صفحة 28 من 33 الأولىالأولى ... 182627282930 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 109 إلى 112 من 131

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري، ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف؛ فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر، فقالا: والله إن لهذه الطير لشأنًا، فأقبلا لينظرا إليه، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة. فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ماذا ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله ص فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لتخبرني عنه الرجال. ثم قاتل القوم حتى قتل، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عامر بن الطفيل، وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.
    فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا معه في ظل هو فيه، وكان مع العامريين عقدٌ من رسول الله ص وجوارٌ لم يعلم به عمرو بن أمية، وقد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر، بما أصابوا من أصحاب رسول الله ص. فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله ص أخبره الخبر، فقال رسول الله ص: لقد قتلت قتيلين لأدينهما. ثم قال رسول الله ص: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهًا متخوفًا. فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه، وما أصاب رسول الله ص بسببه وجواره. وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عامر بن الطفيل، كان يقول: إن الرجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه. قالوا: هو عامر بن فهيرة.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن أحد بني جعفر، رجل من بني جبار بن سلمى بن مالك ابن جعفر، قال: كان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر، ثم أسلم بعد ذلك.
    قال: فكان يقول: مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلًا منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره، فسمعته يقول حين طعنته: فزت والله! قال: فقلت في نفسي: ما فاز! أليس قد قتلت الرجل! حتى سألت بعد ذلك عن قوله، فقالوا: الشهادة، قال: فقلت: فاز لعمر الله! فقال حسان بن ثابت يحرض بني أبي البراء على عامر بن الطفيل:
    بني أم البنين ألم يرعكم ** وأنتم من ذوائب أهل نجد
    تهكم عامرٍ بأبي براء ** ليخفره، وما خطأ كعمد
    ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ** فما أحدثت في الحدثان بعدي
    أبوك أبو الحروب أبو براءٍ ** وخالك ماجدٌ حكم بن سعد
    وقال كعب بن مالك في ذلك أيضًا:
    لقد طارت شعاعًا كل وجهٍ ** خفارة ما أجارأبو براء
    فمثل مسهبٍ وبني أبيه ** بجنب الرده من كنفي سواء
    بني أم البنين أما سمعتم ** دعاء المستغيث مع المساء!
    وتنويه الصريخ بلى ولكن ** عرفتم أنه صدق اللقاء
    فما صفرت عياب بني كلابٍ ** ولا القرطاء من ذم الوفاء
    أعامر عامر السوءات قدمًا ** فلا بالعقل فزت ولا السناء
    أأخفرت النبي وكنت قدمًا ** إلى السوءات تجري بالعراء!
    فلست كجار جار أبي داودٍ ** ولا الأسدي جار أبي العلاء
    ولكن عاركم داءٌ قديمٌ ** وداء الغدر فأعلم شر داء
    فلما بلغ ربيعة بن عامر أبي البراء قول حسان وقول كعب، حمل على عامر بن الطفيل فطعنه، فشطب الرمح عن مقتله، فخر عن فرسه. فقال: هذا عمل أبي براء! إن مت فدمي لعمي ولا يتبعن به؛ وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلي.
    حدثني محمد بن مرزوق، قال: حدثنا عمرو بن يونس، عن عكرمة، قال: حدثنا إسحاق بن أبي طلحة، قال: حدثني أنس بن مالك في أصحاب رسول الله ص الذين أرسلهم رسول الله ص إلى أهل بئر معونة، قال: لا أدري، أربعين أو سبعين! وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري، فخرج أولئك النفر من أصحاب النبي ص الذين بعثوا، حتى أتوا غارًا مشرفًا على الماء قعدوا فيه. ثم قال بعضهم لبعض: أيكم يبلغ رسالة رسول الله ص أهل هذا الماء؟ فقال - أراه ابن ملحان الأنصاري -: أنا أبلغ رسالة رسول الله ص، فخرج حتى أتى حواءً منهم، فاحتبى أما البيوت، ثم قال: يا أهل بئر معونة، إني رسول رسول الله إليكم، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فآمنوا بالله ورسوله.
    فخرج إليه من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر، فقال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة! فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار، فقتلهم أجميعين عامر بن الطفيل.
    قال إسحاق: حدثني أنس بن مالك أن الله عز وجل أنزل فيهم قرآنًا: " بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا، فرضى عنا، ورضينا عنه "، ثم نسخت، فرفعت بعد ما قرأناه زمانًا، وأنزل الله عز وجل: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون، فرحين " حدثني العباس بن الوليد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك، قال: بعث رسول الله ص إلى عامر بن الطفيل الكلابي سبعين رجلًا من الأنصار.
    قال: فقال أميرهم: مكانكم حتى آتيكم بخبر القوم! فلما جاءهم قال: أتؤمنونني حتى أخبركم برسالة رسول الله ص؟ قالوا: نعم، فبينا هو عندهم؛ إذا وخزه رجلٌ منهم بالسنان. قال: فقال الرجل: فزت ورب الكعبة! فقتل، فقال: عامر: لااحسبه إلا أن له أصحابً، فاقتصوا أثره حتى أتوهم فقتلوهم، فلم يفلت منهم إلا رجلٌ واحدٌ.
    قال أنس: فكنا نقرأ فيما نسخ: " بلغوا عنا إخواننا أن قد لقينا ربنا، فرضى عنا ورضينا عنه ".
    وفي هذه السنة - أعني السنة الرابعة من الهجرة - أجلى النبي ص بني النضير من ديارهم.
    ذكر خبر جلاء بني النضير

    قال أبو جعفر: وكان سبب ذلك ما قد ذكرنا قبل من قتل عمرو بن أمية الضمري الرجلين الذين قتلهما في منصرفه من الوجه الذي كان رسول الله ص وجهه إليه مع أصحابه بئر معونة، وكان لهما من رسول الله ص جوارٌ وعهدٌ.
    وقيل إن عامر بن الطفيل كتب إلى رسول الله ص: إنك قتلت رجلين لهما منك جوارٌ وعهدٌ؛ فابعث بديتهما. فانطلق رسول الله ص إلى قباء، ثم مال إلى بني النضير مستعينًا بهم في ديتهما، ومعه نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر وعلي وأسيد بن حضير.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: خرج رسول الله ص إلى بني النضير، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري، للجوار الذي كان رسول الله ص عقده لهما؛ - كما حدثني يزيد بن رومان - وكان بين بني النضير وبين بني عامر حلف وعقد؛ فلما أتاهم رسول الله ص يستعينهم في دية ذنيك القتيلين؛ قالوا: نعم أبا القاسم، نعنيك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا هذا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله ص إلى جنب جدار من بيوتهم، قاعد - فقالوا: من رجل يعلو على هذا البيت، فيلقى عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم؛ فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه الصخرة - كما قال - ورسول الله ص في نفر من أصحابه؛ فيهم أبو بكر وعمر وعلي؛ فأتى رسول الله ص الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وقال لأصحابه: لا تبرحوا حتى آتيكم، وخرج راجعًا إلى المدينة، فلما استلبث رسول الله ص أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلًا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلًا المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله ص حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود قد أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله ص بالتهيؤ لحربهم، والسير إليهم.
    ثم سار بالناس إليهم؛ حتى نزل بهم، فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله ص بقطع النخل والتحريق فيها، فنادوه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها! قال أبو جعفر: وأما الواقدي، فإنه ذكر ان بني النضير لما تآمروا بما تآمروا به من إدلاء الصخرة على رسول الله ص، نهاهم عن ذلك سلام من مشكم وخوفهم الحرب وقال: هو يعلم ما تريدون، فعصوه، فصعد عمرو بن جحاش ليدحرج الصخرة، وجاء النبي ص الخبر من السماء، فقام كأنه يريد حاجة، وانتظره أصحابه، فأبطأ عليهم، وجعلت يهود تقول: ما حبس أبا القاسم، وانصرف أصحابه؟ فقال كنانة بن صوريًا: جاءه الخبر بما هممتم به، قال: ولما رجع أصحاب رسول الله ص انتهوا إليه وهو جالس في المسجد، فقالوا: يا رسول الله، انتظرناك ومضيت، فقال: همت يهود بقتلي، وأخبرنيه الله عز وجل، ادعوا لي محمد بن مسلمة، قال: فأتى محمد بن مسلمة، فقال: اذهب إلى يهود فقل لهم: اخرجوا من بلادي فلا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به من الغدر.
    قال: فجاءهم محمد بن مسلمة، فقال لهم: إن رسول الله ص يأمركم أن تظعنوا من بلاده، فقالوا: يا محمد، ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس! فقال محمد: تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود؛ فقالوا: نتحمل. قال: فأرسل إليهم عبد الله بن أبي يقول: لا تخرجوا، فإن معي من العرب وممن انضوى إلى من قومي ألفين، فأقيموا فيهم يدخلون معكم، وقريظة تدخل معكم. فبلغ كعب بن أسد صاحب عهد بني قريظ فقال: لا ينقض العهد رجل من بني قريظة وأنا حيٌ، فقال سلام بن مشكم لحيي بن أخطب: يا حيي اقبل هذا الذي قال محمد، فإنما شرفنا على قومنا بأموالنا قبل أن تقبل ما هو شر منه. قال: وما هو شرٌ منه؟ قال: أخذ الأموال وسبى الذرية وقتل المقاتلة، فأبى حيي، فأرسل جدي ابن أخطب إلى رسول الله صص: إنا لا نريم دارنا فاصنع ما بدا لك! قال: فكبر رسول الله ص، وكبر المسلمون معه، وقال: حاربت يهود، وانطلق جدى إلى ابن أبي يستمده. قال: فوجدته جالسًا في نفر من أصحابه، ومنادى النبي ص ينادي بالسلاح، فدخل ابنه عبد الله بن عبد الله ابن أبي، وأنا عنده، فأخذ السلاح، ثم خرج يعدو، قال: فأيست من معونته. قال: فأخبرت بذلك كله حييًا، فقال: هذه مكيدة من محمد، فزحف إليهم رسول الله ص، فحاصرهم رسول الله ص خمسة عشر يومًا؛ حتى صالحوه على أن يحقن دماءهم، وله الأموال والحلقة.
    فحدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثنتي أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: حاصرهم رسول الله ص - يعني بني النضير - خمسة عشر يومًا حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، ويسيرهم إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرًا وسقاءً.
    حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: قاتلهم النبي حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، على أن لهم ما أقلت الإبل من شيء إلا الحلقة - والحلقة: السلاح.
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل، وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا؛ فإنا لن نسلمكم؛ وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا فلم يفعلوا؛ وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا: رسول الله ص أن يجليهم، ويكف عن دمائهم؛ على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم؛ إلا الحلقة. ففعل. فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، فكان أشرافهم ممن سار منهم إلى خيبر سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وحيى بن أخطب، فلما نزلوها دان لهم أهلها.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث أنهم استقلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم، وأن فيهم يومئذ لأم عمرو، صاحبة عروة بن الورد العبسي؛ التي ابتاعوا منه، وكانت إحدى نساء بني غفار بزهاء وفخر، وما رئى مثله من حي من الناس في زمانهم؛ وخلوا الأموال لرسول الله ص، فكانت لرسول الله ص خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله ص على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأباد جانة سماك بن خرشة، ذكرا فقرًا فأعطاهما رسول الله ص. ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عمير بن كعب ابن عم عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب، أسلما على أموالهما فأحرازها.
    قال أبو جعفر: واستخلف رسول الله ص إذ خرج لحرب بني النضير - فيما قيل - ابن أم مكتوم، وكانت رايته يومئذ مع علي بن أبي طالب عليه السلام.
    وفي هذه السنة مات عبد الله بن عثمان بن عفان، في جمادى الأولى منها، وهو ابن ست سنين، وصلى عليه رسول الله ص، ونزل في حفرته عثمان بن عفان.
    وفيها ولد الحسين بن علي عليه السلام، لليالٍ خلون من شعبان.
    غزوة ذات الرقاع

    واختلف في التي كانت بعد غزوة النبي ص بني النضير من غزواته، فقال ابن إسحاق في ذلك، ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: ثم أقام رسول الله ص بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع، وبعض شهر جمادى. ثم غزا نجدًا - يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان - حتى نزل نخلًا، وهي غزوة ذات الرقاع؛ فلقى بها جمعًا من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب؛ وقد خاف الناس بعضهم بعضًا، حتى صلى رسول الله ص بالمسلمين صلاة الخوف، ثم انصرف بالمسلمين.
    وأما الواقدي؛ فإنه زعم أن غزوة رسول الله ص ذات الرقاع، كانت في المحرم سنة خمس من الهجرة. قال: وإنما سميت ذات الرقاع؛ لأن الجبل الذي سميت به ذات الرقاع جبل به سواد وبياض وحمرة؛ فسميت الغزوة بذلك الجبل. قال: واستخلف رسول الله ص في هذه الغزوة على المدينة عثمان بن عفان.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد - يعني ابن عبد الرحمن - عن عروة بن الزبير، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله ص إلى نجد، حتى إذا كنا بذات الرقاع من نخل، لقى جمعًا من غطفان؛ فلم يكن بيننا قتال؛ إلا أن الناس قد خاوفهم، ونزلت صلاة الخوف، فصدع أصحابه صدعين، فقامت طائفة مواجهة العدو، وقامت طائفة خلف رسول الله ص، فكبر رسول الله ص، فكبروا جميعًا، ثم ركع بمن خلفه، وسجد بهم، فلما قاموا مشوا القهقري إلى مصاف اصحابهم، ورجع الآخرون، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم قاموا فصلى بهم رسول الله ص ركعة وجلسوا، ورجع الذين كانوا مواجهين العدو، فصلوا الركعة الثانية، فجلسوا جميعًا، فجمعهم رسول الله ص بالسلام، فسلم عليهم.
    قال أبو جعفر: وقد اختلفت الرواية في صفة صلاة رسول الله ص هذه الصلاة ببطن نخل اختلافًا متفاوتًا، كرهت ذكره في هذا الموضع خشية إطالة الكتاب، وسأذكره إن شاء الله في كتابنا المسمى " بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام " في كتاب صلاة الخوف منه.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ثم كانت السنة الخامسة من الهجرة

    ففي هذه السنة تزوج رسول الله زينب بنت جحش.
    حدثت عن محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن يحيى بن حبان، قال: جاء رسول الله ص بيت زيد بن حارثة، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد، ربما فقده رسول الله ص الساعة، فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه فلم يجده، وقامت إليه زينب بنت جحش زوجته فضلًا؛ فأعرض عنها رسول الله ص، فقالت: ليس هو هاهنا يا رسول الله، فادخل بأبي أنت وأمي! فأبى رسول الله ص أن يدخل؛ وإنما عجلت زينب أن تلبس إذ قيل لها: رسول الله ص على الباب، فوثبت عجلة، فأعجبت رسول الله ص؛ فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم؛ إلا أنه أعلن: سبحان الله العظيم! سبحان الله مصرف القلوب! قال: فجاء زيدٌ إلى منزله، فأخبرته امرأته أن رسول الله ص أتى منزله، فقال زيد: ألا قلت له ادخل! فقالت: قد عرضت عليه ذلك فأبى، قال: فسمعته يقول شيئًا؟ قالت: سمعته يقول حين ولى: سبحان الله العظيم، سبحان الله مصرف القلوب! فخرج زيدٌ حتى أتى رسول الله ص، فقال: يا رسول الله؛ بلغني أنك جئت منزلي؛ فهلا دخلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لعل زينب أعجبتك فأفارقها! فقال رسول الله ص: أمسك عليك زوجك، فما استطاع إليها زيد سبيلا بعد ذلك اليوم؛ فكان يأتي رسول الله ص فيخبره، فيقول له رسول الله ص: أمسك عليك زوجك؛ ففارقها زيد واعتزلها وحلت.
    فبينا رسول الله ص يتحدث مع عائشة؛ إذ أخذت رسول الله ص غشية، فسرى عنه وهو يتبسم ويقول: من يذهب إلى زينب يبشرها، يقول: إن الله زوجنيها؟ وتلا رسول الله ص: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك.. " القصة كلها.
    قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها؛ وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها، وما صنع الله زوجها، فقلت: تفخر علينا بهذا.
    قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول الله ص تخبرها بذلك، فأعتطها أوضاحًا عليها.
    حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي ص قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عمته، فخرج رسول الله ص يومًا يريده، وعلى الباب سترٌ من شعر؛ فرفعت الريح الستر فانكشف وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي ص، فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر، قال: فجاء فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال: مالك! أرابك منها شيء! فقال: لا والله يا رسول الله، ما رابني منها شيء، ولا رأيت إلا خيرًا. فقال رسول الله ص: أمسك عليك زوجك واتق الله؛ فذلك قول الله عز وجل: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه "، تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.
    غزوة دومة الجندل

    قال الواقدي: وفيها غزا دومة الجندل في شهر ربيع الأول، وكان سببها أن رسول الله ص بلغه أن جمعًا تجمعوا بها ودنوا من أطرافه. فغزاهم رسول الله ص؛ حتى بلغ دومة الجندل، ولم يلق كيدًا، وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري.
    قال أبو جعفر: وفيها وادع رسول الله ص عيينة ابن حصن أن يرعى بتغلمين وما والاها.
    قال محمد بن عمر - فيما حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه - وذلك أن بلاد عيينة أجدبت، فوداع رسول الله ص أن يرعى بتغلمين إلى المراض؛ وكان ما هنالك قد أخضب بسحابة وقعت، فوادعه رسول الله ص أن يرعى فيما هنالك.
    قال الواقدي: وفيها توفيت أم سعد بن عبادة وسعد غائبٌ مع رسول الله ص إلى دومة النجندل.
    ذكر الخبر عن غزوة الخندق

    وفيها: كانت غزوة رسول الله الخندق في شوال؛ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وكان الذي جر غزوة رسول الله الخندق - فيما قيل - ما كان من إجلاء رسول الله ص بني النضير عن ديارهم.
    فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة: قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، مولى آل الزبير، عروة بن الزبير ومن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن عمر بن قتادة، وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا؛ كلٌ قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق، وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض؛ أنه كان من حديث الخندق أن نفرًا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري وحيى بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي؛ في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل؛ هم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله ص، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة؛ فدعوهم إلى حرب رسول الله ص، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خيرٌ من دينه، وأنتم أولى بالحق منه. قال: فهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا " - إلى قوله - " وكفى بجهنم سعيرًا ".
    فلما قالوا ذلك لقريش، سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ص، فأجمعوا لذلك واتعدوا له.
    ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله ص، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه؛ وأن قريشًا تابعوهم على ذلك وأجمعوا فيه، فأجابوهم.
    فخرجت قريس وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعود بن رخيلة بن نويرة ابن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان؛ فيمن تابعه من قومه من أشجع.
    فلما سمع بهم رسول الله ص وبما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق على المدينة، فحدثت عن محمد بن عمر، قال: كان الذي أشار على رسول الله ص بالخندق سلمان، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله ص؛ وهو يومئذ حر، وقال: يا رسول الله: إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا.
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق: فعمل رسول الله ص ترغيبًا للمسليمن في الأجر، وعمل فيه المسلمون: فدأب فيه ودأبوا، وأبطأ عن رسول الله ص وعن المسلمين في عملهم رجالٌ من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعف من العمل، ويتسللون إلى أهاليهم بغير علم من رسول الله ص ولا إذن.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فلما انتهى إلى رسول الله ص الخبر وإلى المسلمين، بعث رسول الله ص سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أحد بني عبد الأشهل - وهو يومئذ سيد الأوس - وسعد بن عبادة بن دليم، أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج - وهو يومئذ سيد الخزرج - ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بالحارث بن الخزرج، وخوات بن جبير، أخو بني عمرو بن عوف؛ فقال: انطلقوا حتى تنظروا: أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقًا فالحنوا لي لحنًا نعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.
    فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا من رسول الله ص، وقالوا: لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد. فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه؛ وكان رجلًا فيه حد، فقال له سعد ابن معاذ: دع عنك مشاتمتهم؛ فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله ص فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله ص أصحاب الرجيع؛ خبيب بن عدي وأصحابه. فقال رسول الله ص: الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين، وعظم عند البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير، أخو بني عمرو بن عوف: كان محمدٌ يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر؛ وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط! وحتى قال أوس بن قيظي، أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله، إن بيوتنا لعورة من العدو - وذلك عن ملأ من رجال قومه - فأذن لنا فلنرجع إلى دارنا؛ فإنها خارجة من المدينة.
    فأقام رسول الله ص، وأقام المشركون عليه بضعًا وعشرين ليلة، قريبًا من شهر؛ ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار.
    فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله ص - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة. وعن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري - إلى عيينة بن حصن، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري - وهما قائدا غطفان - فأعطاهما ثلث ثمار المدينة؛ على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله ص وأصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح؛ حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا بالمراوضة في ذلك، ففعلا، فلما أراد رسول الله ص أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة؛ فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه فقالا: يا رسول الله؛ أمرٌ تحبه فنصنعه، أم شيءٌ أمرك الله عز وجل به؛ لا بد لنا من عمل به، أم شيءٌ تصنعه لنا؟ قال: لا، بل لكم؛ والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم لأمرٍ ما ساعة. فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله؛ قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله عز وجل وعبادة اللأوثان، ولا نعبد الله ولا نعرفه؛ وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك، نعطيهم أموالنا! ما لنا بهذا من حاجة؛ والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله ص: فأنت وذاك! فتناول سعدٌ الصحيفة؛ فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا.
    فأقام رسول الله ص والمسلمون وعدوهم محاصروهم؛ لم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبدود بن أبي قيس، أخو بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان، ونوفل بن عبد الله، وضرار بن الخطاب بن مرداس، أخو بني محارب بن فهر؛ قد تلبسوا للقتال، وخرجوا على خيلهم، ومروا على بني كنانة، فقالوا: تهيئوا يا بني كنانة للحرب؛ فستعلمون اليوم من الفرسان! ثم اقبلوا نحو الخندق؛ حتى وقفوا عليه، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدةٌ ما كانت العرب تكيدها؛ ثم تيمموا مكانًا من الخندق ضيقًا، فضربوا خيولهم، فاقتحمت منه؛ فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين؛ حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم.
    وقد كان عمرو بن عبدودٌ قاتل يوم بدر؛ حتى أثبتته الجراحة، قلم يشهد أحدًا، فلما كان يوم الخندق خرج معلمًا ليرى مكانه؛ فلما وقف هو وخيله، قال له على: يا عمرو؛ إنك كنت تعاهد الله ألا يدعوك رجلٌ من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما! قال: أجل! قال له علي بن أبي طالب: فإني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك؛ قال: فإني أدعوك إلى النزال، قال: ولم يا بن أخي؛ فوالله ما أحب أن أقتلك! قال: علي: ولكني والله أحب أن أقتلك. قال: فحمى عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره - أو ضرب وجهه - ثم أقبل على علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي عليه السلام وخرجت خيله منهزمة؛ حتى اقتحمت من الخندق هاربة، وقتل مع عمرو رجلان: منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار، أصابه سهم فمات منه بمكة؛ ومن بني مخزوم نوفل بن عبد الله بن المغيرة؛ وكان اقتحم الخندق فتورط فيه، فرموه بالحجارة، فقال: يا معشر العرب، قتلة أحسن من هذه! فنزل إليه علي فقتله، فغلب المسلمون على جسده، فسألوا رسول الله ص أن يبيعهم جسده، فقال رسول الله ص: لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنه؛ فشأنكم به. فخلى بينهم وبينه.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق عن أبي ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الأنصاري، ثم أحد بني حارثة، أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق، وكان من أحرز حصون المدينة؛ وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن.
    قالت عائشة: وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب. قالت: فمر سعدٌ وعليه درعٌ مقلصة، قد خرجت منها ذراعه كلها؛ وفي يده حربته يرقد بها ويقول:
    لبث قليلًا يشهد الهيجا حمل ** لا بأس بالموت إذا حان الأجل
    قالت له أمه: الحق يا بني، فقد والله أخرت.
    قالت عائشة: فقلت لها: يا أم سعد؛ والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي! قالت: وخفت عليه حيث أصاب السهم منه.
    قالت: فرمى سعد بن معاذ بسهم، فقطع منه الأكحل، رماه - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة - حبان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي؛ فلما أصابه قال: خذها وأنا ابن العرقة، فقال سعدٌ: عرق الله وجهك في النار! اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك، وكذبوه وأخرجوه. اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتنى حتى تقر عيني من بنى قريظة.
    حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثني أبي، عن علقمة، عن عائشة، قالت: خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس فو الله إني لأمشي إذ سمعت وئيد الأرض خلفي - تعني حس الأرض - فالتفت فإذا أنا بسعد؛ فجلست إلى الأرض، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس - شهد بدرًا مع رسول الله ص، حدثنا بذلك محمد بن عمرو - يحمل مجنه، وعلى سعد درع من حديد قد خرجت أطرافه منها.
    قالت: وكان من أعظم الناس وأطوالهم.
    قالت: فأنا أتخوف على أطراف سعد، فمر بي يرتجز، ويقول:
    لبث قليلًا يدرك الهيجا حمل ** ما أحسن الموت إذا حان الأجل!

  • صفحة 28 من 33 الأولىالأولى ... 182627282930 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM
    2. معجم البلدان الجزء الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 110
      آخر مشاركة: 07-15-2010, 11:59 PM
    3. فن الرسم في الماء
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 07-03-2010, 10:24 PM
    4. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1