يزيد بن المهلب والفحل بن عياش كل قتل صاحبه!
« يا أهل الشام، هذا يزيد والله لأقتلنّه، أو يقتلني. إنّ معه ناسا، فمن يحمل معي يكفيني أصحابه حتى أصل إليه؟ » فقال ناس من أصحابه:
« نحن نحمل معك. » ففعلوا، وحملوا بأجمعهم، فاضطربوا ساعة وسطع الغبار وانفرج الفريقان عن يزيد قتيلا وعن الفحل بن عيّاش بآخر رمق. فأومأ إلى أصحابه يريهم مكان يزيد، يقول لهم:
« أنا قتلته. » ويومي إلى نفسه أنّه:
« هو قتلني »! وكان مسلمة لا يصدّق أنّه هو قتله. فبعث برأسه إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
وأبلى يومئذ المفضّل بن المهلّب بعد قتل يزيد وإخوته حتى ظنّ أنّه يتلافى الأمر وحده مع نفر معه يذمر بهم ويقول لهم:
« غضّوا أبصاركم ولا تلتفتوا، فداءكم أبي وأمي. » ويحمل الحملات الصادقة حتى تفرّقت عنه تلك العصابة وبقي وحده. فأخذ الطريق إلى واسط. فقال الناس:
« ما رأينا من العرب رجلا في مثل منزلته كان أغشى للبأس بنفسه ولا أضرب بسيفه ولا أحسن تعبئة لأصحابه منه. » وأسر أهل الشام خلقا من أصحاب يزيد، فسرّح بهم إلى محمّد بن عمرو بن الوليد، فحبسهم إلى أن جاء كتاب من يزيد بن عبد الملك إلى محمّد بن عمرو أن:
« اضرب أعناق الأسرى. » فقال للعريان بن الهيثم وكان على شرطته:
« أخرجهم عشرين عشرين، وثلاثين ثلاثين. » فقام قوم من بنى تميم وهم لا يدرون ما ذا يراد بهم، فقالوا:
« اتّقوا الله وابدأوا بنا، أخرجونا قبل الناس، فإنّا نحن انهزمنا بالناس. » فقال لهم العريان:
« اخرجوا على اسم الله! » فأخرجهم إلى المصطبّة، ثم أرسل إلى محمّد بن عمرو، ويخبره بإخراجهم وبمقالتهم. فبعث إليه أن:
« اضرب أعناقهم. » فتحدّث نجيح مولى زهير قال: والله إني أنظر إليهم وهم يقتلون وإنّهم ليقولون:
« إنّا لله، انهزمنا بالناس وهذا جزاؤنا. » فما هو إلّا أن فرغ منهم جاء رسول مسلمة بكتابه فيه النهي عن قتل الأسرى وإطلاقهم. وكان مسلمة ضمن لهم ضمانات وواطأهم إذا رأوا دخان الحريق من الجسر أن ينهزموا بالناس. ففعلوا، ثم قتلوا.
ولمّا جاء فلّ يزيد إلى واسط أخرج معاوية بن يزيد بن المهلّب اثنين وثلاثين أسيرا كانوا في يديه، فضرب أعناقهم. منهم: عديّ بن أرطاة، وابنه محمّد بن عديّ ومالك وعبد الملك ابنا مسمع وغيرهم من الأشراف. وكانوا قالوا له:
« ويحك! إنّا لا نراك تقتلنا إلّا أنّ أباك قد قتل، وأنّ قتلنا ليس بنافعك في الدنيا وهو والله ضارّك في الآخرة. » فقتلهم كلّهم إلّا ربيع بن زياد بن ربيع بن أنس. فقال له قوم:
« نسيته. » فقال:
« ما نسيته ولكن لم أكن لأقتله وهو شيخ من قومي له شرف ومعروف، ولست أتّهمه في ودّ، ولا أخاف بغيه. » ورثى الشعراء يزيد وإخوته المقتولين فأكثروا.
وأقبل معاوية بن يزيد حتى أتى البصرة معه المال والخزائن. وجاء المفضّل، فاجتمع إليه جميع آل المهلّب بالبصرة، وقد كانوا أعدّوا السفن البحريّة وتجهزوا بكلّ الجهاز، لأنّهم كانوا يتخوّفون ما كان، وقد كان يزيد بن المهلّب بعث وداع بن حميد الأزديّ على قندابيل أميرا، فقال له:
« إني قد اخترتك من بين قومي لأهل بيتي، فكن عند حسن ظنّى بك. » وأخذ عليه أيمانا غلاظا، وقال:
« إني سائر إلى هذا العدوّ ولو قد لقيتهم لم أبرح العرصة حتى يكون لي، أو لهم، وإن ظفرت أكرمتك، وإن تكن الأخرى ولجأ إليك أهل بيتي كنت في حصن معهم وآويتهم حتى يأخذوا لأنفسهم أمانا. » ولمّا اجتمعوا بالبصرة حملوا عيالاتهم وأموالهم في السفن البحرية، ثم لجّجوا في البحر حتى مرّوا بمهزّم بن الفزر، وكان يزيد استعمله على البحرين. فقال لهم:
« أشير عليكم أن لا تفارقوا سفنكم فإنّ ذلك بقاؤكم، وإن خرجتم منها يخطفكم الناس وتقرّبوا بكم إلى بنى مروان. » فخالفوه ومضوا حتى إذا كانوا بحيال كرمان خرجوا من سفنهم وحملوا عيالهم وأموالهم على الدوابّ. وكان معاوية بن يزيد بن المهلّب حين قدم البصرة بالخزائن والأموال أراد أن يتأمّر عليهم. فاجتمع آل المهلّب، فأمّروا عليهم المفضّل بن المهلّب، وقالوا:
« المفضّل أكبرنا وسيّدنا وإنّما أنت غلام حدث السن كبعض فتيان أهلك. » فلم يزل المفضّل عليهم حتى خرجوا إلى كرمان وبكرمان فلول كثيرة.
فاجتمعوا إلى المفضّل.
وبعث مسلمة بن عبد الملك مدرك بن ضبّ الكلبى في طلب آل المهلّب وفي أثر الفلّ. فأدرك مدرك المفضّل بن المهلّب وقد اجتمعت إليه الفلول بفارس.
فاتّبعهم فأدركهم في عقبة، فعطفوا عليه، فقاتلوه واشتدّ قتالهم. فقتل ممن كان مع المفضّل: النعمان بن إبراهيم بن الأشتر، ومحمّد بن إسحاق بن الأشعث، وأخذ ابن صول ملك دهستان أسيرا، وجرح عثمان بن إسحاق، ومحمّد بن الأشعث جراحة شديدة وهرب حتى بلغ حلوان. فدلّ عليه هناك فقتل وحمل رأسه إلى مسلمة.
ورجع ناس من أصحاب يزيد بن المهلّب فطلبوا الأمان، فأومنوا، منهم: مالك بن إبراهيم بن الأشتر والزّرد بن عبد الله بن حبيب السعدي من تميم، وكان قد شهد مع عبد الرحمن بن محمّد مواطنه كلّها.
ومضى آل المهلّب ومن سقط إليهم إلى قندابيل، وكان مسلمة ردّ مدركا الضبيّ وسرّح في أثرهم هلال بن أحوز التميميّ من بنى مازن بن عمرو بن تميم، فلحقهم بقندابيل. فأراد آل المهلّب دخول قندابيل، فمنعهم وداع بن حميد، وكاتب هلال بن أحوز ولم يباين آل المهلّب فيحذروه. فلمّا التقوا للحرب وصفّوا كان وداع بن حميد على الميمنة وعبد الملك بن هلال على الميسرة وكلاهما أزديّ. فرفع لهم هلال بن أحوز المازني راية الأمان، فمال إليها وداع بن حميد وغدر بآل المهلّب، وتبعه عبد الملك بن هلال، وارفضّ عنهم الناس فخلّوهم.
فلمّا رأى ذلك مروان بن المهلّب ذهب يريد الانصراف إلى النساء، فقال له المفضّل:
« أين تريد؟ » قال:
« أدخل إلى النساء من أهلى فأقتلهنّ لئلّا يصل إليهنّ هؤلاء الفسّاق. » فقال:
« ويحك! أتقتل أخواتك وبنات أخواتك ونساء أهلك؟ إنّا والله ما نخاف عليهنّ منهم. » فردّه عن ذلك.
ثم مشوا بالسيوف وقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم إلّا عيينة بن المهلّب وعثمان بن المفضّل بن المهلّب، فإنّهما نجوا، فلحقا بخاقان ورتبيل، وبعث برؤوسهم ونسائهم وأولادهم إلى مسلمة بن عبد الملك.
منع الجراح من بيع ذرية آل المهلب
وقال مسلمة:
« والله لأبيعنّ ذرّيّتهم. » وكانوا في دار الرزق. فقال الجرّاح بن عبد الله:
« فإني أشتريهم منك لأبرّ قسمك. » فاشتراهم منه بمائة ألف درهم. قال:
« هاتها. » قال:
« إذا شئت [ فخذها ]. » ثم تركها عليه ولم يطالبه بها، وخلّى سبيلهم إلّا تسعة فتية منهم أحداثا بعث بهم إلى يزيد بن عبد الملك، فقدم بهم عليه، فضرب أعناقهم. ورثاهم الشعراء.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
يزيد بن عبد الملك يولى مسلمة على الكوفة والبصرة وخراسان بعد قتل يزيد بن المهلب
ولمّا فراغ مسلمة بن عبد الملك من حرب يزيد بن المهلّب، جمع له يزيد بن عبد الملك ولاية الكوفة والبصرة وخراسان في هذه السنة.
وفي هذه السنة وجّه مسلمة بن عبد الملك سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص إلى خراسان، وهو الذي يلقّب بسعيد خدينة، وإنّما استعمله مسلمة لأنّه كان ختنه على ابنته، وقدّم سعيد خدينة قبل شخوصه سورة بن أبجر من بنى دارم، فقدّمها قبله بشهر أو نحوه، واستعمل شعبة بن ظهير النهشليّ على سمرقند، فخرج إليها في خمسة وعشرين رجلا من أهل بيته. فأخذ على آمل اموية، وأتى بخارى، فصبّحه وصحبه منها مائتا رجل، فقدم السغد وقد كان أهلها ارتدّوا في ولاية عبد الرحمن بن نعيم، ثم عادوا إلى الصلح.
فخطب شعبة أهل السغد ووبّخ سكّانها من العرب وغيرهم بالجبن، وقال:
« ما أرى فيكم جريحا ولا أسمع فيكم أنّة. » فاعتذروا بأن جبّنوا عاملهم علباء بن حبيب العبديّ وكان على الحرب. قدم سعيد. فأخذ عمّال عبد الرحمن بن عبد الله الذين ولوا أيّام عمر بن عبد العزيز فحبسهم. فكلّمه فيهم قوم فضمّنهم وأطلق عنهم، ثم رفع إليه على عمّال يزيد بن المهلّب وهم ثمانية. فأرسل إليهم وحبسهم في القهندز بمرو، فقيل له:
« إنّ هؤلاء لا يودّون إلّا أن يبسط عليهم. » وكان فيهم جهم بن زهر. فأرسل إليه ثم ضربه في ما بعد. وعزل شعبة بن ظهير عن سمرقند، وولّى حربها عثمان بن عبد الله بن مطرّف، وكان الناس يضعّفون سعيدا ولقّبوه خدينة. فطمع فيه الترك، فجمع له خاقان الترك ووجّههم إلى السغد وكان عليهم كورصول، وأقبلوا حتى نزلوا بقصر الباهليّ.
سبب طمع الترك في سعيد خدينة
وقيل: إنّ سبب طمع الترك أنّ بعض عظماء الدهاقين رأى في ذلك القصر امرأة من باهلة فهويها، فأرسل إليها فخطبها، فأبت فاستجاش ورجا أن يسبوا فيأخذ المرأة قهرا. فأقبل كورصول في من معه من الترك حتى حضر بالقصر، وفيه مائة أهل بيت بذراريّهم، وعلى سمرقند عثمان بن عبد الله، وخافوا من الترك، وأشفقوا أن يبطئ عنهم المدد. فصالحوا الترك على أربعين ألفا وأعطوهم من الرجال سبعة عشر نفسا رهينة، وندب عثمان بن عبد الله بن مطرّف الشخّير الناس، فانتدب المسيّب بن بشر الرياحيّ وانتدب معه أربعة آلاف من جميع القبائل، فقال شعبة بن ظهير:
« لو كان هاهنا خيول خراسان بأميرهم ما وصلوا إلى إغاثتهم. » وكان في من انتدب شعبة بن ظهير وجماعة من الرؤساء، فقال لهم المسيّب بن بشر لمّا عسكروا:
« إنّكم تقدمون على حلبة الترك وهي حلبة خاقان، والعوض إن صبرتم الجنّة، والعقاب إن فررتم النار، فمن أراد الصبر فليقدم. » فانصرف عنه ألف وثلاثمائة، وسار في الباقين. فلمّا سار قليلا أقبل على الناس وقال مثل مقالته الأولى، فاعتزل ألف. ثم قال بعد ما سار فرسخا مثل ذلك فاعتزل ألف آخر، وسار في سبعمائة، حتى إذا كان على فرسخين من القوم نزل.
فأتاهم من ترك خاقان ملك قيّ، فقال:
« إنّه لم يبق هاهنا دهقان إلّا وقد تابع الترك غيري وأنا في ثلاثمائة مقاتل، فهم معك. وعندي الخبر أنّ القوم قد كانوا صالحوا على أربعين ألفا وأعطوهم سبعة عشر رجلا يكونون في أيديهم رهنا. فلمّا بلغهم مسيركم إليهم قتل الترك من كان أيديهم من الرهائن. » قال: وكان فيهم نهشل بن يزيد الباهلي فنجا، والأشهب بن عبد الله الحنظلي، وميعادهم أن يقاتلوهم غدا أو يفتحوا القصر.
فبعث المسيّب رجلين من العرب ورجلا من العجم من ساعته - وكان ليلا - على خيولهم، وقال:
« إذا قربتم فشدّوا دوابّكم بالشجر واعلموا علم القوم. » فأقبلوا في ليلة مظلمة وقد أجرت الترك الماء في نواحي القصر. فليس يصل إليه أحد ودنوا من القصر فصاح بهم الربيئة، فقال:
« لا تصح وادع لنا عبد الملك بن دثار. » فدعوه فقالا له:
« أرسلنا المسيّب وقد أتاكم الغوث. » قال:
« أين هو؟ » قالا:
« على فرسخين، فهل عندكم امتناع إلى أن يلحق؟ » قال:
« قد أجمعنا على تسليح نسائنا وتقديمهم للموت أمامنا حتى نموت جميعا غدا. » فرجعا إلى المسيّب، فأخبراه. فقال المسيّب للذين معه:
« إني سائر إلى هذا العدوّ. فمن بايعنى على الموت، وإلّا فليذهب. » فلم يفارقه أحد وبايعوه على الموت. فلمّا أصبح سار وقد زاد الماء الذي أجروه إلى المدينة تحصينا. فلمّا كان بينه وبينهم نصف فرسخ رأى أن ينزل ويبيّتهم. فلمّا أمسى أمر الناس، فشدّوا على خيولهم وركب فحثّهم على الصبر ورغّبهم في ما يصير إليه أهل الجهاد والاحتساب والصبر وما لهم في الدنيا من الغنيمة والشرف إن ظفروا، وما لهم في الآخرة من الثواب والنعيم الأبديّ إن قتلوا.
ثم قال لهم:
« اكعموا دوابّكم وقودوها، فإذا دنوتم من القوم فاركبوا وشدّوا شدّة صادقة وكبّروا. وليكن شعاركم: « يا محمّد »، ولا تتّبعوا مولّيا فتتفرّقوا، وعليكم بالدوابّ فاعقروها، فإنّ دوابّ القوم إذا عقرت أشدّ عليهم منكم.
واعلموا أن القليل الصابر خير من الكثير الفشل، وليست لكم قلّة. إنّ سبعمائة سيف لا تضرب بها في عسكر إلّا أوهنوه وإن كثر أهله. » وعبّأهم ميمنة وميسرة، وساروا حتى إذا كانوا على غلوتين كبّروا، وذلك في السحر، وثار الترك وخالطهم المسلمون وانهزموا، فعقر المسلمون الدوابّ. عاد الترك وصابروا، فجال المسلمون وانهزموا، حتى إذا صاروا إلى المسيّب وتبعهم الترك فضربوا عجز دابّة المسيّب. فترجّل قوم من المسلمين منهم البختريّ، ومحمد بن قيس الغنوي وزياد الإصبهاني، ومعاوية بن الحجّاج وثابت قطنة، وكان على ميسرة المسيّب. فأمّا البختريّ فقاتل حتى قطعت يمينه فأخذ السيف بشماله فقطعت، فجعل يذبّ ببدنه حتى استشهد. واستشهد أيضا محمّد بن قيس، وشلّت يد الحجّاج الطائيّ. ثم لم يصبر الترك وانهزموا. وضرب ثابت قطنة عظيما من عظمائهم، فقتله ونادى منادى المسيّب:
« لا تتبعوهم، فإنّهم لا يدرون من الرعب أتبعتموهم أم لا، واقصدوا القصر، ولا تحملوا للقوم شيئا من المتاع إلّا المال، واقصدوا من ضعف عن المشي فاحملوه ولا تحملوا من أطاق على المشي. » وقال المسيّب:
« من حمل امرأة أو صبيّا أو ضعيفا حسبة فأجره على الله. ومن أبي فله أربعون درهما. وإن كان في القصر أحد من أهل عهدكم فاحملوه. » قال: فقصدوا جميعا القصر، فحملوا من كان فيه. وانتهى رجل من بنى فقيم إلى امرأة، فقالت:
« أغثنى أغاثك الله. » فوقف وقال:
« دونك عجز الفرس! » فوثبت، فإذا هي على عجز الفرس، وإذا هي أفرس من رجل يعجب لها من رءاها. وتناول الفقيميّ بيد ابنها غلاما صغيرا، فوضعه بين يديه وأتوا ملك قيّ ترك خاقان. فأنزلهم قصره، وأتاهم بطعام وقال:
« الحقوا بسمرقند. » ثم قال:
« هل بقي أحد؟ » قالوا:
« نعم، هلال الجديديّ. » فقال:
« لا أسلمه. » فأتاه به، وبه بضع وثمانون ضربة. فاحتمله فبرأ، إلى أن أصيب يوم الشعب مع الجند، ورجع الترك من الغد، فلم يروا في القصر أحدا ورأوا قتلاهم. فقالوا:
« لم يكن الذين جاءوا بالأمس من الإنس. »
فقال بعض من شهد ليلة قصر الباهلي: كنّا في القصر. فلمّا التقوا ظننّا أنّ القيامة قامت لهول ما سمعنا من هماهم القوم ووقع الحديد.
غزو سعيد الترك
وفي هذه السنة قطع سعيد خدينة نهر بلخ، وغزا الترك، وكانوا قد نقضوا العهد وأعانوا الترك. وذلك بعد ما كلّم الناس سعيدا مرارا وقالوا له:
« تركت الغزو. فقد كثر الترك، وكفر أهل السغد. » فلمّا عبر سعيد وقصد السغد لقيه الترك وطائفة من السغد. فهزمهم المسلمون.
وقال سعيد:
« لا تتبعوهم، فإنّ السغد بستان أمير المؤمنين. » فلمّا كان الغد خرجت مسلحة المسلمين - والمسلحة يومئذ من تميم - فما شعروا إلّا بالترك معهم خرجوا عليهم من غيضة، وعلى خيل بنى تميم شعبة بن ظهير، فقتل شعبة. وذاك أنّه أعجل عن الركوب، فقاتلهم راجلا إلى أن قتل، وقتل نحو من خمسين رجلا، وانهزم المسلحة وأتى الناس الصريخ.
فقال عبد الرحمن بن المهلّب العدويّ: كنت أوّل من أتاهم لمّا أتانا الخبر وتحتي فرس جواد، فإذا عبد الله بن زهير إلى جنب شجرة كأنّه قنفذ من النشّاب وقد قتل. ثم لحق الناس وحملوا على العدوّ حتى كفّوهم. وجاء الأمير والجماعة، فانهزم العدوّ.
ذكر كلمة صارت سبب حتف
كان سعيد عبر النهر مرّتين، فلم يجاوز سمرقند. وكنّا حكينا أنّه لمّا هزم المسلمون الترك وأهل السغد ألحّوا في طلبهم. فنادى منادى سعيد:
« لا تطلبوهم، فإنّ السغد بستان أمير المؤمنين. » وقال سعيد:
« قد هزمتموهم. أفتريدون بوارهم وأنتم يا أهل العراق قد قاتلتم أمير المؤمنين غير مرّة، فعفا عنكم ولم يستأصلكم ورجع. » وكان سعيد إذا بعث سريّة فأصابوا وغنموا وسبوا ردّ السبي ووبخ السريّة.
فقال له يوما حيّان النبطيّ وهو بإزاء العدوّ من أهل السغد:
« أيها الأمير، ناجز العدوّ. » فقال:
« لا، هذه بلاد أمير المؤمنين. » فلمّا انهزم أهل السغد تبعهم حيّان، فقال له سورة بن أبجر:
« انصرف كما أمر الأمير. » فقال:
« أدع عقيرة الله وأنصرف! » فقال له:
« يا نبطيّ! » قال:
« أنبط الله وجهك. » وكان حيّان يكنّى في الحرب: أبا الهيّاج، وإيّاه عنى الشاعر:
إنّ أبا الهيّاج أريحيّ ** للرّيح في أثوابه دويّ
فحقد عليه سورة [ وقال: ] « أنبط الله وجهك. »
ثم خلا بسعيد فقال:
« إنّ هذا العبد أعدى الناس للعرب. قد عصى أمرك، وهو الذي أفسد خراسان على قتيبة وهو واثب بل مفسد عليك خراسان، ثم يتحصّن في بعض هذه القلاع. » قال:
« يا سورة! لا تسمعنّ. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
سعيد يقتل حيان بإطعامه ذهبا
ثم مكث أيّاما وقد ثقل سعيد على الناس وضعّفوه، فلم يأمن حيّان. فأمر سعيد بذهب فسحل وألقى في طعام وناوله حيّان. فلمّا علم أنّه قد حصل في جوفه ركب وركب معه الناس وفيهم حيّان. فركض أربعة فراسخ فنزل حيّان وعاش أربعة أيّام ومات في الرابع.
وفي هذه السنة عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق وخراسان وانصرف إلى الشام.
ذكر سبب عزل مسلمة عن العراق وخراسان
كان سبب ذلك أنّ مسلمة لمّا ولى أرض العراق وخراسان لم يرفع من الخراج شيئا، وكان يزيد بن عبد الملك يريد عزله فيستحييه، فيكتب بتشوّقه. فشاور مسلمة عبد العزيز بن حاتم بن النعمان في الشخوص إلى يزيد ليزوره فقال له:
« أمن تشوّق بك إليه؟ إنّك لطروب. » قال:
« إنّه لا بدّ من ذاك. » قال:
« إذا لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه. »
فشخص. فلمّا بلغ دورين لقيه عمر بن هبيرة الفزاريّ على خمس من دوابّ البريد. فدخل عليه ابن هبيرة مسلّما، فقال:
« إلى أين يا ابن هبيرة؟ » قال:
« وجّهنى أمير المؤمنين في حيازة أموال بنى المهلّب. » فلمّا خرج من عنده أرسل إلى عبد العزيز، فجاءه. فقال:
« هذا ابن هبيرة قد لقينا كما ترى. » قال:
« قد كنت أنبأتك. » قال:
« فإنّه إنّما وجّه لحيازة أموال بنى المهلّب. » قال:
« هذا أعجب من الأوّل: يصرف عن الجزيرة ويوجّه في حيازة أموال بنى المهلّب. » قال: فلم يلبث أن جاءه عزل ابن هبيرة عمّاله والغلظة عليهم. فقال الفرزدق:
راحت بمسلمة الركاب مودّعا ** فارعى فزارة لا هناك المرتع
ولقد علمت لئن فزارة أمّرت ** أن سوف تطمع في الإمارة أشجع
ظهور أمر الدعاة في خراسان
وفي هذه السنة غزا عمر بن هبيرة الروم. فسبى سبعمائة أسير وفيها أيضا وجّه ميسرة رسله من العراق إلى خراسان، فظهر أمر الدعاة فيها.
وكان سعيد خدينة يومئذ بخراسان، فأتاه آت فقال:
« إنّ ها هنا قوما يدعون إلى إمام لهم وقد ظهر منهم كلام قبيح. » فبعث سعيد إليهم فقال:
« من أنتم؟ » قالوا:
« ناس من التجار. » قال:
« فما الذي يحكى عنكم؟ » قالوا:
« لا ندري. » قال:
« جئتم دعاة؟ » فقالوا:
« إنّ لنا في أنفسنا شغلا عن هذا. » فقال:
« من يعرف هؤلاء؟ » فجاء قوم من خراسان جلّهم من ربيعة واليمن. فقالوا:
« نحن نعرفهم، وهم علينا إن أتاك منهم شيء تكرهه. » فخلّى سبيلهم.
ثم دخلت سنة ثلاث ومائة
سبب عزل سعيد خدينة عن خراسان
وفيها عزل عمر بن هبيرة سعيد خدينة عن خراسان. وذاك أنّ الناس شكوا سعيد خدينة. فكتب عمر بن هبيرة بذلك إلى يزيد، وكتب بأسماء من أبلى يوم العقر، ولم يذكر سعيد بن عمرو الحرشيّ. فكتب إليه يزيد بن عبد الملك:
« لم لم تذكر الحرشيّ؟ ولّه خراسان! » فولّاه، وخرج سعيد الحرشيّ وقدم خراسان في سنة ثلاث ومائة والناس بإزاء العدوّ، وقد كانوا نكبوا. فخطبهم وحثّهم على الجهاد وقال:
« إنّكم لا تقاتلون عدوّ الإسلام بكثرة ولا بعدّة، ولكن بنصر الله وعزّ الإسلام. »
وكان شاعرا، فقال:
فلست لعامر إن لم تروني ** أمام الخيل أطعن بالعوالي
وأضرب هامة الجبّار منهم ** بعضب الحدّ حودث بالصقال
فما أنا في الحروب بمستكين ** ولا أخشى مصاولة الرجال
أبي لي والدي من كلّ ذمّ ** وخالي في الحوادث غير خال
إذا خطرت أمامى حيّ كعب ** وزافت كالجبال بنو هلال
وكانت السغد قد أعانت الترك أيّام خدينة. فلمّا وليهم الحرشيّ خافوا على أنفسهم. فأجمع عظماؤهم على الخروج من بلادهم، فقال لهم ملكهم:
« لا تفعلوا، أقيموا واحملوا إليه خراج ما مضى، واضمنوا له خراج ما تستقبلون، واضمنوا له عمارة أرضكم، والغزو معه، إن أراد ذلك، واعتذروا إليه ممّا كان منكم، وأعطوه رهائن تكون في يديه. » قالوا:
« لا نفعل، فإنّه لا يرضى ولا يقبل ذلك منّا. ولكنّا نأتى خجندة فنستجير بملكها ونرسل إلى الأمير فنسأله الصفح عما كان منه ونوثق له ألّا يرى منّا أمرا يكرهه. » فقال:
« أنا رجل منكم، وما أشرت به فهو خير لكم. » فأبوا وخرجوا إلى خجندة، وخرج كارزنج، وكشر، وشاركث، وثابت بأهل إشتيخن. وأرسلوا إلى ملك فرغانة، وهو الطار، يسألونه أن يمنعهم وينزلهم مدينته. فأرسل إليهم:
« سمّوا لي رستاقا أفرّغه لكم، وأجّلونى عشرين يوما، وإن شئتم فرّغت لكم شعب عصام بن عبد الله الباهليّ. » وكان قتيبة خلّفه فيه، فقيل: شعب عصام. فأرسلوا إليه:
« فرّغه لنا. » قال:
« نعم، وليس لكم عليّ عقد ولا جوار حتى تدخلوه، وإن أتتكم العرب قبل أن تدخلوه لم أمنعهم. » فرضوا، ففرّغ لهم الشّعب. وقد كان هذا الشعب من رستاق أسفرة، وأسفرة يومئذ إلى وليّ عهد ملك فرغانة وهو بلاذا، وكان قال لهم كارزنج:
« أخيّركم ثلاث خصال إن تركتموها هلكتم. إنّ سعيدا فارس العرب، وقد وجّه على مقدّمته عبد الرحمن بن عبد الله القشيريّ في كماة أصحابه، فبيّتوه واقتلوه. فإنّ الحرشيّ إن أتاه خبره لم يغزكم. » فأبوا عليه. قال:
« فاقطعوا إليه نهر الشاش، وسلوه: ما تريدون؟ فإن أجابكم، وإلّا مضيتم إلى سرباب. » قالوا:
« لا. » قال:
« فأعطوهم الخراج. »
فأبوا. ولحق كار زنج وأهل السغد بخجندة.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
أخوتي ارجو أن ينال الكتاب
أعجابكم
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)