يعطيك الف عاااااااااااااااااافية اخي عاشق الوطنية
« فهل يطلبون شيئا غير ذلك؟ » قال: « لا. » قال: « فما أهون ما طلبوا. إرجع إلى عبد الله بن خازم فمره أن ينصرف ويواقف الناس على أن يبذل لهم أرزاقهم. » فواقفهم على أرزاق أربعة أشهر ورفع من كان دون الثمانين إلى الثمانين وأمر للقوّاد والخواصّ بالصلات والجوائز.
توجيه عبد الرحمن إلى همدان لحرب طاهر
وفي هذه السنة وجّه محمد المخلوع عبد الرحمن بن جبلة الأبناوى إلى همذان لحرب طاهر، وانتخب عشرين ألف رجل من الأبناء فضمّهم إليه وحمل معه الأموال وقوّاه بالسلاح والخيل وأجازه بجوائز وولّاه ما بين حلوان إلى ما غلب عليه من أرض خراسان، وأمره أن يسبق طاهر إلى همذان ويخندق عليه ويجمع إليه آلة الحرب، وبسط يده وتقدّم إليه في التحفّظ والاحتراز وترك ما عمل به عليّ من الاغترار والتضجيع. فتوجّه عبد الرحمن حتى نزل همذان فضبط طرقها وحصّن سورها وأبوابها وسدّ ثلمها وحشر إليها الأسواق والصنّاع وجمع فيها الآلات والمير واستعدّ للقاء طاهر ومحاربته.
وقد كان يحيى بن عليّ بن عيسى لمّا قتل أبوه أقام بين الريّ وهمذان وكان لا يمرّ به أحد من فلّ أبيه إلّا احتبسه. وكان يرى أنّ محمدا يولّيه مكان أبيه ويوجّه إليه الخيل والرجال. وكتب إلى محمد يستمدّه ويستنجده فأجابه محمد يعلمه توجيهه عبد الرحمن بن جبلة الأبناوى ويأمره بالانضمام إليه فيمن تبعه. ولمّا بلغ طاهرا خبر عبد الرحمن توجّه إليه، فلمّا قرب من يحيى، قال يحيى لأصحابه:
« هذا طاهر صاحبكم بالأمس، ولست آمن إن لقيته بمن معي أن يصدعنا صدعا يدخل وهنه على من خلفنا، ويعتلّ عبد الرحمن بذلك ويقلّدنى به العار والعجز عند أمير المؤمنين. فإن أنا استنجدته لم آمن أن يمسك عنا، ضنّا برجاله وإبقاء عليهم. والرأي أن نتزاحف إلى مدينة همذان فنعسكر قريبا من عبد الرحمن فإن نحن استعنّاه قرب منّا عونه وإن احتاج إلينا أعنّاه وقاتلنا معه. » قالوا: « الرأي ما رأيت. » فانصرف نحو همذان. فلمّا قرب منها خذله أصحابه وتفرّقوا عنه وأشرف طاهر على مدينة همذان ونادى عبد الرحمن في أصحابه، فخرجوا على تعبئة، فصادف طاهرا، فاقتتلوا قتالا شديدا، وصبر الفريقان وكثر القتلى والجرحى فيهم. ثم إنّ عبد الرحمن انهزم ودخل همذان وأقام بها أيّاما حتى اندمل جراح أصحابه، وقووا ثم أمر بالاستعداد وزحف إلى طاهر. فلمّا رأى طاهر أعلامه وأوائل خيله قال لأصحابه:
« إنّ عبد الرحمن يتراءى لنا حتى نقرب منه ثم يقاتلنا، فإن هزمناه بادر إلى المدينة فدخلها وقاتلكم على خندقها وامتنع بسورها، وإن هزمنا اتسع له المجال. فهلمّوا نقف له حتى يقرب منّا ويبعد من خندقه. » فوقف طاهر مكانه وظنّ عبد الرحمن أنّ الهيبة بطّأت به عن لقائه والنفوذ إليه. فبادر قتاله فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر أصحاب طاهر فجعل عبد الرحمن يقول:
« يا معشر الأبناء يا أبناء الموت وألفاف السيوف، إنّهم العجم وليسوا بأصحاب مطاولة ولا صبر، فاصبروا لهم فداكم أبي وأمي. » وقاتل ببدنه قتالا شديدا وحمل حملات منكرات، فلا يزول أحد من أصحاب طاهر. ثم إنّ صاحبا لطاهر حمل على أصحاب عبد الرحمن فقتل صاحب علمه وزحمهم أصحاب طاهر زحمة شديدة، فولّوا، ووضعوا فيهم السيوف حتى دخلوا همدان يقتلونهم ويأسرونهم. وأقام طاهر على باب المدينة محاصرا. فكان يخرج عبد الرحمن ويقاتل على أبواب المدينة ويرمى أصحابه من فوق السور، حتى اشتدّ بهم الحصار وتأذّى بهم أهل المدينة وتبرّموا بالحرب والقتال، وقطع طاهر عنهم المادّة من كلّ وجه.
فهلك أصحاب عبد الرحمن وتخوّفوا أن يثب بهم أهل همذان فأرسل عبد الرحمن إلى طاهر وسأله الأمان ولمن معه فآمنه طاهر ووفى له.
واعتزل عبد الرحمن في من كان معه من أصحابه وأصحاب يحيى، وطرد طاهر عمّال محمد عن قزوين وسائر كور الجبال.
وفي هذه السنة قتل عبد الرحمن بن جبلة الأبناوى بأسدآباذ.
ذكر السبب في مقتله
لمّا وجّه محمد عبد الرحمن الأبناوى إلى همذان أتبعه بعبد الله وأحمد ابني الحرشي في خيل عظيمة وأمرهما أن ينزلا قصر اللصوص وأن يسمعا ويطيعا لعبد الرحمن ويكونا مددا له إن احتاج إليهما. فلمّا خرج عبد الرحمن إلى طاهر في الأمان كان يرى طاهرا وأصحابه أنّه مسالم لهم راض بعهودهم.
ذكر غفلة من طاهر وإضاعة حزم
ثم اغترّهم وهم آمنون. فركب في أصحابه ولم يشعر طاهر وأصحابه حتى هجموا عليهم فوضعوا فيهم السيوف والنشّاب فثبت لهم رجّالة طاهر بالتراس والسيوف، وجثوا على الركب فقاتلوه كأشدّ ما يكون من القتال. ولم تزل الرجّالة تدافعهم إلى أن أخذت الفرسان عدّتها وصدقوهم القتال. فاقتتلوا قتالا منكرا حتى تكسّرت السيوف وتقصّفت الرماح وهرب معظم أصحاب عبد الرحمن فترجّل هو في ناس من أصحابه فقاتل حتى قتل وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، واستبيح عسكره، وانتهى من أفلت من أصحابه إلى عسكر عبد الله وأحمد ابني الحرشي. فدخلهم الوهن والفشل وامتلأت قلوبهم خوفا ورعبا. فولّوا منهزمين لا يلوون على شيء حتى صاروا إلى بغداد.
وأقبل طاهر قد خلت له البلاد يحوز بلدة بلدة وكورة كورة، حتى نزل بقرية من قرى حلوان يقال لها: شلاشان، فخندق بها وحصّن عسكره.
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائة
ثم إنّ محمدا ندب أسد بن يزيد بن مزيد فاشتط عليه في طلب الأموال فحبسه، وندب عمّه أحمد بن مزيد وعبد الله بن حميد بن قحطبة إلى حلوان لحرب طاهر.
ذكر الخبر عن حبس أسد وسببه
قال أسد بن يزيد بن مزيد: بعث إليّ الفضل بن الربيع بعد مقتل عبد الرحمن بن جبلة، فأتيته، فلمّا دخلت إليه وجدته قاعدا في صحن داره وفي يده رقعة قد قرأها وقد احمرّت عيناه واشتدّ غضبه وهو يقول:
« ينام نوم الظربان وينتبه انتباه الذئب، همّه بطنه وفرجه تخاتل الرعاء والكلاب ترصده، ولا يفكّر في زوال نعمة ولا يروّى في إمضاء رأى ولا مكيدة، قد ألهته كأسه وشغله قدحه، فهو يجرى في لهوه والأيّام توضع في هلاكه. » ثم وصف عبد الله وتيقّظه، وتمثّل بشعر للبعيث، ثم التفت إليّ فقال:
« أبا الحارث أنا وإيّاك نجري إلى غاية إن قصّرنا عنها ذممنا وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا، وإنّما نحن شعب من أصل إن قوى قوينا وإن ضعف ضعفنا. إنّ هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوكعاء، يشاور النساء ويعوّل على الرؤيا، وقد أمكن مسامعه من أهل اللهو والخسارة فهم يعدونه الظفر ويمنّونه عقب الأيام. والهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل، وقد خشيت أن نهلك بهلاكه وأنت فارس العرب وابن فارسها فزع إليك في لقاء هذا
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الرجل وأطمعه في ما قبلك أمران: أحدهما صدق طاعتك والآخر شدّة بأسك. وقد أمرنى بإزاحة علّتك وبسط يدك في ما أحببت، غير أنّ الإقتصاد رأس النصيحة ومفتاح اليمن والبركة، فأنجز حوائجك وعجّل المبادرة إلى عدوّك، فإني أرجو أن يولّيك الله شرف هذا الفتح ويلمّ بك شعث هذه الخلافة والدولة. » فقلت: « أنا لطاعة أمير المؤمنين - أعزّه الله - وطاعتك مقدم، وعلى كلّ ما دخل به الوهن والذلّ على عدوّكما حريص، غير أنّ المحارب لا يعمل بالغرور ولا يفتتح أمره بالتقصير، وإنّما ملاك المحارب الجنود وملاك الجنود المال وقد ملأ أمير المؤمنين أيدى من شهده من العسكر، وتابع لهم الأرزاق والصلات، فإن سرت بأصحابي وقلوبهم متطلّعة إلى من خلفهم من إخوانهم، لم انتفع بهم في لقاء من أمامى، وقد فضّل أهل السلام على أهل الحرب وجاز بأهل الدعة والحفض منازل أهل النصب والمشقّة، والذي أسأل، أن يؤمر لي بما يقيمنى ويقيم أصحابي الذين تخرجونهم معي بما لا يتطلّعون معه إلى ما خلفهم. » قال: « وما هو؟ » قلت: « رزق سنة يطلق لأصحابي ويحمل معهم رزق سنة ويخصّ من لا خاصّة له من أهل الغناء والبلاء، واحمل ألف رجل من أصحابي الذين معي على الخيل ولا أسأل عن محاسبة ما افتتحت من المدن والكور. » فقال: « قد اشتططت ولا بدّ من مناظرة أمير المؤمنين. » ثم ركب وركبت معه ودخل قبلي، ثم أذن لي فدخلت فما دار بيني وبين محمد إلّا كلمتان حتى غضب وأمر بحبسي. فذكر بعض خاصّة محمد أنّ أسدا اقترح على محمد أن يسلّم إليه ولدي عبد الله المأمون حتى يكونا أسيرين في يدي، فإن أعطاني الطاعة وألقى بيده وإلّا عملت فيهما بحكمي فقال محمد:
« أنت أعرابيّ مجنون تدعو إلى الخرق والتخليط وتقترح فوق قدرك. » وأمر به فحبس.
ثم قال محمد:
« هل في بيت هذا من يقوم مقامه؟ فإني أكره أن أستفسدهم مع سابقتهم وما تقدّم من طاعتهم ونصيحتهم. » قالوا: « نعم فيهم أحمد بن مزيد عمّه وهو أحسنهم طريقة وأصلحهم نيّة وله مع هذا بأس ونجدة وبصر بسياسة الجنود ومباشرة الحروب. » فأنفذ إليه محمد يزيدا فأقدمه عليه. قال أحمد: فلمّا دخلت بغداد بدأت بالفضل بن الربيع، فقلت أسلّم عليه وأستعين بمنزلته ومحضره عند محمد.
فلمّا أذن لي دخلت وإذا عنده عبد الله بن حميد بن قحطبة وهو يريده على الشخوص إلى طاهر وعبد الله يشتطّ عليه في طلب المال والسلاح والإكثار من الرجال. فلمّا رآني رحّب بي وأخذ بيدي فرفعني حتى صيّرنى معه على صدر المجلس، ثم أقبل على عبد الله يمازحه ويداعبه، فتبسّم في وجهه ثم قال:
إنّا وجدنا لكم إذ رثّ حبلكم ** من آل شيبان أمّا دونكم وأبا
الأكثرون إذا عدّ الحصى عددا ** والأقربون إلينا منكم نسبا
فقال عبد الله:
« إنّهم لكذاك وإنّ فيهم لسدّ الخلل ونكء العدوّ. » ثم أقبل عليّ الفضل فقال:
« إنّ أمير المؤمنين أجرى ذكرك، فوصفتك له بحسن الطاعة وفضل النصيحة والشدّة على أهل المعصية، فأحبّ اصطناعك والتنويه بك وأن يرفعك إلى منزلة لم يبلغها أحد من أهل بيتك. » ثم التفت إلى خادمه وقال:
« مر بإسراج دوابّى. » فلم ألبث أن أسرجت له ومضى ومضيت معه حتى دخلنا على محمد وهو في صحن داره على سرير ساج، فلم يزل يدنيني حتى كدت ألاصقه، فقال:
« إنّه قد كثر عليّ تخليط ابن أخيك وطال خلافه عليّ حتى أوحشنى ذلك منه، وولّد في قلبي التهمة له وصيّرنى بسوء مذهبه وحنث طاعته إلى أن تناولته من الأدب والحبس بما لم أكن أحبّ تناوله به، وقد ووصفت لي بخير ونسبت إلى جميل، وأحببت أن أرفع قدرك وأعلى منزلتك وأقدّمك على أهل بيتك وأولّيك جهاد هذه الفئة الباغية وأعرّضك الأجر والثواب في قتالهم ولقائهم، فانظر كيف تكون، وصحّح نيّتك وأعن أمير المؤمنين على اصطناعك وتشريفك. » فقلت: « سأبذل في طاعة أمير المؤمنين - أعزه الله - مهجتي وأبلغ في جهاد عدوّه أفضل ما أمله عندي ورجاه من غنائى وكفايتي، إن شاء الله. » فقال: « يا فضل، ادفع إليه دفاتر أصحاب أسد، واضمم إليه من شهد العسكر من رجال الجزيرة والأعراب. » وقال لي:
« اكمش على أمرك وعجّل المسير إلى عدوّك. » فخرجت، فانتخبت الرجال، فبلغت عدّة من صحّحت اسمه عشرين ألف رجل. ثم توجّهت بهم إلى حلوان.
وكان محمد وصّاه فقال:
« إيّاك والبغي، فإنّه عقال النصر ولا تقدّم رجلا إلّا باستخارة، ولا تشهر سيفا إلّا بعد إعذار، وأحسن صحابة من معك وطالعنى بأخبارك في كلّ يوم ولا تخاطر بنفسك طلب الزلفة عندي ولا تستبقها في ما تتخوّف رجوعها عليّ، وكن لعبد الله بن حميد أخا مصافيا، أحسن صحبته ومعاشرته ولا تخذله إن استنصرك، ولا تبطئ عليه إن استصرخك، ولتكن أيديكما واحدة وكلمتكما متفقة. » ثم قال:
« سل حوائجك وعجّل السراح إلى عدوّك. » فدعا له أحمد وقال:
« يا أمير المؤمنين تكثّر الدعاء لي ولا تقبل فيّ قول باغ ولا ترفضني قبل المعرفة بموضع قدمي، ولا تنقض عليّ ما استجمع من رأى، ومن عليّ بالصفح عن ابن أخي. » قال: « ذلك لك. » ثم بعث إلى أسد فحلّ قيوده وخلّى سبيله.
فخرج أحمد بن مزيد في عشرين ألف رجل [ من العرب، وعبد الله بن حميد في عشرين ألف رجل ] من الأبناء وقد وصّيا بالتوادّ والتحابّ، فتوجّها حتى نزلا قريبا من حلوان بموضع يقال له: خانقين، وأقام طاهر بموضعه وخندق عليه.
ذكر ما احتال به طاهر عليهما حتى اختلفا
ثم إنّ طاهرا دسّ إليهما قوما، فكانوا يأتون العسكرين جميعا بالأخبار الباطلة والأراجيف الكاذبة بأنّ محمدا قد وضع العطاء لأصحابه وقد أمر لهم من الأرزاق بكذا وكذا، ولم يزل يحتال في وقوع الاختلاف والشغب بينهم حتى اختلفوا، وقاتل بعضهم بعضا، فأخلوا خانقين ورجعوا عنها من غير أن يلقوا طاهرا.
وتقدّم طاهر حتى نزل حلوان، فلم يلبث طاهر بعد دخوله حلوان إلّا يسيرا حتى أتاه هرثمة بن أعين بكتاب المأمون والفضل بن سهل يأمرانه بتسليم ما حوى من المدن والكور إليه والتوجّه إلى الأهواز وفتحها. فسلّم ذلك إليه وأقام هرثمة بحلوان فحصّنها ووضع مسالحه ومراصده في طرقها وجبالها. وتوجّه طاهر إلى الأهواز.
المأمون يتسمى أمير المؤمنين
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وفي هذه السنة لمّا انتهى إلى المأمون قتل عليّ بن عيسى، تسمّى بأمير المؤمنين وسلّم عليه الفضل بذلك، وصحّ عنده الخبر بقتل طاهر عبد الرحمن بن جبلة الأبناوى وغلبته على عسكره، فدعا الفضل بن سهل وعقد له على المشرق من جبل همذان إلى جبل سقنان والتبّت طولا ومن بحر فارس إلى بحر الديلم [ وجرجان ] عرضا وجعل له عمّاله ثلاثة آلاف وعقد له لواء على سنان ذي شعبتين وسمّاه ذا الرئاستين.
الأمين يولى عبد الملك الشام
وفي هذه السنة ولّى محمد الأمين عبد الملك بن صالح بن عليّ الشام.
والسبب في ذلك
وكان السبب في ذلك أنّ طاهرا لمّا قوى واستعلى أمره وهزم قوّاد محمد وجيوشه، دخل عبد الملك بن صالح على محمد وقد كان عبد الملك محبوسا في حبس الرشيد، فأطلقه محمد، وكان عبد الملك يشكر ذلك لمحمد، ويوجب به على نفسه طاعته ومحبّته، فقال:
« يا أمير المؤمنين. »
ذكر الرأي الذي أشار به عبد الملك
إني أرى الناس قد طمعوا فيك وأهل العسكر قد اغتمزوا بذلك، وقد بذلت سماحتك فإن أتممت على عادتك أفسدتهم وأبطرتهم، وإن كففت يدك عن العطاء أسخطتهم وأغضبتهم، وليس تملك الجنود بالإمساك ولا تبقى بيوت المال على الإنفاق والسرف، ومع هذا فإنّ جندك قد أرعبتهم الهزائم وأضعفتهم الحروب وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوّهم ونكولا عن لقائهم، فإن سيّرتهم إلى طاهر غلب بقليل من معه كثيرهم وهزم بقوّة نيّته ضعف نياتهم، وأهل الشام قوم قد ضرّستهم الحروب وأدّبتهم الشدائد، وجلّهم منقاد لي مسارع إلى طاعتي، فإن وجّهنى أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندا تعظم نكايتهم في عدوّه. » فقال محمد: « فإني مولّيك ومقوّمك بما سألت من مال وعدّة، فعجّل الشخوص إلى ما هناك واعمل عملا يظهر أثره واحمد بركة نظرك فيه. » فولّاه الشام واستحثّه استحثاثا شديدا ووجّه معه كثيفا من الجند.
فلمّا قدم عبد الملك الرقّة أرسل كتبه ورسله إلى رؤساء أجناد الشام ووجوه الجزيرة، فلم يبق أحد ممّن يرجى ويذكر بأسه وغناؤه إلّا وعده وبسط أمله. فقدموا عليه رئيس بعد رئيس وفوج بعد فوج فأجازهم وخلع على كلّ من قصده ووصله، وأتاه زواقيل الشام والأعراب من كلّ فجّ، فاجتمعوا وكثروا.
ذكر اتفاق سيء
واتّفق أنّ بعض جند خراسان نظر إلى دابّة كانت أخذت منه في وقعة سليمان بن أبي جعفر تحت بعض الزواقيل، فتعلّق بها وتصايحا، واجتمعت جماعة من الزواقيل والجند، فأعان كلّ فريق منهم صاحبه وتضاربوا بالأيدى ومشى الأبناء بعضهم إلى بعض وقالوا:
« إن صبرنا لهم ركبونا بمثل هذا كلّ يوم. » واستعدّوا، وأتوا الزواقيل وهم غارّون، فوضعوا فيهم السيوف وذبحوهم في رحالهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وتنادى الزواقيل، فركبوا ونشبت الحرب، وبلغ عبد الملك فأنفذ رسولا يأمرهم بالكفّ ووضع السلاح، فرموه بالحجارة وأبلغ عبد الملك من قتل من الزواقيل وأنّهم خلق كثير مطرّحون وكان مريضا فضرب بيد على يد ثم قال:
« وا ذلّاه، تستضام العرب في دورها وبلادها وتقتل هذه المقتلة. »
فغضب من كان أمسك عن الشرّ وتفاقم الأمر، فنادى الناس وقالوا:
« الهرب أهون من العطب والموت أهون من الذلّ، النفير النفير قبل أن ينقطع الشمل ويفوت المطلب ويعسر المهرب. » وقام رجل من كلب فقال:
شؤبوب حرب خاب من يصلاها ** قد شرّعت فرسانها قناها
فأورد الله لظى قناها ** إن غمرت كلب بها لحاها
ثم نادى:
« يا معشر كلب، إنّها الراية السوداء، والله ما ولّت ولا ذلّ ناصرها، وإنّكم لتعرفون مواقع سيوف خراسان في رقابكم، فاعتزلوا الشرّ قبل أن يعظم، وتخطّوه قبل أن يضطرم.
أيّها الناس شامكم شامكم، داركم داركم، الموت الفلسطيني خير من العيش الجزري، ألا أنّى راجع، فمن أراد الانصراف فلينصرف معي. » وسار معه أهل الشام وأقبلت الزواقيل حتى أضرموا ما كان جمعه التجار من الأعلاف بالنار وتفرّق ذلك العسكر.
ثم اتفق موت عبد الملك بن صالح في تلك الأيّام فلم يبق لذلك الجند أثر.
خلع الأمين ومبايعة المأمون ببغداد
وفي هذه السنة خلع محمد بن هارون الأمين وأخذت البيعة لأخيه عبد الله المأمون ببغداد وحبس محمد في قصر أبي جعفر مع أمّ جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر وهي زبيدة.
ذكر السبب في ذلك
لمّا توفّى عبد الملك بن صالح بالرقّة نادى الحسين بن عليّ بن عيسى بن ماهان في الجند، فصيّر الرجّالة في السفن والفرسان في الظهر، ووصلهم وقوّى ضعفاءهم، ثم حملهم حتى أخرجهم من بلاد الجزيرة وذلك في سنة ستّ وتسعين ومائة.
فلمّا وصلوا إلى بغداد تلقّاه الأبناء بالتكرمة والتعظيم، وضربوا له القباب واستقبله الرؤساء وأهل الشرف ودخل منزله في أفضل كرامة وأحسن هيئة.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)