صفحة 3 من 27 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 9 إلى 12 من 108

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر الخبر عن ذلك
    ذكر علي بن محمد، قال: أخبرنا عبد الله بن ميمون، عن عمرو بن شجيرة، عن جابر، عن الشعبي، قال: بعث عليٌّ بعد ما رجع من صفين جعدة بن هبيرة المخزومي بن هبيرة المخزومي إلى خراسان، فانتهى إلى أبرشهر، وقد كفروا وامتنعوا، فقدم على علي. فبعث خليد بن قرة اليربوعي، فحاصر أهل نيسابور حتى صالحوه، وصالحه أهل مرو، وأصاب جاريتين من أبناء الملوك نزلتا بأمان، فبعث بهما إلى علي، فعرض عليهما الإسلام وأن يزوجهما، قالتا: زوجنا ابنيك، فأبى، فقال له بعض الدهاقين: ادفعهما إلي، فإنه كرام تكرمني بها، فدفعهما إليه، فكانتا عنده، يفرش لهما الديباج، ويطعمهما في آنية الذهب، ثم رجعتا إلى خراسان.
    اعتزال الخوارج عليا وأصحابه ورجوعهم بعد ذلك

    وفي هذه السنة اعتزل الخوارج عليًا وأصحابه، وحكموا، ثم كلمهم عليٌّ فرجعوا ودخلوا الكوفة.
    ذكر الخبر عن اعتزالهم عليا

    قال أبو مخنف في حديثه عن أبي جناب، عن عمارة بن ربيعة، قال: ولما قدم عليٌّ الكوفة وفارقته الخوارج، وثبت إليه الشيعة فقالوا: في أعناقنا بيعة ثانية، نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت؛ فقالت الخوارج: استبقتم أنتم وأهل الشأم إلى الكفر كفرسي رهان، بايع أهل الشأم معاوية على ما أحبوا وكرهوا، وبايعتم أنتم عليًا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى؛ فقال لهم زياد بن النضر: والله ما بسط عليٌّ يده فبايعناه قط إلا على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ، ولكنكم لما خالفتموه جاءته شيعته، فقالوا: نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت؛ ونحن كذلك، وهو على الحق والهدى، ومن خالفه ضالٌّ مضل. وبعث علي ابن عباس إليهم، فقال: لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك. فخرج إليهم حتى أتاهم، فأقبلوا يكلمونه، فلم يصبر حتى راجعهم، فقال: ما نقمتم من الحكمين، وقد قال الله عز وجل: " إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما "! فكيف بأمة محمد ! فقالت الخوارج: قلنا: أما ما جعل حكمه إلى الناس، وأمر بالنظر فيه والإصلاح له فهو إليهم كما أمر به، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه؛ حكم في الزاني مائة جلدة، وفي السارق بقطع يده، فليس للعباد أن ينظروا في هذا. قال ابن عباس: فإن الله عز وجل يقول: " يحكم به ذوا عدلٍ منكم "، فقالوا: أو تجعل الحكم في الصيد، والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين! وقالت الخوارج: قلنا له: فهذه الآية بيننا وبينك، أعدلٌ عندك ابن العاص وهو بالأمس يقاتلنا ويسفك دماءنا! فإن كان عدلًا فليس بعدول ونحن أهل حربه. وقد حكمتم في أمر الله الرجال، وقد أمضى الله عز وجل حكمه في معاوية وحزبه أن يقتلوا أو يرجعوا، وقيل ذلك ما دعوناهم إلى كتاب الله عز وجل فأبوه، ثم كتبتم بينكم وبينه كتابًا، وجعلتم بينكم وبينه الموادعة والاستفاضة، وقد قطع عز وجل الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة، إلا من أقر بالجزية.
    وبعث علي زياد بن النضر إليهم فقال: انظر بأي رءوسهم هم أشد إطافة، فنظر فأخبره أنه لم يرهم عند رجل أكثر منهم عند يزيد بن قيس. فخرج علي في الناس حتى دخل إليهم، فأتى فسطاط يزيد بن قيس، فدخله فتوضأ فيه وصلى ركعتين، وأمره على إصبهان والري، ثم خرج حتى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس، فقال: انته عن كلامهم، ألم أنهك رحمك الله! ثم تكلم فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال: اللهم إن هذا مقامٌ من أفلج فيه كان أولى بالفح يوم القيامة، ومن نطق فيه وأوعث فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا. ثم قال لهم: من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكواء. قال عليٌّ: فما أخرجكم علينا؟ قالوا: حكومتكم يوم صفين. قال: أنشدكم بالله، أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم: نجيبهم إلى كتاب الله قلت لكم: إني أعلم بالقوم منكم؛ إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني صحبتهم وعرفتهم أطفالًا ورجالًا، فكانوا شر أطفال وشر رجال. امضوا على حقكم وصدقكم، فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعةً ودهنًا ومكيدة. فرددتم علي رأيي، وقلتم: لا، بل نقبل منهم. فقلت لكم: اذكروا قولي لكم، ومعصيتك إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمًا يحكم بما في القرآن، وإن أبيا فنحن من حكمهما برآء. قالوا له: فخبرنا أتراه عدلًا تحكيم الرجال في الدماء؟ فقال: إنا لسنا حكمنا الرجال، إنما حكمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين، لا ينطق، إنما يتكلم به الرجال، قالوا: فخبرا عن الأجل، لم جعلته فيما بينك وبينهم؟ قال: ليعلم الجاهل، ويثبت العالم، ولعل الله عز وجل يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة. ادخلوا مصركم رحمكم الله! فدخلوا من عند آخرهم.
    قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي، عن أبيه بمثل هذا.
    وأما الخوارج فيقولون: قلنا: صدقت، قد كنا كما ذكرت، وفعلنا ما وصفت، ولكن ذلك كان منا كفرًا، فقد تبنا إلى الله عز وجل منه، فتب كما تبنا نبايعك، وإلا فنحن مخالفون. فبايعنا علي وقال: ادخلوا فلنمكث ستة أشهر حتى يجبى المال، ويسمن الكراع، ثم نخرج إلى عدونا. ولسنا نأخذ بقولهم؛ وقد كذبوا.
    وقدم معن بن يزيد بن الأخنس السلمي في استبطاء إمضاء الحكومة وقال لعلي: إن معاوية قد وفى. فف أنت لا يلتفتنك عن رأيك أعاريب بكر وتميم. فأمر عليٌّ بإمضاء الحكومة، وقد كانوا افترقوا من صفين على أن يقدم الحكمان في أربعمائة أربعمائة إلى دومة الجندل.
    وزعم الواقدي أن سعدًا قد شهد مع من شهد الحكمين، وأن ابنه عمر لم يدعه حتى أحضره أذرح، فندم، فأحرم من بيت المقدس بعمرة.
    اجتماع الحكمين بدومة الجندل

    وفي هذه السنة كان اجتماع الحكمين.
    ذكر الخبر عن اجتماعهما
    قال أبو مخنف: حدثني المجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي، أن عليًا بعث أربعمائة رجل، عليهم شريح بن هانىء الحارثي، وبعث معهم عبد الله بن عباس، وهو يصلي بهم، ويلي أمورهم، وأبو موسى الأشعري معهم. وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشأم، حتى توافوا بدومة الجندل بأذرح، قال: فكان معاوية إذا كتب إلى عمرو جاء الرسول وذهب لا يدري بما جاء به، ولا بما رجع به، ولا يسأله أهل الشام عن شيء؛ وإذا جاء رسول علي جاءوا إلى ابن عباس فسألوه: ما كتب به إليك أمير المؤمنين؟ فإن كتمهم ظنوا به الظنون فقالوا: ما نراه كتب إلا بكذا وكذا. فقال ابن عباس: أما تعقلون! أما ترون رسول معاوية يجيء لا يعلم بما جاء به، ويرجع لا يعلم ما رجع به، ولا يسمع لهم صياح ولا لفظ، وأنتم عندي كل يوم تظنون الظنون! قال: وشهد جماعتهم تلك عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وعبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري وأبو جهم بن حذيفة العدوي والمغيرة بن شعبة الثقفي؛ وخرج عمر بن سعد حتى أتى أباه على ماء لبني سليم بالبادية، فقال: ياأبت، قد بلغك ما كان بين الناس بصفين، وقد حكم الناس أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وقد شهدهم نفر من قريش؛ فاشهدهم فإنك صاحب رسول الله وأحد الشورى، ولم تدخل في شيء كرهته هذه الأمة، فاحضر فإنك أحق الناس بالخلافة. فقال: لا أفعل، إني سمعت رسول الله يقول: " إنه تكون فتنةٌ؛ خير الناس فيها الخفي التقي "، والله لا أشهد شيئًا من هذا الأمر أبدًا.
    والتقى الحكمان، فقال عمرو بن العاص: يا أبا موسى، ألست تعلم أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلومًا؟ قال: أشهد، قال: ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قال: بلى؛ قال: فإن الله عز وجل قال: " ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورًا "، فما يمنعك من معاوية ولي عثمان يا أبا موسى، وبيته في قريش كما قد علمت؟ فإن تخوفت أن يقول الناس: ولي معاوية وليست له سابقة؛ فإن لك بذلك حجة؛ تقول: إني وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه، الحسن السياسة، الحسن التدبير، وهو أخو أم حبيبة زوجة النبي ، وقد صحبه، فهو أحد الصحابة. ثم عرض له بالسلطان، فقال: إن ولي أكرمك كرامةً لم يكرمها خليفة. فقال أبو موسى: يا عمرو، اتق الله عز وجل! فأما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف يولاه أهله، ولو كان على الشرف لكان هذا الأمر لآل أبرهة بن الصباح، إنما هو لأهل الدين والفضل، مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفًا أعطيته علي بن أبي طالب. وأما قولك: إن معاوية ولي دم عثمان فوله هذا الأمر، فإني لم أكن لأوليه معاوية وأدع المهاجرين الأولين. وأما تعريضك لي بالسلطان، فوالله لو خرج لي من سلطانه كله ما وليته، وما كنت لأرتشي في حكم الله عز وجل، ولكنك إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب الكلبي، أنه كان يقول: قال أبو موسى: أما والله لئن استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال له عمرو: إن كنت تحب بيعة ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصلاحه! فقال: إن ابنك رجل صدق، ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة.
    قال أبو مخنف: حدثني محمد بن إسحاق، عن نافع مولى ابن عمر، قال: قال عمرو بن العاص: إن هذا الأمر لا يصلحه إلا رجل له ضرس يأكل ويطعم، وكانت في ابن عمر غفلة، فقال له عبد الله بن الزبير: افطن، فانتبه، فقال عبد الله بن عمر: لا والله لا أرشو عليها شيئًا أبدًا، وقال: يابن العاص، إن العرب أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف، وتناجزت بالرماح، فلا تردنهم في فتنة.
    قال أبو مخنف: حدثني النضر بن صالح العبسي، قال: كنت مع شريح بن هانىء في غزوة سجستان، فحدثني أن عليًا أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص، قال: قل له إذا أنت لقيته: إن عليًا يقول لك: إن أفضل الناس عند الله عز وجل من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وكرثه، من الباطل وإن حن إليه وزاده، يا عمرو، والله إنك لتعلم أين موضع الحق، فلم تجاهل؟ إن أوتيت طمعًا يسيرًا كنت به لله وأوليائه عدوًا، فكأن والله ما أوتيت قد زال عنك؛ ويحك! فلا تكن للخائنين خصيمًا، ولا للظالمين ظهيرًا. أما إني أعلم بيومك الذي أنت فيه نادم، وهو يوم وفاتك، تمنى أنك لم تظهر لمسلم عداوةً، ولم تأخذ على حكم رشوة. قال: فبلغته ذلك، فتمعر وجهه، ثم قال: متى كنت أقبل مشورة علي أو أنتهي إلى أمره، أو أعتد برأيه! فقلت له: وما يمنعك يابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم مشورته! فقد كان من هو خير منك أبو بكر وعمر يستشيرانه، ويعملان برأيه. فقال: إن مثلي لا يكلم مثلك، فقلت له: وبأي أبويك ترغب عني! بأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة! قال: فقام عن مكانه وقمت معه.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب الكلبي أن عمرًا وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل، أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام، يقول: إنك صاحب رسول الله وأنت أسن مني، فتكلم وأتكلم. فكان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في كل شيء، اغتزى بذلك كله أن يقدمه فيبدأ بخلع علي. قال: فنظر في أمرهما وما اجتمعا عليه، فأراده عمرو على معاوية فأبى، وأراده على ابنه فأبى، وأراد أبو موسى عمرًا على عبد الله ابن عمر فأبى عليه، فقال له
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    عمرو: خبرني ما رأيك؟ قال: رأيي أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل الأمر شورى بين المسلمين، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا. فقال له عمرو: فإن الرأي ما رأيت، فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون، فقال: يا أبا موسى، أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع واتفق، فتكلم أبو موسى فقال: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله عز وجل به أمر هذه الأمة. فقال عمرو: صدق وبر، يا أبا موسى، تقدم فتكلم. فتقدم أبو موسى ليتكلم، فقال له ابن عباس: ويحك! والله إني لأظنه قد خدعك. إن كنتما قد اتفقتما على أمر، فقدمه فليتكلم بذلك الأمر قبلك، ثم تكلم أنت بعده، فإن عمرًا غادر، ولا آمن من أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه، فإذا قمت في الناس خالفك - وكان أبو موسى مغفلًا - فقال له: إنا قد اتفقنا. فتقدم أبو موسى فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها، ولا ألم لشعثها من أمرٍ قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه؛ وهو أن نخلع عليًا ومعاوية، وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيولوا منهم من أحبوا عليهم، وإني قد خلعت عليًا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم. وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلًا؛ ثم تنحى. وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه. وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان بن عفان والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه. فقال أبو موسى: ما لك لا وفقك الله، غدرت وفجرت! إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. قال عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارًا. وحمل شريح بن هانىء على عمرو فقنعه بالسوط، وحمل على شريح ابنٌ لعمرو فضربه بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهم. وكان شريح بعد ذلك يقول: ما ندمت على شيء ندامتي على ضرب عمرو بالسوط ألا أكون ضربته بالسف آتيًا به الدهر ما أتى. والتمس أهل الشأم أبا موسى! حذرته وأمرته بالرأي فما عقل. فكان أبو موسى يقول: حذرني ابن عباس غدرة الفاسق، ولكني اطمأننت إليه، وظننت أنه لن يؤثر شيئًا على نصيحة الأمة. ثم انصرف عمرو وأهل الشأم إلى معاوية، وسلموا عليه بالخلافة، ورجع ابن عباس وشريح بن هانىء إلى علي، وكان إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمرًا وأبا الأعور السلمي وحبيبًا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد. فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن عليًا وابن عباس والأشتر وحسنًا وحسينًا. وزعم الواقدي أن اجتماع الحكمين كان في شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة.
    ذكر ما كان من خبر الخوارج عند توجيه علي الحكم للحكومة وخبر يوم النهر

    قال أبو مخنف: عن أبي المغفل، عن عون بن أبي جحيفة، أن عليًا لما أراد أن يبعث أبا موسى للحكومة، أتاه رجلان من الخوارج: زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي، فدخلا عليه، فقالا له: لا حكم إلا لله، فقال علي: لا حكم إلا لله، فقال له حرقوص: تب من خطيئتك، وارجع عن قضيتك، واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال لهم علي: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني، وقد كتبنا بيننا وبينهم كتابًا، وشرطنا شروطًا، وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا، وقد قال الله عز وجل: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلًا إن الله يعلم ما تفعلون ". فقال له حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه؛ فقال علي: ما هو ذنب، ولكنه عجز من الرأي، وضعفٌ من الفعل، وقد تقدمت إليكم فيما كان منه، ونهيتكم عنه. فقال له زرعة بن البرج: أما والله يا علي، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عز وجل قاتلتك؛ أطلب بذلك وجه الله ورضوانه، فقال له علي: بؤسًا لك، ما أشقاك! كأني بك قتيلًا تسفي عليك الريح؛ قال: وددت أن قد كان ذلك؛ فقال له علي: لو كنت محقًا كان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا، إن الشيطان قد استهواكم، فاتقوا الله عز وجل؛ إنه لا خير لكم في دنيا تقاتلون عليها؛ فخرجا من عنده يحكمان.
    قال أبو مخنف: فحدثني عبد الملك بن أبي حرة الحنفي، أن عليًا خرج ذات يوم يخطب، فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال علي: الله أكبر! كلمة حق يراد بها باطل! إن سكتوا عممناهم، وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم. فوثب يزيد بن عاصم المحاربي، فقال: الحمد لله غير مودع ربنا ولا مستغنىً عنه. اللهم إنا نعوذ بك من إعطاء الدنية في ديننا، فإن إعطاء الدنية في الدين إدهانٌ في أمر الله عز وجل، وذل راجع بأهله إلى سخط الله. يا علي، أبالقتل تخوفنا! أما والله إني لأرجو أن نضربكم بها عما قليل غير مصفحات، ثم لتعلمن أينا أولى بها صليًا. ثم خرج بهم هو وإخوة له ثلاثة هو رابعهم، فأصيبوا مع الخوارج بالنهر، وأصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة.
    قال أبو مخنف: حدثني الأجلح بن عبد الله، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن بهز الحضرمي، قال: قام علي في الناس يخطبهم ذات يوم، فقال رجلٌ من جانب المسجد: لا حكم إلا لله، فقام آخر فقال مثل ذلك، ثم توالى عدة رجال يحكمون، فقال علي: الله أكبر؛ كلمة حق يلتمس بها باطل! أما إن لكم عندنا ثلاثًا ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدءونا؛ ثم رجع إلى مكانه الذي كان فيه من خطبته.
    قال أبو مخنف: وحدثنا عن القاسم بن الوليد، أن حكيم بن عبد الرحمن بن سعيد البكائي كان يرى رأي الخوارج، فأتى عليًا ذات يوم وهو يخطب، فقال: " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " فقال علي: " فاصبر إن وعد الله حقٌّ ولا يستخفنك الذين لايوقنون ".
    حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل ابن سمعي الحنفي؛ عن أبي رزين، قال: لما وقع التحكيم ورجع علي من صفين رجعوا مباينين له، فلما انتهوا إلى النهر أقاموا به، فدخل علي في الناس الكوفة، ونزلوا بحر وراء، فبعث إليهم عبد الله بن عباس، فرجع ولم يصنع شيئًا، فخرج إليهم علي فكلمهم حتى وقع الرضا بينه وبينهم، فدخلوا الكوفة، فأتاه رجل فقال: إن الناس قد تحدثوا أن الناس قد تحدثوا أنك رجعت لهم عن كفرك. فخطب الناس في صلاة الظهر، فذكر أمرهم فعابه؛ فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: لا حكم إلا لله. واستقبله رجل منهم واضع إصبعيه في أذنيه، فقال: " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين "، فقال علي: " فاصبر إن وعد الله حقٌّ ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ".
    حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليث بن أبي سليم يذكر عن أصحابه، قال: جعل علي يقلب يديه يقول يديه هكذا وهو على المنبر، فقال: حكم الله عز وجل ينتظر فيكم مرتين، إن لكم عندنا ثلاثًا: لا نمنعكم صلاةً في هذا المسجد، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا.
    قال أبو مخنف عن عبد الملك بن أبي حرة: إن عليًا لما بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة لقيت الخوارج بعضها بعضًا، فاجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي، فحمد الله عبد الله بن وهب وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن، أن تكون هذه الدنيا، التي الرضا بها والركون بها والإيثار إياها عناء وتبار، آخر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق، وإن من وضر فإنه من يمن ويضر في هذه الدنيا فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله عز وجل والخلود في جناته. فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن، منكرين لهذه البدع المضلة، فقال له حرقوص بن زهير: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكم عن طلب الحق، وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال حمزة ابن سنان الأسدي: يا قوم، إن الرأي ما رأيتم، فولوا أمركم رجلًا منكم، فإنه لابد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها، وترجعون إليها. فعرضوها على زيد بن حصين الطائي فأبى، وعرضوها على حرقوص بن زهير فأبى، وعلى حمزة بن سنان وشريح بن أوفى العبسي فأبيا، وعرضوها على عبد الله ابن وهب، فقال: هاتوها، أما والله لا آخذها رغبةً في الدنيا، ولا أدعها فرقًا من الموت. فبايعوه لعشر خلون من شوال - وكان يقال له ذو الثفنات - ثم اجتمعوا في منزل شريح بن أوفى العبسي، فقال ابن وهب: اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها لإنفاذ حكم الله، فإنكم أهل الحق. قال شريح: نخرج إلى المدائن فننزلها، ونأخذ بأبوابها، ونخرج منها سكانها، ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا. فقال زيد بن حصين: إنكم إن خرجتم مجتمعين اتبعتم، ولكن اخرجوا وحدانًا مستخفين، فأما المدائن فإن بها من يمنعكم، ولكن سيروا حتى تنزلوا جسر النهروان، وتكاتبوا إخوانكم من أهل البصرة. قالوا: هذا الرأي.
    وكتب عبد الله بن وهب إلى من بالبصرة منهم يعلمهم ما اجتمعوا عليه، ويحثهم على اللحاق بهم، وسير الكتاب إليهم، فأجابوه أنهم على اللحاق به. فلما عزموا على المسير تعبدوا ليلتهم - وكانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة - وساروا يوم السبت، فخرج شريح بن أوفى العبسي وهو يتلو قول الله تعالى: " فخرج منها خائفًا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين، ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ". وخرج معهم طرفة بن عدي بن حاتم الطائي، فاتبعه أبوه فلم يقدر عليه، فانتهى إلى المدائن ثم رجع، فلما بلغ ساباط لقيه عبد الله بن وهب الراسي في نحو عشرين فارسًا، فأراد عبد الله قتله، فمنعه عمرو بن مالك النبهاني وبشر بن زيد البولاني. وأرسل عدي إلى سعد بن مسعود عامل علي على المدائن يحذره أمرهم، فحذر، وأخذ أبواب المدائن، وخرج في الخيل واستخلف بها ابن أخيه المختار بن أبي عبيد، وسار في طلبهم، فأخبر عبد الله بن وهب خبره فرابأ طريقه، وسار على بغداذ، ولحقهم سعد بن مسعود بالكرخ في خمسمائة فارس عند المساء، فانصرف إليهم عبد الله في ثلاثين فارسًا، فاقتتلوا ساعة، وامتنع القوم منهم؛ وقال أصحاب سعد لسعد: ما تريد من قتال هؤلاء ولم يأتك فيهم أمر! خلهم فليذهبوا، واكتب إلى أمير المؤمنين، فإن أمرك باتباعهم اتبعتهم، وإن كفاكهم غيرك كان في ذلك عافية لك. فأبى عليهم، فلما جن عليهم الليل خرج عبد الله بن وهب فعبر دجلة إلى أرض جوخى، وسار إلى النهروان، فوصل إلى أصحابه وقد أيسوا منه، وقالوا: إن كان هلك ولينا الأمر زيد بن حصين أو حرقوص بن زهير، وسار جماعة من أهل الكوفة يريدون الخوارج ليكونوا معهم، فردهم أهلوهم كرهًا؛ منهم القعقاع بن قيس الطائي عم الطرماح بن حكيم، وعبد الله بن حكيم بن عبد الرحمن البكائي، وبلغ عليًا أن سالم بن ربيعة العبسي يريد الخروج، فأحضره عنده، ونهاه فانتهى.
    ولما خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليًا أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا: نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت، فشرط لهم فيه سنة رسول الله ، فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي - وكان شهد معه الجمل وصفين، ومعه راية خثعم - فقال له: بايع على كتاب الله وسنة رسول الله ؛ فقال ربيعة: على سنة أبي بكر وعمر؛ قال له علي: ويلك! لو أن أبا بكر وعمر عملًا بغير كتاب الله وسنة رسول الله لم يكونا على شيء من الحق، فبايعه، فنظر إليه علي وقال: أما والله لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت، وكأني بك وقد وطئتك الخيل بحوافرها، فقتل يوم النهر مع خوارج البصرة.
    وأما خوارج البصرة فإنهم اجتمعوا في خمسمائة رجل، وجعلوا عليهم مسعر ابن فدكي التميمي، فعلم بهم ابن عباس، فأتبعهم أبا الأسود الدؤلي، فلحقهم بالجسر الأكبر، فتواقفوا حتى حجز بينهم الليل، وأدلج مسعر بأصحابه، وأقبل يعترض الناس وعلى مقدمته الأشرس بن عوف الشيباني، وسار حتى لحق بعبد الله بن وهب بالنهر. فلما خرجت الخوارج وهرب أبو موسى إلى مكة، ورد عليٌّ ابن عباس إلى البصرة، قام في الكوفة فخطبهم فقال: الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدثان الجليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ أما بعد، فإن المعصية تورث الحسرة، وتعقب الندم، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري، ونحلتكم رأيي، لو كان لقصيرٍ أمر! ولكن أبيتم إلا ما أردتم، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن:
    أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ** فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    إلا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدىً من الله، فحكما بغير حجة بينة، ولا سنةٍ ماضية، واختلفا في حكمهما، وكلاهما لم يرشد، فبرىء الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين. استعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشأم، وأصبحوا في معسكركم إن شاء الله يوم الاثنين. ثم نزل.
    وكتب إلى الخوارج بالنهر: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى زيد بن حصين وعبد الله بن وهب ومن معهما من الناس. أما بعد، فإن هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما قد خالفا كتاب الله، واتبعا أهواءهما بغير هدىً من الله، فلم يعملا بالسنة، ولم ينفذا للقرآن حكمًا، فبرىء الله ورسوله منهما والمؤمنون! فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبلوا فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم، ونحن على الأمر الأول الذي كنا عليه. والسلام.
    وكتبوا إليه: أما بعد، فإنك لم تغضب لربك، إنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر، واستقبلت التوبة، نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا فقد نابذناك على سواءٍ إن الله لا يحب الخائنين. فلما قرأ كتابهم أيس منهم، فرأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى أهل الشأم حتى يلقاهم فيناجزهم.
    قال أبو مخنف، عن المعلى بن كليب الهمداني، عن جبر بن نوف أبي الوداك الهمداني: إن عليًا لما نزل بالنخيلة وأيس من الخوارج، قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنه من ترك الجهاد في الله وأدهن في أمره كان على شفا هلكه إلا أن يتداركه الله بنعمة؛ فاتقوا الله، وقاتلوا من حاد الله، وحاول أن يطفىء نور الله، قاتلوا الخاطئين الضالين، القاسطين المجرمين، الذين ليسوا بقراء للقرآن، ولا فقهاء في الدين، ولا علماء في التأويل، ولا لهذا الأمر بأهل سابقة في الإسلام، والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل، تيسروا وتهيئوا للمسير إلى عدوكم من أهل المغرب، وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم، فإذا قدموا فاجتمعتم شخصنا إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    وكتب علي إلى عبد الله بن عباس مع عتبة بن الأخنس بن قيس، من بني سعد بن بكر: أما بعد، فإنا قد خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة، وقد أجمعنا على المسير إلى عدونا من أهل المغرب، فاشخص بالناس حتى يأتيك رسولي، وأقم حتى يأتيك أمري. والسلام.
    فلما قدم عليه الكتاب قرأه على الناس، وأمرهم بالشخوص مع الأحنف ابن قيس، فشخص معه مهم ألفٌ وخمسمائة رجل، فاستقلهم عبد الله بن عباس، فقام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا أهل البصرة، فإنه جاءني أمر أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم، فأمرتكم بالنفير إليه مع الأحنف بن قيس، ولم يشخص معه منكم إلا ألف وخمسمائة، وأنتم ستون ألفًا سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم! ألا انفروا مع جارية بن قدامة السعدي، ولا يجعلن رجلٌ على نفسه سبيلًا، فإني موقع بكل من وجدته متخلفًا عن مكتبه، عاصيًا لإمامه، وقد أمرت أبا الأسود الدؤلي بحشركم، فلا يلم رجل جعل السبيل على نفسه إلا نفسه.
    فخرج جارية فعسكر، وخرج أبو الأسود فحشر الناس، فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمائة، ثم أقبل حتى وافاه عليٌّ بالنخيلة، فلم يزل بالنخيلة حتى وافاه هذان الجيشان من البصرة ثلاثة آلاف ومائتا رجل، فجمع إليه رءوس أهل الكوفة، ورءوس الأسباع، ورءوس القبائل، ووجوه الناس. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل الكوفة، أنتم إخواني وأنصاري، وأعواني على الحق، وصحابتي على جهاد عدوي المحلين بكم، أضرب المدبر، وأرجو تمام طاعة المقبل، وقد بعثت إلى أهل البصرة فاستنفرتهم إليكم، فلم يأتني منهم إلا ثلاثة آلاف ومائتا رجل، فأعينوني بمناصحة جلية خلية من الغش، إنكم.. مخرجنا إلى صفين، بل استجمعوا بأجمعكم، وإني أسألكم أن يكتب لي رئيس كل قوم ما في عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال وعبدان عشيرته ومواليهم، ثم يرفع ذلك إلينا.
    فقام سعيد بن قيس الهمداني، فقال: يا أمير المؤمنين، سمعًا وطاعة، وودًا ونصيحة، أنا أول الاس جاء بما سألت، وبما طلبت. وقام معقل بن قيس الرياحي فقال له نحوًا من ذلك، وقام عدي بن حاتم وزياد بن خصفة وحجر بن عدي وأشراف الناس والقبائل فقالوا مثل ذلك.
    ثم إن الرءوس كتبوا من فيهم ثم رفعوهم إليه، وأمروا أبناءهم وعبيدهم ومواليهم أن يخرجوا معهم، وألا يتخلف منهم عنهم أحد، فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل، وسبعة عشر ألفًا من الأبناء ممن أدرك، وثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم، وقالوا: يا أمير المؤمنين، أما من عندنا من المقاتلة وأبناء المقاتلة ممن قد بلغ الحلم، وأطاق القتال، فقد رفعنا إليك منهم ذوي القوة والجلد، وأمرناهم بالشخوص معنا، ومنهم ضعفاء، وهم في ضياعنا وأشياء مما يصلحنا. وكانت العرب سبعةً وخمسين ألفًا من أهل الكوفة، ومن مواليهم ومماليكهم ثمانية آلاف، وكان جميع أهل الكوفة خمسةً وستين ألفًا، وثلاثة آلاف ومائتي رجل من أهل البصرة، وكان جميع من معه ثمانيةً وستين ألفًا ومائتي رجل.
    قال أبو مخنف، عن أبي الصلت التيمي: إن عليًا كتب إلى سعد ابن مسعود الثقفي - وهو عامله على المدائن: أما بعد، فإني قد بعثت إليك زياد ابن خصفة فأشخص معه من قبلك من مقاتلة أهل الكوفة، وعجل ذلك إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
    قال: وبلغ عليًا أن الناس يقولون: لو سار بنا إلى هذه الحرورية فبدأنا بهم، فإذا فرغنا منهم وجهنا من وجهنا ذلك إلى المحلين! فقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنه قد بلغني قولكم: لو أن أمير المؤمنين سار بنا إلى هذه الخارجة التي خرجت عليه فبدأنا بهم، فإذا فرغنا منهم وجهنا إلى المحلين؛ وإن غير هذه الخارجة أهم إلينا منهم، فدعوا ذكرهم، وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكًا، ويتخذوا عباد الله خولا.
    فتنادى الناس من كل جانب: سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت. قال: فقام إليه صيفي بن فسيل الشيباني فقال: يا أمير المؤمنين، نحن حزبك وأنصارك، نعادي من عاديت، ونشايع من أناب إلى طاعتك، فسر بنا إلى عدوك؛ من كانوا وأينما كانوا؛ فإنك إن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد، ولا ضعف نية أتباع. وقام إليه محرز بن شهاب التميمي من بني سعد فقال: يا أمير المؤمنين، شيعتك كقلب رجل واحد في الإجماع على نصرتك، والجد في جهاد عدوك، فأبشر بالنصر، وسر بنا إلى أي الفريقين أحببت، فإنا شيعتك الذين نرجو في طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب، ونخاف في خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال.
    حدثني يعقوب، قال: حدثني إسماعيل، قال: أخبرنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس كان من الخوارج ثم فارقهم، قال: دخلوا قريةً، فخرج عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ذعرًا يجر رداءه، فقالوا: لم ترع؟ فقال: والله لقد ذعرتموني! قالوا: أأنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ؟ قال: نعم، قالوا: فهل سمعت من أبيك حديثًا يحدث به عن رسول الله أنه ذكر فتنةً، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي؟ قال: فإن أدركتم ذلك فكن يا عبد الله المقتول - قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: " ولا تكن يا عبد الله القاتل " - قال: نعم؛ قال: فقدموه على ضفة النهر، فضربوا عنقه، فسال دمه كأنه شراك نعل، وبقروا بطن أم ولده عما في بطنها.
    قال أبو مخنف عن عطاء بن عجلان، عن حميد بن هلال: إن الخارجة التي أقبلت من البصرة جاءت حتى دنت من إخوانها بالنهر، فخرجت عصابة منهم، فإذا هم برجل يسوق بامرأة على حمار، فعبروا إليه، فدعوه فتهددوه وأفزعوه، وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ، ثم أهوى إلى ثوبه يتناوله من الأرض - وكان سقط عنه لما أفزعوه - فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم؛ قالوا له: لا روع عليك! فحدثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبي ، لعل الله ينفعنا به! قال: حدثني أبي، عن رسول الله ، أن فتنةً تكون، يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه، يمسي فيها مؤمنًا ويصبح فيها كافرًا، ويصبح فيها كافرًا ويمسي فيها مؤمنًا، فقالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرًا، قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ قال: إنه كان محقًا في أولها وفي آخرها، قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال: إنه أعلم بالله منكم، وأشد توقيًا على دينه، وأنفذ بصيرةً. فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدًا، فأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متمٌّ حتى نزلوا تحت نخلٍ مواقر، فسقطت منه رطبةٌ، فأخذها أحدهم فقذف بها فمه، فقال أحدهم: بغير حلها، وبغير ثمن! فلفظها وألقاها من فمه، ثم أخذ سيفه فأخذ يمينه، فمر به خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه، فقالوا: هذا فسادٌ في الأرض، فأتى صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره، فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي منكم بأس، إني لمسلم؛ ما أحدثت في الإسلام حدثًا، ولقد أمنتموني، قلتم: لا روع عليك! فجاءوا به فأضجعوه فذبحوه، وسال دمه في الماء، وأقبلوا على المرأة، فقالت: إني إنما أنا امرأة، ألا تتقون الله! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوةٍ من طيىء، وقتلوا أم سنان الصيداوية، فبلغ ذلك عليًا ومن معه من المسلمين من قتلهم عبد الله بن خباب، واعتراضهم الناس، فبعث إليهم الحارث بن مرة العبدي ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم، ويكتب به إليه على وجهه، ولا يكتمه. فخرج حتى انتهى إلى النهر ليسائلهم، فخرج القوم إليه فقتلوه، وأتى الخبر أمير المؤمنين والناس، فقام إليه الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين، علام تدع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في أموالنا وعيالنا! سر بنا إلى القوم فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا إلى عدونا من أهل الشأم. وقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فكلمه بمثل ذلك. وكان الناس يرون أن الأشعث يرى رأيهم لأنه كان يقول يوم صفين: أنصفنا قوم يدعون إلى كتاب الله، فلما أمر عليًا بالمسير إليهم علم الناس أنه لم يكن يرى رأيهم. فأجمع على ذلك، فنادى بالرحيل، وخرج فعبر الجسر فصلى ركعتين بالقنطرة، ثم نزل دير عبد الرحمن، ثم دير أبي موسى، ثم أخذ على قرية شاهي، ثم على دباها، ثم على شاطىء الفرات، فلقيه في مسيره ذلك منجم، أشار عليه بسير وقتٍ من الهار، وقال له: إن سرت في غير ذلك الوقت لقيت أنت وأصحابك ضرًا شديدًا. فخالفه، وسار في الوقت الذي نهاه عن السير فيه. فلما فرغ من النهر حمد الله وأثنى عليه ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الجهال الذين لا يعلمون: سار في الساعة التي أمره بها المنجم فظفر.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قال أبو مخنف: حدثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف، قال: لما أراد علي المسير إلى أهل النهر من الأنبار، قدم قيس بن سعد بن عبادة وأمره أن يأتي المدائن فينزلها حتى يأمره بأمره، ثم جاء مقبلًا إليهم، ووافاه قيس وسعد بن مسعود الثقفي بالنهر، وبعث إلى أهل النهر: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم، ثم أنا تارككم وكافٌّ عنكم حتى ألقى أهل الشأم؛ فلعل الله يقلب قلوبكم، ويردكم إلى خير مما أنتم عليه من أمركم. فبعثوا إليه. فقالوا: كلنا قتلتهم، وكلنا نستحل دماءهم ودماءكم.
    قال أبو مخنف: فحدثني الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود، أن قيس بن سعد بن عابدة قال لهم: عباد الله، أخرجوا إلينا طلبتنا منكم، وادخلوا في هذا الأمر الذي منه خرجتم، وعودوا بنا إلى قتال عدونا وعدوكم، فإنكم ركبتم عظيمًا من الأمر، تشهدون علينا بالشرك، والشرك ظلمٌ عظيم، وتسفكون دماء المسلمين، وتعدونهم مشركين! فقال عبد الله بن شجرة السلمي: إن الحق قد أضاء لنا، فلسنا نتابعكم أو تأتونا بمثل عمر، فقال: ما نعلمه فينا غير صاحبنا، فهل تعلمونه فيكم؟ وقال: نشدتكم بالله في أنفسكم أن تهلكوها، فإني لأرى الفتنة قد غلبت عليكم! وخطبهم أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري؛ فقال: عباد الله، إنا وإياكم على الحال الأولى التي كنا عليها، ليست بيننا وبينكم فرقة، فعلام تقاتلوننا؟ فقالوا: إنا لو بايعناكم اليوم حكمتم غدًا. قال: فإني أنشدكم الله أن تعجلوا فتنة العام مخافة ما يأتي في قابل.
    قال أبو مخنف: حدثني مالك بن أعين، عن زيد بن وهب، أن عليًا أتى أهل النهر فوقف عليهم فقال: أيتها العصابة التي أخرجتها عداوة المراء واللجاجة، وصدها عن الحق الهوى، وطمح بها النزق، وأصبحت في اللبس والخطب العظيم، إني نذيرٌ لكم أن تصبحوا تلفيكم الأمة غدًا صرعى بأثناء هذا النهر، وبأهضام هذا الغائط، بغير بينة من ربكم، ولا برهان بين. ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة، وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم دهن ومكيدة لكم! ونبأتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأني أعرف بهم منكم، عرفتهم أطفالًا ورجالًا، فهم أهل المكر والغدر، وأنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم! فعصيتموني، حتى أقررت بأن حكمت، فلما فعلت شرطت واستوثقت، فأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنة، فنبذنا أمرهما، ونحن على أمرنا الأول، فما الذي بكم؟ ومن أين أتيتم! قالوا: إنا حكمنا، فلما حكمنا أثمنا، وكنا بذلك كافرين، وقد تبنا فإن تبت كما تبنا فنحن منك ومعك، وإن أبيت فاعتزلنا فإنا منابذوك على سواء إن الله لا يحب الخائنين. فقال علي: أصابكم حاصب، ولابقي منكم وابر! أبعد إيماني برسول الله وهجرتي معه، وجهادي في سبيل الله، أشهد على نفسي بالكفر! لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، ثم انصرف عنهم.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو سلمة الزهري - وكانت أمه بنت أنس ابن مالك - أن عليًا قال لأهل النهر: يا هؤلاء، إن أنفسكم قد سولت لكم فراق هذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كارهٌ، وأنبأتكم أن القوم سألوكموها مكيدةً ودهنًا، فأبيتم علي إباء المخالفين، وعدلتم عني عدول النكداء العاصي، حتى صرفت رأيي إلى رأيكم؛ وأنتم والله معاشر أخفاء الهام، سفهاء الأحلام، فلم آت - لا أبا لكم - حرامًا والله ما خبلتكم عن أموركم، ولا أخفيت شيئًا من هذا الأمر عنكم، ولا أوطأتكم عشوة، ولا دنيت لكم الضراء، وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهرًا؛ فأجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن ولا يعدواه، فتاها وتركا الحق وهما يبصرانه، وكان الجور هواهما، وقد سبق استثاقنا عليهما في الحكم بالعدل، والصد للحق سوء رأيهما، وجور حكمهما. والثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحق، وأتيا بما لا يعرف؛ فبينوا لنا بماذا تستحلون قتالنا، والخروج من جماعتنا؛ إن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم على عواتقكم، ثم تستعرضوا الناس، تضربون رقابهم، وتسفكون دماءهم! إن هذا لهو الخسران المبين. والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها، فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرامٌ!
    فتنادوا: لا تخاطبوهم، ولا تكلموهم، وتهيئوا للقاء الرب، الرواح الرواح إلى الجنة! فخرج عليٌّ فعبأ الناس، فجعل على ميمنته حجر بن عدي، وعلى ميسرته شبث بن ربعي - أو مغفل بن قيس الرياحي - وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة - وهم سبعمائة أو ثمانمائة رجل - قيس بن سعد بن عبادة.
    قال: وعبأت الخوارج، فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصين الطائي، وعلى الميسرة شريح بن أوفى العبسي، وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسدي، وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي.
    قال: وبعث علي الأسود بن يزيد المرادي في ألفي فارس، حتى أتى حمزة بن سنان وهو في ثلثمائة فارس من خيلهم، ورفع عليٌّ راية أمان مع أبي أيوب، فناداهم أبو أيوب: من جاء هذه الراية منكم ممن لم يقتل ولم يستعرض فهو آمن؛ ومن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن؛ إنه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم في سفك دمائكم. فقال فروة بن نوفل الأشجعي: والله ما أدري على أي شيء نقاتل عليًا! لا أرى إلا أن انصرف حتى تنفذ لي بصيرتي في قتاله أو أتباعه. وانصرف في خمسمائة فارس، حتى نزل البندنيجين والدسكرة، وخرجت طائفةٌ أخرى متفرقين فنزلت الكوفة، وخرج إلى علي منهم نحو من مائة، وكانوا أربعة آلاف، فكان الذين بقوا مع عبد الله بن وهب منهم ألفين وثمانمائة، وزحفوا إلى علي. وقدم علي الخيل دون الرجال، وصف الناس وراء الخيل صفين، وصف المرامية أمام الصف الأول، وقال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدءوكم، فإنهم لو قد شدوا عليكم - وجلهم رجال - لم ينتهوا إليكم إلا لاغبين وأنتم رادون حامون. وأقبلت الخوارج، فلما أن دنوا من الناس نادوا يزيد بن قيس، فكان يزيد بن قيس على إصبهان. فقالوا: يا يزيد بن قيس، لا حكم إلا لله، وإن كرهت إصبهان! فناداهم عباس ابن شريك وقبيصة بن ضبيعة العبسيان: يا أعداء الله، أليس فيكم شريح ابن أوفى المسرف على نفسه؟ هل أنتم إلا أشباهه! قالوا: وما حجتكم على رجل كانت فيه فتنة، وفينا توبة! ثم تنادوا: الرواح الرواح إلى الجنة! فشدوا على الناس والخيل أمام الرجال، فلم تثبت خيل المسلمين لشدتهم، وافترقت الخيل فرقتين: فرقة نحو الميمنة، وأخرى نحو الميسرة، وأقبلوا نحو الرجال، فاستقبلت المرامية وجوههم بالنبل، وعطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة، ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف، فوالله ما لبثوهم أن أناموهم.
    ثم إن حمزة بن سنان صاحب خيلهم لما رأى الهلاك نادى أصحابه أن انزلوا، فذهبوا لينزلوا فلم يتقاروا حتى حمل عليهم الأسود بن قيس المرادي، وجاءتهم الخيل من نحو علي، فأهمدوا في الساعة.
    قال أبو مخنف: فحدثني عبد الملك بن مسلم بن سلام بن ثمامة الحنفي، عن حكيم بن سعد، قال: ما هو إلا أن لقينا أهل البصرة، فما لبثناهم، فكأنما قيل لهم: موتوا؛ فماتوا قبل أن تشتد شوكتهم، وتعظم نكايتهم.
    قال أبو مخنف: فحدثني أبو جناب؛ أن أبا أيوب أتى عليًا، فقال: يا أمير المؤمنين، قتلت زيد بن حصين، قال: فما قلت له وما قال لك؟ قال: طعنته بالرمح في صدره حتى نجم من ظهره؛ قال: وقلت له: أبشر يا عدو الله بالنار! قال: ستعلم أينا أولى بها صليًا؛ فسكت عليٌّ عليها.
    قال أبو مخنف، عن أبي جناب: إن عليًا قال له: هو أولى لها صليًا. قال: وجاء عائذ بن حملة التميمي، فقال: يا أمير المؤمنين، قتلت كلابًا، قال: أحسنت! أنت محق قتلت مبطلا. وجاء هانىء بن خطاب الأرحبي وزياد بن خصفة يحتجان في قتل عبد الله بن وهب الراسبي، فقال لهما: كيف صنعتما؟ فقالا: يا أمير المؤمنين، لما رأيناه عرفناه، وابتدرناه فطعناه برمحينا، فقال علي: لا تختلفا، كلاكما قاتل. وشد جيش بن ربيعة أبو المعتمر الكناني على حرقوص بن زهير فقتله، وشد عبد الله بن زحر الخولاني على عبد الله بن شجرة السلمي فقتله، ووقع شريح بن أوفى إلى جانب جدار، فقاتل على ثلمة فيه طويلًا من نهار، وكان قتل ثلاثةً من همدان، فأخذ يرتجز ويقول:
    قد علمت جاريةٌ عبسيه ** ناعمةٌ في أهلها مكفيه
    أني سأحمي ثلمتي العشيه
    فشد عليه قيس بن معاوية الدهني فقطع رجله، فجعل يقاتلهم، ويقول:
    القرم يحمى شوله معقولا
    ثم شد عليه قيس بن معاوية فقتله، فقال الناس:
    اقتتلت همدان يومًا ورجل ** اقتتلوا من غدوة حتى الأصل
    ففتح الله لهمدان الرجل
    وقال شريح:
    أضربهم ولو أرى عليا ** ألبسته أبيض مشرفيا
    قال أبو مخنف: حدثني عبد الملك بن أبي حرة، أن عليًا خرج في طلب ذي الثدية ومعه سليمان بن ثمامة الحنفي أبو جبرة، والريان بن صبر ابن هوذة، فوجده الريان بن صبرة بن هوذة في حفرة على شاطىء النهر في أربعين أو خمسين قتيلًا. قال: فلما استخرج نظر إلى عضده، فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة، له حلمة عليها شعرات سود، فإذا مدت امتدت حتى تحاذى طول يده الأخر، ثم تترك فتعود إلى منكبه كثدي المرأة، فلما استخرج قال علي: الله أكبر! والله ما كذبت ولا كذبت، أما والله لولا أن تنكلوا عن العمل، لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه لمن قاتلهم مستبصرًا في قتالهم، عارفًا للحق الذي نحن عليه. قال: ثم مر وهم صرعى فقال: بؤسًا لكم! لقد ضركم من غركم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، من غرهم؟ قال: الشيطان، وأنفسٌ بالسوء أمارة، غرتهم بالأماني، وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون. قال: وطلب من به رمق منهم فوجدناهم أربعمائة رجل، فأمر بهم علي فدفعوا إلى عشائرهم، وقال: احملوهم معكم فداووهم، فإذا برئوا فوافوا بهم الكوفة، وخذوا ما في عسكرهم من شيء.
    قال: وأما السلاح والدواب وما شهدوا به عليه الحرب فقسمه بين المسلمين، وأما المتاع والعبيد والإماء فإنه حين قدم رده على أهله. وطلب عدي بن حاتم ابنه طرفة فوجده، فدفنه، ثم قال: الحمد لله الذي ابتلاني بيومك على حاجتي إليك. ودفن رجالٌ من الناس قتلاهم، فقال أمير المؤمنين حين بلغه ذلك: ارتحلوا إذًا، أتقتلونهم ثم تدفنونهم! فارتحل الناس.
    قال أبو مخنف عن مجاهد، عن المحل بن خليفة: أن رجلًا منهم من بني سدوس يقال له العيزار بن الأخنس كان يرى رأي الخوارج، خرج إليهم، فاستقبل وراء المدائن عدي بن حاتم ومعه الأسود بن قيس والأسود بن يزيد المراديان، فقال له العيزار حين استقبله: أسالمٌ غانم، أم ظالمٌ آثم؟ فقال عدي: لا، بل سالمٌ غانم، فقال له المراديان: ما قلت هذا إلا لشر في نفسك، وإنك لنعرفك يا عيزار برأي القوم، فلا تفارقنا حتى نذهب بك إلى أمير المؤمنين فنخبره خبرك. فلم يكن بأوشك أن جاء علي فأخبراه خبره، وقالا: يا أمير المؤمنين، إنه يرى رأي القوم، قد عرفناه بذلك، فقالا: ما يحل لنا دمه، ولكنا نحبسه، فقال عدي بن حاتم: يا أمير المؤمنين، ادفعه إلي وأنا أضمن ألا يأتيك من قبله مكروه. فدفعه إليه.

  • صفحة 3 من 27 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 30
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:57 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1