وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، في حديثه، قال: كان عروة بن مسعود لسبيعة بنت عبد شمس.
رجع الحديث إلى حديث ابن عبد الأعلى ويعقوب. قال: فإن هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشدٍ فاقبلوها، ودعوني آته. فقالوا: ائته، فأتاه، فجعل النبي ص، فقال النبي نحوًا من مقالته لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت قومك، فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك! وإن تكن الأخرى، فوالله إني لأرى وجوهًا وأوشابًا من الناس خلقًا أن يفروا ويدعوك.
فقال أبو بكر: امصص بظر اللات - واللات طاغية ثقيف التي كانوا يعبدون - أنحن نفر وندعه! فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو بكر، فقال: أما والذي نفسي بيده لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها لأجبتك؛ وجعل يكلم النبي ص، فلكا كلمه أخذ بلحيته - والمغيرة بن شعبة قائمٌ على رأس النبي ص، ومعه السيف وعليه المغفر؛ فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ص ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحيته، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة ابن شعبة، قال: أي غدر؛ ألست أسعى في غدرتك! وكان المغيرة بن شعبة صحب قومًا في الجاهلية، فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي ص: أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدر، لا حاجة لنا فيه.
وإن عروة جعل يرمق أصحاب النبي ص بعينه. قال: فوالله إن يتنخم النبي نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده؛ وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه؛ وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم وما يحدون النظر إليه تعظيمًا له.
فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي؛ والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمدًا، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على مضوئه، وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم؛ وما يحدون النظر إليه تعظيمًا له؛ وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
فقال رجل من كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته؛ فلما أشرف النبي ص وأصحابه، قال النبي ص: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له، فبعثت له، واستقبله قومٌ يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت! وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري؛ قال في حديثه: ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة - أو ابن زبان - وكان يومئذ سيد الأحابيش؛ وهو أحد بلحارث بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله ص قال: إن هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه، فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض، الوادي في قلائده، قد أكل أو باره من طول الحبس، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول الله ص إعظامًا لما رأى، فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت مالا يحل صده: الهدى في قلائده، قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله؛ قالوا له: اجلس، فإنما أنت رجل أعرابيٌ لا علم لك.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن الحليس غضب عند ذلك، وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم؛ أن تصدوا عن بيت الله من جاءه معظمًا له؛ والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ماجاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد! قال: فقالوا له: مه! كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.
رجع الحديث إلى حديث ابن عبد الأعلى ويعقوب. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال لهم: دعوني آته، قالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال النبي ص: هذا مكرز بن حفص؛ وهو رجل فاجر؛ فجاء فجعل يكلم النبي ص؛ فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.
وقال أيوب عن عكرمة: إنه لما جاء سهيل قال النبي ص: قد سهل لكم من أمركم.
فحدثني محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن منصور - واللفظ لابن عمارة - قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة عن إياس ابم سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وحفص بن فلان، إلى النبي ص ليصالحوه، فلما رآهم رسول الله فيهم سهيل بن عمرو، قال: سهل الله لكم من أمركم؛ القوم ماتون إليكم بأرحامكم، وسائلوكم الصلح، فابعثوا الهدى، وأظهروا التلبية؛ لعل ذلك يلين قلوبهم.
فلبوا من نواحي العسكر حتى ارتجت أصواتهم بالتلبية.
قال: فجاءوا فسألوه الصلح، قال: فبينما الناس قد توادعوا، وفي المسلمين ناس من المشركين، وفي المشركين ناس من المسلمين، قال: ففتك به أبو سفيان، قال: فإذا الوادي يسيل بالرجال والسلاح. قال إياس: قال سلمة: فجئت بستة من المشركين متسلحين أسوقهم، ما يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا؛ فأتيت بهم النبي ص، فلم يسلب ولم يقتل، وعفا.
وأما الحسن بن يحيى فإنه حدثنا قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، أنه قال: لما اصطلحنا نحن وأهل مكة، أتيت الشجرة فكسحت شوكها؛ ثم اضطجعت في ظلها، فأتاني أربعة نفر من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله ص، فأبغضتهم. قال: فتحولت إلى شجرة أخرى، فعلقوا سلاحهم، ثم اضطجعوا؛ فبيناهم كذلك؛ إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم! فاخترطت سيفي، فشددت على أولئك الأربعة وهم رقود؛ فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثًا في يدي، ثم قلت: والذي كرم وجه محمد ص؛ لا يرفع أحدٌ منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. قال: فجئت بهم أقودهم إلى رسول الله ص، وجاء عمي عامر برجل من العبلات، يقال له مكرز؛ يقوده مجففًا، حتى وقفنا بهم على رسول الله ص في سبعين من المشركين، فنظر إليهم رسول الله ص، فقال: دعوهم يكن لهم بدء الفجور، فعفا عنهم. قال: فأنزل الله عز وجل: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ".
رجع الحديث إلى حديث محمد بن عمارة ومحمد بن منصور، عن عبيد الله. قال سلمة: فشددنا على من في أيدي المشركين منا، فما تركنا في أيديهم منا رجلًا إلا استنقذناه. قال: وغلبنا على من في أيدينا منهم.
ثم إن قريشًا بعثوا سهيل بن عمرو وحويطبًا فولوهم صلحهم، وبعث النبي ص عليًا عليه السلام في صلحه.
حدثنا بشر بن معاذ؛ قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رجلًا من أصحاب النبي ص يقال له زنيم، اطلع الثنية من الحديبية، فرماه المشركون فقتلوه، فبعث رسول الله ص خيلًا، فأتوه باثنى عشر رجلًا فارسًا من الكفار، فقال لهم نبي الله ص: هل لكم علي عهد؟ هل لكم علي ذمة؟ قالوا: لا، قال: فأرسلهم رسول الله ص؛ فأنزل الله في ذلك القرآن: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة " - إلى قوله: " بما تعملون بصيرًا ".
وأما ابن إسحاق، فإنه ذكر أن قريشًا إنما بعثت سهيل بن عمرو بعد رسالة كان رسول الله ص أرسلها إليهم مع عثمان بن عفان.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله ص دعا خراش بن أمية الخزاعي، فبعثه إلى قريش بمكة، وحمله على جمل له يقال له الثعلب؛ ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول الله وأرادوا قتله، فمنعته الأحابيش، فخلوا سبيله؛ حتى أتى رسول الله ص.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال حدثني من لا أتهم، عن عكرمة مولى ابن عباس، أن قريشًا بعثوا أربعين رجلًا منهم - أو خمسين رجلًا - وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ص ليصيبوا لهم من أصحابه، فأخذوا أخذًا، فأتى بهم رسول الله ص، فعفا عنهم، وخلى سبيلهم - وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله ص بالحجارة والنبل - ثم دعا النبي ص عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريشٍ ما جاء له؛ فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشًا على نفسي؛ وليس بمكة من بنى عدي بن كعب أحد يمنعني؛ وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها مني، عثمان بن عفان! فدعا رسول الله ص عثمان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب؛ وإنما جاء زائرًا لهذا البيت، معظمًا لحرمته.
فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة - أو قبل أن يدخلها - فنزل عن دابته، فحمله بين يديه، ثم ردفه وأجاره؛ حتى بلغ رسالة رسول الله ص، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله ص ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله ص إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به؛ قال: ماكنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ص؛ فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله ص والمسلمين أن عثمان قد قتل.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن رسول الله حين بلغه أن عثمان قد قتل، قال: لا نبرح حتى نناجز القوم؛ ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.
حدثني ابن عمارة الأسدي، قال: حدثني عبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة، قال: قال سلمة بن الأكوع: بينما نحن قافلون من الحديبية، نادى منادي النبي ص: أيها الناس؛ البيعة البيعة! نزل روح القدس. قال: فسرنا إلى رسول الله وهو تحت الشجرة سمرة، قال: فبايعناه، قال: وذلك قول الله تعالى: " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ".
حدثنا ابن حميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن عامر، قال: كان أول من بايع بيعة الرضوان رجلًا من بني أسد، يقال له: أبو سنان بن وهب.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله؛ أنهم كانوا يوم الحديبية أربعة عشر ومائة. قال: فبايعنا رسول الله ص، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، فبايعناه غير الجد بن قيس الأنصاري، اختبأ تحت بطن بعيره.
قال جابر: بايعنا رسول الله على ألا نفر؛ ولم نبايعه على الموت.
وقد قيل في ذلك ما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرأبو عامر، قال: أخبرنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، أن النبي ص دعا الناس للبيعة في أصل الشجرة، فبايعته في أول الناس، ثم بايع وبايع؛ حتى إذا كان في وسطٍ من الناس، قال: بايع يا سلمة، قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس! قال: وأيضًا؛ ورآني النبي ص أعزل، فأعطاني جحفة أو درقةً. قال: ثم إن رسول الله بايع الناس؛ حتى إذا كان في آخرهم، قال: ألا تبايع يا سلمة! قلت: يا رسول الله؛ قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم! قال: وأيضًا. قال: فبايعته الثالثة، فقال رسول الله ص: فأين الدرقة، والجحفة التي أعطيتك؟ قلت: لقيني عمي عامر أعزل فأعطيته إياها، فضحك رسول الله ص وقال: إنك كالذي قال الأول: اللهم ابغني حبيبًا هو أحب إلي من نفسي.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: فبايع رسول الله ص الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد ابن قيس، أخو بني سلمة، قال: كان جابر بن عبد الله يقول: لكأني أنظر إليه لاصقًا بإبط ناقته، قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس. ثم أتى رسول الله ص أن الذي كان من أمر عثمان باطل.
قال إبن إسحاق: قال الزهري: ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو، أخا بني عامر بن لؤي إلى رسول الله ص؛ وقالوا: له: ائت محمدًا فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا، فوالله لا تحدث العرب أنه دخل علينا عنوة أبدًا.
قال: فأقبل سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول الله ص مقبلًا، قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل. فلما انتهى سهيل إلى رسول الله ص تكلم فأطال الكلام، وتراجعا، ثم جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر، ولم يبقى إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، اليس برسول الله! قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين! قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين! قال: بلى، قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا! قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه؛ فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا اشهد أنه رسول الله. قال: ثم أتى رسول الله ص فقال: يا رسول الله، ألست برسول الله! قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين! قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين! قال: بلى قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا! فقال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يضيعني. قال: فكان عمر يقول: ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به؛ حتى رجوت أن يكون خيرًا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، عن علقمة ابن قيس النخعي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ثم دعاني رسول الله ص، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: " باسمك اللهم "، فقال رسول الله: اكتب " باسمك اللهم "، فكتبتها. ثم قال: اكتب: " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال سهيل بن عمرو: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك؛ ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، قال: فقال رسول الله ص: اكتب: " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل ابن عمرو؛ اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشًا ممن مع رسول الله لم ترده عليه. وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال؛ وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم، دخل فيه " - فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد رسول الله وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدها - " وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك، فدخلتها بأصحابك؛ فأقمت بها ثلاثًا، وأن معك سلاح الراكب، السيوف في القرب لا تدخلها بغير هذا ".
فبينا رسول الله ص يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله ص - قال: وقد كان أصحاب رسول الله ص - قال: وقد كان أصحاب رسول الله ص خرجوا وهم لا يشكون في الفتح، لرؤيا رآها رسول الله ص؛ فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل عليه رسول الله ص في نفسه، دخل الناس من ذلك أمرٌ عظيمٌ حتى كادوا أن يهلكوا - فلما رأى سهيل أبا جندل، قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بلببه، فقال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا! قال: صدقت، قال: فجعل ينتره بلببه، ويجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني! فزاد الناس ذلك شرًا إلى ما بهم فقال رسول الله ص: يا أبا جندل، احتسب، فإن الله جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا؛ إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدًا وصلحًا، وأعطيناهم على ذلك عهدًا، وأعطونا عهدًا، وإنا لا نغدر بهم.
قال: فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه، ويقول: اصبر يا أبا جندل؛ فإنما هم المشركون؛ وإنما دم أحدهم دم كلب! قال: ويدنى قائم السيف منه، قال: يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، قال: فضن الرجل بأبيه.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
فلما فرغ من الكتاب أشهد على الصلح رجالًا من المسلمين، ورجالًا من المشركين: أبا بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة أخا بنى عبد الأشهل، ومكرز بن حفص بن الأخيف - وهو مشرك - أخا بني عامر بن لؤي، وعلي بن أبي طالب، وكتب وكان هو كاتب الصحيفة.
حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، وحدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي، قالا جميعًا: حدثنا إسرائيل، قال: حدثناأبو إسحاق، عن البراء، قال: اعتمر رسول الله ص في ذي القعدة. فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة، حتى يقاضيهم على أن يقيم بها ثلاثة ايام. فلما كتب الكتاب كتب: " هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله "، فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك؛ ولكن أنت محمد بن عبد الله، قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، قال لعلي عليه السلام: امح " رسول الله "، قال: لا والله لا أمحاك أبدًا، فأخذه رسول الله ص - وليس يحسن يكتب - فكتب مكان رسول الله محمد فكتب: " هذا ما قاضى عليه محمد، ولا يدخل مكة بالسلاح إلا السيوف في القراب، ولا يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه، ولا يمنع أحدًا من أصحابه أراد أن يقيم بها ". فلما دخلها ومضى الأجل، أتوا عليًا عليه السلام، فقالوا: له: قل لصاحبك: اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج رسول الله ص.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة الحديبية: فلما فرغ رسول الله ص من قضيته قال لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجلٌ حتى قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقى من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك! اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك؛ وتدعو حالقك فيحلقك؛ فقام فخرج فلم يكلم أحدًا منهم كلمة حتى فعل ذلك؛ نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا؛ وجعل بعضهم يلحق بعضًا؛ حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا.
قال ابن حميد: قال سلمة: قال ابن إسحاق: وكان الذي حلقه - فيما بلغني ذلك اليوم - خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: حلق رجالٌ يوم الحديبية، وقصر آخرون؛ فقال رسول الله ص: يرحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: يرحم الله المحلقين؛ قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال يرحم الله المحلقين، قالوا: يا رسول الله: والمقصرين؟ قال: والمقصرين؛ قالوا: يا رسول الله؛ فلم ظاهرت الترحم لمحلقين دون المقصرين؟ قال: لأنهم لم يشكوا.
حدثنا ابن حميد: قال حدثنا سلمة، عن أبان بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: أهدى رسول الله ص عام الحديبية في هداياه جملًا لأبي جهل؛ في رأسه برة من فضة، ليغيظ المشركين بذلك.
رجع الحديث إلى حديث الزهري الذي ذكرنا قبل، ثم رجع النبي ص إلى المدينة - زاد ابن حميد عن سلمة في حديثه، عن ابن إسحاق عن الزهري؛ قال: يقول الزهري: فما فتح في الإسلام فتحٌ قبله كان أعظم منه؛ إنما كان القتال حيث التقى الناس - فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضًا فالتقوا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.
وقالوا: جميعًا في حديثهم عن الزهري، عن عروة، عن المسور ومروان: فلما قدم رسول الله ص المدينة، جاءه أبو بصير؛ - رجل من قريش - قال ابن إسحاق في حديثه: أبو بصير عتبة بن أسيد ابن جارية - وهو مسلمٌ، وكان ممن حبس بمكة، فلما قدم على رسول الله كتب فيه أزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله ص، وبعث رجلًا من بني عامر بن لؤي، ومعه مولى لهم.
فقدما على رسول الله ص بكتاب الأزهر والأخنس، فقال رسول الله ص: يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت؛ ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا.
قال: فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحليفة، جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه، فقال أبو بصير: أصارمٌ سيفك هذا يا أخا بني عامر؟ قال: نعم، قال: انظر إليه؟ قال: إن شئت، فاستله أبو بصير، ثم علاه به حتى قتله، وخرج المولى سريعًا حتى أتى رسول الله ص وهو جالس في المسجد، فلما رآه رسول الله طالعًا، قال: إن هذا رجل قد رأى فزعًا؛ فلما انتهى إلى رسول الله قال: ويلك! أما لك! قال: قتل صاحبكم صاحبي؛ فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحًا السيف، حتى وقف على رسول الله ص، فقال: يا رسول الله، وفت ذمتك، وأدي عنك، أسلمتني ورددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم.
فقال النبي ص: ويل امه مسعر حرب! - وقال ابن إسحاق في حديثه: محش حرب - لو كان معه رجالٌ! فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم.
قال: فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش الذي كانوا يأخذون إلى الشام.
وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله ص لأبي بصير: " ويل امه محش حرب لو كان معه رجال "، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص؛ وينفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير؛ فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلًا منهم؛ فكانوا قد ضيقوا على قريش؛ فوالله ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي ص يناشدونه بالله وبالرحم لما أرسل إليهم! فمن أتاه فهو آمن، فآواهم رسول الله ص، فقدموا عليه المدينة: زاد ابن إسحاق في حديثه: فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري أسند ظهره إلى الكعبة، وقال: لا أؤخر ظهري عن الكعبة؛ حتى يودوا هذا الرجل؛ فقال أبو سفيان بن حرب: والله إن هذا لهو السفه! والله لا يودى! ثلاثًا.
وقال ابن عبد الأعلى ويعقوب في حديثهما: ثم جاءه - يعني رسول الله - نسوةٌ مؤمناتٌ، فأنزل الله عز وجل عليه: " يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ " - حتى بلغ: " بعصم الكوافر ".
قال: فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. قال: فنهاهم أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق حينئذ.
قال رجل للزهري: أمن أجل الفروج؟ قال: نعم، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية.
زاد ابن إسحاق في حديثه: وهاجرت إلى رسول الله ص أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة؛ فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة؛ حتى قدما على رسول الله ص يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية؛ فلم يفعل، أبى الله عز وجل ذلك.
وقال أيضًا في حديثه: كان ممن طلق عمر بن الخطاب، طلق امرأتيه قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان؛ وهما على شركهما بمكة، وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبيد الله بن عمر، فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم، رجلٌ من قومها؛ وهما على شركهما بمكة.
وقال الواقدي: في هذه السنة - في شهر ربيع الآخر منها - بعث رسول الله ص عكاشة بن محصن في أربعين رجلًا إلى الغمر؛ فيهم ثابت بن أقرم وشجاع بن وهب؛ فأغذ السير، ونذر القوم به فهربوا، فنزل على مياههم وبعث الطلائع؛ فأصابوا عينًا فدلهم على بعض ماشيتهم، فوجدوا مائتي بعير، فحدروها إلى المدينة.
قال: وفيها بعث رسول الله ص محمد بن مسلمة في عشرة نفر في ربيع الأول منها، فكمن القوم لهم حتى نام هو وأصحابه؛ فما شعروا إلا بالقوم؛ فقتل أصحاب محمد بن مسلمة وأفلت محمد جريحًا.
قال الواقدي: وفيها أسرى رسول الله ص سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر في أربعين رجلًا، فساروا ليلتهم مشاةً، ووافوا ذا القصة مع عماية الصبح، فأغاروا عليهم، فأعجزوهم هربًا في الجبال، وأصابوا نعمًا ورثة ورجلًا واحدًا، فأسلم، فتركه رسول الله ص.
قال: وفيها كانت سرية زيد بن حارثة بالجموم، فأصاب امرأة من مزينة، يقال لها حليمة؛ فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا بها نعمًا وشاء وأسراء، وكان في أولئك الأسراء زوج حليمة، فلما قفل بما أصاب وهب رسول الله ص للمزنية زوجها ونفسها.
قال: وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأولى منها.
وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع؛ فاستجار بزينب بنت النبي ص فأجارته.
قال: وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى الطرف، في جمادى الآخرة إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلًا، فهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول الله سار إليهم، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرًا. قال: وغاب أربع ليال.
قال: وفيها سرية زيد بن حارثة إلى حسمي في جمادى الآخرة.
قال: وكان أول ذلك - فيما حدثني موسى بن محمد، عن أبيه، قال: أقبل دحية الكلبي من عند قيصر؛ وقد أجاز دحية بمال، وكساه كسى؛ فأقبل حتى كان بحسمي، فلقيه ناسٌ من جذام، فقطعوا عليه الطريق، فلم يترك معه شيء، فجاء إلى رسول الله قبل أن يدخل بيته فأخبره، فبعث رسول الله ص زيد بن حارثة إلى حسمي.
قال: وفيها تزوج عمر بن الخطاب جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح؛ أخت عاصم بن ثابت، فولدت له عاصم بن عمر؛ فطلقها عمر فتزوجها بعده يزيد بن جارية، فولدت له عبد الرحمن بن يزيد؛ فهو أخو عاصم لأمه.
قال: وفيها سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب.
قال: وفيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان؛ وقال له رسول الله ص: إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم؛ فأسلم القوم، فتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ؛ وهي أم أبي سلمة؛ وكان أبوها رأسهم وملكهم.
قال: وفيها أجدب الناس جدبًا شديدًا، فاستسقى رسول الله ص في شهر رمضان بالناس.
قال: وفيها سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى فدك في شعبان.
قال: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عقبة، قال: خرج علي بن أبي طالب في مائة رجل إلى فدك، إلى حي من بني سعد بن بكر؛ وذلك أنه بلغ رسول الله أن لهم جمعًا يريدون أن يمدوا يهود خيبر؛ فسار إليهم الليل وكمن النهار؛ وأصاب عينًا، فأقر لهم أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم ثمر خيبر.
قال: وفيها سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة في شهر رمضان.
وفيها قتلت أم قرفة، وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، قتلها قتلًا عنيفًا؛ ربط برجليها حبلًا ثم ربطها بين بعيرين حتى شقاها شقًا، وكانت عجوزًا كبيرةً.
وكان من قصتها ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: بعث رسول الله ص زيد بن حارثة إلى وادي القرى؛ فلقى به بني فزارة؛ فأصيب به أناسٌ من أصحابه؛ وارتث زيد من بين القتلى، وأصيب فيها ورد ابن عمرو أحد بني سعد بن هذيم، أصابه أحد بني بدر؛ فلما قدم زيد نذر ألا يمس رأسه غسلٌ من جنابة حتى يغزو فزارة؛ فلما استبل من جراحه، بعثه رسول الله ص في جيش إلى بني فزارة، فلقيهم بوادي القرى، فأصاب فيهم؛ وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر، وأسر أم قرفة - وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر، عجوزًا كبيرة - وبنتًا لها، وعبد الله بن مسعدة.
فأمر زيد بن حارثة أن يقتل أم قرفة؛ فقتلها قتلًا عنيفًا، ربط برجليها حبلين ثم ربطهما إلى بعيرين حتى شقاها.
ثم قدموا على رسول الله ص بابنة أم قرفة وبعبد الله بن مسعدة؛ وكانت ابنة أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع؛ كان هو الذي أصابها، وكانت في بيت شرف من قومها، كانت العرب تقول: لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت.
فسألها رسول الله ص سلمة، فوهبها له، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب، فولدت عبد الرحمن بن حزن.
وأما الرواية الأخرى عن سلمة بن الأكوع في هذه السرية، أن أميرها كان أبا بكر بن أبي قحافة؛ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا أبو عامر، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: أمر رسول الله ص علينا أبا بكر؛ فغزونا ناسًا من بني فزارة، فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا، فلما صلينا الصبح، أمرنا أبو بكر فشننا الغارة عليهم.
قال: فوردنا الماء فقتلنا به من قتلنا. قال: فأبصرت عنقًا من الناس؛ وفيهم النساء والذراري قد كادوا يسبقون إلى الجبل، فطرحت سهمًا بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر؛ وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع أدم، معها ابنة لها من أحسن العرب.
قال: فنفلني أبو بكر ابنتها، قال: فقدمت المدينة، فلقيني رسول الله ص بالسوق، فقال: يا سلمة، لله أبوك! هب لي المرأة! فقلت: يا رسول الله، والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبًا.
قال: فسكت عني حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق، فقال: يا سلمة، لله أبوك! هب لي المرأة، فقلت: يا رسول الله، والله ما كشفت لها ثوبًا، وهي لك يا رسول الله. قال: فبعث بها رسول الله إلى مكة؛ ففادى بها أسارى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين. فهذه رواية عن سلمة.
قال محمد بن عمر: وفيها سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله ص، واستاقوا الإبل في شوال من سنة ست؛ وبعثه رسول الله في عشرين فارسًا.
ذكر خروج رسل رسول الله إلى الملوك
قال: وفيها بعث رسول الله ص الرسل؛ فبعث ذي الحجة ستة نفر: ثلاثة مصطحبين، حاطب بن أبي بلتعة من لخم حليف بني أسد بن عبد العزى إلى المقوقس، وشجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة - حليفًا لحرب بن أمية شهد بدرًا - إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، ودحية ابن خليفة الكلبي إلى قيصر.
وبعث سليط بن عمرو العامري عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي الحنفي. وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى. وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي.
وأما ابن أسحاق، فإنه - فيما زعم، وحدثنا به ابن حميد - قال: حدثنا سلمة، عنه قال: كان رسول الله ص قد فرق رجالًا من أصحابه إلى ملوك العرب والعجم، دعاةً إلى الله عز وجل فيما بين الحديبية ووفاته.
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب المصري، أنه وجد كتابًا فيه تسمية من بعث رسول الله ص إلى ملوك الخائبين، وما قال لأصحابه حين بعثهم، فبعث به إلى ابن شهاب الزهري، مع ثقة من أهل بلدة فعرفه.
وفي الكتاب أن رسول الله ص خرج على أصحابه ذات غداة، فقال لهم: إني بعثت رحمةً وكافة؛ فأدوا عني يرحمكم الله، ولا تختلفوا علي كاختلاف الحواريين على عيسى بن مريم، قالوا: يا رسول الله، وكيف كان اختلافهم؟ قال: دعا إلى مثل ما دعوتكم إليه، فأما من قرب به فأحب وسلم، وأما من بعد به فكره وأبى؛ فشكا ذلك منهم عيسى إلى الله عز وجل، فأصبحوا من ليلتهم تلك؛ وكل رجل منهم يتلكم بلغة القوم الذين بعث إليهم. فقال عيسى: هذا أمرٌ قد عزم الله لكم عليه؛ فامضوا.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 12 (0 من الأعضاء و 12 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)