لم يطل انتظاري أكثر من ثلاثة أيام ..وبعد أن أجبرتني الأمطار على التزام بيتي ليومين متتالين .
لقد حجزت بالبولمان ذاهباً لطرطوس لأخلص هناك معاملة جمركية وسأعود مساءاً بإذن الله بعد أن اختار هدية ً
لِـ نورا ـ عيد ميلادها صار قريباً
وصلت إلى الكراج متأخراً وجلست بالكرسي المخصص بي قرب رجل يُخفي وجهه خلف جريدة
لكن سمعت صوتاً مألوفاً : أهلا ? ..لم أنتظرك كثيراً
إنه مؤمن لن أرد عليه...
بدأت أجهز المقعد بوضعيةٍ تسمح لي بالنوم موهماً إياه أني غير آبهٍ بوجوده
لكنه لم ينتظر حتى أن أسأله لماذا هو هنا أو إن كان يلاحقني فبادر بالكلام متحدياً تجاهلي له باسترساله المعتاد:
{لن أطيل عليك بالحديث ,لقد دخلت في تجربة حّبٍ رائعةٍ مع صاحبة المنديل وبدأنا يوماً بعد يوم نغوص نحو أعماق بحور العشق السرمديّـة.
ربطتني بها علاقة حّبٍ روحانية بمشاعر لا هوتية غريبة أعجز عن شرحها لك ,مشاعر تجتاحني كشلال جارف مشكلة نهراً بمياهٍ سريعة الجريان تجرف كل ما من شأنه تعكير صفوه الوّد الذي يجمعنا
مشاعر حب روحانية لاهوتية تجتاح قلبي ومخيلتي مخالجة ًالفؤاد والروح مني لتنحل في قطرات دمّـي
حبٌ كبيرٌ بغرابته أو لعله الحب الحقيقي ذاك الذي أكنه لصاحبة المنديل,حبٌ لم يسبق لي أن شهدت أو قرأت ما يقاربه ..رغم مبالغة الأدباء والشعراء في وصف الحب ,إلا أنهم لم يطاولوا ما أشعر به لا من قريبٍ ولا من بعيد
فلم يأتي العرب على ذكره في رواياتهم ,ولم يرد في قصص العجم ,أو في أشعار الإغريق ,أو أساطير اليونانيين و مآثر الفراعنة
أهيم بفتاةٍ باتت تشاركني أدق تفاصيل حياتي ويومياتي .. أهيم بها إلى حدٍ قارب التعبد ,وأعشقها حبيبة امرأة ً
أقسم برب الحّب أن كل هذه المشاعر ويزيد كانت تخرج من قلبي ,بل تنبع من فؤادي لتصب في هواها..اقسم ..
والأمل يحدوني أن تجمعنا الأقدار سقف بيت نستظل فيه بمظلة الحب والمودّة فنشكل معاً عائلة ً سعيدة كنتيجة منطقية لأحلى قصةٍ للحب في زماننا
تملك سلطان هواها مني إلى حّدٍ صار فيه يساورني الشك أنه إذ ما قدر لنا الله أن نجني ثمار حبنا في بيت الزوجية لعجزت عن مجامعتها"اعذرني"
لا لضعفٍ من ـ لا سمح الله ـ بل لأن حبي لها قد ارتقى فوق شهوات الجسد ورغبات البشر الدنيوية..
كنت أراها الأولى في العالم ,بل كانت الوحيدة في نظري فبنيت لها برجاً عاجياً في سويداء قلبي ونصبتها ملكة ً عليه
مرتفعاً أو مترفعاً عن كل أخطائها بحقي وبحق الحّب بدعوة انعدام التعمد وحسن النية والثقة المتبادلة بيننا
مورست عليّ ضغوطاً كبيرة كي أتخلى عنها ,ضغوط ٌ ممن يرون أني أبادلها أضعاف ما تظهر لي هي من حب
غير منتبهٍ أني أعطيها الكثير الكثير دون مقابل
وإلى أني قد أفقد القدرة على العطاء يوماً ما إذا لم أقابل بعطاءٍ مماثل من الطرف الثاني
ولكن كل هذه الضغوط لم تستني عن ما عزمت عليه ,ولم تجبرني على التراجع قيد أنملة بل أخذت أتابع السير بخطىً كنت أظنها واثقة وثابتة غير راغبٍ بالالتفات إلى الخلف
ولا أخفيك القول هذه الضغوط ومعها تنبيهات مالك دفعت بي لأحس بالفتور في علاقتنا من جهتها
فواجهتها وبصراحة غير مرة بما يدور في خلجات صدري من أحاسيس ومخاوف.
لكنها استطاعت وبعبارات قليلة أو بمشاريع اعتذارات صغيرة أن تعيدني عن وساوسي وأوهامي كما سمتها..
وكثيراً ما هربت من مواجهتي بالدموع, الدموع التي أعجز عن مواجهتها
فأنا لا أحتمل رؤية سحابات الحزن تعكر صفوه عينيها "بالمناسبة هي تملك أجمل عيون ٍدامعة في العالم"
فكيف أحتمل أن أكون المتسبب في حزنها أو دموعها ـ لقد كانت تعلم بذلك / أنا متأكد/ ـ
كانت ماهرة جدا بقلب الحقائق والخروج من أصعب المواجهات رافعة ً راية الانتصار بكبريائها ودموعها ونعومة الأفاعي وكيدها تخرج قوية في أحلك لحظات الانكسار.
بدأت يا صاحبي ويوماً بعد يوم رياح بل عواصف الأخطاء تعصف بنا فتعري أحلامنا من رومانسيتها كاشفة ً أرواحنا وأجسادنا على حقيقتها
وكل حقيقة ٍجديدة تسقط علينا تستحيل سدّاً يبعدنا عن بعضنا وحاجزاً يلجمنا خلفه
تتابعت الأحداث هكذا حاجبتاً الغشاوة عن عيوني وقاشعة ً الضباب عن الطريق الوهمي الممتد أمامنا
حتى كبرياء الحّب الذي كان يدفع بي لاختراع أعذار ومبررات لها وللتغاضي عن أخطائها بحقي وبحق الهوى
فدخلت أنا بدوامةٍ قاسية ورحت أتخبط بها بين كبريائي وحبّي لنون وبدأت أترنح ألماً وحيرة ً تحت سياط الأسئلة الموجعة
تنأى إلى سمعي من مصادر عدّة جلـّها موثوق أن صاحبة المنديل تشارك بعض الشباب الرقص في الحانات
بل وأنها ما تزال على علاقةٍ بالماضي الذي ادعت أنه قد ضاع إلى الأبد من قاموس حياتها}
هنا توقف البولمان بنا في استراحة على الطريق فنزلت ومؤمن تحتسي بعض الشاي وندخن لكنه أعتذر قائلا ً:
/// صار لازم روح//..
فقلت له مستغرباً:? لن تكمل المشوار معي ?!!
ـ طريقنا واحد لكننا سنسلك دروباً مختلفة " ضحك بكل ما أوتي من قوة ثم تابع"كل الدروب بتودي ع الطاحون
سأراك غداً في صومعة الجبل الساعة السادسة لا تتأخر
قالها وهو يركب شبه بولمان متجهاً إلى الشام..
ما هذا الرجل الغريب ,لماذا شاركني هذه الرحلة ما دام غير راغبٍ بزيارة طرطوس ثم ما أدراه أني عائدٌ إلى دمشق في نفس اليوم
لقد منحني ولأول مرة موعداً ربما لأنه سينهي روايته غداً
ولكن ما كان يقصد بتلك التلميحات الخبيثة ..ماذا يعرف عن علاقتي بنانا ..؟
هل يريد أن يقنعني أن كل بنات حوا من عجينه واحدة ؟
إن كان هذا ما يرموا إليه فليس سوى مجنون ٍ غبي
لقد صدّع رأسي هذا اللعين إن رأيته غداً لا بدّ أن أفهم منه كل شئ أو..
أنهيت عملي وعدّت سريعاً إلى الشام والصداع يأكل رأسي لكنه لم يمنعني من شراء هدية بمناسبة عيد ميلاد حبيبتي
حبيبتي التي تعمدت أن لا أتكلم معها أكثر من ثلاثة دقائق عبر الهاتف كيما تكتشف مرضي
فقد اعتدت أن أخفي الألم كتهمةٍ عن من أحب لكي لا أشغل بالهم عليّ
غداً في عيدها سأكون بخير ستفاجئ بهديتي وستعجب بها هي تحب الهدايا
وفي اليوم التالي وحسب الوعد المحدد وصلت إلى صومعة الجبل قبله فأخذت أجهز المكان كي نجلس كعادتنا
كانت الشمس حيينها تحاول الغياب سيهبط الليل بعد قليل ويحلّ الظلام . لماذا هذا الموعد المسائي ؟
وضعت الشموع فوق الصخرة الباكية ياله من منظر رومانسي كيف لم ترد لي فكرة زيارة الصومعة على ضوء الشموع قبل الآن
وصل مؤمن ـ لم يتأخر ـ لكنه فاجأني بقدومه ,بل فاجأتني الهيئة التي جاء بها ..
لقد صفف شعره وحلق لحيته الطويلة وهندس شاربه وخلع عنه / الجينز/
أقسم أنه كسب عشر سنواتٍ من عمره دفعة ً واحدة بأناقته ووسامته هذه
رغم أني أعجبت بهيئته الجديدة لكني لا أدري لماذا هاجمني الضحك كوحش ٍأعجز عن رده في تلك اللحظة
هو أيضاً ضحك متباهياً بأناقته ووسامته وهو يسأل إن كان يستحق أن يُحبّ كان يدور حولي بكبرياء وفخار فيبدو كعارضي الأزياء وهو يريني تلك /البدلة/ بوضعيات عدّه مع المعطف أو دونه
وأنا أطلق صفارات الإعجاب ولما تعب من اللف والضحك جلس في مكانه وهو يضربني على كتفي ممازحاً ويقول:
هكذا كنا أيام العز / كنا شغلة يا أبو شريك / بالمناسبة لقد أصبحنا شركاء يا صديقي
ـ شركاء بماذا؟؟
ـ بزجاجة العرق هذه خذ اشرب وسأكمل لك القصة الآن
{اتسع الشرخ بيننا أيما اتساع يوم علمت أنها تشارك عمرو الرقص كل ليلةٍٍ في الحانات ,وجاءت الطامة الكبرى والضربة القاضية لكل ما قدر أحاول اختراعه لها من مبررات وأعذار ولكل محاولاتي لتكذيب كل ما يقال عنها
عندما رأيتها بأم عيني تلوح لعمر مودعة بلهفة وشوق قبل أن تمسح العرق عن جبينها وتقف في مكانها المعتاد في حديقة حبنا مدعية ً فراغ صبرها من انتظاري
وما إن طالعت عيونها وهي تنظر لي ببراءة صرت أكرهها حتى ثارت ثائرة الغضب مني وخرج ذاك الشرقي المجروح من صدري لطغى على كل مشاعري ويصب جام غضبي عليها
فأمطرتها بكل ما حوت معاجم اللغة العربية من مفردات تعبر عن تفاهة عاهرة وسفاهة خائنة ..رامياً عرض الحائط بكل ترهات حبي لها .
لكنها وقفت بكبرياء يثير الاشمئزاز لتنكر كل شيء ..
فارتفعت أمواج غضبي لأصرخ بوجهها محتدماً : لا تكذبي لقد رأيتكما معاً عيناك في عينيه في كفيه في قدميه
ويداك ضارعتان ترتعشان من لهفٍ عليه .
وتنكري بعد يا ساقطة اذهبي لكي درب ولي ..فأنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبك الكاذب فأنت التي بدأت الخيانة والغدر
وفري دموعك هذه فلم تعد ذات تأثيرٍ بي
وتركتها غارقة بدموعها تمزقها سكاكين غدرها ومضيت حاملا ً قلبي المضرج إلى أكفانه وكلي عزم أن لا أعود عن قراري بفراقها قيد أنملة
إلا أن النوم جافا عيني والمرض استطاع التسلل إلى خلايا جسدي فتدهورت صحتي إلى أن وجدت نفسي أنقل إلى المشفى في سيارة إسعاف
قال الطبيب : أنه إرهاق ناتج عن صدمة عصبية
صدق الطبيب والله فأنا لا أنفك ألعن الساعة التي تعرفت فيها على صاحبة المنديل ,صاخطاً على ضعفي وغبائي
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)