صفحة 21 من 27 الأولىالأولى ... 111920212223 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 84 من 108

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)


  1. #81
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر سبب توليته إياه
    حدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثنا مسلمة بن محارب بن سلم بن زياد، قال: وفد سلم بن زياد على يزيد بن معاوية وهو ابن أربع وعشرين سنة، فقال له يزيد: يا أبا حرب، أوليك عمل أخويك: عبد الرحمن وعباد؟ فقال: ما أحب أمير المؤمنين؛ فولاه خراسان وسجستان، فوجه سلم الحارث بن معاوية الحارثي جد عيسى بن شبيب من الشأم إلى خراسان، وقدم سلم البصرة، فتجهز وسار إلى خراسان، فأخذ الحارث بن قيس بن الهيثم السلمي فحبسه، وضرب ابنه شبيبًا، وأقامه في سراويل، ووجه أخاه يزيد بن زياد إلى سجستان. فكتب عبيد الله بن زياد إلى عباد أخيه - وكان له صديقًا - يخبره بولاية سلم، فقسم عباد ما في بيت المال في عبيده، وفضل فضلٌ فنادى مناديه: من أراد سلفًا فليأخذ، فأسلف كل من أتاه، وخرج عباد عن سجستان. فلما كان بجيرفت بلغه مكان سلم - وكان بينهما جبل - فعدل عنه، فذهب لعباد تلك الليلة ألف مملوك، أقل ما مع أحدهم عشرة آلاف. قال: فأخذ عباد على فارس، ثم قدم على يزيد، فقال له يزيد: أين المال؟ قال كنت صاحب ثغر، فقسمت ما أصبت بين الناس. قال: ولما شخص سلم إلى خراسان شخص معه عمران بن الفصيل البرجمي، وعبد الله بن خازم السلمي، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، والمهلب بن أبي صفرة، وحنظلة بن عرادة، وأبو حزابة الوليد بن نهيك أحد بني ربيعة بن حنظلة، ويحيى بن يعمر العدواني حليف هذيل، وخلق كثير من فرسان البصرة وأشرافهم، فقدم سلم بن زياد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد بنخبة ألفي رجل ينتخبهم - وقال غيره: بل نخبة ستة آلاف - قال: فكان سلم ينتخب الوجوه والفرسان. ورغب قوم في الجهاد فطلبوا إليه أن يخرجهم، فكان أول من أخرجه سلم حنظلة بن عرادة، فقال له عبيد الله بن زياد: دعه لي؛ قال: هو بيني وبينك، فإن اختارك فهو لك، وإن اختارني فهو لي، قال: فاختار سلمًا؛ وكان الناس يكلمن سلمًا ويطلبون إليه أن يكتبهم معه، وكان صلة بن أشيم العدوي يأتي الديوان فيقول له الكاتب: يا أبا الصهباء، ألا أثبت اسمك، فإنه وجهٌ فيه جهادٌ وفضل؟ فيقول له: أستخير الله وأنظر؛ فلم يزل يدافع حتى فرغ من أمر الناس، فقالت له امرأته معاذة ابنة عبد الله العدوية: ألا تكتب نفسك؟ قال: حتى أنظر، ثم صلى واستخار الله؛ قال: فرأى في منامه آتيًا أتاه، فقال له: اخرج فإنك تربح وتفلح وتنجح؛ فأتى الكاتب فقال له: أثبتني؛ قال: قد فرغنا ولن أدعك، فأثبته وابنه، فخرج سلم فصيره سلم مع يزيد بن زياد فسار إلى سجستان.
    قال: وخرج سلم وأخرج معه أم محمد ابنة عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي، وهي أول امرأة من العرب قطع بها النهر.
    قال: وذكر مسلمة بن محارب وأبو حفص الأزدي عن عثمان بن حفص الكرماني أن عمال خراسان كانوا يغزون، فإذا دخل الشتاء قفلوا من مغازيهم إلى مرو الشاهجان، فإذا انصرف المسلمون اجتمع ملوك خراسان في مدينة من مدائن خراسان مما يلي خارزم، فيتعاقدون ألا يغزو بعضهم بعضًا، ولا يهيج أحد أحدًا، ويتشاورون في أمورهم، فكان المسلمون يطلبون إلى أمرائهم في غزو تلك المدينة فيأبون عليهم، فلما قدم خراسان غزا فشتا في بعض مغازيه؛ قال: فألح عليه المهلب، وسأله أن يوجهه إلى تلك المدينة، فوجهه في ستة آلاف - ويقال أربعة آلاف - فحاصرهم، فسألهم أن يذعنوا له بالطاعة، فطلبوا إليه أن يصالحهم على أن يفدوا أنفسهم، فأجابهم إلى ذلك، فصالحوه على نيف وعشرين ألف ألف؛ قال: وكان فقي صلحهم أن يأخذ منهم عروضًا، فكان يأخذ الرأس بنصف ثمنه، والدابة بنصف ثمنها، والكيمخت بنصف ثمنه، فبلغت قيمة ما أخذ منهم خمسين ألف ألف، فحظي بها المهلب عند سلم، واصطفى سلم من ذلك ما أعجبه، وبعث به إلى يزيد مع مرزبان مرو، وأوفد في ذلك وفدًا.
    قال مسلمة وإسحاق بن أيوب: غزا سلم سمرقند بامرأته أم محمد ابنة عبد الله، فولدت لسلم ابنًا، فسماه صغدى.
    قال علي بن محمد: ذكر الحسن بن رشيد الجوزجاني، عن شيخ من خزاعة، عن أبيه، عن جده، قال: غزوت مع سلم بن زياد خوارزم، فصالحوه على مال كثير، ثم عبر إلى مسرقند فصالحه أهلها، وكانت معه امرأته أم محمد، فولدت له في غزاته تلك ابنًا، وأرسلت إلى امرأة صاحب الصغد تستعير منها حليًا، فبعثت إليها بتاجها؛ وقفلوا، فذهبت بالتاج.
    وفي هذه السنة عزل يزيد عمرو بن سعيد عن المدينة وولاها الوليد بن عتبة، حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: نزع يزيد بن معاوية عمرو بن سعيد، لهلال ذي الحجة، وأمر الوليد بن عتبة على المدينة، فحج بالناس حجتين سنة إحدى وستين وسنة اثنتين وستين.
    وكان عامل يزيد بن معاوية في هذه السنة على البصرة والكوفة عبيد الله بن زياد، وعلى المدينة في آخرها الوليد بن عتبة، وعلى خراسان وسجستان سلم بن زياد، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة، وعلى قضاء الكوفة شريح.
    وفيها أظهر ابن الزبير الخلاف على يزيد وخلعه. وفيها بويع له.
    ذكر سبب عزل يزيد عمرو بن سعيد عن المدينة وتوليته عليها الوليد بن عتبة

    وكان السبب في ذلك وسبب إظهار عبد الله بن الزبير الدعاء إلى نفسه - فيما ذكر هشام، عن أبي مخنف، عن عبد الملك بن نوفل - قال: حدثني أبي، قال: لما قتل الحسين رضي الله عنه قام ابن الزبير في أهل مكة وعظم مقتله، وعاب على أهل الكوفة خاصة، ولام أهل العراق عامة، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد : إن أهل العراق غدرٌ فجرٌ إلا قليلًا، وإن أهل الكوفة شرار أهل العراق؛ وإنهم دعوا حسينًا لينصروه ويولوه عليهم، فلما قدم عليهم ثاروا إليه، فقالوا له: إما أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سمية سلمًا فيمضي فيك حكمه، وإما أن تحارب؛ فرأى والله أنه هو وأصحابه قليل في كثير، وإن كان الله عز وجل لم يطلع على الغيب أحدًا أنه مقتول، ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة، فرحم الله حسينًا، وأخزى قاتل حسين! لعمري لقد كان من خلافهم إياه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناهٍ عنهم، ولكنه ما حم نازل، وإذا أراد الله أمرًا لن يدفع. أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدًا! لا، ولا نراهم لذلك أهلًا؛ أما والله لقد قتلوه طويلًا بالليل قيامه، كثيرًا في النهار صيامه، أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل، أما والله ما كان يبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد - يعرض بيزيد - فسوف يلقون غيًا.
    فثار إليه أصحابه فقالوا له: أيها الرجل أظهر بيعتك، فإنه لم يبق أحد إذ هلك حسين ينازعك هذا الأمر. وقد كان يبايع الناس سرًا، ويظهر أنه عائذ بالبيت، فقال لهم: لا تعجلوا - وعمرو بن سعيد بن العاص يومئذ عامل مكة، وقد كان أشد شيء عليه وعلى أصحابه، وكان مع شدته عليهم يداري ويرفق - فلما استقر عند يزيد بن معاوية ما قد جمع ابن الزبير من الجموع بمكة، أعطى الله عهدًا ليوثقنه في سلسلة، فبعث بسلسلة من فضة، فمر بها البريد على مروان بن الحكم بالمدينة، فأخبر خبر ما قدم له وبالسلسلة التي معه، فقال مروان:
    خذها فليست للعزيز بخطةٍ ** وفيها مقالٌ لامرىءٍ متضعف
    ثم مضى من عنده حتى قدم على ابن الزبير، فأتى ابن الزبير فأخبره بممر البريد على مروان، وتمثل مروان بهذا البيت، فقال ابن الزبير: لا والله لا أكون أنا ذلك المتضعف؛ ورد ذلك البريد ردًا رقيقًا.
    وعلا أمر ابن الزبير بمكة، وكاتبه أهل المدينة، وقال الناس: أما إذ هلك الحسين رضي الله عنه فليس أحدٌ ينازع ابن الزبير.
    حدثنا نوح بن حبيب القومسي، قال: حدثنا هشام بن يوسف. وحدثنا عبيد الله بن عبد الكريم، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المديني قال: حدثنا هشام بن يوسف - واللفظ لحديث عبيد الله - قال: أخبرني عبد الله بن مصعب، قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبد العزيز بن مروان، قال: لما بعث يزيد بن معاوية بن عضاه الأشعري ومسعدة وأصحابهما إلى عبد الله بن الزبير بمكة ليؤتى به في جامعة لتبر يمين يزيد، بعث معهم بجامعة من ورق وبرنس خز، فأرسلني أبي وأخي معهم وقال: إذا بلغته رسل يزيد الرسالة فتعرضا له، ثم ليتمثل أحدكما:
    فخذها فليست للعزيز بخطةٍ ** وفيها مقالٌ لامرىءٍ متذلل
    أعامر إن القوم ساموك خطةً ** وذلك في الجيران غزل بمغزل
    أراك إذا ما كنت للقوم ناصحًا ** يقال له بالدلو أدبر وأقبل
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #82
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    قال: فلما بلغته الرسل الرسالة تعرضنا، فقاللي أخي: اكفنيها، فسمعني، فقال: أي ابني مروان، قد سمعت ما قلتما، وعلمت ما ستقولانه، فأخبرا أباكما:
    إني لمن نبعةٍ صمٍّ مكاسرها ** إذا تناوحت القصباء والعشر
    فلا ألين لغير الحق أسأله ** حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
    قال: فما أدري أيهما كان أعجب! زاد عبد الله في حديثه، عن أبي علي، قال: فذاكرت بهذا الحديث مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، فقال: قد سمعته من أبي علي نحو الذي ذكرت له، ولم أحفظ إسناده.
    قال هشام، عن خالد بن سعيد، عن أبيه سعيد بن عمرو بن سعيد: إن عمرو بن سعيد لما رأى الناس قد اشرأبوا إلى ابن الزبير ومدوا إليه أعناقهم، ظن أن تلك الأمور تامةٌ له، فبعث إلى عبد الله بن عمرو بن العاص - وكانت له صحبة، وكان مع أبيه بمصر، وكان قد قرأ كتب دنيال هنالك، وكانت قريش إذ ذاك تعده عالمًا - فقال له عمرو بن سعيد: أخبرني عن هذا الرجل، أترى ما يطلب تامًا له؟ وأخبرني عن صاحبي إلى ما ترى أمره صائرًا إليه؟ فقال: لا أرى صاحبك إلا أحد الملوك الذين تتم لهم أمورهم حتى يموتوا وهم ملوك. فلم يزدد عند ذاك إلا شدةً على ابن الزبير وأصحابه، مع الرفق بهم، والمدارة لهم.
    ثم إن الوليد بن عتبة وناسًا معه من بني أمية قالوا ليزيد بن معاوية: لو شاء عمرو بن سعيد لأخذ ابن الزبير وبعث به إليك، فسرح الوليد بن عتبة على الحجاز أميرًا، وعزل عمرًا.
    وكان عزل يزيد عمرًا عن الحجاز وتأميره عليها الوليد بن عتبة في هذه السنة - أعني سنة إحدى وستين؛ قال أبو جعفر: حدثت عن محمد بن عمر قال: نزع يزيد عمرو بن سعيد بن العاص لهلال ذي الحجة سنة إحدى وستين وولي الوليد بن عتبة، فأقام الحجة سنة إحدى وستين بالناس، وأعاد ابن ربيعة العامري على قضائه.
    وحدثني أحمد بن ثابت، قال: حدثت عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: حج بالناس في سنة إحدى وستين الوليد بن عتبة، وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل السير.
    وكان الوالي في هذه السنة على الكوفة والبصرة عبيد الله بن زياد، وعلى قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة، وعلى خراسان سلم بن زياد.
    ثم دخلت سنة اثنتين وستين

    ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الأحداث

    فمن ذلك:
    مقدم وفد أهل المدينة على يزيد بن معاوية

    ذكر الخبر عن سبب مقدمهم عليه
    وكان السبب في ذلك - فيما ذكر لوط بن يحيى، عن عبد الملك بن نوفل ابن مساحق، عن عبد الله بن عروة - أن يزيد بن معاوية لما سرح الوليد ابن عتبة على الحجاز أميرً، وعزل عمرو بن سعيد، قدم الوليد المدينة فأخذ غلمانًا كثيرًا لعمرو وموالي له، فحبسهم، فكلمه فيهم عمرو، فأبى أن يخليهم، وقال له: لا تجزع يا عمرو؛ فقال أخوه أبان بن سعيد بن العاص: أعمرٌو يجزع! والله لو قبضتم على الجمر وقبض عليه ما تركه حتى تتركوه؛ وخرج عمرو سائرًا حتى نزل من المدينة على ليلتين، وكتب إلى غلمانه ومواليه وهم نحوٌ من ثلثمائة رجل: إني باعث إلى كل رجل منكم جملًا وحقيبةً وأداته، وتناخ لكم الإبل في السوق، فإذا أتاكم رسولي فاكسروا باب السجن، ثم ليقم كل رجل منكم إلى جمله فليركبه، ثم أقبلوا علي حتى تأتوني؛ فجاء رسوله حتى اشترى الإبل، ثم جهزها بما ينبغي لها، ثم أناخها في السوق، ثم أتاهم حتى أعلمهم ذلك، فكسروا باب السجن، ثم خرجوا إلى الإبل فاستووا عليها، ثم أقبلوا حتى انتهوا إلى عمرو بن سعيد فوجدوه حين قدم على يزيد بن معاوية. فلما دخل عليه رحب به وأدنى مجلسه. ثم إنه عاتبه في تقصيره في أشياء كان يأمره بها في ابن الزبير، فلا ينفذ منهها إلا ما أراد؛ فقال: يا أمير المؤمنين، الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، وإن جل أهل مكة وأهل المدينة قد كانوا مالوا إليه وهووه وأعطوه الرضا، ودعا بعضهم بعضًا سرًا وعلانية، ولم يكن معي جند أقوى بهم عليه لو ناهضته، وقد كان يحذرني ويتحرز مني، وكنت أرفق به وأداريه لأستمكر منه فأثب عليه، مع أني قد ضيقت عليه، ومنعته من أشياء كثيرة لو تركته وإياها ما كانت له إلا معونةً، وجعلت على مكة وطرقها وشعابها رجالًا لا يدعون أحدًا يدخلها حتى يكتبوا إلي باسمه واسم أبيه، ومن أي بلاد الله هو، وما جاء به وما يريد؛ فإن كان من أصحابه أو ممن أرى أنه يريده رددته صاغرًا، وإن كان ممن لا أتهم، خليت سبيله. وقد بعثت الوليد، وسيأتيك من عمله وأثره ما لعلك تعرف به فضل مبالغتي في أمرك، ومناصحتي لك إن شاء الله؛ والله يصنع لك، ويكبت عدوك يا أمير المؤمنين.
    فقال له يزيد: أنت أصدق ممن رقي هذه الأشياء عنك، وحملني بها عليك، وأنت ممن أثق به، وأرجو معونته، وأدخره لرأب الصدع، وكفاية المهم، وكشف نوازل الأمور العظام؛ فقال له عمرو: وما أرى يا أمير المؤمنين أن أحدًا أولى بالقيام بتشديد سلطانك، وتوهين عدوك، والشدة على من نابذك مني. وأقام الوليد بن عتبة يريد ابن الزبير فلا يجده إلا متحذرًا متمنعًا، وثار نجدة بن عامر الحنفي باليمامة حين قتل الحسين، وثار ابن الزبير، فكان الوليد يفيض من المعرف، وتفيض معه عامة الناس، وابن الزبير واقف وأصحابه، ونجدة واقفٌ في أصحابه، ثم يفيض ابن الزبير بأصحابه ونجدة بأصحابه، لا يفيض واحد منهم بإفاضة صاحبه. وكان نجدة يلقى ابن الزبير فيكثر حتى ظن الناس أنه سيبايعه. ثم إن ابن الزبير عمل بالمكر في أمر الوليد بن عتبة، فكتب إلى يزيد بن معاوية: إنك بعثت إلينا رجلًا أخرق، لا يتجه لأمر رشد، ولا يرعوي لعظة الحكيم، ولو بعثت إلينا رجلًا سهل الخلق، لين الكتف، رجوت أن يسهل من الأمور ما استوعر منها، وأن يجتمع ما تفرق، فانظر في ذلك، فإن فيه صلاح خواصنا وعوامنا إن شاء الله؛ والسلام.
    فبعث يزيد بن معاوية إلى الوليد فعزله وبعث عثمان بن محمد بن أبي سفيان - فيما ذكر أبو مخنف، عن عبد الملك ابن نوفل بن مساحق، عن حميد ابن حمزة؛ مولىً لبني أمية - قال: فقدم فتىً غرٌّ حدثٌ غمرٌ لم يجرب الأمور، ولم يحنكه السن، ولم تضرسه التجارب؛ وكان لا يكاد ينظر في شيء من سلطانه ولا عمله، وبعث إلى يزيد وفدًا من أهل المدينة فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، والمنذر بن الزبير، ورجالًا كثيرًا من أشراف أهل المدينة، فقدموا على يزيد بن معاوية، فأكرمهم، وأحسن إليهم، وأعظم جوائزهم. ثم انصرفوا من عنده، وقدموا المدينة كلهم إلا المنذر ابن الزبير فإنه قدم على عبيد الله بن زياد بالبصرة - وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف درهم - فلما قدم أولئك النفر الوفد المدينة قاموا فيهم فأظهروا شتم يزيد وعتبة، وقالوا: إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الخراب والفتيان، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه؛ فتابعهم الناس.
    قال لوط بن يحيى: فحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق، أن الناس أتوا عبد الله بن حنظلة الغسيل فبايعوه وولوه عليهم.
    قال لوط: وحدثني أيضًا محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف: ورجع المنذر من عند يزيد بن معاوية، فقدم على عبيد الله بن زياد البصرة، فأكرمه وأحسن ضيافته، وكان لزياد صديقًا، إذ سقط إليه كتابٌ من يزيد بن معاوية حيث بلغه أمر أصحابه بالمدينة. أن أوثق المنذر بن الزبير واحبسه عندك حتى يأتيك فيه أمري؛ فكره ذلك عبيد الله ابن زياد لأنه ضيفه، فدعاه فأخبره بالكتاب وأقرأه إياه، وقال له: إنك كنت لزياد ودًا وقد أصبحت لي ضيفًا، وقد آتيت إليك معروفًا، فأنا أحب أن أسدي ذلك كله بإحسان، فإذا اجتمع الناس عندي فقم فقل: ائذن لي فلانصرف إلى بلادي، فإذا قلت: لا بل أقم عندي فإن لك الكرامة والمواساة والأثرة، فقل: لي ضيعةٌ وشغلٌ، لا أجد من الانصراف بدًان فأذن لي، فإني آذن لك عند ذلك؛ فالحق بأهلك.
    فلما اجتمع الناس عند عبيد الله قام إليه فاستأذنه فقال: لا بل أقم عندي فإني مكرمك ومواسيك ومؤثرك؛ فقال له: إن لي ضيعةً وشغلًا، ولا أجد من الانصراف بدًا فأذن لي؛ فأذن له. فانطلق حتى لحق بالحجاز؛ فأتى أهل المدينة، فكان فيمن يحرض الناس على يزيد، وكان من قوله يومئذ: إن يزيد والله لقد أجازني بمائة ألف درهم، وإنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره، وأصدقكم عنه، والله إنه ليشرب الخمر، وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة؛ وعابه بمثل ما عابه به أصحابه الذين كانوا معه وأشد، فكان سعيد بن عمرو يحدث بالكوفة أن يزيد بن معاوية بلغه قوله فيه فقال: اللهم إني آثرته وأكرمته، ففعل ما قد رأيت، فاذكره بالكذب والقطيعة.
    قال أبو مخنف: فحدثني سعيد بن زيد أبو المثلم أن يزيد بن معاوية بعث النعمان بن بشير الأنصاري فقال له: ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون، فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترىء الناس على خلافي، وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك.
    فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه، ودعا الناس إليه عامة، وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة، وخوفهم الفتنة، وقال لهم: إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم؛ فقال عبد الله بن مطيع العدوي: ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا، وفساد ما أصلح الله من أمرنا! فقال النعمان: أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها، وقامت الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف، ودارت رحا الموت بين الفريقين قد هربت على بغلتك تضرب جبينها إلى مكة، وقد خلفت هؤلاء المساكين - يعني الأنصار - يقتلون في سككهم ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم! فعصاه الناس، فانصرف. وكان والله كما قال.
    وحج بالناس في هذه السنة الوليد بن عتبة. وكانت العمال في هذه السنة على العراق وخراسان العمال الذينن ذكرت في سنة إحدى وستين.
    وفي هذه السنة ولد - فيما ذكر - محمد بن عبد الله بن العباس.


  • #83
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم دخلت سنة ثلاث وستين

    ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها

    فمن ذلك ما كان من إخراج أهل المدينة عامل يزيد بن معاوية عثمان بن محمد بن أبي سفيان من المدينة، وإظهارهم خلع يزيد بن معاوية، وحصارهم من كان بها من بني أمية؛ ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن حبيب بن كرة، أن أهل المدينة لما بايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على خلع يزيد بن معاوية، وثبوا على عثمان ابن محمد بن أبي سفيان ومن بالمدينة من بني أمية ومواليهم ومن رأى رأيهم من قريش، فكانوا نحوًا من ألف رجل، فخرجوا بجماعتهم حتى نزلوا دار مروان بن الحكم، فحاصرهم الناس فيها حصارًا ضعيفًا. قال: فدعت بنو أمية حبيب بن كرة، وكان الذي بعث إليه منهم مروان بن الحكم وعمرو ابن عثمان بن عفان، وكان مروان هو يدبر أمرهم. فأما عثمان بن محمد بن أبي سفيان فإنما كان غلامًا حدثًا لم يكن له رأي. قال عبد الملك بن نوفل: فحدثني حبيب بن كرة، قال: كنت مع مروان، فكتب معي هو وجماعة من بني أمية كتابًا إلى يزيد بن معاوية، فأخذ الكتاب عبد الملك بن مروان حتى خرج معي إلى ثنية الوداع، فدفع إلي الكتاب وقال: قد أجلتك اثنتي عشرة ليلةً ذهبًا واثنتي عشرة ليلةً مقبلًا، فوافني لأربع وعشرين ليلة في هذا المكان تجدني إن شاء الله في هذه الساعة جالسًا أنتظرك. وكان الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فإنه قد حصرنا في دار مروان بن الحكم، ومنعنا العذاب، ورمينا بالجيوب، فيا غوثاه يا غوثاه! قال: فأخذت الكتاب ومضيت به حتى قدمت على يزيد وهو جالس على كرسي، واضع قدميه في ماء طست من وجع كان يجده فيهما - ويقال: كان به النقرس - فقرأه ثم قال فيما بلغنا متمثلًا:
    لقد بدلوا الحلم الذي من سجيتي ** فبدلت قومي غلظةً بليان
    ثم قال: أما يكون بنو أمية ومواليهم ألف رجل بالمدينة؟ قال: قلت: بلى، والله وأكثر؛ قال: فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعةً من نهار! قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، أجمع الناس كلهم عليهم، فلم يكن لهم بجمع الناس طاقةٌ؛ قال: فبعث إلى عمرو بن سعيد فأقرأه الكتاب، وأخبره الخبر، وأمره أن يسير إليهم في الناس، فقال له: قد كنت ضبطت لك البلاد، وأحكمت لك الأمور، فأما الآن إذ صارت إنما هي دماء قريش تهراق بالصعيد، فلا أحب أن أكون أنا أتولى ذلك، يتولاها منهم من هو أبعد منهم مني. قال: فبعثني بذلك الكتاب إلى مسلم بن عقبة المري - وهو شيخ كبير ضعيف مريض - فدفعت إليه الكتاب، فقرأه، وسألني عن الخبر فأخبرته، فقال لي مثل مقالة يزيد: أما يكون بنو أمية ومواليهم وأنصارهم بالمدينة ألف رجل! قال: قلت: بلى يكونون؛ قال: فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعةً من نهار! ليس هؤلاء بأهل أن ينصروا حتى يجهدوا أنفسهم في جهاد عدوهم، وعز سلطانهم؛ ثم جاء حتى دخل على يزيد فقال: يا أمير المؤمنين، لا تنصر هؤلاء فإنهم الأذلاء؛ أما استطاعوا أن يقاتلوا يومًا واحدًا أو شطره أو ساعةً منه! دعهم يا أمير المؤمنين حتى يجهدوا أنفسهم في جهاد عدوهم، وعز سلطانهم، ويستبين لك من يقاتل منهم على طاعتك، ويصبر عليها أو يستسلم؛ قال: ويحك! إنه لا خير في العيش بعدهم، فاخرج فأنبئني نبأك، وسر بالناس؛ فخرج مناديه فنادى: أن سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملًا ومعونة مائة دينار توضع في يد الرجل من ساعته، فانتدب لذلك اثنا عشر ألف رجل.
    حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: كتب يزيد إلى ابن مرجانة: أن اغز ابن الزبير؛ فقال: لا أجمعهما للفاسق أبدًا، أقتل ابن بنت رسول الله ، وأغزو البيت! قال: وكانت مرجانة امرأة صدق، فقالت لعبيد الله حين قتل الحسين رضي الله عنه: ويلك! ماذا صنعت! وماذا ركبت! رجع الحديث إلى حديث حبيب بن كرة. قال: فاقبلت حتى أوافي عبد الملك بن مروان في ذلك المكان في تلك الساعة أو بعيدها شيئًا. قال: فوجدته جالسًا متقنعًا تحت شجرة، فأخبرته بالذي كان، فسر به، فانطلقنا حتى دخلنا دار مروان على جماعة بني أمية، فنبأتهم بالذي قدمت به، فحمدوا الله عز وجل.
    قال عبد الملك بن نوفل: حدثني حبيب، أنه بلغه في عشرة. قال: فلم أبرح حتى رأيت يزيد بن معاوية خرج إلى الخيل يتصفحها وينظر إليها؛ قال: فسمعته وهو يقول وهو متقلد سيفًا، متنكبٌ قوسًا عربية:
    أبلغ أبا بكرٍ إذا الليل سرى ** وهبط القوم على وادي القرى
    عشرون ألفًا بين كهلٍ وفتى ** أجمع سكران من القوم ترى!
    أم جمع يقظان نفي عنه الكرى! ** يا عجبًا من ملحدٍ يا عجبا!
    مخادع في الدين يقفو بالعرى
    قال عبد الملك بن نوفل: وفصل ذلك الجيش من عند يزيد وعليهم مسلم بن عقبة، وقال له: إن حدث بك حدثٌ فاستخلف على الجيش حصين بن نمير السكوني؛ وقال له: ادع القوم ثلاثًا، فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ثلاثًا، فما فيها من مالٍ أو رقةٍ أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس؛ وانظر علي بن الحسين، فاكفف عنه، واستوص به خيرًا، وأدن مجلسه، فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه، وقد أتاني كتابه. وعلي لا يعلم بشيء مما أوصى به يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة، وقد كان علي بن الحسين لما خرج بنو أمية نحو الشأم أوى إليه ثفل مروان بن الحكم، وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفان، وهي أم أبان بن مروان.
    وقد حدثت عن محمد بن سعد، عن محمد بن عمر، قال: لما أخرج أهل المدينة عثمان بن محمد من المدينة، كلم مروان بن الحكم ابن عمر أن يغيب أهله عنده، فأبى ابن عمر أن يفعل، وكلم علي بن الحسين، وقال: يا أبا الحسن، إن لي رحمًا، وحرمي تكون مع حرمك، فقال: أفعل؛ فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين، فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع، وكان مروان شاكرًا لعلي بن الحسين، مع صداقة كانت بينهما قديمة.
    رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل، قال: وأقبل مسلم بن عقبة بالجيش حتى إذا بلغ أهل المدينة إقباله وثبوا على من معهم من بني أمية، فحصروهم في دار مروان، وقالوا: والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم، أو تعطونا عهد الله وميثاقه لا تبغونا غائلةً، ولا تدلوا لنا على عورة، ولا تظاهروا علينا عدوًا، فنكف عنكم ونخرجكم عنا، فأعطوهم عهد الله وميثاقه لا نبغيكم غائلةً، ولا ندل لكم على عورة؛ فأخرجوهم من المدينة، فخرجت بنو أمية بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى، وخرجت عائشة بنت عثمان بن عفان إلى الطائف، فتمر بعلي بن حسين وهو بمالٍ له إلى جنب المدينة قد اعتزلها كراهية أن يشهد شيئًا من أمرهم، فقال لها: احملي ابن عبد الله معك إلى الطائف، فحملته إلى الطائف حتى نقضت أمور أهل المدينة.
    ولما قدمت بنو أمية على مسلم بن عقبة بوادي القرى دعا بعمرو بن عثمان بن عفان أول الناس فقال له: أخبرني خبر ما وراءك، وأشر علي؛ قال: لا أستطيع أن أخبرك، أخذ علينا العهود والمواثيق ألا ندل على عورة، ولا نظاهر عدوًا، فانتهره ثم قال: والله لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك، وايم الله لا أقيلها قرشيًا بعدك. فخرج بما لقي من عنده إلى أصحابه، فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك: ادخل قبلي لعله يجترىء بك عني، فدخل عليه عبد الملك، فقال: هات ما عندك، أخبرني خبر الناس، وكيف ترى؟ فقال له: نعم أرى أن تسير بمن معك؛ فتنكب هذا الطريق إلى المدينة، حتى إذا انتهيت إلى أدنى نخل بها نزلت، فاستظل الناس في ظله، وأكلوا من صقره؛ حتى إذا كان الليل أذكيت الحرس الليل كله عقبًا بين أهل العسكر، حتى إذا أصبحت صليت بالناس الغداة، ثم مضيت بهم وتركت المدينة ذات اليسار، ثم أدرت بالمدينة حتى تأتيهم من قبل الحرة مشرقًا، ثم تستقبل القوم، فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم وطلعت الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك، فلا تؤذيهم، وتقع في وجوههم فيؤذيهم حرها، ويصيبهم أذاها، ويرون ما دمتم مشرقين من ائتلاق بيضكم وحرابكم، وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم وسواعدكم ما لا ترونه أنتم لشيء من سلاحهم ماداموا مغربين، ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم، فإن الله ناصرك؛ إذ خالفوا الإمام، وخرجوا من الجماعة. فقال له مسلم: لله أبوك! أي امرىء ولد إذ ولدك! لقد رأى بك خلفًا. ثم إن مروان دخل عليه فقال له: إيه! قال: أليس قد دخل عليك عبد الملك! قال: بلى، وأي رجل عبد الملك! قلما كلمت من رجال قريش رجلًا به شبيهًا؛ فقال له مروان: إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني؛ قال: أجل، ثم ارتحل من مكانه ذلك، وارتحل الناس معه حتى نزل المنزل الذي أمره به عبد الملك، فصنع فيه ما أمره به، ثم مضى في الحرة حتى نزلها، فأتاهم من قبل المشرق. ثم دعاهم مسلم بن عقبة، فقال: يا أهل المدينة، إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل، وإني أكره هراقة دمائكم، وإني أؤجلكم ثلاثًان فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه، وانصرفت عنكم، وسرت إلى هذا الملحد الذي بمكة، وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم - وذلك في ذي الحجة من سنة أربع وستين؛ هكذا وجدته في كتابي، وهو خطأ، لأن يزيد هلك في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، وكانت وقعة الحرة في ذي الحجة من سنة ثلاث وستين يوم الأربعاء لليلتين بقيتا منه.


  • #84
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ولما مضت الأيام الثلاثة قال: يا أهل المدينة، قد مضت الأيام الثلاثة، فما تصنعون؟ أتسالمون أم تحاربون؟ فقالوا: بل نحارب؛ فقال لهم: لا تفعلوا، بل ادخلوا في الطاعة، ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد الذي قد جمع إليه المراق والفساق من كل أوب. فقالوا لهم: يا أعداء الله، والله لو أردتم أن تجوزوا إليهم ما تركناكم حتى نقاتلكم، نحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام، وتخيفوا أهله، وتلحدوا فيه، وتستحلوا حرمته! لا والله لا نفعل.
    وقد كان أهل المدينة اتخذوا خندقًا في جانب المدينة، ونزله جمع منهم عظيمٌ، وكان عليهم عبد الرحمن بن زهير بن عوف ابن عم عبد الرحمن ابن عوف الزهري، وكان عبد الله بن مطيع على ربع آخر في جانب المدينة، وكان معقل بن سنان الأشجعي على ربع آخر في جانب المدينة، وكان أمير جماعتهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، في أعظم تلك الأرباع وأكثرها عددًا.
    قال هشام: وأما عوانة بن الحكم الكلبي، فذكر أن عبد الله بن مطيع كان على قريش من أهل المدينة، وعبد الله بن حنظلة الغسيل على الأنصار، ومعقل بن سنان على المهاجرين.
    قال هشام، عن أبي مخنف: قال عبد الملك بن نوفل: وصمد مسلم ابن عقبة بجميع من معه، فأقبل من قبل الحرة حتى ضرب فسطاطه على طريق الكوفة، ثم وجه الخيل نحو ابن الغسيل، فحمل ابن الغسيل على الخيل في الرجال الذين معه حتى كشف الخيل، حتى انتهوا إلى مسلم بن عقبة، فنهض في وجوههم بالرجال، وصاح بهم، فانصرفوا فقاتلوا قتالًا شديدًا. ثم إن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب جاء إلى عبد الله ابن حنظلة الغسيل فقاتل في نحو من عشرين فارسًا قتالًا شديدًا حسنًا، ثم قال لعبد الله: مر من معك فارسًا فليأتني فليقف معي، فإذا حملت فليحملوا، فوالله لا أنتهي حتى أبلغ مسلمًا، فإما أن أقتله، وإما أن أقتل دونه. فقال عبد الله بن حنظلة لعبد الله بن الضحاك من بني عبد الأشهل من الأنصار: ناد في الخيل فلتقف مع الفضل بن العباس، فنادى فيهم فجمعهم إلى الفضل، فلما اجتمعت الخيل إليه حمل على أهل الشأم فانكشفوا، فقال لأصحابه: ألا ترونهم كشفًا لئامًا! احملوا أخرى جعلت فداكم! فوالله لئن عاينت أميرهم، لأقتلنه أو لأقتلن دونه، إن صبر ساعة معقبٌ سرور أبد، إنه ليس بعد لصبرنا إلا النصر. ثم حمل وحمل أصحابه معه، فانفرجت خيل أهل الشأم عن مسلم بن عقبة في نحو من خمسمائة راجل جثاة على الركب، مشرعي الأسنة نحو القوم، ومضى كما هو نحو رايته حتى يضرب رأس صاحب الراية، وإن عليه لمغفرًا، فقط المغفر، وفلق هامته فخر ميتًا، فقال: خذها مني وأنا ابن عبد المطلب! فظن أنه قتل مسلمًا، فقال: قتلت طاغية القوم ورب الكعبة، فقال مسلم: أخطأت استك الحفرة! وإنما كان ذلك غلامًا له، يقال له: رومي، وكان شجاعًا. فأخذ مسلم رايته ونادى: يا أهل الشأم، أهذا القتال قتال قوم يريدون أن يدفعوا به عن دينهم، وأن يعزوا به نصر إمامهم! قبح الله قتالكم منذ اليوم! ما أوجعه لقلبي، وأغيظه لنفسي! أما والله ما جزاؤكم عليه إلا أن تحرموا العطاء، وأن تجمروا في أقاصي الثغور. شدوا مع هذه الراية، ترح الله وجوهكم إن لم تعتبوا! فمشى برايته، وشدت تلك الرجال أمام الراية، فصرع الفضل بن عباس، فقتل وما بينه وبين أطناب مسلم بن عقبة إلا نحو من عشر أذرع، وقتل معه زيد بن عبد الرحمن بن عوف، وقتل معه إبراهيم ابن نعيم العدوي، في رجال من أهل المدينة كثير.
    قال هشام، عن عوانة: وقد بلغنا في حديثٍ آخر أن مسلم بن عقبة كان مريضًا يوم القتال، وأنه أمر بسرير وكرسيٍّ فوضع بين الصفين، ثم قال: يا أهل الشأم، قاتلوا عن أميركم أو دعوا. ثم زحفوا نحوهم فأخذوا لا يصمدون لربعٍ من تلك الأرباع إلا هزموه، ولا يقاتلون إلا قليلًا حتى تولوا. ثم إنه أقبل إلى عبد الله بن حنظلة فقاتله أشد القتال، واجتمع من أراد القتال من تلك الأرباع إلى عبد الله بن حنظلة، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فحمل الفضل ابن العباس بن ربيعة في جماعة من وجوه الناس وفرسانهم يريد مسلم بن عقبة، ومسلم على سريره مريض، فقال: احملوني فضعوني في الصف، فوضعوه بعد ما حملوه أمام فسطاطه في الصف، وحمل الفضل بن العباس هو وأصحابه أولئك حتى انتهى إلى السرير، وكان الفضل أحمر، فلما رفع السيف ليضربه صاح بأصحابه: إن العبد الأحمر قاتلي، فأين أنتم يا بني الحرائر! اشجروه بالرماح، فوثبوا إليه فطعنوه حتى سقط.
    قال هشام: قال أبو مخنف: ثم إن خيل مسلم ورجاله أقبلت نحو عبد الله ابن حنظلة الغسيل ورجاله بعده - كما حدثني عبد الله بن منقذ - حتى دنوا منه، وركب مسلم بن عقبة فرسًا له، فأخذ يسير في أهل الشأم ويحرضهم ويقول: يا أهل الشأم، إنكم لستم بأفضل العرب في أحسابها ولا أنسابها، ولا أكثرها عددًا، ولا أوسعها بلدًا، ولم يخصصكم الله بالذي خصكم به من النصر على عدوكم، وحسن المنزلة عند أئمتكم، إلا بطاعتكم واتسقامتكم؛ وإن هؤلاء القوم وأشباههم من العرب غيروا فغير الله بهم، فتموا على أحسن ما كنتم عليه من الطاعة يتمم الله لكم أحسن ما ينيلكم من النصر والفلج. ثم جاء حتى انتهى إلى مكانه الذي كان فيه، وأمر الخيل أن تقدم على ابن الغسيل وأصحابه، فأخذت الخيل إذا أقدمت على الرجال فثاروا في وجوهها بالرماح والسيوف نفرت وابذعرت وأحجمت، فنادى فيهم مسلم بن عقبة: يا أهل الشأم، ما جعلهم الله أولى بالأرض منكم، يا حصين بن نمير، انزل في جندك؛ فنزل في أهل حمص، فمشى إليهم، فلما رآهم قد أقبلوا يمشون تحت راياتهم نحو ابن الغسيل قام في أصحابه فقال: يا هؤلاء؛ إن عدوكم قد أصابوا وجه القتال الذي كان ينبغي أن تقاتلوهم به، وإني قد ظننت ألا تلبثوا إلا ساعةً حتى يفصل الله بينكم وبينهم إما لكم وإما عليكم. أما إنكم أهل البصيرة ودار الهجرة، والله ما أظن ربكم أصبح عن أهل بلد من بلدان المسلمين بأرضى منه عنكم، ولا على أهل بلد من بلدان العرب بأسخط منه على هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم. إن لكل امرىء منكم ميتةً هو ميت بها، والله ما من ميتة بأفضل من ميتة الشهادة، وقد ساقها الله إليكم فاغتنموها، فوالله ما كل ما أردتموها وجدتموها. ثم مشى برايته غير بعيد، ثم وقف، وجاء ابن نمير برايته حتى أدناها، وأمر مسلم بن عقبة عبد الله بن عضاه الأشعري فمشى في خمسمائة مرامٍ حتى دنوا من ابن الغسيل وأصحابه، فأخذوا ينضحونهم بالنبل، فقال ابن الغسيل: علام تستهدفون لهم! من أراد التعجل إلى الجنة فليلزم هذه الراية؛ فقام إليه كل مستميت، فقال: الغدو إلى ربكم، فوالله إني لأرجو أن تكونوا عن ساعة قريري عين؛ فنهض القوم بعضهم إلى بعض فاقتتلوا أشد قتال رئي في ذلك الزمان ساعةً من نهار، وأخذ يقدم بنيه أمامه واحدًا واحدًا حتى قتلوا بين يديه، وابن الغسيل يضرب بسيفه، ويقول:
    بغدًا لمن رام الفساد وطغى ** وجانب الحق وآيات الهدى
    لا يبعد الرحمن إلا من عصى
    فقتل، وقتل معه أخوه لأمه محمد بن ثابت بن قيس بن شماس، استقدم فقاتل حتى قتل، وقال: ما أحب أن الديلم قتلوني مكان هؤلاء القوم؛ ثم قاتل حتى قتل وقتل معه محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، فمر عليه مروان ابن الحكم وكأنه برطيل من فضة، فقال: رحمك الله! فرب سارية قد رأيتك تطيل القيام في الصلاة إلى جنبها.
    قال هشام: فحدثني عوانة، قال: فبلغنا أن مسلم بن عقبة كان يجلس على كرسي ويحمله الرجال وهو يقاتل ابن الغسيل يوم الحرة وهو يقول:
    أحيا أباه هاشم بن حرمله ** يوم الهباتين ويوم اليعمله
    كل الملوك عنده مغربله ** ورمحه للوالدات مثكله
    لا يلبث القتيل حتى يجدله ** يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له

  • صفحة 21 من 27 الأولىالأولى ... 111920212223 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 30
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:57 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1