رؤوسهم فقال: ما لكم أيها الناسُ إنكم لطَعانون عَجِلون. إن من الملوك مَن إذا مَلك زهده الله فِيما بيده ورغّبه فيما بيد غيره وانتقصه شطر أجله وأشرب قلَبه الإشفاقَ فهو يَحسد على القليل ويتَسخّط الكثير ويَسأم الرّخاء وتَنقطع عنده لذّة البقاء لا يستعمل العِبْرة ولا يسكُن إلى الثقة فهو كالدرهم القَسيّ والسَّراب الخادع جَذِل الظاهر حزين الباطن فإذا وَجبت نفسُه ونَضب عمره وضحا ظلُّه حاسبه اللهّ فأَشدّ حسابَه وأقل عَفْوه. ألا إن الفقراء هم المَرحومون وخيرَ الملوك مَن أمن بالله وحَكم بكتابه وسُنَّة نبيِّه وإنكم اليوم على خِلافة نبوة ومَفْرِق محجَّة وسترون بعديِ مُلْكاً عَضُوضاً ومَلِكاً عَنُودا وأُمة شَعاعاً ودَماً مُفاجاً فإن كانت للباطل نزْوَة ولأهل الحق جَوْلة يعفو بها الأثر ويَموت لها الخبر فالزموا المساجد واستشيروا القرآن واعتصموِا بالطاعة. وليكن الإبرام بعد التَشاور والصَّفقة بعد طوله التناظر. أفي بلاد خرْشَنة إنّ الله سَيْفتح لكم أقصاها كما فتح عليكم أدناها. وخطب أيضاً فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأَستغفره وأومن به وأَتوكّل عليه وأَسْتهدي اللهّ بالهُدى وأَعوذ به من الضّلال والرّدى ومن الشك والعَمى. مَن يَهْدِ الله فهو المُهتدي ومن يُضلّل فلن تَجد له وليَّاً مُرْشداً. وأَشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له له المُلك وله الحَمْد يُحيي وُيميت وهو حَيٌ لا يَموت يُعزّ مَن يشاء ويُذِل مَن يشاء بيده الخَير وهو عَلَى كلّ شيء قدير. وأَشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أَرسله بالهُدى ودين الحق ليُظهره عَلَى الدين كلّه ولو كَرِه المشركون إلى الناس كَافة رحمةً لهم وحُجة عليهم والناسُ حينئذ عَلَى شَرّ حال في ظُلمات الجاهليّة دينّهم بِدْعة ودَعْوتهم فِرْية. فأعزِّ الله الدينَ بمحمد وألفَ بين قلوبكم أيها المًؤمنون فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حُفْرة من النار فأَنقذكم منها كذلك يُبيّن الله لكم آياته لعلكم تَهتدون. فأَطيعوا اللهّ ورسوله فإنه قال عزّ وجلّ: مَن يُطِع الرَّسولَ فقد أطاع الله ومَن تَوَلى فما أَرسلناكَ عليهم حَفيظاً. أمّا بعد أيها الناس إني أوصيكم بتقوى الله العظيم في كل أَمر وعَلَى كلِ حال ولُزوم الحق فيما أَحببتم وكَرِهتم فإنه ليس فيما دون الصدق من الحديث خير. مَن يَكْذب يَفْجر ومَن يَفْجر يَهْلِك. وإيّاكم والفَخْرَ وما فَخْرُ مَن خُلق من تراب وإلى التراب يَعود هو اليوم حيّ غداً مَيّت. فاعمَلوا وعُدُّوا أنفسَكمِ في الموتى وما أَشكل عليكم فردّوا عِلْمه إلى الله وقَدِّموا لأنفسكم خيراً تَجدوه مًحْضراً فإنه قال عَزٌ وجلّ: يَوْمَ تَجد كلُّ نَفْس ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ مُحضَراً ومَا عَملت مِن سُوء تَوَدُّ لو أَنَّ بينها وبينه أَمَداً بَعيداَ ويُحذِّرَكم الله نفسَه والله رءُوف بالعِبَاد. فاتّقوا الله عبادَ الله وراقبوه واعتبروا بمَن مَضى قبلكم واعلموا إنه لا بُدّ من لقاء ربّكم والجزاء بأعمالكم صَغيرها وكَبيرها إلا ما غَفر الله أنه غَفور رحيم فأَنْفًسَكم أَنفسكم والمُستعانُ الله ولا حَولَ ولا قوّة إلّا بالله. إنً الله وملائكته يصلّون على النبيّ يأيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلِّموا تَسْليَماَ. اللهم صَلِّ على محمدٍ عَبْدِك ورسولك أفضلَ ما صلَيت على أحدٍ من خلْقك وزَكِّنا بالصلاة عليه وأَلحقنا به وأحشُرنا في زمْرته وأَوْرِدْنا حوضَه. اللًهم أَعِنَّا عَلَى طاعتك وانصُرنا عَلَى عدوّك حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أَوصِيكم بتقوى الله وان تُثْنُوا عليه بما هو أهلُه وأن تَخْلِطوا الرَّغبة بالرَّهبة وتَجمعوا الإلحافَ بالمَسألة فإنَّ الله أَثنىِ عَلَى زكريّا وعَلَى أهل بيته فقال: أنّهم كانوا يُسَارِعُون في الخَيْرَاتِ ويَدْعُوننا رَغَباَ وكانوا لنا خاشِعين. ثم اعلَموا عبادَ الله أن اللهّ قد ارتهن بحقه أنفسَكم وأَخذ عَلَى ذلك مواثيقَكم وعَوَّضكم بالقليل الفاني الكثيرَ الباقي وهذا كتابُ الله فيكم لا تَفْنى عجائبُه ولا يُطْفأ نورُه. فثِقوا بقوله وانتصحوا كتابَه واستبصروا به ليوم الظلمة فإنه خَلقكم لعبادته ووَكَل بكم الكرامَ الكاتبين يَعلمون ما تفَعلون. ثم اعلموا عبادَ الله أنكم تَغْدون وتَرُوحون في أجل قد غُيِّب عنكم عِلْمُه فإن استطعتم أن تنقضي الآجالُ وأنتم في عَمل الله ولن تَستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مَهل بأعمالكم قبل أن تنقضي آجالكم فتردّكم إلى سُوء أعمالكم فإنَّ أَقواماً جعلوِا أجالَهم لغيرهم فأَنهاكم أن تكونوا أمثالَهم. فالوَحَى الوَحَى والنجاء النجاء فإن وراءكم طالباً حَثيثاً مَرُّه سريعاً سَيْرُه. خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بعد أن حَمِد الله وأثنى عليه: أيها الناس
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
تعلَّموا القرآن واعملوا به تكونوا من أهله إنه لم يبلغ حقّ مخْلوق أن يُطاع في معْصية الخالق. إلا وإني أنزلت نَفْسي من مال الله بمنزلة وإلَي اليتيم: إن استَغنيت عفَفْت وإن افتَقَرْت أكلْتُ بالمعروف تَقَرمَ البَهمة الأعرابية: القَضْم لا الخَضْم. وخطب أيضاً حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس: مَن أراد أن يَسْأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ومَن أراد أن يَسْأل! عن الفرائض فَلْيأت زيدَ بن ثابت ومَن أراد أن يَسأل عن الفِقْه فَلْيأت مُعاذ بن جَبَل ومَن أراد أن يَسْأل عن المال فَلْيأتني فإن الله جعلني له خازناً وقاسماً. إني بادىء بأزواج رسول الله فمُعطيهن ثم المهاجرين الأوَلين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم أنا وأصحابي ثم بالأنصار الذين تَبؤَءوا الدارَ والإيمان مِن قبلهم ثم مَن أسرع إلى الهِجرة أسْرعَ إليه العطاء وجمَن أبطأ عن الهجرة أبطأ عنه العطاء. فلا يلومنً رجل إلا مُناخ راحلته. إني قد بَقيت فيكم بعد صاحبي فابتليتُ بكم وابتُليتم بي وإني لن يَحْضرني من أموركم شيء فأكِله إلى غير أهل الْجَزاء والأمانة فلئنْ أحسنوا لأحسننَ إليهم ولئنْ أساءُوا لاُ نكّلَنَ بهم. وخطب أيضاً فقال: الحمد لله الذي أعزَنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان ورَحمنا بنبيّه فهدانا به من الضلالة وجَمعنا به من الشتات وألَّف بين قلوبنا ونَصرنا عَلَى عدوّنا ومكّن لنا في البلاد وجَعلنا به إخواناً مُتحابين. فاحَمدوا الله عَلَى هذه النّعمة واسألوه المَزيدَ فيها والشُكر عليها فإنَّ الله قد صَدقكم الوعدَ بالنَصر عَلَى مَن خالفَكم. وإياكم والعملَ بالمَعاصي وكُفْر النعمة فقلما كفر قوم بنعمة ولم يَنزعوا إلى التوبة إلا سُلبوا عزَهم وسُلط عليهِم عدوّهم. أيها الناس إنَ الله قد أعزّ دَعوة هذه الأمة وجَمع كلمتها وأظهر فَلَجها ونصَرها وشرَّفها فاحمدوه عبادَ الله عَلَى نِعمَه واشكروه عَلَى آلائه. جعلَنا الله وإياكم من الشاكرين. وخطبة له أيضاً أيها الناس إنه قد أتي عَلَيَّ زمان وأنا أرى أن قوماً يقرءون القرآن يُريدون به الله عزّ وجلّ وما عنده فخُيّل إليّ أن قوماً قَرَءوه يُريدون به الناس والدنيا. ألا فأريدوا الله بأعمالكم. ألا إنما كنا نعرفكم إذ يتنزَّل الوَحْي وإِذ رسول الله بين أظهرنا يُنبئنا من أخباركمٍ فقد انقطع الوَحْى وذهب النبي فإنما نعرفكم بالقَول. ألا مَن رأينا منْه خيراً ظنَنا به خيراً وأحببناه عليه ومَن رأينا منه شرّا ظنَنَا به شرّا وأبغضناه عليه. سرائركم بَينكم وبين ربكم. ألا وإني إنما أبعث عُمّالي ليُعلِّموكم دينكم وسُننكم ولا أبعثهم ليَضرِبوا ظهوركم ويأخذوا أموالَكم. ألا مَن رابه شيء من ذلك فَلْيرْفعه إليّ فوالذي نفسي بيده لاقُصَّنكم منه. فقامٍ عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتَ إن بعثتَ عاملاً من عُمّالك فأدّب رجلاً من رعيَّتك فَضرَبه أتقصّه منه قال: نعم والذي نفَس عُمر بيده لأقصَّنه منه فقد رأيتُ رسولَ الله يقصّ من نفسه. وخطب أيضاًً فقال أيها النّاس اتقوا الله في سَريرتكم وعَلانيتكم وَأْمروا بالمعروف وانهوا عن المُنكر ولا تكونوا مثلَ قوم كانوا في سَفينة فأقبل أحدُهم على مَوضعه يَخْرِقه فنَظر إليه أصحابهُ فمَنعوه فقال: هو مَوْضعي ولي أن أحْكم فيه. فإِن اخذوا عَلَى يده سَلِم وسَلِموا وإنْ تركوه هَلك وهَلكوا معه. وهذا مَثل ضربتُه لكم رحمنا اللهّ وإياكم. رحمه الله: حمد الله وأثنى عليه وصلى عَلَى نبيّه ثم قال: أيها الناس استغفروا ربكم إنه كان غفّاراً اللهم إني استغفرك وأتوب إليك. اللهم إنا نتقرب إليك بعمّ نبيّك وبقيّة آبائه وكِبار رجاله فإنك تقول وقولُك الحق: وأمّا الْجدَارُ فكانَ لغُلامينْ يَتِيميْن في المدينة وكانَ تَحْته كَنْز لهما وكان أَبُوهما صالحاً. فحفظتَهما لصلاح أبيهما فاحفظ اللهم نبيّك في عَمّه. اللهم أغفر لنا إنك كنت غفاراً. اللهم أنت الرّاعي لا تُهمل الضالّة ولا تدع الكَسيرة بمَضْيعة. اللهم قد ضَرع الصغير وَرَقّ الكبير وارتفعت الشكوى وأنت تعلم السرّ وأخْفى. اللهم أغِثْهم بغِياثك قبل أن يَقْنطوا فَيَهْلِكوا فإنه لا ييأس من رَوْحٍ اللهّ إلا القومُ الكافرون. فما
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
برحوا حتى علَّقوا الحِذاء وقَلّصوا المآزر وطَفِق الناس بالعبّاس يقولون: هنيئاً لك يا ساقي الْحِرمين. خطب إذ ولي الخلافة صَعد المِنْبَر فحَمد اللهّ وأثنى عليه ثم قال: يأيها الناس إني داعٍ فأمِّنوا. اللهم إني غَليظ فَلَينِّي لأهل طاعتك بموافقة الحقّ ابتغاء وجهك والدار الآخرة و ارزقْني الغِلْظة والشدّة على أعدائك وأهل الدَّعارة والنِّفاق من غير ظُلم منّي لهمِ ولا اعتداء عليهم. اللهم إني شحيح فسَخِّني في نوائب المَعروف قَصْداً من غير سرف ولا تَبْذير ولا رياء ولا سُمعة واجعلني ابتغي بذلك وَجْهَك والدارَ الآخرًة. الَّلهم ارزقني خَفْض الْجَناح وَلين الجانب للمُؤمنين. اللهم إني كثيرُ الغَفْلة والنِّسيان فألْهمني ذِكرْك على كلّ حال وذِكرْ الموت في كلّ حين. اللهم إني ضعيف عند العمل بطاعتك فارزقني النشّاط فيها والقًوّة عليها بالنيّة الحسنة التي لا تكون إلا بعزّتك وتَوْفيقك. اللهم ثَبِّتني باليقين والبرّ والتَّقوى وذِكْر المَقام بين يديك والْحَياء منك وأرزقني الخُشوع فيما يُرْضيك عني والمُحاسبة لنفسي وصلاح النِّيات والحَذر من الشّبهات اللهم ارزقني التفكّر والتدبّر لما يتلوه لِساني من كتابك والفَهْم له والمَعرفة بمَعانيه والنّظر في عجائبه والعملَ بذلك ما بقيتُ إنك على كلّ شيء قدير. وكان آخرً كلام أبي بكر الذي إذا تكلَّم به عُرف أنه قد فرغ من خطبته: اللهم اجعل خيرَ زماني آخرًه وخيرَ عملي خواتمَه وخيرَ أيامي يومَ ألقاك.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
العقد الفريد/الجزء الثالث/2
وكان آخرً كلام عمر الذي إذا تكلم به عُرف أنه فَرغ من خُطبته: اللهم لا تَدعني في غَمرة ولا تأخذني على غِرِّة ولا تَجْعلني من الغافلين. خطبة لعثمان بن عفان رضي الله عنه ولما وَلي عثمانُ بن عفّان قام خطيباً فحمِد اللهّ وأثنى عليه وتَشهَّد ثم أُرتج عليه فقال. أيها الناس إنَّ أوّل كلّ مَركب صَعْب هانْ أعِش فستأتيكم الخُطب عَلَى وَجهها وسيجعل اللهّ بعد عُسر يُسراَ. خطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أوّل خُطبة خَطبها بالمدينة فحَمِد الله وأَثنى عليه وصلى على نبيّه عليه الصلاةُ والسلام ثم قال: أيها الناس كتابَ الله وسُنّةَ نبيّكم أما بعد فلا يَدَعينّ مُدّعٍ إلا على نفسه شُغِل مَن الجنّة والنار أمامَه. ساعٍ نجا وطالبٌ يرجو ومقمر في النار ثلاثة واثنان: مَلَك طار بجناحيه ونبيّ أخذ الله بيديه لا سادس. هلك مَن اقتحم وَرَدِي مَن هوى اليمينُ والشِّمال مَضَلَّة والوًسطى الجادّة. مَنهج عليه أم الكتاب والسنّة وآثارُ النبوّة. إنَّ الله داوَى هذه الأمة بدواءين: السَّوط والسيف لا هَوادة عند الإمام فيهما. استتروا ببيوتكم واصْلِحوا فيما بينكم فالموتً من ورائكم. مَن أَبدى صَفحته للحقّ هَلَك. قد كانت أمورٌ لم تكونوا فيها مَحمودين. أما إني لو أشاء أن أقول لقُلت. عفا الله عما سَلف. سَبق الرجلاًن ونام الثالث كالغُراب همته بَطنه وَيْله! لو قُصّ جناحاه وقُطع رأْسه لكان خيراً له. انظروا فإن أنكرتم فانكروا وإن عَرفتم فاعرفوا. حقّ وباطل ولكُلّ أهل ولئن كَثر الباطل لقديماً فعل ولئن قَلَّ الحق لرَّبما ولعلّ ولقلما أدبر شيء فاقبل ولئن رجعتْ إليكم أُموركم إنكم لسعداء وإني لأخشى أن تكونوا في فَتر وما علينا إلا الاجتيهاد. ورَوى فيها جعفَر بن محمد رضوان الله عليه: ألا إن الأبرار عِتْرتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغِاراً وأعلم الناس كباراً. ألا وإنا أهلَ البيت مَن عِلْم الله عِلْمُنا وبحُكم الله حُكمُنا ومِن قَول صادقٍ سمعنا فإن تَتبعوا آثارنا تهتدوا ببصَائرنا. معنا رايةُ الحق من يَتبعها لَحِق ومن تأخر عنها غَرِق. ألاَ وبنا تُردّ تِرَة كل مؤمن وبنا تُخلع رِبقْة الذل من أعناقكم وبنا فُتح الأمر وبنا يُختم. وخطبة له أيضاً حَمد الله وأثنى عليه ثم قال: أوصيكم عبادَ الله ونَفسي بتَقْوى الله ولُزوم طاعته وتقديم العَمَل وتَرْك الأمَل فإنه من فَرّط في عمله لمْ يَنْتفع بِشيء من أمله. أين التَّعِب بالليل والنهار واْلمقتحم لِلُجج البحارِ ومَفاوِز القِفار يَسير من ورِاء الجبال وعالج الرمال يَصل الغُدُوّ بالرَّواح والمَساء بالصَّباحِ في طلب مُحقَرات الأرباحِ هَجَمتْ عليه منيّته فعظُمت بنفسه رَزِيته فصار ما جَمع بُوراً وما اكتسب غروراً ووافَى القيامةَ مَحْسوراً. أيها اللاهي الغازُ نفسه كأنِّي بك وقد أتاك رسولُ ربك لا يَقْرع لك باباً ولا يَهاب لك حِجاباً ولا يَقْبل منك بَدِيلًا ولا يأخذ منك كَفِيلاً ولا يرْحم لك صغيراً ولا يُوقّر فيك كبيراً حتى يُؤدِّيك إلى قَعْر مُظلمة أرجاؤُها مُوحشة كفِعْله بالأمم الخالية والقُرون الماضية. أين مَن سعى واجتهد وجَمع وعدّد وبَنَى وشَيّد وزَخرف ونَجّد وبالقليل لم يَقْنع وبِالكثير لم يُمتَّع أين مَن قاد الجنود ونَشر البُنود أضحَوْا رُفاتاً تحت الثرى أمواتاً وأنتم بكأسهم شاربون ولسبيلهم سالكون. عبادَ الله فاتّقوا الله ورَاقبوه واعملوِا لِلْيوم الذي تُسيَر فيه الجبال وتَشقّق السماء بالغَمام وتَطايَرُ الكُتب عن الأيمان والشمائل. فأيّ رَجُل يومئذ تُراك أقائل: هاؤم اقَرءوا كتابيه أم: يا ليتني لم أوت كتابيَه نسأل مَن وَعَدَنا بإقامة الشرائع جَنَّته أن يَقينا سُخْطه. إنّ أحسنَ الحديث وأبلغَ الموعظة كتابُ الله الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خَلْفه تَنْزِيل من حَكِيم حَمِيد. الحمدُ لله الذي اسْتَخْلص الحمدَ لنفسه واستوجبه على جَميع خَلْقه الذي ناصيةُ كُلّ شيء بيده ومَصير كُلّ شيء إليه القَوي في سُلطانه اللَطيف في جَبَروته لا مانعَ لما أعطى ولا مُعْطِي لما مَنع خالق الخلائقِ بقًدْرته ومسخَرهم بَمشِيئته وَفي العهد صادق الوَعْد شديد العِقاب جزيل الثَواب. أحمده وأستعينه على ما أنعَم به مما لا يَعرف كنْهَه غيرُه وأتوكَل عليه توكّل المسْتسلم لقُدرته المُتبري من الحَوْل والقُوةِ إلا إليه وأشهد شهادةً لا يَشُويها شك أنه لا إله إلا هو وحدَه لا لشريك له إلهاً واحداً صَمَداً لم يَتَخذ صاحبةً ولا ولَداً ولم يكن له شريك في المُلك ولم يكن له وليّ من الذُّل وكَبِّره تَكْبيراً وهو على كل شيء قدير. قَطع ادعاء المُدعي بقوله عزّ وجلّ: وما خَلَقْتُ الجنِّ والإنْس إلاّ لِيَعبدون. وأشهدُ أن صفوتُه من خَلْقه وأمينُه على وَحْيَه أرسله بالمَعْروف أمِراً وعن المُنكر ناهياً وإلى الحقّ داعياً على حين فَتْرة من الرُّسل وضَلالة من الناس واختلاف من الأمور وتَنازُع من الألسن حتى تَمّم به الوَحْي وانْذر به أهلَ الأرض. أوصيكم عبادَ الله بتَقْوى الله فإنها العِصْمةُ من كلّ ضَلال والسّبِيلُ إلى كل نَجاة فكأنكم بالجُثث قد زايَلَتْها أرواحُها وتَضمَّنتها أجداثُها فلن يَسْتقبِلَ معمَّر منكم يوماً من عُمره إلا بانتقاص آخرَ من أَجَله وإنما دُنياكم كَفْيء الظِّل أو زاد الراكب. وأحذِّركم دُعاء العَزيز الجبّار عبدَه يوم تعفَّى آثارُه وتًوحِشُ منه دِيارُه ويُوتَم صِغارُه ثم يصير إلى حَفِير من الأرض مُتعفِّراً خَدُّه غيرَ مُوسَد ولا مُمهّد. أسأل الذي وَعدنا
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)