صفحة 25 من 28 الأولىالأولى ... 152324252627 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 97 إلى 100 من 110

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء التاسع)


  1. #97
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فأحضرهم وعرضوا رجلًا رجلًا، وأعطوا. ثم رحل إلى عسكر مكرم، فجعله مزلًا اجتازه. ورحل منه فوافى الأهواز، وهو يرى أنه تقدمه إليها من الميرة ما يحمل عساكره. فغلظ الأمر في ذلك اليوم، واضطرب له الناس اضطرابًا شديدًا، وأقام ثلاثة أيام ينتظر ورود المير؛ فلم ترد، فساءت أحوال الناس، وكاد ذلك يفرق جماعتهم، فبحث أبو أحمد عن السبب المؤخر ورودها، فوجد الجند قد كانوا قطعوا قنطرة قديمة أعجمية كانت بين سوق الأهواز ورام هرمز يقال لها قنطرة أربك، فامتنع التجار ومن يحمل الميرة من تطرقه لقطع تلك القنطرة. فركب أبو أحمد إليها وهي على فرسخين من سوق الأهواز، فجمع من كان بقي في العسكر من السودان، وأمرهم بنقل الحجارة والصخر لإصلاح هذه القنطرة وبذل لهم الأموال الرغيبة، فلم يرم حتى أصلحت في يومه ذلك، وردت إلى ما كانت عليه؛ فسلكها الناس. ووافت القوافل بالمير، فحيى أهل العسكر، وحسنت أحوالهم.
    وأمر أبو أحمد بجمع السفن لعقد الجسر على دجيل، فجمعت من كور الأهواز وأخذ في عقد الجسر، وأقام بالأهواز أيامًا حتى أصلح أصحابه أمورهم، وما احتاجوا من آلاتهم، وحسنت أحوال دوابهم، وذهب عنها ما كان نالها من الضر بتخلف الأعلاف، ووافت كتب القوم الذين كانوا تخلفوا عن المهلبي، وأقاموا بسوق الأهواز يسألونه الأمان، فآمنهم فأتاه نحو من ألف رجل، فأحسن إليهم، وضمهم إلى قواد غلمانه، وأجرى لهم الأرزاق، وعقد الجسر على دجيل، فرحل بعد أن قدم جيوشه، فعبر الجسر وعسكر بالجانب الغربي من دجيل في الموضع المعروف بقصر المأمون، فأقام هنالك ثلاثًا وأصابت الناس في هذا الموضع من الليل زلزلة هائلة، وقى الله شرها، وصرف مكروهها.
    وقد كان أبو أحمد قبل عبور الجسر المعقود عى دجيل قدم أبا العباس ابنه إلى الموضع الذي كان عزم على نزوله من دجلة العوراء، وهو الموضع المعروف بنهر المبارك من فرات البصرة، وكتب إلى ابنه هارون بالانحدار في جميع الجيش المتخلف معه إلى هر المبارك أيضًا لتجتمع العساكر هناك، فرحل أبو أحمد عن قصر المأمون، فنزل بقورج العباس، ووافاه أحمد بن أبي الأصبغ هنالك بما صالح عليه محمد بن عبيد الله وبهدايا أهداها إليه من دواب وضوار وغير ذلك. ثم رحل عن القورج، فنزل بالجعفرية، ولم يكن بهذه القرية ماء إلا من آبار كان أبو أحمد تقدم بحفرها في عسكره، وأنفذلذلك سعدًا الأسود مولى عبيد الله بن محمد بن عمار من قورج العباس، فحفرت، فأقام بهذا الموضع يومًا وليلة، وألفى هناك ميرًا مجموعة، واتسع الناس بها، وتزودوا منها.
    ثم رحل إلى الموضع المعروف بالبشير، وألفى فيه غديرًا من المطر، فأقام به يومًا وليلة، ورحل في آخر الليل يريد نهر المبارك، فوافاه بعد صلاة الظهر، وكان منزلًا بعيد المسافة؛ وتلقاه ابناه أبو العباس وهارون في طريقه، فسلما عليه، وسارا بسيره، حتى ورد نهر المبارك، وذلك يوم السبت للنصف من رجب سنة سبع وستين ومائتين.
    وكان لزيرك ونصير في الذي كان أبو أحمد وجه فيه زيرك من تتبع فل الخبيث من طهيثا أثر فيما بين فصول أبي أحمد من واسط إلى حال مصيره إلى نهر المبارك؛ وذلك ما ذكره محمد بن الحسن عن محمد بن حماد، قال: لما اجتمع زيرك ونصير بدجلة العوراء انحدرا حتى وافيا الأبلة، فاستأمن إليهما رجل من أصحاب الخبيث، فأعلمهما أن الخبيث قد أنفذ عددًا كثيرًا من السميريات والزواريق والصغ مشحونة بالزنج، يرأسهم رجل من أصحابه، يقال له محمد بن إبراهيم يكنى أبا عيسى، ومحمد بن إبراهيم هذا رجل من أهل البصرة، كان جاء به رجل من الزنج عند خراب البصرة يقال له يسار، كان على شرطة الفاسق، فكان يكتب ليسار على ما كان يلي حتى مات، وارتفعت حال أحمد بن مهدي الجبائي عند الخبيث، فولاه أكثر أعماله، وضم محمد بن إبراهيم هذا إليه، فكان كاتبه إلى أن هلك الجبائي - فطمع محمد بن إبراهيم هذا في مرتبته، وأن يحله الخبيث محل الجبائي، فنبذ الدواة والقلم، ولبس آلة الحرب، وتجرد للقتال، فأنهضه الخبيث في هذا الجيش، وأمره بالاعتراض في دجلة لمدافعة من يردها من الجيوش، فكان في دجلة أحيانًا، وأحيانًا يأتي بالجمع الذي معه إلى النهر المعروف بنهر يزيد، ومعه في ذلك الجيش شبل بن سالم وعمرو المعروف بغلام بوذى وأجلاد من السودان وغيرهم، فاستأمن رجل كان في ذلك الجيش إلى زيرك ونصير، وأخبرهما خبره، وأعلمهما أن محمد بن إبراهيم على القصد لسواد عسكر نصير، ونصير يومئذ معسكر بنهر المرأة، وأنهم على أن يسلكوا الأنهار المعترضة على نهر معقل وبثق شيرين، حتى يوافوا الموضع المعروف بالشرطة، ليخرجوا من وراء العسكر فيكبوا على ىطرفيه؛ فرجع نصير عند وصول هذا الخبر إليه من الأبلة مبادرًا إلى معسكره، وسار زيرك قاصدًا لبثق شيرين، حتى صار من مؤخرة في موضع يعرف بالميشان؛ وذلك أنه قدر أن محمد بن إبراهيم ومن معه يأتون عسكر نصير من ذلك الطريق؛ فكان ذلك كما ظن، ولقيهم في طريقهم فوهب الله له العو عليهم بعد صبر منهم، ومجاهدة شديدة؛ فانهزموا ولجئوا إلى النهر الذي كانوا وضعوا الكمين فيه، وهو نهر يزيد، فدل زيرك عليهم، فتوغلت عليهم سميرية وشذواته، فقتل منهم طائفة، وأسر طائفة، وكان ممن ظفر به منهم محمد بن إبراهيم المكنى أبا عيسى وعمرو المعروف بغلام بوذى، وأخذ ما كان معه من السميريات، وذلك نحو من ثلاثين سميرية، وأفلت شبل في الذين نجوا، فلحق بعسكر الخبيث، وخرج زيرك من بثق شيرين ظافرًا السفن، فانصرف زيرك من دجلة العوراء إلى واسط؛ وكتب إلى أبي أحمد بما كان من حربه والنصر والفتح.
    وكان فيمن كان من زيرك في ذلك وصول الجزع إلى كل من كان بدجلة وكورها من أتباع الفاسق، فاستأمن إلى أبي حمزة وهو مقيم بنهر المرأة منهم زهاء ألفي رجل - فيما قيل - فكتب بخبرهم إلى أبي أحمد، فأمره بقبولهم وإقرارهم على الأمان وإجراء الأرزاق عليهم، وخلطهم بأصحابه ومناهضته العدو بهم.
    وكان زيرك مقيمًا بواسط إلى حين ورود كتاب أبي أحمد على ابنه هارون بالمصير بالجيش المتخلف معه إلى نهر المبارك، فانحدر زيرك مع هارون، وكتب أبو أحمد إلى نصير وهو بنهر المرأة يأمره بالإقبال إليه إلى نهر المبارك، فوافاه هنالك؛ وكان أبو العباس عند مصيره إلى نهر المبارك انحدر إلى عسكر الفاسق في الشذا والسميريات، فأوقع به في مدينته بنهر أبي الخصيب.
    وكانت الحرب بينه وبينهم من أول النهار إلى آخر وقت الظهر، واستأمن إليه قائد من قواد الخبيث المضمومين كانوا إلى سليمان بن جامع، يقال له منتاب، ومعه جماعة من أصحابه؛ فكان ذلك مما كسر الخبيث وأصحابه، وانصرف أبو العباس بالظفر، وخلع على منتاب ووصله وحمله، ولما لقي أبو العباس أباه أعلمه خبر منتاب، وذكر له خروجه إليه بالأمان، فأمر أبو أحمد لمنتاب بخلعة وصلة وحملان، وكان منتاب أول من استأمن من قواد الزنج.
    ولما نزل أبو أحمد نهر المبارك يوم السبت للنصف من رجب سنة سبع وستين ومائتين، كان أول ما عمل به في أمر الخبيث - فيما ذكر محمد بن الحسن بن سهل، عن محمد بن حماد بن إسحاق بن حماد بن زيد - أن كتب إليه كتابًا يدعوه فيه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ركب من سفك الدماء وانتهاك المحارم وإخراب البلدان والأمصار، واستحلال الفروج والأموال، وانتحال ما لم يجعله الله له أهلًا من النبوة والرسالة، ويعلمه أن التوبة له مبسوطة، والأمان له موجود؛ فإن هو نزع عما هو عليه من الأمور التي يسخطها الله، ودخل في جماعة المسلمين، محا ذلك ما سلف من عظيم جرائمه؛ وكان له به الحظ الجزيل في دنياه. وأنفذ ذلك مع رسوله إلى الخبيث، والتمس الرسول إيصاله، فامتنع أصحاب الخبيث من إيصال الكتاب، فألقاه الرسول إليهم، فأخذوه وأتوا به إلى الخبيث، فقرأه فلم يزده ما كان فيه من الوعظ إلا فورًا وإصرارًا، ولم يجب عن الكتاب بشيء، وأقام على اغتراره، ورجع الرسول إلى أبي أحمد فأخبره بما فعل، وترك الخبيث الإجابة عن الكتاب. وأقام أبو أحمد يوم السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء متشاغلًا بعرض الشذا والسميريات وترتيب قواده ومواليه وغلمانه فيها، وتخير الرماة وترتيبهم في الشذا والسميريات، فلما كان يوم الخميس سار أبو أحمد في أصحابه، ومعه ابنه أبو العباس إلى مدينة الخبيث التي سماها المختارة من نهر أبي الخصيب، فأشرف عليها وتأملها، فرأى من منعتها وحصانتها بالسور والخنادق المحيطة بها وما عور من الطرق المؤدية إليها وأعد من المجانيق والعرادات والقسي الناوكية وسائر الآلات على سورها ما لم ير مثله ممن تقدم من منازعي السلطان، ورأى من كثرة عدد مقاتلتهم واجتماعهم ما استغلظ أمره. فلما عاين أصحابه أبا أحمد، ارتفعت أصواتهم بما ارتجت له الأرض، فأمر أبو أحمد عند ذلك ابنه أبا العباس بالتقدم إلى سور المدينة ورشق من عليه بالسهام، ففعل ذلك ودنا حتى ألصق شذواته بمسناة قصر الخائن، وانحازت الفسقة إلى الموضع الذي دنت منه الشذا، وتحاشدوا، وتتابعت سهامهم وحجارة مجانيقهم وعراداتهم ومقاليعهم، ورمى عوامه بالحجارة عن أيديهم، حتى ما يقع طرف ناظر من الشذا على موضع إلا رأى فيه سهمًا أو حجرًا، وثبت أبو العباس، فرأى الخائن وأشياعه من جدهم واجتهادهم وصبرهم ما لا عهد لهم بمثله من أحد حاربهم.


  • #98
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فأمر أبو أحمد أبا العباس ومن معه بالرجوع إلى مواقفهم ليروحوا عن أنفسهم ويداووا جراحهم، ففعلوا ذلك.
    واستأمن إلى أبي أحمد في تلك الحال مقاتلان من مقاتلة السميريات، فأتوه بسميريتهما وما فيها من الآلات والملاحين، فأمر للمقاتلين بخلع ديباج ومناطق محلاة، ووصلهما، وأمر للملاحين بخلع الحرير الأحمر والثياب البيض بما حسن موقعه منهم وعمهم جميعًا بصلاته، وأمر بإدنائهم من الموضع الذي يراهم فيه نظراؤهم؛ فكان ذلك من أنجع المكايد التي كيد بها الفاسق. فلما رأى الباقون ما صار إليه أصحابهم من العفو عنهم والإحسان إليهم، رغبوا في الأمان وتنافسوا فيه، فابتدروه مسرعين نحوه، راغبين فيما شرع لهم منه. فصار إلى أبي أحمد في ذلك اليوم عدد من أصحاب السميريات، فأمر فيهم بمثل ما أمر به في أصحابهم. فلما رأى الخبيث ركون أصحاب السميريات إلى الأمان واغتنامهم له أمر برد من كان منهم في دجلة إلى نهر أبي الخصيب، ووكل بفوهة النهر من يمنعهم من الخروج، وأمر بإظهار شذواته، وندب لهم بهبوذ بن عبد الوهاب وهو من أشد حماته بأسًا، وأكثرهم عددًا وعدة، فانتدب بهبوذ لذلك في أصحابه، وكان ذلك في وقت إقبال المد وقوته، وقد تفرقت شذوات أبي أحمد، ولحق أبو حمزة فيما معه منها بشرقي دجلة، فأقام هنالك وهو يرى أن الحرب قد انقضت، واستغني عنه.
    فلما ظهر بهبوذ فيما معه من الشذوات أمر أبو أحمد بتقديم شذواته، وأمر أبا العباس بالحمل على بهبوذ بما معه من الشذا، وتقدم إلى قواده وغلمانه بالحمل معه؛ وكان الذي صلي بالحرب من الشذوات التي مع أبي العباس وزيرك من الشذوات التي رتب فيها قواد الغلمان اثنتي عشرة شذاة. فنشبت الحرب، وطمع أصحاب الفاسق في أبي العباس وأصحابه لقلة عدد شذواتهم. فلما صدموا انهزموا. ووجه أبو العباس ومن معه في طلب بهبوذ، فألجئوه إلى فناء قصر الخبيث، وأصابته طعنتان، وجرح بالسهام جراحات، وأوهنت أعضاؤه بالحجارة، وخلي ما كان عليه مع أصحابه، فأولجوه نهر أبي الخصيب وقد أشفى على الموت، وقتل يومئذ ممن كان مع بهبوذ قائد من قواده ذو بأس ونجدة وتقدم في الحرب، يقول له عميرة، وظفر أصحاب أبي العباس بشذاة من شذوات بهبوذ، فقتل أهلها، وغرقوا، وأخذت الشذاة، وصار أبو العباس ومن معه بشذواتهم بعد أن أتاهم أمر أبي أحمد بذلك، وبإلحاق الشذا بشرقي دجلة وصرف الجيش. فلما رأى الفاسق جيش أبي أحمد مصرفًا أمر من كان انهزم في شذواته إلى نهر أبي الخصيب بالظهور ليسكن بذلك روعة أصحابه، وليكون صرفه إياهم إذا صرفهم عن غير هزيمة. فأمر أبو أحمد جماعة من غلمانه بأن يثبتوا صدور شذواتهم إليهم؛ ويقصدوهم. فلما رأوا ذلك ولوا منهزمين مذعورين، وتأخرت عنهم شذاة من شذواتهم، فاستأمن أهلها إلى أبي أحمد، ونكسوا علمًا أبيض كان معهم، فصاروا إليه في شذاتهم، فأومنوا وحبوا ووصلوا وكسوا. فأمر الفاسق عند ذلك برد شذواتهم إلى النهر ومنعها من الخروج، وكان ذلك في آخر النهار، وأمر أبو أحمد أصحابه بالرجوع إلى معسكرهم بنهر المبارك.
    واستأمن إلى أبي أحمد في هذا اليوم عند منصرفه خلق كثير من الزنج وغيرهم، فقبلهم، وحملهم في الشذا والسميريات، وأمر أن يخلع عليهم ويوصلوا ويحبوا، وتكتب أسمائهم في المضمومين إلى أبي العباس.
    وسار أبو أحمد، فوافى عسكره بعد العشاء الأخيرة، فأقام به يوم الجمعة والسبت والأحد، ثم عزم على نقل عسكره إلى حيث يقرب منه عليه القصد لحرب الخبيث، فركب الشذا في يوم الاثنين لست ليال بقين من رجب سنة سبع وستين ومائتين، ومعه أبو العباس والقواد من مواليه وغلمان، فيهم زيرك ونصير حتى وافى النهر المعروف بنهر جطي في شرقي دجلة، وهو حيال النهر المعروف باليهودي، فوقف عليه، وقدر فيه ما أراد وانصرف، وخلف به أبا العباس وزيرك ونصيرًا، وعاد إلى معسكره. فأمر فنودي في الناس بالرحيل إلى الموضع الذي اختار من نهر جطي، وتقدم في قود الدواب بعد أصلحت لها الطرق، وعقدت القناطر على الأنهار، وغدا في يوم الثلاثاء لخمس بقين من رجب في جميع عساكره حتى نزل نهر جطي، فأقام به إلى يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة سبع وستين ومائتين، ولم يحارب في شيء من هذه الأيام، وركب في هذا اليوم في الخيل والرجالة، ومعه جميع الفرسان، وجعل الرجالة والمطوعة في السفن والسميريات، على كل رجل منهم لأمته وزيه، وسار حتى وافى الفرات، ووازى عسكر الفاسق وأبو أحمد من أصحابه وأبتاعه في زهاء خمسين ألف رجل أو يزيدون، والفاسق يومئذ في زهاء ألف إنسان، كلهم يقاتل أو يدافع؛ فمن ضارب بسيف، وطاعن برمح، ورامٍ بقوس، وقاذف بمقلاع، ورام بعرادة أو منجنيق؛ وأضعفهم أمر الرماة بالحجارة عن أيديهم وهم النظارة المكثرون السواد، والمعتنون بالنعير والصياح، والنساء يشركنهم في ذلك.
    فأقام أبو أحمد في هذا اليوم بإزاء عسكر الفاسق إلى أن أضحى، وأمر فنودي أن الأمان مبسوط للناس؛ أسودهم وأحمرهم إلا الخبيث، وأمر بسهام فعلقت فيها رقاع مكتوب فيها من الأمان مثل الذي نودي به، ووعد الناس فيها الإحسان، ورمى بها إلى عسكر الخبيث، فمالت إليه قلوب أصحاب المارق بالرهبة والطمع فيما وعدهم من إحسانه وعفوه؛ فأتاه في ذلك اليوم جمع كثير يحملهم الشذا إليه، فوصلهم وحباهم. ثم انصرف إلى معسكره بنهر جطي، ولم يكن في هذا اليوم حرب.
    وقدم عليه قائدان من مواليه؛ أحدهما بكتمر والآخر جعفر بن بغلاغز، في جمع من أصحابهما فكان ورودهما زائدًا في قوة من مع أبي أحمد.
    ورحل أبو أحمد عن نهر جطي إلى معسكر قد كان تقدم في إصلاحه، وعقد القناطر على أنهاره، وقطع النهر ليوسعه بفرات البصرة بإزاء مدينة الفاسق؛ فكان نزوله هذا المعسكر في يوم الأحد للنصف من شعبان سنة سبع وستين ومائتين، وأوطن هذا المعسكر، وأقام به، ورتب قواده ورؤساء أصحابه مراتبهم فيه، فجعل نصيرًا صاحب الشذا والسميريات في جيشه في أول العسكر وآخره بالموضع الموازي النهر المعروف بجوى كور، وجعل زيرك التركي صاحب مقدمة أبي العباس في أصحابه موازيًا ما بين نهر أبي الخصيب وهو النهر الموسوم بنهر الأتراك والنهر المعروف بالمغيرة، ثم تلاه علي بن جهشيار حاجبه في جيشه.
    وكانت مضارب أبي أحمد وابنيه حيال الموضع المعروف بدير جابيل، وأنزل راشدًا مولاه في مواليه وغلمانه الأتراك والخزر والروم والديالمة والطبرية والمغاربة والزنج على النهر المعروف بهطمة، وجعل صاعد بن مخلد وزيره في جيشه من الموالي والغلمان فويق عسكر راشد، وأنزل مسرورًا البلخي في جيشه على النهر المعروف بسندادان، وأنزل الفضل ومحمدًا، لبني موسى ابن بغا في جيشهما على النهر المعروف بهالة، وتلاهما موسى دالجويه في جيشه وأصحابه، وجعل بغراج التركي على ساقته نازلًا على نهر جطي، وأوطنوه، وأقاموا به. ورأى أبو أحمد من حال الخبيث وحصانة موضعه وكثرة جمعه ما علم أنه لابد له من الصبر عليه ومحاصرته وتفريق أصحابه عنه؛ يبذل الأمان لهم، والإحسان إلى من أناب منهم، والغلطة على من أقام على غيه منهم، واحتاج إلى الاستكثار من الشذا وما يحارب به في الماء.
    فأمر بإنفاذ الرسل في حمل المير في البر والبحر وإدرارها إلى معسكره بالمدينة التي سماها الموفقية، وكتب إلى عماله في النواحي في حمل الأموال إلى بيت ماله في هذه المدينة. وأنفذ رسولًا إلى سيراف وجنابا في بناء الشذا والاستكثار منها لما احتاج إليه من ترتيبها في المواضع التي يقطع بها المير عن الخائن وأشياعه. وأمر بالكتاب إلى عماله في النواحي بإنفاذ كل من يصلح للإثبات في الديوان، ويرغب في ذلك، وأقام ينتظر شهرًا أو نحوه؛ فوردت المير متتابعةً يتلو بعضها بعضًا، وجهز التجار صنوف التجارات والأمتعة وحملوها إلى المدينة الموفقية، واتخذت بها الأسواق، وكثر بها التجار والمتجهزون من كل بلد، ووردتها مراكب البحر؛ وقد كانت انقطعت لقطع الفاسق وأصحابه سبلها قبل ذلك بأكثر من عشر سنين، وبنى أبو أحمد مسجد الجامع، وأمر الناس بالصلاة فيه، واتخذ دور الضرب، فضرب فيها الدنانير والدراهم، فجمعت مدينة أبي أحمد جميع المرافق، وسيق إليها صنوف المنافع حتى كان ساكنوها لا يفقدون بها شيئًا مما يوجد في الأمصار العظيمة القديمة، وحملت الأموال، وأدر للناس العطاء في أوقاته، فاتسعوا وحسنت أحوالهم، ورغب الناس جميعًا في المصير إلى المدينة الموفقية والمقام فيها.
    وكان الخبيث بعد ليلتين من نول أبي أحمد مدينته الموفقية أمر بهبوذ بن عبد الوهاب، فعبر والناس غارون في سميريات إلى طرف عسكر أبي حمزة، فأوقع به، وقتل جماعة من أصحابه، وأسر جماعة، وأحرق كوخات كانت لهم قبل أن يبني الناس هنالك. فأمر أبو أحمد نصيرًا عند ذلك بجمع أصحابه، وألا يطلق لأحد مفارقة عسكره، وأن يحرس أقطار عسكره بالشذا والسميريات والزواريق فيها الرجالة إلى آخر ميان روذان والقندل وأبرسان، للإيقاع بمن هنالك من أصحاب الفاسق.
    وكان بميان روذان من قواده أيضًا إبراهيم بن جعفر الهمذاني في أربعة آلاف من الزنج، ومحمد بن أبان المعروف بأبي الحسن أخو علي بن أبان بالقندل في ثلاثة آلاف، والمعروف بالدور في أبرسان في ألف وخمسمائة من الزنج والجبائيين، فبدأ أبو العباس بالهمذاني فأوقع به، وجرت بينهما حروب، قتل فيها خلق كثير من أصحاب الهمذاني، وأسر منهم جماعة، وأفلت الهمذاني في سميرية قد كان أعدها لفسه، فلحق فيها بأخي المهلبي المكنى بأبي الحسن، واحتوى أصحاب أبي العباس على ما كان في أيدي الزنج وحملوه إلى عسكرهم.
    وقد كان أبو أحمد تقدم إلى ابنه أبي العباس في بذل الأمان لمن رغب فيه، وأن يضمن لمن صار إليه الإحسان، فصار إليه طائفة منهم في الأمان فآمنهم، فصار بهم إلى أبيه، فأمر لكل واحد منهم من الخلع والصلات على أقدارهم في أنفسهم، وأن يوقفوا بإزاء نهر أبي الخصيب ليعاينهم أصحابهم. وأقام أبو أحمد يكايد الخائن ببذل الأمان لمن صار إليه من الزنج وغيرهم، ومحاصرة الباقين والتضييق عليهم، وقطع المير والمنافع عنهم؛ وكانت ميرة الأهواز وما يرد من صنوف التجارات منها ومن كورها ونواحي أعمالها يسلك به النهر المعروف ببيان، فسرى بهبوذ في جلد رجاله ليلة من الليالي، وقد نمي إليه خبر قيروان ورد بصنوف من التجارات والمير وكمن النخل؛ فلما ورد القيروان خرج إلى أهله، وهم غارون، فقتل منهم وأسر، وأخذ ما أحب أن يأخذ من الأموال.
    وقد كان أبو أحمد أنفذ لبذرقة ذلك القيروان رجلًا من أصحابه في جمع، فلم يكن للموجه لذلك ببهبوذ طاقة، لكثرة عدد من معه وضيق الموقع على الفرسان، وأنه لم يكن بهم فيه عناء. فلما انتهى ذلك إلى أبي أحمد، غلظ عليه ما نال الناس في أموالهم وأنفسهم وتجاراتهم، وأمر بتعويضهم، وأخلف عليهم مثل الذي ذهب لهم، ورتب الشذا على فوهة بيان وغيره من الأنهار التي لا يتهيأ للفرسان سلوكها في بنائها والإقبال بها إليه، فورد عليه منها عددٌ صالح، فرتب فيها الرجال، وقلد أمرها أبا العباس ابنه، وأمره أن يوكل بكل موضع يرد إلى الفسقة منه ميرة، فانحدر أبو العباس لذلك إلى فوهة البحر في الشذوات، ورتب في جميع تلك المسالك القواد، وأحكم الأمر فيه غاية الإحكام.
    وفي شهر رمضان منها كانت وقعة بين إسحق بن كنداج وإسحاق بن أيوب وعيسى بن الشيخ وأبي المغراء وحمدان الشاري ومن تأشب إليهم من قبائل ربيعة وتغلب وبكر واليمن، فهزمهم ابن كنداج إلى نصيبين، وتبعهم إلى قريب من آمد، واحتوى على أموالهم، ونزلوا آمد، فكانت بينه وبينهم وقعات.
    ذكر خبر مقتل صندل الزنجي

    وفي شهر رمضان منها قتل صندل الزنجي، وكان سبب قتله أن أصحاب الخبيث عبروا لليلتين خلتا من شهر رمضان من هذه السنة فيما ذكر - أعني سنة سبع وستين ومائتين - يريدون الإيقاع بعسكر نصير وعسكر زيرك، فنذر بهم الناس، فخرجوا إليهم، فردوهم خائبين، وظفروا بصندل هذا. وكان - فيما ذكروا - يكشف وجوه الحرائر المسلمات ورءوسهن ويقلبهن تقليب الإماء، فإن امتنعت منهم امرأة ضرب وجهها ودفعها إلى بعض علوج الزنج يبيعها بأوكس الثمن. فلما أتي به أبو أحمد، أمر به فشد بين يديه، ثم رمي بالسهام، ثم أمر به فقتل.


  • #99
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر خبر استئمان الزنج إلى أبي أحمد

    وفي شهر رمضان من هذه السنة استأمن إلى أبي أحمد خلق كثير من عند الزنج.
    ذكر سبب ذلك
    وكان السبب في ذلك أنه كان - فيما ذكر - استأمن إلى أبي أحمد رجلٌ من مذكوري أصحاب الخبيث ورؤسائهم وشجعانهم، يقال له مهذب، فحمل في الشذا إلى أبي أحمد، فأتي به في وقت إفطاره، فأعلمه أنه جاء متنصحًا راغبًا في الأمان، وأن الزنج على العبور في ساعتهم تلك إلى عسكره للبيات، وأن الذين ندب الفاسق لذلك أنجادهم وأبطالهم؛ فأمر أبو أحمد بتوجيه من يحربهم إليهم ومن يمنعهم من العبور وأن يعارضوا بالشذا. فلما علم الزنج أن قد نذر بهم انصرفوا منهزمين، فكثر المستأمنة من الزنج وغيرهم وتتابعوا؛ فبلغ عدد من وافى عسكر أبي أحمد منهم إلى آخر شهر رمضان سنة سبع وستين ومائتين خمسة آلاف رجل من بين أبيض وأسود.
    وفي شوال من هذه السنة ورد الخبر بدخول الخجستاني نيسابور وانهزام عمرو بن الليث وأصحابه، فأساء السيرة في أهلها، وهدم دور آل معاذ بن مسلم، وضرب من قدر عليه منهم واقتطع ضياعهم، وترك ذكر محمد بن طاهر، ودعا له على منابر ما غلب عليه من مدن خراسان وللمعتمد، وترك الدعاء لغيرهما.
    ذكر خبر الإيقاع بالزنج في هذا العام

    وفي شوال من هذه السنة كانت لأبي العباس وقعة بالزنج، قتل فيها منهم جمع كثير.
    ذكر سبب ذلك
    وكان السبب في ذلك - فيما بلغني - أن الفاسق انتخب من كل قيادة من أصحابه أهل الجلد والبأس منهم، وأمر المهلبي بالعبور بهم ليبيت عسكر أبي أحمد، ففعل ذلك، وكانت عدة من عبر من الزنج وغيرهم زهاء خمسة آلاف رجل أكثرهم من الزنج، وفيهم نحو من مائتي قائد، فعبروا إلى شرقي دجلة، وعزموا على أن يصير القواد منهم إلى آخر النخل مما يلي السبخة، فيكونوا في ظهر عسكر أبي أحمد، ويعبر جماعة كثيرة منهم في الشذا والسميريات والمعابر قبالة عسكر أبي أحمد، فإذا نشبت الحرب بينهم انكب من كان عبر من قواد الخبيث، فصار إلى السبخة على عسكر أبي أحمد الموفق، وهم غارون مشاغيل بحرب من بإزائهم، وقدر أن يتهيأ له في ذلك ما أحبه. فأقام الجيش في الفرات ليلتهم، ليغادوا الإيقاع بالعسكر. فاستأمن إلى أبي أحمد غلام كان معهم من الملاحين، فأنهى إليه خبرهم وما اجتمعت عليه آراؤهم، فأمر أبو أحمد أبا العباس والقواد والغلمان بالنهوض إليهم؛ وقصد الناحية التي فيها أصحاب الخبيث، وأنفذ جماعة من قواد غلمانه في الخيل إلى السبخة التي في مؤخر النخل بالفرات، لتقطعهم عن الخروج إليها، وأمر أصحاب الشذا والسميريات، فاعترضوا في دجلة، وأمر الرجالة بالزحف إليهم من النخل. فلما رأى الفجار ما أتاهم من التدبير الذي لم يحتسبوه كروا راجعين في الطريق الذي أقبلوا منه طالبين التخلص، فكان قصدهم لجويث بارويه، وانتهى خبر رجوعهم إلى الموفق، فأمر ابا العباسوزيرك بالانحدار في الشذوات يسبقونهم إلى النهر؛ ليمنعوهم من عبوره. وأمر غلامًا من غلمانه، يقال له ثابت، له قيادة على جمع كثير من غلمانه السودان أن يحمل أصحابه في المعابر والزواريق وينحدر معهم إلى الموضع الذي فيه أعداء الله للإيقاع بهم حيث كانوا، فأدركهم ثابت في أصحابه بجويث بارويه، فخرج إليهم فحاربهم محاربة طويلة، وثبتوا له، واستقبلوا جمعه وهو من أصحابه في زهاء خمسمائة رجل، لأنهم لم يكونوا تكاملوا وطمعوا فيه، ثم صدقهم وأكب عليهم، فمنحه الله أكتافهم؛ فمن مقتول وأسير وغريق وملجج في الماء بقدر اقتداره على السباحة التقطته الشذا والسميريات في دحلة والنهر، فلم يفلت من ذلك الجيش إلا أقله. وانصرف أبو العباس بالفتح، ومعه ثابت وقد علقت الرءوس في الشذوات وصلب الأسارى فيها، فاعترضوا بهم مدينتهم ليرهبوا بهم أشياعهم؛ فلما أبلسوا وأيقنوا بالبوار، وأدخل الأسارى والرءوس إلى الموفقية، وانتهى إلى أبي أحمد أن صاحب الزنج موه على أصحابه، وأوهمهم أن الرءوس المرفوعة مثلٌ مثلت لهم ليراعوا، وأن الأسارى من المستأمنة. فأمر الموفق عند ذلك أبا العباس بجمع الرءوس والمسير بها إلى إزاء قصر الفاسق والقذف بها في منجنيق في سفينة إلى عسكره، ففعل أبو العباس ذلك، فلما سقطت الرءوس في مدينتهم، عرف أولياء القتلى رءوس أصحابهم، فظهر بكاؤهم، وتبين لهم كذب الفاجر وتمويهه.
    وفي شوال من هذه السنة كانت لأصحاب ابن أبي الساج وقعة بالهيصم العجلي، قتلوا فيها مقدمته، وغلبوا على عسكره فاحتووه.
    ذكر خبر الوقعة مع الزنج بنهر ابن عمر

    وفي ذي القعدة منها كانت لزيرك وقعة مع جيش لصاحب الزنج بنهر ابن عمر، قتل زيرك منهم فيها خلقًا كثيرًا.
    ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة
    ذكر أن صاحب الزنج كان أمر باتخاذ شذوات، فعملت له، فضمها إلى ما كان يحارب به، وقسم شذواته ثلاثة أقسام بين بهبوذ ونصر الرومي وأحمد بن الزرنجي، وألزم كل واحد منهم غرم ما يصنع على يديه منها وكانت زهاء خمسين شذاة، ورتب فيها الرماة وأصحاب الرماح، واجتهدوا في إكمال عدتهم وسلاحهم، وأمرهم بالمسير في دجلة والعبور إلى الجانب الشرقي والتعرض لحرب أصحاب الموفق، وعدة شذوات الموفق يومئذ قليلة، لأنه لم يكن وافاه كل ما كان أمر باتخاذه، وما كان عنده منها فمتفرق في فوهة الأنهار التي يأتي الزنج منها المير. فغلظ امر أعوان الفاجر، وتهيأ له أخذ شذاة بعد شذاة الموفق، وأحجم نصير المعروف بأبي حمزة عن قتالهم والإقدام عليهم، كما كان يفعل لقلة ما معه من الشذا، وأكثر شذوات الموفق يومئذ مع نصير، وهو المتولي لأمرها. فارتاع لذلك أهل عسكر الموفق، وخافوا أن يقدم على عسكرهم الزنج بما معهم من فضل الشذا، فورد عليهم في هذه الحال شذوات كان الموفق تقدم في بنائها بجنابا، فأمر أبا العباس بتلقيها فيما معه من الشذا حتى يوردها العسكر، إشفاقًا من اتعراض الزنج عليها في دجلة، فسلمت، وأتى بها حتى إذا وافت عسكر نصير، فبصر بها الزنج طمعوا فيها، فأمر الخبيث بإخراج شذواته، وأمر أصحابه بمعارضتها والاجتهاد في اقتطاعها، فنهضوا لذلك. فتسرع غلام من غلمان أبي العباس شجاع يقال له وصيف يعرف بالحجراي، في شذوات كن معه، فشد على الزنج فانكشفوا، وتبعهم حتى وافى بهم نهر أبي الخصيب، وانقطع عن أصحابه، فكروا عليه شذواتهم، وانتهى إلى مضيق، فعلقت مجاديف بعض شذواته بمجاديف بعض شذواتهم، فجنحت وتقصفت بالشط، وأحاط به الآخرون واكتنفوه من جوانبه، وانحدر عليه الزنج من السور، فحاربهم بمن كان معه حربًا شديدًا حتى قتلوا.
    وأخذ الزنج شذواتهم، فأدخلوها نهر أبي الخصيب. ووافى أبو العباس بالشذوات الجنابية سالمة بما فيها من السلاح والرجال، فأمر أبو أحمد أبا العباس بتقلد أمر الشذوات كلها والمحاربة بها، وقطع مواد المير عنهم من كل جهة. ففعل ذلك، فأصلحت الشذوات، ورتب فيها المختارون من الناشبة والرامحة؛ حتى إذا أحكم أمرها أجمع، ورتبها في المواضع التي كانت تقصد إليها شذوات الخبيث، وتعيث فيها، أقبلت شذواته على عادتها التي كانت قد جرت عليها. فخرج إليهم أبو العباس في شذواته، وأمر سائر أصحاب الشذا أن يحملوا بحملته، ففعلوا ذلك وخالطوهم، وطفقوا يرشقونهم بالسهام، ويطعنونهم بالرماح، ويقذفونهم بالحجارة؛ وضرب الله وجوههم، فولوا منهزمين، وتبعهم أبو العباس وأصحابه حتى أولجوهم نهر أبي الخصيب، وغرق لهم ثلاث شذوات، وظفر بشذاتين من شذواتهم بما فيها من المقاتلة والملاحين. فأمر أبو العباس بضرب أعناق من ظفر به منهم.
    فلما رأى الخبيث ما نزل بأصحابه، امتنع من إخراج الشذا عن فناء قصره، ومنع أصحابه أن يجاوزوا بها الشط إلا في الأوقات التي يخلو دجلة فيها من الشذوات الموفق.
    فلما أوقع بهم أبو العباس هذه الوقعة اشتد جزعهم، وطلب وجوه أصحاب الخبيث الأمان فأومنوا، فكان ممن استأمن من وجوههم - فيما ذكر - محمد بن الحارث العمي، وكان إليه حفظ عسكر منكى والسور الذي يلي عسكر الموفق، وكان خروجه ليلًا مع عدة من أصحابه، فوصله الموفق بصلات كثيرة، وخلع عليه، وحمله على عدة دواب بخليتها وآلتها، وأسى له الرزق، وكان محمد بن الحارث حاول إخراج زوجته معه، وهي إحدى بنات عمه، فعجزت المرأة عن اللحاق به، فأخذها الزنج فردوها إلى الخبيث، فحبسها مدة، ثم أمر بإخراجها والنداء عليها في السوق، فبيعت؛ ومنهم أحمد المعروف بالبرذعي. وكان - فما قيل - من أشجع رجال الخبيث الذين كانوا في حيز المهلبي ومن قواده الزنج مدبد وابن أنكلويه ومنينة، فخلع عليهم جميعًا، ووصلوا بصلات كثيرة، وحملوا على الخيل، وأحسن إلى جميع ما جاءوا به معهم من أصحابهم، وانقطعت عن الخبيث مواد الميرة، وسدت عليه وعلى من أقام معه المذاهب. وأمر شبلا وأبا النداء - وهما من رؤساء قواده وقدماء أصحابه الذين كان يعتمد عليهم ويثق بمناصحتهم - بالخروج في عشرة آلاف من الزنج وغيرهم، والقصد لنهر الدير ونهر المرأة ونهر أبي الأسد، والخروج من هذه الأنهار إلى البطيحة للغارة على المسلمين، وأخذ ما وجدا من طعام وميرة ليقطع عن عسكر الموفق ما يرده من الميرة وغيرها من مدينة السلام وواسط ونواحيها. فندب الموفق لقصدهم حين انتهى إليه خبر مسيرهم مولاه زيرك صاحب مقدمة أبي العباس، وأمره بالنهوض في أصحابه إليهم، وضم إليه من اختار من الرجال، فمضى في الشذوات والسميريات، وحمل الرجالة في الزواريق والسفن الخفاف حثيثًا، حتى صار إلى نهر الدير، فلم يعرف لهم هنالك خبرًا، فصار منه إلى بثق شيرين. ثم سلك في نهر عدي حتى خرج إلى نهر ابن عمر، فالتقى به جيش الزنج في جمع راعته كثرته، فاستخار الله في مجاهدتهم، وحمل عليهم في ذوي البصائر والثبات من أصحابه، فقذف الله الرعب في قلوبهم، فانفضوا، ووضع فيهم السلاح، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وغرق منهم مثل ذلك، وأسر خلقًا كثيرًا، وأخذ من سفنهم ما أمكنه أخذه، وغرق منها ما أمكن تغريقه؛ فكان ما أخذ من سفنهم نحوًا من أربعمائة سفينة، وأقبل بمن معه من الأسارى وبالرءوس إلى عسكر الموفق.


  • #100
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    خبر عبور الموفق إلى مدينة صاحب الزنج لحربه

    وفي ذي الحجة لست بقين منه عبر الموفق بنفسه إلى مدينة الفاسق وجيشه لحربه.
    ذكر السبب الذي من أجله كان عبوره إليها: وكان السبب في ذلك - فيما ذكر - أن الرؤساء من أصحاب الفاسق، لما رأوا ما قد حل بهم من البلاء من قتل من يظهر منهم وشدة الحصار على من لزم المدينة؛ فلم يظهر منهم أحد، وحال من خرج منهم بالأمان من الإحسان إليه، والصفح عن جرمه، مالوا إلى الأمان، وجعلوا يهربون في كل وجه، ويخرجون إلى أبي أحمد في الأمان كلما وجدوا إليه السبيل فملىء الخبيث من ذلك رعبًا، وأيقن الهلاك، فوكل بكل ناحية كان يرى أن فيها طريقًا للهرب من عسكره أحراسًا وحفظة، وأمرهم بضبط تلك النواحي، ووكل بفوهة الأنهار من يمنع السفن من الخروج منها، واجتهد في سد كل مسلك وطريق وثلمة؛ لئلا يطمع في الخروج عن مدينته.
    وأرسل جماعة من قواد الفاجر صاحب الزنج إلى الموفق يسألونه الأمان، وأن يوجه لمحاربة الخبيث جيشًا ليجدوا إلى المصير إليه سبيلًا، فأمر الموفق أبا العباس بالمصير في جماعة من أصحابه إلى الموضع المعروف بنهر الغربي، وعلي بن أبان حينئذ يحوط ذلك النهر؛ فنهض أبو العباس في المختارين من أصحابه، ومعه الشذا والسميريات والمعابر، فقصد النهر الغربي، وانتدب المهلبي وأصحابه لحربه، فاستعرت الحرب بين الفريقين، وعلا أصحاب أبي العباس، وقهر الزنج، وأمد الفاسق المهلبي بسليمان بن جامع في جمع من الزنج كثير، واتصلت الحرب يومئذ من أول النهار إلى وقت العصر؛ وكان الظفر في ذلك اليوم لأبي العباس وأصحابه، وصار إليه القوم الذين كانوا طلبوا الأمان من قواد الخبيث، ومعهم جمع كثير من الفرسان وغيرهم من الزنج، فأمر أبو العباس عند ذلك أصحابه بالرجوع إلى الشذا والسفن، وانصرف فاجتاز في منصرفه بمدينة الخبيث، حتى انتهى إلى الموضع المعروف بنهر الأتراك، فرأى أصحابه من قلة عدد الزنج في هذا الموضع من النهر ما طمعوا له فيمن كا هناك، فقصدوا نحوهم، وقد انصرف أكثر أصحابهم إلى المدينة الموفقية، فقربوا إلى الأرض، وصعدوا وأمنعوا في دخول تلك المسالك، وعلت جماعةٌ منهم السور، وعليه فريق من الزنج وأشياعهم، فقتلوا من أصابوا منهم هنالك، ونذر الفاسق بهم، فاجتمعوا لحربهم، وأنجد بعضهم بعضًا.
    فلما رأى أبو العباس اجتماع الخبثاء وتحاشدهم وكثرة من ثاب إلى ذلك الموضع منهم، مع قلة عدد من هنالك من أصحابه، كر راجعًا إليهم فيمن كان معه في الشذا، وأرسل إلى الموفق يستمده، فوافاه لمعونته من خف لذلك من الغلمان في الشذا والسميريات، فظهروا على الزنج وهزموهم؛ وقد كان سليمان بن جامع لما رأى ظهور أصحاب أبي العباس على الزنج، وغل في النهر مصاعدًا في جمع كثير؛ فانتهى إلى النهر المعروف بعبد الله، واستدبر أصحاب أبي العباس وهم في حربهم، مقبلين على من بإزائهم ممن يحاربهم، فيمنعون في طلب من انهزم عنهم من الزنج. فخرج عليهم من ورائهم، وخفقت طبوله، فانكشف أصحاب أبي العباس، ورجع عليهم من كان انهزم عنهم من الزنج، فأصيب جماعة من غلمان الموفق وغيرهم من جنده، وصار في أيدي الزنج عدة أعلام ومطارد، وحامى أبو العباس عن الباقين من أصحابه، فسلم أكثرهم فانصرف بهم؛ فأطعت هذه الوقعة الزنج وتباعهم، وشدت قلوبهم، فأجمع الموفق على العبور بجيشه أجمع لمحاربة الخبيث، وأمر أبا العباس وسائر القواد والغلمان بالتأهب للعبور، وأمر بجمع السفن والمعابر وتفريقها عليهم، ووقف على يوم بعينه أراد العبور فيه، فعصفت رياحٌ منعت من ذلك، واتصل عصوفها أيامًا كثيرة؛ فأمهل الموفق حتى انقضى هبوب تلك الرياح، ثم أخذ في الاستعداد للعبور ومناجزة الفاجر.
    فلما تهيأ له ما أراد من ذلك عبر يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة من سنة سبع وستين ومائتين في أكثف جمع وأكمل عدة، وأمر بحمل خيل كثيرة في السفن، وتقدم إلى أبي العباس في المسير في الخيل ومعه جميع قواده الفرسان ورجالتهم، ليأتي الفجرة من ورائهم من مؤخر النهر المعروف بمنكى، وأمر مسرورًا البلخي مولاه بالقصد إلى نهر ليضطر الخبيث بذلك إلى تفريق أصحابه، وتقدم إلى نصير المعروف بأبي حمزة ورشيق غلام أبي العباس وهو من أصحابه - وشذواته في مثل العدة التي فيها نصر - بالقصد لفوهة نهر أبي الخصيب والمحاربة لما يظهر من شذوات الخبيث، وقد كان استكثر منها، وأعد فيها المقاتلة وانتخبهم. وقصد أبو أحمد بجميع من معه لركن من أركان مدينة الخبيث قد كان حصنه بابنه المعروف بأنكلاي، وكنفه بعلي بن أبان وسليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمذاني وحفه بالمجانيق والعرادات والقسي الناكية، وأعد فيه الناشبة وجمع فيه أكثر جيشه.
    فلما التقى الجمعان أمر الموفق غلمانه: الناشبة والرامحة والسودان، بالدنو من الركن الذي فيه جمع الفسقة، وبينه وبينهم النهر المعروف بنهر الأتراك؛ وهو نهر عريض غزير الماء. فلما انتهوا إليه أحجموا عنه، فصيح بهم، وحرضوا على العبور فعبروا سباحة، والفسقة يرمونهم بالمجانيق والعرادات والمقاليع والحجارة عن الأيدي، وبالسهام عن القسي الناوكية، وقسي الرجل وصنوف الآلات التي يرمى عنها؛ فصبروا على جميع ذلك حتى جاوزوا النهر، وانتهوا إلى السور، ولم يكن لحقهم من الفعلة من كان أعد لهدمه. فتولى الغلمان تشعيث السور بما كان معهم من سلاحهم ويسر الله ذلك، وسهلوا لأنفسهم السبيل إلى علوه، وحضرهم بعض السلاليم التي كانت أعدت لذلك، فعلوا الركن، ونصبوا هنالك علمًا من أعلام الموفق، وأسلم الفسقة سورهم، وخلوا عنه بعد أن حوربوا عليه أشد حرب، وقتل من الفريقين خلقٌ كثير، وأصيب غلامٌ من غلمان الموفق يقال له ثابت بسهم في بطنه فمات، وكان من قواد الغلمان وجلتهم.
    ولما تمكن أصحاب الموفق من سور الفسقة، أحرقوا ما كان عليه من منجنيق وعرادة وقوس ناوكية، وخلوا عن تلك الناحية وأسلموها. وقد كان أبو العباس قصد بأصحابه في الخيل النهر المعروف بمكنى، فمضى علي بن أبان المهلبي في أصحابه، قاصدًا لمعارضته ودفعه عما صمد له، والتقيا، فظهر أبو العباس عليه وهزمه، وقتل جميعًا كثيرًا من أصحابه، وأفلت المهلبي راجعًا، وانتهى أبو العباس إلى الموضع الذي قدر أن يصل منه إلى مدينة الفاسق من مؤخر نهر منكى، وهو يرى أن المدخل من ذلك الموضع سهلٌ، فدخل إلى الخندق فوجده عريضًا ممتنعًا، فحمل أصحابه على أن يعبروه بخيولهم، وعبره الرجالة سباحةً حتى وافوا السور، فثلموا فيه ثلمًا اتسع لهم منه الدخول فدخلوا، فلقي أوائلهم سليمان بن جامع، وقد أقبل للمدافعة عن تلك الناحية لما انتهى إليه انهزام المهلبي عنها، فحاربوه، وكان إمام القوم عشرة من غلمان الموفق، فدافعوا سليمان وأصحابه؛ وهم خلق كثير، وكشفوهم مرارًا كثيرة، وحاموا عن سائر أصحابهم حتى رجعوا إلى مواضعهم.
    وقال محمد بن حماد: لما غلب أصحاب الموفق على الموضع الذي كان الفاسق حرسه بابنه والمذكورين من أصحابه وقواده، وشعثعوا من السور الذي أفضوا إليه ما أمكنهم تشعيثه، وافاهم الذين كانوا أعدوا للهدم بمعاولهم وآلاتهم، فثلموا في السور عدة ثلم، وقد كان الموفق أعد لخندق الفسقة جسرًا يمد عليه، فمد عليه، وعبر جمهور الناس. فلما عاين الخبثة ذلك، ارتاعوا فانهزموا عن سور لهم ثان قد كانوا اعتصموا به، ودخل أصحاب الموفق مدينة الخائن، فولى الفاجر وأشياعه منهزمين، وأصحاب الموفق يتبعونهم ويقتلون من انتهوا منهم؛ حتى انتهوا إلى النهر المعروف بابن سمعان، وصارت دار ابن سمعان في أيدي أصحاب الموفق، وأحرقوا ما كان فيها وهدموها، ووقف الفجرة على نهر ابن سمعان وقوفًا طويلًا، ودافعوا مدافعة شديدة، وشد بعض غلمان الموفق على علي بن أبان المهلبي، فأدبر عنه هاربًا فقبض على مئزره، فخلى عن المئزر، ونبذه إلى الغلام، ونجا بعد أن أشفى على الهلكة، وحمل أصحاب الموفق على الزنج حملةً صادقة، فكشفوهم عن النهر المعروف بابن سمعان، حتى وافوا بهم طرف ميدان الفاسق، وانتهى إليه خبر هزيمة أصحابه ودخول أصحاب الموفق مدينته من أقطارها، فركب في جمع من أصحابه، فتلقاه أصحاب الموفق، وهم يعرفونه في طرف ميدانه، فحملوا عليه، فتفرق عنه أصحابه ومن كان معه وأفردوه، وقرب منه بعض الرجالة حتى ضرب وجه فرسه بترسه؛ وكان ذلك مع مغيب الشمس، فأمر الموفق أصحابه بالرجوع إلى سفنهم، فرجعوا سالمين، قد حملوا من رءوس الخبثاء شيئًا كثيرًا، ونالوا كلالذي أحبوا منهم من قتل وجراح وتحريق منازل وأسواق، وقد كان استأمن إلى أبي العباس في أول النهار عدد من قواد الفاجر وفرسانه، فاحتاج إلى التوقف على حملهم في السفن، وأظلم الليل، وهبت ريح شمال عاصف، وقوى الجزر، فلصق أكثر السفن بالطين.
    وحرض الخبيث أشياعه واستنجدهم، فبانت منهم جماعة، وشدوا على السفن المتخلفة، فنالوا منها نيلًا، وقتلوا فيها نفرًا؛ وقد كان بهبوذ بإزاء مسرور البلخي وأصحابه في هذا اليوم في نهر الغربي، فأوقع بهم، وقتل جماعة منهم، وأسر أسارى، وصارت في يده دواب من دوابهم، فكسر ذلك نشاط أصحاب الموفق. وقد كان الخبيث أخرج في هذا اليوم جميع شذواته إلى دجلة محاربين فيها رشيقًا، وضرب منها رشيق على عدة شذوات، وغرق منها وحرق، وانهزم الباقون إلى نهر أبي الخصيب.
    وذكر أنه نزل في هذا اليوم بالفاسق وأصحابه ما دعاهم إلى التفرق والهرب على وجوههم نحو نهر الأمير والقندل وإبرسان وعبادان وسائر القرى، وهرب يومئذ أخوا سليمان بن موسى الشعراني: محمد وعيسى، فمضيا يؤمان البادية، حتى انتهى إليهما رجوع أصحاب الموفق، فرجعا، وهرب جماعة من العرب الذين كانوا في عسكر الفاسق، وصاروا إلى البصرة، وبعثوا يطلبون الأمان من أبي أحمد، فآمنهم، ووجه إليهم السفن، فحملهم إلى الموفقية، وأمر أن يخلع عليهم، ويوصلوا، ويجري عليهم الأرزاق والأنزال، ففعل ذلك بهم.
    وكان فيمن رغب في الأمان من جلة قواد الفاجر ريحان بن صالح المغربي، وكانت له رياسة وقيادة، وكان يتولى حجبة ابن الخبيث المعروف بأنكلاي، فكتب ريحان يطلب الأمان لنفسه ولجماعة من أصحابه، فأجيب إلى ذلك، وأنفذ إليه عدد كثير من الشذا والسميريات والمعابر مع زيرك القائد صاحب مقدمة أبي العباس، فسلك النهر المعروف باليهودي؛ حتى وافى الموضع المعروف بالمطوعة، فألفى به ريحان ومن معه من أصحابه، وقد كان الموعد تقدم في موافاة ذلك الموضع زيرك ريحان ومن معه، فوافى بهم دار الموفق، فأمر لريحان بخلع وحمل على عدة من أفراس بآلتها، وأجيز بجائزة سنية، وخلع على أصحابه، وأحيزوا على أقدراهم، وضم إلى أبي العباس، وأمر بحمله وحمل أصحابه والمصير بهم إلى إزاء الخبيث، فوقفوا هنالك في الشذا، فرفعوا خروج ريحان وأصحابه في الأمان، وما صاروا إليه من الإحسان، فأستامن في ساعتهم تلك من أصحاب ريحان الذين كانوا تخلفوا وغيرهم جماعة، فألحقوا في البر والإحسان بأصحابهم، وكان خروج ريحان بعد الوقعة التي كانت يوم الأربعاء في يوم الأحد لليلة بقيت من ذي الحجة سنة سبع وستين ومائتين.

  • صفحة 25 من 28 الأولىالأولى ... 152324252627 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 40
      آخر مشاركة: 09-01-2010, 05:38 AM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1