صفحة 5 من 7 الأولىالأولى ... 34567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 17 إلى 20 من 26

الموضوع: الأجنحة المكسرة لجبران خليل جبران

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    قالت هذه الكلمات وقد ابتلعت الغصات أواخرها ثم عادت وسترت وجهها بيديها كأن ذكرى الماضي قد تجسدت ووقفت أمامها فلم تشأ أن تراها، فوضعت يدي على شعرها قائلاً "تعالي يا سلمى ــ تعالي ننتصب كالأبراج أمام الزوبعة. هلمي نقف كالجنود أمام الأعداء متلقين شفار السيوف بصدورنا لا بظهورنا. فإن صرعنا نموت كالشهداء وإن تغلبنا نعيش كالأبطال... إن عذاب النفس بثبات أمام المصاعب والمتاعب لهو أشرف من تقهقرها إلى حيث الأمن والطمأنينة فالفراشة التي تظل مرفرفة حول السراج حتى تحترق هي أسمى من الخلد الذي يعيش براحة وسلامة في نفقه المظلم. والنواة التي لا تحتمل برد الشتاء وثورات العناصر لا تقوى على شق الأرض ولن تفرح بجمال نيسان... هلمي نسير يا سلمى بقدم ثابتة على هذه الطريق الوعرة رافعين أعيننا نحو الشمس كيلا نرى الجماجم المطروحة بين الصخور، والأفاعي المنسابة بين الأشواك، فإن أوقفنا الخوف في منتصف الطريق أسمعتنا أشباح الليل صراخ الاستهزاء والسخرية، وإن بلغنا قمة الجبل بشجاعة فترنم معنا أرواح الفضاء بأنشودة النصر والاستظهار. خففي عنك يا سلمى وجففي دموعك واخفي هذه الكآبة الظاهرة على محياك وقومي نجلس بجانب فراش والدك لأن حياته من حياتك وشفاءه بابتسامتك.
    فنظرت إليّ نظرة ملؤها الحنان والرأفة والانعطاف ثم قالت "أتطلب مني الصبر والتجلد وفي عينيك معنى اليأس والقنوط؟ أيعطي الفقير الجائع خبزه إلى الجائع الفقير أو يصف العليل دواء لعليل آخر وهو أحرى بالدواء؟".
    ثم وقفت وسارت أمامي منحنية الرأس إلى غرفة والدها.
    جلسنا أمام مضجع الشيخ العليل وسلمى تتكلف الابتسام وهدوء البال وهو يتكلف الراحة والقوة، وكل منهما شاعر بلوعة الآخر عالم بضعفه سامع غصات قلبه. فكانا مثل قوتين متضارعتين تفنيان بعضهم بعضاً في السكينة، والد دنف يذوب ضنى لتعاسة ابنته وابنة محبة متوجعة بعلة والدها. نفس راحلة ونفس يائسة تتعانقان أمام الحب والموت وأنا بينهما أتحمل ما بي وأقاسي ما بهما؛ ثلاثة جمعتهم يد القضاء ثم قبضت عليهم بشدة حتى سحقتهم؛ شيخ يمثل بيتاً قديماً هدمه الطوفان وصبية تحاكي زنبقة قطع عنقها حد المنجل، وفتى يشابه غرسة ضعيفة لوت قامتها الثلوج، وجميعنا مثل ألعوبة بين أصابع الدهر.
    وتحرك الشيخ إذا ذاك بين اللحف ومد يده النحيلة نحو سلمى وبصوت أودعه كل ما في قلب الأب من الرقة والرأفة وكل ما في صدر العليل من السقم والألم قال: "ضعي يدك في يدي يا سلمى".
    فمدت يدها وألقتها بين أصابعه فضمها بلطف ثم زاد قائلاً "لقد شبعت من السنين يا ولدي. قد عشت طويلاً وتلذذت بكل ما تثمره الفصول وتمتعت بكل ما تبرزه الأيام والليالي. قد لاحقت الفراش صبياً وعانقت الحب فتىً وجمعت المال كهلاً وكنت في هذه الأدوار سعيداً مغبوطاً... فقدت أمك يا سلمى قبل أن تبلغي الثالثة ولكنها أبقتك لي كنزاً ثميناً فكنت تنمين بسرعة نمو الهلال، وتنعكس على وجهك ملامح أمك مثلما تنعكس أشعة النجوم في حوض ماء هادئ، وتظهر أخلاقها ومزاياها بأعمالك وأقوالك ظهور الحلي الذهبية من وراء النقاب الرقيق، فتعزيت بك يا ولدي لأنك كنت مثلها جميلة وحكيمة... والآن قد صرت شيخاً طاعناً وراحة الشيوخ بين أجنحة الموت الناعمة، فتعزي يا ولدي لأنني بقيت لأراك امرأة كاملة وافرحي لأني سأبقى بك حياً بعد موتي. إن ذهابي الآن مثل ذهابي غداً أو بعده، لأن أيامنا مثل أوراق الخريف تتساقط وتتبدد أمام وجه الشمس، فإن أسرعت بي إلى الأبدية فلأنها علمت بأن روحي قد اشتاقت إلى لقاء أمك..".
    لفظ الكلمات الأخيرة بنغمة مفعمة بحلاوة الحنين والرجاء ولاحت على وجهه المنقبض أشعة شبيهة بذلك النور الذي ينبثق من أجفان الأطفال. ثم مد يده بين المساند المحيطة برأسه وانتشل صورة صغيرة قديمة يمنطقها إطار من الذهب قد نعمت حدوده ملامس الأيدي ومحت نقوشه قبل الشفاه. ثم قال بدون أن يحول عينيه عن الرسم "اقتربي يا سلمى اقتربي مني يا ولدي لأريك خيال أمك، تعالي وانظري ظلها على صفحة من الورق".
    فدنت سلمى ماسحة الدموع من مقلتيها كيلا تحول بين ناظرها والرسم الضئيل، وبعد أن أحدقت به طويلاً كأنه مرآة تعكس معانيها وشكل وجهها، قربته من شفتيها وقبلته بلهفة مراراً متوالية ثم صرخت قائلة "يا أماه، يا أماه، يا أماه" ولم تزد على هذه الكلمة بل عادت ووضعت الرسم على شفتيها المرتعشتين كأنها تريد أن تثبت فيه الحياة بأنفاسها الحارة.
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة (الأم) وأجمل مناداة هي (يا أمي) كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة. الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه يفقد صدراً يسند إليه رأسه ويداً تباركه وعيناً تحرسه.
    كل شيء يرمز ويتكلم عن الأمومة فالشمس هي أم هذه الأرض ترضعها حرارتها وتحضنها بنورها ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنومها على نغمات أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقي، وهذه الأرض هي أم للأشجار والأزهار تلدها وترضعها ثم تفطمها والأشجار والأزهار تصير بدورها أمهات حنونات للأثمار الشهية والبذور الحية. وأم كل شيء في الكيان هو الروح الكلية الأزلية الأبدية المملوءة بالجمال والمحبة.
    وسلمى كرامة لم تكن تعرف أمها لأنها ماتت وهي طفلة وقد شهقت متأثرة عندما رأت رسمها ونادتها "يا أماه" أسرت إرادتها لأن لفظة الأم تختبئ في قلوبنا مثلما تختبئ النواة في قلب الأرض وتنبثق من بين شفاهنا في ساعات الحزن والفرح كما يتصاعد العطر من قلب الوردة في الفضاء الصافي الممطر.
    كانت سلمى تحدق برسم أمها ثم تقبله بلهفة ثم تلزه صدرها الخفوق ثم تتأوه متنهدة ومع كل تنهدة تفقد جزءاً من قواها حتى إذا ماوهت الحياة في جسدها النحيل هوت وسقطت بجانب سرير أبيها. فوضع كلتا يديه على رأسها قائلاً "قد أريتك يا ولدي شبح أمك على صفحة من الورق فاصغي إلي لآسمعك أقوالها".
    فرفعت سلمى رأسها مثلما تفعل الفراخ في العش عندما تسمع حفيف أجنحة العصفورة بين القضبان، ونظرت إليه مصغية صاغرة كأن ذاتها المعنوية قد استحالت إلى أعين محدقة وآذان واعية.
    فقال والدها "كنت طفلة رضيعة عندما فقدت أمك والدها الشيخ فحزنت لفقده وبكت بكاء حكيم متجلد ولكنها لم تعد من جانب قبره حتى جلست بجانبي في هذه الغرفة وأخذت يدي براحتيها وقالت (قد مات والدي يا فارس وأنت باقي لي وهذه هي تعزيتي. إن القلب بعواطفه المتشبعة يماثل الأرزة بأغصانها المتفرقة فإذا ما فقدت شجرة الأرز غصناً قوياً تتألم ولكنها لا تموت بل تحوّل قواها الحيوية إلى الغصن المجاور لينمو ويتعالى ويملأ بفروعه الغضة مكان الغصن المقطوع). هذا ما قالته والدتك يا سلمى عندما مات أبوها وهذا ما يجب عليك أن تقوليه عندما يأخذ الموت جسدي إلى راحة القبر وروحي إلى ظل الله".
    فأجابت سلمى متفجعة "فقدت أمي والدها فبقيت أنت لها فمن يبقى لي إذا فقدتك يا والدي؟ مات والدها وهي في ظلال زوج محب فاضل أمين ــ مات والدها فبقيت لها طفلة تغمر رأسها الصغير بثدييها وتطوق عنقها بذراعيها فمن يبقى لي إذا فقدتك يا والدي؟ أنت أبي وأمي ورفيق حداثتي ومهذب شبيبتي فبمن أستعيض إذا ما ذهبت عني؟".
    قالت هذا وحولت عينيها الدامعتين نحوي وأمسكت بيمينها طرف ثوبي وقالت "ليس لي غير هذا الصديق يا والدي ولن يبقى لي سواه إذا ما تركتني. فهل أتعزى به وهو متعذب مثلي؟ هل يتعزى كسير القلب بالقلب الكسير؟ إن الحزينة لا تتصبر بحزن جارتها كما أن الحمامة لا تطير بأجنحة مكسورة.. هو رفيق لنفسي ولكنني قد أثقلت عاتقه بأشجاني حتى لويت ظهره وسملت عينيه بعبراتي فلم يعد يرى غير الظلمة. هو أخ أحبه ويحبني مثل جميع الأخوة يشترك بالمصيبة ولا يخففها ويساعد بالبكاء فيزيد الدمع مرارة والقلب احتراقاً".
    كنت أسمع سلمى متكلمة وعواطفي تنمو وصدري يضيق حتى شعرت بأن أضلعي تكاد تتفجر حناجر وفوهات. أما الشيخ فكان ينظر إليها وجسده المهزول يهبط ببطء بين الوسائد والمساند ونفسه المتعبة ترتجف كشعلة السراج أمام الريح. ثم بسط ذراعيه وقال بهدوء "دعيني أذهب بسلام يا ولدي. لقد لمحت عيناي ما وراء الغيوم فلن أحولهما نحو هذه الكهوف.. دعيني أطير فقد كسرت بأجنحتي قضبان هذا القفص. لقد نادتني أمك يا سلمى فلا توقفيني.. ها قد طاب الريح وتبدد الضباب عن وجه البحر فرفعت السفينة شراعها وتأهبت للمسير فلا توقيفها ولا تنزعي دفتها.. دعي جسدي يرقد مع الذين رقدوا، ودعي روحي تستيقظ لأن الفجر قد لاح والحلم قد انتهى.. قبليني قبلة رجاء وأمل.. ولا تسكبي قطرة من مرارة الحزن على جسدي لئلا تمنع الأعشاب والأزهار عن امتصاص عناصره.. ولا تذرفي دموع اليأس على يدي لأنها تنبت شوكاً على قبري. ولا ترسمي بزفرات الأسى سطراً على جبهتي لأن نسيم البحر يمر ويقرؤه فلا يجمل غبار عظامي إلى المروج الخضراء... قد أحببتك بالحياة يا ولدي وسوف أحبك بالموت فتظل روحي قريبة منك لتحميك وترعاك".
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    والتفت الشيخ إليّ وقد انطبقت أجفانه قليلاً فلم أعد أرى سوى خطين رماديين مكان عينيه ثم قال وسكينة الفناء تسترق ألفاظه "أما أنت يا بني فكن أخاً لسلمى مثلما كان والدك لي. كن قريباً منها في ساعات الشدة وكن صديقاً لها حتى النهاية. ولا تدعها تحزن لأن الحزن على الأموات غلطة من غلطات الأجيال العابرة. بل أتل على مسمعيها أحاديث الفرح وأنشدها أغاني الحياة فتسلوا وتتناسى.. قل لأبيك أن يذكرني.. سله فيخبرك عن مآتي أيامي عندما كان الشباب يحلق بنا الغيوم.. فقل له إنني أحببته بشخص ابنه في آخر ساعة من حياتي..".
    وسكت دقيقة وظلت أشباح ألفاظه تدب على جدران الغرفة ثم عاد فنظر إلي وإلى سلمى بوقت واحد وقال همساً "لا تدعوا طبيباً ليطيل بمساحيقه ساعات سجني لأن أيام العبودية قد مضت فطلبت روحي حرية الفضاء... ولا تدعوا كاهناً إلى جانب فراشي لأن "تعازيمه" لا تكفر عني ذنوبي إن كنت خاطئاً ولا تسرع بي إلى الجنة إن كنت باراً... إن إرادة البشر لا تغير مشيئة الله كما أن المنجمين لا يحولون مسير النجوم ... أما بعد الموت فليفعل الأطباء والكهان ما شاؤوا فاللجة تنادي اللجة أما السفينة فتظل سائرة حتى تبلغ الساحل..".
    عندما انتصف الليل المخيف فتح فارس كرامة عينيه الغارقتين في ظلمة النزاع ــ فتحها لآخر مرة ــ وحولهما نحو ابنته الجاثية بجانب مضجعه، ثم حاول الكلام فلم يستطع لأن الموت كان قد تشرب صوته فخرجت هذه الألفاظ لهاثاً عميقاً من بين شفتيه "ها قد ذهب الليل.. وجاء الصباح.. يا سلمى .. يا.. سلمى..".
    ثم نكس رأسه وابيضّ وجهه وابتسمت شفتاه واسلم الروح.
    ومدت سلمى يدها ولمست يد والدها فوجدتها باردة كالثلج فرفعت رأسها ونظرت إليه فرأت وجهه مبرقعاً بنقاب الموت فجمدت الحياة في جسدها وجفت الدموع في محاجرها فلم تتحرك ولم تصرخ ولم تتأوه بل بقيت محدقة به بعينين جامدتين كعيني التمثال، ثم تراخت أعضاؤها مثلما تتراخى طيات الثوب البليل، وهبطت حتى لمست جبهتها الأرض ثم قالت بهدوء "أشفق يا رب وشدد جميع الأجنحة المتكسرة".
    مات فارس كرامة وعانقت الأبدية روحه واسترجع التراب جسده واستولى منصور بك على أمواله وظلت ابنته أسيرة تعاستها ترى الحياة مأساة تمثلها المخاوف أمام عينيها.
    أما أنا فكنت ضائعاً بين أحلامي وهواجسي، تتناوبني الأيام والليالي مثلما تتناوب النسور والعقبان لحم الفريسة، فكم حاولت أن أفقد ذاتي بين صفحات الكتب لعلني استأنس بخيالات الذين طواهم الدهر، وكم جربت أن أنسى حاضري لأعود بقراءة الأسفار إلى مسارح الأجيال الغابرة فلم يجدني كل ذلك نفعاً بل كنت كمن يحاول إخماد النار بالزيت، لأنني لم أكن أرى من مواكب سوى أشباحها السوداء ولا أسمع من أنغام الأمم غير الندب والنواح، فسفر أيوب كان عندي أجمل من مزامير داود، ومراثي أرميا كان أحب لدي من نشيد سليمان ونكبة البرامكة أشد وقعاً في نفسي من عظمة العباسيين وقصيدة ابن زريق تأثيراً من رباعيات الخيام ورواية هملت أقرب إلى قلبي من كل ما كتبه الإفرنج.
    كذا يضعف القنوط بصيرتنا فلا نرى غير أشباحنا الرهيبة وهكذا يصم اليأس آذاننا فلا نسمع غير طرقات قلوبنا المضطربة.
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array



    بين تلك البساتين والتلول التي تصل أطراف بيروت بأذيال لبنان يوجد معبد صغير قديم محفور في قلب صخرة بيضاء قائمة بين أشجار الزيتون واللوز والصفصاف ومع أن هذا المعبد لا يبعد أكثر من نصف ميل عن طريق المركبات فقد قل من عرفه من محبي الآثار والخرائب القديمة، فكأن الإهمال قد أبقاه محجوباً عن عيون الآثريين ليجعله خلوة لنفوس المتعبين ومزاراً للمحبين والمستوحشين.
    والداخل إلى هذا المعبد العجيب يرى على الجدار الشرقي منه صورة فينيقية الشواهد والبيئات محفورة في الصخر قد محت أصابع الدهر بعض خطوطها ولونت الفصول معالمها. وهي تمثل عشتروت ربة الحب والجمال جالسة على عرش فخم ومن حولها 7 عذارى عاريات واقفات بهيئات مختلفة، فالواحدة منهن تحمل مشعالاً والثانية قيثارة والثالثة مبخرة والرابعة جرة من الخمر والخامسة غصناً من الورد والسادسة إكليلاً من الغار والسابعة قوساً وسهاماً وجميعهن ناظرات إلى عشتروت وعلى وجوههن سيماء الخضوع والامتثال.
    وعلى الجدار الثاني صورة أخرى أحدث عهداً وأكثر ظهوراً تمثل يسوع الناصري مصلوباً وإلى جانبه أمه الحزينة مريم المجدلية وامرأتان ثانيتان تنتحبان. وهذه الصورة البيزنطية الأسلوب والقرائن تدل على كونها حفرت في القرن الخامس أو السادس للمسيح.
    وفي الجدار الغربي كوتان مستديرتان يدخل منهما شعاع الشمس عند أصيل النهار وينسكب على الصورتين كأنهما طليتا بماء الذهب.
    وفي وسط المعبد حجر من الرخام مربع الشكل على جوانبه نقوش ووسامات قديمة الطراز قد انحجب بعضها تحت كتلات متحجرة من الدماء تدل على أن الأقدمين كانوا ينحرون ذبائحهم على هذا الحجر ويصبون فوقه قرابين الخمر والعطر والزيت.
    ولم يكن في هذا المعبد الصغير شيء آخر سوى سكينة عميقة تعانق النفس وهيبة سحرية تبيح بتموجاتها أسرار الآلهة وتتكلم بلا نطق عن مآتي الأجيال الغابرة ومسير الشعوب من حالة إلى حالة ومن دين إلى دين. وتستميل الشاعر إلى عالم بعيد عن هذا العالم وتقنع الفيلسوف بأن الإنسان مخلوق ديّن يشعر بما لا يراه ويتخيل ما لا تقع عليه حواسه فيرسم لشعوره رموزاً تدل بمعانيها على خفايا نفسه ويجسم خياله بالكلام والأنغام والصور والتماثيل التي تظهر بأشكالها أقداس أمياله في الحياة وأجمل مشتهياته بعد الموت.
    في هذا الهيكل المجهول كنت ألتقي بسلمى كرامة مرة في الشهر فنصرف الساعات الطوال ناظرين إلى الصورتين الغريبتين مفكرين بفتى الأجيال المصلوب فوق الجلجلة، مستحضرين إلى مخيلتينا أشباح الفتيان والصبايا الفينيقيين الذين عاشوا وعشقوا وعبدوا الجمال بشخص عشتروت فحرقوا البخور أمام تماثيلها وهرقوا الطيوب على مذابحها ثم طوتهم الأرض فلم يبقى منهم سوى اسم تردده الأيام أمام وجه الأبدية.
    كم يصعب عليّ الآن أن أدوّن بالكلام ذكرى تلك الساعات التي كانت تجمعني بسلمى ــ تلك الساعات العلوية المكتنفة باللذة والألم والفرح والحزن والأمل واليأس وكل ما يجعل الإنسان إنساناً والحياة لغزاً أبدياً. ولكن كم يصعب عليّ أن أذكرها ولأرسم بالكلام الضئيل خيالاً من خيالاتها ليبقى مثلاً لأبناء الحب والكآبة.
    كنا نختلي في ذلك الهيكل القديم فنجلس في بابه ساندين ظهرينا إلى جداره مرددين صدى ماضينا مستقصيين مآتي حاضرنا خائفين مستقبلنا. ثم نتدرج إلى إظهار ما في أعماق نفسينا فيشكو كل منا لوعته وحرقة قلبه وما يقاسيه من الجزع والحسرة، ثم يصبّر واحدنا الآخر باسطاً أمامه كل ما في جيوب الأمل من الأوهام المفرحة والأحلام العذبة فيهدأ روعنا وتجف دموعنا وتنفرج ملامحنا ثم نبتسم متناسيين كل شيء سوى الحب وأفراحه منصرفين عن كل أمر إلا النفس وأميالها. ثم نتعانق فنذوب شغفاً وهياماً. ثم تقبل سلمى مفرق شعري بطهر وانعطاف فتملأ قلبي شعاعاً وأقبل أطراف أصابعها البيضاء فتغمض عينيها وتلوي عنقها العاجي وتتورد وجنتاها باحمرار لطيف يشابه الأشعة الأولى يلقيها الفجر على جباه الروابي. ثم نسكت وننظر طويلاً نحو الشفق البعيد حيث الغيوم المتلونة بأنوار المغرب البرتقالية.
    ولم تكن اجتماعاتنا مقتصرة على مبادلة العواطف وبث الشكوى بل كنا ننتقل على غير معرفة بنا إلى العموميات فنتبادل الآراء والأفكار في شؤون هذا العالم الغريب ونتباحث في مرامي الكتب التي كنا نقرؤها ذاكرين حسناتها وسيئاتها وما تنطوي عليه من الصور الخيالية والمبادئ الاجتماعية، فتتكلم سلمى عن منزلة المرأة في الجامعة البشرية وعن تأثير الأجيال الغابرة على أخلاقها وميولها وعن العلاقة الزوجية في أيامنا هذه وما يحيط بها من الأمراض والمفاسد وإني أذكر قولها مرة "إن الكتّاب والشعراء يحاولون إدراك حقيقة المرأة ولكنهم للآن لم يفهموا أسرار قلبها ومخبآت صدرها لأنهم ينظرون إليها من وراء نقاب الشهوات فلا يرون غير خطوط جسدها أو يضعونها تحت مكبرات الكره فلا يجدون فيها غير الضعف والاستسلام".
    وقولها لي مرة أخرى وقد أشارت بيدها إلى الرسمين المحفورين على جدران الهيكل "في قلب هذه الصخرة قد نقشت الأجيال رمزين يظهران خلاصة أميال المرأة ويستجليان غوامض نفسها المتراوحة بين الحب والحزن ــ بين الانعطاف والتضحية ــ بين عشتروت الجالسة على العرش ومريم الواقفة أمام الصليب. إن الرجل يشتري المجد والعظمة والشهرة ولكن هي المرأة التي تدفع الثمن".
    ولم يدر باجتماعاتنا السرية أحد سوى الله وأسراب العصافير المتطايرة بين تلك البساتين، فسلمى كانت تجيء بمركبتها إلى المكان المدعو بحديقة الباشا ثم تسير الهوينى على الممرات المنفردة حتى تبلغ المعبد الصغير فتدخله مستندة على مظلتها وعلى وجهها لوائح الأمن والطمأنينة فتجدني منتظراً مترقباً مشتاقاً بكل ما في الشوق من الجوع والعطش.
    ولم نخف قط عين الرقيب ولا شعرنا بوخز الضمير لأن النفس إذا تطهرت بالنار واغتسلت بالدموع تترفع عما يدعوه الناس عيباً وعاراً وتتحرر من عبودية الشرائع والنواميس التي سنتها التقاليد لعواطف القلب البشري وتقف برأس مرفوع أمام عروس الآلهة.
    إن الجامعة البشرية قد استسلمت سبعين قرناً إلى الشرائع الفاسدة فلم تعد قادرة على إدراك معاني النواميس العلوية الأولية الخالدة، قد تعودت بصيرة الإنسان النظر إلى ضوء الشموع الضئيلة فلم تعد تستطيع أن تحدق بنور الشمس. لقد توارثت الأجيال الأمراض والعاهات النفسية بعضها عن بعض حتى أصبحت عمومية بل صارت من الصفات الملازمة للإنسان فلم يعد الناس ينظرون إليها كعاهات وأمراض بل يعتبرونها كخلال طبيعية نبيلة أنزلها الله على آدم فإذا ما ظهر بينهم فرد خال منها ظنوه ناقصاً محروماً من الكمالات الروحية.
    أما الذين سيعيبون سلمى كرامة محاولين تلويث اسمها لأنها كانت تترك منزل زوجها الشرعي لتختلي برجل آخر فهم السقماء الضعفاء الذين يحسبون الأصحاء مجرمين وكبار النفوس متمردين. بل هم كالحشرات التي تدب في الظلمة وتخشى الخروج إلى نور النهار كيلا تدوسها أقدام العابرين.
    إن السجين المظلوم الذي يستطيع أن يهدم جدران سجنه ولا يفعل يكون جباناً وسلمى كرامة كانت سجينة مظلومة ولم تستطع الانعتاق فهل تلام لأنها كانت تنظر من وراء نافذة السجن إلى الحقول الخضراء والفضاء الوسيع، هل يحسبها الناس خائنة لأنها كانت تجيء من منزل منصور بك غالب لتجلس بجانبي بين عشتروت المقدسة والجبار المصلوب؟ ليقل الناس ما شاؤوا فسلمى قد اجتازت المستنقعات التي تغمر أرواحهم الذئاب وبلغت ذلك العالم الذي لا يبلغه عوي الذئاب وفحيح الأفاعي. وليقل الناس ما أرادوا عني فالنفس التي شاهدت وجه الموت لا تذعرها وجوه اللصوص، والجندي الذي رأى السيوف محتبكة فوق رأسه وسواقي الدماء تحت قدميه لا يحفل بالحجارة التي يرشقه بها صبيان الأزقة.
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني


  • صفحة 5 من 7 الأولىالأولى ... 34567 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. جبران خليل جبران
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 06-26-2010, 02:14 PM
    2. البعض نحبهم (جبران خليل جبران)
      بواسطة En.muhammed manla في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 05-03-2010, 02:31 AM
    3. هل كل الأدوية العشبية مأمونة
      بواسطة En.muhammed manla في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 04-13-2010, 09:45 PM
    4. من روائع جبران خليل جبران
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 03-14-2010, 07:58 PM
    5. نيكول جبران (فساتين)
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى المرأة السورية Syrian women forum
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 03-07-2010, 02:42 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1