صفحة 31 من 32 الأولىالأولى ... 2129303132 الأخيرةالأخيرة
النتائج 121 إلى 124 من 125

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)


  1. #121
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السري، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: لما فصل رستم، وأمر الجالنوس بالتقدم إلى الحيرة، أمره أن يصيب له رجلًا من العرب، فخرج هو والآزاذ مرد سرية في مائة؛ حتى انتهيا إلى القادسية، يفأصابا رجلًا دون قنطرة القادسية فاختطفاه، فنفر الناس فأعجزوهم إلا ما أصاب المسلمون في أخرياتهم. فملا انتهيا إلى النجف سرحا به إلى رستم، وهو بكوثى، فقال له رستم: ما جاء بكم؟ وماذا تطلبون؟ قال: جئنا نطلب موعود الله، قال: وما هو؟ قال: ارضكم وأبناؤكم ودماؤكم إن أبيتم أن تسلموا. قال رستم: فإن قتلتم قبل ذلك؟ قال: في موعود الله أن من قتل منا قبل ذلك أدخله الجنة. وأنجز لمن بقي منا ما قلت لك، فنحن على يقين. فقال رستم: قد وضعنا إذًا في أيديكم؛ قال: ويحك يا رستم! إن أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها؛ فلا يغرنك ما ترى حولك، فإنك لست تحاول الإنس؛ وإنما تحاول القضاء والقدر! فاستشاط غضبًا؛ فأمر به فضربت عنقه، وخرج رستم من كوثى؛ حتى ينزل ببرس، فغضب أصحابه الناس أموالهم ووقعوا على النساء، وشربوا الخمور. فضج العلوج إلى رستم، وشكوا إليه ما يلقون في أموالهم وأبنائهم. فقام فيهم، فقال: يا معشر أهل فارس، والله لقد صدق العربي؛ والله ما أسلمنا إلا أعمالنا، والله للعرب في هؤلاء وهم لهم ولنا حرب أحسن سيرة منكم. إن الله كان ينصركم على العدو، ويمكن لكم في البلاد بحسن السيرة وكف الظلم والوفاء بالعهود والإحسان؛ فأما إذ تحولتم عن ذلك إلى هذه الأعمال، فلا أرى الله إلا مغيرًا ما بكم، وما أنا بآمن أن ينزع الله سلطانه منكم. وبعث الرجال؛ فلقطوا له بعض من يشكى فأتى بنفر، فضرب أعناقهم، ثم ركب ونادى في الناس بالرحيل، فخرج ونزل بحيال أهل دير الأعور، ثم انصب إلى المطاط؛ فعسكر مما يلي الفرات بحيال أهل النجف بحيال الخورنق إلى الغريين، ودعا بأهل الحيرة، فأوعدهم وهم بهم، فقال له ابن بقيلة: لا تجمع علينا اثنتين: أن تعجز عن نصرتنا، وتلومنا على الدفع عن أنفسنا وبلادنا. فسكت.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، والمقدام الحارثى عمن ذكره، قالا: دعا رستم أهل الحيرة وسرادقه إلى جانب الدير، فقال: يا أعداء الله، فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا، وكنتم عيونًا لهم علينا، وقويتموهم بالأموال! فاتقوه بابن بقيلة، وقالوا له: كن أنت الذي تكلمه، فتقدم، فقال: أما أنت وقولك: إنا فرحنا بمجيئهم. فماذا فعلوا؟ وبأى ذلك من أمورهم نفرح! إنهم ليزعمون أنا عبيد لهم، وما هم على ديننا؛ وإنهم ليشهدون علينا أنا من أهل النار. وأما قولك: إنا كنا عيونًا لهم، فما الذي يحوجهم إلى أن نكون عيونًا لهم، وقد هرب أصحابكم منهم، وخلوا لهم القرى! فليس يمنعهم أحد من وجه ارادوه؛ إن شاءوا أخذوا يمينًا أو شكالًا. وأما قولك: إنا قويناهم بالأموال؛ فإنا صانعناهم بالأموال عن أنفسنا؛ وإذ لم تمنعونا مخافة أن نسبى وأن نحرب، وتقتل مقاتلتنا - وقد عجز منهم من لقيهم منكم - فكنا نحن أعجز؛ ولعمري لأنتم أحب إلينا منهم؛ وأحسن عندنا بلاء، فامنعونا منهم لكن لكم أعوانًا؛ فإنما نحن بمنزلة علوج السواد، عبيد من غلب. فقال رستم: صدقكم الرجل.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: رأى رستم بالدير أن ملكًا جاء حتى دخل عسكر فارس، فختم السلاح أجمع.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وأصحابه؛ وشاركهم النضر بإسناده، قالوا: ولما اطمأن رستم أمر الجالنوس أن يسير من النجف، فسار في المقدمات، فنزل فيما بين النجف والسيلحين، وارتحل رستم، فنزل النجف - وكان بين خروج رستم من المدائن وعسكرته بساباط وزحفه منها إلى أن لقى سعدًا أربعة أشهر، ولا يقدم ولا يقاتل - رجاء أن يضجروا بمكانهم، وأن يجهدوا فينصرفوا، وكره قتالهم مخافة أن يلقى ما لقى من قبله. وطالهم لولا ماجعل الملك يستعجله وينهضه ويقدمه؛ حتى أقحمه؛ فملا نزل رستم النجف عادت عليه الرؤيا، فرأى ذلك الملك ومعه النبي وعمر، فأخذ الملك سلاح أهل فارس، فختمه، ثم دفعه إلى النبي فدفعه النبي إلى عمر. فأصبح رستم، فازداد حزنًا، فملا رأى الرفيل ذلك رغب في الإسلام؛ فكانت داعيته إلى اٌسلام، وعرف عمر أن القوم سيطاولونهم، فعهد إلى سعد وإلى المسلمين أن ينزلوا حدود أرضهم، وأن يطالوهم أبدًا حتى ينغضوهم، فنزلوا القادسية، وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة، وأبى الله إلا أن يتم نوره، فأقاموا واطمأنوا، فكانوا يغيرون على السواد، فانتسفوا ما حولهم فحووه وأعدوا للمطاولة؛ وعلى ذلك جاءوا، أو يفتح الله عليهم. وكان عمر يمدهم بالأسواق إلى ما يصيبون؛ فلما رأى ذلك الملك ورستم وعرفوا حالهم، وبلغهم عنهم فعلهم؛ علم أن القوم غير منتهين، وأنه إن أقام لم يتركوه؛ فرأى أن يشخص رستم، ورأى رستم أن ينزل بين العتيق والنجف، ثم يطالولهم مع المنازلة، ورأى أن ذلك أمثل ما هم فاعلون، حتى يصيبوا من الإحجام حاجتهم، أو تدور لهم سعود.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: وجعلت السرايا تطوف، ورستم بالنجف والجالنوس بين النجف والسيلحين وذو الحاجب بين رستم والجالنوس، والهرمزان ومهران على مجنبتيه، والبيرزان على ساقته وزاد بن بهيش صاحب فرات سريا على الرجالة؛ وكنارى على المجردة؛ وكان جنده مائة وعشرين ألفًا، وستين ألف متبوع مع الرجل الشاكرى، ومن الستين ألفًا خمسة عشر ألف شريف متبوع، وقد تسلسلوا وتقارنوا لتدور عليهم رحى الحرب.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن موسى بن طريف، قال: قال الناس لسعد: لقد ضاق بنا المكان؛ فأقدم، فزبر من كلمه بذلك، وقال: إذا كفيتم الرأى، فلا تكلفوا؛ فإنا لن نقدم إلا على رأى ذوى الرأى، فاسكتوا ما سكتنا عنكم وبعث طليحة وعمرًا في غير خيل كالطليعة، وخرج سواد وحمضية في مائة مائة؛ فأغاروا على النهرين؛ وقد كان سعدنها هما أن يمنعا، وبلغ رستم، فأرسل إليهم خيلًا، وبلغ سعدًا أن خيله قد وغلت: فدعا عاصم بم عمرو وجابرًا الأسدي، فأرسلهما في آثارهما يقتصانها، وسلكا طريقهما، وقال لعاصم: إن جمعكم قتال فأنت عليهم، فلقيهم بين النهرين وإصطيميا؛ وخيل أهل فارس محتوشتهم، يريدون تخلص ما بين أيديهم؛ وقد قال سواد لحمضية: أختر؛ إما أن تقيم لهم وأستاق الغنيمة، أو أقيم لهم وتستاق الغنيمة. قال: أقم لهم ونهنههم عنى، وأنا أبلغ لك الغنيمة؛ فأقام لهم سواد، وانجذب حمضية، فلقيه عاصم بن عمرو، فطن حمضية أنها خيل للأعاجم أخرى، فصد عنها منحرفًا؛ فلما تعارفوا ساقها؛ ومضى عاصم إلى سواد - وقد كان أهل فارس تنقذوا بعضها - فلما رأت الأعاجم عاصمًا هربوا، وتنقذ سواد ما كانوا ارتجعوا؛ فأتوا سعدًا بالفتح والغنائم والسلامة؛ وقد خرج طليحة وعمرو؛ فأما طليحة فأمره بعسكر رستم، وأما عمرو فأمره بعسكر الجالنوس؛ فخرج طليحة وحده، وخرج عمرو في عدة، فبعث قيس بن هبيرة في آثارهما؛ فقال: إن لقيت قتالًا فأنت عليهم - وأراد إذلال طليحة لمعصيته، وأما عمرو فقد أطاعه - فخرج حتى تلقى عمرًا، فسأله عن طليحة، فقال: لا علم لي به، فلما انتهينا إلى النجف من قبل الجوف، قال له قيس: ما تريد؟ قال: أريد أن أغير على أدنى عسكرهم؛ قال: في هؤلاء! قال: نعم، قال: لا أدعك والله وذاك! أتعرض المسلمين لما لا يطيقون قال: وما أنت وذاك! قال: إني أمرت عليك؛ ولو لم أكن أميرًا لم أدعك طليحة إذا اجتمعتم، فقال عمرو: والله يا قيس؛ إن زمانًا تكون على فيه أميرًا لزمان سوء! لأن أرجع عن دينكم هذا إلى ديني الذي كنت عليه وأقاتل عليه حتى أموت أحب إلى من أن تتأمر على ثانية. وقال: لئن عاد صاحبك الذي بعثك لمثلها لنفارقنه؛ قال: ذاك إليك بعد مرتك هذه، فرده؛ فرجعا إلى سعد بالخبر. وبأعلاج وأفراس، وشكاكل واحد منهما صاحبه؛ أما قيس فشكا عصيان عمرو، وأما عمرو، فشكا غلظة قيس، فقال سعد: يا عمرو، الخبر والسلامة أحب إلى من مصاب مائة بقتل ألف، أتعمد إلى حلبة فارس فتصاد مهم بمائة إن كنت لأراك أعلم بالحرب مماأرى. فقال: إن الأمر لكما قلت؛ وخرج طليحة حتى دخل عسكرهم في ليلة مقمرة، فتوسم فيه، فهتك أطناب بيت رجل عليه، واقتاد فرسه، ثم خرج حتى مر بعسكر ذي الحاجب، فهتك على رجل آخر بيته، وحل فرسه ثم دخل على الجالنوس عسكره فهتك على آخر بيته، وحل فرسه، ثم دخل على الجالنوس؛ فهتك على آخر بيته، وحل فرسه ثم حتى أتى الحرارة وخرج الذي كان بالنجف، والذي كان في عسكر ذي الحاجب فاتبعه الذي كان في عسكر الجالنوس، فكان أولهم لحاقًا به الجالنوس ثم الحاجبي، ثم النجفى؛ فأصاب الأولين، وأسر الآخر. وأتى به سعدًا فأخبره، وأسلم؛ فسماه سعد مسلمًا؛ ولزم طليحة؛ فكان معه في تلك المغازى كلها.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #122
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عمرو، عن أبي عثمان النهدي، قال: كان عمر قد عهد إلى سعد جين بعثه إلى فارس؛ ألا يمر بماء من المياه بذي قوة ونجدة ورياسة إلا أشخصه؛ فإن أبي انتخبه، فأمره عمر، فقدم القادسية في اثني عشرألفًا من أهل الأيام، وأناس من الحمراء استجابوا للمسلمين، فأعانوهم؛ أسلم بعضهم قبل القتال، وأسلم بعضهم غب القتال، فأشركوا في الغنيمة، وفرضت لهم فرائض أهل القادسية: ألفين ألفين؛ وسألوا عن أمنع قبائل العرب، فعادوا تميمًا؛ فلما دنا وستم، ونزل النجف بعث سعد الطلائع؛ وأمرهم أن يصيبوا رجلا ليسأله عن أهل فارس؛ فخرجت الطلائع بعد اختلاف؛ فلما أجمع ملأ الناس أن الطليعة من الواحد إلى العشرة سمحوا فأخرج سعد طليحة في خمسة، وعمرو بن معد يكرب في خمسة؛ وذلك صبيحة قدم رستم الجالنوس وذا الحاجب؛ ولا يشعرون بفصولهم من النجف؛ فلم يسيروا إلا فرسخًا وبعض آخر؛ حتى رأوا مسالحهم وسرحهم على الطفوف قد ملئوها، فقال بعضهم: ارجعوا إلى أميركم فإنه سرحكم؛ وهو يرى أن القوم بالنجف؛ فأخبروه الخبر، وقال بعضهم: ارجعوا لا ينذر بكم عدوكم! فقال عمرو لأصحابه: صدقتم، وقال طليحة لأصحابه: كذبتم؛ ما بعثتم لتخبروا عن السرح، وما بعثتم إلا للخبر قالوا: فما تريد؟ قال: أريد أن أخاطر القوم أو أهلك، فقالوا: أنت رجل في نفسك غدر؛ ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن؛ فاجع بنا فأبى. وأتى سعدًا الخبر برحيلهم؛ فبعث قيس بن هبيرة الأسدي، وأمره على مائة، وعليهم إن هو لقيهم. فانتهى إليهم وقد افترقوا، فلما رآه عمرو قال: تجلدوا له، أروه أنهم يريدون الغارة؛ فردهم، ووجد طليحة قد فارقهم فرجع بهم. فأتوا سعدًا، فأخبروه بقرب القوم، ومضى طليحة، وعارض المياه على الطفوف؛ حتى دخل عسكر رستم، وبات فيه يجوسه وينظر ويتوسم؛ فلما أدبر الليل، خرج وقرأتي أفضل من توسم في ناحية العسكر، فإذا فرس له لم ير في خيل القوم مثله، وفسطاط أبيض لم ير مثله؛ فانتضى سيفه، فقطع مقود الفرس، ثم ضمه إلى مقود فرسه، ثم حرك فرسه، فخرج يعدو به، ونذر به الناس والرجل، فتنادوا وركبوا الصعبة والذلول، وعجل بعضهم أن يسرج، فخرجوا في طلبه، فأصبح وقد لحقه فارس من الجند، فلما غشيه وبوأ له الرمح ليطعنه عدل طليحة فرسه، فندر الفارسي بين يديه، فكر عليه طليحة، فقصم ظهره بالرمج، ثم لحق له آخر، ففعل به مثل ذلك، ثم لحق به آخر؛ وقد رأى مصرع صاحبيه - وهما ابنا عمه - فازداد حنقًا، فلما لحق بطليحة، وبوأ له الرمح، عدل طليحة فرسه، فندر الفارسى أمامه، وكر عليه طليحة أن يركض؛ ودعاه إلى الإسار، فعرف الفارسي أنه قاتله فاستأسر، وأمره طليحة أن يركض بين يديه؛ ففعل. ولحق الناس فرأوا فارسى الجند قدقتلا وقد أسرى الثالث، وقد شارف طليحة عسكرهم، فأحجموا عنه، ونكسوا، وأقبل طليحة حتى غشى العسكر، وهم على تعبية، فأفرغ الناس، وجوزوه إلى سعد؛ فلما انتهى إليه، قال: ويحك ما وراءك! قال: دخلت عساكرهم وجستها منذ الليلة، وقد أخذت أفضلهم توسمًا، وما أدري أصبت أم أخطأت! وها هو ذا فاستخبره. فأقيم الترجمان بين سعد وبين الفارسي، فقال له الفارس: أتؤمننى على دمى إن صدقتك؟ قال: نعم، الصدق في الحرب أحب إلينا من الكذب، قال: أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أن أخبركم عمن قبلي؛ باشرت الحروب وغشيتها، وسمعت بالأبطال ولقيتها؛ منذ أنا غلام إلى أن بلغت ما ترى، ولم أر ولم أسمع بمثل هذا؛ أم رجلًا قطع عسكرين لا يجترى عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفًا، يخدم الرجل منهم الخمسة والعشرة إلى ما هو دون؛ فلم يرض أم يخرج كما دخل حتى سلب فارس الجند؛ وهتك أطناب بيته فأنذروه، فأنذرنا به، فطلبناه، فأدركه الأول وهو فارس الناس، يعدل ألف فارس فقتله، فأدركه الثاني وهو نظيره فقتله، ثم أدركته، ولا أظن أنني خلقت بعدي من يعدلني وأنا الثائر بالقتيلين، وهما ابنا عمي، فرأيت المونت فاستأسرت. ثم أخبره عن أهل فارس؛ بأن الجند عشرون ومائة ألف، وأن الأتباع مثلهم خدام لهم. وأسلم الرجل وسماه سعد مسلمًا، وعاد إلى طليحة، وقال: لا والله، لا تهزمون ما دمتم على ما أرى من الوفاءوالصدق والإصلاح والمؤاساة؛ لا حاجة لي في صحبة فارس؛ فكان من أهل البلاء يومئذ.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن موسى بنطريف، قال: قال سعد لقيس بن هبيرة الأسدي: اخرج يا عاقل، فإنه ليس وراءك من الدنيا شئ تحنو عليه حتى تأتينى بعلم القوم. فخرج وسرح عمرو بن معد يكرب وطليحة؛ فلما حاذى القنطرة لم يسر إلا يسيرًا حتى لحق، فانتهى إلى خيل عظيمة منهم بحيالها ترد عن عسكرهم، فإذا رستم قد ارتحل من النجف، فنزل منزل ذي الحاجب، فارتحل الجالنوس، فنزل ذو الحاجب منزله، والجالنوس منزله، والجالنوس يريد طيزنا باذ؛ فنزل بها، وقدم تلك الخيل. وإن ما خمل سعدًا على إرسال عمرو وطليحة معه لمقالة بلغته عن عمرو، وكلمة قالها لقيس بن هبيرة قبل هذه المرة، فقال: قاتلوا عدوكم يا معشر المسلمين. فأنشب القتال، وطاردهم ساعة. ثم إن قيسًا حمل عليهم، فكانت هزيمتهم، فأصاب منهم اثني عشر رجلًا، وثلاثة أسراء، وأصاب أسلابًا، فأتوا بالغنيمة سعدًا وأخبروه الخبر؛ فقال: هذه بشرى إن شاء الله؛ إذا لقيتم جمعهم الأعظم وحدهم؛ فلهم أمثالهم، ودعا عمرا وطليحة، فقال: كيف رأيتما قيسًا؟ فقال طليحة: رأيناه أكمانا، وقال عمرو: الأمير أعلم بالرجال منا. قال سعد: إن الله تعالى أحيانًا بالإسلام وأحيا به قلوبًا كانت ميتة، وأمات به قلوبًا كانت حية، وإني أحذركما أن تؤثرا أمر الجاهلية على الإسلام؛ فتموت قلوبكما وأنتما حيان؛ الزما السمع والطاعة والإعتراف بالحقوق؛ فما رأى الناس كأقوام أعزهم الله بالإسلام.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو وزياد؛ وشاركهم المجالد وسعيد بن المرزبان، قالوا: فلما أصبح رستم من الغد من يوم نزل السيلحين قدم الجالنوس وذا الحاجب، فارتحل الجالنوس، فنزل من دون القنطرة بحيال زهرة، ونزل إلى صاحب المقدمة، ونزل ذو الحاجب؛ منزله بطرنا باذ، ونزل رستم منزل ذي الحلجب بالحرارة ثم قدم ذا الحاجب فلما انتهى إلى العتيق تياسر حتى إذا كان بحيال قديس خندق خندقًا، وارتحل الجالنوس فنزل عليه وعلى مقدمته - أعني سعدًا - زهرة بن الحوية، وعلى مجنبتيه عبد الله بن المعتم، وشرحبيل بن السمط الكندي، وعلى مجردته عاصم بن عمرو، وعلى المرامية فلان، وعلى الرجل فلان، وعلى الطلائع سواد بن مالك، وعلى مقدمة رستم الجالنوس، وعلى مجنبتيه الهرمزان ومهران وعلى مجردته ذو الحاجب، وعلى الطلائع البيرزان، وعلى الرجالة زاذ بن بهيش. فملا انتهى رستم إلى العتيق، وقف عليه بحيال عسكر سعد؛ ونزل الناس؛ فما زالوا يتلاحقون وينزلولهم فينزلون؛ حتى أعتموا من كثرتهم؛ فبات بها تلك الليلة والمسلمون ممسكون عنهم.
    قال سعيد بن المرزبان: فلما أصبحوا من ليلتهم بشاطئ العتيق غدا منجم رستم على رستم برؤيا أريها من الليل، قال: رأيت الدلو في السماء؛ دلوًا أفرغ ماؤه، ورأيت السمكة؛ سمكة في ضحضاح من الماء تضطرب، ورأيت النعائم والزهرة تزدهر، قال: ويحك! هل أخبرت أحدًا؟ قال: لا، قال: فاكتمها.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كان رستم منجمًا، فكان يبكي مما يرى ويقدم عليه، فلما كان بظهر الكوفة رأى أن عمر دخل عسكر فارس، ومعه ملك، فختم على سلاحهم، ثم حزمه ودفعه إلى عمر.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم - وكان قد شهد القادسية - قال: كان مع رستم ثمانية عشر فيلًا، ومع الجالنوس عشر فيلا.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي؛ قال: كان مع رستم يوم القادسية ثلاثون فيلا.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سعيد بن المرزبان، عن رجل، قال: كان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلا؛ منها فيل سابور الأبيض؛ وكانت الفيلة تألفه، وكان أعظمها وأقدمها.
    كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: كان معه ثلاثة وثلاثون فيلا، معه في القلب ثمانية عشر فيلًا، ومعه المجنبتين خمسة عشر فيلا.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وسعيد وطلحة وعمرو وزياد، قالوا: فلما أصبح رسم من ليلته التي باتها بالعتيق، أصبح راكبًا في خيله، فنظر إلى المسلمين، ثم صعد نحو القنطرة، وقد حزر الناس، فوقف بحيالهم دون القنظرة؛ وأرسل إليهم رجلًا؛ إن رستم يقول لكم: أرسلوا إلينا رجلًا نكلمه ويكلمنا، وانصرف فأرسل زهرة إلى سعد بذلك؛ فأرسل إليه المغيرة بن شعبة، فأخرجه زهرة إلى الجالنوس؛ فأبلغه الجالنوس رستم.


  • #123
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: لما نزل رستم على العتيق وبات به، أصبح غاديًا على التصفح والحزر، فساير العتيق نحو خفان؛ حتى أتى على منقطع عسكر المسلمين، ثم صعد حتى انتهى إلى القنطرة؛ فتأمل القوم؛ حتى أتى على شئ يشرف منه عليهم؛ فلما وقف على القنطرة راسل زهرة، فخرج إليه حتى واقفه، فأراده أن يصالحهم، ويجعل له جعلًا على أن ينصرفوا عنه، وجعل يقول فيما يقول: انتم جيراننا وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا؛ فكنا نحسن جوارهم، ونكف الأذى عنهم، ونوليهم المرافق الكثيرة، نحفظهم في أهل باديتهم؛ فنزعيهم مراينا، ونميرهم من بلادنا، ولا نمنعهم من التجارة في شئ من أرضنا؛ وقد كان لهم في ذلك معاش - يعرض لهم بالصلح؛ وإنما يخبره بصنيعهم، والصلح يريد ولا يصرح - فقال له زهرة: صدقت، قد كان ما تذكر؛ وليس أمرنا أمر أولئك ولا طلبتنا. إنا لم نأتكم لطلب الدنيا؛ إنما طلبنا وهمتنا الآخرة؛ كنا كما ذكرت، يدين لكم من ورد عليكم منا، ويضرع إليكم يطلب ما في أيديكم. ثم بعث الله تبارك وتعالى إلينا رسولًا، فدعانا إلى ربه، فأجبناه، فقال لنبيه : إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني، فأنا منتقم بهم منهم؛ وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق، لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به أحد إلا عز. فقال له رستم: وما هو؟ قال: أما عموده الذي لا يصلح منه شئ إلا به، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى. قال: ما أحسن هذا؟ وأي شئ أيضًا؟ قال: وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى. قال: حسن، وأي شئ أيضًا؟ قال: والناس بنو آدم وحواء، إخوة لأب وأم، قال: ما أحسن هذا؟ ثم قال له رستم: أرأيت لو أني رضيت بهذا الأمر وأجبتكم إليه؛ ومعي قومي كيف يكون أمركم أترجعون؟ قال: إي والله، ثم لا نقرب بلادكم أبدًا إلا في تجارة أو حاجة. قال: صدقني الله، أما إن أهل فارس منذ ولى أردشير لم يدعوا أحدًا يخرج من عمله من السفلة، كانوا يقولن إذا خرجوا من أعمالهم: تعدوا طورهم. وعادوا أشرافهم. فقال له زهرة: نحن خير الناس للناس، فلا نستطيع أن نكون كما تقولون؛ نطيع الله في السفلة، ولا يضرنا من عصى الله فينا. فانصرف عنه، ودعا رجال فارس فذاكرهم هذا فحموا من ذلك وأنفوا، فقال: ابعدكم الله وأسحقكم أخزى الله أخرعنا وأجبنا؟ فلما انصرف رستم ملت إلى زهرة، فكان إسلامي؛ وكنت له عديدًا. وفرض لي فرائض أهل القادسية.
    كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو وزياد بإسنادهم مثله. قالوا: وأرسل سعد إلى المغيرة بن شعبة وبسر بن أبلي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وربعي بن عامر وقرفة بن زاهر التيمي ثم الوائلى ومذعور بن عدي العجلي، والمضارب بن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي - وكان من دهاة العرب - فقال: إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم؛ فما عندكم؟ قالوا جميعًا: نتبع ما تأمرنا به، وننتهي غليه؛ فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شئ نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس؛ فكلمناهم به. فقال سعد: هذا فعل الحزمة، اذهبوا فتهيئوا، فقال ربعي بن عامر: إن الأعاجم لهم آراء وآداب، ومتى نأتهم جميعًا يروا أنا قد احتفلنا بهم؟ فلا تزدهم على رجل؛ فمألئوه جميعًا على ذلك، فقال: فسرحوني، فسرحه، فخرج ربعي ليدخل على رستم عسكره، فاحتسبه الذين على القنطرة، وأرسل إلى رستم لمجيئه، فاستشار عظماء أهل فارس، فقال: ما ترون أنباهي أم نتهاون فأجمع ملؤهم على التهاون، فأظهروا الزبرج، وبسطوا البسط والنمارق، ولم يتركوا شيئًا، ووضع لرستم سرير الذهب، وألبس زينته من النماط والوسائد المنسوجة بالذهب. وأقبل ربعي يسير على فرس له رباء قصيرة، معه سيف له، غمدة لفلفه ثوب خلق، ورمحه مغلوب بقدمعه حجفة من جلود البقر؛ على وجهها أديم أحمر مثل الرغيف، ومعه قوسه ونبله. فلما غشى الملك، وانتهى إليه وإلى أدنى البسط، قيل له: انزل، فحملها على البساط، فلما استوت عليه، نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما، ثم أدخل الحبل فيهما، فلم يستطيعوا أن ينهوه؛ وإنما أرواه التهاون وعرف ما أرادوا، فأراد استحراجهم، وعليه درع له كأنها أضاة ويلمقه عباءة بعيره، قد جابها وتدرعها، وشدها على وسطه بسلب وقد شد رأسه بمعجرته؛ وكان أكثر العرب شعرة، ومعجرته نسعة بعيره؛ ولرأسه أربع ضفائر؛ قد قمن قيامًا، كأنهن قرون الوعلة. فقالوا: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم، أنتم دعوتموني، فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت. فأخبروا رستم؛ فقال: ائذنوا له؛ هل هو إلا رجل واحد؟ فأقبل يتوكأ على رمحه، وزجه نصل يقارب الخطو، ويزج النمارق والبسط؛ فما ترك لهم نمرقه ولا بساطًا إلا أفسده وتركه منهتكًا مخرقًا؛ فملما دنا من رستم تعلق به الحرس، وجلس على الأرض، وركز رمحه بالبسط، فقالوا: ما حملك على هذا؟ قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه فكلمه، فقال: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عباده العبادة إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه حتى نفضي إلى موعود الله قال: وما موعود الله: قال الجنة لمن مات على قتال من أبي لمن بقي فقال رستم: قد سمعت مقالتكمورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبي قاتلناه أبدًا؛ فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا! قال: نعم، كم أحب إليكم؟ أيومًا أو يومين؟ قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. وأراد مقاربته ومدافعته، فقال: إن مما سن لنا رسول الله وعمل به أئتمتنا، ألا نمكن الأعداء من آذاننا، ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث، فنحن مترددون عنكم ثلاثًا، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، اختر الإسلام وندعك وأرضك، أو الجزاء، فنقبل ونكف عنك؛ وإن كنت عن نصرنا غنيًا تركناك منه، وإن كنت إليه محتاجًا منعناك؛ أو المنابذة في اليوم الرابع؛ ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا؛ أنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى. قال: أسيدهم أنت؟ قال: لا؛ ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض؛ يجير أدناهم على أعلاهم. فخلص رستم برؤساء أهل فارس، ما تورن؟ هل رأيتم كلامًا قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل؟ قالوا: معاذ الله لك أن تميل إلى شئ من هذا وتدع دينك لهذا الكلب! أما ترى إلى ثيابه! فقال: ويحكم لا تنظرو إلى الثبات؛ ولكن انظروا؛ ولكن انظروا إلى الرأى والكلام والسيرة؛ إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب، ليسوا مثلكم في اللباس، ولا يرون فيه ما ترون. وأقبلوا إليه يتناولون سلاحه، ويزهدونه فيه، فقال لهم: هل لكم إلى أن تروني فأريكم؟ فأخرج سيفه من خرقه كأنه شعلة نار. فقال القوم: اغمد، فغمده؛ ثم رمى ترسًا ورموا حجفته، فخرق ترسهم، وسلمت حجفته، فقال: يا أهل فارس؛ إنكم عظمتم الطعام واللباس والشراب؛ وإنا صغرناهن. ثم رجع إلى أن ينظروا إلى الأجل، فلما كان من الغد بعثوا أن ابعث إلينا ذلك الرجل؛ فبعث إليهم سعد حذيفة بن
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #124
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    محصن، فأقبل في نحو من ذلك الزي، حتى إذا كان على أدنى البساط، قيل له: انزل، قال: ذلك لو جئتكم في حاجتي؛ فقولا لملككم: أله الحاجة أم لي؟ فإن قال: لي؛ فقد كذب؛ ورجعت وتركتكم؛ فإن قال: له، لم آتكم إلا على ما أحب. فقال: دعوه، فجاء حتى وقف عليه ورستم على سريره، فقال: انزل، قال: لا أفعل، فلما أبى سأله: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبنا بالأمس؟ قال: إن أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء؛ فهذه نوبتي. قال: ما جاء بكم؟ قال: إن الله عو وجل من علينا بدينه، وأرانا آياته، حتى عرفناه وكنا له منكرين. ثم أمرنا بدعاء الناس إلى واحدة من ثلاث؛ فأيها أجابوا إليها قبلناها: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء ونمنعكم إن احتجتم إلى ذلك، أو المنابذة فقال: أو الموادعة إلى يوم ما؟ فقال: نعم، ثلاثًا من أمس. فلما لم يجد عنده إلا ذلك رده وأقبل على أصحابه، فقال: ويحكم! ألا ترون إلى ما أرى! جاءنا الأول بالأمس فغلبنا على أرضنا، وحقر ما نعظم، وأقام فرسه على زبرجنا وربطه به؛ فهو في يمن الطائر، وذهب بأرضنا وما فيها إليهم، مع فضل عقله. وجاءنا هذا اليوم فوقف علينا؛ فهو في يمن الطائر يقوم على أرضنا دوننا؛ حتى أغضبهم وأغضبوه. فلما كان من الغد أرسل: ابعثوا إلينا رجلًا، فبعثوا إليهم المغيرة بن شعبة.؟ فأخرج سيفه من خرقه كأنه شعلة نار. فقال القوم: اغمد، فغمده؛ ثم رمى ترسًا ورموا حجفته، فخرق ترسهم، وسلمت حجفته، فقال: يا أهل فارس؛ إنكم عظمتم الطعام واللباس والشراب؛ وإنا صغرناهن. ثم رجع إلى أن ينظروا إلى الأجل، فلما كان من الغد بعثوا أن ابعث إلينا ذلك الرجل؛ فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن، فأقبل في نحو من ذلك الزي، حتى إذا كان على أدنى البساط، قيل له: انزل، قال: ذلك لو جئتكم في حاجتي؛ فقولا لملككم: أله الحاجة أم لي؟ فإن قال: لي؛ فقد كذب؛ ورجعت وتركتكم؛ فإن قال: له، لم آتكم إلا على ما أحب. فقال: دعوه، فجاء حتى وقف عليه ورستم على سريره، فقال: انزل، قال: لا أفعل، فلما أبى سأله: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبنا بالأمس؟ قال: إن أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء؛ فهذه نوبتي. قال: ما جاء بكم؟ قال: إن الله عو وجل من علينا بدينه، وأرانا آياته، حتى عرفناه وكنا له منكرين. ثم أمرنا بدعاء الناس إلى واحدة من ثلاث؛ فأيها أجابوا إليها قبلناها: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء ونمنعكم إن احتجتم إلى ذلك، أو المنابذة فقال: أو الموادعة إلى يوم ما؟ فقال: نعم، ثلاثًا من أمس. فلما لم يجد عنده إلا ذلك رده وأقبل على أصحابه، فقال: ويحكم! ألا ترون إلى ما أرى! جاءنا الأول بالأمس فغلبنا على أرضنا، وحقر ما نعظم، وأقام فرسه على زبرجنا وربطه به؛ فهو في يمن الطائر، وذهب بأرضنا وما فيها إليهم، مع فضل عقله. وجاءنا هذا اليوم فوقف علينا؛ فهو في يمن الطائر يقوم على أرضنا دوننا؛ حتى أغضبهم وأغضبوه. فلما كان من الغد أرسل: ابعثوا إلينا رجلًا، فبعثوا إليهم المغيرة بن شعبة. كتب إلي السري، عن سيف، عن سيف، عن أبي عثمان النهدي. قال: لما جاء المغيرة إلى القنطرة فعبرها إلى أهل فارس حبسوه واستأذنوا رستم في إجازته، ولم يغيروا شيئًا من شارتهم، تقوية لتهاونهم؛ فأقبل المغيرة بن شعبة، والقوم في زيهم، عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبسطهم على غلوة لا يصل إلى صاحبهم؛ حتى يمشي عليهم غلوة؛ وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر يمشي؛ حتى جلس معه على سريره وووسادته؛ فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوا ومغثوه. فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام؛ ولا أرى قومًا أسفه منكم! إنا معشر العرب سواء؛ ولا يستعبد بعضنا بعضًا إلا أن يكون محاربًا لصاحبه؛ فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى؛ وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر فيكم فلا نصفه، نصنعه، ولم آتكم، ولكن دعوتموين اليوم، علمت أن أمركم لا يستقم فيكم مضمحل، وأنكم مغلوبون؛ وأن ملكًا لا يقول على هذه السيرة، ولا على هذه العقول.
    فقال السفلة: صدق والله العربي، وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه؛ قاتل الله أولينا، ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة! فمازحه رستم ليمحو ما صنع، وقال له: يا عربي؛ إن الحاشية قد تصنع ما لا يوافق الملك، فيتراخى عنها مخافة أن يكسرها عما ينبغي من ذلك؛ فالأمر على ماتحب من الوفاء وقبول الحق؛ ما هذه المغازل التي معك؟ قال: ما ضر الجمرة ألا تكون طويلة! ثم راماهم. وقال: ما بال سيفك رثًا! قال: رث الكسوة، حديد المضربة. ثم عاطاه سيفه، ثم قال له رستم: تكلم أم أتكلم؟ فقال المغيرة: أنت الذي بعثت إلينا، فتكلم. فأقام الترجمان بينهما، وتكلم رستم، فحمد قومه، وعظم أمرهم وطوله. وقال: لم نزل متمكنين في البلاد، ظاهرين على الأعداء، أشرافًا في الأمم؛ فليس لأحد من الملوك مثل عزنا وشرفنا وسلطاننا، ننصر على الناس ولا ينصرون علينا إلا اليوم واليومين، أو الشهر والشهرين؛ للذنوب؛ فإذا انتقم الله فرضى رد إلينا عزنا، وجمعنا لعدونا شر يوم هو آت عليهم. ثم إنه لم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمرًا منكم؛ كنتم أهل قشف ومعيشة سيئة، لا نراكم شيئًا ولا نعدكم، وكنتم إذا قطحت أرضكم، وأصابتكم السنة استغثتم بناحية أرضنا فنأمر لكم بالشئ من التمر والشعير ثم نردكم، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنتعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلاد، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم، وآمر لكل رجل منكم بوقر تمر وبثوبين، وتنصرفون عنا، فإني لست أشتهى أن أقتلكم ولا آسركم.
    فتكلم المغيرة بن شعبة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله خالق كل شئ ورازقه؛ فمن صنع شيئًا فإنما هو الذي يصنعه هو له. وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك؛ من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد وعظم السلطان في الدنيا؛ فنحن نعرفه، ولسنا ننكره؛ فالله صنعه بكم؛ ووضعه فيكم وهو له دونكم؛ وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال، وضيق المعيشة واختلاف القلوب؛ فنحن نعرفه؛ ولسنا ننكره؛ والله ابتلانا بذلك، وصيرنا إليه، والدنيا دول؛ ولم يزل أهل شدائدها يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليها؛ ولو يزل أهل رخاتها يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ويصيروا إليها ولوكنتم فيما آتاكم الله ذوى شكر، كان شكركم يقصر عما أوتيتم، وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال؛ ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر؛ كان عظيم ما تتابع علينا مستجلبا من الله رحمة يرفه بها عنا، ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه؛ أو كنتم تعرفوننا به؛ إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولًا.. ثم ذكر مثل الكلام الأول؛ حتى انتهى إلى قوله: وإن احتجت إلينا أن نمنعك فكن لنا عبد تؤدى الجزية عن يد وأنت صاغر، وإلا فالسيف إن أبيت! فنخر نخرة، واستشاط غضبًا، ثم حلف بالشمس لا يرتفع لكم الصبح غدًا حتى أقتلكم أجمعين.
    فانصرف المغيرة؛ وخلص رستم تألفا بأهل فارس، وقال: أين هؤلاء منكم؟ ما بعد هذا! ألم يأتكم الأولان فحسراكم واستحرجاكم، ثم جاءكم هذا، فلم يختلوفا، وسلكوا طريقًا واحجدًا، ولزموا أمرًا واحدًا؛ هؤلاء والله الرجال؛ صادقين كانوا أم كاذبين! والله لئن كان بلغ من إربهم وصونهم لسرهم ألا يختلفوا، فما قوم أبلغ فيما أرادوا منهم؛ لئن كانوا صادقين ما يقول لهؤلاء شئ! فلجوا وتجلدوا وقال: والله إني لأعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم؛ وإن هذا منكم رئاء؛ فازدادوا لجاجة.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: فأرسل مع المغيرة رجلًا. وقال له: إذا قطع القنطرة، ووصل إلى أصحابه، فناد: إن الملك كان منجمًا قد حسب لك ونظر في أمرك، فقال: إنك غدًا تفقأ عينك. ففعل الرسول، فقال المغيرة: بشرتني بخير وأجر؛ ولولا أن أجاهد بعد اليوم أشباهكم من المشركين، لتمنيت أن الأخرى ذهبت أيضًا. فرآهم يضحكون من مقالته، ويتعجبون من بصيرته؛ فرجع إلى الملك بذلك، فقال: أطيعوني يا أهل فارس؛ وإني لأرى لله فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم. وكانت خيولهم تلقى على القنطرة لا تلقى إلا عليها، فلا يزالون يبدءون المسلمين، والمسلمون كافون عنهم الثلاثة الأيام؛ لا يبدءونهم؛ فإذا كان ذلك منهم صدوهم ورد عوهم.

  • صفحة 31 من 32 الأولىالأولى ... 2129303132 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM
    2. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM
    3. معجم البلدان الجزء الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 74
      آخر مشاركة: 07-19-2010, 05:49 PM
    4. الرزء الأليم
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الحـــوار العام للمغتربين السوريينDialogue Discussion Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 06:39 PM
    5. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1