صفحة 33 من 33 الأولىالأولى ... 23313233
النتائج 129 إلى 132 من 132

الموضوع: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان


  1. #129
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وقد واجهوا رسول الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم بأمثال هذه الكفريات
    فقال قائل منهم للنبي إن الله سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح فشق ذلك على النبي فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب
    وتأمل قوله تعالى عقيب ذلك: فاصبر على ما يقولون فإن أعداء الرسول نسبوه إلى ما لا يليق به وقالوا فيه ما هو منزه عنه فأمره الله سبحانه وتعالى أن يصبر على قولهم ويكون له أسوة بربه سبحانه وتعالى حيث قال أعداؤه فيه مالا يليق
    وكذلك قال فنحاص لأبي بكر رضي الله عنه: إن الله فقير ونحن أغنياء ولهذا استقرضنا من أموالنا فأنزل الله سبحانه وتعالى: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن اغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق.
    وقالوا أيضا يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ويقولون في العشر الأول من الشهر الأول من كل سنة: يا إلهنا وإله آبائنا املك على جميع أهل الأرض ليقول كل ذي نسمة: الله إله إسرائيل قد ملك ومملكته في الكل متسلطة
    ويقولون في هذه الصلاة أيضا: وسيكون لله تعالى الملك وفي ذلك اليوم يكون الله تعالى واحدا واسمه واحدا
    ويعنون بذلك: أنه لا يظهر الملك لله تعالى إلا إذا صارت الدولة لليهود الذين هم صفوته وأمته فأما ما دامت الدولة لغير اليهود فإنه سبحانه وتعالى خامل الذكر عند الأمم مطعون في ملكه مشكوك في قدرته
    فصل

    ومن تلاعب الشيطان بهم أنهم يقولون بالقدح في الأنبياء وأذيتهم
    وقد أذوا موسى عليه السلام في حياته ونسبوه إلى ما برأه الله تعالى منه ونهى الله سبحانه هذه الأمة عن الاقتداء بهم في ذلك حيث يقول يا أيها الذين ا منوا لا تكونوا كالذين ا ذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها
    وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالت بنو إسرائيل: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه ا در فذهب موسى يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال: فجمح موسى بأثره يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى وقالوا: والله ما بموسى من بأس فقال الحجر حتى نظر إليه بنو إسرائيل وأخذ ثوبه وطفق بالحجر ضربا قال أبو هريرة: والله إن بالحجر لندبا ستة أو سبعة من أثر ضرب موسى الحجر وأنزل الله تعالى هذه الا ية يا أيها الذين ا منوا لا تكونوا كالذين ا ذوا موسى فبرأه الله مما قالوا الآية
    وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد قالت بنو إسرائيل: إن موسى ا در وقالت طائفة: هو أبرص من شدة تستره
    وقال ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي كان موسى حييا ستيرا لا يكاد يرى من جلده شيء استحياء منه فا ذاه من ا ذاه من بني إسرائيل وقالوا: ما يتستر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما ا فة وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا وذكر الحديث
    وقال سفيان بن حسين عن الحكم عن ابن جبير عن ابن عباس عن على بن أبي طالب في قوله تعالى: لا تكونوا كالذين آذوا موسى قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته وكان أشد حبا لنا منك وألين لنا منك وآذوه بذلك فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله تعالى من ذلك فانطلقوا به فدفنوه فلم يطلع على قبره أحد من خلق الله تعالى إلا الرخم فجعله الله تعالى أصم أبكم
    وقال الله تعالى: وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم
    وتأمل قوله: وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فإنها جملة في موضع الحال أي أتؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول الله إليكم وذلك أبلغ في العناد
    وكذلك المسيح قال: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين
    فهذا قليل من كثير من أذاهم لأنبيائهم
    وأما أذاهم لهم بالقتل والبغي فأشهر من أن يذكر
    ولقد بالغوا في أذى النبي بجهدهم بالقول والفعل حتى ردهم الله تعالى خاسئين
    ومن قدحهم في الأنبياء: ما نسبوه إلى نص التوراة أنه لما أهلك الله أمة لوط لفسادها ونجى لوطا بابنتيه فقط ظن ابنتاه أن الأرض قد خلت ممن يستبقين منه نسلا فقالت الصغرى للكبرى: إن أبانا شيخ ولم يبق في الأرض إنسان يأتينا كسبيل البشر فهلمي نسقي أبانا خمرا ونضاجعه لنستبقي من أبينا نسلا ففعلتا ذلك بزعمهم
    فنسبوا لوطا النبي عليه السلام إلى أنه سكر حتى لم يعرف ابنتيه ثم وطئهما وأحبلهما وهو لا يعرفهما فولدت إحداهما ولدا أسمته مواب يعني أنه من الأب والثانية سمت ولدها بني عمو يعني أنه من قبيلها
    وقد أجاب بعضهم عن هذا: بأنه كان قبل نزول التوراة فلم يكن نكاح الأقارب حراما والتوراة تكذبهم
    فإن فيها أن إبراهيم الخليل خاف في ذلك العصر أن يقتله المصريون حسدا له على زوجته سارة فأخفى نكاحها وقال: هي أختي علما منه بأنه إذا قال ذلك لم يبق للظنون إليهما سبيل
    وهذا أظهر دليل على أن تحريم نكاح الأخت كان ثابتا في ذلك الزمان فما ظنك بنكاح البنت الذي لم يشرع ولا في زمن آدم عليه السلام
    وعندهم أيضا في التوراة التي بأيديهم: قصة أعجب من هذه، وهي أن يهوذا بن يعقوب النبي زوج ولده الأكبر من امرأة يقال لها تامار فكان يأتيها مستدبرا فغضب الله تعالى من فعله فأماته فزوجها يهوذا من ولده الآخر فكان إذا دخل بها أنزل على الأرض علما منه بأنه إن أولدها كان أول الأولاد مدعوا باسم أخيه ومنسوبا إلى أخيه فكره الله تعالى ذلك من فعله فأماته أيضا فأمرها يهوذا باللحاق ببيت أبيها إلى أن يكبر ولده شبلا ويتم عقله حذرا من أن يصيبه ما أصاب أخويه فأقامت في بيت أبيها ثم ماتت من بعد زوجة يهوذا وصعد إلى منزل [ يقال له تمناث ] ليحرس غنمه فلما أخبرت المرأة تامار بإصعاد حموها إلى المنزل لبست زي الزواني وجلست في مستشرف على طريقه لعلمها بشبقه فلما مر بها خالها زانية فراودها فطالبته بالأجرة فوعدها بجدى ورهن عندها عصاه وخاتمه ودخل بها فعلقت منه فلما أخبر يهوذا أن كنته علقت من الزنا أذن بإحراقها فبعثت إليه بخاتمه وعصاه فقالت: من رب هذين أنا حامل فقال: صدقت ومني ذلك واعتذر بأنه لم يعرفها ولم يستحل معاودتها ولا تسليمها إلى ولده وعلقت من هذا الزنا بفارص قالوا: ومن ولدها داود النبي
    ففي ذلك من نسبتهم الزنا والكفر إلى بيت النبوة ما يقارب ما نسبوه إلى لوط عليه السلام
    وهذا كله عندهم وفي نص كتابهم وهم يجعلون هذا نسبا لداود وسليمان عليهما السلام ولمسيحهم المنتظر ومن العجب: أنهم يجعلون المسلمين أولاد زنا ويسمونهم ممزيريم واحدهم ممزير وهو اسم لولد الزنا لأن شرعهم أن الزوج إذا راجع زوجته بعد أن نكحت زوجا غيره فأولادهما أولاد زنا وزعموا أن ما جاءت به شريعة الإسلام من ذلك هو من موضوعات عبد الله بن سلام قصد به أن يجعل أولاد المسلمين ممزيريم بزعمهم
    قالوا: وكان محمد قد رأى أحلاما تدل على أنه صاحب دولة فسافر إلى الشام في تجارة لخديجة واجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه فعلموا أنه صاحب دولة فأصحبوه عبد الله بن سلام فقرأ عليه علوم التوراة وفقهها مدة ونسبوا الفصاحة والإعجاز اللذين في القرآن إلى عبد الله بن سلام وأن من جملة ما دبره عبد الله بن سلام: أن الزوجة لا تحل للمطلق ثلاثا إلا بعد أن ينكحها رجل آخر ليجعل أولاد المسلمين ممزيريم أولاد زنا
    ولا ريب أن مثل هذا البهت يروج على كثير من حميرهم
    وقد خلق الله تعالى لكل باطل وبهت حملة كما جعل للحق حملة وليس وراء هذا البهت بهت
    وليس بمستنكر من أمة قدحت في معبودها وإلهها ونسبته إلى ما لا يليق بعظمته وجلاله ونسبت أنبياءه إلى ما لا يليق بهم ورمتهم بالعظائم: أن ينسبوا محمدا صلى الله عليه وسلم وبجل وكرم وعظم إلى ذلك وعداوته لهم وملاحمه فيهم وإجلاؤه لهم من ديارهم وأموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم: معلوم غير مجهول
    وقد نسبت هذه الأمة الغضبية عيسى ابن مريم إلى أنه ساحر ولد بغية ونسبت أمه إلى الفجور
    ونسبت لوطا إلى أنه وطىء ابنتيه وأولدهما وهو سكران من الخمر
    ونسبوا سليمان عليه السلام إلى أنه كان ملكا ساحرا وكان أبوه عندهم ملكا مسيحا
    ونسبوا يوسف عليه السلام إلى أنه حل تكة سراويله وتكة سراويل سيدته وأنه قعد منها مقعد الرجل من امرأته وأن الحائط انشق له فرأى أباه يعقوب عليه السلام عاضا على أنامله فلم يقم حتى نزل جبريل عليه السلام فقال: يا يوسف تكون من الزناة وأنت معدود عند الله تعالى من الأنبياء فقام حينئذ
    ومعلوم أن ترك الفاحشة عن هذا لا مدح فيه فإن أفسق الناس لو رأى هذا لولى هاربا وترك الفاحشة
    ومنهم من يزعم أن المسيح كان من العلماء وأنه كان يداوى المرضى بالأدوية ويوهمهم أن الانتفاع إنما حصل لهم بدعائهم وأنه داوى جماعة من المرضى في يوم السبت فأنكرت عليه اليهود ذلك فقال لهم: أخبروني عن الشاة من الغنم إن وقعت في بئر أما تنزلون إليها وتحلون السبت لتخليصها قالوا: بلى قال: فلم أحللتم السبت لتخليص الغنم ولا تحلونه لتخليص الإنسان الذي هو أكبر حرمة من الغنم فأفحموا
    ويحكون أيضا عنه: أنه مشى مع قوم من تلاميذه في جبل ولم يحضرهم الطعام فأذن لهم في تناول الحشيش يوم السبت فأنكرت عليه اليهود قطع الحشيش في يوم السبت فقال لهم: أرأيتم لو أن أحدكم كان وحيدا مع قوم على غير ملته وأمروه بقطع النبات وإلقائه لدوابهم لا يقصدون بذلك إبطال السبت ألستم تجيزون له قطع النبات قالوا: بلى قال: فإن هؤلاء القوم أمرتهم بقطع النبات ليأكلوه وليتغذوا به لا لقطع السبت


  • #130
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ومن العجب: أن عندهم في التوراة التي بأيديهم: لا يزول الملك من آل يهوذا والراسم من بين ظهرانيهم إلى أن يأتي المسيح وهم لا يقدرون أن يجحدوا ذلك
    فيقال لهم: إنكم كنتم أصحاب دولة حتى ظهر المسيح ثم انقضى ملككم ولم يبق لكم اليوم ملك وهذا برهان على أن المسيح قد أرسل
    ومن حين بعث المسيح وكفروا به وطلبوا قتله استولت ملوك الروم على اليهود وبيت المقدس وانقضت دولتهم وتفرق شملهم
    فيقال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم
    فيقولون: إنه ولد يوسف النجار لغية لا لرشدة وقد كان عرف اسم الله الأعظم يسخر به كثيرا من الأشياء
    وعند هذه الأمة الغضبية أيضا: أن الله تعالى كان قد أطلع موسى عليه السلام على الاسم المركب من اثنين وأربعين حرفا وبه شق البحر وعمل المعجزات فيقال لهم: فإذا كان موسى قد عمل المعجزات باسم الله فلم صدقتم نبوته وأقررتم بها وجحدتم نبوة عيسى وقد عمل المعجزات بالاسم الأعظم
    فأجاب بعضهم عن الإلزام: بأن الله سبحانه وتعالى علم موسى ذلك الاسم فعلمه بالوحي وعيسى إنما تعلم من حيطان بيت المقدس
    وهذا هو اللائق ببهتهم وكذبهم على الله تعالى وأنبيائه وهو يسد عليهم العلو بنبوة موسى لأن كلا الرسولين اشتركا في المعجزات والآيات الظاهرة التي لا يقدر أحد أن يأتي بمثلها فإن كان أحدهما قد تعلمها بحيلة أو بعلم فالآخر يمكن ذلك في حقه وقد أخبرا جميعا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أجرى ذلك على أيديهما وأنه ليس من صنعهما فتكذيب أحدهما وتصديق الآخر تفريق بين المتماثلين
    وأيضا فإنه لا دليل لهم على أن موسى تلقى تلك المعجزات عن الله تعالى إلا وهو يدل على أن عيسى عليه السلام تلقاها أيضا عن الله تعالى فإن أمكن القدح في معجزات عيسى أمكن القدح في معجزات موسى عليه السلام وإن كان ذلك باطلا فهذا أيضا باطل
    وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين مع بعد العهد وتشتت شمل أمتيهما في الأرض وانقطاع معجزاتهما فما الظن بنبوة من معجزاته وآياته تزيد على الألف والعهد بها قريب وناقلوها أصدق الخلق وأبرهم ونقلها ثابت بالتواتر قرنا بعد قرن وأعظمها معجزة كتاب باق غض طري لم يتغير ولم يتبدل منه شيء بل كأنه منزل الآن وهو القرآن العظيم وما أخبر به يقع كل وقت على الوجه الذي أخبر به كأنه كان يشاهده عيانا
    فصل

    ولا يمكن ألبتة أن يؤمن يهودي بنبوة موسى عليه السلام إن لم يؤمن بنبوة محمد ولا يمكن نصرانيا أن يقر بنبوة المسيح إلا بعد إقراره بنبوة محمد
    وبيان ذلك: أن يقال لهاتين الأمتين:
    أنتم لم تشاهدوا هذين الرسولين ولا شاهدتم آياتهما وبراهين نبوتهما فكيف يسع العاقل أن يكذب نبيا ذا دعوة سابقة وكلمة قائمة وآيات باهرة ويصدق من ليس مثله ولا قريبا منه في ذلك لأنه لم ير أحد النبيين ولا شاهد معجزاته فإذا كذب بنبوة أحدهما لزمه التكذيب بنبوتهما وإن صدق بأحدهما لزمه التصديق بنبوتهما فمن كفر بنبي واحد فقد كفر بالأنبياء كلهم ولم ينفعه إيمانه به قال الله تعالى: إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما وقال تعالى: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلك آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله فنقول للمغضوب عليه: هل رأيت موسى وعاينت معجزاته فبالضرورة يقول: لا فنقول له: بأي شيء عرفت نبوته وصدقه فله جوابان: أحدهما: أن يقول: أبي عرفني ذلك وأخبرنى به
    والثاني: أن يقول: التواتر وشهادات الأمم حقق ذلك عندي كما حققت شهادتهم وجود البلاد النائية والبحار والأنهار المعروفة وإن لم أشاهدها ! فإن اختار الجواب الأول وقال: إن شهادة أبي وإخباره إياى بنبوة موسى هي سبب تصديقى بنبوته
    قلنا له: ولم كان أبوك عندك صادقا في ذلك معصوما عن الكذب وأنت ترى الكفار يعلمهم آباؤهم ما هو كفر عندك فإذا كنت ترى الأديان الباطلة والمذاهب الفاسدة قد أخذها أربابها عن آبائهم كأخذك مذهبك عن أبيك وأنت تعلم أن الذي هم عليه ضلال فلزمك أن تبحث عما أخذته عن أبيك خوفا أن تكون هذه حاله
    فإن قال: إن الذي أخذته عن أبي أصح من الذي أخذه الناس عن آبائهم كفاه معارضة غيره له بمثل قوله
    فإن قال: أبي أصدق من آبائهم وأعرف وأفضل عارضه سائر الناس في آبائهم بنظير ذلك فإن قال: أنا أعرف حال أبي ولا أعرف حال غيره قيل له: فما يؤمنك أن يكون غير أبيك أصدق من أبيك وأفضل وأعرف وبكل حال: فإن كان تقليد أبيه حجة صحيحة كان تقليد غيره لأبيه كذلك وإن كان ذلك باطلا كان تقليده لأبيه باطلا
    فإن رجع عن هذا الجواب واختار الجواب الثاني وقال: إنما علمت نبوة موسى بالتواتر قرنا بعد قرن فإنهم أخبروا بظهوره وبمعجزاته وآياته وبراهين نبوته التي تضطرني إلى تصديقه
    فيقال له: لا ينفعك هذا الجواب لأنك قد أبطلت ما شهد به التواتر من نبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام
    فإن قلت: تواتر ظهور موسى ومعجزاته وآياته ولم يتواتر ذلك في المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام قيل لك هذا هو اللائق ببهت الأمة الغضبية فإن الأمم جميعهم قد عرفوا أنهم قوم بهت وإلا فمن المعلوم أن الناقلين لمعجزات المسيح ومحمد أضعاف أضعافكم بكثير والمعجزات التي شاهدها أوائلهم لا تنقص عن المعجزات التي أتى بها موسى عليه السلام وقد نقلها عنهم أهل التواتر جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن وأنت لا تقبل خبر التواتر في ذلك وترد ه فيلزمك أن لا تقربه في أمر موسى عليه السلام
    ومن المعلوم بالضرورة: أن من أثبت شيئا ونفى نظيره فقد تناقض وإذا اشتهر النبي في عصر وصحت نبوته في ذلك العصر بالآيات التي ظهرت عليه لأهل عصره ووصل خبره إلى أهل عصر آخر وجب عليهم تصديقه والإيمان به وموسى ومحمد والمسيح في هذا سواء ولعل تواتر الشهادات بنبوة موسى أضعف من تواتر الشهادات بنبوة عيسى ومحمد لأن الأمة الغضبية قد مزقها الله تعالى كل ممزق وقطعها في الأرض وسلبها ملكها وعزها فلا عيش لها إلا تحت قهر سواها من الأمم لها بخلاف أمة عيسى عليه السلام فإنها قد انتشرت في الأرض وفيهم الملوك ولهم الممالك وأما الحنفاء فممالكهم قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها وملأوا الدنيا سهلا وجبلا فكيف يكون نقلهم لما نقلوه كذبا ونقل الأمة الغضبية الخاملة القليلة الزائلة صدقا !
    فثبت أنه لا يمكن يهوديا على وجه الأرض أن يصدق بنبوة موسى عليه السلام إلا بتصديقه وإقراره بنبوة محمد ولا يمكن نصرانيا ألبتة الإيمان بالمسيح عليه السلام إلا بعد الإيمان بمحمد
    ولا ينفع هاتين الأمتين شهادة المسلمين بنبوة موسى والمسيح لأنهم آمنوا بهما على يد محمد وكان إيمانهم بهما من الإيمان بمحمد وبما جاء به فلولاه ما عرفنا نبوتهما ولا آمنا بهما
    ولا سيما فإن أمة الغضب والضلال ليس بأيديهم عن أنبيائهم ما يوجب الإيمان بهم فلولا القرآن ومحمد ما عرفنا شيئا من آيات الأنبياء المتقدمين فمحمد وكتابه هو الذي قرر نبوة موسى ونبوة المسيح لا اليهود ولا النصارى بل كان نفس ظهوره ومجيئه تصديقا لنبوتهما فإنهما أخبرا بظهوره وبشرا به قبل ظهوره فلما بعث كان بعثه تصديقا لهما وهذا أحد المعنيين في قوله تعالى ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين أي مجيئه تصديق لهم من جهتين: من جهة إخبارهم بمجيئه ومبعثه ومن جهة إخباره بمثل ما أخبروه به ومطابقة ما جاءو به لما جاؤا به فإن الرسول الأول إذا أتى بأمر لا يعلم إلا بالوحي ثم جاء نبي آخر لم يقارنه في الزمان ولا في المكان ولا تلقى عنه ما جاء به وأخبر بمثل ما أخبر به سواء دل ذلك على صدق الرسولين الأول والآخر وكان ذلك بمنزلة رجلين أخبر أحدهما بخبر عن عيان ثم جاء آخر من غير بلده وناحيته بحيث يعلم أنه لم يجتمع به ولا تلقى عنه ولا عمن تلقى عنه فأخبر بمثل ما أخبر به الأول سواء فإنه يضطر السامع إلى تصديق الأول والثاني والمعنى الثاني: أنه لم يأت مكذبا لمن قبله من الأنبياء مزريا عليهم كما يفعل الملوك المتغلبون على الناس بمن تقدمهم من الملوك بل جاء مصدقا لهم شاهدا بنبوتهم ولو كان كاذبا متقولا منشئا من عنده سياسة لم يصدق من قبله بل كان يزري بهم ويطعن عليهم كما يفعل أعداء الأنبياء


  • #131
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فصل

    وقد اختلفت أقوال الناس في التوراة التي بأيديهم: هل هي مبدلة أم التبديل والتحريف وقع في التأويل دون التنزيل على ثلاثة أقوال: طرفين ووسط
    فأفرطت طائفة وزعمت أنها كلها أو أكثرها مبدلة مغيرة ليست التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام وتعرض هؤلاء لتناقضها وتكذيب بعضها لبعض وغلا بعضهم فجوز الاستجمار بها من البول
    وقابلهم طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام فقالوا: بل التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل
    وهذا مذهب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري
    قال في صحيحه يحرفون: يزيلون وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى ولكنهم يحرفونه: يتأولونه على غير تأويله
    وهذا اختيار الرازي في تفسيره
    وسمعت شيخنا يقول: وقع النزاع في هذه المسألة بين بعض الفضلاء فاختار هذا المذهب ووهن غيره فأنكر عليه فأحضر لهم خمسة عشر نقلا به
    ومن حجة هؤلاء: أن التوراة قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها وانتشرت جنوبا وشمالا ولا يعلم عدد نسخها إلا الله تعالى ومن الممتنع أن يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ بحيث لا يبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة مغيرة والتغيير على منهاج واحد وهذا مما يحيله العقل ويشهد ببطلانه
    قالوا: وقد قال الله تعالى لنبيه محتجا على اليهود بها: قل فائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين قالوا: وقد اتفقوا على ترك فريضة الرجم ولم يمكنهم تغييرها من التوراة ولهذا لما قرؤها على النبي وضع القارىء يده على آية الرجم فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك عن آية الرجم فرفعها فإذا هي تلوح تحتها فلو كانوا قد بدلوا ألفاظ التوراة لكان هذا من أهم ما يبدلونه قالوا: وكذلك صفات النبي ومخرجه هو في التوراة بين جدا ولم يمكنهم إزالته وتغييره: وإنما ذمهم الله تعالى بكتمانهم وكانوا إذا احتج عليهم بما في التوراة من نعمته وصفته يقولون: ليس هو ونحن ننتظره
    قالوا: وقد روى أبو داود في سننه عن ابن عمر قال: أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله إلى القف فأتاهم في بيت المدراس فقالوا: يا أبا القاسم إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم فوضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها ثم قال: ائتوني بالتوراة فأتي بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال: ائتوني بأعلمكم فأتي بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم
    قالوا: فلو كانت مبدلة مغيرة لم يضعها على الوسادة ولم يقل: آمنت بك وبمن أنزلك قالوا: وقد قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} والتوراة من كلماته
    قالوا: والآثار التي في كتمان اليهود صفة رسول الله في التوراة ومنعهم أولادهم وعوامهم الاطلاع عليها مشهورة ومن اطلع عليها منهم قالوا له: ليس به فهذا بعض ما احتجت به هذه الفرقة
    وتوسطت طائفة ثالثة وقالوا: قد زيد فيها وغير ألفاظ يسيرة ولكن أكثرها باق على ما أنزل عليه والتبديل في يسير منها جدا وممن اختار هذا القول شيخنا في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح
    قال: وهذا كما في التوراة عندهم: أن الله سبحانه وتعالى قال لإبراهيم عليه السلام: اذبح ولدك بكرك ووحيدك إسحق، فإسحق زيادة منهم في لفظ التوراة قلت: وهي باطلة قطعا من عشرة أوجه
    أحدها: أن بكره ووحيده هو إسماعيل باتفاق الملل الثلاث فالجمع بين كونه مأمورا بذبح بكره وتعيينه بإسحق جمع بين النقيضين
    الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أمر إبراهيم أن ينقل هاجر وابنها إسماعيل عن سارة ويسكنها في برية مكة لئلا تغير سارة فأمر بابعاد السرية وولدها عنها حفظا لقلبها ودفعا لأذى الغيرة عنها فكيف يأمر الله سبحانه وتعالى بعد هذا بذبح ابن سارة وإبقاء ابن السرية فهذا مما لا تقتضيه الحكمة
    الثالث: أن قصة الذبح كانت بمكة قطعا ولهذا جعل الله تعالى ذبح الهدايا والقرابين بمكة تذكيرا للأمة بما كان من قصة أبيهم إبراهيم مع ولده.
    الرابع: أن الله سبحانه بشر سارة أم إسحق بإسحق ومن وراء إسحاق يعقوب فبشرها بهما جميعا فكيف يأمر بعد ذلك بذبح إسحق وقد بشر أبويه بولد ولده
    الخامس: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قصة الذبيح وتسليمه نفسه لله تعالى وإقدام إبراهيم على ذبحه وفرغ من قصته قال بعدها: {وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين} فشكر الله تعالى له استسلامه لأمره وبذل ولده له وجعل من إثابته على ذلك: أن آتاه إسحق فنجى إسماعيل من الذبح وزاده عليه إسحق.
    السادس: أن إبراهيم صلوات الله تعالى وسلامه عليه سأل ربه الولد فأجاب الله دعاءه وبشره فلما بلغ معه السعي أمره بذبحه قال تعالى: {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم}.
    فهذا دليل على أن هذا الولد إنما بشر به بعد دعائه وسؤاله ربه أن يهب له ولدا وهذا المبشر به هو المأمور بذبحه قطعا بنص القرآن وأما إسحق فإنما بشر به من غير دعوة منه بل على كبر السن وكون مثله لا يولد له وإنما كانت البشارة به لامرأته سارة ولهذا تعجبت من حصول الولد منها ومنه قال تعالى: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله}
    فتأمل سياق هذه البشارة وتلك تجدهما بشارتين متفاوتتين مخرج إحداهما غير مخرج الأخرى
    والبشارة الأولى كانت له والثانية كانت لها
    والبشارة الأولى هي التي أمر بذبح من بشر فيها دون الثانية السابع: أن إبراهيم عليه السلام لم يقدم بإسحاق إلى مكة البتة ولم يفرق بينه وبين أمه وكيف يأمره الله تعالى أن يذهب بابن امرأته فيذبحه بموضع ضرتها في بلدها ويدع ابن ضرتها
    الثامن: أن الله تعالى لما اتخذ ابراهيم خليلا والخلة تتضمن أن يكون قلبه كله متعلقا بربه ليس في شعبة لغيره فلما سأله الولد وهبه اسماعيل فتعلق به شعبة من قلبه فأراد خليله سبحانه أن تكون تلك الشعبة له ليست لغيره من الخلق فامتحنه بذبح ولده فلما أقدم على الامتثال خلصت له تلك الخلة وتمحضت لله وحده فنسخ الأمر بالذبح لحصول المقصود وهو العزم وتوطين النفس على الامتثال
    ومن المعلوم: أن هذا إنما يكون في أول الأولاد لا في آخرها فلما حصل هذا المقصود من الولد الأول لم يحتج في الولد الآخر إلى مثله فإنه لو زاحمت محبة الولد الآخر الخلة لأمر بذبحه كما أمر بذبح الأول فلو كان المأمور بذبحه هو الولد الآخر لكان قد أقره في الأول على مزاحمة الخلة به مدة طويلة ثم أمره بما يزيل المزاحم بعد ذلك وهذا خلاف مقتضى الحكمة فتأمله
    التاسع: أن إبراهيم عليه السلام إنما رزق إسحاق عليه السلام على الكبر وإسماعيل عليه السلام رزقه في عنفوانه وقوته والعادة أن القلب أعلق بأول الأولاد وهو إليه أميل وله أحب بخلاف من يرزقه على الكبر ومحل الولد بعد الكبر كمحل الشهوة للمرأة
    العاشر: أن النبي كان يفتخر بقوله: أنا ابن الذبيحين يعني أباه عبد الله وجده إسماعيل
    والمقصود: أن هذه اللفظة مما زادوها في التوراة
    ونحن نذكر السبب الموجب لتغيير ما غير منها والحق أحق ما اتبع فلا نغلو غلو المستهينين بها المتمسخرين بها بل معاذ الله من ذلك، ولا نقول: إنها باقية كما أنزلت من كل وجه كالقرآن
    فنقول وبالله التوفيق:
    علماء اليهود وأحبارهم يعتقدون أن هذه التوراة التي بأيديهم ليست هي التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران بعينها لأن موسى عليه السلام صان التوراة عن بني إسرائيل خوفا من اختلافهم من بعده في تأويلها المؤدي إلى تفرقهم أحزابا وإنما سلمها إلى عشيرته أولاد لاوي
    ودليل ذلك قوله في التوراة وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى بني إسرائيل إلى الأئمة من بني لاوي وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم لأن الإمامة وخدمة القرابين وبيت المقدس كانت موقوفة عليهم ولم يبذل موسى عليه السلام من التوراة لبني إسرائيل إلا نصف سورة وهي التي قال فيها: وكتب موسى هذه السورة وعلمها بني إسرائيل
    هذا نص التوراة عندهم قال: وتكون لي هذه السورة شاهدة على بني إسرائيل وفيها: قال الله تعالى: إن هذه السورة لا تنسى من أفواه أولادهم
    يعني أن هذه السورة مشتملة على ذم طبائعهم وأنهم سيخالفون شرائع التوراة وأن السخط يأتيهم بعد ذلك وتخرب ديارهم ويسبون في البلاد فهذه السورة تكون متداولة في أفواهم كالشاهد عليهم الموقف لهم على صحة ما قيل لهم
    فلما نصت التوراة أن هذه السورة لا تنسى من أفواه أولادهم دل ذلك على أن غيرها من السور ليس كذلك وأنه يجوز أن ينسى من أفواههم
    وهذا يدل على أن موسى عليه السلام لم يعط بني إسرائيل من التوراة إلا هذه السورة فأما بقيتها فدفعها إلى أولاد هارون وجعلها فيهم وصانها عمن سواهم وهؤلاء الأئمة الهارونيون الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها قتلهم بختنصر على دم واحد يوم فتح بيت المقدس ولم يكن حفظ التوراة فرضا عليهم ولا سنة بل كان كل واحد من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة فلما رأى عزرا أن القوم قد أحرق هيكلهم وزالت دولتهم وتفرق جمعهم ورفع كتابهم جمع من محفوظاته ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما اجتمعت منه هذه التوراة التي بأيديهم ولذلك بالغوا في تعظيم عزرا هذا غاية المبالغة
    فزعموا أن النور الآن يظهر على قبره وهو عند بطائح العراق لأنه جمع لهم ما يحفظ دينهم
    وغلا بعضهم فيه حتى قال: هو ابن الله ولذلك نسب الله تعالى ذلك إلى اليهود إلى جنسهم لا إلى كل واحد منهم
    فهذه التوراة التي بأيديهم في الحقيقة كتاب عزرا وفيها كثير من التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى ثم تداولتها أمة قد مزقها الله تعالى كل ممزق وشتت شملها فلحقها ثلاثة أمور
    أحدها: بعض الزيادة والنقصان
    الثاني: اختلاف الترجمة
    الثالث: اختلاف التأويل والتفسير
    ونحن نذكر من ذلك أمثلة تبين حقيقة الحال
    المثال الأول: ما تقدم من قوله ولحم فريسة في الصحراء لا تأكلوه وللكلب ألقوه
    وتقدم بيان تحريفهم هذا النص وحمله على غير محمله المثال الثاني قوله في التوراة نبيا أقيم لهم من وسط إخوتهم مثلك به فليؤمنوا فحرفوا تأويله إذ لم يمكنهم أن يبدلوا تنزيله وقالوا: هذه بشارة بني من بني إسرائيل وهذا باطل من وجوه
    أحدها: أنه لو أراد ذلك لقال: من أنفسهم كما قال في حق محمد لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم وقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} ولم يقل: من إخوتكم
    الثاني: أن المعهود في التوراة: أن إخوتهم غير بني إسرائيل ففي الجزء الأول من السفر الخامس قوله: أنتم عابرون في تخوم إخوتكم بني العيص المقيمين في سيعير إياكم أن تطمعوا في شيء من أرضهم
    فإذا كان بنو العيص إخوة لبني إسرائيل لأن العيص وإسرائيل ولدا إسحاق والروم هم بنو العيص واليهود هم بنو إسرائيل وهم إخوتهم فكذلك بنو إسماعيل إخوة لجميع ولد إبراهيم
    الثالث: أن هذه البشارة لو كانت بشمويل أو غيره من بني إسرائيل لم يصح أن يقال: بنو إسرائيل إخوة بني إسرائيل وإنما المفهوم من هذا أن بني إسماعيل أو بني العيص هم إخوة بني إسرائيل
    الرابع: أنه قال: سأقيم لهم نبيا مثلك وفي موضع آخر: أنزل عليه توراة مثل توراة موسى


  • #132
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ومعلوم أن شمويل وغيره من أنبياء بني إسرائيل لم يكن فيهم مثل موسى لا سيما وفي التوراة لا يقوم في بني إسرائيل مثل موسى وأيضا فليس في بني إسرائيل من أنزل عليه توراة مثل توراة موسى إلا محمد والمسيح عليهم الصلاة والسلام والمسيح كان من أنفس بني إسرائيل لا من إخوتهم بخلاف محمد فإنه من إخوتهم بني إسماعيل
    وأيضا فإن في بعض ألفاظ هذا النص كلكم له تسمعون وشموئيل لم يأت بزيادة ولا بنسخ لأنه إنما أرسل ليقوي أيديهم على أهل فلسطين وليردهم إلى شرع التوراة فلم يأت بشريعة جديدة ولا كتاب جديد وإنما حكمه حكم سائر الأنبياء من بني إسرائيل فإنهم كانوا يسوسهم الأنبياء كلما مات نبي قام فيهم نبي فإن كانت هذه البشارة لشمويل فهي بشارة بسائر الأنبياء الذي بعثوا فيهم ويكونون كلهم مثل موسى عليه السلام وكلهم قد أنزل عليهم كتاب مثل كتاب موسى عليه السلام
    المثال الثالث: قوله في التوراة جاء الله تعالى من طور سيناء وأشرق نوره من سيعير واستعلن من جبال فاران ومعه ربوات المقدسين
    وهم يعلمون أن جبل سيعير هو جبل السراة الذي يسكنه بنو العيص الذين آمنوا بعيسى ويعلمون أن في هذا الجبل كان مقام المسيح ويعلمون أن سيناء هو جبل الطور
    وأما جبال فاران فهم يحملونها على جبال الشأم وهذا من بهتهم وتحريف التأويل
    فإن جبال فاران هي جبال مكة وفاران اسم من أسماء مكة وقد دل على هذا نص التوراة: أن إسماعيل لما فارق أباه سكن برية فاران وهي جبال مكة ولفظ التوراة أن إسماعيل أقام في برية فاران وأنكحته أمه امرأة من أرض مصر
    فثبت بنص التوراة أن جبال فاران مسكن لولد إسماعيل وإذا كانت التوراة قد أشارت إلى نبوة تنزل على جبال فاران لزم أنها تنزل على ولد إسماعيل لأنهم سكانها
    ومن المعلوم بالضرورة أنها لم تنزل على غير محمد من ولد إسماعيل عليه السلام
    وهذا من أظهر الأمور بحمد الله تعالى
    فصل

    ومما يدل على غلظ أفهام هذه الأمة الغضبية وقلة فقههم وفساد رأيهم وعقولهم كما في التوراة أنهم شعب عادم الرأي فليس فيهم فطانة: أنهم سمعوا في التوراة يكون ثمار أرضك تحمل إلى بيت الله ربك ولا ينضج الجدي بلبن أمه
    والمراد بذلك: أنهم أمروا عقيب افتراض الحج إلى بيت المقدس عليهم: أن يستصحبوا معهم إذا حجوا أبكار أغنامهم وأبكار مستغلات أرضهم لأنه كان فرض عليهم قبل ذلك أن تبقى سخولة الغنم والبقر وراء أمها سبعة أيام وفي اليوم الثامن فصاعدا يصلح أن تكون قربانا فأشار في هذا النص بقوله: لا ينضج الجدى بلبن أمه إلى أنهم لا يبالغون في إطالة مكث باكور أولاد البقر والغنم وراء أمها بل يستصحبون أبكارهم اللاتي قد عبرت سبعة أيام منذ ميلادهن معهم إذا حجوا إلى بيت المقدس ليتخذوا منها القرابين
    فتوهم المشايخ البله أن الشرع يريد بالإنضاج إنضاج الطبيخ في القدر وأنهم نهوا أن يطبخوا لحم الجدي باللبن ولم يكفهم هذا الغلط في تفسير هذه اللفظة حتى حرموا أكل سائر اللحمان باللبن فألغوا لفظ الجدى وألغوا لفظ أمه وحملوا النص مالا يحتمله وإذا أراد أن يأكلوا اللحم واللبن أكلوا كلا منهما على حدة والأمر في هذا ونحوه قريب
    فصل

    ولا يستبعد اصطلاح كافة هذه الأمة على المحال واتفاقهم على أنواع الضلال
    فإن الدولة إذا انقرضت عن أمة باستيلاء غيرها عليها وأخذها انطمست معالم دينها واندرست آثارها فإن الدولة إنما يكون زوالها بتتابع الغارات والمصافات وإخراب البلاد وإحراقها ولا تزال هذه الأمور متواترة عليها إلى أن يعود علمها جهلا وعزها ذلا وكثرتها قلة
    وكلما كانت الأمة أقدم واختلفت عليها الدول المتناولة لها بالذل والصغار كان حظها من اندراس معالم دينها وآثارها أوفر
    وهذه الأمة أوفر الأمم حظا من هذا الأمر لأنها من أقدم الأمم ولكثرة الأمم التي استولت عليها: من الكلدانيين والبابليين والفرس واليونان والنصارى وآخر ذلك المسلمون وما من هذه الأمم إلا من طلب استئصالهم وبالغ في إحراق بلادهم وكتبهم وقطع آثارهم إلا المسلمين فإنهم أعدل الأمم فيهم وفي غيرهم حفظا لوصية الله تعالى بهم حيث قال: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ويقول: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنآن قم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى وصادف الإسلام هذه الأمة تحت ذمة الفرس وذمة النصارى بحيث لم يبق لهم مدينة ولا جيش
    وأعز ما صادفه الإسلام من هذه الأمة يهود خيبر والمدينة وما جاورها
    فإنهم إنما قصدوا تلك الناحية لما كانوا وعدوا به من ظهور رسول الله وكانوا يقاتلون المشركين من العرب فيستنصرون عليهم بالإيمان برسول الله قبل ظهوره ويعدونهم بأنه سيخرج نبي نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما بعث الله تعالى نبيه سبقهم إليه من كانوا يحاربونهم من العرب فحملهم الحسد والبغي على الكفر به وتكذيبه
    وأشد ما على هذه الأمة الغضبية من ذلك ما نالهم من ملوك العصاة وغيرهم من ملوك الإسرائيليين الذين قتلوا الأنبياء وبالغوا في تطلبهم وعبدوا الأصنام وأحضروا من البلاد سدنتها ليعلموا رسومها في العبادة وبنوا لها البيع والهياكل وعكفوا على عبادتها وتركوا أحكام التوراة أعصارا متصلة
    فإذا كان هذا تواتر الآفات على دينهم من قبل ملوكهم ومن قبل أنفسهم فما الظن بالآفات التي نالتهم من غير ملوكهم وقتلهم أئمتهم وإحراقهم كتبهم ومنعهم من القيام بدينهم
    فإن الفرس كثيرا ما منعوهم عن الختان وكثيرا ما منعوهم من الصلاة لمعرفتهم بأن معظم صلاة هذه الطائفة دعاء على الأمم بالبوار وعلى العالم بالخراب [ سوى بلادهم التي هي أرض كنعان ]
    فلما رأت هذه الأمة الجد من الفرس في منعهم من الصلاة اخترعوا أدية [ زعموا أنها فصول من صلاتهم ] سموها الحزانة وصاغوا لها ألحانا عديدة وصاروا يجتمعون في أوقات صلاتهم على تلحينها وتلاوتها وسموا القائم بها الحزان
    والفرق بينها وبين الصلاة: أن الصلاة بغير لحن والمصلي يتلو الصلاة وحده ولا يجهر معه غيره والحزان يشاركه غيره في الجهر بالحزانة ويعاونونه في الألحان
    فكانت الفرس إذا أنكرت ذلك منهم قالت اليهود: إنا ننعى أحيانا وننوح على أنفسنا فيتركونهم وذلك
    فلما قام الإسلام وأقرهم على صلاتهم استصحبوا تلك الحزانة ولم يعطلوها فهذه فصول مختصرة في كيد الشيطان وتلاعبه بهذه الأمة يعرف بها المسلم الحنيف قدر نعمة الله تعالى تعالى عليه وما من به عليه من نعمة العلم والإيمان ويهتدي بها من أراد الله تعالى هدايته من طالبي الحق من هذه الأمة
    ومن الله التوفيق والإرشاد إلى سواء الطريق والحمد لله رب العالمين

  • صفحة 33 من 33 الأولىالأولى ... 23313233

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. حوار مع الشيطان
      بواسطة king-of-nothing في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 08-03-2010, 11:35 PM
    2. الشيطان
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 07-19-2010, 06:06 PM
    3. كن مثل الشيطان
      بواسطة nano في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 07-11-2010, 10:47 PM
    4. الكبرياء خلة الشيطان
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 02:25 AM
    5. الشيطان المثقف !!!
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 05-01-2010, 11:30 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1