صفحة 4 من 12 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 13 إلى 16 من 45

الموضوع: تجارب أمم المجلد السادس


  1. #13
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    نوح بن نصر يقبض على إخوة ابن محتاج ويقتل بعضهم

    وفي هذه السنة سملت علم القهرمانة وقطع بعد ذلك لسانها.
    وفيها ورد الخبر بأنّ نوحا صاحب خراسان قبض على إخوة أبي على ابن محتاج وقتل بعضهم.
    ذكر السبب في ذلك

    لما انهزم ابن محتاج من بين يدي ركن الدولة بعد أن كان ضمن لصاحب خراسان فتح الري أمدّه صاحبه بابن ملك وجماعة من نظرائه وقوّاده وبالغ في تقويته فسار في عدّة وعدّة وافرة.
    فكاتب ركن الدولة عماد الدولة وسأله المدد فأمره أن يخلى لهم الطريق ويصير إليه وأعلمه أنّ له تدبيرا في ذلك ففعل ركن الدولة ذلك ودخل الخراسانية الري.
    فراسل عماد الدولة صاحب خراسان سرّا يعرّفه قلة جدوى الرّى عليه مع ما يلتزمه من النفقات على العساكر العظيمة وأنّ الاستيحاش بينهما زائد مع ذلك ويسأله أن يزيل هذه الوحشة بأن يضمنه أعمال الريّ عشر سنين بمثل ما تقرّر عليه بينه وبين ابن محتاج وزيادة مائة ألف دينار في كلّ سنة على أن يسلفه مال سنة. وسأله إنفاذ ثقة من ثقاته ليوقع العهد معه ويحمل المال على يده وأنّه يعاونه بعد ذلك على ابن محتاج حتى يظفر به.
    فوردت هذه الرسالة على نوح بن نصر ونيّته فاسدة لابن محتاج وتطلعت نفسه إلى تحصيل المال فشاور ثقاته وكلهم أضداد وأعداء لابن محتاج فأشاروا عليه بقبول ما بذله عماد الدولة فأظهر حينئذ ما كان في نفسه وقبض على إخوة أبي عليّ ابن محتاج وأهله وأسبابه وقتل بعضهم.
    وأنفذ إلى عماد الدولة عليّ بن موسى المعروف بالزرّاد وكان من قوّاده وأكابر حاشيته فسار على الجمازات واستقبله عماد الدولة وأكرمه وواصل إليه العطايا والتحف وماطله فيما ورد له.
    وراسل أبا عليّ ابن محتاج يعلمه خبر هذا الرسول ويطلعه على ما ورد له وقرر في نفسه أنّه على عهده محافظ على وده وحذره من غدر نوح وخوفه منه فحينئذ أنفذ ابن محتاج رسوله إلى إبراهيم بن أحمد وهو عمّ نوح وكان إذ ذاك بالموصل أحد قوّاد ناصر الدولة فعرّفه أنّه قد عقد له الرياسة وأخذ له البيعة على أصحابه على أن يكون إليه خراسان ويمضى معه فيحاربان نوحا ويؤكد عليه أن يعجل إليه.
    فرغب إبراهيم بن أحمد في ذلك واستأذن ناصر الدولة في المضي فقال له:
    « نحن على المصير إلى بغداد فانتظر حتى ندخلها فإذا دخلناها قلّدك الخليفة وخلع عليك من داره وعقد لك لواء فيكون أعزّ لك وأقوى لأمرك. » وكان هذا في آخر أيام المستكفي بالله فعمل إبراهيم بن أحمد على ذلك فلمّا طالت المدة وحدث على المستكفي بالله الحادثة وانحدر ناصر الدولة إلى بغداد تتابعت رسل أبي على ابن محتاج إلى إبراهيم فعبر تكريت في سبعين غلاما ومضى إلى دقوقا ومنها إلى طريق خراسان.
    ثم وردت كتبه من الريّ على ناصر الدولة بأنّه سائر إلى نيسابور لمحاربة ابن أخيه نوح فأنفذ إليه ناصر الدولة خلعا سلطانية ولواء عقده له عن الخليفة المطيع لله وحمل إليه ذلك مع خجخج المسمول فتطير الناس له من ذلك وقالوا أنّه لا يتمّ أمره.
    ولمّا بلغ أبا على مسير إبراهيم تلقاه الى همذان وعاهده على السمع والطاعة والنصيحة وعاد معه إلى الريّ ثم نهضا جميعا إلى خراسان وكتب كتابا إلى ركن الدولة بانّه سائر إلى خراسان وأنّه قد أفرج له عن الريّ فكتب عماد الدولة إلى أخيه ركن الدولة بالمسير إليها فبادر إلى ذلك واضطرب خراسان على نوح بن نصر.
    ذكر ما تم من الحيلة لعماد الدولة في تلك الحال

    لمّا فرغ عماد الدولة من التضريب بين ابن محتاج وبين صاحبه وتمّت المكاشفة بالعداوة بينهما بادر بردّ الزراد رسول صاحب خراسان على نوح برسالة يقول فيها: إنّه قد ظهر ما كان ينذره به من سوء نية ابن محتاج وسعيه عليه وأنّه لمّا كاشفه بالحرب مع عمه إبراهيم أنفذ أخاه ركن الدولة إلى عسكره حتى إذا سارت جيوش نوح بن نصر إلى عمّه وإلى ابن محتاج واحتاج إلى أن يسير ركن الدولة من ورائهم معاونا له عليهما فعل ذلك.
    وأقبل نوح إلى نيسابور في عساكره وجميع من معه من أصحاب جيوشه ورجاله فبرز له إبراهيم وابن محتاج فحارباه وكسراه وأسرا إبراهيم بن سمجور ومنصور بن قراتكين وعددا كثيرا من قوّاده واستأمن أكثر جيشه وانصرف نوح مفلولا على حال سيّئة من الضعف والحيرة واتبعه إبراهيم وابن محتاج وحملا معهما إبراهيم بن سمجور ومنصور بن قراتكين أسيرين واستمرّت بنوح الهزيمة إلى سمرقند فدخل إبراهيم بن أحمد بخارى واشتمل على الخزائن والذخائر وذلك في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
    وكتب ابن محتاج إلى عماد الدولة يبشّره بما جرى ويسأله تجديد أمر السلطان لإبراهيم ابن أحمد بالخلع والعقد له على خراسان.
    ذكر ما انتهى إليه أمر إبراهيم وابن محتاج مع نوح بن نصر وما اتّفق من الأسباب التي أعادت نوحا إلى سريره ومقرّ عزّه بخراسان

    كان سبب ذلك أنّ إبراهيم أصغى إلى قوم حساد لأبي عليّ ابن محتاج فكانوا يوهمونه أنّ أبا عليّ إنّما استعان به ليجتمع له جيوش خراسان فإذا فرغ من نوح عطف عليه فعامله بمثل ما عامل به نوحا وأنّ الصواب له أن يحترز منه.
    فوقر ذلك في نفس إبراهيم وأطلق ابن سمجور وابن قراتكين وخلع عليهما من غير رأى أبي عليّ ابن محتاج فاستوحش ابن محتاج وانقبض عن إبراهيم وتمكن ابن سمجور وابن قراتكين من استمالة الجند وكاتبا نوحا وتردّدت الرسل بينهم سرّا.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #14
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم إنّ نوحا سار إلى ثغور خراسان فجمع منها جيشا واستخرج أموالا وعاد إلى بخارى فملكها وقهر عمّه وحصل أسيرا في يده فسمله وسمل جماعة من أهل بيته.
    ذكر الحيل التي تمت لنوح على عمه حتى تمكن منه ومن عسكره

    كان إبراهيم وابن محتاج خرجا إلى ظاهر بخارى وعسكرا بموضع يقال له: ريكستان، فبينما هم نزول إذ صاح صائح في الميدان الذي بحذاء دار الامارة ببخارى:
    « نوح يا منصور. » واجتمع إليه طائفة من الحشم.
    ثم إنّ نوحا زحف إلى عمّه إبراهيم وكان يدبّر أمره ابن أبي داود البلخي فاحتال على تقوية قلوب أصحابه بأن أعلمهم أنّ مددا كثيرا قد أقبل إليهم وهم يلحقون في الليل وكانت الحرب قد وقعت في ذلك اليوم فكانت على نوح.
    فلمّا كان في الليل أنفذ طائفة من عسكره مع مراكبهم وأمرهم بالإبعاد، فإذا كان في الثلث الآخر من الليل ضربوا بطبولهم وبوقاتهم ودبادبهم ودخلوا العسكر في صورة المدد، ففعلوا ذلك فلم يزالوا إلى الصبح يدخلون العسكر على هذه الصورة.
    فلمّا أصبحوا وتصافّوا للحرب استأمن الديلم الذين كانوا مع إبراهيم وانهزم قوم من أصحابه وانهزم أبو عليّ ابن محتاج وظفر نوح بإبراهيم وعامله بما ذكرت.
    وفي هذه السنة مات أبو بكر محمد بن طغج الأخشيد وتقلّد مكانه ابنه أبو القاسم بوجور وغلب كافور الخادم الأسود وكان خادم الأخشيد على الأمر.
    وفيها مات علي بن عيسى عن تسعين سنة.
    ودخلت سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة

    ذكر توثق معز الدولة من المطيع لله

    لما اجتمع لمعز الدولة أمر بغداد في هذه السنة زاد في التوثّق من أمير المؤمنين المطيع لله، فاستحلفه بيمين عظيمة ألّا يتغيّب عن معز الدولة ولا يبغيه سوءا ولا يمالئ له عدوّا. فلمّا حلف أزال عنه التوكيل وعاد إلى دار الخلافة.
    واعتزل أبو على الحسن بن هارون النظر في الأمور لتحامل الصيمري عليه ومصادرة كاتبه فردّ النظر في الأعمال إلى أبي الحسين علي بن محمد بن مقلة من قبل أبي جعفر الصيمري ورعى له معز الدولة مكاتبته له أيام مقامه في الجانب الغربي. فلمّا عبر معز الدولة ولقيه لزمه ثم ردّ في هذا الوقت إليه النظر في الأمور وقلّد كتبة الخليفة أبو أحمد الفضل ابن عبد الرحمن الشيرازي وسلّمت إليه ضياع الخدمة ارتفاع مائتي ألف دينار في السنة.
    خبر دخول ركن الدولة الري وملكه الجبل بأسره

    وفيها ورد الخبر في المحرّم بدخول الأمير ركن الدولة الريّ وأنّه ملك الجبل بأسره.
    التماس ناصر الدولة الصلح من معز الدولة

    وفيها ورد أبو بكر ابن قرابة من عكبرا برسالة ناصر الدولة يلتمس فيها من معز الدولة الصلح وقد كان تردّد قبل هذه الوقعة مرات فتقرّر أمر الصلح على أن يكون في يد ناصر الدولة من حد تكريت إلى فوق ويضاف إلى أعماله مصر والشام على أن لا يحمل عن الموصل وديار ربيعة شيئا ممّا كان يحمله من المال ويكون الذي يحمله عن مصر والشام ما كان يحمله الأخشيد محمّد بن طغج عنهما وعلى أن يدرّ ناصر الدولة الميرة إلى بغداد ولا تؤخذ لها ضريبة، وحلف معز الدولة بحضرة الخليفة والقضاة على ذلك والوفاء به.
    وأنفذ القضاة مع ابن قرابة إلى معز الدولة لالتماس الصلح بغير موافقة منه للأتراك ولا علم منهم فلمّا علموا بذلك وظهر أمر الصلح اجتمع الأتراك للإيقاع به وأحسّ ناصر الدولة بذلك فخرج بالليل وعبر إلى خيمة ملهم.
    وكان ملهم والقرامطة في الجانب الغربي والأتراك وناصر الدولة في الجانب الشرقي واستجاره فأجاره وسيّره في الجانب الغربي ومعه ابن شيرزاد وبقي الأتراك في الجانب الشرقي.
    فلمّا فاتهم ناصر الدولة اجتمعوا على تأمير تكين الشيرزاذى وقبضوا على أبي بكر ابن قرابة بعد أن نزل به مكروه عظيم وقبضوا على كتّاب ناصر الدولة وأسبابه وساروا يطلبونه واستأمن ينال كوسه ولؤلؤ إلى معز الدولة وأسرع ناصر الدولة في سيره فلم يلحقه الأتراك.
    ولما صار إلى مرج جهينة قبض على ابن شيرزاد وسلّمه وعلى طازاذ وعلى أبي سعيد ووهب بن إبراهيم وجوهر خادم ابن شيرزاد وأنفذ جماعتهم إلى القلعة.
    ولم يتلبّث ناصر الدولة ومضى إلى نصيبين ورحل تكين الشيرزاذى والأتراك إلى الموصل وغلبوا عليها ثم ساروا في طلبه فمضى إلى سنجار فتبعوه وكتب إلى معز الدولة يستصرخه فأنفذ إليه معزّ الدولة جماعة من قوّاده ثم أنفذ إصفهدوست بعدهم ثم أخرج الصيمري.
    ولمّا سار تكين الشيرزادى إلى سنجار في طلب ناصر الدولة سار من سنجار إلى الحديثة فتبعه تكين إلى الحديثة فلمّا قرب منه سار ناصر الدولة إلى السن وهناك لحق به جيش معز الدولة وأبو جعفر الصيمري وإصفهدوست فساروا بأسرهم إلى الحديثة للقاء تكين الشيرزادى.
    ووقعت الوقعة بالحديثة وكانت شديدة فانهزم تكين وتقطع أصحابه واستؤسر منهم وجوه القوّاد وجماعة من الأصاغر وقتل منهم خلق بعد أن كان استعلى واستظهر في الحرب.
    ذكر السبب في هزيمة تكين والظفر به بعد استعلائه

    كانت العرب على كثرة عددهم في عسكر الصيمري ينقضون صفوف الديلم ولا يصدقون اللقاء فقال لهم الصيمري:
    « اعتزلوا عنّا ولا تدخلوا بيننا وانظروا فإن انهزم واحد منهم فاتبعوه وإن ثبت فدعونا وإيّاه ما دام ثابتا واعلموا أنّكم إذا قربتم منّا واختلطتم بمصافنا بدأنا بكم قبل أعدائنا ».
    ففعلوا واعتزلوا وصبر الفريقان وحمل الأتراك حملات شديدة ثبت لها الديلم ثم وثبوا في وجوه الأتراك فلمّا ولّوا حمل عليهم العرب ووضعوا الرماح بين ظهورهم ونكّسوهم فأكثروا القتل والأسر.
    ثم استأسر جنود تكين الشيرزادى فتقرّبوا به إلى ناصر الدولة فسمله للوقت وأنفذه إلى قلعة من قلاعه وسار ناصر الدولة وأبو جعفر إلى الموصل فنزل الصيمري في الجانب الشرقي بإزاء الموصل ودخل إليه ناصر الدولة وحصل عنده في خيمته وخرج من عنده وعبر إلى الموصل ولم يعد إليه بعدها.
    فحكى عن ناصر الدولة أنّه قال:
    « لمّا حصلت مع أبي جعفر الصيمري في خيمته ندمت وعلمت أنّى قد أخطأت وغررت فبادرت إلى الانصراف. » وحكى عن الصيمري أنّه قال:
    « لمّا خرج من عندي ناصر الدولة ندمت على تركي القبض عليه وعلمت أنّى قد ضيّعت الحزم وأخطأت بعد أن فاتنى الصواب. » ثم تسلّم أبو جعفر الصيمري طازاذ ووهبا وجوهرا وألف كرّ حنطة وشعيرا وانحدر بهم إلى بغداد مع ابن لناصر الدولة رهينة يقال له هبة الله وأدخل ابن شيرزاد بعده بيوم إلى بغداد موكّلا به وصادره معزّ الدولة على خمسمائة ألف درهم ثم حمل ناصر الدولة تكين الشيرزادى مسمولا إلى معزّ الدولة فأحسن إليه معزّ الدولة وأطلقه وأقطعه إقطاعا.
    حوادث أخر

    وفيها خرج لشكرورز بن سهلان في جيش إلى الأهواز ومعه عامل خراج وظهرت الوحشة بين الأمير معز الدولة وبين أبي القاسم البريدي.
    وقبض معزّ الدولة على ينال كوسه وكان استحجبه وعلى أرسلان كور وعلى فتح اللشكري وحملهم إلى قلعة رامهرمز.
    وفي يوم الأحد لثمان خلون من شوّال ضرب الصيمري ابن شيرزاد بحضرته بالمقارع وطالبه بمال المصادرة وأنحدر الصيمري إلى الأهواز.
    وفيها جرت وقعة بين أصحاب البريدي وبين أصحاب معزّ الدولة فكانت على البريدي وأسر منهم نحو مائتي رجل من وجوه الديلم.
    ودخلت سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة

    المطيع ومعز الدولة ينتزعان البصرة من يد البريدي

    وفيها سار المطيع لله والأمير معز الدولة إلى البصرة وانتزعاها من يد أبي القاسم البريدي فسارا من واسط في البريّة على الطفوف فلمّا صاروا في البريّة ورد على الأمير معزّ الدولة رسول الهجريين القرامطة من هجر بكتاب منهم إليه بالإنكار عليه في سلوك البريّة من غير أمرهم إذ كانت لهم. فلم يجب عن الكتاب وقال للرسول:
    « قل لهم: ومن أنتم حتى تستأذنوا في سلوك البريّة وكأنّى أنا أقصد البصرة إنّما قصدي بلدكم وإليكم بعد فتحى إيّاها وستعرفون خبركم ».
    وكلام في هذا المعنى فانصرف الرسول.
    وانحدر أبو جعفر الصيمري وموسى فياذه في الماء فملك مسماران ودخل دار البريدي بها بعد حرب يسيرة ووصل الخليفة والأمير معزّ الدولة إلى الدرهمية فاستأمن إليه جيش البريدي بأسره وهرب أبو القاسم البريدي إلى هجر وملك معزّ الدولة البصرة فأنحلت الأسعار كلّها ببغداد انحلالا شديدا.
    وقبض معزّ الدولة على جميع قوّاد البريدي بالبصرة واستخرج أمواله وودائعه وقبض خزائنه وأحرق كل ما وجد له من آلات الماء من الشذاآت والطيارات والزبازب واستدعى لؤلؤا من بغداد فقلّده أعمال البصرة والحرب.
    معز الدولة يصل إلى الأهواز ليلقى أخاه عماد الدولة

    ووصل معزّ الدولة من البصرة إلى الأهواز ليلقى أخاه عماد الدولة وتأخّر الخليفة والصيمري بالبصرة.
    وتأخرّ كوركير عن صحبة معزّ الدولة من غير موافقة وقيل: إنّه في التدبير عليه، وعقد الرياسة لنفسه فوجّه إليه بأبي جعفر الصيمري فامتنع عليه وحاربه في داره فظفر به أبو جعفر وقبض عليه وصار به إلى معزّ الدولة فأنفذه إلى القلعة برامهرمز.
    ولقي معزّ الدولة أخاه عماد الدولة فقبل الأرض بين يديه واجتهد به عماد الدولة أن يجلس بين يديه فلم يفعل وكان يتردّد إليه كل يوم بالغداة والعشيّة فيقف ولا يجلس.
    وقيل للأمير معزّ الدولة: إنّ عماد الدولة يريد أن يسأله في الإفراج عن رامهرمز وعسكر مكرم. فحكى أبو الحسن المافرّوخى أنّه كان مع معزّ الدولة وكان عماد الدولة ورد أرجان فالتقيا بها قال: فدعاني عماد الدولة وقال:
    « بلغني أنّه حكى لأخي أنّى وافيت إلى هذا الموضع لارتجع منه بعض أعمال الأهواز. » وضرب بيده إلى لحيته وقال:
    « سوءة لها، إن أنا تواضعت لهذه الحال من لي حتى أحتاج إلى استكثار البلاد وادّخار المال له؟ هذا وأخوه ابناى وإنّما أريد الدنيا لهما، والله ما وافيت إلّا لأعقد ما بينهما أمر الرياسة حتى لا يجرى خلاف إن حدثت بي حادثة فإني عليل كما ترى واسأله أن يقدّم الكبير على نفسه كما جرت العادة وبارك الله له في بلاده ولو أراد بعض فارس لوهبته له ولقد أصبحت وأمسيت وما مناي على الله إلّا العافية وسلامتهما وإبقاؤهما فإنّهما أخواى بالنسب وابناي بالتربية وصنيعتاى بالولايات ومن لي غيرهما فيقدّر ما يقدّر. » قال: « فعدت إلى معزّ الدولة وحدّثته بالحديث فبكى وحضر في آخر النهار عند عماد الدولة فأسرف في الشكر والدعاء وتذكر الكلام فبكى بحضرته حتى ضمه عماد الدولة إلى نفسه. »
    وتمّ الصلح مع ناصر الدولة
    ثم انصرف إلى بغداد وامتدّ إلى باب الشماسية وقدم الخليفة فنزل بالزبيدية. وأظهر معزّ الدولة أنّه يريد الموصل وكتب عن المطيع لله كتابا إلى ناصر الدولة وورد أبو بكر ابن قرابة إلى هناك بجواب الرسالة وتردّد مرّات ثم حمل المال وتمّ الصلح.
    ودخلت سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة

    وفيها ورد الخبر بوقعة للروم مع سيف الدولة انهزم فيها سيف الدولة وأخذ الروم مرعش وأوقعوا بأهل طرسوس.
    وفيها قبض معزّ الدولة على اصفهدوست وحمله إلى قلعة رامهرمز.
    ذكر السبب في ذلك

    كان اصفهدوست خال ولد معزّ الدولة وولد له من أخته الحبشي وكان يكثر الدالّة عليه ويقلّ الهيبة له وكان يزرى عليه في كثير من أفعاله. وبلغ معزّ الدولة عنه أنّه يراسل المطيع لله في الإيقاع به وأنّه قد استجاب له إلى ذلك فلمّا كثر عليه ذلك قبض عليه.
    وفيها ورد الخبر بانّ ركن الدولة هزم العلوي الذي كان بجرجان وطبرستان.
    وفيها دخل أبو القاسم البريدي في الأمان إلى بغداد ولقي معز الدولة وقبّل الأرض بين يديه وأنزله وأقطعه بمائة وعشرين ألف درهم ضياعا.
    وفيها ورد الخبر بمسير السّلار وهو المرزبان بن محمّد إلى الريّ طامعا فيها وفي دفع ركن الدولة عنها فحاربه ركن الدولة وأسره مع ثلاثة عشر قائدا من قوّاده وحمله إلى القلعة بسميرم وحبسه فيها وعاد الأمير ركن الدولة إلى الريّ وقد شرحنا أمره على الاستقصاء فيما بعد.
    تزوير خط ابن قرابة

    وفيها خرج الأمير معزّ الدولة إلى الموصل ودخلها وجرت مراسلات بين ناصر الدولة ومعز الدولة استقرّ آخرها على أن يحمل عن الموصل وديار ربيعة وديار مضر والرحبة والشام في كل سنة ثمانية آلاف ألف درهم ويقيم الخطبة لعماد الدولة ومعزّ الدولة وبختيار بن معزّ الدولة وأخذ الفضل والحسين ابني ناصر الدولة رهينة وانصرف إلى بغداد.
    ولم يكن الصيمري أخذ خطّ ناصر الدولة بهذه المفارقة وذلك لأنّ ابن قراتكين غلام صاحب خراسان قصد الريّ واضطرب معزّ الدولة فبادر إلى بغداد لينفذ منها جيشا إلى أخيه فعسف أبا جعفر عسفا شديدا في فصل القصّة.
    فقال الصيمري تسكينا له:
    « ارحل إذا شئت فقد أخذت الخطّ بثمانية آلاف ألف درهم. » ونما بعض الخبر إلى ناصر الدولة فامتنع على أبي جعفر من بذل الخط وخاف أبو جعفر أن يخبر الأمير معزّ الدولة بالصورة بعد الاعتراف فلا يقيله العثرة وانحدر إلى بغداد.
    فقال أبو محمّد المهلبي وكان يخلف الصيمري: قلت لأبي جعفر:
    « بأيّ شيء تحتجّ على الأمير إذا طالب بهذا الخط فلم تحضره إيّاه؟ » فقال: « أطالب ابن قرابة حتى يكتب خطّه عنه فإنّه لا يقدر على مخالفتي ثم إن أنكر ناصر الدولة قلت إنّه خليفته وما كتب عنه يلزمه. » قلت: « فإن لم يكتب ابن قرابة خطّه وهذا مما لا يجوز أن تكرهه عليه؟ » قال: « نزوّر على خطّ ابن قرابة. » (و كان ببغداد من يزورّ على الخطوط عجبا).
    قلت: « فإذا صحّ رأيك على هذا فلا تطالب ابن قرابة بكتب الخطّ فإنّه إن امتنع عليك بطل التزوير به ولكن نزوّر. فزوّرنا والله على خطّ ابن قرابة ضمانا بثمانية آلاف ألف درهم وخرج الصيمري لحرب عمران ثم حدثت الحادثة من موت عماد الدولة وشخص وكانت كرّته التي ما عاد بعدها. » ووافى ابن قرابة وطالبته بالمال فأبى وأريته الخط فجحده وحلف بالطلاق أنّه ما كتبه ثم قال:
    « ما أشك أنّه خطّى ولكن ما كتبته. ثم هذا يا هذا أنا قد شككت فكيف غيري ممّن تشتبه عليه الخطوط؟ وأنت تعلم يا با محمد أنّ ناصر الدولة امتنع من كتب الخطّ على أبي جعفر وانّ أبا جعفر خرج وما أخذه وقد أحاطت بي البلوى وليس هذا حقّى عليك. » فقلت: « الأستاذ أبو جعفر غائب وكلامك فيه لا يقبل والأمير ينصر وزيره ولا ينصرك ويشهد ونحن معه أنّ هذا خطّك لئلّا يبطل ماله ويصير محصوله مخاصمة وزيره ولكن الرأي أن تقول للأمير: لما حدث أمر ابن قراتكين وخرج الجيش إلى الري طمع ناصر الدولة وجحد الضمان والوجه مقاربته حتى يصحّ من جهته بعض المال وإلّا بطل الأصل، ثم إذا زال هذا الشغل بعد سنة صار الكلام لسنة مستأنفة ويعجّل شيئا يؤخذ منه فإنّ هذه السنة أصلح ». » فأعاد ذلك على الأمير معزّ الدولة ودعاني على خلوة وقال لي:


  • #15
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    « أى شيء ترى؟. » فقلت: « الوجه أن نقارب ونأخذ ومتى تمكّنّا من قصد الموصل فالضمان معنا ونحن نستوفى تمام الثمانية آلاف الألف الدرهم. » قال: « فافعل. » وقررنا الأمر على ثلاثة آلاف ألف درهم لسنة واستوفيناها.
    وكان الصيمري لمّا انصرف من عند ناصر الدولة بالصلح صار ناصر الدولة إلى الموصل وعسف الناس وطالبهم بمال التعجيل.
    خروج سبكتكين إلى الري

    وفي هذه السنة خرج سبكتكين الحاجب ومعه أكثر الجيش والقرامطة إلى الري مددا لركن الدولة ثم أتبعه معزّ الدولة بروزبهان وعليكان وجماعة من الديلم ولحقوا به.
    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب فيه أن جيش خراسان تحرّك فورد الخبر على ركن الدولة وكان ابن عبد الرزاق من كبار أصحاب الجيوش بخراسان إلّا أنّه كان مستوحشا من صاحبه فكاتب ركن الدولة بأنّه صائر إليه في الجيش الذي معه فاستعدّ له ركن الدولة وأعدّ أصناف الكرامات له.
    وكاتب أخاه أبا الحسين أحمد بن بويه معزّ الدولة وأخاه أبا الحسن علي بن بويه عماد الدولة فحمل كل واحد منهما إليه شيئا كثيرا من المال والدوابّ والثياب والألطاف فصرفها كلّها إليه مع ما أضاف إليه من جهته، وذلك بعد أن حضره ووطئ بساطه ورده إلى الدامغان فوصل إليه شيء لا عهد له بمثله. وإنّما ردّه إلى الدامغان لئلا يتضايق الريّ بالعساكر وقيل له:
    - فرّق من الأموال ما ترى على من ترى.
    ثم استقرّ الرأي بين الأمراء الثلاثة أعنى عماد الدولة وركن الدولة ومعزّ الدولة على تقليد ركن الدولة خراسان والعقد له عليها ليكون محاربته إيّاهم على الأصل والولاية.
    ثم وردت الأخبار بحركة المرزبان بن محمّد بن مسافر وهو السّلار وأنّه عازم على قصد الريّ لمحاربة ركن الدولة مغتنما ورود جيش خراسان وأنّه سيشغله ذلك عنه.
    فندب عند ذلك معزّ الدولة سبكتكين الحاجب للمسير إلى ركن الدولة مددا له بعد أن عظم أمره وفخم شأنه، وضمّ إليه جماهير عسكره وأكابر قوّاده وفيهم بورريش وروزبهان ومن يجرى مجراهما وقطعة وافرة من الأتراك وثلاثة آلاف من شجعان العرب المعروفين فيهم إبراهيم بن المطوّق المعروف بابن البارد وعمّار المجنون وأحمد بن صالح الكلابي وطبقتهم وأطلق الأموال وأزاح العلل في الخيل والسلاح وغيرها.
    وكتب عهد ركن الدولة على خراسان وعقد لواءه وحملت الخلع إليه معه وخرج بذلك أحد حجّاب السلطان مع سبكتكين الحاجب فسارت الجماعة معه على أتم أهبة.
    فلمّا وصل العسكر إلى ظاهر الدينور خلع بورريش الطاعة وأنف من متابعة سبكتكين والمسير تحت رايته وجمع إلى نفسه الديلم الذين في العسكر فاستجابوا له جميعا وبكروا عليه في غداة غد وهو فيها غافل جالس في خيمة له فغافصوه ورماه بزوبين أثبته في كتفه وولى من موضعه وخرج مجروحا من تحت ذيل خيمته وركب جنيبة النوبة فبرز إلى الصحراء وتلاحق به غلمانه وسائر الأتراك مع العرب وتمكن الديلم من رحله وسواده فنهبوه ونهب رحل حاجب السلطان الذي معه الخلع فذهبت في النهب.
    وتحيز الديلم كلّهم مع بورريش إلّا روزبهان ونفرا قليلا معه فإنّهم اختاروا طاعة سبكتكين على طاعة بورريش ومرّ بورريش هائما على وجهه ورجع عنه الديلم إلى سبكتكين فقبلهم سبكتكين وبسط عذرهم ولم يسئ إلى أحد منهم.
    وأمر العرب بطلب بورريش فلم يكن بأسرع من أن يوافى به إبراهيم بن المطوق المعروف بابن البارد أسيرا مسلوبا فأقيم بين يدي سبكتكين فخاطبه بما يجرى مجرى التشفي وأسمعه القبيح ثم أمر بتقييده ورحل إلى همذان واستأنف الخلع التي انتهبت حتى أقام العوض عنها ثم تمم المسير إلى حضرة ركن الدولة فوجده نازلا بباب الري فسلم بورريش إليه فكان آخر العهد به.
    ولبس الخلع فبرز فيها للناس وقرئ عهده على خراسان بمشهد من القضاة والقواد ووجوه الناس ووافاه المدد من شيراز واستدعى محمد بن عبد الرزاق من الدامغان لمناجزة المرزبان فإنّه كان أهمّ وأولى بالابتداء فلمّا واقعه ظفر به وأخذ أسيرا كما حكينا في أخباره.
    ودخلت سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

    انحدار الصيمري لمحاربة عمران بن شاهين

    وفيها انحدر أبو جعفر الصيمري لمحاربة عمران بن شاهين وكان هذا الرجل من أهل الجامدة وجنى جناية فهرب إلى البطيحة من سلطان الناحية فأقام بين القصب والآجام واقتصر على ما يصيده من السمك قوتا ثم اضطر إلى معارضة من يسلك البطيحة متلصصا وعرف خبره جماعة من صيادي السمك فاجتمعوا اليه مع جماعة من المتلصصة هناك حتى حمى جانبه من السلطان.
    فلمّا أشفق من أن يقصد استأمن إلى البريدي فقلده أبو القاسم الجامدة للحماية والأهواز التي في البطائح فما زال يجمع الرجال إلى أن كثر أصحابه وقوى فغلب على تلك النواحي.
    انصراف ابن قراتكين إلى نيسابور

    وفيها ورد الخبر بأنّ ابن قراتكين غلام صاحب خراسان انصرف إلى نيسابور وتفرّقت جموعه عنه وبقي وشمكير بطبرستان فسار إليه ركن الدولة.
    يريده فلمّا قرب منه انصرف بغير حرب وعارضه عليّ بن سرخاب أحد قواد ركن الدولة فأوقع بسواده واستأمن أكثر أصحاب وشمكير إلى ركن الدولة ودخل ركن الدولة آمل.
    إيقاع الصيمري بعمران

    وفيها أوقع الصيمري بعمران بن شاهين دفعة بعد دفعة واستأسر أهله وعياله وهرب عمران بن شاهين واستتر.
    ورود خبر موت عماد الدولة واضطراب الجيش

    ثم ورد الخبر بموت عماد الدولة عليّ بن بويه فاضطرب الجيش هناك وكتب معزّ الدولة إلى الصيمري بالمبادرة إلى شيراز لإصلاح الأمور بها فترك الصيمري ما كان فيه من طلب عمران ابن شاهين وبادر إلى شيراز.
    ووافى ركن الدولة إلى شيراز واجتمعا على تقرير الأمور وضبط البلد وإصلاح أمر الجيش فلمّا استقام الأمر وصلح البلد سلماه إلى الأمير أبي شجاع فنّاخسره بن ركن الدولة وانصرفا عنه.
    وكانت علة عماد الدولة التي مات فيها قرحة في كلاه طالت به ونهكت جسمه ولمّا مات نفذت كتب الخليفة بأنّه قد نصب أخاه الأمير ركن الدولة مكانه وجعله أمير الأمراء.
    وتغيرت نيّة الأمير معزّ الدولة على أبي الحسن المافرّوخى وقبض على أبي محمد عليّ بن عبد العزيز ابن عمّه بالبصرة ثم على أبي الحسن بعده لمّا عجزا عن ضمان البصرة والأسافل فإنّ أمرها كان مشتركا وكتب إلى أبي جعفر الصيمري وهو بشيراز بأن ينفذ إليه أبو الفضل العبّاس بن فسانجس فأنفذه وقلّده الدواوين التي كانت إلى أبي الحسن المافرّوخى ويسألها منه قبل أن يستكتب الأمير معزّ الدولة أبا محمد المهلّبي بأسبوع.
    ثم حاول أن يدخل يده في ديوان السواد ليجرى في ديوانه فمنعه أبو محمّد المهلبي واحتجّ عليه بأن هذا الديوان كان يجرى في ديوان الصيمري.
    ثم حاول أن يدخل يده في ديوان النفقات وكان يتولّاه أبو الفضل العبّاس ابن الحسين الشيرازي وفي ديوان الجيش وكان إلى سهل بن برديشت وفي حساب الخزانة الذي يتولّاه أبو على الحسن بن إبراهيم الشيرازي فمنعه معزّ الدولة من ذلك لخصوص هذه الطائفة [ به ] وسكونه إليها.
    وفيها ورد الخبر بأنّ كوركير وينال كوسه قتلا الموكّلين بقلعة رامهرمز وكسرا قيودهما وخرج ينال كوسه وهرب فلقيه الأكراد ومانعهم فقتلوه ولم يخرج كوركير ولا فتح اللشكري ولا أرسلان كور ولا اصفهدوست وكتب معزّ الدولة إلى أبي جعفر الصيمري وهو بشيراز أن يبادر إلى القلعة وحفظها فبادر وكان اصفهدوست عليلا من قولنج فمات بها.
    ولمّا بعد الصيمري عن عمران وشغل بهذه الأسباب بعد أن لم يبق في أمره شيء تنفّس وخرج من استتاره وعاد إلى أمره وجمع إليه من كان تفرّق عنه من رجاله وقوى أمره.
    ترشيح فناخسره للأمر

    وفي هذه السنة أحس عليّ بن بويه عماد الدولة بالموت لمخالفة العلل إيّاه وخاف لبعد أخيه عنه وكثرة من في جملته من كبار الديلم أن يطمع في مملكته بعده فاستدعى فنّاخسره بن ركن الدولة من أبيه ليرشّحه للأمر بعده ويأنس به القوّاد والجيش ففعل ذلك.
    وسار فناخسره بن ركن الدولة إلى شيراز وضم إليه أبوه حاشيته الثقات ولمّا قرب من شيراز تلقّاه عماد الدولة في جميع عسكره وأجلسه في داره على السرير وأمر الناس بالسلام عليه ووقف بحضرته لئلا يمتنع أحد فكان يوما عظيما مشهودا، ثم عهد إليه بعد ذلك ومات.
    ذكر استعمال حزم واستظهار من عماد الدولة قبل موته

    كان عماد الدولة يتهم جماعة من أكابر قوّاده ويعرفهم بطلب الرياسة لأنفسهم. وكانوا يرون أنفسهم أكرم منه منصبا وأحق بالولاية فنظّف عسكره منهم وقبض على جماعة.
    فكان ممن قبض عليه شيرنجين بن جليس فخوطب فيه وتشفّع فيه وجوه حاشيته وثقات أصحابه فقال لهم:
    « إني أحدّثكم عنه بحديث فإن رأيتم بعد استماعه أن أطلقه فعلت. »
    ثم ابتدأ يحدّثهم أنّه كان بخراسان في خدمة نصر بن أحمد. قال:
    « ونحن يومئذ في شرذمة من الديلم وكان يجلس نصر بن أحمد للسلام في كل أسبوع مرّتين فجلس ذات يوم وحواليه من مماليكه ومماليك أبيه بضعة عشر آلاف غلام سوى سائر العسكر فرأيت شيرنجين هذا قد جرّد دشنيا واشتمل عليه بكسائه. فقلت له:
    « ما هذا؟ » قال: « أريد أن أصنع اليوم ما أذكر به آخر الدهر. » قلت: « وما هو؟ » قال: « أدنو كأنّى متظلم أو طالب حاجة فأقبّل الأرض ولا أزال أدنو حتى إذا وثقت بالوصول إلى هذا الغلام (يعنى نصر بن أحمد) فتكت به ثم لا أبالى أن أقتل بعده وقد أنفت من القيام بين يدي صبيّ. » وكان لنصر بن أحمد يومئذ عشرون سنة وقد خرجت لحيته.
    فعلمت أنّه إن فعل لم يقتل وحده حتى نقتل كلّنا معه معاشر الديلم فأخذت بيده وقلت له:
    « بيني وبينك حديث. » وجمعت عليه الديلم وحدّثتهم بما همّ به وما يجيء علينا كلّنا إن تمّ له ما يريد فقبضوا على يده وأخذوا منه الدشنى.
    أ فتريدون من بعد أن سمعتم رأيه في نصر بن أحمد أن أمكّنه من الوقوف بين يدي هذا الصبى؟ فأمسكوا عنه وقالوا:
    « الأمير أعلم بجيشه. » ولم يزل محبوسا حتى توفّى في محبسه.
    وفي هذه السنة قلّد أبو السائب عتبة بن عبيد الله قضاء القضاة.
    ودخلت سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

    خبر دخول ابن قراتكين غلام صاحب خراسان إلى الري

    وفيها ورد الخبر بدخول ابن قراتكين غلام صاحب خراسان إلى الريّ وانصراف من كان بها من أصحاب ركن الدولة وكان ركن الدولة بطبرستان واستولى أصحاب ابن قراتكين على الجبل كلّه.
    موت الصيمري

    وفيها مات أبو جعفر محمد بن أحمد الصيمري في حمى حادّة بالبزبونى من الجامدة لمّا عاد لمحاربة عمران بن شاهين.
    استكتاب معز الدولة المهلبي

    وفيها استكتب معزّ الدولة أبا محمّد الحسن بن محمّد المهلّبي ولما ورد الخبر بموت أبي جعفر الصيمري أرجف لجماعة بأنّ الأمير معزّ الدولة يستكتبه فمنهم أبو عليّ الطبري ومنهم أبو عليّ الحسن بن هارون ومنهم أبو محمّد المهلّبي واجتمع أبو محمّد المهلّبي وأبو عليّ الحسن بن هارون فتحالفا على أنّ من صحّ له الأمر منهما كان لصاحبه على مودّة ومشاركة.
    وسعى أبو على الطبري وكان رجلا أمّيا في أول أمره نخّاسا يبيع الرقيق فخطب كتبة الأمير أبي الحسين مكان أبي جعفر الصيمري وبذل مالا فأطمعه معزّ الدولة فيما قدّر وتقدّم إليه بحمل المال فحمل إلى الخزانة مالا فلمّا صحّ المال عدل عنه إلى أبي محمّد المهلّبي فقلده كتابته وتدبير أعمال الخراج وجباية الأموال وخلع عليه لذلك يوم الاثنين لثلاث بقين من جمادى الأولى.
    وزوّج أبو محمّد المهلّبي ابنته من أبي على الحسن بن محمّد الأنبارى الكاتب واستخلفه بالحضرة وانحدر إلى الأهواز.
    ذكر السبب في اختيار معز الدولة أبا محمد المهلبي وإيثاره إياه على وجوه الكتاب من الحضرة وغيرهم مع وفور عدد الكفاة يومئذ

    سبب ذلك أنّه وجده جامعا لادوات الرياسة وكان لا يجمعها غيره وإن كان فيهم من هو أرجح كتابة. وأيضا فقد أنس به على طول الزمان وأنّه خلف الصيمري على الوزارة فعرف غوامض الأمور وأسرار المملكة وكان الباقون لا يعرفون ذلك ولا يخرج إليهم ولا يوثق بهم فيها.
    وكان مع ذلك حسن الإنباء عن نفسه فصيحا مهيبا متوصّلا إلى إثارة الأموال عارفا برسوم الوزارة القديمة سخيّا شجاعا أديبا يفصح بالفارسية فتلافى أكثر ما درس من رسوم الكتابة واستدرك كثيرا من العمارات وأثار وجوه الأموال من مواضعها فحسنت إثارة.
    وتوفر مع ذلك على أهل الأدب والعلوم فأحيا ما كان درس ومات من ذكرهم ونوّه بهم ورغّب الناس بذلك في معاودة ما أهمل منها.
    ثم خرج إلى الأهواز فجمع أموالا كان قد طمع فيها العمال من بقايا وزيادات زادها في العقود عليهم ومن مؤامرات ناظر عليها العمّال والضمناء فألزمهم أموالها فاتصلت حموله وظهر فضله على من تقدّمه.
    ثم انتقل من الأهواز إلى البصرة فكان أثره فيها أوفر وإثارته للأموال منها أكثر كما سنذكر بعضه.
    إيغال سيف الدولة في بلاد الروم وما كان من عاقبته

    وفي هذه السنة ورد الخبر بأنّ سيف الدولة غزا وأوغل في بلاد الروم وفتح حصونا كثيرة من حصون الروم وسبى عددا.
    فلمّا أراد الخروج من بلد الروم أخذ الروم عليه الدرب الذي أراد الخروج منه فتلف كل من كان معه من المسلمين أسرا وقتلا وارتجع السبي الذي كان سباه وأخذ سواده وكراعه وخزائنه وأمواله وسلاحه وغنم الروم منه غنيمة لم يروا مثلها وأفلت في عدد يسير.
    خروج سبكتكين إلى همذان

    وفيها خرج الحاجب سبكتكين إلى همذان مددا لركن الدولة فلمّا دخل قرميسين أسر من كان بها من أصحاب ابن قراتكين.
    رد القرامطة الحجر الأسود

    وفيها ردّ القرامطة الحجر الأسود إلى موضعه من البيت الحرام بمكّة وكان أخذه أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنّابى من البيت الحرام وكان بجكم بذل في ردّه خمسين ألف دينار فلم يردّ، وقيل: إنّا أخذناه بأمر وإذا ورد الأمر بردّه رددناه.
    فلمّا كان في ذي القعدة من هذه السنة كتب إخوة أبي طاهر كتابا يذكر فيه أنّهم ردّوا الحجر بأمر ممن أخذوه بأمره ليتمّ مناسك الناس وحجّهم.
    وكان الذي جاء به أبو محمّد ابن سنبر ثم سار به إلى مكّة وردّه إلى موضعه.
    ذكر الآثار الجميلة التي أثرها الوزير أبو محمد المهلبي حتى عمرت الخراب وتوفر دخلها واتصل الحمل منها بعد انقطاعه

    قد كان معزّ الدولة لمّا فتح البصرة ودخلها تظلّم إليه الرعية من سوء معاملات البريديين فعرف أكثرها وذلك أنّ أبا يوسف البريدي خاصّة تفرّد بالنظر في أعمال البصرة وجباية أموالها.
    فرسم لأبي الحسن ابن أسد الكاتب أن يطالب ملّاك الأرضين التي يؤخذ منها حقّ العشر - وتعرف بصدقات أراضي العرب - بالبصرة عن كل جريب من الحنطة والشعير عشرين درهما وإنّما فعل ذلك بسبب زيادة الأسعار بالبصرة وأنّ الكر بالمعدّل من الحنطة بلغ بها مائتي دينار ولم يستعمل ذلك إلّا على تدريج.
    فلمّا قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف أقرّ ابن أسد على العمل وأجرى الناس على ذلك الرسم.
    وكانت العمارة تنقص في كل سنة لأجل جور البريديين وعمّالهم وهم يطالبون بالعبرة فنقص مال العبرة عن جربان العمارة فزاد ذلك ما يلزم كل جريب في السنة على ما كان يلزمه في السنة التي قبلها.
    وكان قد قحط أهل البصرة بالمحاصرات التي لحقتهم فألزموا أن يزرعوا تحت النخل حنطة وشعيرا فلمّا فعلوا ألزموا عن كل جريب أربعين درهما فقصّروا في العمارة، فجعل ما كان يرتفع عبرة عليهم واستوفى من ملّاك أرض العشر فتهارب الناس فزاد ذلك على من بقي.
    فلمّا تقلّد أبو محمّد المهلبي وزارة معزّ الدولة ودخل البصرة وتظلّم إليه أهل البصرة من العبر التي جعلت عليهم في أرضى الحنطة والشعير فوعدهم بكل ما أنسوا به.


  • #16
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ثم قرر أمرهم على أن يردّوا إلى رسمهم القديم في أخذ العشر حبّا بعينه من غير ترييع ولا تسعير ونظر فيما بين ذلك وبين ما يؤخذ منهم على تقريب فأشار على أرباب العشر أن يبتاعوا فضل ما بين المعاملة على الظلم والمعاملة على الإنصاف بثمن يرغب فيه معزّ الدولة عاجلا فيسهل عليه ما ينحطّ من الارتفاع مع ما يتعجّل له من المال ثم يضاف إلى ذلك ما يثمّره العدل وموقعه من قلوب الناس مع الرجاء في المستقبل لزيادة الارتفاع.
    فاستجابوا وتقرر الأمر بينهم على ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم وكتب لهم بذلك وثيقة ثم حطّ من الجميع عن الضعفى مائتي ألف درهم وكتب إلى معزّ الدولة بأنّ في ذلك حظا وصلاحا ووفورا في ارتفاع الناحية في المستقبل فحسن موقع فعله من معزّ الدولة فأمضاه.
    وحضر البصريون فاشهدوا على المطيع لله بالبيع وسجّلوا بالابتياع ونسب المبتاع إلى فضل ما بين المعاملتين في العبر فعمر الناس وتضاعف الارتفاع للسلطان وزال عن البصرة تلك الرسوم وصار يرتفع عن المراكب ما يعدل ألفي ألف درهم فكان هذا من الآثار الجميلة لأبي محمّد المهلّبي.
    ورود الخبر بشغب في عسكر سبكتكين وانصراف القرامطة مع الأتراك

    وفي هذه السنة ورد الخبر بشغب جرى في عسكر الحاجب سبكتكين وأنّ القرامطة انصرفوا مع الأتراك بعد أن أوقع بهم ركن الدولة.
    ذكر السبب في ذلك

    كان الاجتهاد شديدا في استصلاحهم لأنّهم كانوا بإزاء حرب فلمّا تعذّر قال ركن الدولة:
    « هؤلاء أعداء معنا في عسكرنا وهم أشدّ علينا من أعدائنا الذين بإزائنا والوجه أن نحاربهم ونطردهم. » فحاربهم وهزمهم فأمّا العرب فصاروا إلى معزّ الدولة وأمّا الأتراك فمضوا إلى الموصل ولمّا سار ركن الدولة إلى همذان ارتحل ابن قراتكين من الريّ إلى أصبهان.
    وفي هذه السنة واقع أبو محمّد المهلّبي عمران بن شاهين ومع أبي محمّد المهلّبي روزبهان فكانت على المهلبي وروزبهان واستؤسر أكثر قوّادهما وقتل أبو الفتح ابن أبي طاهر بعد أن استظهر المهلّبي واستعلى.
    ذكر السبب في ذلك وفي هزيمة المهلبي بعد الاستظهار على عمران

    كان السبب في ذلك أنّ معزّ الدولة كان عوّل على روزبهان في محاربة عمران فبنى آلات الماء وأثبت الرجال واحتشد فطاوله عمران وتحصّن في مكامنه من البطائح فضجر روزبهان وأقدم عليه طلبا لمناجزته فاستظهر عليه عمران وهزمه وهزم أصحابه وغنم جميع آلاته وسلاحه فقوى بها.
    وتضاعف طمعه في السلطان وضرى أصحابه على جند السلطان واستخفّوا بهم فكان بعد ذلك إذا اجتاز بهم الحجاب الكبار المحتشمون والقوّاد والأمراء من الديلم والأتراك سفهوا عليهم وطالبوهم بحق المرصد والبذرقة فإن تأبّى عليهم أحد تناولوه بالشتم القبيح والضرب المهين وكان الجند لا يستغنون عن الاجتياز بهم لحاجتهم إلى ضياعهم ومعاملاتهم بالبصرة والأهواز ثم انقطع طريق البصرة إلّا على الظهر.
    فشغل ذلك قلب معزّ الدولة وكثر بكاء الأمراء والحجّاب والقوّاد بين يديه بما يجرى عليهم من الهوان في اجتيازاتهم فكتب إلى الوزير المهلّبي بالإصعاد إلى واسط لتلافي الحادثة والتجرد لطلب عمران ومعاودته الحرب وجرد إليه عسكرا جرّارا فيه ابن أبي طاهر ووجوه قوّاده وغلمانه وحمل إليه سلاحا كثيرا وأطلق يده في إنفاق الأموال فزحف إلى عمران وسدّ عليه مذاهبه وانتهى إلى مضيق في البطيحة [ و ] شعب لا يعرف مسالكها إلّا عمران وأصحابه.
    فأحبّ روزبهان أن يلحق المهلّبي مثل ما لحقه من الهزيمة ولا يستبدّ بالظفر فأشار عليه بالاقتحام والهجوم وتوثق المهلّبي وأراد سدّ تلك المضايق فأخذ روزبهان في التضريب عليه وعارضه في كلّ ما دبّره ومنعه من هذا الاستظهار وسدّ الشعب وكتب إلى معزّ الدولة يستعجزه ويذكر أنّه إنّما يحجم ويجنح إلى المطاولة ليحتسب بالأموال في النفقات.
    ولم يزل بذلك وشبهه إلى أن وردت كتب معزّ الدولة بالاستبطاء فترك المهلبي الحزم وركب الخطأ وعدل عمّا يدبّره كله ودخل بجميع عسكره هاجما على عمران وتأخّر روزبهان ليصير أول الخارجين عند الهزيمة.
    وقد كمّن عمران كمناءه في تلك المعترضات وشحنها بالآلات الموافقة لتلك المضايق فخرجوا على العساكر وهم متزاحمون متضايقون في طريق الماء لا يعرفونها فوضعوا فيهم الحراب فقتلوا وأسروا وانصرف روزبهان موفورا ونجا الوزير المهلّبي سباحة وحصل القوّاد والوجوه في الأسر.
    فاضطرت الحال إلى مصالحة عمران فقوى واستفحل أمره وأجيب إلى كل ما اقترح.
    وقد كنا ذكرنا ورود الخبر بمسير السلّار المرزبان إلى الريّ ووعدنا هناك باستقصاء خبره والآن حين نبدأ بذلك.
    ذكر الأسباب التي بعثت السلّار المرزبان على قصد الريّ وما انعكس عليه من تدابيره حتى أسر وحبس في القلعة بسميرم

    كان المرزبان أنفذ رسولا إلى معزّ الدولة في أمور حمله إيّاها فورد مدينة السلام وقد رحل عنها إلى البصرة فافتتحها وأقام هذا الرسول منتظرا له إلى أن عاد فأدّى إليه الرسالة وكان فيها ما غاظه فتقدّم بحلق لحيته ففعل وأسمع نهاية ما كره وانصرف على هذه الحال.
    فحكى للمرزبان ما جرى عليه فامتعض وأخذ في جمع الرجال والاستعداد ورأى أن يبتدئ بالريّ فراسل ناصر الدولة سرّا يبذل له المعاونة بنفسه وأولاده ورجاله وماله وأشار عليه بأن يبتدئ بقصد بغداد فخالفه وأجابه بجميل وأعلمه أنّه يرى الصواب في الابتداء بالريّ فإن تمّ له ما يريد طلب بعد ذلك بغداد وغيرها.
    وكان استأمن إليه من قوّاد الريّ عليّ بن جوانقوله فعرفه نية القوّاد الذين وراءه بالري وأنّهم على المصير إليه فزاده ذلك طمعا واستدعى أباه محمّد بن مسافر وأخاه أبا منصور وهسوذان.
    فلمّا وافاه أبوه تلقّاه وقبّل الأرض بين يديه وأجلسه في صدر الدست ووقف بحضرته وامتنع من الجلوس حتى حلف عليه أبوه دفعات كثيرة فجلس وامتنع وهسوذان من الجلوس فلمّا جنّ الليل خلوا جميعا وتفاوضوا.
    فلمّا عرف أبوه صحّة عزمه في قصد الريّ فثأ عزمه وعرّفه أحوالا توجب الامتناع من قصدها فأبى عليه وقال:
    « قد وردت عليّ كتب وأكثر القوّاد هناك مستعدّون للانحياز اليّ. » فلمّا كان وقت الوداع بكى أبوه وقال:
    « يا مرزبان أين أطلبك بعد يومي هذا. » فقال مجيبا له:
    « إمّا في الإمارة بالريّ وإمّا بين القتلى. »
    وقد كان ركن الدولة حين عرف خبره كتب يستمدّ من أخويه عماد الدولة ومعزّ الدولة وخشي أن يعاجله المرزبان قبل ورود المدد فكتب إليه على سبيل المكر والخديعة يعظّمه ويستخذي له ويسأله أن ينصرف عنه على شريطة أن يفرج له عن أبهر وزنجان وقزوين.
    ولم تزل الرسائل تتردّد بينهما إلى أن ورد حضرة ركن الدولة بارس الحاجب في ألفى رجل من جيش عماد الدولة وورد سبكتكين الحاجب في ألفى رجل من جيش معزّ الدولة وكان قد صار إليه محمّد بن عبد الرزاق مستأمنا من عسكر خراسان ومحمّد بن ماكان مددا من جهة الحسن بن الفيروزان فلمّا تناهى استظهاره قبض على جماعة من قوّاده الذين شكّ فيهم واتّهمهم بمكاتبة المرزبان وسار إلى قزوين في جميع هذه الجيوش.
    فعلم المرزبان أنّه لا طاقة له به ولكنّه أنف من الرجوع فعمل على محاربته وكان مع المرزبان يومئذ خمسة آلاف من الديلم والجيل والأكراد فحملت ميمنة ركن الدولة وميسرته على ميمنة المرزبان وميسرته فانهزمتا جميعا وثبت هو في القلب إلى أن قتل بين يديه حموه بلى وونداسفجان بن ميشكى وأسر عليّ بن ميشكى المعروف ببلّط ومحمّد بن إبراهيم وعدّة من أكابر قوّاده وأحاطت الرجال به فأسر وحمله ركن الدولة إلى الريّ ومنها إلى أصبهان وحمل من أصبهان إلى قلعة سميرم.
    فلمّا انفصل من الريّ مع جماعة من قوّاد ركن الدولة وخوّاصه وكانوا مضمومين إلى الأستاذ الرئيس حقّا أعنى أبا الفضل ابن العميد رحمه الله كان هو المتولى حفظه والاستظهار عليه إلى أن يحصل في القلعة.
    ذكر تدبير تم على المرزبان حتى حصل بإصبهان بعد أن كان واطأ الديلم الذين أخرجوا معه على الفتك بأبى الفضل ابن العميد والهرب به

    حدّثني الأستاذ الرئيس أبو الفضل قال:
    لمّا كنّا بين الريّ وأصبهان تحقّق عندي مراسلة الديلم إيّاه واجتماعهم على أن يأخذوه قهرا ويحلّوا قيوده ويفتكوا بي وظهر ذلك حتى كادت المكاشفة تقع.
    فلمّا خفت فوت التدبير سايرته وهو في عمارية وحادثته وهو ينتظر في ذلك اليوم أن يتمّ له ما يريد وجعلت أقاربه وألين له. فأظهر التوجّع والتألم مما حصل فيه فلمّا أطمعته في نفسي - وكان لا يطمع في ذلك من قبل - أمال إليّ رأسه وقال:
    « أنت مقبل فإن كنت صادقا فابدأ بحلّ قيودي وعليّ لك كيت وكيت. » وضمن الضمانات التي تبذل في مثل ذلك الوقت. فأوهمته أنّى لا أعرف شيئا من مواطأة الديلم له وقلت:
    « أخشى ألّا يساعدني من معي على ذلك. » فقال: « غفر الله لك، أنت لا تعرف الصورة، جميع من معك قد عملوا على فكّ قيودي والفتك بك وأنا أريد ذلك الساعة إن شئت. » فقلت: « يكفيني أن أثق بذلك ثم أنا أول عبد خدمك وناصحك وتابعك حتى يتمّ لك ما تريده. » وحدّثته بأشياء أنكرتها من صاحبي وحقود في قلبي عليه فاستدعى واحدا بعد واحد من القوّاد الذين كانوا معي وأسرّ إليهم أنّى معه وموال له ووصل حديثه معهم بأن أدخلنى معهم في التدبير فأظهرت سرورا شديدا بذلك وتواعدنا النزول في المنزل القريب وإتمام التدبير.
    فلمّا نزلنا وضربت خيمتنا وخركاهاتنا وحصل في موضعه راسلني وأخلانى بنفسه ثم قال لي:
    « ابعث إلى فلان وفلان - يعنى جماعة ممن يثق بهم - حتى يحضروا. » فقلت: « أيّها السلارّ، إنّ هاهنا تدبيرا يجب أن تسمعه فإن وقع بوفاقك وإلّا فما تأمر به ممتثل. » فقال: « وما هو. » فقلت: « إنّ حرم ركن الدولة وأولاده وخزائنه كلّها بإصبهان وأنا وزيره وثقته والمتولى للجميع فلو امتددنا على صورتنا هذه حتى لا نتّهم لتمكنت من القبض على الجميع وحصلنا في مدينة عامرة نتمكن فيها من التدبير ومع ذلك فإنّ حرم جميع القوّاد بإصبهان وكذلك أولادهم فإذا قبضنا عليهم لم يبق في واحد منهم فضل لمحاربتك واستسلم الجميع لك وانهدّ جانب ركن الدولة انهدادا لا انجبار له وتمكنّا أيضا من قلاعه وذخائره وأخرجناها ولم يكن له بقية وإن نحن عاجلنا الأمر وخرجنا من هذا المكان طلبنا الخيول وأحدقت بنا ولم نأمن مع ذلك تقرّب بعض من هو الآن معنا إلى تلك الجنبة ونحن في عدة يسيرة وحوالينا أصحابه ورجاله ولا نثق بالسلامة إلى المأمن ».
    فرأيته قد تهلل وجهه ولم يملك نفسه لما استخفّه من السرور وقال:
    « ليس الرأي إلّا ما رأيت. » قلت: « فإني منصرف عنك فراسل أنت كلّ من واطأك على رأيك الأول بما حدث لك من الرأي. »
    قال: « نعم. » وقمت عنه وليس عنده شكّ في حصول الملك له بمواطاتي وأنّه قد أقبل جدّه وتمّت سعادته بتمام تدبيري وشاع في أصحابه ومن كان واطأه أنّا في تدبير فسكنوا بعد أن كانوا هموا بما هموا به.
    وسرت آمنا حتى حصلت بإصبهان فلمّا تمكّنت من الرجال والتدبير بدأت بالقبض على أولئك القوّاد واستظهرت على المرزبان بثقاتى حتى حصّلته في القلعة بقيوده.
    ذكر ما جرى في أمر عسكر المرزبان في آذربيجان بعد حصوله في الأسر

    اجتمع من أفلت من عسكره وقوّاده وفيهم جستان بن شرمزن وعليّ ابن الفضل وشهفيروز بن كردويه وجماعة من الرؤساء مع ألفى رجل من الفلّ إلى الشيخ محمد بن مسافر، فعقدوا له الرياسة عليهم وصاروا إلى أردبيل فملك آذربيجان وهرب ابنه وهسوذان منه وتحصّن في قلعته بالطرم لما كان يعرفه من حقده وسوء رعايته.
    فلم تأت الأيّام على محمّد بن مسافر حتى تجبّر وعاد إلى أسوأ أخلاقه مع الديلم فاجتمع الديلم على الوثوب به فشغبوا وهمّوا بقتله فالتجأ بالضرورة إلى ابنه وهسوذان وعنده أنّه يعصمه فقبض عليه وحبسه في قلعة شيشخان التي كان فيها وضيق عليه فلم تنبسط له يد ولا نفذ له أمر حتى توفي وكانت وفاته قبل خلاص ابنه المرزبان من قلعة سميرم.
    وقلد ركن الدولة محمّد بن عبد الرزاق أعمال آذربيجان بعد أسر المرزبان وأنفذه إليه فتحيّر وهسوذان في أمره وأضطرّ إلى إخراج ديسم بن إبراهيم من القلعة لطاعة الأكراد إيّاه ولرياسته القديمة على آذربيجان فأطلقه وخلع عليه وقوّاه ومكّنه وواقفه على جمع أكراد آذربيجان ومن يطيعه من غيرهم ويقصد محمّد بن عبد الرزاق.
    وكان الديلم بعد محمّد بن مسافر اجتمعوا إلى عليّ بن الفضل ورأسوه فتوسّط وهسوذان بينهما حتى أطاعه عليّ بن الفضل وتمّ أمره وسار ديسم إلى أردبيل واستكتب أحمد بن عبد الله بن محمود وورد ابن عبد الرزاق فانحاز عنه إلى ورثان من نواحي برذعة ليستخرج الأموال وترد عليه عساكر الأكراد.
    ذكر خطأ ديسم في إيحاش وزيره حتى فارقه وثلمه فهزمه عدوه

    كان بنواحي خويّ وسلماس كاتب نصراني يعرف بابن الصقر من جهة المرزبان قبل أسره فلمّا بلغه خبر ديسم صار إليه وحمل إليه ما كان جباه فحسن موقعه من ديسم فأكرمه وبالغ في إكرامه حتى صار يخلو به ويشاوره فاستوحش وزيره ابن محمود واتّقاه.
    فلمّا استعدّ ديسم للقاء ابن عبد الرزاق سلم إلى ابن محمود خزائنه ونقله وأمره بالمصير إلى جبال موقان للتحصّن بها استظهارا إلى أن ينكشف الأمر.
    فتسلّم ابن محمود ذلك كلّه وعدل إلى أردبيل وأرسل ابن عبد الرزاق بأنّه صائر إليه وسأله أن يستقبله بطائفة من عسكره ففعل ذلك ووقع ذلك من ابن عبد الرزاق أحسن موقع.
    وفتّ في عضد ديسم وبلغه ذلك يوم القتال فضعفت نفسه واضطرب رأيه وتبيّن ذلك منه أصحابه فاضطربوا واستظهر عليه ابن عبد الرزاق فهزمه.

  • صفحة 4 من 12 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 7 (0 من الأعضاء و 7 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الخامس
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 53
      آخر مشاركة: 06-15-2010, 09:58 AM
    2. تجارب أمم المجلد الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 99
      آخر مشاركة: 06-15-2010, 01:21 AM
    3. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    4. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    5. انطلاق السباق المحلي السادس بقطر
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-11-2010, 12:27 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1