الحلقةالسادسة والعشرون
*********
مضطجعة على السرير.. في غرفة أناس غرباء..
مكان مظلم و بارد.. ألتحف لحافا و بطانية خفيفين.. لا يكادان يدفئان أطرافي كما ينبغي.. أتقلب يمينا و يسارا.. محاولة ضبط جسدي في وضع يريحه و يخفف آلام قدمي الممتدة لكامل الرجل و الظهر أيضا..
و كلما التفت ُّ يمنة .. وقع نظري على تلك الكومة من اللحم و الشحم البشري المتمددة على فراش أرضي.. و المدثرة بلحاف و بطانية شبيهين باللذين يغطياني، يخفيان الرأس و لا يكادان يغطيان القدمين اللتين تبرزان من تحتهما.. بحجميهما الكبيرين و شكليهما الأشبه بالسفينة !
مسكين وليد !
لابد أن عدد الخلايا الحسية في قدمه هو أكثر بكثير من قدمي أنا.. و لابد أنه تألم كثيرا و هو يركض و يمشي حافيا عليها !
أوه و لكن لم علي التفكير بقدم وليد في ساعة كهذه و حال كهذه ؟؟
أم أن الآلام التي أشعر بها في قدمي أنا جعلتني مهووسة بالأقدام؟؟
أكثر شيء أراحني ، و جعلني أستلقي بطمأنينة على هذا السرير هو تحدّثي إلى والدي ّ و اطمئناني عليهما ، و كذلك على سامر و خالتي و عائلتها..
الحمد لله إنهم جميعا بخير ...
و رغم التعب الذي كنت أعانيه، لم أنم مباشرة مثلما نام وليد و دانة على فراشيهما الأرضيين.. لقد كنت أشعر بالبرد... رغم أن جسدي متعرق..
جلست.. و أخذت أنظر نحوهما..
كانا مستغرقين في نوم عميق .. لا تصدر عن أي منهما أي حركة...
نهضت عن سريري و توجهت نحو الخزانة الصغيرة الموجودة في الغرفة، و أنا أعرج .. بحثا عن بطانية أخرى...
فتحت الخزانة و ألقيت نظرة على ما بداخلها، لم أجد أي بطانية أو لحاف ..
أثناء إغلاقي لها أصدرت صوتا ... فالتفت مباشرة إلى النائمين أستوثق من عدم استيقاظهما بسبب الصوت.. دانة لم تتحرك البتة ، أما كومة الشحم و اللحم البشرية تلك فقد تحركت .. و أُزيحت البطانية قليلا.. فظهر الرأس .. و العينان.. و الأنف المعقوف .. و الشفتان.. و الذقن الملتحي أيضا !
وليد نظر إلي برهة نظرة ساذجة، ربما كان نصف نائم.. ثم بدأ تركيزه يحتد و يشتد .. ثم حملق بي في قلق و استوى جالسا
" ما الأمر ؟ "
سألني ذلك ، فقلت :
" آسفة.. كنت أبحث عن بطانية أو ما شابه"
نظر وليد نحو السرير ليتأكد من وجود بطانية معدة لي ، ثم إلي .. فقلت موضحة :
" إنها خفيفة .. "
قال :
" أتشعرين بالبرد ؟ "
" نعم.. "
ثم رأيته ينهض، و يحمل بطانيته و يضعها فوق بطانيتي...
قال :
" ستدفئين هكذا "
شعرت بالخجل من تصرفه و الحرج .. قلت بسرعة :
" أوه كلا وليد.. "
قال :
" إنني لا أشعر بالبرد على أية حال.. اللحاف هذا يكفيني "
طأطأت رأسي خجلا و أنا أنطق بحروف الشكر ... وليد عاد إلى فراشه الأرضي و غطى جسده كاملا باللحاف !
رجعت أعرج نحو السرير و تدثرت بالبطانيتين مع اللحاف... و استمد جسمي الحرارة ، لا من الأغطية المنشورة فوقي ، بل من المدفئة الملتهبة التي تبعث حرارة و تقدح لهيبا في الغرفة ... مكومة هناك.. على ذلك المفرش الأرضي، ملفوفة باللحاف كالشرنقة !
يا إلهي ما أجمله من شعور !
و لأنه لم يعد باستطاعتي رؤية أية أقدام كلما تلفت ، فإن هوس التفكير بها غاب عنّي .. و سمح لدماغي بالصفاء.. و بالتالي بالاستسلام للنوم...
نومتي لم تكن بالنومة الطبيعية على الإطلاق.. رأيت كوابيس مزعجة جدا و استيقظت عدّة مرات فزعة.. أرى نفسي في العراء.. و الناس تركض... و النار تحيط بنا ..
أسمع صراخ الناس.. و دوي الانفجارات.. و أرى جنودا يركضون نحوي..
أحاول الوقوف لأهرب، لكن قدمي المصابة تعيقني...
أصرخ و أصرخ ... و أرى وليد يركض مع دانة مبتعدين .. فأمد يدي طالبة العون.. و ما من معين..
ثم تقترب النيران مني و تلسعني ألسنتها... فأصرخ بأعلى صوتي.. ثم يظهر سامر لا أعلم من أي مكان.. و وجهه يحترق.. و يقول :
" لماذا فعلت ِ هذا بي ؟؟ "
استيقظ من النوم فزعة مرعوبة ، أتلفت إلى ما حولي ، فأجد نفسي في غرفة صغيرة مظلمة ... مضطجعة على سرير .. و أرى وليد و دانة نائمين على مقربة مني...
أنهض عن سريري و اقترب منهما لأتأكد .. أهما وليد و دانة ؟؟ أأنا في حلم ؟؟ فأرى وجه دانة الغارق في النوم .. و شعرها المبعثر على الوسادة... نعم هي دانة..
و هي حية .. و تتنفس..
ثم التفت ناحية وليد.. المغطى باللحاف كليا ، فلا أجد ما يثبت أنه وليد..
و أنه حي .. و يتنفس !
أبقى أراقبه بتركيز حتى ألحظ حركة طفيفة يصدرها صدره .. فيطمئن قلبي إلى أنه حي .. و يتنفس .. لكن .. هل هذا وليد ؟؟
أمد يدي بحذر و بطء.. و جنون.. نحو طرف اللحاف فأزيحه قليلا عن قدمه..
كبيرة كالسفينة !
لا شيء يدعو للشك !
إنه وليد حتما !
يطمئن قلبي و أعود أدراجي إلى سريري الدافىء... نعم أنا بخير.. نعم لقد نجونا.. نعم كان كابوسا.. نعم أنا متعبة.. و بالتأكيد سأنام ...
في المرة الأخيرة التي نهضت فيها..كانت حالتي سيئة جدا ...
~ ~ ~ ~ ~
كنت غارق في النوم لأبعد الحدود ، بعد العناء الذي مررنا به .. توقعت ألا أنهض قبل مضي 20 ساعة على الأقل !
إلا أنني نهضت على صوت ما ...
فتحت عيني و بقيت لحظة في سكون ، إلى أن أفاقت جميع خلايا الوعي النائمة في دماغي ، ثم بدأت حواسي تعمل بشكل جيد ، و تميز الصوت و معناه ...
كان صوت رغد.. و كانت تناديني ..
التفت ناحية السرير الذي كانت رغد تنام فوقه فرأيتها تجلس على حافته في إعياء شديد ، بالكاد تسند جدعها
كانت عيناها شديدتي الإحمرار .. و وجهها شديد الشحوب .. تعبيراتها تنم عن التألم و الإرهاق
اجتاحني القلق بغتة ، وقفت بسرعة و قلت :
" رغد .. ما بك ؟؟ "
نبست شفتاها عن أنة .. تلتها تنهيدة وجع ... ثم قالت بوهن :
" متعبة.. دوار.. "
ثم رأيت القشعريرة تسري في جسدها ...
اقتربت منها قلقا .. و أبصرت زخات من العرق تبلل وجهها
قلت :
" سلامتك "
قالت :
" أظن أنني محمومة .. أريد مسكنا "
ثم ارتمت على السرير بضعف ...
رغد تبدو مريضة جدا..
قلت :
" أ نذهب إلى الطبيب ؟ "
رغد أنت.. أنين مريض مرهق.
قلت :
" استعدي للذهاب . سأعود في الحال "
و توجهت نحو الباب ، فنادتني بوهن :
" وليد "
التفت إليها فوجدتها عاجزة عن رفع رأسها عن السرير .. قلت :
" سأطلب من العم إعارتنا سيارته "
و قبل خروجي نظرت إلى دانة ، و ناديتها عدة مرات إلا أنها كانت في نوم عميق..
عندما خرجت من الغرفة و سرت باتجاه باب المنزل لمحت العم إلياس على مقربة.. و كان يزيل بعض الأوراق و الأغصان المتساقطة من على الأرض..
إنه الصباح الباكر و هذا الرجل معتاد على النهوض باكرا من أجل العمل ...
اقتربت منه و أنا أقول :
" صباح الخير أيها العم الطيب "
التفت إلي و ابتسم ابتسامة جميلة و رحب بي بكل بشاشة و بشر ...
قال :
" نهضت باكرا ! هل اكتفيت من النوم بهذه السرعة ؟؟ "
قلت :
" لازلت متعبا أيها العم ، بصعوبة أديت صلاتي قبل فوات وقتها.. "
" إذن لم قمت باكرا هكذا ؟ "
قلت :
" ابنة عمّي متعبة.. أريد أخذها إلى المستوصف القريب.. فهل تسمح بإعارتي سيارتك؟؟"
العم قال بسرعة :
" أيعقل أن تسأل هذا يا وليد؟ بل أنا من سيوصلكما إلى هناك.. أنسيت يوم اصطحبتنا نحن إلى هناك؟ جاء وقت رد الجميل ! "
قلت :
" لا أريد إزعاجك أيها العم "
" عن أي إزعاج تتحدّث ؟ كما و أن لي حاجة من مكان قريب من المستوصف ، أنا ذاهب لجلب السيارة أمام المنزل "
و ولى مسرعا ...
لم يكن لدى العائلة سوى سيارة حوض .. زرقاء اللون ، يستخدمونها رئيسيا لنقل الثمار إلى سوق الخضار..
و هي سيارة لا تتسع لأكثر من ثلاثة أشخاص...
قبل أن أعود إلى الغرفة ، ظهرت الآنسة أروى خارجة من المنزل ، تحمل طبقا مسطحا كبيرا حاويا كمية من حبوب الأرز...
أروى حالما رأتني بادرت بالتحية :
" صباح الخير يا سيد وليد "
قلت ببعض الحرج :
" صباح الخير سيدتي "
قالت :
" أنتمتم بشكل جيد ؟ "
" الحمد لله "
" هل نهضت الفتاتان ؟ "
" كلا ، أعني نعم.. أقصد واحدة نعم و واحدة لا "
قالت :
" الباب مفتوح لكم لدخول المنزل أنى شئتم.. سأعد لكم طعام الفطور بعد قليل "
" شكرا لكم. غمرتمونا بكرمكم "
" إنه واجبنا بل من دواعي سرورنا .. "
و هنا أقبل العم يقود سيارته... و أوقفها على مقربة ..
سألت الفتاة :
" إلى أين يا خالي ؟؟ "
قال :
" إلى المستوصف "
" المستوصف ؟؟ "
قلت موضحا :
" لأخذ ابنة عمّي فهي متعبة "
قالت :
" سلامتها "
" سلمكم الله "
شكرتها و استأذنت و عدت إلى الغرفة..
كانت رغد لا تزال على نفس الوضع الذي تركتها عليه... و مغمضة العينين
حين أحسّت باقترابي فتحتهما بإعياء ...
" صغيرتي .. هيا بنا "
بصعوبة بالغة تحركت.. و مشت خطواتها العرجاء فلما صارت قربي التفتت إلى دانة ..
حرت في أمري...
فمن جهة ، لا أريد ترك دانة وحدها هنا.. و من جهة أخرى لا أريد إفساد نومها العميق ، كما و أنا السيارة لا تتسع لها ..
في النهاية قلت :
" سندعها نائمة .. "
و لولا التعب لنطقت رغد بكلمات الاعتراض المرسومة على وجهها ، إلا أنها سارت باستسلام و عجز...
أغلقت الباب تاركا المفتاح في الداخل.. و حين أصبحنا قرب السيارة قلت مخاطبا الآنسة أروى :
" من فضلك سيدتي.. هل لا تفقدّت شقيقتي بين حين و آخر ؟ إنها لا تزال نائمة هناك .. و لا تعرف عن خروجنا "
أروى قالت :
" اطمئن .. لسوف أذهب و ألازم الغرفة لحين عودتكما ! "
قلت :
" شكرا لك ، أخبريها أننا ذهبنا للمستوصف القريب و سنعود قريبا "
التفتت بدورها إلى رغد و قالت :
" سلامتك "
رغد لم تجب و اكتفت بنظرة كئيبة نحو الآنسة أروى.
قلت أنا :
" شيء آخر يا سيدتي و استميحك عذرا على ثقل ظلّنا... "
" تفضّل دون حرج يا سيد وليد "
نظرت إلى رغد في خجل و قلت :
" عباءة .. إذا أمكن "
الآنسة أروى قالت :
" بالتأكيد "
و أسرعت إلى داخل المنزل ، و عادت تحمل عباءة .. و زوجين من الأحذية المطاطية ، التي يرتدونها عادة أثناء العمل ...
انتبهت حينها فقط إلى أنني و رغد كنا لا نزال حافيين أيضا !
بعدما ارتدينا الأحذية المطاطية تلك ، و ارتدت رغد العباءة ، تقدمنا نحو السيارة فصعدت أنا أولا ثم رغد من بعدي... و قد كادت تتعثر .. إن من شدة التعب و الدوار ، أو من علو عتبة السيارة ، أو من طول العباءة التي ترتديها !
حينما بلغنا المستوصف، دخلته و رغد فيما ذهب العم لقضاء حاجاته على اتفاق بالعودة فور فراغه منها..
هناك، استلقت رغد على سرير الفحص و أقبلت الممرضة لقياس العلامات الحيوية لها، ثم قالت :
" حرارتها مرتفعة جدا! أربعون درجة و نصف !"
و أحضرت كيسا يحوي مجروش الثلج و وضعته على رأس رغد، بينما قامت ممرضة أخرى باستدعاء الطبيب المسؤول.
ثوان و إذا بالطبيب يحضر..
و هو رجل في نحو الثلاثين من العمر.. ما أن أقبل حتى استوت رغد جالسة..
اتخذ الطبيب مجلسه على مقعده الوثير خلف المكتب، و أمسك بالقلم و إحدى الأوراق بين يديه و بدأ يسأل :
" مم تشكو الفتاة ؟ "
توليت أنا شرح حالتها مجملا .. و أخبرته عن الجرح العميق في قدمها.
الآن .. يقف الطبيب و يقبل نحو سرير الفحص و يقول :
" بعد إذنك "
وقفت أنا دون حراك ، بينما حاولت الممرضة إغلاق الستارة حول السرير.. لتحول بيني و بينه..
و بادرت الممرضة الأخرى بفتح الضماد من حول قدم رغد المصابة...
في هذه اللحظة هتفت رغد :
" وليد "
لم أتحرك من مكاني، لا للأمام و لا للخلف.. و الممرضة تنظر إلي منتظره ابتعادي..
قال الطبيب :
" أنت شقيقها ؟ "
قلت :
" تقريبا...، ابن عمّها "
و نظرت إلى رغد فقرأت على وجهها الفزع المهول...
قال الطبيب :
" استلقي يا آنسة "
و الذي فعلته رغد هو أنها همت بالنهوض فجأة...
اقتربت أنا منها فأمسكت بذراعي ...لأساعدها على النهوض...
قلت :
" رغد .. "
رغد هزت رأسها نهيا بإصرار...
قال الطبيب :
" ألا تريدين مني أن أفحصك ؟ "
رغد قفزت من السرير واقفة على قدميها ، ثم صرخت تألما ...
قلت :
" رغد اصعدي .. دعيهم يرون الجرح على الأقل "
لكنها عوضا عن ذلك تشبثت بي أكثر و قالت :
" لا "
التفت إلى الطبيب الواقف جوارنا ينظر باستغراب و قلت :
" إنها خجولة جدا "
ثم أضفت :
" ألا يوجد طبيبة امرأة ؟ "
قال :
" للأسف لا "
ثم تنحى جانبا .. و ابتعد..
تحدّثت إلى رغد الواقفة على قدمها بألم و قلت :
" أرجوك صغيرتي ، لندع الممرضة تعقم الجرح "
و لم تقتنع بسهولة..
بعدما صعدت على السرير ، و هي لا تزال متشبثة بي، و كشفت الممرضة عن الجرح.. تأملته ثم قالت موجهة الحديث إلى الطبيب :
" دكتور.. إنه ملتهب جدا "
الطبيب أقبل من جديد يريد إلقاء نظرة على الجرح فرفضت رغد ذلك و دلت رجليها أسفلا..
قال الطبيب يحدث الممرضة :
" خرّاج ؟ "
" نعم يا دكتور.. ملوث جدا "
الكلمات أقلقتني.. قلت مخاطبا رغد :
" دعيه يلقي نظرة "
لكنها أصرت على موقفها بل و همّت بالنهوض...
" هيا رغد فنحن جئنا للعلاج .. "
و خاطبت ُ الطبيب :
" أرجوكم طهروه و اعتنوا به كما يجب "
بصعوبة بالغة سمحت رغد للطبيب فقط بإلقاء نظرة عن كثب على الجرح.. و ما أن رآه حتى قال :
" بحاجة إلى تنظيف جراحي "
قلت قلقا :
" تنظيف جراحي ؟؟ "
" نعم ، في غرفة العمليات الصغرى.. و لابد من أدوية قوية لأن الجرح ملتهب للغاية "
الخوف تملكني أنا ربما أكثر من رغد المذعورة بين يدي...
رغد .. جرح .. التهاب.. عملية .. أدوية .. ؟؟
ألطف يا رب.. ألطف يا رب..
قلت :
" ماذا علينا فعله ؟؟ "
" ننقلها إلى غرفة العمليات الصغرى الآن ، و تحت المخدر الموضعي يقوم الجراح بتنظيف الجرح و تعقيمه.. "
نظرت إلى رغد .. و الذعر المخيم على وجهها .. و الرفض الصارخ من عينيها.. فقلت :
" رغد "
و لم أتم ، إذ أنها هتفت فجأة مقاطعة :
" لا "
واجهت وقتا عصيبا مع هذه الفتاة حتى وصلنا إلى غرفة العمليات المعنية ، و خرقت القوانين بدخولي رغم عدم السماح بذلك..
أنى لي أن أترك صغيرتي وحدها هكذا !؟ مستحيل
و رغم المخدر الموضعي الذي حقنت به ، إلا أنها تألمت بشدة و صرخت بعنف و هي تستنجد :
" وليد.. وليد .. "
كانت تمسك بي بقوة، تغرس أظافرها في ذراعي.. و كلّما لُمِست قدمها ، صرخت و أو عضت على أسنانها ..
و كلما فعلت ذلك صرخت أنا بهم :
" على مهلكم إنها تتألم .. أي مخدّر هذا ؟؟ "
أنظر إليها و أهدىء و أشجع ، و أنظر إليهم و أصرخ و أعنّف .. و أنظر إلى نفسي فأرى النار تكاد تندلع من أعصابي و تشب في جسدي من صراخ رغد...
كم تمنيت.. لو أن الجرح كان في قدمي أنا.. في قدمي ّ الاثنتين .. في كل جسدي .. يقطعني و يحرقني و يكويني .. و لا أن يصيب خدش واحد حتى أحد أظافر قدمها..
كم كنت قاسيا يوم جعلتها تركض حافية القدمين و عرضتها لكل هذا...
أما كان باستطاعتي حملها طوال المشوار ؟؟ أأعجز عن رفع صغيرتي عن أذى الأرض.. و هي التي تربت متعلقة بعنقي ؟؟
ما ينفعني الندم الآن .. و قد سمحت للآه بالانطلاق من صدر فتاتي .. و للدموع بالانسكاب من محجريها .. و للألم باعتصار قدمها و تعذيبها كل هذا الوقت..
يا رغد..
إنك إن تصرخين مرة تصرخ شرايين قلبي ألف مرّة ... و إن تبكين دمعة يبكي قلبي بحرا من الدم ... و إن تتلوين ألما فإن أحشائي في داخلي تتمزق إربا إربا ..
و إن تغرسين أظافرك في بدني فأنا مغروس في حبك بعمق طبقات الأرض كلها...
في نهاية الأمر اضطر الطبيب لحقنها بمخدر منوم... ثوان ٍ و إذا بي أشعر بأظافرها تخرج من جسدي.. و قبضتها تخف الضغط علي .. و عضلاتها ترتخي .. و شيئا فشيئا تسقط يديها على جانبيها و يترنح رأسها للأسفل ...
فزعت، رفعت رأسها و ناديت :
" رغد ؟؟ "
لكنها كانت غائبة عن الوعي..
التفت إلى الطبيب الجرّاح و الممرضات و قلت :
" ماذا حدث لها ؟؟ "
قال إحداهن :
" نامت تحت تأثير المخدّر "
لم أشعر بالطمأنينة ، قلت موجها كلامي إلى الطبيب :
" أهي بخير يا دكتور ؟؟ "
قال :
" نعم ، إنه مجرد مخدّر .. ستنام لساعة أو أكثر...
أسندت رأس صغيرتي إلى الوسادة.. و تأملت وجهها ببقايا من القلق.. كانت هناك دمعتان معلقتان على خديها .. آخر السيل ... و ببساطة ...مددت يدي و مسحتهما ...
بعد ذلك ظللت أراقب الطبيب و من معه و هم يعقمون الجرح ... و حالما فرغوا قال الجرّاح :
" أنصح بنقلها إلى مستشفى حيث يتم إدخالها و إعطائها الجرعات اللازمة من الأدوية الضرورية لفترة من الزمن "
ذهلت و تملكني الهلع ، فقلت :
" لم يا دكتور ؟ ما بها ؟؟ "
قال :
" الجرح ملتهب بشكل سيء .. نحن نظفناه و عقمناه جيدا و حقناها بمضادات السموم و لكنها بحاجة إلى أدوية أخرى لإتمام العلاج "
زاد قلقي
" هل هناك خطر عليها ؟ أخبرني رجاء ؟ "
" الخشية من أن ينتشر الالتهاب أعمق من ذلك . جرح عميق .. قدم حافية .. شارع طويل .. خطورة أكبر "
فيما بعد ، نقلت رغد إلى غرفة للملاحظة.. فإضافة إلى جرحها الملتهب ، هي مصابة بجفاف و انخفاض في سكر الدم ..
كانت غرفة صغيرة حاوية سريرين تفصل بينهما ستارة قماشية
لم تحس رغد بالدنيا من حولها مذ حقنت بالمخدر.. وضعناها على السرير و استبدلت الممرضة قارورة السائل الوريدي الفارغة بقارورة أخرى أكبر حجما.. ثم انصرف الجميع تاركينها نائمة و أنا جالس على مقعد إلى جوارها...
كانت هادئة جدا.. و غارقة في النوم لأبعد الحدود.. كطفل بريء..
رؤيتها هكذا قلبت في رأسي ذكريات الماضي...
كم و كم من المرات... كنت أتسلل خلسة إلى غرفة طفلتي ألقي عليها نظرة و هي نائمة بسلام... و أحيانا أجلس بقربها .. و أداعب خصلات شعرها الأمس...
و في أحيان أخرى.. كنت أطبع قبلة خفيفة على جبينها و أهمس في أذنها :
" أحلاما سعيدة صغيرتي "
لم أحتمل ألم هذه الذكرى ...
انطلقت دموعي رغما عني .. شاقة طريقها النهائي إلى الموت.. لو كان الزمان يعود للوراء تسع سنين فقط.. تسع سنين فقط.. لكنت اقتربت من صغيرتي أكثر.. و أخذتها بين ذراعي .. و ضممتها إلى صدري بقوة .. بقوة.. أواسيها .. أشجعها.. أشعرها بالأمان و الطمأنينة.. و الحنان و الحب.. بالدفء و الحرارة..
آه لو يرجع الزمان للوراء ...
آه لو يرجع ...
و فيما أنا أبكي في نوبة الذكرى الجنونية هذه ، طرق الباب ثم أقبلت إحدى الممرضات تقول :
" معذرة هل اسمك السيد وليد شاكر ؟؟ "
مسحت دموعي بسرعة و هببت واقفا مجيبا :
" نعم "
قالت و هي تنظر إلى بشيء من الاستغراب :
" هناك رجل عجوز يسأل عنك في الخارج "
و تذكرت لحظتها إلياس و اتفاقي معه !
خرجت معها فرأيت العم إلياس يقف عند الممر .. ما أن رآني حتى بادر بسؤالي عن حال قريبتي ..
" الحمد لله.. ستتحسن "
قال :
" هل تحتاج للبقاء هنا ؟ "
" أنا آسف لأنني عطّلت مشاغلك يا عمي ، إنها تتلقى سائلا وريديا الآن.. و قد يطول هذا لساعة أو ربما أكثر ... "
قال :
" لا بأس عليكم . أ هناك ما تود مني فعله يا بني ؟؟ "
" شكرا لك عمّاه ، فعلت الكثير .. أرجوك انه ِ مشاغلك و أنا سأبقى معها لحين تحسنها.. سأستقل سيارة أجرة أو أتصل بكم حين فراغنا "
و على هذا افترقنا . عمدت إلى هاتف وجدته أمامي فاتصلت بمنزل نديم و اطمأننت على دانة، و التي كما أُخبِرت ُ كانت لا تزال نائمة !
عدت من ثم إلى صغيرتي فوجدتها كما تركتها ، نائمة كالملاك... غير أنها رفعت ذراعها فوق الوسادة ، في وضع اعتقدت أنه يعيق جريان السائل الوريدي إلى عروقها..
لذا اقتربت منها و ببطء و هدوء و حذر شديد حرّكت يدها و مددت ذراعها إلى جنبها ..
في هذه اللحظة فتحت رغد عينها نصف فتحة .. فوقعت ُ في أمري و تسارعت ضربات قلبي فجأة... دافعة الدماء إلى وجهي بعنف و غزارة !
تركت ُ يدها تنزلق من بين أصابعي خجلا ..
رغد قالت بصوت خفيف غير طبيعي :
" وليد.. أنت لم تُضِع الميدالية أليس كذلك ؟؟ "
اضطربت .. و لم استوعب ما قالت ...
قلت :
" ماذا ؟ "
لكن رغد أغمضت عينيها و بدت غارقة في النوم !
" رغد ..؟؟ "
لم تجبني .. ما جعلني استنتج أنها ربما كانت تحلم .. و أنها لم تكن واعية .. و أنها لن تتذكر هذا !
الحمد لله !
ضبطت البطانية لتشمل ذراعها تحتها .. و عدت إلى مقعدي المجاور ..
مرت الدقيقة بعد الأخرى.. شعرت بالإعياء و عاودتني الأوجاع الجسدية التي تجاهلتها منذ نهوضي على صوت رغد هذا الصباح .. و غزاني النعاس...
و النوم سلطان على من لا سلطان عليه !
~ ~~~~~~~
كأنني أحلّق في عالم جميل... أطير فوق السحاب.. في قمة الراحة و الاسترخاء.. لا ألم .. لا ضيق .. لا شيء سوى شعور بالدغدغة في داخلي !
فتحت عيني لأرى الجنة التي أحس بنفسي أنعم فيها.. فرأيت جنة مختلفة لا تتفق و الشعور الجميل الذي أحسه ..
أنام على سرير أبيض الألحفة.. تحيط بي الستائر البيضاء.. و تتدلى قارورة ما من أعلى عمود ما.. موصولة بأنبوب طويل ينتهي طرفه الثاني داخل وريدي !
جلست بسرعة أتلفت من حولي.. إنني في المستشفى راقدة على سرير المرض !
متى وصلت إلى هنا ؟؟ كيف وصلت إلى هنا؟؟
أين وليد ؟؟
أصابني الروع ، دفعت باللحاف بعيدا عني و قفزت من على السرير .. و طأت الأرض مرتكزة على قدمي المصابة ، فشعرت ببعض الألم ..
سحبت ذلك العمود الحديدي ذا العجلات معي و سرت خطوة و أنا حافية ، و فتحت الستارة.. كنت أتوقع رؤية وليد خلفها.. لكنه لم يكن هناك
تزايدت خفقات قلبي و تزاحمت أنفاسي و هي تعبر مجرى هوائي...
توجهت إلى الباب مسرعة ، أعرج بشدة.. و فتحته باندفاع.. و صار مشرعا أمامي كاشفا ما خلفه .. ممر .. غرف.. انعطافات.. أناس يمشون إلى اليمين ، و أناس إلى الشمال.. و ممرضة تقف في الجوار.. تنظر إلي.. و تتحدث إلى طبيب ما .. آخرون يقفون على مبعدة.. أناس كثر..كثر.. إلا أن وليد ليس من بينهم..
كدت أنهار.. كدت أصرخ.. كدت أهتف.. لكن الشهقة التي انحشرت داخل صدري حُبست عن الخروج..
الممرضة و الطبيب الآن يقتربان نحوي.. أنا أتراجع.. داخل الغرفة.. يصلان عند الباب و يوشكان على الدخول .. تبتسم الممرضة و تقول :
" هل أنت أفضل حالا الآن ؟؟ "
يسأل الطبيب :
" كيف تشعرين ؟ "
أنا أنظر إليهما بذعر .. يداي ترتعشان.. و رجلاي أيضا.. أفقد توازني و أقع أرضا ... و ينشد الأنبوب الموصل بوريدي خارجا من يدي.. و يترنح في الهواء راشا السائل من حولي ..
الممرضة تنحني مادة يدها إلي..
أنا أصدها و أصرخ :
" ابتعدا عني "
يتبادلان النظرات .. ثم يقولان معا :
" أ أنت بخير ؟ "
أنا أصرخ مستغيثة :
" وليد .. وليد "
يتبادلان النظرات ، ثم تقول الممرضة و هي تشير بيدها نحو الستارة :
" قريبك ِ هناك ! "
التفت نحو ما أشارت إليه ، السرير الثاني في الغرفة و شبه المحجوب بالستارة..
أنظر إليها، ثم أحاول النهوض و جسدي ترتجف..
تحاول هي مساعدتي فأصرخ :
" لا "
أهب واقفة قافزة نحو الستارة .. أمسك بها و أفتحها باندفاع.. فتقع عيناي على وليد نائما فوق السرير... !
" وليد ! "
اقتربت منه أكثر و أكثر... و هتفت :
" وليد .. "
وليد لم يفق ، أمسكت بكتفه و هززته و أنا أناديه لأوقظه ...
وليد أحس أخيرا ، و فتح عينيه و نظر إلي...
الذعر كان محفورا على وجهي مما جعل وليد يجلس بسرعة متوترا و يقول باضطراب :
" صغيرتي ماذا جرى ؟ "
بجنون التصقت بذراعه و أنا أرتجف خوفا.. كنت خائفة حد الموت..
صرخت بوجهه :
" لماذا تركتني وحيدي ؟ "
و قفزت دموعي من عيني..
" لماذا وليد ؟ إنهم يريدون إيذائي .. لماذا تتركني وحدي ؟ "
وليد أمسك بيدي و حاول تهدئتي :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، صغيرتي أنا هنا معك "
نظرت إليه وسط الدمع و صرخت :
" لماذا تركتني وحدي ؟ "
" أنا هنا رغد.. معك ! غلبني النعاس فنمت على هذا السرير.. لا تفزعي أرجوك "
قلت ُ مجهشة باكية :
" أنا أخاف من البقاء وحيدة.. متى تدرك ذلك؟ لماذا تبتعد عني ؟ أتريد أن تقتلني ؟ "
وليد جعلني أجلس على السرير .. و وقف هو أمامي يردد عبارات الأسف و التهدئة و الطمأنة ... كل هذا و الطبيب و الممرضة لا يزالان واقفين مندهشين في مكانيهما..
بعدما سكنت روحي من روعها و استرددت طمأنة نفسي .. سألني وليد :
" أتشعرين بتحسن ؟ "
" نعم "
وليد نظر إلى الساعة المعلقة على الحائط المقابل ، و كانت تشير إلى الحادية عشرة و النصف ..
ثم وجه خطابه إلى الطبيب قائلا :
" أيمكننا الانصراف الآن ؟ "
قال الطبيب:
" نعم ، سأكتب للمريضة وصفة أدوية ، إلا أنني أفضل نقلها للمستشفى "
وليد نظر إلي.. ثم إلى الطبيب و قال :
" لا يمكننا ذلك"
" أحضرها لتطهير الجرح يوميا إذن "
ثم غادرنا المكان..
في الواقع ، لم يكن يفصل بين السريرين في تلك الغرفة سوى ستارة مشتركة ، و بضع أقدام ...
عدنا إلى منزل صديق وليد في نفس السيارة التي قدمنا فيها..
العجوز أوصلنا و غادر...
حين دخلنا إلى هناك ، و على نفس المقاعد التي كنا نجلس عليها البارحة رأيت دانة جالسة مع السيدة الصغرى ، بينما الأخرى تستقبلنا و ترحب بعودتنا..
وقفت دانة و الفتاة لدى رؤيتنا..
دانة كانت ترتدي عباءة أشبه بالعباءة التي أجرها حول قدمي ّ !
قالت السيدة الكبرى :
" تفضلا رجاءا "
أقبلنا نحو المقاعد و تبادلنا التحيات، ثم تقدمت دانة مني و هي تقول بقلق :
" أأنت بخير ؟ "
قلت بهدوء :
" نعم "
لقد كان القلق الشديد ظاهرا على وجهها.. و هذا ما أدهشني ، فهي المرة الأولى التي أشعر فيها بقلق دانة علي !
تحدثت الفتاة الآن قائلة :
" سلامتك يا رغد "
ألقيت عليها نظرة حاوية لشيء من الاستغراب... فابتسمت هي و قالت :
" اسمك ِ جميل "
تأملتها بعمق.. و حدّثت نفسي ...
( بل أنت الجميلة ! ما أشد جمال هذه الفتاة !)
قلت :
" شكرا لك.. "
قال وليد مؤكدا :
" شكرا لكم جميعا "
قالت السيدة الأخرى :
" لا شكر على واجب أيها الأعزة ، تفضلوا جميعا بالجلوس "
و جلست قرب دانة.. و التي قالت مخاطبة وليد :
" اتصلت بوالدي ّ و بسامر و نوّار قبل قليل ، الجميع بخير.. لن يُسمح لأبوي ّ بدخول البلاد لحين من الزمن "
وليد قال بارتياح :
" هذا أفضل، ليبقيا بعيدا آمنين .. "
و كان والداي و جميع المسافرين قد منعوا من دخول البلدة و ألغيت جميع الرحلات القادمة إليها..
أضافت دانة :
" لكن سامر في طريقه إلينا "
توتر وليد و قال :
" مجنون .. أمرته بأن يلزم مكانه لحين استقرار الأمور.. لماذا يعرّض نفسه للخطر الآن ؟؟ "
قالت دانة :
" فليحفظه الله ... يا رب "
حل الصمت علينا برهة ، ثم قالت السيدة الكبرى :
" سيكون كل شيء بخير إن شاء الله "
ثم التفتت إلى الفتاة و قالت :
" أعدي المائدة الآن بنيتي و استدعي خالك "
وقفت الفتاة و هي تقول :
" في الحال أمي "
و همّت بالذهاب ...
وليد قال :
" اعتقد أن العم إلياس قد ذهب إلى المسجد، فهذا ما قاله و نحن في طريقنا إلى هنا "
قالت السيدة :
" هل تحب أن تنتظره أم .. ؟ "
قال وليد :
" نعم ، في الواقع سأذهب لأصلي أنا أيضا "
قلت بسرعة :
" وليد ؟؟ "
أتم جملته :
" في الغرفة .. "
وقف وليد ، فوقفت معه.. و وقف دانة و السيدة أيضا..
ثم نطق بعبارات الشكر و الاستئذان و هم بالانصراف..
قال الفتاة الجميلة مخاطبة إياي بابتسام :
" لقد وضعت بعض الملابس في الخزانة لأجلك "
و التفتت إلى وليد بنفس الابتسام و قالت :
" خالي أيضا ترك بعضها لك يا سيد وليد "
وليد قال :
" نحن ممتنون لكم .. شكرا آنسة أروى "
ثم التفت إلينا أنا و دانة قائلا :
" أتأتيان ؟ "
دانة تحركت مباشرة و سارت نحو وليد الذي سار بدوره نحو الباب.. أما أنا فبقيت محدّقة في الفتاة الحسناء برهة !
( أروى ) ؟؟
أروى ...
ألم أسمع بهذا الاسم على لسان وليد قبل أيام !؟
بلى سمعته...
إنها الفتاة التي اتصل هاتفيا ليبارك لها ليلة العيد !
إذن .. فـ ( أروى ) تلك ليست طفلة كما ظننت.. ! إنها فتاة راشدة تكبرني سنا..
فتاة أقل ما يمكن أن أصفها به هو أنها ... فاتنة الجمال !
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 20 (0 من الأعضاء و 20 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)