ثم يهزمها رويجل
فوقفنا على ذلك الشرف ننظر الحصن، فما راعنا إلا رويجل قد طلع علينا من ذالك السند الصعب معه قوس ونشاب فرمانا، ولا سبيل لنا إليه فهزمنا، والله ما صدقنا نتخلص منه وخيلنا سالمة، ورجعنا، دخلنا مرج أفامية فسقنا منه غنيمة كبيرة من الجواميس والبقر والغنم، وانصرفنا وفي قلبي من ذلك الرجل الذي هزمنا حسرة الذي ما كنا لنا إليه سبيل، وكيف هزمنا راجل ولحد وقد هزمنا ثمانية فرسان من الإفرنج.
المداواة بالعلل
وشهدت يوماًوقد أغارت علينا خيل كفر طالب في قلة ففزعنا إليهم طامعين فيهم لقلتهم، وقد كمنوا لنا كميناً في جماعة منهم، وأنهزم الذين أغاروا فتبعناهم حتى أبعدنا عن البلد، فخرج إلينا الكمين ورجع إلينا الذين كنا نطردهم، فرأينا اننا ان انهزمنا قلعونا كلنا فالتقيناهم مستقلين فنصرنا الله عليهم، فقلعنا منهم ثمانية عشر فارساًمنهم من طعن فمات ومنهم من طعن فوقع وهو سالم ومنهم من طعن حصانه فهو راجل. فجذب الذين في الأرض منهم سالمون، ووقفوا، كل من اجتاز بهم ضربوه. فأجتاز جمعه النميري رحمه الله بواحد منهم فخطا إليه وضربه على رأسه، وعلى رأسه قلنسوة فقطعها وشق جبهته وجرى منها الدم حتى نزح وبقيت مثل فم السمكة مفتوحة، فلقيته ونحن في ما نحن فيه من الإفرنج فقلت له يا أبا محمود ما تعصب جراحك! فقال ما هذا وقت العصائب وشد الجراح. وكان لا يزال على وجهه خرقه سوداء وهو رمد وفي عينيه عروق حمر. فلما أصابه ذلك الجرح وخرج منه الدم الكثير زال ما كان يشكوه من عينيه ولم يعد يناله منهما رمد ولا ألم فربما صحت الأجسام باللعل.
استخلاص ابن عم أسامه من أيدي الإفرنج
وأما الإفرنج فإنهم اجتمعوا بعدما قتلنا منهم من قتلنا ووقفوا مقابلنا. فجاءني ابن عمي ذخيرة الدولة أبو القنا خطام رحمه الله فقاليا ابن عمي معك جنيبتان وأن على هذا الفرس الحطم. قلت للغلامقدم له الحصان الأحمر فقدمه له، فساعة ما أستوىفي سرجه حمل على الإفرنج وحده فافرجوا له حتى توسطهم وطعنوه، رموه وطعنوا الحصان واقبلوا قنطارياتهم وصاروا يركشونه بها، وعليه زرديه حصينه ما تعمل رماحهم فيها، وعليه زرديه حصينه ما تعمل رماحهم فيها، فتصايحنا صاحبكم! صاحبكم! وحملنا عليهم فهزمناهم عنه واستخلصناه وهو سالم، وأما الحصان فمات في يومه، فسبحان المسلم القادر. وتلك الواقعة إنما كانت لسعادة جمعه وشفاء عينيه، فسبحان القائل وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
ضربه سكين تشفي من الاستسقاء
وقد جرى لي مثل ذلك كنت بالجزيرة في عسكر أتابك فدعاني صديق إلى داره ومعي ركابي أسمه غنيم قد أستسقى ودقت رقبته وكبر جوفه وقد تغرب معي فأنا أرعى له ذلك، فدخل بالبغله إلي اصطبل ذلك الصديق هو غلمان الحاضرين، وعندنا شاب تركي سكر وغلب عليه السكر، فخرج إلي الاصطبل، جذب سكينه وهجم على الغلمان فانهزموا وخرجوا. وغنيم لضعفه ومرضه، قد طرح السرج تحت رأسه ونام، فما قام حتى خرج كل من في الاصطبل فضربه ذلك السكران بالسكين تحت سرته فشق من جوفه قدر أربع أصابع فوقع موضعه فحمله الذي دعانا وهو صاحب قلعه باشمرا إلي داري وحمل الذي جرحه وهو مكتوف معه إلى داري فأطلقته، وتردد إليه الجرائحي فصلح ومشى وتصرف، إلا أن الجرح ما ختم، وما يزال يخرج منه مثل القشور وماء أصفر مدة شهرين ثم ختم وضمر جوفه وعاد إلى الصحة، فكان ذلك الجرح سببا لعافيته.
شوكه تشفي عين باز
ورأيت يوما الباز دار قد وقف بين يدي والدي رحمه الله وقال يا مولاي هذا الباز قد لحقه حص وهو يموت وعينيه الواحدة قد تلفت فتصيد به فهو باز شاطر وهو تالف. فخرجنا إلى الصيد وكان معه رحمة الله عدة بزاه، فرمى ذلك الباز على درجه وكان يهجم في النبج، فنبجت الدراجة في أجمة غلفاء، ودخل الباز معها وقد صار على عينه كالنقطه الكبيرة، فضربته شوكه من الغلفاء في تلك النقطة ففقأتها. فجاء به البازدار وعينه قد سالت وهي مطبوقه فقال يا مولاي تلفت عين الباز. فقال كله تألف. ثم من الغد فتح عينه وهي سالمة، وسلم ذلك الباز عندنا حتى قرنص قرناصين فكان من أشطر البزاة ذكرته بما جرى لجمعه وغنيم وان لم يكن موضع ذكر البزاة ورأيت من استسقى وفصدوا جوفه فمات، وغنيم شق ذلك السكران جوفه سلم وعوفي فسبحان القادر.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الهزيمة أمام إفرنج إنطاكية
أغار علينا عسكر إنطاكية واصحبنا قد التقوا أوائلهم وجاءوا قدامهم وأنا واقف في طريقهم انتظر وصولهم إلي لعلي أنال منهم فرصة واصحابنا يعبرون علي منهزمين، فعبر علي ممن عبر محمود بن جمعة. فقلتقف يا محمود فوقف لحظة ثم دفع فرسه ومضى عني ووصلني أوائل خيلهم، فاندفعت بين أيديهم وأنا راد رمحي إليهم ملتفت انظرهم لا يتسرع إلى منهم فارس يطعني وبين يدي جماعة من أصحابنا ونحن بين بساتين لها حيطان طوال قعدة الرجل فندس فرسي بصدرها رجل من أصحابنا، فردت راس فرسي على يساري فضربتها بالمهاميز ففزت الحائط، فضبطت حتى صرت أنا والإفرنج مصطفين وبيننا الحائط، فتسرع منهم فارس عليه تشهير حرير اخضر واصفر، فظننت ان تحته درع فتركته حتى تجاوزني وضربت الفرس بمهمازي ففزت الحائط وطعنته، فمال إلى ان وصل رأسه ركابه ووقع ترسه والرمح من يديه والخوذة عن رأسه، ونحن قد وصلنا إلى رجالتنا، ثم عاد انتصب في سرجه وكان عليه زرديه تحت التشهير فما جرحته الطعنه وادركه أصحابه ثم عادوا، وأخذ الرجالة الترس والرمح والخوذة.
جمعة نفسه يهرب
فلما انقضى القتال ورجع الإفرنج جاءني جمعة رحمه الله يعتذر عن ابنه محمودوقال هذا الكلب انهزم عنك. قلتوأي شيء يكون؟ قال ينهزم عنك ولا يكون شيء؟ قلت وحياتك يا أبا محمود وأنت تنهزم عني أيضا. قال يا شين! والله إن موتي أسهل علي من أن انهزم عنك ولم يمضي إلا أيام قلائل حتى أغارت علينا خيل حماه فاخذوا لنا باقورة وحبسوها في الجزيرة تحت الطاحون الجلالي. وطلع الرماة على الطاحون يحمون الباقورة، فوصلتهم أنا وجمعة وشجاع الدولة ماضي مولد لنا وكان رجلاً شجاعا. فقلت لهمانعبر الماء ونأخذ الدواب. فعبرنا. أما ماضي فضربت فرسه نشابة فقتلتها وبالجهد وأوصلته إلى اصحاب، وأما أنا ضربت فرسي نشابة في أصل رقبتها فجاوزت فيها قدر شبر، فو الله ما رمحت وما قلقت ولا كأنها أحست بجرح، وأما جمعة رجع خوفاً على فرسه. فلما عدنا قلتيا أبا محمود ما قلت لك أنك تنهزم عني وأنت تلوم ابنك محموداً؟ قالوالله ما خفت إلى على الفرس، فإنها تعز علي واعتذر.
أسامة يطعن رفيقه خطأ
وقد كنا ذلك اليوم التقينا نحن وخيل حماة وقد سبقهم بعضهم بالباقورة إلى الجزيرة، فاقتتلنا نحن وهم وفيهم فرسان عسكر حماة سرهنك وغازي التلي ومحمود بن بلداجي وحضر الطوط واسباسيلار خطلخ وهم أكثر عدداً منا فحملنا عليهم فهزمناهم وقصدت فارساً أريد اطعنه وإذا هو حضر الطوط. فقال الصنيعة يا فلان! فعدلت عنه إلى أخر فطعنته فوقع الرمح تحت إبطه، فلو تركته ما كان وقع فشد عضده عليه يريد أخذ الرمح والفرس منسدره بي فطار في السرج على رقبة الحصان فوقع، ثم قام وهو على شفير الوادي المنحدر إلى الجلالي فضرب حصانه وساقه بين يديه ونزل، وحمدت الله سبحانه الذي ما ناله ضرر من تلك الطعنه لأنه كان غازي التلي وكان رحمه الله رجل جيداً.
جمعة يستخلص أسيرا
ونزل علينا عسكر إنطاكية في بعض الأيام منزلاً كان ينزله كلما نزل علينا. ونحن ركاب مقابلهم وبيننا النهر، فلم يقصدنا منهم أحد، وضربوا خيامهم ونزلوا فيها ورجعنا نحن نزلنا في دورنا ونحن نراهم من الحصن، فخرج من جندنا نحو من عشرين فارساً إلى بندرقنين، قريه بالقرب من البلد يرعون خيلهم، وقد تركوا رماحهم في دورهم، فخرج من الإفرنج فارساً سار إلى القريب من أولئك الجند الذين يرعون خيلهم فصادفا رجل على الطريق يسوق بهمة فأخذوه وبهيمته ونحن نراهم من الحصن، وركب أولئك الجند ووقفوا ما معهم رماح. فقال عميابصروا الساعة ما يعمل، فلما دنا من الفارسين وهو يركض كفء رأس فرسه وسار خلفهم سترة فلما رأى عمي توقفه عنهما، وهو على روشن في الحصن يراه، دخل من الروشن مغضباً وقالهذا خذلان! وكان توقف جمعة من جورة كانت في يدي الفارسين لا يكون لهم فيها كمين، ولما وصل إلى تلك الجوره وما فيها أحد أغار على الفارسين، خلص الرجل وبهيمته وطردهما إلى الخيام. وكان ابن ميمون صاحب إنطاكية يرى ما جرى، فلما وصل الفارسان أنفذ أخذ ترسيهما جعلهما معالف لدواب ورما خيمتهما وطردهما وقالفارس واحد من المسلمين يطرد فارسين من الإفرنج! ما انتم رجال أنتم نساء. وأما جمعة فوبخه وحرد عليه لوقوفه عنهما أول ما وصلهما، فقال يا مولاي خفت لا يكون لهم في الجورة رابيه القرامطة كمين يخرج علي، فلما كشفتها وما رأيت فيها أحداً استخلصت الرجل والبهيمة وطردتهما حتى دخلا عسكرهما. فلا والله ما قبل عذره ولا رضي عنه.
منزلة الفارس عند الأفرنج
والإفرنج خذلهم الله ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة ولا عندهم تقدمة ولا منزلة عالية إلا للفرسان، ولا عندهم ناس إلا للفرسان، فهم أصحاب الرأي وهم أصحاب القضاء والحكمة، وقد حاكمتهم مرة على قطعان غنم أخذها صاحب بانياس من الشعراء وبيننا وبينهم صلح، وأنا إذ ذاك بدمشق. فقلت للملك فلك بن فلكهذا تعدى علينا وأخذ دوابنا، وهو وقت ولاد الغنم، فولدت وماتت أولادها وردها علينا بعد أن أتلفها. فقالالملك لستة سبعة من الفرسانقوموا أعملوا له حكماً، فخرجوا من مجلسه وأعتزلوا وتشاوروا حتى أتفق رأيهم كلهم على شيء واحد وعادوا إلى مجلس الملك فقالواقد حكمنا أن صاحب بانياس عليه غرامة ما أتلف من غنمهم، فأمره الملك بالغرامة فتوسل إلي وثقل علي وسألني حتى أخذت منه أربع مائة دينار. وهاذا الحكم بعد أن تعقده الفرسان ما يقدر الملك ولا أحد من مقدمي الأفرنج يغيره ولا ينقصه، فالفارس أمر عظيم عندهم. ولقد قال لي الملك يا فلان وحق ديني لقد فرحت البارحة فرحاً عظيم. وما كنت اعتقد أنك فارس. قلت يا مولاي أنا فارس من جنسي وقومي. وإذا كان الفارس دقيقاً عظيماً كان أعجب لهم.
أمان تنكرد لا قيمة له
وهو أول وكان نزل علينا كندري أصحاب إنطاكية بعد ميمون، فقاتلنا ثم أصلحنا، فنفذ يطلب حصاناً لغلام لعمي عز الدين رحمه الله وكان فرساً جواداً، فنفذه له عمي تحت رجل من أصحابنا كردي يقال له حسنون، وكان من الفرسان الشجعان وهو شاب مقبول الصورة دقيق ليسابق بالحصان بين يدي كندري. فسابق به فسبق الخيل المجراة كلها وحضر بين يدي دنكري فصار الفرسان يكشفون سواعده ويتعجبون من دقته وشبابه، وقد عرفوا أنه فارس شجاع فخلع عليه دنكري. فقال له حسنونيا مولاي أريدك تعطيني أمانك أنك أن ظفرت بي في القتال تصطنعني وتطلقني. فأعطاه أمانة على ما توهم حسنون فأهم لا يتكلمون إلا بالإفرنجية، ما ندري ما يقولونومضى على هذا سنة أو أكثر وأنقضت مدة الصلح، وجاءنا دنكري في عسكر إنطاكية فقاتلنا عند سور المدينة، وكانت خيلنا لقيت أوائلهم، فطعن فيهم رجل يقال له كامل المشطوب من أصحابنا كردي وهو وحسنون نظراء في الشجاعة، وحسنون واقف مع والدي رحمه الله على حجرة له ينتظر حصانه يأتيه به غلامه من عند البيطار ويأتيه كزاغندة، فأبطأ عليه وأقلقه طعن كامل المشطوب فقال والدييا مولاي أمرلي بلباس خفيف. فقال هذه البغال عليها السلاح واقفة مهما صلح لك ألبسه. وأنا إذ ذاك واقف خلف والدي وأنا صبي وهو أول يوم رأيت فيه القتال. فنظر الكزاغندات في عيبها على البغال فما وافقته وهو يغلي يريد يتقدم يعمل كما عمل كامل المشطوب، فتقدم على حجرته وهو معرى فأعترضه فارس منهم فطعن الفرس في قطأتها فعضت على فاس اللجام وحملت به حتى رمته في وسط موكب الأفرنج فأخذوه أسيراً وعذبوه أنواع العذاب وأرادوا قلع عينه اليسرى فقال لهم دنكري لعنه اللهأقلعوا عينه اليمين، حتى إذا حمل الترس أسترت عينه اليسار فلا يبقى يبصر شيئاً. فقلعوا عينه اليمين كما أمرهم وطلبوا منه ألف دينار وحصاناً أدهم كان لوالدي من خيل خفاجة جواداً من أحسن الخيل فاشتراه بالحصان رحمه الله. وكان خرج من شيزر في ذلك اليوم راجل كثير، فحمل عليهم الفرنج فما زعزعوهم من مكانهم، فحرد دنكري وقال أنتم فرساني، وكل واحد منكم له ديوان مثل ديوان مائة مسلم. وهؤلاء سرجند (يغني رجالة) ما تقدرون تقلعون من موضعهم! قالواإنما خوفنا على الخيل وإلا دسناهم وطعناهم قالالخيل لي، من قتل حصانه أخلفته عليه. فحملوا على الناس عدة حملات، فقلت منهم سبعون حصاناً ما قدروا يزحزحونهم من مواقفهم.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
فارس إفرنجي يهزم أربعة مسلمين
وكان بأفامية فارس من كبار فرسانهم يقال له بدرهوا، فكان أبداً يقولترى ما ألتقي جمعة في القتال؟ وجمعة يقولترى ما ألتقي بدرهوا في القتال؟ فنزل علينا عسكر إنطاكية وضرب خيامه في الموضع الذي كان ينزله وبيننا وبينهم الماء، ولنا موكب واقف على شرف مقابلهم، فركب فارس من الخيام وسار حتى وقف تحت موكبنا والماء بينه وبينهم، وصاح بهمفيكم جمعة؟ قالوالا. والله ما كان حاضر فيهم. وكان ذلك الفارس بدرهوا فالتفت فرأى أربعة فوارس منا من ناحيتهيحيى بن صافي وسهل بن أبي غانم الكردي وحارثة النميري وفارس آخر فحمل عليهم فهزمهم ولحق واحد منهم طعنه طعنة فشلة ما ألحقه حصانه ليمكن الطعن وعاد إلى الخيام. ودخل أولئك النفر إلى البلد فافتضحوا وأستخفهم الناس ولاموهم وأزروا بهم وقالواأربعة فوارس يهزمهم فارس واحد! كنتم افترقتم له فكان طعن واحداً منكم وكان الثلاثة قتلوه، ولا قد افتضحتم. وكان أشد الناس عليهم جمعة النميري. فكأن تلك الهزيمة منحتهم قلوباً غير قلوبهم وشجاعة ما كانوا يطمعون فيها فأنتخوا وقاتلوا اشتهروا في الحرب وصاروا من الفرسان المعدودين بعد تلك الهزيمة. وأما بدرهوا فإنه سار بعد ذالك من أفامية في بعض شغله يريد إنطاكية. فخرج عليه الأسد من غاب في الروج في طريقه فخطفه عن بغلته ودخل به إلى الغاب أكله، لا رحمه الله.
واخر يحمل على عسكر
ومن إقدام الرجل الواحد على الجمع الكثيرفمن ذالك أن اسباسلار مودود رحمه الله نزل بظاهر شيزر يوم الخميس تاسع ربيع الأول سنة خمس وخمس مائة وقد قصده دنكري صاحب إنطاكية في جمع كثير، فخرج إليه عمي ووالدي رحمهما الله وقالاالصواب أن ترحل وتنزل في البلد، ويضرب العسكر خيامهم على السطوحات في المدينة، ونلقى الأفرنج بعد أن تحرز خيامنا وأثقالنا. فرحل ونزل كما قالا له، وأصبحا خرجا إليه وخرج من شيزر خمسة آلاف راجل معدين، ففرح بهم اسباسلار وقويت نفسه. وكان معه رحمه الله رجال جياد فصفوا من قبلي الماء والإفرنج نزول شمالية، فمنعوهم من الشرب والورود نهارهم. فلما كان الليل رحلوا راجعين إلى بلادهم والناس حولهم، فنزلوا على تل الترمسي فمنعوهم الورود كما عملوا بالأمس فرحلوا في الليل ونزلوا على تل التلول والعسكر قد ضايقهم ومنعهم من المسير فاحتاطوا بالماء ومنعوهم من الورود، ورحلوا في الليل متوجهين إلى افامية، ففرغ إليهم العسكر واحتاطوا بهم وهم سائرون، فخرج منهم فارس واحد فحمل على الناس حتى توسطهم فقتلوا حصانه واثخنوه بالجراح، فقاتل وهو راجل حتى وصل أصحابه. ودخل الأفرنج أرضهم، وعاد المسلمون عنهم. ومضى اسباسلار مودود رحمة الله إلى دمشق، فجاءنا بعد اشهر كتاب دنكري صاحب إنطاكية مع فارس معه غلمان وأصحاب يقولهذا فارس محتشم من الأفرنج وصل حج ويريد الرجوع إلى بلاده، وسألني أن أسيره إليكم يبصر فرسانكم وقد نفذته فاستووا به. وكان شاب حسن الصورة حسن اللباس، إلا أن فيه أثار جراح كثيرة وفي وجهه ضربة سيف قد قدت من مفرقه إلى حكمته. فسألت عنه فقالواهذا الذي حمل على عسكر اسباسلار مودود وقتلوا حصانه، وقاتل حتى رجع إلى أصحابه. فتعالى الله القادر على ما يشاء كيف شاء لا يؤخر الأجل إلا حجام ولا يقدمه إلا قدام.
واحد يغزو ثمانية
ومن ذلك ما حكاه لي العقاب الشاعر رجل من أجنادنا من الغرب قالخرج أبي من تدمر يريد سوق دمشق ومعه أربعة فوارس وأربعة رجالة وهم يسوقون ثمانية جمال ليبيعوها. قالبينا نحن نسير إذا فارس مقبل من صدر البرية، فجاء يسير حتى صار بالقرب منا فقالخلوا عن الجمال فصحنا عليه وشتمناه، فأطلق حصانه علينا فطعن منا فارساً رماه عن فرسه وجرحه، فطردناه فسبق، ثم عاد إلينا وقالخلوا عن الجمال! فصحنا عليه وشتمناه، فحمل علينا فطعن راجلاً منا أوثقه بالجرح، وتبعناه فسبقنا، ثم عاد وقد بطل منا رجلان فأطلق علينا فأستقبله رجل منا فطعنه صاحبنا فوقعت الطعنة في قربوس سرجه فأنكسر رمح صاحبنا، وطعنه الفارس فجرحه، ثم حمل علينا فطعن رجلاً منا فصرعه وقالخلوا على الجمال! وإلا أفنيتكم. قلناتعال خذ نصفها قاللا، أحبسوا منها أربعة أتركوها وقوفاً وخذوا أربعة وأمضوا، ففعلنا وما صدقنا نخلص بما سلم معنا، وساق هو تلك الأربعة ونحن نراه ما لنا فيه حيلة ولا طمع، وعاد بالغنيمة وهو وحده ونحن ثمانية رجال.
إفرنجي يستولي على مغار
ومن ذلك أن دنكري صاحب إنطاكية أغار على شيزر فاستاق دواب كثيرة وقتل وسبى، ونزل على قرية يقال لها زلين فيها مغار معلقه لا يوصل إليها في وسط الجبل، ما إليها من فوق منزل ولا إليها من أسفل مطلع، إنما ينزل إليها من يحتمي فيها بالحبال، وذلك يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر سنة اثنين وخمس مائة، فجاء شيطان من فرسانهم إلى دنكري فقالاعمل لي صندوقاً من الخشب وأنا أقعد فيه، ودلوني من الجبل إليهم بسلاسل أوثقوها في الصندوق حتى لا يقطعوها بالسيف فأسقط. فعملوا له صندوقاً ودلوه بالسلاسل المعلقات إلى المغار، وأنزل كل من كان فيها إلى دنكري. وذلك أن المغار بهو ما فيه مكان يستتر الناس فيه - وذلك يرميهم بالنشاب فلا تقع نشابة إلا في إنسان لضيق الموضع وكثرت الناس فيه.
عم أسامه يفك أسر مسلمة
وكان ممن أسر في جملة من أسر في ذلك اليوم امرأة كانت من أصل جيد من العرب وصفت لعمي عز الدين أبي العساكر سلطان رحمه الله قبل ذلك وهي في بيت أبيها. فأرسل عمي عجوزاً من أصحابه تبصرها فعادت تصفها وجمالها وعقلها أما لرغبة بذولها لها أما أروها غيرها، فخطبها عمي وتزوجها. فلما دخلت عليه رأى غير ما وصف له منها، ثم هي خرساء، فوفاها مهرها وردها إلى قومها، فأسرت من بيوت قومها ذلك اليوم فقال عميما أدع امرأة تزوجتها وانكشفت علي في أسر الإفرنج. فاشتراها رحمه الله بخمس مائة دينار وسلمها إلى أهلها.
فطنة فتاة تركية
ومن ذلك ما حدثني به الؤيد الشاعر البغدادي بالموصل سنة خمس وستين وخمس مائة قالاقطع الخليفة والدي ضيعة وهو يتردد إليها وبها جماعة من العيارين يقطعون الطريق ووالدي يصانعهم لخوفه منهم وانتفاعه بشيء مما يأخذونه. فنحن يوماً جلوس بها أقبل غلام تركي على حصانه ومعه بغل رحل عليه خرج وجارية راكبه فوق الخرج فنزل وأنزل الجارية فقاليا فتيان، اسعدوني على حط الخرج، فجئنا حططناه معه وإذا به كله دنانير ذهب ومصاغ، فجلس هو والجارية، أكلا شيئا ثم قالاسعدوني على رفع الخرج، فرفعناه معه فقال لناكيف طريق الأنبار؟ فقال له والديالطريق ها هنا وأشار إلى الطريق ولكن في الطريق ستون عياراً أخاف عليك منهم. فضرط له وقالأنا أخاف من العيارين! فتركه والدي ومضى إلى العيارين أخبرهم خبره وما معه، فخرجوا حتى عارضه في الطريق، فلما رآهم أخرج قوسه وترك فيه سهمًا واستوفاه يريد يرميهم فانقطع الوتر، فهجم عليه العيارون فانهزم، وأخذ البغل والجارية والخرج فقالت لهم الجارية يا شباب بالله لاتهتكوني وبيعوني نفسي والبغل أيضاً بعقد جوهر مع التركي قيمته خمس مائة دينار، وخذوا الخرج وما فيه قالواقد فعلنا. ابعثوا لي بعضكم حتى أتحدث مع التركي وآخذ العقد، فبعثوا معها من يحفظها حتى دنت من التركي وقالت لهلقد اشتريت نفسي والبغل بالعقد التي في ساق موزك خفك اليسار فادفعه لي. قالنعم. وانفسح عنهم وأخرج الساق موزا وإذا فيه وتر قوس، فركبه على قوسه ورجع إليهم. فما زالوا يقاتله وهو يقتل منهم واحدًا واحداً حتى قتل منهم ثلاثة وأربعين رجلاً. ونظر فإذا والدي في جماعة الباقين من العيارين فقالوأنت فيهم! فتشتهي أعطيك نصيبك من النشاب! قاللا. قالخذ هؤلاء السبعة عشر الباقين أمض بهم إلى شحنة البلد يشنقهم واولائك قد زنهروا ورموا سلاحهم. وساق بغله بما عليه ومضى، وقد أرسل الله تعالى على العيارين منه مصيبة وسخطة عظيمة.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
مغامرات أخرى
ومن ذلك ما حضرته في سنة تسع وخمسمائة وقد خرج والدي رحمه الله بالعسكر إلى اسباسلار برسق رحمه الله وقد وصل بأمر السلطان إلى الغزاة وهو في خلق عظيم وجماعة من الأمراءمنهم أمير الجيوش اوزبه صاحب الموصل، وسنقرد راز صاحب الرحبة والأمير كندغندي، والحاجب الكبير بكتمر، وزنكي بن برسق وكان من الأبطال، وتميرك، وإسماعيل البكجي وغيرهم من الأمراء. فنزلوا على كفر طاب وفيها أخوا ثويفل والإفرنج فقاتلوها ودخلوا الخرسانية في الخندق ينقبون، والإفرنج قد أيقنوا بالهلاك فطرحوا النار بالحصن فأحرقوا السقوف فوقعت على الخيل والدواب والغنم والخنازير والأسارى فاحترق الجميع وبقي الأفرنج معلقين في أعلاه على الحيطان. فوقع لي أن أدخل في النقب أبصره فنزلت في الخندق، والنشاب والحجار مثل المطر علينا ودخلت النقب فرأيت حكمة عظيمة قد نقبوا من الخندق إلى الباشورة وأقاموا في جوانب النقب قائمتين وعليهما عرضية تمنع من تهدم ما فوقها ونظموا النقب بالأخشاب كذلك إلى أساس البشورة وعلقوه وبلغوا أساس البرج وحملوه على الأخشاب ويخرجون نقارة الحجار اولاً فأولاً. وأرض النقب من النقش قد صارت طيناً، فرأيته وخرجت ولم يعرفني الخرسانية، ولو عرفوني ما تركوني أخرج إلا بغرامة كثيرة لهم. وشرعوا في تقطيع الخشب اليابس وحشوا النقب بذلك الخشب واصبحوا طرحوا فيه النار. وقد لبسنا وزحفنا إلى الخندق لنهجم الحصن إذا وقع البرج وعلينا من الحجارة والنشاب بلاء عظيم. فأول ما عملت النار صار يسقط ما بين الحجار من تكحيل الكلس ثم انشق واتسع الشق ووقع البرج، ونحن نظن إذا وقع تمكن من الدخول عليهم، فوقع الوجه البراني وبقي الحائط الجواني كما هو فوقفنا إلى ان خيمت علينا الشمس ورجعنا إلى خيامنا، وقد نالنا من الحجارة أذى كثير.
فمكثنا إلى الظهر وإذا قد خرج من العسكر راجل واحد معه سيفه وترسه فمضى إلى حائط البرج الذي قد وقع وقد صارت جوانبه كدرج السلم فتوقل فيه حتى صعدا أعلاه، فلما رآه رجال العسكر تبعه منهم قدر عشرة رجال تسرعوا بعدتهم فصعدوا واحداً وراء واحد حتى صاروا على البرج والإفرنج لا يشعرون بهم. ولبسنا نحن من الخيام وزحفنا، فكثروا على البرج قبل أن يتكامل الناس عندهم. ففرغ إليهم الإفرنج فرموهم بالنشاب فجرحوا الذي طلع في الأول فنزل. وتتابع الناس في الطلوع وصاروا مع الإفرنج على بدن من الحيطان البرج وبين يديهم برج في بابه فارس لابس ومعه ترسه وقنطاريته يحمي من دخول البرج، وعلى البرج جماعة من الإفرنج يقاتلون الناس بالنشاب والحجارة، فصعد رجل من الأتراك ونحن نراه، ومشى والبلاء يأخذه إلى أن دنا من البرج وضرب الذي عليه بقارورة نفط فرأيته كالشهاب على تلك الحجارة إليهم، وقد رموا نفوسهم إلى الأرض خوفاً من الحريق، ثم عاد. وطلع أخر يمشي على البدن ومعه سيف وترس، فخرج عليه من البرج الذي في بابه الفارس رجل منهم عليه زرديتان وبيده قنطاريه وما معه ترس، فلقيه التركي وفي يده سيفه فطعنه الإفرنجي فدفع سنان قنطارية عنه بالترس ومشى إلى الإفرنجي وقد دخل على الرمح إليه، فولى عنه وأدار ظهره وأمال ظهره كالراكع خوفاً على رأسه، فضربه التركي ما عملت فيه شيئاً، ومشى حتى دخل البرج وقوي عليهم الناس وتكاثروا، فسلموا الحصن ونزل لأسارى إلى الخيام برسق بن برسق. فشاهدت ذلك الذي خرج بقنطاريته على التركي وقد جمعهم في سرادق برسق بن برسق ليقطعوا على نفوسهم ثمنناً يخلصون به، فوقف وكان سرجندياً وقالكم تأخذون مني؟ قالوانريد ستمائة دينار. فضرط لهم وقالأنا سرجندي ديواني كل شهر ديناران، من أين لي ستمائة دينار؟ وعاد جلس بين أصحابه، وكان خلقة عظيمة. فقال الأمير سيد الشريف وكان من كبار الأمراء لوالدي رحمهما اللهيا أخي ترى هؤلاء القوم؟ نعوذ بالله منهم. فقضى سبحانه ان العسكر رحل من كفر طاب إلى دانيث وصحبهم عسكر إنطاكية يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر. وكان تسليم كفر طاب يوم الجمعه ثالث عشر ربيع الأخر، فقتل الأمير سيد رحمه الله وخلق كثير من المسلمين. وعاد الوالد رحمه الله وكنت قد فارقته من كفر طاب وقد كسر العسكر، ونحن في كفر طاب نحرزها نريد نعمرها، وكان اسباسلار سلمها إلينا ونحن نخرج الأسرى كل أثنين في قيد من أهل شيزر وقد احترق نصف ذا وقد بقيت فخذه، وذا قد مات في النار، فرأيت منهم عبرة عظيمة فتركناها وعدنا إلى شيزر مع الوالد رحمه الله، وقد أخذ كل ما كان معه من الخيام والجمال والبغال والبرك والتحمل وتفرق العسكر.
مكيدة لؤلؤ
وكان ما جرى عليهم، بمكيدة من لؤلؤ لخادم صاحب حلب ذلك الوقت، قرر مع صاحب إنطاكية أن يحتال عليهم ويفرقهم ويخرج ذلك من إنطاكية بعسكره يكسرهم. فأرسل إلى اسباسيلار برسق رحمه الله يقولتنفذ لي بعض الأمراء ومعه جماعة من العسكر أسلم إليهم حلب، فإني أخاف من أهل البلد ان لا يطاوعني على التسليم، فأريد أن بكون مع الأمير جماعة أتقوى بهم على الحلبيين. فنفذ إليه أمير الجيوش ارزبة ومعه ثلاثة آلاف فارس وصبحهم رو جار لعنه الله، كسرهم لنفاذ المشيئة. وعاد الإفرنج لعنهم الله إلى كفر طاب عمروها وسكنوها. وقدر الله تعالى ان خلص الأسرى من الفرنج الذين أخذوا من كفر طاب. فإن الأمراء اقتسموهم وأبقوهم معهم ليشتروا أنفسهم إلى ما كان من أمير الجيوش فإنه تقدم الذين طلعوا في سهمه. ضرب رقاب جميعهم قبل أن يتوجه إلى حلب. وافترق العسكر - من سلم منهم من دانيث - وتوجهوا إلى بلادهم، فذلك الرجل الذي طلع وحده إلى برج كفر طاب كان سبب أخذها.
نمير يستولي على مغارة الإفرنج
ومن ذلككان في خدمتي رجل يقال له نمير العلار وزي، راجل شجاع نهض هو وقوم من رجال شيزر إلى الروج إلى الإفرنج، فعثروا في البلد على قافلة من الإفرنج في مغارة. فقال بعضهم لبعضمن يدخل عليهم قال نميرأنا، فدفع إليهم سيفه وترسه وجذب سكينه ودخل عليهم فاستقبله رجل منهم فضربه بالسكين رماه وبرك عليه يقتله وخلفه إفرنجي معه سيف فضربه وعلى ظهر نمير مزود فيه خبز فهو يرد عنه، فلما قتل الرجل الذي تحته ألتفت إلى صاحب السيف يريده فضربه بالسيف في جانب وجهه فقطع حاجبه وجفن عينه وخده وأنفه وشفته العليا، فتدلى جانب وجهه على صدره فخرج من المغارة إلى أصحابه فشدوا جرحه ورجعوا إليه في ليلة باردة ماطرة، فوصل شيزر وهو على تلك الحالة، فخيط وجهه وداوى جراحه فبرأ وعاد إلى مكان عليه، إلا أن عينه تلفت وهو أحد الثلاثة الذين رماهم الإسماعيلية من حصن شيزر وقد تقد ذكرهم.
واحد يهزم قوماً في رفنية
وحدثني الرئيس سهري وكان في خدمت الأمير شمس الخواص التونتاش صاحب رفنية وكان بينه وبين علم الدين علي كرد صاحب حماة عداوة وخلف، قالأمرني شمس الخواص أن أخرج أقدر بلد رفنية وابصر زرعه، فخرجت ومعي قوماً من الجند. قدرت البلد، ونزلت ليلة عند المساء بقرية من قرى الرفنية لها برج صعدنا إلى سطحه تعشينا وجلسنا وخيلنا على باب البرج، فما شعرنا إلى برجل قد أشرف علينا من بين شراشيف البرج فصاح علينا ورمى نفسه إلينا وفي يده سكينه فنهزمنا ونزلنا في السلم الأول وهو خلفنا، ونزلنا في السلم الثاني وهو خلفنا حتى وصلنا الباب فخرجنا وإذا قد رتب لنل رجلاً على الباب فقبضونا جميعنا وأوثقونا رباطًا ودخلوا بنا حماة علي كرد، فما سلمنا من ضرب الرقبة إلا بفسحة الأجل، فحبسنا وغرمنا، وكان الذي فعل بنا ذلك كله رجل واحد.
ابن المرجي يستولي على حصن
ومثل ذلك جرى في حصن الخربة، كانت لصلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله وفيها الحاجب عيسى واليها، وهو حصن منيع على صخرة مرتفعة من جميع جوانبه يطلع إليه بسلم خشب ثم يرفع السلم فلا يبقى إليها طريق، وليس مع الولي في الحصن سوى ابنه وغلامه وبواب الحصن وله صاحب يقال له ابن المرجي يطلع إليه في الوقت بعد الوقت في أشغاله، فتحدث مع الأسماعليية وقرر معهم قراراً أرضاه، من مال واقطاع ويسلم إليهم الحصن الخربة، ثم جاء إلى الحصن فاستأذن وطلع فبدأ بالباب، قتله فلقيا الغلام فقتله ودخل على الوالي قتله وسلمه إلى الإسماعيلية، وقاموا له بما كانوا قرروه له. والرجال إذا قوا أنفسهم على شيء فعلوه.
مروءة مكار نصراني
ومن ذلك تفاضل الرجال في هممهم ونخوتهم، وكان الوالد رحمه الله يقول ليكل جيد من سائر الأجناس، من الرديء من جنسه ما يكون بقيمته، مثل حصان جيد يساوي مائة دينار، خمس حصن رديئة تساوي مائة دينار وكذلك الجمال وكذلك أنواع الملبوس، إلا ابن آدم فإن ألف رجل أرد ياء لا يساوون رجلاً واحداً جيداً . وصدق رحمه الله.
كنت قد نفذت مملوكاً لي في شغل مهم إلى دمشق واتفق أن أتابك زنكي رحمه الله أخذ حماة ونزل على حمص، فاشتدت الطريق على صاحبي فتوجه إلى بعلبك ومنها إلى طرابلس واكترى بغل رجل نصراني يقال له يونان فحمله إلى حيث اكتراه وودعه، ورجع وخرج صاحبي في قافلة يريد يتوصل إلى شيزر من حصون الجبل فلقيهم إنسان فقال لأرباب الدواب لا تمضوا فإن في طريقكم في الموضع الفلاني عقد حرامية في ستين سبعين رجلا يأخذونكم قالفوقفنا لا ندري ما نعمل، ما تطيب نفوسنا بالرجوع ولا نجسر على المسير من الخوف، فنحن كذالك إذا الريس يونان قد أقبل مسرعاً. فقلناما لك يا ريس؟ قالسمعت أن في طريقكم حرامية جئت لأسيركم، سيروا. فسرنا معه إلى ذلك الموضع، وإذا قد نزل من الجبل خلق عظيم من الحرامية يريدون أخذنا فلقيهم يونان وقاليا فتيان موضعكم! أنا يونان وهؤلاء في خفارتي، والله جميعهم عنا وما أكلوا من عندنا رغيف خبز، ومشي معنا يونان حتى أمنا ثم ودعنا وأنصرف.
وفاء بدوي
وحكى لي صاحبي هذا عن أبن صاحب الطور وكان طلع معي من مصر في سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، قال حدثني أبن والي الطوروهي ولاية لمصر بعيدة، كان الحافظ لدين الله رحمه الله، إذا أراد أبعاد بعض الأمراء ولاه الطور وهو قريب لبلاد الأفرنج. قالوليها والدي وخرجت أنا معه إلى الولاية وكنت مغرى بالصيد فخرجت أتصيد فوقع بي قوم من الإفرنج فأخذوني ومضوا بي إلى بيت جبريل فحبسوني فيه في جب وحدي وقطع علي صاحب بيت جبريل ألفي دينار، فبقيت في الجب سنة لا يسأل عني أحد، فأنا في بعض الأيام في الجب وإذا قد رفع عنه الغطاء ودلي إلي رجل بدوي. فقلتمن أين أخذوك؟ قالمن الطريق، فأقام عندي يويمات وقطعوا عليه خمسين ديناراً، فقال لي يوماً من الأيامتريد تعلم أن ما يخلصك من هذا الجب إلا أنا؟ فخلصني حتى أخلصك. فقلت في نفسي رجل قد وقع في شدة يريد لروحه الخلاص، فما جاوبته. ثم بعد أيام أعاد على ذلك القول. فقلت في نفسيوالله لأسعين في خلاصه لعل الله يخلصني بثوابه. فصحت بالسجن فقلت لهقل للصاحب أشتهي أتحدث معك. فعاد وأطلعني من الجب وأحضرني عند الصاحب. فقلت لهلي في حبسك سنة ما سأل أحد عني ولا يدري أنا حي أو ميت، وقد حبست عندي هذا البدوي وقطعت عليه خمسين ديناراً أجعلها زيادة على قطيعتي ودعني أسيره إلى أبي حتى يفكني. قالافعل. فرجعت عرفت البدوي وخرج ودعني ومضى. فانتظرت ما يكون منه شهرين فما رأيت له أثراً ولا سمعت له خبراً فيئست منه فما راعني ليلة من الليالي إلا وهو قد خرج علي من نقب في جانب الجب، وقالقم والله لي خمسة أشهر أحفر هذا السرب من قرية خربة حتى وصلت إليك. فقمت معه وخرجنا من ذالك السرب وكسر قيدي وأوصلني إلى بيتي فما أدري مم أعجب من حسن وفائه أو من هدايته حتى طلع نقبه من جانب الجب. وإذا قضى الله سبحانه بالفرج فما أسهل أسبابه.
أسامة يفتدي الأسرى
كنت أتردد إلى ملك الأفرنج في الصلح بينه وبين جمال الدين محمد بن تاج الملوك رحمه الله ليد كانت للوالد رحمه الله على بغدوين الملك والد الملكة امرأة الملك فلك بن فلك، فكان الإفرنج يسوقون أسراهم إلي لأشتريهم، فكنت أشتري منهم من سهل الله تعالى خلاصه. فخرج شيطان منهم يدعى كليوم جيبا في موكب له يغزي فأخذ مركباً فيه حجاج من المغاربة نحو أربع مائة نفس رجال ونساء. فكان يجيء أقوام مع مالكهم فأشتري منهم من قدرت على شراه، وفيهم رجل شاب يسلم ويقعد لا يتكلم، فسألت عنه فقيل لي هو رجل زاهد صاحب دباغ. فقلت له بكم تبيعني هذه، قالوحق ديني ما أبيعه إلا هو وهذا الشيخ جملة كما أشتريتهما بثلاثة وأربعين ديناراً، فأشتريتهما اشتريت لي منهم نفراً، اشتريت للأمير معين رحمه الله منهم نفراً بمائة وعشرين ديناراً ووزنت ما كان معي وضمنت علي الباقي. وجئت إلى دمشق فقلت للأمير معين الدين رحمه اللهلقد اشتريت لك أسارى أختصك بهم، وما كان معي ثمنهم. والآن قد وصلت إلى بيتي إن أردتهم وزنت ثمنهم وإلا وزنته أنا. قاللا بل أنا أزن والله ثمنهم وأنا أرغب الناس في ثوابهم. وكان رحمه الله أسرع الناس إلى فعل خير وكسب مثوبة ووزن ثمنهم. وعدت بعد أيام إلى عكا. وقد بقي من الأسرى عند كليوم جيبا ثمانية وثلاثون أسيراً وفيهم امرأة لبعض الذين خلصهم الله تعالى على يدي فاشتريتها منه، وما وزنت ثمنها، فركبت إلى داره لعنه الله، وقلتتبيعني منهم عشرة؟ قال وحق ديني ما أبيع إلا الجميع. قلتما معي ثمن الجميع، وأنا أشتري بعضهم، والنوبة الأخرى أشتري الباقي. قالما أبيعك إلا الجميع. فانصرفت وقدر الله سبحانه أنهم هربوا في تلك الليلة جميعهم وسكان ضياع عكا كلهم من المسلمين إذا وصل إليهم الأسير آخوه وأوصلوه إلى بلاد الإسلام. وتطلبهم ذلك الملعون فما ظفر منهم بأحد وأحسن الله سبحانه خلاصهم، وأصبح يطالبني بثمن المرأة التي كنت أشتريتها وما وزنت ثمنها وقد هربت في من هرب. فقلتسلمها إلي وخذ ثمنها. قالثمنها لي من أمس قبل أن تهرب. وألزمني بوزن ثمنها، فوزنته وهان ذالك علي لمسرتي بخلاص أولئك المساكين.
عجائب السلامة في آمد
ومن عجائب السلامة إذا جرى بها القدر وسبقت بها المشيئة أن الأمير فخر الدين قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق رحمه الله، عمل على مدينة آمد عدة مرار وأنا بخدمته، ولا يبلغ منها مقصوده. وكان أخر ما عمل عليها ان أمير من الأكراد كان مديوناً بآمد رسالة ومعه جماعة من أصحابه وقرر الأمر ان يصله العساكر في ليلة تواعدوا إليها ويطلعهم بالحبال ويملك آمد. فعول فخر الدين في ذلك المهم على خادم له إفرنجي يقال له ياروق والعسكر كله يمقته ويكرهه لسوء أخلاقه، فركب في بعض العسكر وتقدم، وركب باقي الأمراء فتبعوه وتوان هو في السير فسبقه الأمراء إلى آمد، فأشرف عليهم ذلك الأمير الكردي وأصحابه من بروج ودلوا إليهم الحبال وقالوااطلعوا - ما طلع منهم أحد. فنزلوا كسروا أقفال باب المدينة وقالوا أدخلوا - ما دخلوا. كل ذلك لأعتماد فخر الدين على صبي جاهل في هذا المهم العظيم دون الأمراء الكبار. وعلم بذلك الأمير كمال الدين علي بن نيسان والبلدية والجند ففرغوا إليهم فقتلوا بعضهم ورمى بعضهم نفسه وقبضوا بعضهم. ومد بعض الذين رموا نفوسهم وهو نازل بالهواء، يده كأنه يريد شيء يتمسك به، فوقع في يده حبل من تلك الحبال التي دلوها أول الليل وما طلعوا فيها فتعلق بها ونجا دون أصحابه إلا أن كفيه انسلختا من الحبل، هذا وأنا حاضر. وأصبح صاحب آمد يتبع الذين عملوا عليه فقتلهم، وسلم ذلك من دونهم فسبحانه من إذا قدر السلامة أنقذ الإنسان من لهاة الأسد فذلك حق لامثل.
الإنقاذ من لهاة الأسد
كان في حصن الجسر رجل من أصحابنا من بني كنانة يعرف بابن الأحمر ركب فرسه من حصن الجسر يريد كفرطاب لشغل له، فاجتاز بكفر نبوذا وقافلة عابرة على الطريق فرأوا الأسد ومع ابن الأحمر حربة تلمع، فصاح إليه أهل القافلة يا صاحب الخشب البراق دونك الأسد! فحمله الحياء من صياحهم أن حمل على الأسد فحاصت به الفرس فوقع فجاء فبرك عليه. وكان لما يريد الله من سلامته، الأسد شبعان فألتقم وجهه وجبهته فجرح وجهه وصار يلحس الدم وهو بارك عليه لا يؤذيه. فقالففتحت عيني فأبصرت لها الأسد، ثم جذبت نفسي من تحته ورفعت فخذه عني وخرجت، تعلقت بشجرة بالقرب منه وصعدت فيها، فراني وجاء خلفي، فسبقت وطلعت في الشجرة، فنام الأسد تحت الشجرة وعلاني من الذر شيء عظيم على تلك الجراح والذر يطلب جريح الأسد كما يطلب الفأر جريح النمر. قالفرأيت الأسد قد قعد وأنصب آذانه كأنه يتسمع، ثم قام يهرول، فإذا قافلة قد أقبلت على الطريق كأنه سمع حسها. فعرفوه وحملوه على بيته، وكان أثر أنياب السبع في جبهته وخديه كوسم النار فسبحان المسلم.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)