اقتصاديا. ويعد تصدير هذه النفايات الى الدول النامية هو احد الطرق التي انتهجتها الدول المتقدمة في التعامل مع هذه المشكلة المكلفة داخليا.
وازدادت في الآونة الأخيرة موجات النفايات الإلكترونية المسماة تجارة النفايات بما تحتويه من مكونات سامة إلى دول جنوب آسيا وسيظل هذا الأمر طالما العالم يحكم بوحشية القوة الاقتصادية وطالما لا توجد ضوابط لهذه الممارسة. وستظل وجهة هذه النفايات هي الدول الفقيرة تحت غطاء إعادة التصنيع.
ونتيجة الجهود المتواصلة في مواجهة حرية الاتجار بالنفايات الالكترونية السامة كان الخروج بمعاهدة (باسيل) عام1989م. ولهذا السبب ايضا تم الاتفاق عام 1994م على ان تتبنى معاهدة (باسيل)التحريم التام لتصدير جميع انواع النفايات السامة من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة أيا كان السبب.
أسباب الحظر
أهم الأسباب التي أدت إلى منع الاتجار في النفايات السامة هي: تعتبر تجارة النفايات السامة غير عادلة كونها تستهدف الشريحة الفقيرة. وترهقهم ببيئتها السيئة. كما يكون الأمر أسوأ عندما يكون نصيب الضحية هزيلا من الفوائد والدوافع.
تجارة النفايات السامة تسمح لمسببي هذه الكارثة من ايجاد مخرج خارجي لما ارتكبوه من جرم. وطالما كان هناك مخرج رخيص التكلفة لمشكلة هذه النفايات متمثلة في المجتمعات الفقيرة لن تسعى مصادر هذه النفايات إلى تقليل الحجم والكمية.
من الصعب اجتناب الأثر السام لاعادة تصنيع النفايات الضارة مهما كانت درجة التطور التي تتمتع بها قطاعات إعادة التصنيع. فهو عمل ملوث حتى في أحسن حالاته. والهدف الأساسي هو تقليل مصادر هذه النفايات وليس إعادة تصنيعها. ومن المدهش أن يعلم المستهلك أن قطاعات اعادة صناعة النفايات الالكترونية تنقل كمية نفايات تفوق تلك التي يعاد تصنيعها بقدر كبير.
وتشير التقارير إلى ان 80%من النفايات الالكترونية يتم تصديرها الى الدول الآسيوية ويبلغ نصيب الصين وحدها من هذا المقدار نحو 90%. حيث تصل السفن المحملة بالنفايات الى ميناء «ناهاي» في اقليم غوانغ دونغ بالقرب من هونغ كونغ. والتي يوجد بها أكبر 4 مستودعات نفايات الكترونية في العالم.
أرباح خيالية
ومن المتوقع أن ترتفع نسبة إعادة التصنيع إلى 18% بالعام كما سترتفع نسبة تصدير هذه النفايات بنفس النسبة سنويا. وسيعمل ذلك على ارتفاع نسبة تداول هذه التجارة خاصة انها تحتوي على نسبة لابأس بها من المعادن النفيسة كالذهب والفضة والبلاديوم والبلتونيوم. ويتفق وسطاء هذا النوع من التجارة في الولايات المتحدة على أن تصدير هذه النفايات يعود بارباح تضاعف اعادة تصنيعها محليا فضلا عن قلة المجهود المبذول الذي يتخلل عملية التصدير كونه يحصل على تسهيلات واسعة. ويجني مصدرو النفايات الإلكترونية الثمن ثلاثة مرات.
الأول من المستخدمين والمجلس البلدي كأجر على خدمات نقل النفايات.
والثاني ثمن بيع هذه النفايات للوسطاء.
والثالث وهو الأهم ثمن التخلص من هذا النوع من النفايات من الدولة. وأشارت التقارير التي درست بعض النقاط التي وضعت لاعادة التصنيع الالكتروني داخليا أن تكلفة جمع النفايات واعادة تصنيعها في مركز «سان خوسي» بكالفورنيا تفوق تكلفة تصديرها 10 اضعاف.
ويعلم الامريكان والدول الصناعية الكبرى جيدا أن اعادة تصنيع النفايات الالكترونية مهما بلغت فوائدها المادية تظل مخاطرها الصحية والبيئية تفوق هذه الفوائد. فضلا عن صعوبة استخراج المعادن النفيسة المأمولة عن المكونات الاخرى وتكون عملية الفصل اكثر تكلفة.
تبريرات واهية
ويجب التذكير هنا انه في ظل وجود أسواق رخيصة لاعادة تصنيع النفايات الالكترونية آسيوياً مقارنة بالسوق الامريكي لن تكون هناك خطوات جادة تهدف الى تنظيم هذا النوع من العمل بفرض قيود حازمة من اجل مناخ عملي آمن لسلامة العامل والبيئة.
وقد دار نقاش على مستوى عالمي مع بعض الجهات الأمريكية المسؤولة كشف عن الوجه الحقيقي وراء اصرار الولايات المتحدة على تصدير النفايات.
وكان هدف أمريكا المعلن لم يكن سوى تبرير واه لتصدير هذه النفايات الى الدول النامية هو الارتقاء بمستوى هذه الدول في مجال الصناعة والخدمات.
إلا أن القليل من التساؤل يؤكد هشاشة هذا الادعاء وهي: هل تملك الدول النامية البنية التحتية التي تمكنها من مضاهاة الدول المتقدمة في مجال التقنية؟.
هل تصلح البنية التحتية لحماية حقوق العمال والبيئة في الدول النامية؟. هل توجد بالدول النامية حماية كافية لحقوق المواطن الصحية والبيئية والملكية تؤكد حمايتها من الاضرار؟.
وتوظف الحكومة الأمريكية جميع انظمتها وتقنيتها الحديثة لرصد ملايين تعاملات الاستيراد والتصدير التي تمر عبر حدودها وفقا لنظم التنسيق العالمي التي تضم نحو 8000 فئة منتجة ولكن ليس من بينها واحدة تضم النفايات الالكترونية أو مخلفات حاسب آلي. وظل سيل جريان النفايات الالكترونية في اتجاه واحد وذلك بسبب الصمام القوي المدعوم من قبل القوة الشرائية العكسية.
واشارت الدراسات إلى أن أعداد الحاسبات الآلية التي وجدت طريقها إلى اعادة التصنيع في العام 2002م بالولايات المتحدة بلغ حجمها 75 ،12 مليون جهاز توجهت 2 ،10 مليون منها إلى آسيا أي 85% من اجمالي العدد. والغريب في الأمر ان جهات الاختصاص والحكومة الأمريكية لا تعلم شيئا عن هذه التفاصيل ولم تعر الأمر اهتماماً بأجراء أية دراسة فيما يتعلق بهذا النوع من التجارة والتصدير الضار.
في ديسمبر من عام 2001م أجرت شبكة فعاليات باسيل (ban) تحت غطاء منظمة السلام الأخضر القانوني في الصين وهونغ كونغ تحقيقا للوقوف على مجريات أعمال إعادة تصنيع النفايات الإلكترونية المصدرة إلى الصين. وبعد جولة ميدانية مكثفة دامت ثلاثة أيام أجرى خلالها الباحثون لقاءات وتصوير فوتوغرافي وتصوير فيديو مع أخذ عينات من التربة والمياه بالقرب وفي مناطق الفعاليات بقصد تحليلها. كانت النتيجة مثيرة للاندهاش بالرغم من جهلنا التام بالعدد الفعلي لمراكز معالجة النفايات الإلكترونية بالمنطقة إلا أن ما شاهدناه كان كافيا للتأكد من خطورة هذا العمل فبعد أن يتم الفرز والتقطيع والجمع يقوم العمال وغالبيتهم من القرى المحيطة بمراكز النفايات بحرق ما تبقى.
تصبح الحالة الصحية لهؤلاء العمال يرثى لها فمعظمهم مصاب بأمراض الرئة والكلى والأمراض الجلدية المزمنة نتيجة استنشاقهم اليومي لهذا المناخ الملوث فضلا عن تناول الأكل والمياه في بيئة غير صالحة تماما.
وباء حقيقي
أما الشيء الذي يثير التساؤل حقا هو أن جميع مواقع النفايات الالكترونية تقع في مناطق قروية بسيطة يعيش أهلها في ظروف اقتصادية قاسية. فمثلا نجد غوياو التي كان معظم سكانها يعيشون على زراعة الارز في السابق وكانت من انقى المناطق مناخا أصبحت حاليا ومنذ العام 1995م من اكبر مكبات النفايات في العالم وهذا بفضل السعي الحثيث من قبل الأهالي لبلوغ الحياة المدنية الصناعية ومفارقة حياة الزراعة الفقيرة.
وبالرغم من قصر مدة هذه الفعاليات بتلك المنطقة إلا أن مياه المنطقة أصبحت غير صالحة للشرب تماما وصار أهالي المنطقة يجلبون المياه يوميا بالشاحنات من مدينة «نينجنج» التي تبعد عن «غوياو» نحو 30 كيلومترا.
وقد قدرت السلطات الصينية حجم عمالة لإعادة تصنيع النفايات الالكترونية في «غوياو» وحدها بنحو 00 ،100 شخص يتزايد عددهم يوميا. إلا ان حجم النفايات في تلك المنطقة غير محدد كونه في حركة دائمة. و«غوياو» هي مثال بسيط لكثير من المناطق والقرى الصينية الأخرى الكثيرة التي فقدت
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)