عمر بن عبد العزيز يحبس يزيد بن المهلب
ثم عدنا إلى حديث يزيد بن المهلّب. لمّا أقبل يزيد بن المهلّب فنزل واسطا، ركب منها السفن يريد البصرة. فبعث عديّ من منعه وأوثقه، ثم بعث به إلى عمر بن عبد العزيز، وكان عمر يبغض يزيد وأهل بيته ويقول:
« هم جبابرة، ولا أحبّ أمثالهم. » وكان يزيد يبغض عمر ويقول: « إني لأظنّه مرائيا. » فلمّا ولى عمر عرف يزيد أنّ عمر كان من الرئاء بعيدا.
ولمّا وصل يزيد إلى عمر سأله عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان. فقال:
« كنت من سليمان بالمكان الذي قد علمت، وإنّما كتبت إلى سليمان لأسمع الناس به، وكنت علمت أنّ سليمان لم يكن ليأخذنى بشيء سمّعت به، ولا بأمر أكرهه. » فقال له:
« لا أجد في أمرك إلّا حبسك، فاتّق الله وأدّ ما قبلك، فإنّها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها. » وردّه إلى محبسه.
وبعث الجرّاح بن عبد الله الحكمي، فسرّحه إلى خراسان.
وأقبل مخلد بن يزيد من خراسان يعطى الناس، لا يمرّ بكورة إلّا أعطاهم فيها أموالا عظاما، حتى قدم على عمر بن عبد العزيز. فدخل عليه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
« إنّ الله، يا أمير المؤمنين، صنع لهذه الأمّة بولايتك عليها، وقد ابتلينا بك، فلا نكن أشقى الناس بولايتك، علام تحبس هذا الشيخ؟ أنا أتحمّل ما عليه، فصالحنى على ما إيّاه تسأل. » فقال عمر:
« لا، إلّا أن تحمل جميع ما إيّاه نسأل. » فقال:
« يا أمير المؤمنين، إن كانت لك بيّنة فخذه بها، وإن لم تكن بيّنة فصدّق مقالة يزيد، وإلّا فاستحلفه، فإن لم يفعل فصالحه. » فقال عمر:
« ما أجد إلّا أخذه بجميع المال. » فلمّا خرج مخلد من عند عمر، قال:
« هذا خير عندي من أبيه. » ولمّا أبي يزيد أن يؤدّى إلى عمر شيئا، ألبسه جبّة صوف وحمله على جمل وقال:
« سيروا به إلى الدهلك. »
فلمّا أخرج، فمرّ به على الناس أخذ يقول:
« أما لي عشيرة؟ ما لي يذهب بي إلى دهلك! وإنّما يذهب إلى دهلك بالفاسق المريب الحارب. سبحان الله! أما لي عشيرة. » فدخل على عمر سلامة بن نعيم الحولاني، فقال:
« يا أمير المؤمنين، اردد يزيد إلى محبسه، فإني أخاف إن أمضيته أن ينتزعه قومه. فإني قد رأيت قومه غضبوا له. » فردّه إلى محبسه. فلم يزل في محبسه ذلك حتى بلغه مرض عمر. فأخذ يعمل في الهرب من محبسه مخافة يزيد بن عبد الملك، لأنّه قد كان عذّب أصهاره، وكان يزيد بن عبد الملك قد عاهد الله: لئن أمكنه الله من يزيد ليقطعنّ منه طابقا.
فكان يخشى ذلك. فبعث يزيد بن المهلّب إلى مواليه، فأعدّوا له إبلا، وخرج حتى حاز مراصد عمر. وكتب إلى عمر بن عبد العزيز:
« إني والله لو علمت أنّك تبقى ما خرجت من محبسى، ولكني لم آمن يزيد بن عبد الملك. » وقد قيل: إنّ يزيد بن المهلّب إنّما هرب من سجن عمر بعد موت عمر.
وكانت خلافة عمر سنتين وخمسة أشهر. ومات وهو ابن تسع وثلاثين سنة.
ذكر بعض سيرة عمر بن عبد العزيز
كان الجرّاح بن عبد الله لمّا ولى خراسان استخرج الجزية من كلّ من اتّهم إسلامه. فكتب عمر إليه:
« أنظر من صلّى إلى القبلة قبلك، فضع عنه الجزية. » فسارع الناس إلى الإسلام. فقيل للجرّاح:
« إنّ الناس قد سارعوا إلى الإسلام. وإنّما ذلك تعوّذ من الجزية، فامتحنهم بالختان. » فكتب الجرّاح بذلك إلى عمر. فكتب عمر إليه:
« إنّ الله بعث محمّدا داعيا ولم يبعثه خاتنا. » وقال عمر:
« أبغونى رجلا صدوقا أسأله عن خراسان. » فقيل له:
« قد أصبته، عليك بأبي مجلز. » وكان الجرّاح لمّا قدم خراسان، كتب إلى عمر: « إني قدمت خراسان، فوجدت قوما قد أبطرتهم الفتنة، فهم ينزون فيها نزوا. أحبّ الأمور إليهم أن تعود ليمنعوا حقّ الله عليهم، فليس يكفّهم إلّا السيف والسوط، وكرهت الإقدام على ذلك إلّا بإذنك. » فكتب إليه عمر:
« يا بن أمّ الجرّاح! أنت أحرص على الفتنة منهم، لا تضربنّ مؤمنا ولا معاهدا سوطا إلّا في حقّ، واحذر القصاص، فإنّك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وتقرأ كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها. » وكتب إليه أن:
« احمل معك أبا مجلز، وخلّف على خراسان عبد الرحمن بن نعيم الغامدى، وعلى جزيتها عبد الله بن حبيب. »
ولمّا قدم أبو مجلز لاحق ابن حميد على عمر، وكان رجلا لا تأخذه العين، دخل على عمر في غمار الناس، فلم يثبته عمر، وخرج مع الناس. فقيل لعمر وقد سأل عنه بأنه:
« دخل مع الناس، ثم خرج. » فدعا به عمر، فقال: « يا با مجلز، إني لم أعرفك. » قال:
« فهلّا - يا أمير المؤمنين - أنكرتنى إذ لم تعرفني. » قال:
« أخبرني عن عبد الرحمن بن عبد الله. » قال:
« يكافئ الأكفاء، ويعادى الأعداء، وهو أمير يفعل ما يشاء، ويقدم، إن وجد من يساعده. » قال:
« فعبد الرحمن بن نعيم؟ » قال:
« ضعيف ليّن يحبّ العافية، وتأتّى له. » قال:
« الذي يحبّ العافية وتأتّى له أحبّ إليّ. » فولّاه الحرب والصلاة، وولّى عبد الرحمن القشيري الخراج.
وكتب إلى أهل خراسان:
« إني استعملت على حربكم عبد الرحمن بن نعيم، وعبد الرحمن بن عبد الله على خراجكم من غير معرفة مني بهما ولا اختيار إلّا ما أخبرت عنهما، فإن كانا على ما تحبّون فاحمدوا الله، وإن كانا على غير ذلك فاستعينوا بالله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ابتداء دعوة بنى هاشم
وفي هذه السنة، وهي سنة مائة، وجّه محمد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس من أرض السراة ميسرة إلى العراق، ووجّه محمد بن خنيس وأبا عكرمة السرّاج وحيّان العطّار رجال إبراهيم بن سلمة إلى خراسان دعاة، وعلى خراسان يومئذ الجرّاح بن عبد الله الحكمي، فدعوا إليه وكتبوا بأسماء من استجاب، وبعثوا بالكتاب إلى ميسرة، وبعث به ميسرة إلى محمد بن عليّ. فكان ذلك ابتداء دعوة بنى هاشم.
فاختار أبو محمّد الصادق وهو أبو عكرمة السرّاج لمحمّد بن عليّ، اثنى عشر نقيبا منهم:
سليمان بن كثير الخزاعيّ، ولاهز بن قريط التميمي، وقحطبة بن شبيب الطائيّ، وموسى بن كعب التميميّ، وخالد بن إبراهيم، والقاسم بن مجاشع، وعمران بن إسماعيل، ومالك بن هيثم الخزاعيّ، وطلحة بن زريق، وأبو حمزة عمرو بن أبي أعين، وشبل بن طهمان وهو أبو على الهرويّ، وعيسى بن أعين.
ثم اختار سبعين رجلا كتب إليهم محمّد بن عليّ كتابا كالسيرة والمثال يسيرون بها.
خلافة يزيد بن عبد الملك
ودخلت سنة احدى ومائة
وفيها ولى يزيد بن عبد الملك الخلافة، وكنيته أبو خالد، وهو ابن تسع وعشرين سنة في قول هشام بن محمّد.
وفيها قتل شوذب الخارجي.
ذكر ذلك
قد كنّا ذكرنا خروج من خرج من قبل شوذب لمناظرة عمر. فلمّا مات عمر أحبّ عبد الحميد بن عبد الرحمن أن يتحظّى عند يزيد بن عبد الملك. فبعث بمحمّد بن جرير في ألفين إلى محاربة شوذب، ولم يرجع رسولا شوذب، ولم يعلم بموت عمر. فلمّا طلع عليهم محمّد بن جرير مستعدّا للحرب، قالوا:
« ما أعجلكم قبل انقضاء المدّة بيننا وبينكم، أليس قد توادعنا إلى أن يرجع الرسولان؟ » فأرسل إليه محمّد:
« إنّه لا يسعنا ترككم. »
فقالت الخوارج:
« ما فعل هؤلاء هذا إلّا وقد مات الرجل الصالح. » فبرز لهم شوذب، فأكثروا القتل في أهل الكوفة وولّوا منهزمين والخوارج في أكنافهم تقتل حتى بلغوا أخصاص الكوفة وجرح محمّد بن جرير في استه.
ورجع شوذب إلى موضعه ينتظر صاحبيه. فجاءا فأخبراه بما جرى وبموت عمر. فأقرّ يزيد بن عبد الملك عبد الحميد على الكوفة، ووجّه من قبله تميم بن الحباب في ألفين، فراسلهم وأخبرهم أنّ يزيد لا يقارّهم على ما فارقهم عليه عمر. فلعنوه، ولعنوا يزيد. ثم حاربوه وقتلوه وهزموا أصحابه. فلجأ بعضهم إلى الكوفة ورجع الآخرون إلى يزيد. ووجّه إليهم نجدة بن الحكم الأزدي في خلق كثير، فقتلوه وهزموا أصحابه. ووجّه إليهم الشحاج بن وداع في ألفين من أهل البأس والنجدة، فقتلوه وقتل منهم نفرا منهم هدبة اليشكري ابن عمّ شوذب وكان عابدا، وفيهم أبو شبيل مقاتل بن شيبان، وكان فاضلا فيهم سيّدا.
دخول مسلمة الكوفة ومقتل شوذب الخارجي
فلمّا دخل مسلمة الكوفة في ما روى هشام شكا إليه أهلها مكان شوذب وخوفهم منه، وما قد قتل منهم. فدعا مسلمة سعيد بن عمرو الحرشي وكان فارسا شجاعا، فعقد له على عشرة آلاف، ووجّهه إليه وهو مقيم بموضعه، فأتاه ما لا طاقة له به. فقال شوذب لأصحابه:
« من كان يريد الله فقد جاءته الشهادة، ومن كان إنّما خرج للدنيا فقد ذهبت الدنيا، وإنّما البقاء في الدار الآخرة. »
فكسروا أغماد سيوفهم وحملوا، فكشفوا سعيدا وأصحابه مرارا حتى خاف الفضيحة، فذمر أصحابه وقال:
« أمن هذه الشرذمة - لا أبا لكم - تفرّون؟ يا أهل الشام يوما كأيّامكم! » فحملوا عليهم، فطحنوهم طحنا ولم يبقّوا منهم أحدا وقتلوا شوذبا - وهو بسطام - وفرسانه، والريّان بن عبد الله اليشكري. فرثاهم الشعراء وأكثروا، إلّا أنّا لا نكتب في هذا الكتاب ما يجرى هذا المجرى، وقد ذكرنا كثيرا منه في اختيارنا من أشعار العرب.
دخول يزيد بن المهلب البصرة وخلعه يزيد بن عبد الملك
وفي هذه السنة لحق يزيد بن المهلّب بالبصرة، فغلب عليها وقد كنّا حكينا هربه من محبس عمر.
ولمّا مات عمر وبويع ليزيد بن عبد الملك بلغه هرب يزيد بن المهلّب. فكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن يأمره أن يطلبه ويستقبله. وكتب إلى عديّ بن أرطاة يعلمه هربه ويأمره أن يطلبه ويستقبله.
فأمّا عديّ بن أرطاة فإنّه أخذ من أولاد المهلّب وعشيرته من وجدهم، فحبسهم. وفيهم: المفضّل، وحبيب ومروان بنو المهلّب، وأفلت محمّد بن المهلّب فلم يقدر عليه.
وأقبل يزيد حتى ارتفع فوق القطقطانة، وبعث عبد الحميد بن عبد الرحمن هشام بن مساحق القرشيّ في ناس من أهل الكوفة ذوي بأس، ووجوه الناس وأهل القوّة. فقال:
« انطلق حتى نستقبله، فإنّه اليوم يمرّ بجانب العذيب. »
فمشى هشام قليلا، ثم رجع إلى عبد الحميد، فقال:
« أجيئك به أسيرا، أم آتيك برأسه؟ » فقال:
« أيّ ذلك شئت. » فكان من سمع ذلك منه تعجّب له.
فلمّا خرج هشام مضى إلى العذيب حتى نزله. ومرّ به يزيد بن المهلّب غير بعيد، فلم يتجاسر أحد منهما الإقدام عليه حتى عبروا. ومضى نحو البصرة، وانصرف هشام بن مساحق إلى عبد الحميد.
فجمع عديّ بن أرطاة أهل البصرة، وخندق عليها.
فقال عبد الملك بن المهلّب لعديّ بن أرطاة:
« خذ ابني رهينة، واحبسه مكاني وأنا أضمن لك أن أردّ يزيد أخي عن البصرة حتى يأتى فارس وكرمان ويطلب لنفسه الأمان ولا يقربك. » فأبى عليه.
وجاء يزيد مع أصحابه الذين أقبل فيهم، والبصرة محفوفة بالرجال، وقد جمع محمّد بن المهلّب - ولم يكن ممّن حبس - رجالا من قومه وأهل بيته وناس من مواليه. فخرج حتى استقبله في كتيبة تهول من رءاها، وكان عديّ قد بعث على كلّ خمسين من أخماس البصرة رجلا مرضيّا، وأقبل يزيد بن المهلّب لا يمرّ بخيل من خيولهم ولا قبيلة من قبائلهم إلّا تنحّوا له عن السبيل تهيّبا وإعظاما.
حتى انتهى إلى المغيرة بن عبد الله الثقفيّ وهو على الخيل فاستقبله ليردّه. فحمل عليه محمّد بن المهلّب، فأفرج له عن الطريق هو وأصحابه وأقبل يزيد حتى نزل داره، واختلف الناس إليه. وأخذ يبعث إلى عديّ بن أرطاة أن:
« ادفع إليّ إخوتى وأنا أصالحك على البصرة وأخلّيك وإيّاها حتى آخذ لنفسي ما أحبّ من يزيد بن عبد الملك. » فلم يجبه إلى ذلك.
وكان خرج إلى يزيد بن عبد الملك حميد بن عبد الملك بن المهلّب يصلح أمر عمّه يزيد. فبعث معه يزيد بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسريّ وعمر بن يزيد الحكمي بأمان يزيد بن المهلّب وأهل بيته. وأخذ يزيد بن المهلّب، قبل أن يوافيه حميد، يعطى كلّ من أتاه العطايا العظيمة ويقطع لهم قطع الذهب والفضّة. فمال الناس إليه، ولحق به عمران بن مسمع ساخطا على عديّ. وذلك أنّه نزع منه راية بكر بن وائل وأعطاها ابن عمّه. ومالت إلى يزيد ربيعة كلّها وبقيّة تميم وقيس، وناس بعد ناس فيهم عبد الملك ومالك ابنا مسمع وناس من أهل الشام.
وكان عديّ لا يعطى إلّا درهمين درهمين ويقول:
« لا يحلّ لي أن أعطيكم من بيت المال درهما إلّا بأمر يزيد بن عبد الملك، ولكن تبلّغوا بهذا حتى يأتى الأمر في ذلك. » وله يقول الفرزدق:
أظنّ رجال الدرهمين يقودهم ** إلى الموت آجال لهم ومصارع
فأحزمهم من كان في قعر بيته ** وأيقن أنّ الأمر لا بدّ واقع
وخرجت بنو عمرو بن تميم من أصحاب عديّ، فنزلوا المربد. فبعث إليهم يزيد بن المهلّب مولى له يقال له دارس. فحمل عليهم فهزمتهم. فقال الفرزدق:
تفرّقت الجعراء أن صاح دارس ** ولم يصبروا تحت السيوف الصوارم
جزى الله قيسا عن عديّ ملامة ** ألا صبروا حتى تكون تلاحم
وخرج يزيد بن المهلّب حتى اجتمع له الناس، حتى نزل جبّانة بنى يشكر وهو المنصف في ما بينه وبين القصر. وجاءته تميم وأهل الشام، فاقتتلوا هنيهة، فحمل عليهم محمّد بن المهلّب، فضرب مسور بن عباد الحبطيّ بالسيوف، فقطع أنف البيضة، وأسرع السيف في وجهه، وحمل على هريم بن أبي طحمة، فأخذ بمنطقته فجذبه عن فرسه وتماسك في السرج حتى انقطعت المنطقة، وقال:
« هيهات! عمّك أرزن من هذا. » فانهزم القوم وأقبل يزيد في أثر القوم يتلوهم حتى دنا من القصر. وخرج إليه عديّ بنفسه في أصحابه، فقاتلوا ساعة وقتل من أصحابه خلق فيهم: الحارث بن مصرّف الأودى، وكان من أشراف أهل الشام وفرسان الحجّاج، وقتل موسى بن الوجيه الحميري وقتل جماعة أمثالهم.
ثم انهزم أصحاب عديّ، وسمع أخوه يزيد - وهم في محبس عديّ - الأصوات تدنو والنشّاب تقع في القصر والصحن، فقال لهم عبد الملك:
« إني لا أرى يزيد إلّا قد ظهر، ولست آمن من مع عديّ من مضر ومن أهل الشام أن يأتوا فيقتلونا قبل أن يصل يزيد إلى الدار، فأغلقوا الباب ثم أسندوه.
بالثياب والرحل. » ففعلوا، فلم يلبثوا ساعة حتى جاءهم عبد الله بن دينار مولى بنى عامر وكان على حرس بنى عديّ. فجاء يشتدّ إلى الباب هو وأصحاب له وقد صنع بنو المهلّب ما قال لهم عبد الملك، ووضعوا متاعا كثيرا على الباب، ثم اتّكأوا عليه.
وأخذ القوم يعالجون الباب فلا يستطيعون الدخول، وأعجلهم الناس فخلّوا عنهم، وجاء يزيد بن المهلّب حتى نزل دار سليم بن زياد بن أبي سفيان إلى جانب القصر، وأتى بالسلاليم، فلم يلبث سفيان أن فتح القصر. وأتى بعديّ بن أرطاة، فجيء به، وخاطبه بما يجرى مجرى التبكيت. ثم أمر بحبسه وقال له:
« أما إنّ حبسي إيّاك ليس إلّا لحبسك بنى المهلّب وتضييقك علينا في ما كنّا نسألك التسهيل عليهم. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر اتفاق سيء اتفق على يزيد بن المهلب
خرج الحواريّ بن زياد بن عمرو العتكي يريد يزيد بن عبد الملك هاربين من يزيد بن المهلّب فلقى في طريقه خالد بن عبد الله القسري وعمر بن يزيد الحكمي ومعهما حميد بن عبد الملك بن المهلّب قد أقبلوا من عند يزيد بن عبد الملك بأمان يزيد المهلّب وكلّ شيء أراده. فاستقبلهما فسألاه عن الخبر. فلمّا رأى حميد بن عبد الملك معهما خلا بهما وقال:
« أين تريدان؟ » قالا:
« نريد يزيد بن المهلّب، قد جئناه بكلّ شيء يريد ويقترح. » فقال:
« هيهات، قد تجاوز الأمر ذلك وما تقدران أن تصنعا بيزيد أو يصنع هو بكما.
قد ظهر على عدوّه عديّ بن أرطاة وقد قتل سراة الناس ووجوه الفرسان، وحبس عديّا، فارجعا ولا تهديا نفوسكما إلى يزيد. » فعادى مع الحواريّ بن زياد وأقبلا بحميد معهما إلى يزيد بن عبد الملك.
فقال لهما حميد:
« أنشدكم الله أن تخالفا في أمر يزيد وما بعثتما به، فإنّ يزيد قابل منكما وإنّ هذا وأهل بيته لم يزالوا لنا أعداء. فناشدتكما الله أن تسمعا مقالة هذا فينا. » فلم يقبلا قوله وأقبلا به حتى دفعاه إلى عبد الرحمن بن مسلم الكلبي، وكان يزيد بن عبد الملك بعثه إلى خراسان عاملا عليها. فلمّا بلغه خلع يزيد بن المهلّب، كتب إلى يزيد بن عبد الملك:
« إنّ جهاد من خالفك أحبّ إليّ من ولايتي خراسان، فلا حاجة لي فيها، واجعلنى ممّن توجّه إلى يزيد بن المهلّب. » وبعث بحميد بن عبد الملك إلى يزيد، ووثب عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب على خالد بن يزيد بن المهلّب وهو بالكوفة، وعلى حمّال بن زحر وليسا ممّن ينطف بشيء، إلّا أنّه أوثقهما لما عرف بين حمّال وبين بنى المهلّب، وسرّح بهما إلى يزيد بن عبد الملك، فحبسهما جميعا ولم يفارقا السجن حتى هلكا فيه.
وبعث يزيد بن عبد الملك رجالا من أهل الشام إلى الكوفة يسكّنونهم ويثنون عليهم بطاعتهم ويمنّونهم الزيادات.
ثم إنّ يزيد بن عبد الملك بعث العبّاس بن الوليد بن عبد الملك في أربعة آلاف فارس جريدة خيل حتى وافوا الحيرة يبادر إليها يزيد بن المهلّب. أقبل بعد ذلك مسلمة بن عبد الملك في جنود أهل الشام، فأخذ على الجزيرة على شاطئ الفرات، واستوسق أهل البصرة ليزيد بن المهلّب، وبعث عمّاله إلى الأهواز وفارس. وبعث عبد الرحمن إلى بنى تميم:
« إنّ هذا مدرك بن المهلّب يريد أن يلقى بينكم الحرب وأنتم في بلاد عافية في طاعة وعلى جماعة. » فخرجوا ليلا يستقبلونه ويكيدونه. وبلغ ذلك الأزد، فخرج منهم نحو ألفى فارس حتى لحقوهم قبل أن ينتهوا إلى رأس المفازة. فقالوا لهم:
« ما جاء بكم وما أخرجكم إلى هذا المكان؟ » فاعتلّوا عليهم بأشياء ولم يقرّوا أنّهم خرجوا ليكيدوا مدرك بن المهلّب.
فقال لهم الأزد:
« بل قد علمنا أنّكم لم تخرجوا إلّا لتلقّى صاحبنا وها هو ذا منكم قريب، فما شئتم. » ثم أسرعت الأزد حتى لقوا مدركا على رأس المفازة، فنصحوا له وأعلموه أنّه يقع في بلاء لا يدرون ما عاقبته ويشيرون عليه بالانصراف إلى أن يتمّ أمر يزيد. » فقبل ورجع من مكانه.
ثم إنّ يزيد بن المهلّب لمّا استجمع له أهل البصرة، صعد المنبر وخطبهم وأخبرهم أنّه يدعوهم إلى كتاب الله وسنّة نبيه ويحثّ على الجهاد ويزعم أنّ جهاد أهل الشام أعظم ثوابا من جهاد الترك والديلم.
فكان الحسن البصري حاضرا. فرفع صوته وقال:
« والله لقد رأيناك واليا ومولّيا عليك، فما ينبغي لك. » فوثب عليه من كان بجنبه، فأخذوا بيده وفمه وأجلسوه، وما شكّ الناس أنّه سمعه ولكنّه لم يلتفت إليه ومضى في خطبته.
ثم إنّ الحسن خرج يخذّل الناس عنه ويقول:
« كان بالأمس يضرب أعناق هؤلاء الذين ترون يسرّح بها إلى بنى مروان، يريد بهلاك هؤلاء رضاهم. » فلمّا غضب نصب قصبا ووضع عليه خرقا وقال:
« قد خالفت هؤلاء، فخالفوهم. » وقال:
« إني أدعوكم إلى سنّة العمرين، ألا إنّ سنّة العمرين أن يوضع قيد في رجليه، ثم يردّ إلى محبس عمر الذي حبسه فيه. » فقال ناس من أصحابه ممّن سمعوا قوله:
« والله، لكأنّك يا با سعيد راض عن أهل الشام. » فقال:
« أنا راض عن أهل الشام؟ قبّحهم الله ونزحهم! أليسوا الذين أحلّوا حرم رسول الله يقتلون أهله ثلاثة أيّام وثلاث ليال وقد أباحوها لأنباطهم وأقباطهم يحملون الحرائر وذوات الدين لا يتناهون عن انتهاك حرمة، ثم خرجوا إلى بيت الله الحرام، فهدموا الكعبة وأوقدوا النيران بين أحجارها وأستارها، عليهم لعنة الله وسوء الدار. » ثم إنّ يزيد خرج من البصرة، واستخلف عليها مروان بن المهلّب، وقدّم بين يديه عبد الملك بن المهلّب، وخرج معه بالسلاح وبيت المال، وأقبل حتى نزل واسطا. وكان قبل أن يبلغها استشار أصحابه وقال لهم:
« إنّ أهل الشام قد نهضوا إليكم. »
ذكر آراء أشير بها على يزيد بن المهلب فما عمل بها
فقال له حبيب وغيره:
« نرى أن تخرج حتى تنزل فارس وتأخذ بالشعاب والعقاب وتدنو من خراسان وتطاول القوم، فإنّ أهل الجبال ينقضّون إليك وفي يدك القلاع والحصون. » فقال:
« ليس هذا برأى وليس يوافقني. إنّما تريدون أن تجعلوني طائرا على رأس جبل. » فقال له حبيب:
« فإنّ الرأي الذي كان ينبغي أن يكون في أوّل الأمر قد فات. كنت أمرتك حين ظهرت على البصرة أن توجّه خيلا عليها بعض أهل بيتك حتى يرد الكوفة، فإنّما هو عبد الحميد، مررت به في سبعين رجلا. فعجز عنك، فهو عن خيلك أعجز في العدّة، وتسبق إليها أهل الشام وعظم أهلها يرى رأيك ويحبّ أن لا يلي عليهم أهل الشام، فلم تطعني. وأنا اليوم أشير عليك برأى: سرّح مع بعض أهل بيتك خيلا عظيمة، فتأتى الجزيرة وتبادر إليها حتى تنزل حصنا من حصونها، وتسير في إثرهم. فإذا أقبل أهل الشام يريدونك لم يدعوا جندا من جندك بالجزيرة ويقبلوا إليك. فيقيمون عليهم، فكانوا حابسيهم عنك حتى تأتيهم ويأتيك [ من ] بالموصل من قومك وتبذل المال، ويأتيك أهل الجزيرة، وينقضّ إليك أهل العراق وأهل الثغور وتقاتلهم في أرض رفيغة السعر، وقد جعلت العراق كلّه وراء ظهرك. » فقال:
« إني أقطع جندي. » فلمّا نزل واسطا أقام بها أيّاما يسيرة.
ودخلت سنة اثنتين ومائة
قد حكينا ما كان من توجيه يزيد بن عبد الملك، العباس بن الوليد بن عبد الملك ومسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلّب لمحاربته. واستعدّ يزيد للقائهما واستخلف على واسط ابنه معاوية، وجعل عنده بيت المال والخزائن والأسراء، وقدّم بين يديه أخاه عبد الملك، ثم سار حتى مرّ بفم النيل، ثم سار حتى نزل العقر. وأقبل مسلمة يسير على شاطئ الفرات حتى نزل الأنبار، ثم عقد عليها الجسر، فعبر من قبل قرية يقال لها: فارط. ثم أقبل حتى نزل على يزيد بن المهلّب وقد قدّم يزيد عبد الملك نحو الكوفة فاستقبله العباس بن الوليد بسورا، فاصطفّوا. ثم اقتتل القوم فشدّ عليهم أهل البصرة شدّة كشفوهم فيها، وقد كان معهم ناس من بنى تميم وقيس ممّن انهزم من يزيد من البصرة، فكانت لهم جماعة حسنة مع العبّاس بن الوليد فيهم هريم بن أبي طحمة المجاشعيّ. فلمّا انكشف أهل الشام تلك الانكشافة نادى هريم بن أبي طحمة:
« يا أهل الشام، الله الله! إلى أين؟ أتسلموننا وقد اضطرّهم أصحاب عبد الملك إلى نهر؟ » فأخذوا ينادونه:
« لا بأس عليك، إنّ لأهل الشام جولة في أوّل القتال أتاك الغوث. » ثم إنّ أهل الشام كرّوا عليهم، فكشف أصحاب عبد الملك وهزموا. وجاءهم عبد الملك حتى انتهى إلى أخيه بالعقر وسقط إلى يزيد ناس كثير من أهل الكوفة ومن أهل الجبال. فبعث على الأرباع رؤساءهم عبد الله بن المفضّل الأزديّ، والنعمان بن إبراهيم بن الأشتر، ومحمّد بن إسحاق بن محمّد بن الأشعث،
وحنظلة بن عتّاب بن ورقاء التميميّ. وجمعهم جميعا مع المفضّل بن المهلّب.
فتحدّث علاء بن زهير قال: والله إنّا لجلوس عند يزيد ذات يوم إذ قال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« أترون أنّ في العسكر ألف سيف يضرب به؟ » قال: فيقول له: حنظلة بن العتّاب:
« إنّهم والله ما ضربوا بألف سيف قطّ، والله لقد أحصى ديوانى مائة وعشرين ألف. والله، لوددت أنّ مكانهم الساعة معي من بخراسان من قومي. » ثم إنّه خطب الناس وحرّضهم، وقال في كلامه:
« إنّه ذكر لي أنّ هذه الجرادة الصفراء (يعنى مسلمة بن عبد الملك) وعاقر ناقة ثمود (يعنى العبّاس بن الوليد وكان العباس أزرق أحمر، كانت أمّه روميّة) والله لقد كان سليمان أراد أن ينفيه حتى كلّمته فيه فأقرّه على نسبه، فبلغني أنّه ليس يهمّهما إلّا التماسي في الأرض. والله، لو جاءوا بأهل الأرض جميعا، وليس إلّا أنا، ما برحت العرصة حتى تكون لي أو لهم. » قالوا:
« إنّا نخاف أن تعنّينا كما عنّانا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. » قال:
« إنّ عبد الرحمن فضح الذمار وفضح حسبه، وهل كان يعدو أجله؟ » نزل.
قال: ودخل عامر العميثل، وهو من الأزد وقد جمع جموعا، فأتاه فبايعه.
وكانت بيعة يزيد:
« تبايعوني على كتاب الله وسنّة نبيه وعلى ألّا يطأ الجنود بلادنا ولا بيضتنا، ولا تعاد علينا سيرة الفاسق الحجّاج. ومن بايعنا على ذلك قبلنا منه، ومن أبي جاهدناه، وجعلنا الله بيننا وبينه. » ثم يقول:
« تبايعون؟ » فإذا قالوا: « نعم. » بايعهم.
ذكر رأي صواب رءاه يزيد فخالفه فيه أصحابه
دعا يزيد بن المهلّب رؤساء أصحابه، فقال لهم:
« إني قد رأيت أن أجمع اثنى عشر ألف رجل، فأبعثهم مع محمّد بن عبد الملك، حتى يبيّتوا مسلمة ويحملوا معهم البراذع والأكف والزبل من الخندق الذي حفروه، فيقاتلهم على خندقهم وعسكرهم بقيّة ليلته. وأمدّه بالرجال حتى أصبح، فإذا أصبحت نهضت إليهم أنا بالناس فناجزتهم. فإني أرجو عند ذلك أن ينصرنا الله عليهم. » فقال السميدع (و كان كنديّا يرى رأى الخوارج، قد اعتزل مع طائفة من القرّاء أيّام قتال يزيد مع عديّ بن أرطاة إلى أن قالت طائفة من أصحاب يزيد وطائفة من أصحاب عديّ: قد رضينا بحكم السميدع. ثم دعاه يزيد إلى نفسه وشرط له العمل بالكتاب والسنّة، فأجابه، واستعمله على الأبلّة في تلك الأيّام):
« إنّا قد دعوناهم إلى كتاب الله وسنّة نبيه، وقد زعموا أنّهم قابلون منّا هذا، فليس لنا أن نمكر ولا أن نغدر. ولا أن نريدهم بسوء حتى يردّوا علينا ما زعموا أنّهم قابلوه منّا. » فقال جماعة من أهل الديانة:
« هكذا ينبغي. »
قال يزيد:
« ويحكم! أتصدّقون بني أمية أن يعملوا بالكتاب والسنّة وقد ضيّعوا ذلك مذ كانوا! إنّهم لم يقولوا لكم إنّا نقبل منكم، وهم يريدون ألّا يعملوا في سلطانهم إنّما تأمرونهم وتدعونهم إليه، ولكنّهم أرادوا أن يكفّوهم عنهم حتى يعملوا في المكر، فلا يسبقوكم إلى تلك، أبدأوهم بها! إني لقيت بنى مروان، فو الله ما لقيت منهم رجلا هو أشدّ تمرّدا ولا أبعد غورا من هذه الجرادة الصفراء. » يعنى: مسلمة. قالوا:
« لا نرى أن نفعل ذلك حتى يردّوا علينا ما زعموا أنّهم قابلوه منّا. » وكان مروان بن المهلّب وهو بالبصرة يحثّ الناس على حرب أهل الشام ويسرّح الناس إلى يزيد.
وكان الحسن البصري يثبّط الناس عن يزيد بن المهلّب ويخطب أصحابه بما يقعدهم. فلمّا بلغ ذلك مروان بن المهلّب، قام خطيبا كما كان يقوم، فأمر الناس بالجدّ والاجتهاد والاحتشاد، وقال:
« لقد بلغني أنّ هذا الشيخ الضالّ المرائى - ولم يسمّه - يثبّط عنّا الناس. والله، لو أنّ جاره نزع من خصّ داره قصبة لظلّ يرعف أنفه، وينكر علينا وعلى أهل مصرنا أن نطلب حقّنا وأن ننكر مظلمتنا! أما والله، ليكفّنّ عن ذكرنا، أو عن جمعه سقّاط الأبلّة وعلوج فرات البصرة، أو لأنحينّ عليه مبردا خشنا.
فلمّا بلغ ذلك الحسن قال:
« والله ما أكره أن يكرمني الله بهوانه. » فقال ناس من أصحابه:
« والله لو أرادك ثم شئت لمنعناك. » فقال لهم:
« قد خالفتكم إذا إلى ما نهيتكم عنه، آمركم أن لا يقتل بعضكم بعضا مع غيري وأدعوكم أن يقتل بعضكم بعضا دوني!. » فبلغ ذلك مروان، فاشتدّ عليهم وأخافهم، وطلبوا حتى تفرّقوا، ولم يدع الحسن كلامه ذلك، وكفّ عنه مروان بن المهلّب.
وكانت مدّة إقامة يزيد بن المهلّب منذ اجتمع هو ومسلمة ثمانية أيّام. حتى إذا كان يوم الجمعة الأربع عشرة خلت من صفر، بعث إلى الوضّاح أن يخرج بالوضّاحيّة في السفن حتى يحرق السفن التي في الجسر، ففعل.
وخرج مسلمة فعبّى جنود أهل الشام ميمنة وميسرة، وازدلف بهم نحو يزيد، وخرج إليه يزيد في مثل تعبئته.
فحدّث العلاء بن منهال، أنّ رجلا من أهل الشام خرج، فدعا إلى المبارزة، فلم يخرج إليه أحد. فبرز إليه محمّد بن عبد الملك، فحمل عليه، فاتّقاه الرجل بيده وعلى كفّه كفّ وساعد من حديد. فضربه محمّد، فقطع كفّ الحديد وأسرع السيف في كفّه، واعتنق فرسه. وأقبل محمّد يضربه ويقول:
« المنجل أعود عليك من مبارزة الفرسان، عليك بالمنجل! » قال: وذكر أنّه كان حيّان النبطيّ. قال: ولمّا أحرق الوضّاح الجسر وسطع دخانه وقد نشبت الحرب ولم يشتدّ القتال نظر الناس إلى الدخان وقيل لهم:
« أحرق الجسر. »
فانهزموا. وقيل ليزيد:
« قد انهزم الناس. » قال:
« وممّ انهزموا؟ وهل كان قتال ينهزم من مثله؟ » فقيل له:
« أحرق الجسر فلم يثبت أحد. » قال:
« قبّحهم الله. » قال:
« بقّ دخّن عليه فطار. » فخرج وخرج معه أصحابه ومواليه وناس من قومه. فقال [ رجل من أهل بيته:
« ينهزمون وهم كالجبال. » فقال: ] « اضربوا وجوه المنهزمين. » ففعلوا ذلك حتى كثروا عليهم، واستقبلهم منهم مثال الجبال. » فقال:
« دعوهم، فو الله إني لأرجو أن لا يجمعني الله وإيّاهم في مكان واحد أبدا، دعوهم يرحمهم الله. غنم عدا في نواحيها الذئب. » وكان يزيد لا يحدّث نفسه بالفرار.
ولمّا انهزم الناس قال يزيد للسميدع:
« يا سميدع! أصحّ أمر رأيك، ألم أعلمك ما يريد القوم؟ » قال:
« بلى، والرأي والله كان رأيك وأنا ذا معك لا أزايلك فمرني بأمرك. » قال:
« إمّا لا فانزل. » فنزل في أصحابه. وجاء يزيد جاء وقال:
« إنّ حبيبا قد قتل. » فقال:
« لا خير في العيش بعده امضوا بنا قدما. » فعلمنا أنّه مستقتل، فأخذ من يكره القتال ينكص، وأخذوا يتسلّلون، وبقيت مع يزيد بقيّة: جماعة حسنة وهو يزدلف بهم. فكلّما مرّ بخيل أو جماعة من أهل الشام كشفها وعدلوا عن سننه وسنن أصحابه. وأتاه آت وقال له:
« ذهب الناس. » وهو يسرّ إليه وأنا أسمعه. وقال له:
« هل لك أن تنصرف إلى واسط، فإنّها حصن حتى تأتيك الأمداد من البصرة وعمان والبحرين في السفن وتضرب خندقا. » فقال:
« قبّح الله رأيك! ألى تقول ذا؟ الموت أيسر عليّ من ذلك. » فقال:
« ألا ترى من حولك من جبال الحديد؟. » وهو يسرّ إليه. فقال:
« [ أمّا ] أنا [ فما ] أباليها، جبال حديد كانت أم جبال نار. اذهب عنّا إن كنت لا تريد القتال معنا. » وتمثّل:
أ بالموت خشّتنى عباد وإنّما ** رأيت منايا الناس يسعى دليلها
فما ميتة إن متّها غير عاجز ** بعار، إذا ما غالت النفس غولها
وكان يزيد بن المهلّب على برذون له أشهب. فأقبل نحو مسلمة لا يريد غيره حتى إذا دنا منه، دعا مسلمة بفرسه ليركب. فعطفت عليه خيول الشام فقتل يزيد بن المهلّب والسميدع، وقتل أخوه محمّد بن المهلّب.
فحكى: أنّ رجلا من كلب يقال له: الفحل بن عيّاش لمّا نظر إلى يزيد قال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)