صفحة 4 من 7 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 13 إلى 16 من 27

الموضوع: الأجنحة المتكسرة جبران خليل جبران


  1. #13
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    ولم ينبس أحدنا ببنت شفة في ما بقي من تلك الليلة لأن اللوعة إذا عظمت تصير خرساء فبقينا ساكتين جامدين كعمودي رخام قبرهما الزلزال في التراب، ولم يعد أحدنا يريد أن يسمع الآخر متكلماً لأن خيوط قلبينا قد وهت حتى صار التنهد دون الكلام يقطعها.
    انتصف الليل ونمت رهبة السكوت وطلع القمر ناقصاً من وراء صنين وبان بين النجوم كوجه ميت شاحب غارق في المساند السوداء بين شموع ضئيلة تحيط بنعشه، وظهر لبنان كشيخ لوت ظهره الأعوام وأناخت هيكله الأحزان وهجر أجفانه الرقاد فبات يساهي الدجى ويترقب الفجر كملك مخلوع جالس على رماد عرشه بين خرائب قصره. إن الجبال والأشجار والأنهار تتبدد هيئاتها ومظاهرها بتقلب الحالات والأزمنة مثلما تتغير ملامح وجه الإنسان بتغيير أفكاره وعواطفه، فشجرة الحور التي تتعالى في النهار كعروس جميلة يلاعب النسيم أثوابها تظهر في المساء كعمود دخان يتصاعد نحو اللاشيء، والصخر الكبير الذي يجلس عند الظهيرة كجبار قوي يهزأ بعاديات الزمن يبدوا في الليل كفقير بائس يفترش الثرى ويلتحف الفضاء، والساقية التي نراها عند الصباح متلمعة كذوب اللجين ونسمعها مترنمة بأغنية الخلود نخالها في المساء مجرى دموع يتفجر من بين أضلع الوادي ونسمعها تندب وتنوح كالثكلى، ولبنان الذي ظهر منذ أسبوع بكل مظاهر الجلال والرونق عندما كان القمر بدراً والنفس راضية قد بان في تلك الليلة كئيباً منهوكاً مستوحشاً أمام قمر ضئيل ناقص هائم في عرض السماء وقلب خافق معتل داخل صدر.
    وقفنا للوداع وقد وقف بيننا الحب واليأس شبحين هائلين هذا باسط جناحية فوق رأسينا وذاك قابض بأظافره على عنقينا هذا يبكي مرتاعاً وذاك يضحك ساخراً؛ ولما أخذت يد سلمى ووضعتها على شفتي متبركاً دنت مني ولثمت مفرق شعري ثم عادت وارتمت على المقعد الخشبي وأطبقت جفنها وهمست ببطء "أشفق يا رب وشدد جميع الأجنحة المتكسرة".
    انفصلت عن سلمى وخرجت من تلك الحديقة شاعراً بنقاب كثيف يوشي مداركي الحسية مثلما يغمر الضباب وجه البحيرة وسرت وخيالات الأشجار القائمة على جانبي الطريق تتحرك أمامي كأنها أشباح قد انبثقت من شقوق الأرض لتخيفني وأشعة القمر الضعيفة ترتعش بين الغصون كأنها سهام دقيقة تريشها أرواح الجان السابحة في الفضاء نحو صدري، السكينة العميقة تخيم علي كأنها أكف سوداء ثقيلة ألقتها الظلمة على جسدي. كل ما في الوجود وكل ما في الحياة وكل سر في النفس قد صار قبيحاً رهيباً هائلاً، فالنور المعنوي الذي أراني جمال العالم وبهجة الكائنات قد انقلب ناراً تحرق كبدي بلهيبها متستر نفسي بدخانها. والنغمة التي كانت تضم إليها أصوات المخلوقات وتجعلها نشيداً علوياً قد استحالت في تلك الساعة إلى ضجيج أروع من زمجرة الأسد وأعمق من صراخ الهاوية.
    بلغت غرفتي وارتميت على فراشي كطائر رماه الصياد فسقط بين السياج والسهم في قلبه. وظلت عاقلتي تترواح بين يقظة مخيفة ونوم مزعج وروحي في داخلي تردد في الحالتين كلمات سلمى "أشفق يا رب وشدد جميع الأجنحةالمتكسرة



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!





رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #14
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    إنما الزيجة في أيامنا هذه تجارة مضحكة مبكية يتولى أمورها الفتيان وآباء الصبايا، الفتيان يربحون في أكثر المواطن والآباء يخسرون دائماً، أما الصبايا المتنقلات كالسلع من منزل إلى آخر فتزول بهجتهن ونظير الأمتعة العتيقة يصير نصيبهن زاويا حيث الظلمة والفناء البطيء.
    إن المدينة الحاضرة قد أنمت مدارك المرأة قليلاً ولكنها أكثرت أوجاعها بتعميم مطامع الرجل، كانت المرأة بالأمس خادمة سعيدة فصارت اليوم سيدة تعيسة، كانت بالأمس عمياء تسير في نور النهار فأصبحت مبصرة تسير في ظلمة الليل. كانت جميلة بجهلها فاضلة ببساطتها قوية بضعفها فصارت قبيحة بتفننها سطحية بمداركها بعيدة عن القلب بمعارفها، فهل يجيء يوم يجتمع في المرأة الجمال بالمعرفة والتفنن بالفضيلة وضعف الجسد بقوة النفس؟ أنا من القائلين إن الارتقاء الروحي سنّة في البشر والتقرب من الكمال شريعة بطيئة لكنها فعالة، فإذا كانت المرأة قد ارتقت بشيء وتأخرت بشيء آخر فلأن العقبات التي تبلغنا قمة الجبل لا تخلو من مكامن اللصوص وكهوف الذئاب؛ ففي هذا الجبل الشبيه بالغيبوبة التي تتقدم اليقظة ــ في هذا الجبل القابض بكفيه على تراب الأجيال الغابرة وبذور الأجيال الآتية ــ في هذا الجبل الغريب بأمياله وأمانيه لا تخلو مدينة من امرأة ترمز بوجودها عن ابنة المستقبل، وسلمى كرامة كانت في بيروت رمز المرأة الشرقية العتيدة، ولكنها كالكثيرين الذين يعيشون قبل زمانهم قد ذهبت ضحية الزمن الحاضر ونظير زهرة اختطفتها تيار النهر قد سارت قهراً في مركب الحياة نحو الشقاء.
    وتزوج منصور بك من سلمى فسكنا معاً في منزل فخم قائم على شاطئ البحر في رأس بيروت حيث يقطن وجهاء القوم والأغنياء، وبقي فارس كرامة وحده في ذلك البيت المنفرد بين الحدائق والبساتين انفراد الراعي بين أغنامه، ومضت أيام العرس وانقضت ليالي الأفراح ومر الشهر الذي يدعوه الناس عسلاً تاركاً وراءه شهور الخل والعلقم مثلما تترك أمجاد الحروب جماجم القتلى في البرية البعيدة، إن بهرجة الأعراس الشرقية تصعد بنفوس الفتيان والصبايا صعود النسر إلى ما وراء الغيوم ثم تهبط بهم هبوط حجر الرحى إلى أعماق اليم، بل هي مثل آثار الأقدام على رمال الشاطئ لا تلبث أن تمحوها الأمواج.




    وذهب الربيع وتلاه الصيف وجاء الخريف ومحبتي لسلمى تتدرج من شغف فتى في صباح العمر بامرأة حسناء إلى نوع من تلك العبادة الخرساء التي يشعر بها الصبي اليتيم نحو روح أمه الساكنة في الأبدية، فالصبابة التي كانت تمتلك كليتي قد تحولت إلى كآبة عمياء لا ترى غير نفسها. والولع الذي كان يستدر الدموع من عيني قد انقلب ولهاً يستقطر الدم من قلبي. وأنه الحنين التي كانت تملأ ضلوعي أصبحت صلاة عميقة تقدمها روحي في السكينة أمام السماء مستمدة السعادة لسلمى والغبطة لبعلها والطمأنينة لولدها، ولكن باطلاً كنت أشفق وأبتهل وأصلي لأن تعاسة سلمى كانت علة في داخل النفس لا يشفيها سوى الموت، أما بعلها فكان من أولئك الرجال الذين يحصلون بغير تعب على كل ما يجعل الحياة هنيئة ولا يقنعون بل ويطمحون دائماً إلى ما ليس لهم وهكذا يظلون معذبين بمطامعهم إلى نهاية أيامهم؛ وباطلاً كنت أرجو الطمأنينة لفارس كرامة لأن صهره لم يستلم يد ابنته ويحصل على أموالها حتى نسيه وهجره بل صار يطلب حتفه توصيلاً إلى ما بقي من ثروته.



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!







  • #15
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    كان منصور بك شبيهاً بعمه المطران بولس غالب وكانت أخلاقه ونفسه صورة مصغرة لنفسه ولم يكن الفرق بينهما إلا بما يفرق الرياء عن الانحطاط، كان المطران يبلغ أمانيه مستتراً بأثوابه البنفسجية وبشبع مطامعه محتمياً بالصليب الذهبي المعلق على صدره، أما ابن أخيه فكان يفعل كل ذلك جهراً وعنوة. كان المطران يذهب إلى الكنيسة في الصباح ويصرف ما بقي من النهار منتزعاً الأموال من الأرامل واليتامى وبسطاء القلب، أما منصور بك فكان يقضي النهار كله متبعاً ملذاته ملاحقاً شهواته في تلك الأزقة المظلمة حيث يختمر الهواء بأنفاس الفساد، كان المطران يقف يوم الأحد أمام المذبح ويعظ المؤمنين بما لا يتعظ به ويصرف أيام الأسبوع مشتغلاً بسياسة البلاد. أما ابن أخيه فكان يصرف جميع أيامه متاجراً بنفوذ عمه بين طالبي الوظائف ومريدي الوجاهة. كان المطران يسير مختبئاً بستائر الليل، أما منصور بك فكان يمشي بشجاعة في نور النهار.
    كذا تبيد الشعوب بين اللصوص والمحتالين مثلما تفني القطعان بين أنياب الذئاب وقواطع الجزارين، وهكذا تستسلم الأمم إلى ذوي النفوس المعوجة والأخلاق الفاسدة فتتراجع إلى الوراء ثم تهبط إلى الحضيض فيمر الدهر ويسحقها بأقدامه مثلما تسحق مطارق الحديد آنية الفخار...
    وماذا يا ترى يجعلني الآن أن أشغل هذه الصفحات بالكلام عن أمم بائسة يائسة وأنا قد خصصتها لتدوين حكاية امرأة تاعسة وتصوير خيالات قلب وجيع لم يلمسه الحب بأفراحه حتى صفعه بأحزانه؟ لماذا تراود الدموع أجفاني لذكر شعوب خاملة ومظلومة وأنا قد وقفت دموعي على ذكرى أيام امرأة ضعيفة لم تعانق الحياة حتى احتضنها الموت ولكن أليست المرأة الضعيفة هي رمز الأمة المظلومة؟ أليست المرأة المتوجعة بين أميال نفسها وقيود جسدها هي كالأمة المتعذبة بين حكامها وكهانها. أوليست العواطف الخفية التي تذهب بالصبية الجميلة إلى ظلمة القبر هي كالعواطف الشديدة التي تغمر حياة الشعوب بالتراب؟ إن المرأة من الأمة بمنزلة الشعاع من السراج وهل يكون شعاع السراج ضئيلاً إذا لم يكن زيته شحيحاً.
    مضت أيام الخريف وعرت الرياح الأشجار متلاعبة بأوراقها الصفراء مثلما تداعب الأنواء زبد البحر، وجاء الشتاء باكياً وأنا في بيروت ولا رفيق لي سوى أحلام تتصاعد بنفسي تارة فتبلغها الكواكب وتنخفض بقلبي طوراً فتلحده بجوف الأرض.
    إن النفس الكئيبة تجد راحة بالعزلة والانفراد فتهجر الناس مثلما يبتعد الغزال الجريح عن سربه ويتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت...
    ففي ذات يوم سمعت باعتلال فارس كرامة، تركت وحدتي وذهبت لعيادته ماشياً على ممر منفرد بين أشجار الزيتون المتلمعة أوراقها الرصاصية بقطرات المطر، متنحياً عن الطريق العمومية حيث تزعج ضجة المركبات سكينة الفضاء.
    بلغت منزل الشيخ ودخلت عليه فوجدته ملقى على فراشه مضنى الجسد، شاحب الوجه أصفر اللون، وقد غرقت عيناه تحت حاجبيه فباتتا كهوتين عميقتين مظلمتين تجول فيهما أشباح السقم والألم، فالملامح التي كانت بالأمس عنوان البشاشة والانبساط قد تقلصت واكفهرت وأصبحت كصحيفة رمادية متجعدة تكتب عليها العلة سطوراً غريبة ملتبسة. واليدان اللتان كانتا مغلفتين باللطف واللدانة قد نحلتا حتى بدت عظام أصابعهما من تحت الجلد كقضبان عارية ترتعش أمام العاصفة.
    ولما دنوت منه سائلاً عن حاله، حوّل وجهه المهزول نحوي وظهر على شفتيه المرتجفتين خيال ابتسامة محزنة، وبصوت ضعيف خافت خلته آتياً من وراء الجدران قال "اذهب ــ اذهب يا بني إلى تلك الغرفة وامسح دموع سلمى وسكّن روعها ثم عد بها إليّ لتجلس بجانب فراشي".



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!







  • #16
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    دخلت الغرفة المحاذية فوجدت سلمى منطرحة على مقعد وقد غمرت رأسها بزنديها وأغرقت وجهها بالمساند وأمسكت أنفاسها كيلا يسمع والدها نحيبها، فاقتربت منها ببطء ولفظت اسمها بصوت أقرب إلى التنهد منه إلى الهمس فاحتركت مضطربة ونظرت إلي بعينين شاخصتين جامدتين كأنها رأت شبحاً في عالم الرؤيا ولا تصدق حقيقة وجودي في ذلك المكان.
    وبعد سكوت عميق أرجعنا بتأثراته السحرية إلى تلك الساعات التي سكرنا فيها من خمرة الآلهة مسحت سلمى دموعاً بأطراف بنانها وقالت متحسرة "أرأيت كيف تبدلت الأيام؟ أرأيت كيف أضلنا الدهر فسرنا مسرعين إلى هذه الكهوف المفزعة؟ في هذا المكان جمعنا الربيع في قبضة الحب وفي هذا المكان يجعلنا الآن الشتاء أمام عرش الموت فما أبهى ذلك النهار وما أشد ظلمة هذا الليل".
    قالت هذه الكلمات وقد ابتلعت الغصات أواخرها ثم عادت وسترت وجهها بيديها كأن ذكرى الماضي قد تجسدت ووقفت أمامها فلم تشأ أن تراها، فوضعت يدي على شعرها قائلاً "تعالي يا سلمى ــ تعالي ننتصب كالأبراج أمام الزوبعة. هلمي نقف كالجنود أمام الأعداء متلقين شفار السيوف بصدورنا لا بظهورنا. فإن صرعنا نموت كالشهداء وإن تغلبنا نعيش كالأبطال... إن عذاب النفس بثبات أمام المصاعب والمتاعب لهو أشرف من تقهقرها إلى حيث الأمن والطمأنينة فالفراشة التي تظل مرفرفة حول السراج حتى تحترق هي أسمى من الخلد الذي يعيش براحة وسلامة في نفقه المظلم. والنواة التي لا تحتمل برد الشتاء وثورات العناصر لا تقوى على شق الأرض ولن تفرح بجمال نيسان... هلمي نسير يا سلمى بقدم ثابتة على هذه الطريق الوعرة رافعين أعيننا نحو الشمس كيلا نرى الجماجم المطروحة بين الصخور، والأفاعي المنسابة بين الأشواك، فإن أوقفنا الخوف في منتصف الطريق أسمعتنا أشباح الليل صراخ الاستهزاء والسخرية، وإن بلغنا قمة الجبل بشجاعة فترنم معنا أرواح الفضاء بأنشودة النصر والاستظهار. خففي عنك يا سلمى وجففي دموعك واخفي هذه الكآبة الظاهرة على محياك وقومي نجلس بجانب فراش والدك لأن حياته من حياتك وشفاءه بابتسامتك.
    فنظرت إليّ نظرة ملؤها الحنان والرأفة والانعطاف ثم قالت "أتطلب مني الصبر والتجلد وفي عينيك معنى اليأس والقنوط؟ أيعطي الفقير الجائع خبزه إلى الجائع الفقير أو يصف العليل دواء لعليل آخر وهو أحرى بالدواء؟".
    ثم وقفت وسارت أمامي منحنية الرأس إلى غرفة والدها.
    جلسنا أمام مضجع الشيخ العليل وسلمى تتكلف الابتسام وهدوء البال وهو يتكلف الراحة والقوة، وكل منهما شاعر بلوعة الآخر عالم بضعفه سامع غصات قلبه. فكانا مثل قوتين متضارعتين تفنيان بعضهم بعضاً في السكينة، والد دنف يذوب ضنى لتعاسة ابنته وابنة محبة متوجعة بعلة والدها. نفس راحلة ونفس يائسة تتعانقان أمام الحب والموت وأنا بينهما أتحمل ما بي وأقاسي ما بهما؛ ثلاثة جمعتهم يد القضاء ثم قبضت عليهم بشدة حتى سحقتهم؛ شيخ يمثل بيتاً قديماً هدمه الطوفان وصبية تحاكي زنبقة قطع عنقها حد المنجل، وفتى يشابه غرسة ضعيفة لوت قامتها الثلوج، وجميعنا مثل ألعوبة بين أصابع الدهر.
    وتحرك الشيخ إذا ذاك بين اللحف ومد يده النحيلة نحو سلمى وبصوت أودعه كل ما في قلب الأب من الرقة والرأفة وكل ما في صدر العليل من السقم والألم قال: "ضعي يدك في يدي يا سلمى".



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!






  • صفحة 4 من 7 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. أروع ما قال جبران خليل جبران في الحب
      بواسطة سارة في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 08-17-2010, 04:57 PM
    2. انواع الحب ( جبران خليل جبران )
      بواسطة Don.Ayman في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 07-20-2010, 02:15 PM
    3. الأجنحة المكسرة لجبران خليل جبران
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 25
      آخر مشاركة: 07-12-2010, 06:20 PM
    4. البعض نحبهم (جبران خليل جبران)
      بواسطة En.muhammed manla في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 05-03-2010, 02:31 AM
    5. من روائع جبران خليل جبران
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 03-14-2010, 07:58 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1