صفحة 3 من 33 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 9 إلى 12 من 132

الموضوع: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    الباب التاسع في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسه

    هذا الباب وإن كان داخلا فيما قبله كما بينا أن الزكاة لا تحصل إلا بالطهارة ولكنا أفردناه بالذكر لبيان معنى طهارته وشدة الحاجة إليها ودلالة القرآن والسنة عليها قال الله تعالى: يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر [ المدثر: 1 ] وقال تعالى: أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [ المائدة: 41 ] وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب ههنا القلب والمراد بالطهارة إصلاح الأعمال والأخلاق
    قال الواحدي: اختلف المفسرون في معناه فروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يعني من الإثم ومما كانت الجاهلية تجيزه وهذا قول قتادة ومجاهد قالا نفسك فطهرها من الذنب ونحوه قول الشعبي وإبراهيم والضحاك والزهري وعلى هذا القول: الثياب عبارة عن النفس والعرب تكنى بالثياب عن النفس ومنه قول الشماخ:
    رموها بأثواب خفاف فلا ترى... لها شبها إلا النعام المنفرا
    رموها يعني الركاب بأبدانهم وقال عنترة:
    فشككت بالرمح الأصم ثيابه... ليس الكريم على القنى بمحرم
    يعني نفسه
    وقال في رواية الكلبي: يعني لا تغدر فتكون غادرا دنس الثيباب وقال سعيد بن جبير: كان الرجل إذا كان غادرا قيل: دنس الثياب وخبيث الثيباب وقال عكرمة: لا تلبس ثوبك على معصية ولا على فجرة وروى ذلك عن ابن عباس واحتج بقول الشاعر:
    وإني بحمد الله لا ثوب غادر... لبست ولا من خزية أتقنع
    وهذا المعنى أراد من قال في هذه الآية وعملك فأصلح وهو قول أبي رزين ورواية منصور عن مجاهد وأبي روق وقال السدى: يقال للرجل إذا كان صالحا: إنه لطاهر الثياب وإذا كان فاجرا: إنه لخبيث الثيباب قال الشاعر:
    لا هم إن عامر بن جهم... أوذم حجا في ثياب دسم
    يعني أنه متدنس بالخطايا وكما وصفوا الغادر الفاجر بدنس الثوب وصفوا الصالح بطهارة الثوب قال امرؤ القيس:
    ثياب بني عوف طهارى نقية
    يريد أنهم لا يغدرون بل يفون وقال الحسن: خلقك فحسنه وهذا قول القرطبي وعلى هذا: الثياب عبارة عن الخلق لأن خلق الإنسان يشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه
    وروى العوفى عن ابن عباس في هذه الآية لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طيب والمعنى طهرها من أن تكون مغصوبة أو من وجه لا يحل اتخاذها منه وروى عن سعيد بن جبير: وقلبك: ونيتك فطهر وقال أبو العباس: الثياب اللباس ويقال: القلب وعلى هذا ينشد:
    فسلعى ثيابي من ثيابك تنسلي
    وذهب بعضهم في تفسير هذه الآية إلى ظاهرها وقال: إنه أمر بتطهير ثيابه من النجاسات التي لا تجوز معها الصلاة وهو قول ابن سيرين وابن زيد وذكر أبو إسحاق: وثيابك فقصر قال: لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الأرض لم يؤمن أن يصيبه ما ينجسه وهذا قول طاوس وقال ابن عرفة معناه: نساءك طهرهن وقد يكنى عن النساء بالثياب واللباس قال تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن [ البقرة: 178 ] ويكنى عنهن بالإزار ومنه قول الشاعر:
    ألا أبلغ أبا حفص رسولا... فدى لك من أخي ثقة إزارى
    أي أهلي ومنه قول البراء بن معرور للنبي ليلة العقبة لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا أي نساءنا
    قلت: الآية تعم هذا كله وتدل عليه بطريق التنبيه واللزوم إن لم تتناول ذلك لفظا فإن المأمور به إن كان طهارة القلب فطهارة الثوب وطيب مكسبه تكميل لذلك فإن خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة كما أن خبث المطعم يكسبه ذلك ولذلك حرم لبس جلود النمور والسعباع بنهي النبي عن ذلك في عدة أحاديث صحاح لا معارض لها لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن ولذلك حرم لبس الحرير والذهب على الذكور لما يكتسب القلب من الهيئة التي تكون لمن ذلك لبسه من النساء وأهل الفخر والخيلاء
    والمقصود: أن طهارة الثوب وكونه من مكسب طيب هو من تمام طهارة القلب وكمالها فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها فالمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورا به وإن كان المأمور به طهارة القلب وتزكية النفس فلا يتم إلا بذلك فتبين دلالة القرآن على هذا وهذا
    وقوله: أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم [ المائدة: 41 ] عقيب قوله: سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه [ المائده: 41 ] مما يدل على أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه فإنه إذا قبل الباطل أحبه ورضيه فإذا جاء الحق بخلافه رده وكذبه إن قدر على ذلك وإلا حرفه كما تصنع الجهمية بآيات الصفات وأحاديثها يردون هذه بالتأويل الذي هو تكذيب بحقائقها وهذه بكونها أخبار آحاد لا يجوز الاعتماد عليها في باب معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته فهؤلاء وإخوانهم من الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فإنها لو طهرت لما أعرضت عن الحق وتعوضت بالباطل عن كلام الله تعالى ورسوله كما أن المنحرفين من أهل الإرادة لما لم تطهر قلوبهم تعوضوا بالسماع الشيطاني عن السماع القرآني الإيماني قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله
    فالقلب الطاهر لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث لا يشبع من القرآن ولا يتغذى إلا بحقائقه ولا يتداوى إلا بأدويته بخلاف القلب الذي لم يطهره الله تعالى فإنه يتغذى من الأغذية التي تناسبه بحسب ما فيه من النجاسة فإن القلب النجس كالبدن العليل المريض لا تلائمه الأغذية التي تلائم الصحيح
    ودلت الآية على أن طهارة القلب موقوفة على إرادة الله تعالى وأنه سبحانه لما لم يرد أن يطهر قلوب القائلين بالباطل المحرفين للحق لم يحصل لها الطهارة
    ولا يصح أن تفسر الإرادة ههنا بالإرادة الدينية وهي الأمر والمحبة فإنه سبحانه قد أراد ذلك لهم أمرا ومحبة ولم يرده منهم كونا فأراد الطهارة لهم وأمرهم بها ولم يرد وقوعها منهم لما له في ذلك من الحكمة التي فواتها أكره إليه من فوات الطهارة منهم
    وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا الكبير في القدر
    ودلت الآية على أن من لم يطهر الله قلبه فلابد أن يناله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة بحسب نجاسة قلبه وخبثه ولهذا حرم الله سبحانه الجنة على من في قلبه نجاسة وخبث ولا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره فإنها دار الطيبين ولهذا يقال لهم: طبتم فادخلوها خالدين [ الزمر: 73 ] أي ادخلوها بسبب طيبكم والبشارة عند الموت لهؤلاء دون غيرهم كما قال تعالى: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون [ النحل: 32 ] فالجنة لا يدخلها خبيث ولا من فيه شيء من الخبث فمن تطهر في الدنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته دخلها بغير معوق ومن لم يتطهر في الدنيا فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعدما يتطهر في النار من تلك النجاسة ثم لا يخرج منها حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيهذبون وينقون من بقايا بقيت عليهم قصرت بهم عن الجنة ولم توجب لهم دخول النار حتى إذا هذعبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة
    والله سبحانه بحكمته جعل الدخول عليه موقوفا على الطهارة فلا يدخل المصلي عليه حتى يتطهر وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفا على الطيب والطهارة فلا يدخلها إلا طيب طاهر فهما طهارتان: طهارة البدن وطهارة القلب ولهذا شرع للمتوضىء أن يقول عقيب وضوئه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فطهارة القلب بالتوبة وطهارة البدن بالماء فلما اجتمع له الطهران صلح للدخول على الله تعالى والوقوف بين يديه ومناجاته
    وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كيف يطهر الخطايا بذلك وما فائدة التخصيص بذلك وقوله في لفظ آخر: والماء البارد والحار أبلغ في الإنقاء
    فقال: الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا فيرتخى القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه والماء يغسل الخبث ويطفىء النار فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته فكان أذهب لأثر الخطايا هذا معنى كلامه وهو محتاج إلى مزيد بيان وشرح
    فاعلم أن ههنا أربعة أمور: أمران حسيان وأمران معنويان فالنجاسة التي تزول بالماء هي ومزيلها حسيان وأثر الخطايا التي تزول بالتوبة والاستغفار هي ومزيلها معنويان وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتم إلا بهذا وهذا فذكر النبي من كل شطر قسما نبه به على القسم الآخر فتضمن كلامه الأقسام الأربعة في غاية الاختصار وحسن البيان كما في حديث الدعاء بعد الوضوء اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإنه يتضمن ذكر الأقسام الأربعة ومن كمال بيانه وتحقيقه لما يخبر به ويأمر به: تمثيله الأمر المطلوب المعنوي بالأمر المحسوس وهذا كثير في كلامه كقوله في حديث علي بن أبي طالب سل الله الهدى والسداد واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم إذ هذا من أبلغ التعليم والنصح حيث أمره أن يذكر إذا سأل الله الهدى إلى طريق رضاه وجنته: كونه مسافرا وقد ضل عن الطريق ولا يدري أين يتوجه فطلع له رجل خبير بالطريق عالم بها فسأله أن يدله على الطريق فهذا شأن طريق الآخرة تمثيلا لها بالطريق المحسوس للمسافر وحاجة المسافر إلى الله سبحانه: إلى أن يهديه تلك الطريق أعظم من حاجة المسافر إلى بلد إلى من يدله على الطريق الموصل إليها وكذلك السداد وهو إصابة القصد قولا وعملا فمثله مثل رامي السهم إذا وقع سهمه في نفس الشيء الذي رماه فقد سدد سهمه وأصاب ولم يقع باطلا فهكذا المصيب للحق في قوله وعمله بمنزلة المصيب في رميه وكثيرا ما يقرن في القرآن هذا وهذا فمنه قوله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى [ البقرة: 197 ] أمر الحجاج بأن يتزودوا لسفرهم ولا يسافروا بغير زاد ثم نبههم على زاد سفر الآخرة وهو التقوى فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلغه إياه فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى فجمع بين الزادين ومنه قوله تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير [ الأعراف: 26 ] فجمع بين الزينتين: زينة الظاهر والباطن وكمال الظاهر والباطن ومنه قوله تعالى: فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى [ طه: 123 ] فنفى عنه الضلال الذي هو عذاب القلب والروح والشقاء الذي هو عذاب البدن والروح أيضا فهو منعم القلب والبدن بالهدى والفلاح ومنه قول امرأة العزيز عن يوسف عليه السلام لما أرته النسوة اللائمات لها في حبه: فذلكن الذي لمتنني فيه [ يوسف: 32 ] فأرتهن جماله الظاهر ثم قالت: ولقد راودته عن نفسه فاستعصم [ يوسف: 32 ] فأخبرت عن جماله الباطن بعفته فأخبرتهن بجمال باطنه وأرتهن جمال ظاهره


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فنبه بقوله اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد على شدة حاجة البدن والقلب إلى ما يطهرهما ويبردهما ويقويهما وتضمن دعاؤه سؤال هذا وهذا والله تعالى أعلم
    وقريب من هذا: أنه كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك وفي هذا من السر والله أعلم: أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه وخفة البدن وراحته وسأل أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه وأسرار كلماته وأدعيته فوق ما يخطر بالبال


    فصل فيما في الشرك والزنا واللواطة من الخبث

    وقد وسم الله سبحانه الشرك والزنا واللواطة بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب وإن كانت مشتملة على ذلك لكن الذي وقع في القرآن قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس [ التوبة: 28 ] وقوله تعالى في حق اللوطية: ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين [ الأنبياء: 74 ] وقالت اللوطية: أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون [ النمل: 56 ] فأقروا مع شركهم وكفرهم أنهم هم الأخابث الأنجاس وأن لوطا وآله مطهرون من ذلك باجتنابهم له وقال تعالى في حق الزناة: الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات [ النور: 26 ]
    فأما نجاسة الشرك فهي نوعان: نجاسة مغلظة ونجاسة مخففة فالمغلظة: الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى فإن الله لا يغفر أن يشرك به والمخففة: الشرك الأصغر كيسير الرياء والتصنع للمخلوق والحلف به وخوفه ورجائه ونجاسة الشرك عينية ولهذا جعل سبحانه الشرك نجسا بفتح الجيم ولم يقل: إنما المشركون نجس بالكسر فإن النجس عين النجاسة والنجس بالكسر هو المتنجس فالثوب إذا أصابه بول أو خمر نجس والبول والخمر نجس فأنجس النجاسة الشرك كما أنه أظلم الظلم فإن النجس في اللغة والشرع هو المستقذر الذي يطلب مباعدته والبعد منه بحيث لا يلمس ولا يشم ولا يرى فضلا أن يخالط ويلابس لقدارته ونفرة الطباع السليمة عنه وكلما كان الحق أكمل حياة وأصح حياء كان إبعاده لذلك أعظم ونفرته منه أقوى
    فالأعيان النجسة إما أن تؤذي البدن أو القلب أو تؤذيهما معا والنجس قد يؤذي برائحته وقد يؤذي بملابسته وإن لم تكن له رائحة كريهة
    والمقصود: أن النجاسة تارة تكون محسوسة ظاهرة وتارة تكون معنوية باطنة فيغلب على الروح والقلب الخبث والنجاسة حتى إن صاحب القلب الحي ليشم من تلك الروح والقلب رائحة خبيثة يتأذى بها كما يتأذى من شم رائحة النتن ويظهر ذلك كثيرا في عرقه حتى ليوجد لرائحة عرقه نتنا فإن نتن الروح والقلب يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره والعرق يفيض من الباطن ولهذا كان الرجل الصالح طيب العرق وكان رسول الله أطيب الناس عرقا قالت أم سليم وقد سألها رسول الله عنه وهي تلتقطه هو من أطيب الطيب فالنفس النجسة الخبيثة يقوى خبثها ونجاستها حتى يبدو على الجسد والنفس الطيبة بضدها فإذا تجردت وخرجت من البدن وجد لهذه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ولتلك كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض
    والمقصود: أن الشرك لما كان أظلم الظلم وأقبح القبائح وأنكر المنكرات كان أبغض الأشياء إلى الله تعالى وأكرها له وأشدها مقتا لديه ورتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه وأخبر أنه لا يغفره وأن أهله نجس ومنعهم من قربان حرمه وحرم ذبائحهم ومناكحتهم وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين وجعلهم أعداء له سبحانه ولملائكته ورسله وللمؤمنين وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأن يتخذوهم عبيدا وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية وتنقيص لعظمة الألهية وسوء ظن برب العالمين كما قال تعالى: ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا [ الفتح: 6 ] فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل الشرك فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده ولهذا أخبر سبحانه عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه وكيف يقدره حق قدره من جعل له عدلا وندا يحبه ويخافه ويرجوه ويذل له ويخضع له ويهرب من سخطه ويؤثر مرضاته قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله [ البقرة: 165 ] وقال تعالى: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون [ الأنعام: 1 ] أي يجعلون له عدلا في العبادة والمحبة والتعظيم وهذه هي التسوية التي أثبتها المشركون بين الله وبني آلهتهم وعرفوا وهم في النار أنها كانت ضلالا وباطلا فيقولون لألهتهم وهم في النار معهم رتالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين [ الشعراء: 98 ] ومعلوم أنهم ما سووهم به في الذات والصفات والأفعال ولا قالوا: إن آلهتهم خلقت السموات والأرض وأنها تحيي وتميت وإنما سووها به في محبتهم لها وتعظيمهم لها وعبادتهم إياها كما ترى عليه أهل الإشراك ممن ينتسب إلى الإسلام ومن العجب أنهم ينسبون أهل التوحيد إلى التنقص بالمشايخ والأنبياء والصالحين وما ذنبهم إلا أن قالوا: إنهم عبيد لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وأنهم لا يشفعون لعابديهم أبدا بل قد حرم الله شفاعتهم لهم ولا يشفعون لأهل التوحيد إلا بعد إذن الله لهم في الشفاعة فليس لهم من الأمر شيء بل الأمر كله لله والشفاعة كلها له سبحانه والولاية له فليس لخلقه من دونه ولي ولا شفيع
    فالشرك والتعطيل مبنيان على سوء الظن بالله تعالى ولهذا قال إبراهيم إمام الحنفاء لخصمائه من المشركين: أإفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين [ الصافات: 86 ] وإن كان المعنى ما ظنكم به أن يعاملكم ويجازيكم به وقد عبدتم معه غيره وجعلتم له ندا فأنت تجد تحت هذا التهديد: ما ظننتم بربكم من السوء حتى عبدتم معه غيره فإن المشرك إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم من: من وزير أو ظهير أو عون وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته وكل ما سواه فقير إليه بذاته وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة أولا يرحم حتى يجعله الواسطة يرحم أو لا يكفي عبده وحده أو لا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده الواسطة كما يشفع المخلوق عند المخلوق فيحتاج أن يقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع وانتفاعه به وتكثره به من القلة وتعززه به من الذلة أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه كما هو حال ملوك الدنيا وهذا أصل شرك الخلق أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم حتى يرفع الوسائط ذلك أو يظن أن للمخلوق عليه حقا فهو يقسم عليه بحق ذلك المخلوق عليه ويتوسل إليه بذلك المخلوق كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم ولا يمكنهم مخالفته وكل هذا تنقص للربوبية وهضم لحقها ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله تعالى وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه من قلب المشرك بسبب قسمته ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به فينقص ويضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عبده من دونه لكفى في شفاعته
    فالشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه والتنقص لازم له ضرورة شاء المشرك أم أبى ولهذا اقتضى حمده سبحانه وكمال ربوبيته أن لا يغفره وأن يخلد صاحبه في العذاب الأليم ويجعله أشقى البرية فلا تجد مشركا قط إلا وهو متنقص لله سبحانه وإن زعم أنه يعظمه بذلك كما أنك لا تجد مبتدعا إلا وهو متنقص للرسول وإن زعم أنه معظم له بتلك البدعة فإنه يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب أو يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلا مقلدا وإن كان مستبصرا في بدعته فهو مشاق لله ورسوله
    فالمتنقصون المنقوصون عند الله تعالى ورسوله وأوليائه: هم أهل الشرك والبدعة ولا سيما من بنى دينه على أن كلام الله ورسوله أدلة لفظية لا تفيد اليقين ولا تغني من اليقين والعلم شيئا فيا لله للمسلمين أي شىء فات من هذا التنقص
    وكذلك من نفى صفات الكمال عن الرب تعالى خشية ما يتوهمه من التشبيه والتجسيم فقد جاء من التنقص بضد ما وصف الله سبحانه به نفسه من الكمال
    والمقصود: أن هاتين الطائفتين هم أهل التنقص في الحقيقة بل هم أعظم الناس تنقصا لبس عليهم الشيطان حتى ظنوا ان تنقصهم هو الكمال ولهذا كانت البدعة قرينة الشرك في كتاب الله تعالى قال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون [ الأعراف: 33 ] فالإثم والبغي قرينان والشرك والبدعة قرينان


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فصل

    وأما نجاسة الذنوب والمعاصي فإنها بوجه آخر فإنها لا تستلزم تنقيص الربوبية ولا سوء الظن بالله تعالى ولهذا لم يرتب الله سبحانه عليها من العقوبات والأحكام ما رتبه على الشرك وهكذا استقرت الشريعة على أنه يعفي عن النجاسة المخفقة كالنجاسة في محل الاستجمار وأسفل الخف والحذاء أو بول الصبي الرضيع وغير ذلك ما لا يعفى عن المغلظة وكذلك يعفي عن الصغائر ما لا يعفي عن الكبائر ويعفي لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك مالا يعفى لمن ليس كذلك فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئا ألبتة ربه بقراب الأرض خطاياه أتاه بقرابها مغفرة ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده وشابه بالشرك فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب فإنه يتضمن من محبة الله تعالى وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض فالنجاسة عارضة والدافع لها قوى فلا تثبت معه ولكن نجاسة الزنا واللواطة أغلظ من غيرها من النجاسات من جهة أنها تفسد القلب وتضعف توحيده جدا ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركا فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر وكلما كان أعظم إخلاصا كان منها أبعد كما قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين [ يوسف: 24 ] فان عشق الصور المحرمة نوع تعبد لها بل هو من أعلى أنواع التعبد ولا سيما إذا استولى على القلب وتمكن منه صار تتيما والتتيم التعبد فيصير العاشق عابدا لمعشوقه وكثيرا ما يغلب حبه وذكره والشوق إليه والسعي في مرضاته وإيثار محابه على حب الله وذكره والسعي في مرضاته بل كثيرا ما يذهب ذلك من قلب العاشق بالكلية ويصير متعلقا بمعشوقه من الصور كما هو مشاهد فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله تعالى يقدم رضاه وحبه على رضى الله وحبه ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله وينفق في مرضاته ما لا ينفقه في مرضاة الله ويتجنب من سخطه ما لا يتجنب من سخط الله تعالى فيصير آثر عنده من ربه: خبا وخضوعا وذلا وسمعا وطاعة
    ولهذا كان العشق والشرك متلازمين وإنما حكى الله سبحانه العشق عن المشركين من قوم لوط وعن امرأة العزيز وكانت إذ ذاك مشركة فكلما قوي شرك العبد بلي بعشق الصور وكلما قوي توحيده صرف ذلك عنه. والزنا واللواطة كمال لذتهما إنما يكون مع العشق ولا يخلو صاحبهما منه وإنما لتنقله من محل إلى محل لا يبقى عشقه مقصورا على محل واحد بل ينقسم على سهام كثيرة لكل محبوب نصيب من تألهه وتعبده
    فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله فإنهما من أعظم الخبائث فإذا انصبغ القلب بهما بعد ممن هو طيب لا يصعد إليه إلا طيب وكلما ازداد خبثا ازداد من الله بعدا ولهذا قال المسيح فيما رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد لا يكون البطالون من الحكماء ولا يلج الزناة ملكوت السماء
    ولما كانت هذه حال الزنا كان قريبا للشرك في كتاب الله تعالى قال الله تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [ النور: 3 ]
    والصواب: القول بأن هذه الآية محكمة يعمل بها لم ينسخها شيء وهي مشتملة على خبر وتحريم ولم يأت من ادعى نسخها بحجة ألبتة والذي أشكل منها على كثير من الناس واضح بحمد الله تعالى فإنهم أشكل عليهم قوله: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة هل هو خبر أو نهي أو إباحة فإن كان خبرا فقد رأينا كثيرا من الزناة ينكح عفيفة وإن كان نهيا فيكون قد نهى الزاني أن يتزوج إلا بزانية أو مشركة فيكون نهيا له عن نكاح المؤمنات العفائف وإباحة له في نكاح المشركات والزواني والله سبحانه لم يرد ذلك قطعا فلما أشكل عليهم ذلك طلبوا للآية وجها يصح حملها عليه فقال بعضهم: المراد من النكاح الوطء والزنا فكأنه قال: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة
    وهذا فاسد فإنه لا فائدة فيه ويصان كلام الله تعالى عن حمله على مثل ذلك فإنه من المعلوم أن الزاني لا يزنى إلا بزانية فأى فائدة في الإخبار بذلك ولما رأى الجمهور فساد هذا التأويل أعرضوا عنه
    ثم قالت طائفة: هذا عام اللفظ خاص المعنى والمراد به رجل واحد وامرأة واحدة وهي عناق البغي وصاحبها فإنه أسلم واستأذن رسول الله في نكاحها فنزلت هذه الآية
    وهذا أيضا فاسد فإن هذه الصورة المعينة وإن كانت سبب النزول فالقرآن لا يقتصر به على محال أسبابه ولو كان كذلك لبطل الاستدلال به على غيرها
    وقالت طائفة: بل الآية منسوخة بقوله: وأنكحوا الأيامى منكم [ النور: 32 ] وهذا أفسد من الكل فإنه لا تعارض بين هاتين الآيتين ولا تناقض إحداهما الأخرى بل أمر سبحانه بإنكاح الأيامي وحرم نكاح الزانية كما حرم نكاح المعتدة والمحرمة وذوات المحارم فأين الناسخ والمنسوخ في هذا
    فإن قيل: فما وجه الآية قيل: وجهها والله أعلم أن المتزوج أمر أن يتزوج المحصنة العفيفة وإنما أبيح له نكاح المرأة بهذا الشرط كما ذكر ذلك سبحانه في سورتي النساء والمائدة والحكم المعلق على الشرط ينتفي عند انتفائه والإباحة قد علقت على شرط الإحصان فإذا انتفى الإحصان انتفت الإباحة المشروطة به فالمتزوج إما أن يلتزم حكم الله وشرعه الذي شرعه على لسان رسوله أو لا يلتزمه فإن لم يلتزمه فهو مشرك لا يرضى بنكاحه إلا من هو مشرك مثله وإن التزمه وخالفه ونكح ما حرم عليه لم يصح النكاح فيكون زانيا فظهر معنى قوله: لا ينكح إلا زانية أو مشركة [ النور: 3 ] وتبين غاية البيان وكذلك حكم المرأة
    وكما أن هذا الحكم هو موجب القرآن وصريحه فهو موجب الفطرة ومقتضى العقل فإن الله سبحانه حرم على عبده أن يكون قرنانا ديوثا زوج بغى فإن الله تعالى فطر الناس على استقباح ذلك واستهجانه ولهذا إذا بالغوا في سب الرجل قالوا: زوج قحبة فحرم الله على المسلم أن يكون كذلك
    فظهرت حكمة التحريم وبان معنى الآية والله الموفق
    ومما يوضح التحريم وأنه هو الذي يليق بهذه الشريعة الكاملة: أن هذه الجناية من المرأة تعود بفساد فراش الزوج وفساد النسب الذي جعله الله تعالى بين الناس لتمام مصالحهم وعده من جملة نعمه عليهم فالزنا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فمن محاسن الشريعة: تحريم نكاح الزانية حتى تتوب وتستبرأ
    وأيضا فإن الزانية خبيثة كما تقدم بيانه والله سبحانه جعل النكاح سببا للمودة والرحمة والمودة وخالص الحب فكيف تكون الخبيثة مودودة للطيب زوجا له والزوج سمى زوجا من الازدواج وهو الاشتباه فالزوجان الإثنان المتشابهان والمنافرة ثابتة بين الطيب والخبيث شرعا وقدرا فلا يحصل معها الازدواج والتراحم والتواد فلقد أحسن كل الإحسان من ذهب إلى هذا المذهب ومنع الرجل أن يكون زوج قحبة
    فأين هذا من قول من جوز أن يتزوجها ويطأها الليلة وقد وطئها الزاني البارحة وقال: ماء الزاني لا حرمة له فهب أن الأمر كذلك فماء الزوج له حرمة فكيف يجوز اجتماعه مع ماء الزاني في رحم واحد
    والمقصود: أن الله سبحانه سمى الزواني والزناة خبيثين وخبيثات وجنس هذا الفعل قد شرعت فيه الطهارة وإن كان حلالا وسمي فاعله جنبا لبعده عن قراءة القرآن وعن الصلاة وعن المساجد فمنع من ذلك كله حتى يتطهر بالماء فكذلك إذا كان حراما يبعد القلب عن الله تعالى وعن الدار الآخرة بل يحول بينه وبين الإيمان حتى يحدث طهرا كاملا بالتوبة وطهرا لبدنه بالماء وقول اللوطية: أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون. من جنس قوله سبحانه في أصحاب الأخدود: وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد. وقوله تعالى: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل.
    وهكذا المشرك إنما ينقم على الموحد تجريده للتوحيد وأنه لا يشوبه بالإشراك وهكذا المبتدع: إنما ينقم على السني تجريده متابعة الرسول وأنه لم يشبها بآراء الرجال ولا بشيء مما خالفها فصبر الموحد المتبع للرسول على ما ينقمه عليه أهل الشرك والبدعة خير له وأنفع وأسهل عليه من صبره على ما ينقمه الله ورسوله عليه من موافقة أهل الشرك والبدعة
    إذا لم يكن بد من الصبر فاصطبر... على الحق ذاك الصبر تحمد عقباه


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    الباب العاشر في علامات مرض القلب وصحته

    كل عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به كماله في حصول ذلك الفعل منه ومرضه: أن يتعذر عليه الفعل الذي خلق له حتى لا يصدر منه أو يصدر مع نوع من الاضطراب فمرض اليد: أن يتعذر عليها البطش ومرض العين: أن يتعذر عليها النظر والرؤية ومرض اللسان: أن يتعذر عليه النطق ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف عنها ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خلق له من معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوة فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئا ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ولم يظفر بمحبة الله والشوق إليه والأنس به فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين بل إذا كان القلب خاليا عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذابا له ولابد فيصير معذبا بنفس ما كان منعما به من جهتين: من جهة حسرة فوته وأنه حيل بينه وبينه مع شدة تعلق روحه به ومن جهة فوت ما هو خير له وأنفع وأدوم حيث لم يحصل له فالمحبوب الحاصل فات والمحبوب الأعظم لم يظفر به وكل من عرف الله أحبه وأخلص العبادة له ولا بد ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات فقلبه مريض كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيب وتعوضت بمحبة غيره
    وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه وتألم بجهله بالحق بحسب حياته
    وما لجرح بميت إيلام
    وقد يشعر بمرضه ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها فهو يؤثر بقاء الله على مشقة الدواء فإن دواءه في مخالفة الهوى وذلك أصعب شيء على النفس وليس لها أنفع منه
    وتارة يوطن نفسه على الصبر ثم ينفسخ عزمه ولا يستمر معه لضعف علمه وبصيرته وصبره: كمن دخل في طريق مخوف مفض إلى غاية الأمن وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن فهو محتاج إلى قوة صبر وقوة يقين بما يصير إليه ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق ولم يتحمل مشقتها ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة وجعل يقول: أين ذهب الناس فلي بهم أسوة وهذه حال أكثر الخلق وهي التي أهلكتهم فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب
    ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب فقيل له: إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك فقال: ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس فإذا رأى الرائي الشمس لم يحتج في علمه بها واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقة عليه
    وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان الممتسك به قليلا والمخالف له كثيرا لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي وأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فسمعته يقول: عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فإنها لكم نافلة قال قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا قال: وماذاك قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة ! قال: يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية تدري ما الجماعة قلت: لا قال: إن جمهور الجماعة: الذين فارقوا الجماعة الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك وفي طريق أخرى فضرب على فخذي وقال: ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى قال نعيم بن حماد: يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ ذكره البيهقي وغيره
    وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصري قال السنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي فاصبروا عليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال: ما بلغني سنة عن رسول الله إلا عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم فقال: محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم وصدق والله فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الإجماع وهو السوار الأعظم وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا
    والمقصود: أن من علامات أمراض القلوب عدولها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة وعدولها عن دوائها النافع إلى دائها الضار فهنا أربعة أمور: غذاء نافع ودواء شاف وغذاء ضار ودواء مهلك
    فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي والقلب المريض بضد ذلك
    وأنفع الأغذية غذاء الإيمان وأنفع الأدوية دواء القرآن وكل منهما فيه الغذاء والدواء
    ومن علامات صحته ايضا: أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة ويحل فيها حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها جاء إلى هذه الدار غريبا يأخذ منها حاجته ويعود إلى وطنه، كما قال عليه السلام لعبد الله بن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور:
    فحي على جنات عدن فإنها... منازلك الأولى وفيها المخيم
    ولكننا سبي العدو فهل ترى... نعود إلى أوطاننا ونسلم
    وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
    وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة وقرب منها حتى يصير من أهلها وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها حتى يصير من أهلها
    ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به فبه يطمئن وإليه يسكن وإليه يأوي وبه يفرح وعليه يتوكل وبه يثق وأياه يرجو وله يخاف فذكره: قوته وغذاؤه ومحبته والشوق إليه: حياته ونعيمه ولذته وسروره والالتفاف إلى غيره والتعلق بسواه داؤه والرجوع اليه دواؤه فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به وزال ذلك الاضطراب والقلق وانسدت تلك الفاقة فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى الهه ومعبوده فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ولأجله خلقت الجنة والنار وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة
    قال بعض العارفين مساكين أهل الدينا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل: وما أطيب ما فيها قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته
    وقال آخر: إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب
    وقال آخر: والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته وقال أبو الحسين الوراق: حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت والعيش الهني الحياة مع الله تعالى لا غير
    ولهذا كان الفوت عند العارفين بالله أشد عليهم من الموت لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق فكم بين الانقطاعين
    وقال آخر: من قرت عينه بالله تعالى قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات
    وقال يحيى بن معاذ: من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل أحد بالنظر إليه
    ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ويذكره به ويذاكره بهذا الأمر
    ومن علامات صحته: أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده
    ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب
    ومن علامات صحته: أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه خروجه منها ووجد فيها راحته ونعيمه وقرت عينه وسرور قلبه
    ومن علامات صحته: أن يكون همه واحدا وأن يكون في الله
    ومن علامات صحته: أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله
    ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل فيحرص على الإخلاص فيه والنصحية والمتابعة والإحسان ويشهد مع ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره في حق الله
    فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحي السليم
    وبالجملة فالقلب الصحيح: هو الذي همه كله في الله وحبه كله له وقصده له وبدنه له وأعماله له ونومه له ويقظته له وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه: الخلوة به آثر عنده من الخلطة إلا حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له قرة عينه به وطمأنينته وسكونه إليه فهو كلما وجد من نفسه التفاتا إلى غيره تلا عليها يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فهو يردد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه فينصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية فتصير العبودية صفة له وذوقا لا تكلفا فيأتي بها توددا وتحببا وتقربا كما يأتي المحب المقيم في محبة محبوبه بخدمته وقضاء أشغاله فكلما عرض له أمر من ربه أو نهي أحس من قلبه ناطقا ينطق لبيك وسعديك إني سامع مطيع ممتثل ولك علي المنة في ذلك والحمد فيه عائد إليك
    وإذا أصابه قدر وجد من قلبه ناطقا يقول أنا عبدك ومسكينك وفقيرك وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف المسكين وأنت ربي العزيز الرحيم لا صبر لي إن لم تصبرني ولا قوة لي إن لم تحملني وتقوني لا ملجأ لي منك إلا إليك ولا مستعان لي إلا بك ولا انصراف لي عن بابك ولا مذهب لي عنك
    فينطرح بمجموعه بين يديه ويعتمد بكليته عليه فإن أصابه بما يكره قال: رحمة أهديت إلي ودواء نافع من طبيب مشفق وإن صرف عنه ما يحب قال: شرا صرف عني
    وكم رمت أمرا خرت لي في انصرافه... وما زلت بي منى أبر وأرحما
    فكل ما مسه به من السراء والضراء اهتدى بها طريقا إليه وانفتح له منه باب يدخل منه عليه كما قيل:
    ما مسني قدر بكره... أو رضى إلا اهتديت به إليك طريقا
    أمض القضاء على الرضى منى به... إني وجدتك في البلاء رفيقا
    ولله هاتيك القلوب وما انطوت عليه من الضمائر وماذا أودعته من الكنوز والذخائر ولله طيب أسرارها ولا سيما يوم تبلى السرائر
    سيبدو لها طيب ونور وبهجة... وحسن ثناء يوم تبلى السرائر
    بالله لقد رفع لها علم عظيم فشمرت إليه واستبان لها صراط مستقيم فاستقامت عليه ودعاها ما دون مطلوبها الأعلى فلم تستجب إليه واختارت على ما سواه وآثرت ما لديه

  • صفحة 3 من 33 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. حوار مع الشيطان
      بواسطة king-of-nothing في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 08-03-2010, 11:35 PM
    2. الشيطان
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 07-19-2010, 06:06 PM
    3. كن مثل الشيطان
      بواسطة nano في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 07-11-2010, 10:47 PM
    4. الكبرياء خلة الشيطان
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 02:25 AM
    5. الشيطان المثقف !!!
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 05-01-2010, 11:30 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1