صفحة 22 من 33 الأولىالأولى ... 12202122232432 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 85 إلى 88 من 131

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)


  1. #85
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فلما قال ذلك رسول الله سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم المسلمون فيما صنعوا. وقال لهم: صنعتم ما لم تؤمروا به، وقاتلتم في الشهر الحرام ولم تؤمروا بقتال! وقالت قريش: قد استحل محمدٌ وأصحابه الشهر الحرام، فسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد ذلك عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان. وقالت اليهود: تفاءل بذلك على رسول الله ص: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله " عمرو " عمرت الحرب، و " الحضرمي " حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله وقدت الحرب؛ فجعل الله عز وجل ذلك عليهم لا لهم.
    فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله عز وجل على رسوله ص: " يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه.. " الآية.
    فلما نزل القرآن بهذا من الأمر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، قبض رسول الله ص العير والأسيرين.
    وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الحكم بن كيسان، فقال رسول الله ص: لا نفذيكموهما؛ حتى يقدم صاحبانا - يعني سعد ابن أبي وقاص وعتبة بن غزوان - فإنا نخشاكم عليهما؛ فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم. فقدم سعد وعتبة، ففاداهما رسول الله ص منهم؛ فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله ص حتى قتل في بئر معونة شهيدًا.
    قال أبو جعفر: وخالف في بعض هذه القصة محمد بن إسحاق والواقدي جميعًا السدي؛ حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد؛ قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌ عن سبيل الله "؛ وذلك أن رسول الله ص بعث سرية وكانوا سبعة نفر؛ عليهم عبد الله بن جحش الأسدي وفيهم عمار بن ياسر، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل، وسهيل بن بيضاء، وعامر بن فهيرة، وواقد بن عبد الله اليربوعي؛ حليف لعمر بن الخطاب.
    وكتب مع ابن جحش كتابًا وأمره ألا يقرأه حتى ينزل بطن ملل؛ فلما نزل بطن ملل فتح الكتاب؛ فإذا فيه: أن سر حتى تنزل بطن نخلة؛ فقال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص؛ فإني موصٍ وماضٍ لأمر رسول الله ص. فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص وعبتة بن غزوان، أضلا راحلة لهما، فأتيا بحران يطلبانها، وسار ابن جحش إلى بطن نخلة؛ فإذا هو بالحكم بن كيسان، وعبد الله بن المغيرة، والمغيرة بن عثمان، وعمرو بن الحضرمي؛ فاقتتلوا، فأسروا الحكم بن كيسان وعبد الله بن المغيرة، وانفلت المغيرة، وقتل عمرو بن الحضرمي، قتله واقد بن عبد الله. فكانت أول غنيمة غنهما أصحاب محمد ص.
    فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما أصابوا من الأموال؛ أراد أهل مكة أن يفادوا الأسيرين، فقال النبي ص: حتى ننظر ما فعل صاحبانا! فلما رجع سعد وصاحبه فادى بالأسيرين، ففجر عليه المشركون، وقالوا: محمد يزعم أنه يتبع طاعة الله، وهو أول من استحل الشهر الحرام، وقتل صاحبنا في رجب! فقال المسلمون: إنما قتلناه في جمادى - وقيل في أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى - وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل رجب؛ فأنزل الله عز وجل يعير أهل مكة: " يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ.. " الآية.
    قال أبو جعفر: وقد قيل إن النبي ص كان انتدب لهذا المسير أبا عبيدة بن الجراح، ثم بدا له فيه، فندب له عبد الله بن جحش.
    ذكر الخبر بذلك
    حدثنا محمد بن عبد الأعلى؛ حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، أنه حدثه رجل عن أبي السوار، يحدثه عن جندب بن عبد الله، عن رسول الله ص أنه بعث رهطًا، فبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح؛ فلما أخذ لينطلق بكى صبابةً إلى رسول الله ص، فبعث رجلًا مكانه يقال له عبد الله جحش، وكتب له كتابًا وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ كذا وكذا: " ولا تكرهن أحدًا من أصحابك على السير معك ". فلما قرأ الكتاب استرجع، ثم قال: سمعًا وطاهة لأمر الله ورسوله! فخبرهم بالخبر؛ وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا ذلك اليوم من رجب أو من جمادى! فقال المشركون للمسلمين: فعلتم كذا وكذا في الشهرالحرام! فأتوا النبي ص، فحدثوه الحديث، فأنزل الله عز وجل: " يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه " إلى قوله: " والفتنة أكبر من القتل "، الفتنة هي الشرك.
    وقال بعض الذين - أظنه قال -: كانوا في السرية: والله ما قتله إلا واحدٌ؛ فقال: إن خيرًا فقد وليت، وإن يكن ذنبًا فقد علمت.
    ذكر بقية ما كان في السنة الثانية من سني الهجرة

    من ذلك ما كان من صرف الله عز وجل قبلة المسلمين من الشأم إلى الكعبة، وذلك في السنة الثانية من مقدم النبي ص المدينة في شعبان.
    واختلف السلف من العلماء في الوقت الذي صرفت فيه من هذه السنة؛ فقال بعضهم - وهم الجمهور الأعظم: صرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرًا من مقدم رسول الله ص المدينة.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمر بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي - في خبر ذكره - عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي ص: كان الناس يصلون قبل بيت المقدس؛ فلما قدم النبي ص المدينة على رأس ثمانية عشر شهرًا من مهاجره، كان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر، وكان يصلي قبل بيت المقدس؛ فنسختها الكعبة، وكان النبي يحب أن يصلي قبل الكعبة، فأنزل الله عز وجل: " قد نرى تقلب وجهك في السماء.. "، الآية.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرًا من مقدم رسول الله المدينة.
    وحدثت عن ابن سعد، عن الواقدي مثل ذلك. وقال: صرفت القبلة في الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان.
    قال أبو جعفر: وقال آخرون: إنما صرفت القبلة إلى الكعبة لستة عشر شهرًا مضت من سني الهجرة.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا المثنى بن إبراهيم الآملي، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا همام بن يحيى، قال: سمعت قتادة، قال: كانوا يصلون نحو بيت المقدس، ورسول الله ص بمكة قبل الهجرة، وبعد ما هاجر رسول الله ص صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثم وجه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام.
    حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: استقبل النبي ص بيت المقدس ستة عشر شهرا، فبلغه أن يهود تقول: والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم! فكره ذلك النبي ص، ورفع وجهه إلى السماء، فقال الله عز وجل: " قد نرى تقلب وجهك في السماء.. " الآية.
    قال أبو جعفر: وفي هذه السنة فرض - فيما ذكر - صوم رمضان. وقيل: إنه فرض في شعبان منها. وكان النبي ص حين قدم المدينة، رأى يهود تصوم يوم عاشوراء؛ فسألهم فأخبروه أنه اليوم الذي غرق الله فيه آل فرعون، ونجى موسى ومن معه منهم؛ فقال: نحن أحق بموسى منهم، فصام وأمر الناس بصومه، فلما فرض صوم شهر رمضان، لم يأمرهم بصوم يوم عاشوراء، ولم ينههم عنه.
    وفيها أمر الناس بإخراج زكاة الفطر. وقيل إن النبي ص خطب الناس قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، وأمرهم بذلك.
    وفيها خرج إلى المصلى فصلى بهم صلاة العيد؛ وكان ذلك أول خرجةٍ خرجها بالناس إلى المصلى لصلاة العيد.
    وفيها - فيما ذكر - حملت العنزة له إلى المصلى فصلى إليها، وكانت للزبير بن العوام - كان النجاشي وهبها له - فكانت تحمل بين يديه في الأعياد، وهي اليوم فيما بلغني عند المؤذنين بالمدينة.
    وفيها كانت وقعة بدر الكبرى بين رسول الله صلى عليه وسلم والكفار من قريش؛ وذلك في شهر رمضان منها.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #86
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم اختلفوا في اليوم الذي فيه كانت الحرب بينه وبينهم، فقال بعضهم: كانت وقعة بدر يوم تسعة عشر من شهر رمضان.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: التمسوا ليلة القدر في تسع عشرة ليلةً من رمضان؛ فإنها ليلة بدر.
    حدثنا محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حجير الثعلبي، عن الأسود عن عبد الله، قال: التمسوا ليلة القدر في تسع عشرة من رمضان، فإن صبيحتها كانت صبيحة بدر.
    حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبيد بن محمد المحاربي، قال: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن زيد، أنه كان لا يحيي ليلةً من شهر رمضان كما يحيى ليلة تسع عشرة وثلاث وعشرين، ويصبح وجهه مصفرًا من أثر السهر، فقيل له، فقال: إن الله عز وجل فرق في صبحيتها بين الحق والباطل.
    وقال آخرون: كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن حجير، عن الأسود وعلقمة، أن عبد الله بن مسعود، قال: التمسوها في سبع عشرة. وتلا هذه الآية: " يوم التقى الجمعان "، يوم بدر، ثم قال: أو تسع عشرة، أو إحدى وعشرين.
    حدثنا الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قل: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا الثوري، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال: كانت بدر صبيحة تسع عشرة من رمضان.
    حدثنا الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثنا الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبدالله مثله.
    قال الحارث: قال ابن سعد، قال الواقدي: فذكرت ذلك لمحمد بن صالح، فقال: هذا أعجب الأشياء؛ ما ظننت أن أحدًا من أهل الدنيا شك في هذا؛ إنها صبيحة سبع عشرة من رمضان، يوم الجمعة.
    قال محمد بن صالح: وسمعت عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان؛ يقولان ذلك. قال لي محمد بن صالح: يا بن أخي، وما تحتاج إلى تسمية الرجال في هذا! هذا أبين من ذلك؛ ما يجهل هذا النساء في بيوتهن.
    قال الواقدي: فذكرته لعبد الرحمن بن أبي الزناد، فقال: أخبرني أبي، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت، أنه كان يحيى ليلة سبع عشرة من شهر رمضان؛ وإنن كان ليصبح وعلى وجهه أثر السهر، ويقول: فرق الله في صبحيتها بين الحق والباطل، وأعز في صبحها الإسلام، وأنزل فيها القرآن، وأذل فيها أئمة الكفر.
    وكانت وقعة بدر يوم الجمعة. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى ابن واضح، قال: حدثني يحيى بن يعقوب أبو طالب، عن أبي عون محمد ابن عبيد الله الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب، قال: قال قال الحسن بن علي بن أبي طالب: كانت ليلة الفرقان يوم التقى، الجمعان، لسبع عشرة من رمضان.
    وكان الذي هاج وقعة بدر وسائر الحروب التي كانت بين رسول الله ص وبين مشركي قريش - فيما قال عروزة بن الزبير - ما كان من قتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي.
    ذكر وقعة بدر الكبرى

    حدثنا علي بن نصر بن علي، وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث - قال علي: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، وقال عبد الوارث: حدثني أبي - قال: حدثنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن وعروة، أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد، فإنك كتبت إلى في أبي سفيان ومخرجه، تسألني كيف كان شأنه؟ كان من شأنه أن أبا سفيان بن حرب أقبل من الشام في قريب من سبعين راكبًا من قبائل قريش كلها، كانوا تجارًا بالشام، فأقبلوا جميعًا معهم أموالهم وتجارتهم، فذكروا لرسول الله ص وأصحابة؛ وقد كانت الحرب بينهم قبل ذلك، فقتلت قتلى، وقتل ابن الحضرمي في ناس بنخلة، وأسرت أسارى من قريش؛ فيهم بعض بني المغيرة، وفيهم ابن كيسان مولاهم، أصابهم عبد الله بن جحش وواقد حليف بني عدي بن كعب، في ناسٍ من أصحاب رسول الله ص بعثهم مع عبد الله بن جحش، وكانت تلك الوقعة هاجت الحرب بين رسول الله ص وبين قريش، وأول ما أصاب به بعضهم بعضًا من الحرب، وذلك قبل مخرج أبي سفيان وأصحابه إلى الشأم.
    ثم إن أبا سفيان أقبل بعد ذلك ومن معه من ركبان قريش مقبلين من الشأم، فسلكوا طريق الساحل، فلما سمع بهم رسول الله ندب أصحابه وحدثهم بما معهم من الأموال، وبقلة عددهم، فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان والركب معه؛ لا يرونها إلا غنيمة لهم؛ لا يظنون أن يكون كبير قتال إذا لقوهم، وهي التي أنزل الله عز وجل فيها: " وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ".
    فلما سمع أبو سفيان أن أصحاب رسول الله ص معترضون له، بعث إلى قريش: إن محمدا وأصحابه معترضون لكم، فأجيروا تجارتكم. فلما أتى قريشًا الخبر - وفي عير أبي سفيان؛ من بطون كعب ابن لؤي كلها - نفر لها أهل مكة؛ وهي نفرة بني كعب بن لؤي، ليس فيها من بني عامر أحدٌ إلا من كان من بني مالك بن حسل؛ ولم يسمع بنفرة قريش رسول الله ص ولا أصحابه؛ حتى قدم النبي ص بدرًا - وكان طريق ركبان قريش، من أخذ منهم طريق الساحل إلى الشأم - فخفض أبو سفيان عن بدر ولزم طريق الساحل، وخاف الرصد على بدر وسار النبي ص، حتى عرس قريبًا من بدر، وبعث النبي ص الزبير بن العوام في عصابة من أصحابه إلى ماء بدر، وليسوا يحسبون أن قريشًا خرجت لهم، فبينا النبي ص قائم يصلي؛ إذا ورد بعد روايا قريش ماء بدر وفيمن ورد من الروايا غلام لبني الحجاج أسود؛ فأخذه النفر الذي بعثهم النبي ص مع الزبير إلى الماء، وأفلت بعض أصحاب العبد نحو قريش، فأقبلوا به حتى أتوا به رسول الله ص وهو في معرسه، فسألوه عن أبي سفيان وأصحابه؛ لا يحسبون إلا أنه معهم، فطفق العبد يحدثهم عن قريش ومن خرج منها، وعن رءوسهم، ويصدقهم الخبر، وهو أكره شيء إليهم الخبر الذي يخبرهم؛ وإنما يطلبون حينئذ بالركب أبا سفيان وأصحابه، والنبي ص يصلي؛ يركع ويسجد ويرى ويسمع ما يصنع بالعبد، فطفقوا إذا ذكر لهم أنها قريش جاءتهم ضربوه وكذبوه وقالوا: إنما تكتمنا أبا سفيان وأصحابه؛ فجعل العبد إذا أذلقوه بالضرب وسألوه عن أبي سفيان وأصحابه - وليس لهم بهم علم؛ إنما هو من روايا قريش - قال: نعم، هذا أبو سفيان والركب حينئذ أسفل منهم؛ قال الله عز وجل: " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم " - حتى بلغ - " أمرًا كان مفعولًا "، فطفقوا إذا قال لهم العبد: هذه قريش قد أتتكم ضربوه، وإذا قال لهم: هذا أبو سفيان تركوه.
    فلما رأى صنيعهم النبي ص انصرف من صلاته وقد سمع الذي أخبرهم فزعموا أن رسول الله ص، قال: والذي نفسي بيده، إنكم لتضربونه إذا صدق وتتركونه إذا كذب! قالوا: فإنه يحدثنا أن قريشًا قد جاءت، قال: فإنه قد صدق؛ قد خرجت قريش تجير ركابها، فدعا الغلام فسأله فأخبره بقريش، وقال: لا علم لي بأبي سفيان، فسأله: كم القوم؟ فقال: لا أدري؛ والله هم كثير عددهم. فزعموا أن النبي ص، قال: من أطعمهم أول من أمس؟ فسمى رجلًا أطعمهم، فقال: كم جزائر نحر لهم؟ قال: تسع جزائر، قال فمن أطعمهم أمس؟ فسمى رجلًا، فقال كم نحر لهم؟ قال: عشر جزائر؛ فزعموا أن النبي ص قال: القوم ما بين التسعمائة إلى الألف. فكان نفرة قريش يومئذ خمسين وتسعمائة.
    فانطلق النبي ص فنزل الماء وملأ الحياض، وصف عليها أصحابه، حتى قدم عليه القوم، فلما ورد رسول الله ص بدرًا قال: هذه مصارعهم؛ فوجدوا النبي ص قد سبقهم إليه ونزل عليه. فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي ص قال: هذه قريش قد جاءت بجلبتها وفخرها؛ تحادك وتكذب رسولك! اللهم إني أسألك ما وعدتني.
    فلما أقبلوا استقبلهم، فحثا في وجوههم التراب؛ فهزمهم الله. وكانوا قبل أن يلقاهم النبي ص قد جاءهم راكب من أبي سفيان والركب الذين معه: أن ارجعوا - والركب الذين يأمرون قريشًا بالرجعة بالجحفة - فقالوا: والله لا نرجع حتى ننزل بدرًا، فنقيم فيه ثلاث ليال، ويرانا من غشينا من أهل الحجاز؛ فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا. وهم الذين قال الله عز وجل: " الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس "؛ فالتقوا هم والنبي ص، ففتح الله على رسوله، وأخزى أئمة الكفر وشفى صدور المسلمين منهم.


  • #87
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    حدثني هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن المقداد، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن علي عليه السلام، قال: لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها، فاجتويناها، وأصابنا بها وعكٌ، وكان رسول الله ص يتخبر عن بدر؛ فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله ص إلى بدر - وبدر بئر - فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين، منهم رجلٌ من قريش، ومولى لعقبة بن أبي معيط؛ فأما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير، شديدٌ بأسهم؛ فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى رسول الله ص فقال له: كم القوم؟ فقال: هم والله كثير، شديد بأسهم، فجهد النبي أن يخبره كم هم، فأبى. ثم أن رسول الله ص سأله: كم ينحرون من الجزر؟ فقال: عشرًا كل يوم، قال رسول الله ص: القوم ألف.
    ثم إنه أصابنا من الليل طشٌ من المطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله ص يدعو ربه: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. فلما أن طلع الفجر نادى: الصلاة عباد الله! فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله ص، وحرض على القتال، ثم قال: إن جمع قريش عند هذه الضلعة من الجبل. فلما أن دنا القوم منا وصاففناهم، إذ رجلٌ من القوم على جمل أحمر يسير في القوم، فقال رسول الله ص: يا علي، ناد لي حمزة - وكان أقربهم إلى المشركين -: من صاحب الجمل الأحمر؟ وماذا يقول لهم؟ وقال رسول الله ص: إن يكن في القوم من يأمر بالخير، فعسى ان يكون صاحب الجمل الأحمر، فجاء حمزة، فقال: هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال، ويقول لهم: إني أرى قومًا مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير؛ يا قوم اعصبوها اليوم برأسي، وقولوا: جبن عتبة بن ربيعة، ولقد علمتم أني لست بأجبنكم.
    قال: فسمع أبو جهل فقال: أنت تقول هذا! والله لو غيرك يقول هذا لعضضته! لقد ملئت رئتك وجوفك رعبًا، فقال عتبة: إياي تعير يا مصفر استه! ستعلم اليوم أينا أجبن! قال: فبرز عتبة بن ربيعة وأخوه شبية بن ربيعة، وابنه الوليد، حميةً، فقالوا: من يبارز؟ فخرج فتية من الأنصار ستة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء؛ ولكن يبارزنا من بنى عمنا من بنى عبد المطلب. فقال رسول الله ص: يا علي قم، يا حمزة قم، يا عبيدة بن الحارث قم، فقتل الله عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وجرح عبيدة بن الحارث؛ فقتلنا منهم سبعين، وأسرنا منهم سبعين.
    قال: فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا، فقال: يا رسول الله؛ والله ما هذا أسرني، ولكن أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهًا، على فرس أبلق، ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته، فقال رسول الله ص: لقد آزرك الله بملكٍ كريم. قال علي: فأسر من بني عبد المطلب العباس وعقيل ونوفل بن الحارث.
    حدثني جعفر بن محمد البزوري، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي، قال: لما أن كان يوم بدر، وحضر البأس اتقينا برسول اله، فكان من أشد الناس بأسًا وما كان منا أحدٌ أقرب إلى العدو منه.
    حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي، قال: سمعته يقول: ما كان فينا فارسٌ يوم بدر غير مقداد بن الأسود؛ ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائمٌ، إلا رسول الله ص قائمًا إلى شجرة يصلي، ويدعو حتى الصبح.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: إن رسول الله ص سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلًا من الشام في عيرٍ لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم؛ وفيها ثلاثون راكبًا من قريش - أو أربعون - منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام ابن سعيد بن سهم.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: فحدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان؛ عن عروة وغيرهم من علمائنا، عن عبد الله بن عباس، كل قد حدثني بعض هذا الحديث؛ فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر، قالوا: لما سمع رسول الله بأبي سفيان مقبلًا من الشأم، ندب المسلمين إليهم، وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل الله أن ينفلكموها، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم؛ وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله يلقى حربًا، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار، ويسأل من لقى من الركبان تخوفًا على أموال الناس؛ حتى أصاب خبرًا، من بعض الركبان؛ أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك. فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشًا يستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدًا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس ويزيد ابن رومان، عن عروة، قال: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي، والله لقد رأيت الليلة رؤيا لقد أفظعتني، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم علي ما أحدثك به قال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبًا أقبل على بعيرٍ له حتى وقف بالأبطح. ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا با آل غدر لمصارعكم في ثلاث! فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينا هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بأعلى صوته بمثلها: أن انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث! ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقى بيت من بيوت مكة، ولا دارٌ من دورها إلا دخلت منها فلقة.
    قال العباس: والله إن هذه الرؤيا رأيت فاكتميها ولا تذكريها لأحد.
    ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة - وكان له صديقًا - فذكرها له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث؛ حتى تحدثت به قريش في أنديتها.
    قال العباس: فغ*** أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعودٌ يتحدثون برؤيا عاتكة؛ فلما رآني أبو جهل، قال: يا أبا الفضل؛ إذا فرغت من طوافك فأقبل علينا. قال: فلما فرغت أقبلت إليه حتى جلست معهم، فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب، متى حدثت فيكم هذه النبية! قال: قلت: وما ذاك؟ قال: الرؤيا التي رأت عاتكة، قال: قلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم، حتى تنبأ نساؤكم! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث! فسنتربص بكم هذه الثلاث؛ فإن يكن ما قالت حقًا فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء؛ نكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيتٍ في العرب.
    قال العباس: فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئًا. قال: ثم تفرقنا؛ فلما أمسيت لم تبق امرأةٌ من بني المطلب إلا أتتني، فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع؛ ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت! قال: قلت: قد والله فعلت؛ ما كان مني إليه من كبيرٍ، وايم الله لأتعرضن له؛ فإن عاد لأكفينكموه.
    قال: فغ*** في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا حديد مغضب، أرى أن قد فاتني منه أمرٌ أحب أن أدركه منه.
    قال: فدخلت المسجد فرأيته؛ فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به - وكان رجلًا خفيفًا حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر - إذ خرج نحو باب المسجد يشتد. قال: قلت: في نفسي: ما له لعنه الله! أكل هذا فرقًا من أن أشائمه! قال: وإذا هو قد سمع ما لم أسمع؛ صوت ضمضم بن عمرو الغفاري، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره، قد جدع بعيره، وحول رحله، وشق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث!
    قال: فشغلني عنه شغله عني ما جاء من الأمر. فتجهز الناس سراعًا، وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي! كلا والله ليعلمن غير ذلك. فكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رجلًا، وأوعبت قريش فلم يتخلف من أِشرافها أحدٌ؛ إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب تخلف، فبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها على أن يجزى عنه بعثه، فخرج عنه وتخلف أبو لهب.


  • #88
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، أن أمية بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخًا جليلًا ثقيلًا، فأتاه عقبة بن أبي معيط، وهو جالس في المسجد بين ظهري قومه بمجمرة يحملها، فيها نار ومجمر، حتى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا علي، استجمر، فإنما أنت من النساء، قال: قبحك الله وقبح ما جئت به! قال: ثم تجهز مع الناس، فلما فرغوا من جهازهم، وأجمعوا السير؛ ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر؛ فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعثم المدلجي - وكان من أشراف كنانة - فقال: أنا جارٌ لكم من أن يأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعًا.
    قال أبو جعفر: وخرج رسول الله ص - فيما بلغني عن غير ابن إسحاق - لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا من أصحابه؛ فاختلف في مبلغ الزيادة على العشرة.
    فقال بعضهم، كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلًا.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر كعدة أصحاب طالوت، ثلثمائة رجل وثلاثة عشر رجلًا؛ الذين جاوزوا النهر؛ فسكت.
    حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا أبو مالك الجنبي، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلًا؛ وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلًا، وكان صاحب راية رسول الله ص علي بن أبي طالب عليه السلام، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.
    وقال آخرون: كانوا ثلثمائة رجل وأربعة عشر، من شهد منهم، ومن ضرب بسهمه وأجره؛ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
    وقال بعضهم: كانوا ثلثمائة وثمانية عشر.
    وقال آخرون: كانوا ثلثمائة وسبعة.
    وأما عامة السلف، فإنهم قالوا: كانوا ثلثمائة رجل وبضعة عشر رجلًا.
    ذكر من قال ذلك
    حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، وحدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قالا: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر - ولم يجز معه إلا مؤمن - ثلثمائة وبضعة عشر.
    حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب النبي ص كانوا يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا، على عدة أصحاب طالوت؛ من جاز معه النهر؛ وما جاز معه إلا مؤمنٌ.
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي؛ عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، بنحوه.
    حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد ابن المغيرة، عن مسعر، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت.
    حدثني أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مسعر، عن أبي إسحاق، عن البراء، مثله.
    حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله ص قال لأصحابه يوم بدر: أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت، وكان أصحاب نبي الله ص يوم بدر ثلثمائةً وبضعة عشر رجلًا.
    حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: خلص طالوت في ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا؛ عدة أصحاب بدر.
    حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان مع النبي ص يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا.
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: وخرج رسول الله ص في أصحابه، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجار، في ليالٍ مضت من شهر رمضان؛ فسار حتى إذا كان قريبًا من الصفراء، بعث بسبس بن عمرو الجهني، حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر، يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب وعيره، ثم ارتحل رسول الله ص، وقد قدمهما؛ فلما استقبل الصفراء - وهي قرية بين جبلين - سأل عن جبليهما: ما أسماءهما؟ فقالوا لأحدهما: هذا مسلح؛ وقالوا للآخر: هذا مخرىء، وسأل عن أهلهما، فقالوا: بنو النار وبنو حراق بطنان من بني غفار، فكرههما رسول الله ص والمرور بينهما، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهاليهما؛ فتركهما والصفراء بيسار، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران؛ فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل.
    وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النبي ص الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر رضي الله عنه، فقال فأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فنحن معك؛ والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون "؛ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
    فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله ص خيرًا، ودعا له بخير.
    حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى، قال: حدثنا المخارق، عن طارق، عن عبد الله بن مسعود، قال: لقد شهدت من المقداد مشهدًا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الأرض من شيء؛ كان رجلًا فارسًا، وكان رسول الله ص إذا غضب احمارت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال، فقال، أبشر يا رسول الله، فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أن وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون "، ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، أو يفتح الله لك.
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. ثم قال رسول الله ص: أشيروا علي أيها الناس - وإنما يريد الأنصار؛ وذلك أنهم كانوا عدد الناس؛ وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله؛ إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا؛ نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا؛ فكان رسول الله ص يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرته؛ إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم - فلما قال ذلك رسول الله ص، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله! قال: أجل، قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا؛ على السمع والطاعة، فامضي يا رسول الله لما أردت؛ فوالذي بعثك بالحق إن اسعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك؛ ما تخلف منا رجلٌ واحد؛ وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا! إن لصبرٌ عند الحرب؛ صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك؛ فسر بنا على بركة الله.
    فسر رسول الله ص بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: سيروا على بركة الله، وأبشروا؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين؛ والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.
    ثم ارتحل رسول الله ص من ذفران، فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر، ثم انحط منها على بلد يقال لها الدبة، وترك الحنان بيمين؛ - وهو كثيب عظيم كالجبل - ثم نزل قريبًا من بدر، فركب هو ورجلٌ من أصحابه - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان - حتى وقف على شيخ من العرب؛ فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه، وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما! فقال له رسول الله ص: إذا أخبرتنا أخبرناك؛ فقال: وذاك بذاك! قال: نعم، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسول الله ص - وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا؛ فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به قريش - فلما فرغ من خبره، قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله ص: نحن من ماء، ثم انصرف عنه. قال: يقول الشيخ: ما من ماءٍ، أمن ماء العراق! ثم رجع رسول الله ص إلى أصحابه؛ فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص، في نفرٍ من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر عليه - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال، حدثنا محمد بن إسحاق، كما حدثني يزيد بن رومان، عن عرورة بن الزبير - فأصابوا راويةً لقريش فيها أسلم؛ غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار، غلام بني العاص بني سعيد؛ فأتوا بهما رسول الله ص، ورسول الله ص قائم يصلي؛ فسألوهما، فقالا: نحن سقاة قريش؛ بعثونا لنسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، وركع رسول الله ص، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقال: إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما! صدقا والله! إنهما لقريش؛ أخبراني: أين قريش؟ قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب: العقنقل - فقال رسول الله ص لهما: كم القوم؟ قالا: كثيرٌ، قال: ما عدتهم؟ قالا: لا ندري، قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، قال رسول الله ص: القوم ما بين التسعمائة والألف.
    ثم قال لهما رسول الله ص: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قال: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنضر بن الحارث بن كلدة، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل ابن هشام، وأمية بن خلف ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فأقبل رسول الله ص على الناس، فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
    قالوا: وقد كان بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء مضيا حتى نزلا بدرًا، فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شنًا يستقيان فيه - ومجدى بن عمرو الجهنى على الماء - فسمع عدى وبسبس جاريتين من جواري الحاضر؛ وهما تتلازمان على الماء؛ والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتي العير غدًا أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك. قال: مجدى: صدقت، ثم خلص بينهما؛ وسمع ذلك عدى وبسبس، فجلسا على بعيرهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله ص، فأخبراه بما سمعا.

  • صفحة 22 من 33 الأولىالأولى ... 12202122232432 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM
    2. معجم البلدان الجزء الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 110
      آخر مشاركة: 07-15-2010, 11:59 PM
    3. فن الرسم في الماء
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 07-03-2010, 10:24 PM
    4. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1