فلما كان يومُ صِفّين قال له أبوه عمرو: يا عبد الله اخرج فقاتل فقال: يا أبتاه أتأمُرني أن أخرج فأقاتل وقد سمعتُ من رسول الله ما سمعت وعَهِد إليَ " ما عهد " قال: أنشدك الله ألم يكن آخر ما قال لك أن أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال لك: أطِع أباك ٍ قال: اللهم بلى قال: فإني أعزم عليك أن تَخْرج فتقاتل.
قال: فخرج فقاتل متقلَداً بسيفين.
القول في القدر أتى قومٌ من أهل القَدر محمد بن المُنْكدر.
فقالوا له: أنت الذي تقول: إن الله يُعذِّب الخلق على ما قدَّر عليهم فصرف وجهه عنهم ولم يُجبهم.
فقالوا له: أصلحك الله إن كنت لا تُجيبنا فلا تُخْلِنا من بركة دعائك فقال: اللهم لا تُرْدِنا بعُقوبتك ولا تَمكر بنا حِيلتك ولا تُؤاخذنا بتَقْصيرنا عن رِضاك قليلَ أعمالنا تقَبّل وعظيمَ خطايانا اغفر أنت الله الذي لم يكن شيء قبلك ولا يكونُ شيء بعدك وليّ الأشياء ترفع بالهُدى من تشاء لا مَن أحسن استغنى عن عَونك ولا مَن أساء غَلَبك ولا استبدّ شيء عن حُكومتك وقُدرتك " لا ملجأ إلا إليك " فكيف لنا بالمغفرة وليست إلا في يديك وكيف لنا بالرحمة وليست إلا عندك حفيظ لا ينسى قديم لا يَبلى حيّ لا يموت بك عرفناك وبك اهتدينا إليك ولولا أنت لم نَدْرِ ما أنت سُبحانك وتعاليت.
فقال القوم: قد والله أخبر وما قَصرّ.
وقال: ذُكر القَدر في مجلس الحسن البصريّ فقال: إن الله خلق الخلق للابتلاء لم يُطيعوه بإكراه ولم يَعْصوه بغَلبة لم يُهْملهم من الملْك وهو القادر على ما أقدرهم عليه والمالك لما ملّكهم إياه فإن يأتمر العِباد بطاعة الله لم يكن اللهّ مُثَبِّطاً " لهم " بل يَزيدهم هُدىً إلى هُداهم وتَقوَى إلى تَقْواهم وإن يأتمروا بمعْصية الله كان الله قادراً على صرفهم إن شاء وإن خَلّى بينهم وبين المَعْصية فمن بعد إعذار وإنذار.
مروان بن موسى قال: حدّثنا أبو ضَمْرة أنّ غَيْلان قَدِم بكلمة قد صاغها حتى وقف على ربيعة فقال له: أنت الذي تزعم أنّ الله أحبَّ أن يُعْصىَ فقال له رَبيعة: أنت الذي تزعم أن الله يُعصى كَرها فكأَنما أَلقمه حجراً.
قيل لطاوس: هذا قَتادة يُحب أن يأتيك فقال: إن جاء لأقُومنّ قيل له: إنه فقيه قال: إِبليس أفقه منه قال: " رَبِّ بما أَغْوَيْتَني ".
وقيل للشعبّى: رأيتَ قتادة قال: نعم رأيت كُناسة بين حَشَّين القَدَر هو العِلْم والكِتاب والكَلِمة والإذْن والمشيئة.
قال الأصمعي: سألتُ أعرابياً فقلت له: ما فَضلُ بَني فُلان على بَني فلان قال: الكِتاب يعني القَدَر.
وقال الله عزّ وجلّ: " إنَّا كُلّ شيءِ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ".
وقال: " كُلُّ في كِتَاب مُبِين ".
وقال: " ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لعِبَادِنَا اْلمًرْسَلِين " يعني القَدَر.
وقال: " وَلَوْلاً كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزَاما ".
قال الخُشني أبو عبد الله محمد بن السَّلام: شاعران من فُحُول الجاهلية لهما " بَيْتان " ذَهب " أحدهما في بيته " مَذْهب العَدْلية والآخر ذَهب مَذْهب الجَبْرية فالذي ذهب مَذْهب العَدْلية أعشى بَكْر حيثُ يقول: آسْتأثر الله بالوَفَاء وبالعَدْل وَوَلًى اللامة الرَّجلاَ إنّ تَقْوَى ربِّنَا خَيْرُ نَفَل وبإذْن الله رَيثي وعَجَلْ مَن هَداه سُبلَ الخْير اهتدى ناعِمَ البال ومَن شاءَ أَضَل وقال إِياس بن مُعاوية: كلَّمتُ الفِرَق كلها ببعض عَقْلي وكلًمتُ القَدَرِيّ بعَقْلي كلِّه فقلت له: دُخولك فيما ليس لك ظُلْم منك قال: نعم قلت: فإنّ الأمر كله للّه.
ومن قوْل اللهّ عز وجل في القدر: " قُلْ فَلّلهِ الْحُجًةُ البَالِغةُ فَلَوْ شَاء لهَدَاكمْ أجْمَعين ".
وقال: " يَمُنُّون عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَّلَيَ إِسْلامَكُمْ بَل الله يَمُنَّ عَلَيْكُمْ أنْ هَدَاكُمْ لِإيمَان إِنْ كنْتمْ صَادِقينَ " ابن شِهاب قال: أنزل الله على نبيه آية في القَدرِيَّة: " الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين وقال: " قُلْ لَوْ كُنْتُمْ في بُيُوتِكُمْ لبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلى مَضَاجِعِهِمْ ".
وقال محمد بنُ سِيرين: ما يُنْكر القَدَرية أن يكونَ الله " قد " عَلِم مِن خَلْقه عِلْماً فكَتبه عليهم.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
وقال رجلٌ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما تَقول في القَدَر قال: وَيْحك! أخبرني عن رحمة الله أكانَتْ قبلَ طاعة العباد قال نعم قال علي: أسْلَم صاحبًكم وقد كان كافراً فقال الرجلً له: أليس بالمَشيئة الأولى التي أنشأني بها " وقَوَّم خَلقي " أقوم وأقعد وأقْبِضً وأبْسُط قال له " علي " إنك بعدُ في المشيئة أمَا إني أسألك عن ثلاث فإن قلتَ في واحدة منهن لا كفرت وإن قلت نعم فأنت أنت فمدَ القومُ أعناقهم ليسمعوا ما يقول فقال له عليّ: أخبرني عنك أخلقك اللهّ كما شِئت أو كما شاء قال: بل كما شاء قال: فَخَلقَك الله لما شِئْت أو لما شاء قال: بل لما شاء قال: فيومَ القيامة تأتيه بما شئت أو بما شاء قال: بل بما شاء قال: قُمْ فلا مَشيئة لك.
قال هشام بن محمد بن السائب الكَلْبي: كان هِشام بن عبد الملك قد أنكر على غَيلان التكلم في القَدَر وتقدَّم إليه في ذلك أشدَّ التقدّم وقال له في بعض ما توعده به من الكلام: ما أحسبك تَنْتهي حتى تَنْزِل بك دعوةُ عمرَ بن عبد العزيز إِذا احتجَ عليك في المَشيئة بقول الله عزّ وجل: " وَمَا تشاءُونَ إلا أنْ يَشَاء الله " فزعمتَ أنك لم تُلْقِ الا بالاً فقال عمر: اللهم ان كان كاذباً فاقطع يده وِرجله ولسانه واضرب عُنُقه فانْتَهِ أولى لك ودعَ عنك ما ضَرُه إليك أقربُ من نفْعه فقال له غَيْلان لِحَيْنه وشَقْوته: ابعث إليَّ يا أمير المؤمنين من يُكلّمني ويحتجّ عليّ فإن أخذتْه حُجَّتي أمسكتَ عنّي فلا سبيلَ لك إليَّ وإن أخذتنى حجتُه فسألتك بالذي أكرمَك بالخِلافة إلاّ نفَذت فيّ ما دعا به عمرُ عليّ.
فغاظ قوله هشاماً فعبث إلى الأوْزاعيّ فحكى له ما قال لغَيلان وما ردَّ غيلان: فالتفت إليه الأوزاعيّ فقال له: اسألك عن خمس أو عن ثلاث فقال غيلان: بل عن ثلاث قال الأوزاعيّ: هل علمتَ أنّ الله أعان على ما حَرَّم قال غيلان: ما علِمت " وعَظُمت عنده ".
قال: فهل علمتَ أن اللهّ قَضى على ما نهى قال غيلان: هذه أعظمُ! ما لي بهذا من عِلْم قال: فهل علمتَ أنّ الله حال دون ما أمر قال غيلان -: حال دون ما أمر ما علمتُ قال الأوزاعي: هذا مرتاب من أهل الزَّيع.
فأمر هشامُ بقَطع يده ورِجْله ثم ألقي في الكُناسة.
فاحْتَوشه الناسُ يَعجبون من عظيم ما أنزل اللهّ به من نِقمته.
ثم أقبل رجلٌ كان كثيراً ما يُنْكر عليه التكلّم في القَدَر فتخلّل الناس حتى وَصل إليه فقال يا غيلانُ اذكُر دُعاء عمر رحمه اللهّ فقال غيلان: أفلح إذاً هشام إن كان الذي نَزَل بي بدعاء عمر أو بقضاء سابق فإنه لا حَرج على هشام فيما أمر به فبلغت كلمته هشاما فأمر بقَطْع لسانه وضَرب عُنقه لتمام دَعْوة عمر.
ثم التفت هشام إلى الأوزاعيّ وقال له: قد قلتَ يا أبا عمرو فَفَسِّر فقال: نعم قَضى على ما نَهى عنه نَهى آدم عن أكل الشجرة وقضى عليه بأكلها وحال دُون ما أَمر أمر إبليس بالسُجود لآدم وحال بينه وبين ذلك وأعان على ما حرَّم المَيْتة وأعان المُضطر على أكلها.
الرَّياشي عن سعيد بن عامر بن جُوَيرية عن سَعيد بن أبي عَرُوبة قال: لما سألتُ قتادةَ عن القَدَر فقال: رأى العرب تريد فيه أم رأيَ العَجم فقلت: بل رَأْيَ العرب: قال: فإنه لم يكن أحدٌ من العرب إلا وهو يُثبت " القدر " وأنشد: وقال أعرابيّ: الناظًر في قَدَر الله كالناظر في عَين الشمس يعرف ضَوْءها ولا يَختم على حدودها.
وقال كعب بن زُهَير: لو كنتُ أعجبُ من شيء لأعجَبني سَعْيُ الفَتَى وهو مخْبُوءٌ له القَدَرُ يَسْعى الفتَى لأمور ليس يُدْرِكها فالنَّفْس واحدةٌ وآلهمّ منْتشِر والمَرْءُ ما عاش مَمْدُودٌ له أمل لا تَنْتَهي العينُ حتى يَنْتهي الأثر وقال آخر: والجَدّ أنهض بالفتَى من عَقْله فانهضْ بجَدٍّ في الحَوادث أو ذَرِ ما أقربَ الأشْياء حين يَسُوقها قَدَرٌ وأبعدَها إذا لم تُقْدَرِ عبد الرحمن القَصِير قال: حدّثنا يونس بن بلال عن يَزيد بن أبي حَبيب أنّ رجلاً قال للنبيّ : يا رسول الله أيقدّر الله عليِّ الشرّ ثم يُعذَبني عليه قال: نعم وأنت أظْلم.
وحدّث أبو عبد الرحمن المُقْرىء يَرْفعه إلى أبي هُريرة عن عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه عن رسول الله قال: لا تجَالسوا أهلَ القَدَر ولا تُفاتحوهم.
ومن حديث عبد الله بن مَسعود قال: ما كان كُفْر بعد نُبوَّة قط إلا كان مِفْتاحه التَّكْذيب بالقَدَر.
ثُمَامة بن أَشْرَس قال: دَخل أبو العَتاهية على المأمون لما قَدِم العراق فأَمر له بمال وجَعل يُحادثه فقال له يومًا: ما في الناس أجهل من القَدرِيَّة فقال له المأمون: أنت بصناعتك أَبصر فلا تَتَخَطَّها إلى غيرها قال له: يا أميرَ المؤمنين اجمع بيني وبين من شئتَ منهم.
فأَرْسَلَ إليِّ فدخلتُ عليه فقال لي: هذا يَزعم أنّك وأصحابَك لا حُجَّة عندكم.
قلت: فلْيَسأَل عمّا بدا له.
فحرَّك أبو العتاهية يدَه وقال: مَن حَرَّك هذه قلتُ مَن ناك أُمّه فقال: يا أميرَ المؤمنين شتَمني قلت له: نَقضت أصلَك يا ماصّ بَظْر أمّه فَضَحك المأمونُ فقلت له: يا جاهل تحرك يدَك ثم تقول: مَن حَرَّكها " فإن كان اللهّ حَرَّكها " فلم أَشْتُمك وإِن كنتَ أنت المُحَرّك لها فهو قَوْلي قال له المأمون: عندك زيادةٌ في المسألة.
قال الكندي في الفَنّ التاسع من التّوحيد: اعلم أن العالَم كله مَسوس بالقضاء والقَدَر - أعنى بالقضاء - ما قُسم لكل مَعْلول مما هو أَصلح وأَحْكم وأَتقن في بِنْية الكُل لأنه - جل ثناؤه - خَلَق وأبدع مُضطرًّا ومُختارًا بتمام القُدْرة فلما كان المختار غيرَ تامّ الحكمة لأن تمام آلحِكمة لِمبدع الكل كان لوِ أطلق واختيارَه لاختار كثيراً مما فيه فَسادُ الكل فقَدّر - جلّ ثناؤه - بِنْيةً للكلّ تقديراَ محْكَمًا.
فصيّر بعضه سوانحَ لبعض يَختار بإرادته ومَشيئته غيرَ مقْهور مما هو أَصْلح وأحكم في بِنْية اكل فتقدير هذه السَّوانح هو القَدَر فبالقضاء والقَدَر ساسَ - جل ثناؤه - جميع ما أَبدع بهذه السِّياسة المُحكمة المُنظمة التي لا يَدْخلها زَلَل ولا نَقْص فاتْضَح أنّ كل مَعْلوِل فيما قسم له ربه من الأحْوال لا خارج عنها وأنّ بعضَ ذلك باضطرار وبعضه باختيار وأنّ المُختار عن سَوانح قَدَره " اختار " وبإرادته لا بالكَرْه " منه " فَعل.
سُئل أعرابيّ عن القَدَر فقال: ذاك عِلْم اختَصَمت فيه الظُّنون وكثر فيه المُختلفون والواجب علينا أن نَرد ما أتشكل من حُكْمه إلى ما سبق في عِلْمه.
واصطحب مَجوسي وقَدَري في سَفَر فقال القدريّ للمجوسيّ: مالَك لا تُسلم قال: إن أَذِن الله في ذلك كان قال: إن الله قد أذن إلا أنَّ الشيطان لا يدَعك قال: فأنا مع أَقْواهما.
وقال رجلٌ لهشام بن الحَكَم: أنت تَزعُم أن اللهّ في فضْله وكَرمه وعَدْله كَلَّفنا ما لا نُطِيقه ثم يًعذِّبنا عليه قال هشام: قد والله فَعل ولكن لا نَسْتطيع أن نتكلَّم.
اجتمع عمرو بن عُبيد مع الحارث بن مِسْكين بمنىَ فقال له: إنّ مِثلى ومثلك لا يَجْتمعان في مثل هذا المَوْضع فيَفترقان من غير فائدةَ فإن شِئتَ فقُلْ وإن شئتَ فأنا أقول قال له: قل قال: هل تَعلم أحداً أقبلَ للعُذر من الله عز وجل قال: لا قال: فهل تَعْلم عذراً أبينَ من عذر مَنْ قال لا أقدر فيما تَعلم أنت أنه لا يَقدر عليه قال: لا قال: فلمَ لا يَقْبَلُ - مَن لا أَقبلِ للعُذر منه - عُذْرَ مَن لا أبينَ من عُذْره فانقطع الحارث بن مِسْكين فلم يرُدّ شيئاَ.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)