية الدولاب، قتل فيها عبد الرحمن، وانحاز أبو الساج إلى عسكر مكرم، ودخل الزنج الأهواز، فقتلوا أهلها، وسبوا وانتهبوا، وأحرقوا دورها. ثم صرف أبو الساج عما كان إليه من عمل الأهواز وحرب الزنج، وولي ذلك إبراهيم بن سيما، فلم يزل مقيمًا في عمله ذلك حتى انصرف عنه بانصراف موسى بن بغا، عما كان إليه من عمل المشرق.
وفيها ولي محمد بن أوس البلخي طريق خراسان.
ولما ضم عمل المشرق إلى أبي أحمد ولي مسرورًا البلخي الأهواز والبصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين في شعبان من هذه السنة، وحرب قائد الزنج.
وفيها ولي نصر بن أحمد بن أسد الساماني ما وراء نهر بلخ، وذلك في شهر رمضان منها، وكتب إليه بولايته ذلك.
وفي شوال منها زحف يعقوب بن الليث إلى فارس، وابن واصل مقيم بالأهواز، فانصرف منها إلى فارس، فالتقى هو ويعقوب بن الليث في ذي القعدة، فهزمه يعقوب وفل عسكره، وبعث إلى خرمة إلى قلعة ابن واصل، فأخذ ما كان فيها، فذكر أنه بلغت قيمة ما أخذ يعقوب منها أربعيمن ألف ألف درهم، وأسر مرداسًا خال ابن واصل.
وفيها أوقع أصحاب يعقوب بن الليث بأهل زم موسى بن مهران الكردي، لما كان من ممالأتهم محمد بن واصل، فقتلوهم، وانهزم موسى بن مهران.
وفيها لاثنتي عشرة مضت من شوال منها، جلس المعتمد في دار العامة، فولي ابنه جعفرًا العهد، وسماه المفوض إلى الله، وولاه المغرب، وضم إليه موسى بن بغا، وولاه إفريقية ومصر والشأم والجزيرة والموصل وإرمينية وطريق خراسان ومهرجا نقذق وحلوان، وولي أخاه أبا أحمد العهد بعد جعفر، وولاه المشرق، وضم إليه مسرورًا البلخي، وولاه بغداد والسواد والكوفة وطريق مكة والمدينة واليمن وكسكر وكور دجلة والأهواز وفارس وأصبهان وقم والكرج والدينور والري وزنجان وقزوين وخراسان وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان والسند، وعقد لكل واحد منهما لواءين: أسود وأبيض، وشرط إن حدث به حدث الموت وجعفر لم يكمل للأمر، أن يكون الأمر لأبي أحمد ثم لجعفر. وأخذت البيعة على الناس بذلك، وفرقت نسخ الكتاب، وبعث بنسخة مع الحسن بن محمد بن أبي الشوارب ليعلقها في الكعبة، فعقد جعفر المفوض لموسى بن بغا على المغرب في شوال وبعث إليه بالعقد مع محمد المولد.
وفيها فارق محمد بن زيدويه يعقوب بن الليث، فاعتزل عسكره في آلاف من أصحابه، فصار إلى أبي الساج فقبله، وأقام معه بالأهواز، وبعث إليه من سامرا بخلعة، ثم سأل ابن زيدويه السلطان توجيه الحسين بن طاهر بن عبد الله معه إلى خراسان.
وسار مسرور البلخي مقدمة لأبي أحمد من سامرا، لسبع خلون من ذي الحجة، وخلع عليه وعلى أربعة وثلاثين من قواده - فيما ذكر - وشيعه وليا العهد، واتبعه الموفق شاخصًا من سامرا لتسع بقين من ذي الحجة.
وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
ومات الحسن بن محمد بن أبي الشوارب فيها بمكة بعدما حج.
ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ذكر خبر دخول يعقوب بن الليث رامهرمز
فمما كان فيها من ذلك موافاة يعقوب بن الليث رامهرمز في المحرم وتوجيه السلطان إليه إسماعيل بن إسحاق وبغراج، وإخراج السلطان من كان محبوسًا من أسباب يعقوب بن الليث من السجن؛ لأنه لما كان من أمره ما كان في أمر محمد بن طاهر، حبس السلطان غلامه وصيفًا ومن كان قبله من أسبابه، فأطلق عنهم بعدما وافى يعقوب رامهرمز؛ وذلك لخمس خلون من شهر ربيع الأول. ثم قدم إسماعيل بن إسحاق من عند يعقوب، وخرج إلى سامرا برسالة من عنده، فجلس أبو أحمد ببغداد، ودعا بجمعة من التجار، وأعلمهم أن أمير المؤمنين أمر بتولية يعقوب بن الليث خراسان وطبرستان وجرجان والري وفارس والشرطة بمدينة السلام؛ وذلك بمحضر من درهم بن نصر صاحب يعقوب وكان المعتمد قد صرف درهمًا هذا من سامرا إلى يعقوب بجواب ما كان يعقوب أرسله، يسأله لنفسه، فأرسل معه إليه عمر بن سيما ومحمد بن تركشه، ووافى فيها رسل ابن زيدويه بغداد في شهر ربيع الأول منها برسالة من عنده، فخلع عليه أبو أحمد، ثم انصرف في هذه السنة الذين توجهوا إلى يعقوب بن الليث إلى السلطان، فأعلموه أنه يقول: إنه لا يرضيه ما كتب إليه دون أن يصير إلى باب السلطان، وارتحل يعقوب من عسكر مكرم، فصار أبو الساج إليه، فقبله وأكرمه ووصله.
ولما رجعت الرسل بما كان من جواب يعقوب عسكر المعتمد يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة بالقائم بسامرا، واستخلف على سامرا ابنه جعفرًا، وضم إليه محمدًا المولد، ثم سار منها يوم الثلاثاء لست خلون من جمادى الآخرة، ووافى بغداد يوم الأربعاء لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة، فاشتقها حتى جازها، وصار إلى الزعفرانية فنزلها، وقدم أخاه أبا أحمد من الزعفرانية. فسار يعقوب بجيشه من عسكر مكرم؛ حتى صار من واسط على فرسخ، فصادف هنالك بثقًا قد بثقه مسرور البلخي من دجلة لئلا يقدر على جوازه، فأقام عليه حتى سده وعبره؛ وذلك لست بقين من جمادى الآخرة، وصار إلى باذبين، ثم وافى محمد بن كثير من قبل يعقوب عسكر مسرور البلخي، فصار بإزائه، فصار مسرور بعسكره إلى النعمانية، ووافى يعقوب واسطًا، فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)