فأشخصوه من ذلك المكان، فكلما نزل بهم منزلا أقام بهم حتى يضج الناس به من ذلك، ويصيحوا به حول فسطاطه، فلم يبلغ الصراع إلا في بضعة عشر يوما، فأتى الصراة وقد انتهى إليها طلائع العدو وأوائل الخيول، فلما أتتهم العيون بأنه قد أتاهم جماعة أهل المصر قطعوا الجسر بينهم وبين الناس، وأخذ الناس يرتجزون:
إن القاع سار سيرا ملسا ** بين دبيرى ودَباها خمسا
قال أبو مخنف: وحدثني يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه أن رجلا من الربيع كان به لمم، وكان بقرية يقال لها جوبر عند الخرارة، وكان يدعى سماك بن يزيد، فأتت الخوارج قريته فأخذوه وأخذوا ابنته، فقدموا ابنته فقتلوها، وزعم لي أبو الربيع السلولي أن اسم ابنته أم يزيد، وأنها كانت تقول لهم: يا أهل الإسلام، إن أبي مصاب فلا تقتلوه، وأما أنا فإنما أنا جارية، والله ما أتيت فاحشة قط، ولا آذيت جارة لي قط، ولا تطلعت ولا تشرفت قط. فقدموها ليقتلوها، وأخذت تنادي: ما ذنبي ما ذنبي! ثم سقطت مغشيا عليها أو ميتة، ثم قطعوها بأسيافهم.
قال أبو الربيع: حدثتني بهذا الحديث ظئر لها نصرانية من أهل الخورنق كانت معها حين قتلت.
قال أبو مخنف: حدثني يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، أن الأزارقة جاءت وسماك بن يزيد معهم حتى أشرفوا على الصراة. قال: فاستقبل عسكرنا، فرأى جماعة الناس وكثرتهم، فأخذ ينادينا ويرفع صوته: اعبروا إليهم فإنهم فل خبيث، فضربوا عند ذلك عنقه وصلبوه ونحن ننظر إليه. قال. فلما كان الليل عبرت إليه أنا ورجل من الحي. فأنزلناه فدفناه.
ليال أبو مخنف: حدثني أبي أن إبراهيم بن الأشتر قال للحارث بن أبي ربيعة: اندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الأكلب، فأجيئك برؤوسهم الساعة، فقال شبث بن ربعي وأسماء بن خارجة ويزيد بن الحارث ومحمد بن الحارث ومحمد بن عمير: أصلح الله الأمير! دعهم فليذهبوا، لا تبدأهم، قال: وكأنهم حسدوا إبراهيم بن الأشتر.
قال أبو مخنف: وحدثني حصيرة بن عبد الله وأبو زهير العبسي أن الازارقة لما انتهوا إلى جسر الصلاة فرأوا أن جماعة أهل المصر قد خرجوا إليهم، قطعوا الجسر، واغتنم ذلك الحارث، فتحبس. ثم إنه جلس للناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن أول القتال الرميا بالنبل، ثم إشراع الرماح، ثم الطعن بها شزرا، ثم السلة آخر ذلك كله. قال: فقام اليه رجل فقال: قد أحسن الأمير أصلحه الله الصفة، ولكن حتام نصنع هذا وهذا البحر بيننا وبين عدونا! مر بهذا الجسر فليعد كما كان، ثم اعبر بنا إليهم، فإن الله سيريك فيهم ما تحبه، فأمر بالجسر فأعيد، ثم عبر الناس إليهم فطاروا حتى انتهوا إلى المدائن، وجاء المسلمون حتى انتهوا إلى المدائن، وجاءت خيل لهم فطاردت خيلا للمسلمين طردا ضعيفا عند الجسر. ثم إنهم خرجوا منها فاتبعهم الحارث بن أبي ربيعة عبد الرحمن بن مخنف في ستة آلاف ليخرجهم من أرض الكوفة، فإذا وقعوا فى أرض البصرة خلاهم فاتبعهم حتى إذا خرجوا من أرض الكوفة ووقعوا إلى أصبهان انصرف عنهم ولم يقاتلهم ولم يكن بينه وبينهم قتال، ومضوا حتى نزلوا بعتاب بن ورقاء بحي، فأقاموا عليه وحاصروه، فخرج إليهم فقاتلهم فلم يطقهم، وشدوا على أصحابه حتى دخلوا المدينة، وكانت أصبهان يومئذ طعمة لإسماعيل بن طلحة بن مصعب بن الزبير، فبعث عليها عتابا، فصبر لهم عتاب، وأخذ يخرج إلبهم في كل يوم فيقاتلهم على باب المدينة، ويرمرن من السور بالنبل والنشاب والحجارة، وكان مع عتاب رجل من حضرموت يقال له أبو هريرة بن شريح، فكان يخرج مع عتاب، وكان شجاعا، فكان يحمل عليهم ويقول:
كيف ترون يا كلاب النار ** شد أبي هُريرة الهَرّار
يهِرُّكم بالليل والنهار ** يا ابن أبي الماحوز والأشرار
كيف تُرى جَيَّ على المِضمار
فلما طال ذلك على الخوارج من قوله كمن له رجل من الخوارج يظنون أنه عبيدة بن هلال، فخرج ذات يرم فصنع كما كان يصنع، ويقول ما كان يقول، إذ حمل عليه عبيدة بن هلال فضربه بالسيف ضربة على حبل عاتقه فصرعه، وحمل أصحابه عليه فاحتملوه فأدخلوه وداووه، وأخذت الأزارقة بعد ذلك تناديهم يقولون: يا أعداء الله، ما فعل أبو هريرة الهرار؟ فينادونهم: يا أعداء الله، والله ما عليه من بأس، ولم يلبث أبو هريرة أن برئ، ثم خرج عليهم بعد، فأخذوا يقولون: يا أعداء الله، أما والله لقد رجونا أن نكون قد أزرناك أمك، فقال لهم: يا فساق، ما ذكركم أمي! فأخذوا يقولون: إنه ليغضب لأمه، وهو آتيها عاجلا. فقال له أصحابه: ويحك إنما يعنون النار، ففطن فقال: يا أعداء الله، ما أعقكم بأمكم حين تنتفون منها! إنما تلك أمكم، وإليها مصيركم. ثم إن الخوارج أقامت عليهم أشهرا حتى هلك كُراعهم ونفدت أطعمتهم، واشتد عليهم الحصار، وأصابهم الجهد الشديد، فدعاهم عتاب بن ورقاء فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإنه قد أصابكم من الجهد ما قد ترون، فوالله إن بقي إلا أن يموت أحدكم على فراشه فيجيء أخوه فيدفنه إن استطاع، وبالحري أن يضعف عن ذلك، ثم يموت هو فلا مجد من يدفنه، ولا يصلي عليه، فاتقوا الله، فوالله ما أنتم بالقليل الذين تهون شوكتهم على عدوهم، وإن فيكم لفرسان أهل المصر، وإنكم لصلحاء. من أنتم منه! اخرجوا بنا إلى هؤلاء القوم وبكم حياة وقوة قبل ألا يستطيع رجل منكم أن يمشي إلى عدوه من الجهد، وقبل ألا يستطيع رجل أن يمتنع من امرأة لو جاءته، فقاتل رجل عن نفسه وصبر وصدق، فوالله إني لأرجو إن صدقتموه أن يظفركم الله بهم، وأن يظهركم عليهم. فناداه الناس من كل جانب؟ وفقت وأصبت، اخرج بنا إليهم، فجمع إليه الناس من الليل، فأمر لهم بعشاء كثير، فعشي الناس عنده، ثم إنه خرج بهم حين أصبح على راياتهم، فصبحهم في عسكرهم وهم آمنون من أن يؤتوا في عسكرهم، فشدوا عليهم في جانبه، فضاربوهم فاخلوا عن وجه العسكر حتى انتهوا إلى الزبير بن الماحوز، فنزل في عصابة من أصحابه فقاتل حتى قتل، وانحازت الأزارقة إلى قطري، فبايعوه، وجاء عتاب حتى دخل مدينته، وقد أصاب من عسكرهم ما شاء، وجاء قطري في أثره كأنه يريد أن يقاتله، فجاء حتى نزل في عسكر الزبير بن الماحوز. فتزعم الخوارج أن عينا لقطري جاءه فقال: سمعت عتابا يقول إن هؤلاء القوم إن ركبوا بنات شحاج، وقادوا بنات صهال، ونزلوا اليوم أرضا وغدا أخرى، فبالحري أن يبقوا، فلما بلغ ذلك قطريا خرج فذهب وخلاهم.
قال أبو مخنف: قال أبو زهير العبسي وكان معهم: خرجنا إلى قطري من الغد مشاة مصلتين بالسيوف، قال: فارتحلوا والله فكان آخر العهد بهم.
قال: ثم ذهب قطري حتى أتى ناحية كرمان فاقام بها حتى اجتمعت إليه جموع كثيرة، وأكل الأرض واجتبى المال وقوي، ثم أقبل حتى أخذ في أرض أصبهان. ثم إنه خرج من شعب ناشط إلى أيذج، فاقام بأرض الأهواز والحارث بن أبي ربيعة عامل المصعب بن الزبير على البصرة، فكتب إلى مصعب يخبره أن الخوارج قد تحدرت إلى الأهواز، وأنه ليس لهم إلا المهلب، فبعث إلى المهلب وهو على الموصل والجزيرة. فأمره بقتال الخوارج والمسير إليهم، وبعث إلى عمله إبراهيم بن الأشتر، وجاء المهلب حتى قدم البصرة، وانتخب الناس، وسار بمن أحب، ثم توجه نحو الخوارج، وأقبلوا اليه حتى التقوا بسولاف، فاقتتلوا بها ثمانية أشهر أشد قتال رآه الناس، لا يُنقع بعضهم لبعض من الطعن والضرب ما يصد بعضهم عن بعض.
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة كان القحط الشديد بالشام حتى لم يقدروا من شدته على الغزو.
وفيها عسكر عبد الملك بن مروان ببطنان حبيب من أرض قنسرين، فمطروا بها، فكثر الوحل فسموها بطنان الطين، وشتا بها عبد الملك، ثم انصرف منها إلى دمشق.
وفيها قتل عبيد الله بن الحر.
ذكر الخبر عن مقتل عبد الله بن الحر
ذكر الخبر عن مقتله والسبب الذي جر ذلك عليه
روى أحمد بن زهير، عن علي بن محمد، عن علي بن مجاهد، أن عبيد الله بن الحر كان رجلا من خيار قومه صلاحا وفضلا وصلاة واجتهادا، فلما قتل عثمان وهاج ذلك الهيج بين علي ومعاوية، قال: أما إن الله ليعلم أني أحب عثمان، ولأنصرنه ميتا. فخرح إلى الشام، فكان مع معاوية وخرج مالك بن مسمع إلى معاوية على مثل ذلك الرأي في العثمانية، فأقام عبيد الله عند معاوية، وشهد معه صفين، ولم يزل معه حتى قُتل علي عليه السلام، فلما قتل علي قدم الكوفة فأتى إخوانه ومن قد خف في الفتنة فقال لهم: يا هؤلاء، ما أرى أحدا ينفعه اعتزاله، كنا بالشام، فكان من أمر معاوية كيت وكيت. فقال له القوم: وكان من أمر علي كيت وكيت، فقال: يا هؤلاء، إن تمكننا الأشياء فاخلعوا عذركم، واملكوا أمركم، قالوا: سنلتقي، فكانوا يلتقون على ذلك.
فلما مات معاوية هاج ذلك الهيج في فتنة ابن الزبير، قال: ما أرى قريشا تنصف، أين أبناء الحرائر! فأتاه خليع كل قبيلة، فكان معه سبعمائة فارس، فقالوا: مرنا بأمرك، فلما هرب عبيد الله بن زياد ومات يزيد بن معاوية، قال عبيد الله بن الحر لفتيانه: قد بين الصبح لذي عينين، فإذا شئتم! فخرج إلى المدائن فلم يدع مالا قدم من الجبل للسلطان إلا أخذه، فأخذ منه عطاءه وأعطية أصحابه، ثم قال: إن لكم شركاء بالكوفة في هذا المال قد استوجبوه، ولكن تعجلوا عطاء قابل سلفا، ثم كتب لصاحب المال براءة بما قبض من المال، ثم جعل يتقصى الكور على مثل ذلك. قال: قلت: فهل كان يتناول أموال الناس والتجار؟ قال لي: إنك لغير عالم بأبي الاشرس، والله ما كان في الأرض عربي أغير عن حرة ولا أكف عن قبيح وعن شراب منه، ولكن إنما وضعه عند الناس شعره، وهو من أشعر الفتيان. فلم يزل على ذلك من الأمر حتى ظهر المختار، وبلغه ما يصنع بالسواد، فأمر بامرأته أم سلمة الجعفية فرجعت، وقال: والله لأقتلنه أو لأقتلن أصحابه، فلما بلغ ذلك عبيد الله بن الحر أقبل في فتيانه حتى دخل الكوفة ليلا، فكسر باب السجن، وأخرج امرأته وكل امرأة ورجل كان فيه، فبعث إليه المختار من يقاتله، فقاتلهم حتى خرج من المصر، فقال حين أخرج امرأته من السجن:
ألم تعلمي يا أم توبة أنني ** أنا الفارس الحامي حقائق مَذحِجِ
وأني صَبَحت السجن في سورة الضحى ** بكل فتى حامي الذمار مُدجّج
فما إن برحنا السجن حتى بدا لنا ** جبين كقرن الشمس غير مُشنّج
وخد أسيل عن فتاة حَييّة ** إلينا سقاها كل دان مثجّج
فما العيش إلا أن أزورك آمنا ** كعادتنا من قبل حربي ومَخرجي
وما أنتِ إلا همة النفس والهوى ** عليك السلام من خليط مُسَحّج
وما زلت محبوسا لحبسك واجما ** وإني بما تلقين من بعده شَجِ
فبالله هل أبصرت مثلي فارسا ** وقد ولجوا في السجن من كل مولج
ومثلي يحامي دون مثلك إنني ** أشُدُّ إذا ما غمرة لم تفرّج
أضارقهم بالسيف عنك لترجعي ** إلى الأمن والعيش الرفيع المخرفج
إذا ما أحاطوا بي كررت عليهم ** ككر أبي شبلين في الخيس مُحرج
دعوت إلى الشاكري ابن كامل ** فولى حثيثا رفضه لم يُعرّج
وإن هتفوا باسمي عَطَفْتُ عليهم ** خيولَ كرامِ الضرب أكثرُها الوجي
فلا غرو إلا قول سلمى ظعينتي ** أما أنت يا ابن الحر بالمتحرّج
دع القوم لا تقتلهم وانجُ سالما ** وشمر هداك الله بالخيل فاخرج
واني لأرجو يا ابنة الخير أن أُرى ** على خير أحوال المؤمل فارتجي
ألا حبذا قولي لأحمر طيء ** ولابن خبيب قد دنا الصبح فادلج
وقولي لهذا سر وقولي لذا ارتحل ** وقولي لذا من بعد ذلك أسرج
وجعل يعبث بعمال المختار وأصحابه. ووثبت همدان مع المختار فأحرقرا داره، وانتهبوا ضيعته بالجُبّة والبُداة، فلما بلغه ذلك سار إلى ماه إلى ضياع عبد الرحمن بن سعيد بن قيس، فأنهبها وأنهب ما كان لهمدان بها، ثم أقبل إلى السواد فلم يدع مالا لهمداني إلا أخذه. ففي ذلك يقول:
وما ترك الكذاب من جل مالنا ** ولا الزرق من همدان غير شريدِ
أفي الحق أن تنهب ضياعي شاكر ** وتأمن عندي ضيعة ابن سعيد!
ألم تعلمي يا أم توبة أنني ** على حدثان الدهر غير بليد
أشد حيازيمي لكل كريهة ** وإني على ما ناب جد جليد
فإن لم أصبح شاكرا بكتيبة ** فعالجت بالكفين غُل حديد
هم هدموا داري وقادوا حليلتي ** إلى سجنهم والمسلمون شهودي
وهم أعجلوها أن تشد خمارها ** فيا عجبا هل الزمان مقيدي
فما أنا بابن الحر إن لم أرُعْهُمُ ** بخيل تعادي بالكماة أسود
وما جَبُنَتْ خيلي ولكن حَملتُها ** على جَحفل ذي عُدّة وعديد
وهي طويلة.
قال: وكان يأتي الدائن فيمر بعمال جُوخَى فيأخذ ما معهم من الأموال، ثم يميل إلى الجبل، فلم يزل على ذلك حتى قتل المختار، فلما قتل المختار، قال الناس لمصعب في ولايته الثانية: إن ابن الحر شاق ابن زياد والمختار، ولا نأمنه أن يثب السواد كما كان يفعل، فحبسه مصعب فقال ابن الحر:
من مبغ الفتيان أن أخاهم ** أتى دونه باب شديد وحاجبه
بمنزلة ما كاد يرضى بمثلها ** إذا قام عنه كبول تجاوبه
على الساق فرق الكعب أسود صامت ** شديد يداني خطوه ويقاربه
وما كاد ذا من عظم جرم جنيته ** ولكن سعى الساعي بما هو كاذبه
وقد كلاد في الأرض العريضة مسلك ** وأي امرئ ضاقت عيه مذاهبه
وفي الدهر والأيام للمرء عبرة ** وفيما مضى إن ناب يوما نوائبه
فكلم عبيد الله قوما من مذحج أن ياتوا مصعبا في أمره، وأرسل إلى وجوههم، فقال: ائتوا مصعبا فكلموه في أمري ذاته، فإنه حبسني على غير جرم، سعى بي قوم كذبة وخوفوه ما لم أكن لأفعله، وما لم يكن من شأني. وأرسل إلى فتيان من مذحج وقال: البسوا السلاح، وخذوا عدة القتال، فقد أرسك قوما إلى مصعب يكلمونه في أمري، فأقيموا بالباب، فإن خرج القوم وقد شفعهم فلا تعرضوا لأحد، وليكن سلاحكم مكفرا بالثياب.
فجاء قوم من مذجح فدخلوا على مصعب فكلموه فشفعهم فاطلقه، وكان ابن الحر قال لأصحابه: إن خرجوا ولم يشفعهم فكابروا السجن فإني أعينكم من داخل، فلما خرج ابن الحر قال لهم: أظهروا السلاح، فأظهروه، ومضى لم يعرض له أحد، فأتى منزله، وندم مصعب على إخراجه، فاظهر ابن الحر الخلاف، وأتاه الناس يهنؤنه، فقال: هذا الأمر لا يصلح ألا لمثل خلفائكم الماضين، وما نرى لهم فينا ندا ولا شبيها فنلقي إليه أزمتنا ونمحضه نصيحتنا، فإن كان إنما هو مَن عَزَّ بَزَّ، فعلام نعقد لهم في أعناقنا بيعة، وليسوا بأشجع منا لقاة ولا أعظم منا غناء، وقد عهد إلينا رسول الله ألا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وما رأينا بعد الأربعة الماضين إماما صالحا ولا وزيرا تقيا. كلهم عاص مخالف، قوي الدنيا، ضعيف الآخرة؟ فعلام تستحل حرمتنا، ونحن أصحاب النخيلة والقادسية وجلولاء ونهاوند! نلقى الأسنة بنحورنا والسيوف بجباهنا، ثم لا يعرف لنا حقنا وفضلنا، فقاتلوا عن حريمكم، فاي الأحمر ما كان فلكم فيه الفضل، وإني قد قلبت ظهر المجن، وأظهرت لهم العداوة، ولا قوة إلا بالله.
وحاربهم فأغار فأرسل إليه مصعب سيف بن هانئ المعادي، فقال له: إن مصعبا يعطيك خراج بادوريا على أن تبايع وتدخل في طاعته، قال: أوليس لي خراج بادوريا وغيرها،لست قابلا شيثا ولا آمنهم على شيء، ولكني أراك يا فتى- وسيف يومئذ حدث- حدثا، فهل لك أن تتبعني وأموّلُك! فأبى عليه، فقال ابن الحر حين خرج من الحبس:
لا كوفة أمي ولا بصرة أبي ** ولا أنا يثنيني عن الرحلة الكسل
قال أبو الحسن: يروى هذا البيت لسحيم بن وثيل الرياحي
فلا تحسبني ابن الزبير كناعس ** إذا حل أغفى أو يقال له ارتحل
فإن لم أزرك الخيل تردي عوابسا ** بفرسانها لا أُدْعَ بالحازم البطل
وإن لم تر الغارات من كل جانب ** عليك فتندم عاجلا أيها الرجل
فلا وضعت عندي حصان قناعها ** ولا عشتُ إلا بالأماني والعلل
وهي طويلة.
فبعث مصعب الأبرد بن قرة الرياحي في نفر، فقاتله فهزمه ابن الحر، وضربه ضربة على وجهه، فبعث إليه مصعب حريث بن زيد -أو يزيد- فبارزه فقتله عبيد الله بن الحر، فبعث إليه مصعب الحجاج بن جارية الخثعمي ومسلم بن عمرو، فلقياه بنهر صرصر، فقاتلهم فهزمهم، فأرسل إليه مصعب قوما يدعونه إلى أن يؤمنه ويصله، ويوليه أي بلد شاء، فلم يقبل، وأتى نرسي ففر دهقانها ظيزجشنس بمال الفلوجة، فتبعه ابن الحر حتى مر بعين التمر وعليها بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني، فتعوذ بهم الدهقان، فخرجوا إليه فقاتلوه -وكانت خيل بسطام خمسين ومائة فارس- فقال يونس بن هاعان الهمداني من خيوان، ودعاه ابن الحر إلى المبارزة: شر دهر آخره، ما كنت أحسبني أعيش حتى يدعوني إنسان إلى المبارزة! فبارزه فضربه ابن الحر ضربة أثخنته، ثم اعتنقا فخرا جميعا عن فرسيهما، وأخذ ابن الحر عمامة يونس وكتفه بها ثم ركب، ووافاهم الحجاج بن حارثة الخثعمي، فحمل عليه الحجاج فأسره أيضا عبيد الله، وبارز بسطام بن مصقلة المجشر، فاضطربا حتى كره كل واحد منهما صاحبه وعلاه بسطام، فلما رأى ذلك ابن الحر حمل على بسطام واعتنقه بسطام، فسقطا إلى الأرض، وسقط ابن الحر على صدر بسطام فأسره، وأسر يومئد ناسا كثيرا، فكان الرجل يقول: أنا صاحبك يوم كذا، ويقول الآخر: أنا نازل فيكم، ويمت كل واحد منهم بما يرى أنه ينفعه، فيخلي سبيله، وبعث فوارس من أصحابه عليهم دلهم المرادي يطلبون الدهقان، فأصابوه، فأخذوا المال قبل القتال، فقال ابن الحر:
لو أن لي مثل جرير أربعه ** صبحت بيت المال حتى أجمعه
ولم يهلني مصعب ومن معه ** نعم الفتى ذلكم ابن مشجعه
ثم إن عبيد الله أتى تكريت، فهرب عامل المهلب عن تكريت، فأقام عبيد الله يجبي الخراج، فوجه إليه مصعب الأبرد بن قرة الرياحي والجون بن كعب الهمداني في ألف، وأمدهما المهلب بيزيد بن الغفل في خمسمائة، فقال رجل من جعفى لعبيد الله: قد أتاك عدد كئير فلا تقاتلهم، فقال:
يخوفني بالقل قومي وإنما ** أموت إذا جاء الكتاب المؤجل
لعل القنا تدني بأطرافها الغنى ** فنحيا كراما أو نكر فنقتل
فقال للمجشر ودفع إليه رايته، وقدم معه دلهما المرادي، فقاتلهم يومين وهو في ثلائمائة، فخرج جرير بن كريب، وقتل عمرو بن جندب الأزدي وفرسان كثير من فرسانه، وتحاجزوا عند المساء، وخرج عبيد الله من تكريت فقال لأصحابه: إني سائر بكم إلى عبد الملك بن مروان، فتهيئوا، وقال: إني أخاف أن أفارق الحياة ولم أذعر مصعبا وأصحابه، فارجعوا بنا إلى الكوفة. قال: فسار إلى كسكر فنفى عاملها، وأخذ بيت مالها، ثم أتى الكوفة فنزل لحام جرير، فبعث إليه مصعب عمر بن عبيد الله بن معمر، فقاتله، فخرج إلى دير الأعور، فبعث إليه مصعب حجار بن أبجر، فانهزم حجار، فشتمه مصعب ورده، وضم إليه الجون بن كعب الهمداني وعمر بن عبيد الله بن معمر، فقاتلوه بأجمعهم، وكثرت الجراحات في أصحاب ابن الحر وعقرت خيولهم، وجرح المجشر، وكان معه لواه ابن الحر، فدفعه إلى أحمر طيء، فانهزم حجار بن أبجر ثم كر، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى أمسوا، فقال ابن الحر:
لو أن لي مئل الفتى المجشر ** ثلاثة بَيَّتُهُم لا أمتري
ساعدني ليلة دير الأعور ** بالطعن والضرب وعند المعبر
لطاح فيها عمر بن معمر
وخرج ابن الحر من الكوفة، فكتب مصعب إلى يزيد بن الحارث بن رؤيم الشيباني -وهو بالمدائن- يأمره بقتال ابن الحر، فقدم ابنه حوشبا فلقيه بباجسري، فهزمه عبيد الله وقُتل فيهم، وأقبل ابن الحر فدخل المدائن، فتحصنوا، فخرح عبيد الله فوجه إليه الجون بن كعب الهمداني وبشر بن عبد الله الأسدي، فنزل الجون بحولايا، وقدم بشر إلى تامرا فلقي ابن الحر، فقتله ابن الحر وهزم أصحابه، ثم لقي الجون بن كعب بحولايا، فخرج إلبه عبد الرحمن بن عبد الله، فحمل عليه ابن الحر فطعنه فقتله وهزم أصحابه، وتبعهم، فخرج إليه بشير بن عبد الرحمن بن بشير العجلي، فالتقوا بسورا فاقتتلوا قتالا شديدا، فانحاز بشير عنه، فرجع إلى عمله، وقال: قد هزمت ابن الحر، فبلغ قوله مصعبا فقال: هذا من الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. وأقام عبيد الله في السواد يغير ويجبي الخراج، فقال ابن الحر في ذلك:
سلو ابن رؤيم عن جلادي وموقفي ** بديوان كسرى لا أوليهمُ ظهري
أكر عليهم معلما وتراهمُ ** كمعزى تحنى خشية الذئب بالصخرِ
ولهم في حصن كِسرى بن هُرْمُزٍ ** بمشحوذة بيض وخطية سُمر
فأجزيتهم طعا وضربا تراهم ** يلوذون نما موهنًا بذرا القَصْر
يلوذون مني رهبة ومخافة ** لواذًا كما لاذ الححائم من صَقْر
ثم إن عبيد الله بن الحر -فيما ذكر- لحق بعبد الملك بن مروان، فلما صار إليه وجهه في عشرة نفر نحو الكوفة، وأمره بالسير نحوها حتى تلحقه الجنود، فسار بهم، فلما بلغ الأنبار وجّه إلى الكوفة من يخبر أصحابه بقدومه، ويسألهم أن يخرجوا إليه، فبلغ ذلك القيسية، فأتوا الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عامل ابن الزبير على الكوفة، فسالوه أن يبعث معهم جيشا، فوجه معهم، فلما لقوا عبيد الله قاتلهم صاعة، ثم غرقت فرسه، وركب معبرا فوثب عليه رجل من الأنباط فأخذ بعضديه وضربه الباقون بالمرادي، وصاحوا إن هذا طلبة أمير المؤمنين، فاعتنقا فغرقا، ثم استخرجوه فجزوا رأسه، فبعثوا به إلى الكوفة ثم إلى البصرة.
قال ابو جعفر: وقد قيل في مقتله غير ذلك من القول، قبل: كان سبب مقتل عبيد الله بن الحر أنه كان يغشى بالكوفة مُصعبا، فرآه يقدم عليه أهل البصرة، فكتب إلى عبد الله بن الزبير -فيما ذكر- قصيدة يعاتب بها مصعبا ويخوفه مسيره إلى عبد الملك بن مروان، يقول فيها:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ** فلست على رأي قبيح أواربُهْ
أفي الحق أن أجفى ويَجعل مصعب ** وزيريه من كنت فيه أحاربه
فكيف وقد أبليتكم حق بيعتي ** وحقي يُلوى عندكم وأطالبه
وأبليتكم ما لا يضيع مثله ** وآسيتكم والأمر صعب مراتبه
فلما استنار الملك وانقادت العدا ** وأدرك من مال العراق رغائبه
جفا مصعب عني ولوكان غيره ** لأصبح فيما بيننا لا أعاتبه
لقد رابني من مصعب ان مصعبا ** أرى كل ذي غش لثا هو صاحبه
وما أنا إن حَلّأتموني بوارد ** على كدر قد غُصَّ بالصفو شاربه
وما لامرئ إلا الذي الله سائق ** إليه وما قد خط في الزبر كاتبه
إذا قمت عند الباب أدخِلَ مُسلمٌ ويمنعني أن أدخل الباب حاجبُه
وهي طويلة.
وقال لمصعب وهو في حبسه، وكان قد حبس معه عطية بن عمرو البكري، فخرج عطية، فقال عبيد الله:
أقول له صبرًا عَطيُّ فإنما ** هو السجن حتى يجعل الله مخرجا
أرى الدهر لي يومين يوما مطردا ** شريدا ويوما في الملوك متوّجا
أتَطعَنُ في دبني غداة أتيتُكم ** وللدين تُدني الباهلي وحَشْرَجا!
ألم تر أن الملك قد شين وجهه ** ونَبْعُ بلاد الله قد صار عَوْسَجَا!
وهي طويلة.
وقال أيضا يعاتب مصعبا في ذلك، ويذكر له تقريبه سويد بن منجوف، وكان سويد خفيف اللحية:
بأي بلاء أم بأية نعمة ** تَقدَّمُ قبلي مسلمٌ والمهلّبُ
ويدعى ابن منجوف أمامي ** كأنه خصي أتى للماء والعَير يَسرُبُ
وشيخ تميم كالثغامة رأسُه ** وعيلان عنا خائف مترقب
جعلت قصور الأزد ما بين منبجٍ ** إلى الغاف من وادي عُمان تصوّب
بلاد نفى عنها العدوَّ سيوفنا ** وصُفرة عنها نازحُ الدار أجنب
وقال قصيدة يهجو فيها قيس عَيلان، يقول فيها:
أنا ابن بني قيس فإن كنت سائلا ** بقيس تجدهم ذروة في القبائل
ألم تر قيسا قيس عيلان بَرَقَعَت ** لحاها وباعت نَبلَها بالمغازل
وما زلت أرجو الأزد حتى رأيتُها ** تُقَصِّرُ عن بنيانها المتطاول
فكتب زُفَر بن الحارث إلى مصعب: قد كفيتك قتال ابن الزرقاء وابن الحر يهجو قيسا. ثم إن نفرا من بني سليم أخذوا ابن الحُرّ فأسروه، فقال: إني إنما قلت:
ألم تر قيسا قيس عيلان أقبلت ** إلينا وسارت بالقَنا والقنابل
فقتله رجل منهم يقال له عياش، فقال زفر بن الحارث:
لما رأيتُ الناس أولاد علة ** وأغرق فينا نَزغةً كلُّ قائلِ
تكلم عنا مَشيُنا بسيوفنا ** إلى الموت واستنشاط حبل المراكل
فلو يَسألُ ابنُ الحُرِّ أُخبِرَ أنها ** يمانية لا تُشتَرى بالمغازل
وأُخبر أنا ذاتُ علمٍ سيوفُنا ** بأعناقِ ما بين الطُّلى والكواهل
وقال عبد الله بن هَمّام:
ترنمت يا بنَ الحر وحدك خاليا ** بقول امرئ نَشوان أو قول ساقِطِ
أتذكر قوما أوجعتك رماحهم ** وذبوا عن الأحساب عند المآقط
وتبكي لِما لاقت ربيعة منهم ** وما أنت في أحساب بكر بواسط
فهلّا بجعفي طَلبتَ ذُحُولَها ** ورهطك دُنيا في السنين الفوارط
تركناهم يوم الثَّري أذلة ** يلوذون من أسيافنا بالعرافط
وخالطكم يوم النخيل بجمعه ** عُميرٌ فما استبشرتم بالمُخالِط
ويوم شراحيلٍ جدعنا أنوفكم ** وليس علينا يوم ذاك بقاسط
ضربنا بحد السيف مفرِق رأسه ** وكان حديثا عهدُه بالمواشط
فإن رغمتْ من ذاك آنُفُ مَذحجٍ ** فرغما وسخطا للأنوف السواخط
أخبار متفرقة
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة وافت عرفات أربعة ألوية. قال محمد بن عمر: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: وقفت في سنة ثمانية وستين بعرفات أربعة ألوية: ابن الحنفية في أصحابه في لواء قام عند جبل الشاة، وابن الزبير في لواء، فقام مقام الإمام اليوم، ثم تقدم ابن الحنفية بأصحابه حتى وقفوا حذاء ابن الزبير، ونجدة الحروري خلفهما، ولواء بني أمية عن يسارهما، فكان أول لواء انفض لواء محمد بن الحنفية، ثم تبعه نجدة، ثم لواء بني أمية، ثم لواء ابن الزبير، واتبعه الناس.
قال محمد: حدثني ابن نافع، عن أبيه، قال: كان ابن عمر لم يدفع تلك العشية إلا بدفعة ابن الزبير، فلما أبطأ ابن الزبير وقد مضى ابن الحنفية ونجدة وبنو أمية قال ابن عمر: ينتظر ابن الزبير أمر الجاهلية، ثم دفع، فدفع ابن الزبير على أثره.
قال محمد: حدثني هشام بن عمارة، عن سعيد بن محمد بن جبير، عن أبيه، قال: خفت الفتنة، فمشيت إليهم جميعا، فجئت محمد بن علي في الشعب، فقلت: يا أبا القاسم، اتق الله فإنا في مشعر حرام، وبلد حرام، والناس وفد الله إلى هذا البيت، فلا تفسد عليهم حجهم، فقال: والله ما أريد ذلك، وما أحول بين أحد وبين هذا البيت، ولا يؤتى أحد من الحاج من قبلي، ولكني رجل أدفع عن نفسي من ابن الزبير، وما يروم مني، وما أطلب هذا الأمر إلا ألا يختلف علي فيه اثنان! ولكن ائت ابن الزبير فكلمه، وعليك بنجدة، قال محمد: فجئت ابن الزبير فكلمته بنحو ما كلمت به ابن الحنفية، فقال، أنا رجل قد اجتمع علي الناس وبايعوني، وهؤلاء أهل خلاف، فقلت: أرى خيرا لك الكف، قال: أفعل، ثم جئت نجدة الحروري فأجده في أصحابه، وأجد عكرمة غلام ابن عباس عنده، فقلت له: استاذن لي على صاحبك، قال: فدخل، فلم ينشب أن أذن لي، فدخلت فعظمت عليه، وكلمته كما كلمت الرجلين، فقال: أما أن ابتدئ أحدا بقتال فلا، ولكن من بدأ بقتال قاتلته، قلت: فإني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك، ثم جئت شيعة بني أمية فكلمتهم بنحو ما كلمت به القوم، فقالوا: نحن على ألا نقاتل أحدا إلا أن يقاتلنا. فلم أر في تلك الألوية قوما أسكن ولا أسلم دفعة من ابن الحنفية.
قال أبو جعفر: وكان العامل لابن الزبير في هذه السنة على المدينة جابر بن الأسود بن عوف الزهري، وعلى البصرة والكوفة أخوه مصعب، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة، وعلى قضاء الكوفة عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعلى خراسان عبد الله بن خاتم السلمي؛ وبالشام عبد الله بن مروان.
ثم دخلت سنة تسع وستين
ذكر خبر قتل عبد الملك سعيد بن عمرو
ففيها كان خروج عبد الملك بن مروان -فيما زعم الواقدي- إلى عين وردة، واستخلف عمرو بن سعيد بن العاص على دمشق فتحصن بها، فبلغ ذلك عبد الملك فرجع إلى دمشق، فحاصره -قال: ويقال: خرج معه- فلما كان ببطنان حبيب رجع إلى دمشق فتحصن فيها، ورجع عبد الملك إلى دمشق.
وأما عوانة بن الحكم فإنه قال -فيما ذكر هشام بن محمد عنه-: إن عبد الملك بن مروان لما رجع من بطنان حبيب إلى دمشق مكث بدمشق ما شاء الله، ثم سار يريد قرقيسياء، وفيها زفر بن الحارث الكلابي ومعه عمرو بن سعيد، حتى إذا كان ببطنان حبيب فتك عمرو بن سعيد، فرجع ليلا ومعه حميد بن حريث بن بحدل الكلبي وزهير بن الأبرد الكلبي، حتى أتى دمشق وعليها عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفي قد استخلفه عبد الملك، فلما بلغه رجوع عمرو بن سعيد هرب وترك عمله، ودخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنها.
وقال غيرهما: كانت هذه القصة في سنة سبعين. وقال: كان مسير عبد الملك من دمشق نحو العراق يريد مصعب بن الزبير، فقال له عمرو بن سعيد بن العاص: إنك تخرج إلى العراق، وقد كان أبوك وعدني هذا الأمر من بعده، وعلى ذلك جاهدت معه، وقد كان من بلائي معه ما لم يخف عليك، فاجعل لي هذا الأمر من بعدك، فلم يجبه عبد الملك إلى شيء، فانصرف عنه عمرو راجعا إلى دمشق، فرجع عبد الملك في أثره حتى انتهى إلى دمشق.
رجع الحديث إلى حديث هشام، عن عوانة قال: ولما غلب عمرو على دمشق طلب عبد الرحمن بن أم الحكم فلم يصبه، فأمر بداره فهدمت واجتمع الناس، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أيها الناس، إنه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر إلا زعم أن له جنة ونارا، يدخل الجنة من أطاعه، والنار من عصاه. وإني أخبركم أن الجنة والنار بيد الله، وأنه ليس إلي من ذلك شيء، غير أن لكم علي حسن المؤاساة والعطية. ونزل.
وأصبح عبد الملك، ففقد عمرو بن سعيد، فسأل عنه، فأُخبر خيره، فرجع عبد الملك إلى دمشق، فإذا عمرو قد جلل دمشق المسوح فقاتله بها أياما، وكان عمرو بن سعيد إذا أخرج حميد بن حريث الكلبي على الخيل أخرج إليه عبد الملك سفيان بن الأبرد الكلبي، وإذا أخرج عمرو بن سعيد زهير بن الأبرد الكلبي أخرج إليه عبد الملك حسان بن مالك بن بحدل الكلبي.
قال هشام: حدثني عوانة أن الخيلين توافقتا ذات يوم، وكان مع عمرو بن سعيد رجل من كلب يقال له رجاء بن سراج، فقال رجاء: يا عبد الرحمن بن سراج، ابرز -وكان عبد الرحمن مع عبد الملك- فقال عبد الرحمن: قد أنصف القارة من راماها، وبرز له، فاطّعنا وانقطع ركاب عبد الرحمن، فنجا منه ابن سراج، فقال عبد الرحمن: والله لولا انقطاع الركاب لرميت بما في بطنك من تبن، وما اصطلح عمرو وعبد الملك أبدا، فلما طال قتالهم جاء نساء كلب وصبيانهم فبكين وقلن لسفيان بن الأبرد ولابن بحدل الكلبي: علام تقتلون أنفسكم لسلطان قريش! فحلف كل واحد منهما ألا يرجع حتى يرجع صاحبه، فلما أجمعوا على الرجوع نظروا فوجدوا سفيان أكبر من حريث، فطلبوا إلى حريث، فرجع. ثم إن عبد الملك وعمرا اصطلحا، وكتبا بينهما كتابا، وآمنه عبد الملك وذلك عشية الخميس.
قال هشام: فحدثني عوانة أن عمرو بن سعيد خرج في الخيل متقلدا قوسا سوداء، فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب سرادق عبد الملك فانقطعت الأطناب وسقط السرادق، ونزل عمرو فجلس وعبد الملك مغضب، فقال لعمرو: يا أبا أمية، كأنك تشبه بتقلدك هذه القوس بهذا الحي من قيس! قال: لا، ولكني أتشبه بمن هو خير منهم، العاص بن أمية. ثم قام مغضبا والخيل معه حتى دخل دمشق، ودخل عبد الملك دمشق يوم الخميس، فبعث إلى عمرو أن أعط الناس أرزاقهم، فأرسل إليه عمرو إن هذا ليس لك ببلد فاشخص عنه. فلما كان يوم الاثنين وذلك بعد دخول عبد الملك دمشق بأربع بعث إلى عمرو أن ائتني -وهو عند امرأته الكلبية، وقد كان عبد الملك دعا كريب بن أبرهة بن الصباح الحميري فاستشاره في أمر عمرو بن سعيد، فقال له: في هذا هلكت حمير، لا أرى لك ذلك، لا ناقتي في ذا ولا جملي- فلما أتى رسول عبد الملك عمرا يدعوه صادف الرسول عبد الله بن يزيد بن معاوية عند عمرو، فقال عبد الله لعمرو بن سعيد: يا أبا أمية، والله لأنت أحب إلي من سمعي وبصري، وقد أرى هذا الرجل قد بعث إليك أن تأتيه، وأنا أرى لك ألا تفعل، فقال له عمرو: ولم؟ قال: لأن تبيع ابن امرأة كعب الأحبار قال: إن عظبما من عظماء ولد إسماعيل يرجع فيغلق أبواب دمشق، ثم يخرج منها، فلا يلبث أن يقتل، فقال له عمرو: والله لو كنت نائما ما تخوفت أن ينبهني ابن الزرقاء، ولا كان ليجترئ على ذلك مني، مع أن عثمان بن عفان أتاني البارحة في المنام فألبسني قميصه -وكان عبد الله بن يزيد زوج أم موسى بنت عمرو بن سعيد- فقال عمرو للرسول: أبلغه السلام، وقل له: أنا رائح إليك العشية إن شاء الله.
فلما كان العشي لبس عمرو درعا حصينة بين قباء قوهي وقميص قوهي، وتقلد سيفه وعنده امرأته الكلبية وحميد بن حريث بن مجدل الكلبي، فلما نهض متوجها عثر بالبساط، فقال له حميد: أما والله لئن أطعتني تأته، وقالت له امرأته تلك المقالة، فلم يلتفت إلى قولهم، ومضى في مائة رجل من مواليه، وقد بعث عبد الملك إلى بني مروان فاجتمعوا عنده، فلما بلغ عبد الملك أنه بالباب أمر أن يحبس من كان معه، وأذن له فدخل، ولم تزل أصحابه يحبسون عند كل باب حتى دخل عمرو قاعة الدار، وما معه إلا وصيف له، فرمى عمرو ببصره نحو عبد الملك، فإذا حوله بنو مروان، وفيهم حسان بن مالك بن بحدل الكلبي وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي. فلما رأى جماعتهم أحس بالشر، فالتفت إلى وصيفه فقال: انطلق ويحك إلى يحيى بن سعيد، فقل له يأتيني. فقال له الوصيف ولم يفهم ما قال له: لبيك! فقال له: اغرب عني في حرق الله وناره. وقال عبد الملك لحسان وقبيصة: إذا شئتما فقوما فالتقيا وعمرا في الدار، فقال عبد الملك لهما كالمازح ليطمئن عمرو بن سعيد: أيكما أطول؟ فقال حسان: قبيصة يا أمير الؤمنين أطول مني بالإمرة، وكان قبيصة على الخاتم. ثم التفت عمرو إلى وصيفه فقال: انطلق إلى يحيى فمره أن يأتيني، فقال له: لبيك، ولم يفهم عنه، فقال له عمرو: اغرب عني، فلما خرج حسان وقبيصة أمر بالأبواب فغلقت، ودخل عمرو فرحب به عبد الملك، وقال: هاهنا يا أبا أمية، يرحمك الله! فأجلسه معه على السرير، وجعل يحدثه طويلا، ثم قال: يا غلام، خذ السيف عنه، فقال عمرو: إنا لله يا أمير الؤمنين. فقال عبد الملك: أوتطمع أن تجلس معي متقلدا سيفك! فأخذ السيف عنه، ثم تحدثا ما شاء الله، ثم قال له عبد الملك: يا أبا أمية، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: إنك حيث خلعتني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لك أن أجمعك في جامعة، فقال له بنو مروان: ثم تطلقه يا أمير الؤمنين؟ قال: ثم أطلقه، وما عسيت أن أصنع بأبي أمية، فقال بنو مروان: أبر قسم أمير المؤمنين، فقال عمرو: قد أبر الله قسمك يا أمير المؤمنبن، فاخرج من تحت فراشه جامعة فطرحها إليه، ثم قال: يا غلام، قم فاجمعه فيها، فقام الغلام فجمعه فيها، فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رؤوس الناس! فقال عبد الملك: أمكرا أبا أمية عند الموت! لا ها الله إذًا، ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس، ولما نخرجها منك إلا صعدا، ثم اجتبذه اجتباذة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته، فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن يدعوك إلى كسر عظم مني أن تركب ما هو أعظم من ذلك. فقال له عبد الملك: والله لو أعلم أنك تبقي علي إن أبقي عليك وتصلح قريش لأطلقتك، ولكلن ما اجتمع رجلان قط في بلدة على مل ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه. فلما رأى عمرو أن ثنيته قد اندقت وعرف الذي يريد عبد الملك، قال: أغدرًا يا ابن الزرقاء!
وقيل: إن عبد الملك لما جذب عمرا فسقطت ثنيته جعل عمرو يمسها، فقال عبد الملك له: أرى ثنيتك تد وقعت منك موقعا لا تطيب نفس ك بعدها. فأمر به فضرب عنقه.
رجع الحديث إلى حديث عوانة. وأذن المؤذن العصر، فخرج عبد الملك يصلي بالناس، وأمر عبد العزيز بن مروان أن يقتله، فقام إليه عبد العزيز بالسيف، فقال له عمرو: أذكرك الله والرحم أن تلي أنت قتلي، وليتول ذلك من هو أبعد رحما منك! فألقى عبد العزيز السيف وجلس، وصلى عبد الملك صلاة خفيفة، ودخل، وغلقث الأبواب ورأى الناس عبد الملك حيث خرج وليس عمرو معه، فذكروا ذلك ليحيى بن سعيد فأقبل في الناس حتى حل بباب عبد الملك ومعه ألف عبد لعمرو، وأناس بعد من أصحابه كثير، فجعل من كان معه يصيحون: أسمعنا صوتك يا أبا أمية! وأقبل مع يحيى بن سعيد حميد بن حريث وزهير بن ا لأبرد فكسروا باب المقصورة، وضربوا الناس بالسيوف، وضرب عبد لعمرو بن سعيد يقال له مصقلة الوليد بن عبد الملك ضربة على رأسه، واحتمله إبراهيم بن عربي صاحب الديوان فأدخله بيت القراطيس، ودخل عبد الملك حين صلى فوجد عمرا حيا، فقال لعبد العزيز: ما منعك من أن تقتله! قال: منعني أنه ناشدني الله والرحم فرفقت له. فقال له عبد الملك: أخزى الله أمك البوالة على عقبيها. فإنك لم تشبه غيرها - وأم عبد الملك عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية، وكانت أم عبد العزيز ليلى، وذلك تول ابن الرقيات:
ذاك ابن ليلى عبد العزيز ببا ** بليون تغدو جفانه رذما
ثم إن عبد الملك قال: يا كلام، ائتني بالحربة. فأتاه بالحربة فهزها، ثم طعنه بها فلم تجز، ثم ثنى فلم تجز، فضرب بيده إلى عضد عمرو، نوجد مس الدرع، فضحك، ثم قال: ودارع أيضا يا أبا أمية! إن كنت لمعدا! يا غلام، ائتني بالصمصامة، فأتاه بسيفه، ثم أمر بعمرو فصرع، وجلس على صدره فذبحه وهو يقول:
يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصني ** أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
وانتفض عبد الملك رعدة -وكذلك الرجل زعموا يصيبه إذا قتل ذا قرابة له- فحمل عبد الملك عن صدره فوضع على سريره، فقال: ما رأيت مثل هذا قط، قتله صاحب دنيا ولا طالب آخرة. ودخل يحيى بن سعيد ومن معه على بني مروان الدار فجرحوهم ومن كان معهم من مواليهم، فقاتلوا يحيى وأصحابه، وجاء عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي فدفع إليه الرأس، فألقاه إلى الناس، وقام عبد العزيز بن مروان فأخذ المال في البدور، فجعل يلقيها إلى الناس، فلما نظر الناس إلى الأموال ورأوا الرأس انتهبوا الأموال وتفرقوا. وقد قيل: إن عبد الملك بن مروان لما خرج إلى الصلاة أمر غلامه أبا الزعيزعة بقتل عمرو، فقتله وألقى رأسه إلى الناس وإلى أصحابه.
قال هشام: قال عوانة: فحدثت أن عبد الملك أمر بتلك الأموال التي طرحت إلى الناس فجبيت حتى عادت كلها إلى بيت المال، ورمي يحيى بن سعيد يومئذ في رأسه بصخرة، وأمر عبد الملك بسريره فأبرز إلى المسجد، وخرج يجلس عليه، وفقد الوليد بن عبد الملك فجعل يقول: ويحكم أين الوليد؟ وأبيهم لئن كانوا قتلوه لقد أدركوا ثأرهم، فأتاه إبراهيم بن عربي الكناني فمال: هذا الوليد عندي، قد أصابته جراحة، وليس عليه بأس، فأتي عبد الملك بيحيى بن سعيد، فأمر به أن يقتل، فقام إليه عبد العزيز، فقال: جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين أتراك قاتلا بني أمية في يوم واحد، فأمر بيحيى فحبس، ثم أتي بعنبسة بن سعيد، فأمر به أن يقتل، فقام إليه عبد العزيز فقال: أذكرك الله يا أمير المؤمنين في استئصال بني أمية وهلاكها فأمر بعنبسة فحبس، ثم أتي بعنبسة بن سعيد فأمر به أن يقتل، فقام إليه عبد العزيز بن مروان، فقال أذكرك الله يا أمير المؤمنين في استئصال بني أمية وهلاكها، فأمر بعنبسة فحبس، ثم أتي بعامر بن الأسود الكلبي فضرب رأسه عبد الملك بقضيب خيزران كان معه، ثم قال: أتقاتلني مع عمرو وتكون معه علي قال: نعم، لأن عمرا أكرمني وأهنتني، وأدناني وأقصيتني، وقربني وأبعدتني، وأحسن إلي وأسأت إلي، فكنت معه عليك. فأمر به عبد الملك أن يقتل، فقام عبد العزيز فقال: أذكرك الله يا أمير المؤمنين في خالي فوهبه له. وأمر ببني سعيد فحبسوا، ومكث يحيى في الحبس شهرا أو أكثر.
ثم إن عبد الملك صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم استشار الناس في قتله، فقام بعض خطباء الناس فقال: يا أمير الؤمنين، هل تلد الحية إلا حية، نرى والله أن تقتله فإنه منافق عدو. ثم قام عبد الله بن مسعدة الفزاري، فقال: يا أمير المؤمنين، إن يحيى ابن عمك، وقرابته ما قد علمت، وقد صنعوا ما صنعوا، وصنعت بهم ما قد صنعت، ولست لهم بآمن، ولا أرى لك قتلهم، ولكن سيرهم إلى عدوك، فإن هم قتلوا كنت قد كفيت أمرهم بيد غيرك، وإن هم سلموا ورجعوا رأيت فيهم رأيك.
فأخذ برأيه، وأخرج آل سعيد فالحقهم بمصعب بن الزبير، فلما قدمرا عليه دخل يحيى بن سعيد، فقال له ابن الزبير: انفلت وانحص الذنب، فقال: والله إن الذنب لبهلبه. ثم إن عبد الملك بعث إلى امرأة عمرو الكلبية: ابعثي إلي بالصلح الذي كنت كتبته لعمرو، فقالت لرسوله: ارجع إليه فأعلمه أني قد لففت ذلك الصلح معه في أكفانه ليخاصمك به عند ربه، وكان عمرو بن سعيد وعبد الملك يلتقيان في النسب إلى أمية، وكانت أم عمرو أم البنين ابنة الحكم ابن أبي العاص عمة عبد الملك.
قال هشام: فحدثنا عوانة أن الذي كان بين عبد الملك وعمرو كان شرا قديما، وكان ابنا سعيد أمهما أم البنين، وكان عبد الملك ومعاوية ابني مروان، فكانوا وهم غلمان لا يزالون يأتون أم مروان بن الحكم الكنانية يتحدثون عندها، فكان ينطلق مع عبد الملك ومعاوية غلام لهم أسود، وكانت أم مروان إذا أتوها هيأت لهم طعاما، ثم تأتيهم به لتضع بين يدي كل رجل صحفة على حدة، وكانت لا تزال تؤرش بين معاوية بن مروان ومحمد بن سعيد، وبين عبد الملك وعمرو بن سعيد، فيقتتلون ويتصارمون الحين، لا يكلم بعضهم بعضا، وكانت تقول: إن لم يكن عد هذين عقل فعند هذين، فكان ذلك دأبها كلما أتوها حتى أثبتت الشحناء في صدورهم.
وذكر أن عبد الله بن يزيد القسري أبا خالد كان مع يحيى بن سعيد حيث دخل المسجد فكسر باب المقصورة، فقاتل بني مروان، فلما قتل عمرو وأخرج رأسه إلى الناس ركب عبد الله وأخوه خالد فلحقوا بالعراق، فقام مع ولد سعيد وهم مع مصعب حتى اجتمعت الجماعة على عبد الملك، وقد كانت عين عبد الله بن يزيد فقئت يوم المرج، وكان مع ابن الزبير يقاتل بني أمية، وإنه دخل على عبد الملك بعد الجماعة، فقال: كيف أنتم آل يزيد؟ فقال عبد الله: حرباء حرباء، فقال عبد الملك: ذلك بما قدمت أيديكم، وما الله بظلام للعبيد.
قال هشام عن عوانة: إن ولد عمرو بن سعيد دخلوا على عبد الملك بعد الجماعة وهم أربعة: أمية، وسعيد، وإسماعيل، ومحمد، فلما نظر إليهم عبد الملك قال لهم: إنكم أهل بيت لم تزالوا ترون لكم على جميع قومكم فضلا لم يجعله الله لكم، وإن الذي كان بيني وبين أبيكم لم يكن حديثا بل كان قديما في أنفس أوليكم على أولينا في الجاهلية. فأقطع بأمية بن عمرو -وكان أكبرهم- فلم يقدر أن يتكلم، وكان أنبلهم وأعقلهم، فقام سعيد بن عمرو وكان الأوسط فقال: يا أمير المؤمنين، ما تنعى علينا أمرا كان في الجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام فهدم ذلك، فوعدنا جنة، وحذرنا نارا! وأما الذي كان بينك وبين عمرو فإن عمرا ابن عمك، وأنت أعلم وما صنعت، وقد وصل عمرو إلى الله، وكفى بالله حسيبا، ولعمري لئن أخذتنا بما كان بينك وبينه لبطن الأرض خير لك من ظهرها. فرق لهم عبد الملك رقة شديدة، وقال: إن أباكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله، فاخترت قتله على قتلي، وأما أنتم فما أرغبني فيكم، وأوصلني لقرابتكم، وأرعاني لحقكم؛ فأحسن جائزئهم ووصلهم وقربهم.
وذكر أن خالد بن يزيد بن معاوية قال لعبد الملك ذات يوم: عجب منك ومن عمرو بن سعيد، كيف أصبت غرته فقتلته، فقال عبد الملك:
دانيته مني ليسكن روعه ** فأصول صولة حازم مستمكن
غضبا ومحمية لديني إنه ** ليس المسيء سبيله كالمحسن
قال عوانة: لقي رجل سعيد بن عمرو بن سعيد بمكة، فقال له: ورب هذه البنية، ما كان في القوم مثل أبيك، ولكنه نازع القوم ما في أيديهم فعطب.
وكان الواقدي يقول: إنما كان في سنة تسع وستين بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن سعيد الحصار، وذلك أن عمرو بن سعيد تحصن بدمشق فرجع عبد الملك إليه من بطنان حبيب، فحاصره فيها، وأما قتله أباه فإنه كان في سنة سبعين.
أخبار متفرقة
وفي هذه السنة حَكَّم محكِّم من الخوارج بالخيف من منى فقتل عند الجمرة، ذكر محمد بن عمر أن يحيى بن سعيد بن دينار حدثه عن أبيه قال: رأيته عند الجمرة سل سيفه، وكانوا جماعة فأمسك الله بأيديهم، وبدر هو من بينهم، فحكم، فمال الناس عليه فقتلوه.
وأقام الحج للناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير.
وكان عامله فيها على المصرين: الكوفة والبصرة أخوه مصعب بن الزبير. وكان على قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة هاشم بن هبيرة، وعلى خراسان عبد الله بن خازم.
ثم دخلت سنة سبعين
ذكر ما كان فيها من الأحداث
ففي هذه السنة ثارت الروم، واستجاشوا على من بالشأم من ذلك من المسلمين، فصالح عبد الملك ملك الروم على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار خوفا منه على المسلمين.
وفيها شخص-فيما ذكر محمد بن عمر- مصعب بن الزبير إلى مكة فقدمها بأموال عظيمة، فقسمها في قومه وغيرهم، وقدم بدواب كثيرة وظهر وأثقال، فأرسل إلى عبد الله بن صفوان وجبير بن شيبة وعبد الله بن مطيع مالا كثيرا ونحر بدنا كثيرة.
وحج بالناس في هذه السنة عيد الله بن الزبير.
وكان عماله على الأمصار في هذه السنة عماله في السنة التي قبلها على المعاون والقضاء.
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين
ذكر ما كان فيها من الأحداث
خبر مسير عبد الملك بن مروان لحرب مصعب بن الزبير ثم قتله
فمن ذلك مسير عبد الملك بن مروان فيها إلى العراق لحرب مصعب بن الزبير، وكان عبد الملك فبما قيل لا يزال يقرب من مصعب، حتى يبلغ بُطنان حَبيب، ويخرج مصعب إلى باجُمَيرا، ثم تهجم الشتاء فيرجع كل واحد منهما إلى موضعه، ثم يعودان، فقال عدي بن زيد بن عدي بن الرقاع العاملي:
لعمري لقد أصحرت خيلنا ** بأكناف دجلة للمُصعَبِ
إذا ما منافق أهل العرا ** ق عوتب ثُمّثَ لم يُعتب
دلفنا إليه بذي تُدرَإٍ ** قليل التفقد للغُيّب
يهزون كل طويل القنا ** ة ملتثم النصل والثعلب
كأن وعاهم إذا ما غدوا ** ضجيج قطا بلد مخصب
فقدمنا واضح وجهه ** كريم الضرائب والمنصب
أُعينَ بنا ونصرنا به ** ومن ينصر الله لم يُغلب
فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي بن محمد، قال: أقبل عبد الملك من الشام يريد مصعبا -وذلك قبل هذه السنة، في سنة سبعين- ومعه خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال خالد لعبد الملك: إن وجهتني إلى البصرة وأتبعتني خيلا يسيرة رجوت أن أغلب لك عليها. فوجهه عبد الملك، فقدمها مستخفيا في مواليه وخاصته، حتى نزل على عمرو بن أصمع الباهلي.
قال عمر: قال أبو الحسن: قال مسلمة بن محارب: أجار عمرو بن أصمع خالدا، وأرسل إلى عباد بن الحصين وهو على شرطة ابن معمر -وكان مصعب إذا شخص عن البصرة استخلف عليها عبيد الله بن عبيد الله بن معمر - ورجا عمرو بن أصمع أن يبايعه عباد بن الحصين- بأني قد أجرت خالدا فأحببت أن تعلم ذلك لتكون لي ظهرا. فوافاه رسوله حين نزل عن فرسه، فقال له عباد: قل له: والله لا أضع لبد فرسي حتى آتيك في الخيل. فقال عمرو لخالد: إني لا أغرك، هذا عباد يأتينا الساعة. ولا والله ما أقدر على منعك، ولكن عليك بمالك بن مسمع.
قال أبو زيد: قال أبو الحسن: ويقال إنه نزل على علي بن أصمع، فبلغ ذلك عبادا فأرسل إليه عباد: إني سائر إليك.
حدثننى عمر بن شبة، قال: حدثني علي بن محمد، عن مسلمة وعوانة أن خالدا خرج من عند ابن أصمع يركض، عليه قميص قوهي رقيق، قد حسره عن فخذيه، وأخرج رجليه من الركابين، حتى أتى مالكا، فقال: إني قد اضطررت إليك، فأجرني، قال: نعم، وخرج هو وابنه، وأرسل إلى بكر بن وائل والأزد، فكانت أول راية أتته راية بني يشكر. وأقبل عباد في الخيل، فتواقفوا، ولم يكن بينهم، فلما كان من الغد غدوا إلى حفرة نافع بن الحارث الني نسبت بعد إلى خالد، ومع خالد رجال من بني تميم قد أتوه، منهم صعصعة بن معاوية وعبد العزيز بن بشر ومرة بن محكان، في عدد منهم، وكان أصحاب خالد جفرية ينسبون إلى الجفرة، وأصحاب ابن معمر زبيرية، فكان من الجفرية عبيد الله بن أبي بكرة وحمران والمغيرة بن المهلب، ومن الزبيرية قيس بن الهيثم السلمي، وكان يستأجر الرجال يقاتلون معه، فتقاضاه رجل أجرة فقال: غدا أعطيكها، فقال غطفان بن أنيف، أحد بني كعب بن عمرو:
لبئس ما حكمت يا جلاجل** النقد دبن والطعان عاجل
وأنت بالباب سمير آجل
وكان قيس يعلق في عنق فرسه جلاجل، وكان على خيل بني حنظلة عمرو بن وبرة القحيفي، وكان له عبيد يؤاجرهم بثلاثين ثلاثين كل يوم، فيعطيهم عشرة عشرة، فقيل له:
لبئس ما حكمت يا ابن وبرة ** تعطي ثلاثين وتعطي عشرة
ووجه المصعب زحر بن قيس الجعفي مددا لابن معمر في ألف، ووجه عبد الملك عبيد الله بن زياد بن ظبيان مددا لخالد، فكره أن يدخل البصرة، وأرسل مطر بن التوأم فرجع إليه فأخبره بتفرق الناس، فلحق بعبد الملك.
قال أبو زيد: قال أبو الحسن: فحدثني شيخ من بني عرين عن السكن بن قتادة، قال: اقتتلوا أربعة وعشرين يوما، وأصيبت عين مالك، فضجر من الحرب، ومشت السفراء، بينهم يوسف بن عبد الله بن عثمان بن أبي العاص، فصالحه، على أن يخرج خالدا وهو آمن، فأخرج خالدا من البصرة، وخاف ألا يجيز المصعب أمان عببد الله، فلحق مالك بثأج، فقال الفرزدق يذكر مالكا ولحوق التميمية به وبخالد:
عجبت لأقوام تميم أبوهم ** وهم في بني سعد عظام المبارك
وكانوا أعز الناس قبل مسيرهم ** إلى الأزد مصفرا لحاها ومالك
فما ظنكم بابن الحواري مصعب ** إذا أفتر عن أنيابه غير ضاحك
ونحن نفينا مالكا عن بلاده ** ونحن فقأنا عينه بالنيازك
قال أبو زيد: قال أبو الحسن: حدثني مسلمة أن المصعب لما انصرف عبد الله إلى دمشق لم يكن له همة إلا البصرة، وطمع أن يدرك بها خالدا، فوجده قد خرح، وأمن ابن معمر الناس، فأقام أكثرهم، وخاف بعضهم مصعبا فشخص، فغضب مصعب على ابن معمر، وحلف ألا يوليه، وأرسل إلى الجفرية فسبهم وأنبهم.
قال أبو زيد: فزعم المدائني وغيره من رواة أهل البصرة أنه أرسل إليهم فأتي بهم، فأقبل على عبيد الله بن أبي بكرة، فقال: يا ابن مسروح، إنما أنت ابن كلبة تعاورها الكلاب. فجاءت بأحمر وأسود وأصفر من كل كلب بما يشبهه، إنما كان أبوك عبدا نزل إلى رسول الله من حصن الطائف، ثم أقمتم البينة تدعون أن أبا سفيان زنى بأمكم، أما والله لئن بقيت لألحقنكم بنسبكم. ثم دعا بحمران فقال: يا ابن اليهودية، إنما أنت علج نبطي سبيت من عين التمر. ثم قال للحكم بن المنذر بن الجارود: يا ابن الخبيث، أتدري من أنت ومن الجارود، إنما كان الجارود علجا بجزيرة ابن كاوان فارسيا، فقطع إلى ساحل البحر، فانتمى إلى عبد القيس، ولا والله ما أعرف حيا أكثر اشتمالا على سوءة منهم. ثم أنكح أخته المكعبر الفارسي فلم يصب شرفا قط أعظم منه، فهؤلاء ولدها يا ابن قباذ. ثم أتي بعبد الله بن فضالة الزهراني فقال: ألست من أهل هجر، ثم من أهل سماهيج، أما والله لأردنك إلى نسبك. ثم أتي بعلي بن أصمع، فقال: أعبدٌ لبني تميم مرة وعزي من باهلة! ثم أتي بعبد العزيز بن بشر بن حناط فقال: يا ابن المشتورر، ألم يسرق عمك عنزا في عهد عمر، فأمر به فسير ليقطعه، أما والله ما أعنت ألا من ينكح أختك -وكانت أخته تحت مقاتل بن مسمع- ثم أتي بأبي حاضر الأسدي فقال: يا ابن الإصطخرية، ما أنت والأشراف! إنما أنت من أهل قطر دعيّ في بني أسد، ليس لك فيهم قريب ولا نسيب. ثم أتي بزياد بن عمرو فقال: يا ابن الكرماني، إنما أنت علج من أهل كرمان قطعت إلى فارس فصرت ملاحا، ما لك وللحرب! لأنت بجر القلس أحذق. ثم أتي بعبد الله بن عثمان بن أبي العاص فقال: أعلي تكثر وأنت علج من أهل هجر، لحق أبوك بالطائف وهم يضمون من تأشَّب إليهم يتعززون به، أما والله لأردنك إلى أصلك. ثم أتي بشيخ بن النعمان فقال: يا ابن الخبيث، إنما أنت علج من أهل زندورد، هربت أمك وقتل أبوك، فتزوج أخته رجل من بني يشكر. فجاءث بغلامين فألحقناك بنسبهما، ثم ضربهم مائة مائة. وحلق رؤوسهم ولحاهم، وهدم دورهم، وصهرهم في الشمس ثلاثا. وحملهم على طلاق نسائهم، وجمر أولادهم في البعوث، وطاف بهم في أقطار البصرة، وأحلفهم ألا ينكحوا الحرائر. وبعث مصعب خداش بن يزيد الأسدي في طلب من هرب من أصحاب خالد، فأدرك مرة بن محكان فأخذه، فقال مرة:
بني أسد إن تقتلوني تحاربوا ** تميما إذا الحرب العوان اشمَعَلَّتِ
بني أسد هل فيكم من هوادة ** فتعفون إن كانت بي النعل زلّتِ
فلا تحسبِ الأعداء إذ غبت عنهم ** وأوريت معنا أن حربي كلّت
تمشَّى خداش في الأسكة آمنا ** وقد نهلت مني الرماح وعلّت
فقربه خداش فقتله -وكان خداش على شرطة مصعب يومئذ- وأمر مصعب سنان بن ذهل أحد بني عمرو بن مرثد بدار مالك بن مسمَع فهدمها، وأخذ مُصعب ما كان في دار مالك، فكان فيما أخذ جارية ولدت له عمر بن مصعب.
قال: وأقام مصعب بالبصرة حتى شخص إلى الكوفة، ثم لم يزل بالكوفة حتى خرج لحرب عبد الملك، ونزل عبد الملك مسكَن، وكتب عبد الملك إلى المروانية من أهل العراق، فأجابه كلهم وشرطوا عليه ولاية أصبهان، فأنعم بها لهم كلهم، منهم حجار بن أبجر، والغضبان بن القبعثري، وعتاب بن ورقاء، وقَطَن بن عبد الله الحارثي، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس، وزحر بن قيس، ومحمد بن عمير، وعلى مقدمته محمد بن مروان، وعلى ميمنته عبد الله بن يزيد بن معاوية، وعلى ميسرته خالد بن يزيد، وسار إليه مصعب وقد خذله أهل الكوفة.
قال عروة بن المغيرة بن شعبة: فخرج يسير متكئا على معرفة دابته، ثم تصفح الناس يمينا وشمالا فوقعت عينه علي، فقال: يا عروة، إليّ، فدنوت منه، فقال: أخبرني عن الحسين بن علي، كيف صنع بإبائه النزول على حكم ابن زياد وعزمه على الحرب؟ فقال:
إن الأُلى بالطَّف من آل هاشم ** تأسَّوا فسَنُّوا للكرام التأسيا
قال: فعلمتُ أنه لا يريم حتى يقتل، وكان عبد الملك -فيما ذكر محمد بن عمر عن عبد الله بن عمد بن عبد الله بن أبي قرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن رجاء بن حيوة- قال: لما قتل عمرو بن سعيد وضع السيف فقتل من خالفه، فلما أجمع بالمسير إلى مصعب وقد صفت له الشأم وأهلها خطب الناس وأمرهم بالتهيؤ إلى مصعب، فاختلف عليه رؤساء أهل الشأم من غير خلاف لما يريده، ولكنهم أحبوا أن يقيم ويقدم الجبوش، فإن ظفروا فذاك، وإن لم يظفروا أمدهم بالجيوش خشية على الناس إن أصيب في لقائه مصعبا لم يكن وراءه ملك، فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو أقمت مكانك وبعثت على هؤلاء الجيوش رجلا من أهل بيتك، ثم سرحته إلى مصعب! فقال عبد الملك: إنه لا يقوم بهذا الأمر إلا قرشي له رأي، ولعلي أبعث من له شجاعة ولا رأي له، وإني أجد في نفسي أني بصير بالحرب، شجاع بالسيف إن ألجئت إلى ذلك، ومصعب في بيت شجاعة، أبوه أشجع قريش، وهو شجاع ولا علم له بالحرب، يحب الخفض، ومعه من يخالفه، ومعي من ينصح لي، فسار عبد الملك حنى نزل مسكن، وسار مصعب إلى باجميرا. وكتب عبد الملك إلى شيعته من أهل العراق، فأقبل إبراهيم بن الأشتر بكتاب عبد الملك مختوما لم يقرأه، فدفعه إلى مصعب، فقال: ما فيه؟ فقال: ما قرأته، فقرأه مصعب فإذا هو يدعوه إلى نفسه، وجعل له ولاية العراق، فقال لمصعب: إنه والله ما كان من أحد آيس منه مني. ولقد كتب إلي أصحابك كلهم بمثل الذي كتب إلي، فأطعني فيهم فاضرب أعناقهم. قال: إذا لا تناصحنا عشائرهم. قال: فأوقرهم حديدا وابعث بهم إلى أبيض كسرى فاحبسهم هنالك ووكل بهم من إن غلبت ضرب أعناقهم، وإن غلبت مننت بهم على عشائرهم. فقال: يا أبا النعمان، إني لفي شغل عن ذلك، يرحمم الله أبا بحر، إن كان ليحذرني غدر أهل العراق، كأنه كان ينظر إلى ما نحن فيه.
حدثني عمر، قال: حدثنا محمد بن سلام، عن عبد القاهر بن السري، قال: همّ أهل العراق بالغدر بمصعب. فقال قيس بن الهيثم: ويحكم لا تدخلوا أهل الشام عليكم، فوالله لئن تطعموا بعيشكم ليصفين عليكم منازلكم، والله لقد رأيت سيد أهل الشام على باب الخليفة يفرح إن أرسله في حاجة، ولقد رأيتنا في الصرائف وأحدنا على ألف بعير، وإن الرجل من وجوههم ليغزو على فرسه وزاده خلفه.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)