صفحة 29 من 33 الأولىالأولى ... 192728293031 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 113 إلى 116 من 131

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)


  1. #113
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم كانت السنة الخامسة من الهجرة

    ففي هذه السنة تزوج رسول الله زينب بنت جحش.
    حدثت عن محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن يحيى بن حبان، قال: جاء رسول الله ص بيت زيد بن حارثة، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد، ربما فقده رسول الله ص الساعة، فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه فلم يجده، وقامت إليه زينب بنت جحش زوجته فضلًا؛ فأعرض عنها رسول الله ص، فقالت: ليس هو هاهنا يا رسول الله، فادخل بأبي أنت وأمي! فأبى رسول الله ص أن يدخل؛ وإنما عجلت زينب أن تلبس إذ قيل لها: رسول الله ص على الباب، فوثبت عجلة، فأعجبت رسول الله ص؛ فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم؛ إلا أنه أعلن: سبحان الله العظيم! سبحان الله مصرف القلوب! قال: فجاء زيدٌ إلى منزله، فأخبرته امرأته أن رسول الله ص أتى منزله، فقال زيد: ألا قلت له ادخل! فقالت: قد عرضت عليه ذلك فأبى، قال: فسمعته يقول شيئًا؟ قالت: سمعته يقول حين ولى: سبحان الله العظيم، سبحان الله مصرف القلوب! فخرج زيدٌ حتى أتى رسول الله ص، فقال: يا رسول الله؛ بلغني أنك جئت منزلي؛ فهلا دخلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لعل زينب أعجبتك فأفارقها! فقال رسول الله ص: أمسك عليك زوجك، فما استطاع إليها زيد سبيلا بعد ذلك اليوم؛ فكان يأتي رسول الله ص فيخبره، فيقول له رسول الله ص: أمسك عليك زوجك؛ ففارقها زيد واعتزلها وحلت.
    فبينا رسول الله ص يتحدث مع عائشة؛ إذ أخذت رسول الله ص غشية، فسرى عنه وهو يتبسم ويقول: من يذهب إلى زينب يبشرها، يقول: إن الله زوجنيها؟ وتلا رسول الله ص: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك.. " القصة كلها.
    قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها؛ وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها، وما صنع الله زوجها، فقلت: تفخر علينا بهذا.
    قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول الله ص تخبرها بذلك، فأعتطها أوضاحًا عليها.
    حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي ص قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عمته، فخرج رسول الله ص يومًا يريده، وعلى الباب سترٌ من شعر؛ فرفعت الريح الستر فانكشف وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي ص، فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر، قال: فجاء فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال: مالك! أرابك منها شيء! فقال: لا والله يا رسول الله، ما رابني منها شيء، ولا رأيت إلا خيرًا. فقال رسول الله ص: أمسك عليك زوجك واتق الله؛ فذلك قول الله عز وجل: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه "، تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.
    غزوة دومة الجندل

    قال الواقدي: وفيها غزا دومة الجندل في شهر ربيع الأول، وكان سببها أن رسول الله ص بلغه أن جمعًا تجمعوا بها ودنوا من أطرافه. فغزاهم رسول الله ص؛ حتى بلغ دومة الجندل، ولم يلق كيدًا، وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري.
    قال أبو جعفر: وفيها وادع رسول الله ص عيينة ابن حصن أن يرعى بتغلمين وما والاها.
    قال محمد بن عمر - فيما حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه - وذلك أن بلاد عيينة أجدبت، فوداع رسول الله ص أن يرعى بتغلمين إلى المراض؛ وكان ما هنالك قد أخضب بسحابة وقعت، فوادعه رسول الله ص أن يرعى فيما هنالك.
    قال الواقدي: وفيها توفيت أم سعد بن عبادة وسعد غائبٌ مع رسول الله ص إلى دومة النجندل.
    ذكر الخبر عن غزوة الخندق

    وفيها: كانت غزوة رسول الله الخندق في شوال؛ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وكان الذي جر غزوة رسول الله الخندق - فيما قيل - ما كان من إجلاء رسول الله ص بني النضير عن ديارهم.
    فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة: قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، مولى آل الزبير، عروة بن الزبير ومن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن عمر بن قتادة، وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا؛ كلٌ قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق، وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض؛ أنه كان من حديث الخندق أن نفرًا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري وحيى بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي؛ في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل؛ هم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله ص، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة؛ فدعوهم إلى حرب رسول الله ص، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خيرٌ من دينه، وأنتم أولى بالحق منه. قال: فهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا " - إلى قوله - " وكفى بجهنم سعيرًا ".
    فلما قالوا ذلك لقريش، سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ص، فأجمعوا لذلك واتعدوا له.
    ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله ص، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه؛ وأن قريشًا تابعوهم على ذلك وأجمعوا فيه، فأجابوهم.
    فخرجت قريس وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعود بن رخيلة بن نويرة ابن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان؛ فيمن تابعه من قومه من أشجع.
    فلما سمع بهم رسول الله ص وبما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق على المدينة، فحدثت عن محمد بن عمر، قال: كان الذي أشار على رسول الله ص بالخندق سلمان، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله ص؛ وهو يومئذ حر، وقال: يا رسول الله: إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا.
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق: فعمل رسول الله ص ترغيبًا للمسليمن في الأجر، وعمل فيه المسلمون: فدأب فيه ودأبوا، وأبطأ عن رسول الله ص وعن المسلمين في عملهم رجالٌ من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعف من العمل، ويتسللون إلى أهاليهم بغير علم من رسول الله ص ولا إذن.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #114
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فلما انتهى إلى رسول الله ص الخبر وإلى المسلمين، بعث رسول الله ص سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أحد بني عبد الأشهل - وهو يومئذ سيد الأوس - وسعد بن عبادة بن دليم، أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج - وهو يومئذ سيد الخزرج - ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بالحارث بن الخزرج، وخوات بن جبير، أخو بني عمرو بن عوف؛ فقال: انطلقوا حتى تنظروا: أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقًا فالحنوا لي لحنًا نعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.
    فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا من رسول الله ص، وقالوا: لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد. فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه؛ وكان رجلًا فيه حد، فقال له سعد ابن معاذ: دع عنك مشاتمتهم؛ فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله ص فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله ص أصحاب الرجيع؛ خبيب بن عدي وأصحابه. فقال رسول الله ص: الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين، وعظم عند البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير، أخو بني عمرو بن عوف: كان محمدٌ يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر؛ وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط! وحتى قال أوس بن قيظي، أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله، إن بيوتنا لعورة من العدو - وذلك عن ملأ من رجال قومه - فأذن لنا فلنرجع إلى دارنا؛ فإنها خارجة من المدينة.
    فأقام رسول الله ص، وأقام المشركون عليه بضعًا وعشرين ليلة، قريبًا من شهر؛ ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار.
    فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله ص - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة. وعن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري - إلى عيينة بن حصن، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري - وهما قائدا غطفان - فأعطاهما ثلث ثمار المدينة؛ على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله ص وأصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح؛ حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا بالمراوضة في ذلك، ففعلا، فلما أراد رسول الله ص أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة؛ فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه فقالا: يا رسول الله؛ أمرٌ تحبه فنصنعه، أم شيءٌ أمرك الله عز وجل به؛ لا بد لنا من عمل به، أم شيءٌ تصنعه لنا؟ قال: لا، بل لكم؛ والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم لأمرٍ ما ساعة. فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله؛ قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله عز وجل وعبادة اللأوثان، ولا نعبد الله ولا نعرفه؛ وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك، نعطيهم أموالنا! ما لنا بهذا من حاجة؛ والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله ص: فأنت وذاك! فتناول سعدٌ الصحيفة؛ فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا.
    فأقام رسول الله ص والمسلمون وعدوهم محاصروهم؛ لم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبدود بن أبي قيس، أخو بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان، ونوفل بن عبد الله، وضرار بن الخطاب بن مرداس، أخو بني محارب بن فهر؛ قد تلبسوا للقتال، وخرجوا على خيلهم، ومروا على بني كنانة، فقالوا: تهيئوا يا بني كنانة للحرب؛ فستعلمون اليوم من الفرسان! ثم اقبلوا نحو الخندق؛ حتى وقفوا عليه، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدةٌ ما كانت العرب تكيدها؛ ثم تيمموا مكانًا من الخندق ضيقًا، فضربوا خيولهم، فاقتحمت منه؛ فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين؛ حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم.
    وقد كان عمرو بن عبدودٌ قاتل يوم بدر؛ حتى أثبتته الجراحة، قلم يشهد أحدًا، فلما كان يوم الخندق خرج معلمًا ليرى مكانه؛ فلما وقف هو وخيله، قال له على: يا عمرو؛ إنك كنت تعاهد الله ألا يدعوك رجلٌ من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما! قال: أجل! قال له علي بن أبي طالب: فإني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك؛ قال: فإني أدعوك إلى النزال، قال: ولم يا بن أخي؛ فوالله ما أحب أن أقتلك! قال: علي: ولكني والله أحب أن أقتلك. قال: فحمى عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره - أو ضرب وجهه - ثم أقبل على علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي عليه السلام وخرجت خيله منهزمة؛ حتى اقتحمت من الخندق هاربة، وقتل مع عمرو رجلان: منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار، أصابه سهم فمات منه بمكة؛ ومن بني مخزوم نوفل بن عبد الله بن المغيرة؛ وكان اقتحم الخندق فتورط فيه، فرموه بالحجارة، فقال: يا معشر العرب، قتلة أحسن من هذه! فنزل إليه علي فقتله، فغلب المسلمون على جسده، فسألوا رسول الله ص أن يبيعهم جسده، فقال رسول الله ص: لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنه؛ فشأنكم به. فخلى بينهم وبينه.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق عن أبي ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الأنصاري، ثم أحد بني حارثة، أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق، وكان من أحرز حصون المدينة؛ وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن.
    قالت عائشة: وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب. قالت: فمر سعدٌ وعليه درعٌ مقلصة، قد خرجت منها ذراعه كلها؛ وفي يده حربته يرقد بها ويقول:
    لبث قليلًا يشهد الهيجا حمل ** لا بأس بالموت إذا حان الأجل
    قالت له أمه: الحق يا بني، فقد والله أخرت.
    قالت عائشة: فقلت لها: يا أم سعد؛ والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي! قالت: وخفت عليه حيث أصاب السهم منه.
    قالت: فرمى سعد بن معاذ بسهم، فقطع منه الأكحل، رماه - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة - حبان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي؛ فلما أصابه قال: خذها وأنا ابن العرقة، فقال سعدٌ: عرق الله وجهك في النار! اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك، وكذبوه وأخرجوه. اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتنى حتى تقر عيني من بنى قريظة.
    حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثني أبي، عن علقمة، عن عائشة، قالت: خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس فو الله إني لأمشي إذ سمعت وئيد الأرض خلفي - تعني حس الأرض - فالتفت فإذا أنا بسعد؛ فجلست إلى الأرض، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس - شهد بدرًا مع رسول الله ص، حدثنا بذلك محمد بن عمرو - يحمل مجنه، وعلى سعد درع من حديد قد خرجت أطرافه منها.
    قالت: وكان من أعظم الناس وأطوالهم.
    قالت: فأنا أتخوف على أطراف سعد، فمر بي يرتجز، ويقول:
    لبث قليلًا يدرك الهيجا حمل ** ما أحسن الموت إذا حان الأجل!


  • #115
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    قالت: فلما جاوزني قمت فاقتحمت حديقة فيها نفر من المسلمين، فيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه تسبغة له - قال محمد: والتسبغة المغفر - لا ترى إلا عيناه، فقال عمر: إنك لجريئة؛ ما جاء بك؟ ما يدريك لعله يكون تحوز أو بلاء! فوالله مازال يلومني حتى وددت أن الأرض تنشق لي فأدخل فيها، فكشف الرجل التسبغة عن وجهه، فإذا هو طلحة؛ فقال: إنك قد أكثرت، أين الفرار، وأني التحوز إلا إلى الله عز وجل! قالت: فرمى سعد يومئذ بسهم، رماه رجلٌ يقال له ابن العرقة؛ فقال: خذها وأنا ابن العرقة؛ فقال: سعد: عرف الله وجهك في النار! فأصاب الأكحل فقطعه. قال محمد بن عمرو: زعموا أنه لم ينقطع من أحد قط إلا لم يزل يبض دمًا حتى يموت. فقال سعد: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة! وكانوا حلفاءه في الجاهلية.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، أنه كان يقول: ما أصاب سعد يومئذ بالسهم إلا أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم، فالله أعلم أي ذلك كان! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، قال: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع " حصن حسان بن ثابت ". قالت: وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان. قالت: صفية: فمر بنا رجلٌ من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله ص، ليس بيننا وبينهم أحدٌ يدفع عنا، ورسول الله ص والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إن أتانا آت.
    قالت: فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي كما ترى، يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عوارتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله ص وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. فقال: يغفر اله لك يا بنا عبد المطلب! والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا! قالت: فلما قال لي ذلك، ولم أر عنده شيئًا احتجزت؛ ثم أخذ عمودًا، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجلٌ؛ قال: مالي من حاجة يا بنت عبد المطلب.
    قال ابن إسحاق: وأقام رسول الله ص وأصحابه؛ فيما وصف الله عز وجل من الخوف والشدة؛ لتظاهر عدوهم عليهم، وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
    ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال ابن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان أتى رسول الله ص، فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، إن قومي لم يعلموا بإسلامي؛ فمرني بما شئت. فقال له رسول الله ص: إنما أنت فينا رجلٌ واحد؛ فخذل عنا إن استطعت؛ فإن الحرب خدعة.
    فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة - وكان لهم نديمًا في الجاهلية - فقال لهم: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم؛ فقال لهم: إن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد. وقد ظاهرتموهم عليه، وإن قريشًا وغطفان ليسوا كهيئتكم، والبلد بلدكم، به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم؛ لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم وبلدهم بغيره؛ فليسوا كهيئتكم، إن رأوا نهزةً وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم؛ ولا طاقة لكم به إن خلا بكم؛ فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم يكونون بأيديكم؛ ثقة لكم على أن تقاتلوا معكم محمدًا، حتى تناجزوه، فقالوا: لقد أشرت برأي ونصحٍ.
    ثم خرج حتى أتى قريشًا، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: يا معشر قريش، قد عرفتم ودي إياكم، وفراقي محمدًا وقد بلغني أمرٌ رأيت حقًا على أن أبلغكموه نصحًا لكم، فاكتموا على. قالوا: نفعل، قال: فاعلموا أن معشر يهود قد ندموا على صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبليتين من قريش وغطفان رجالًا من أشرافهم؛ فنعطيكم، فنضرب أعناقهم؛ ثم نكون معك على من بقي منهم؟ فأرسل إليهم أن نعم؛ فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنًا من رجالكم؛ فلا تدافعوا إليهم منكم رجلًا واحدًا. ثم خرج حتى أتى غطفان، فقال: يا معشر غطفان؛ أنتم أصلي وعشيرتي، وأحب الناس إلي، ولا أراكم تتهمونني! قالوا: صدقت، قال: فاكتموا علي، قالوا: نفعل، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم؛ فلما كانت ليلة السبت في شوال سنة خمس؛ وكان مما صنع الله عز وجل لرسوله أن أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل، في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام؛ قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدًا ونفرغ مما بيننا وبينه؛ فأرسلوا إليهم أن اليوم السبت؛ وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا؛ وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثًا فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا؛ حتى نناجز محمدًا؛ فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال، أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا، ولا طاقة لنا بذلك من محمدٍ. فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: تعلمون والله أن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلًا واحدًا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق؛ ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا؛ فإن وجدوا فرصة انتهزوها؛ وإن كان غير ذلك تشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا، فأبوا عليهم، وخذل الله بينهم؛ وبعث الله عز وجل عليهم الريح في ليالٍ شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم. فلما انتهى إلى رسول الله ص ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جماعتهم، دعا حذيفة بن اليمان، فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي؛ قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله وصحبتموه! قال: نعم يا بن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، فقال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا.
    فقال حذيفة: يابن أخي؛ والله لقد رأيتنا مع رسول الله ص بالخندق، وصلى هويًا من الليل، ثم التفت إلينا، فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشرط له رسول الله أنه يرجع - أدخله الله الجنة؟ فما قام رجل. ثم صلى رسول الله ص هويًا من الليل، ثم التفت إلينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلى رسول الله ص هويًا من الليل، ثم التفت إلينا، فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشرط له رسول الله الرجعة - أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة؟ فما قام رجلٌ من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد. فلما لم يقم أحدٌ دعاني رسول الله ص فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني. فقال: يا حذيفة؛ اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا؛ قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل؛ لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناء. فقام أبو سفيان بن حرب، فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤٌ جليسه، قال: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قل: أنا فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره؛ ولقينا من هذه الريح ما ترون؛ والله ما تطمئن لنا قدرٌ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناءٌ؛ فارتحلوا فإني مرتحل.


  • #116
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث؛ فما أطلق عقاله إلا وهو قائم؛ ولولا عهد رسول الله ص إلى ألا أحدث شيئًا حتى آتيه، ثم شئت لقتلته بسهم. قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله ص، وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحلٍ؛ فلما رآني أدخلني بين رجليه وطرح على طرف المرط ثم ركع وسجد؛ فأذلقته. فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: فلما أصبح نبي الله ص انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح.
    غزوة بني قريظة

    فلما كانت الظهر، أتى جبريل رسول الله ص - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري - معتجرًا بعمامة من إستبرق، على بغلةٍ عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج، فقال: أقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال نعم، قال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح وما رجعت الآن إلا من طلب القوم؛ إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة، وأنا عامد إلى بني قريظة.
    فأمر رسول الله ص مناديًا، فأذن في الناس: إن من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة.
    وقدم رسول الله ص علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة، وابتدرها الناس، فسار علي بن أبي طالب عليه السلام؛ حتى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله ص منهم؛ فرجع حتى لقى رسول الله ص بالطريق، فقال: يا رسول الله، لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابث! قال: لم؟ أظنك سمعت لي منهم أذى! قال: نعم يا رسول الله. لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئًا. فلما دنا رسول الله ص من حصونهم، قال: يا إخوان القردة، هل أخزاكم الله، وأنزل بكم نقمته! قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولًا. ومر رسول الله ص على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال: هل مر بكم أحد؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي، على بغلة بيضاء، عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله ص: ذلك جبريل، بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم. فلما أتى رسول الله ص بني قريظة، نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم، يقال لها بئر أنا؛ فلاحق به الناس، فأتاه رجالٌ من بعد العشاء الآخرة، ولم يصلوا العصر، لقول رسول الله ص: لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة، لشيء لم يكن لهم منه بد من حربهم؛ وأبوا أن يصلوا، لقول النبي ص: حتى تأتوا بني قريظة، فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة. فما عابهم الله بذلك في كتابه؛ ولا عنفهم به رسول الله ص. والحديث عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري.
    حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا محمد ابن عمرو، قال: حدثني أبي، عن علقمة، عن عائشة، قالت: ضرب رسول الله ص على سعد قبة في المسجد، ووضع السلاح - يعني عند منصرف رسول الله ص من الخندق - ووضع المسلمون السلاح، فجاءه جبريل عليه السلام، فقال: أوضعتم السلاح! فوالله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إليهم فقاتلهم، فدعا رسول الله ص بلأمته فلبسها، ثم خرج وخرج المسلمون؛ فمر ببني غنم، فقال: من مر بكم؟ قالوا: علينا دحية الكلبي - وكان يشبه سنته ولحيته ووجهه بجبريل عليه السلام - حتى نزل عليهم، وسعدٌ في قبته التي ضرب عليه رسول الله في المسجد؛ فحاصرهم شهرًا - أو خمسًا وعشرين ليلة - فلما اشتد عليهم الحصار قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله، فأشار أبو لبابة بن عبد المنذر إنه الذبح، فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال رسول الله ص: انزلوا على حكمه، فنزلوا، فبعث إليه رسول الله ص بحمار بإكاف من ليف، فحمل عليه. قالت عائشة: لقد كان برأ كلمه حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص.
    رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: وحاصرهم رسول الله ص خمسًا وعشرين ليلة؛ حتى جهدهم الحصار؛ وقذف الله في قلوبهم الرعب - وقد كان حيى بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاءً لكعب بن اسد بما كان عاهده عليه - فلما ايقنوا أن رسول الله ص غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود، إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم! قالوا: وما هن؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه؛ فوالله لقد كان تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه للذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدًا، ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم هذه علي فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجلا مصلتين السيوف؛ ولم نترك وراءنا ثقلًا يهمنا؛ حتى يحكم الله بيننا وبين محمد؛ فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئًا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء ولأبناء.
    قالوا: نقتل هؤلاء المساكين؛ فما خير العيش بعدهم! قال: فإذا أبيتم هذه على فإن الليلة ليلة السبت؛ وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها؛ فانزلوا لعلنا نصيب محمد وأصحابه غرةً.
    قالوا: نفسد سبتنا، ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا، إلا من قد علمت. فأصابه من المسخ ما لم يخفف عليك. قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازمًا.
    قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله ص: أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر؛ أخا بني عمرو بن عوف - وكانوا حلفاء الأوس - نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله ص إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال، وبهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد! قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه: إنه الذبح؛ قال: قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني خنت الله ورسوله.
    ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله ص حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت؛ وعاهد الله ألا يطأ بني قريظة أبدًا.
    وقال: لا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدًا. فلما بلغ رسول الله ص خبره، وأبطأ عليه - وكان قد استبطأه - قال: أما لو جاءني لا ستغفرت له؛ فأما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.
    حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن فضل، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، أن توبة أبي لبابة أنزلت على رسول الله ص: وهو في بيت أم سلمة.
    قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله ص من السحر يضحك فقلت: مم تضحك يا رسول الله، أضحك الله سنك! قال: تيب على أبي لبابة، فقلت: ألا أبشره بذلك يا رسول الله! قال: بلى إن شئت؛ قال: فقامت على باب حجرتها - وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب - فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. قال: فثار الناس إليه ليطلقوه؛ فقال: لا والله حتى يكون رسول الله ص هو الذي يطلقني بيده، فلما مر عليه خارجًا إلى الصبح أطلقه.
    قال ابن إسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية، وأسد ابن عبيد - وهم نفر من بني هدل؛ ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك - هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله ص - وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي، فمر بحرس رسول الله ص؛ وعليه محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة؛ فلما رآه قال: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدي - وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله ص، وقال: لا أغدر بمحمد أبدًا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني عثرات الكرام. ثم خلى سبيله؛ فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله ص بالمدينة تلك الليلة. ثم ذهب فلا يدري أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا! فذكر لرسول اله ص شأنه، فقال: ذاك الرجل نجاه الله بوفائه.
    قال ابن إسحاق: وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله ص، فأصبحت رمته ملقاةً لا يدري أين يذهب، فقال رسول الله ص في تلك المقالة. والله أعلم.
    قال ابن إسحاق. فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله ص، فتواثبت الأوس. فقالوا: يا رسول الله، إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت - وقد كان رسول الله ص قبل بني قريظة حاصر بني قنينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه؛ فسأله إياهم عبد الله بن أبي سلول، فوهبهم له.

  • صفحة 29 من 33 الأولىالأولى ... 192728293031 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM
    2. معجم البلدان الجزء الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 110
      آخر مشاركة: 07-15-2010, 11:59 PM
    3. فن الرسم في الماء
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 07-03-2010, 10:24 PM
    4. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1