بالدون يسامح عم أسامة بقطيعة
ثم ملك بغدوين البرونس إنطاكية، وكان لأبي وعمي رحمهما الله، جميل كبير حيث كان أسره نور الدولة بلك رحمه الله، وصار بعد قتل بلك إلى حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي فحمله إلينا إلى شيزر ليتوسط أبي وعمي رحمهما الله بيعه فاحسنا إليه. فلما ملك كانت لصاحب إنطاكية علينا قطيعة سامحنا بها صار أمرنا في إنطاكية نافذاً
ويتنازل عن إنطاكية لأبن ميمون
فهو فيما فيه وعنده رسول من أصحابنا إذ وصل مركب إلى السويدية فيه صبي عليه أخلاق، فحضر عنده وعرفه ابن ميمون فسلم إنطاكية إليه وخرج إليها وضرب خيمة في ظهرها، فحلف لنا رسولنا الذي كان عنده انه يعني الملك بغدوين أشترى عليق خيله تلك الليلة من السوق، واهراء إنطاكية ملآى من الغلة، ورجع بغدوين إلى القدس.
ابن ميمون يهاجم شيزر
وخرج من ذلك الشيطان ابن ميمون بلية عظيمة فنزل علينا يوماً من الأيام بعسكره فضرب خيامه، ونحن قد ركبنا مقابلهم، فما خرج منهم أحد ونزلوا في خيامهم، ونحن ركاب على شرف نبصرهم، وبيننا وبينهم العاصي فنزل من بيننا إبن عمي ليث الدولة يحيى بن مالك بن حميد رحمه الله يسير إلى العاصي ظنناه يسقي فرسه، فخاض الماء وعبر وسار نحو موكب الإفرنج واقف بالقرب من خيامهم. فلما دنى منهم نزل إليه فارس واحد، فحمل كل واحد منهما على صاحبه، وراغ كل واحد منهما عن طعنه الأخر فتسرعت أنا وأمثالي من الشباب في ذلك الوقت إليهم، ونزل ذلك الموكب وركب ابن ميمون وعسكره وجائوا كالسيل وصاحبنا قد طعنت فرسه، فالتقت أوائل خيلنا وأوائل خيلهم، وفي أجنادنا رجل كردي يقال له ميكائيل وقد جاء في أوائل خيلهم منهزماً وخلفه فارس إفرنجي قد لزه. وللكردي بين يديه ضجيج وصياح عال فلقيته، فمال عن ذلك الكردي وزل عن طريقي وقصد خيل لنا في جماعة على الماء واقفين مما يلينا، وأنا خلفه أجهد أن يلحقه حصاني فأطعنه فلا يلحقه، ولا الإفرنجي يلتفت إلي إلا يريد تلك الخيل المجتمعة إلى أن وصل إلى خيلنا وأنا تابعه، فطعن أصحابي حصانه طعنة أوثقته وأصحابه في أثره في جمع ما لنا بهم قوة. فرجع الفارس وحصانه في أخر رمقه فردهم جميعهم وعاد وهم معه. وكان الفارس ابن ميمون صاحب إنطاكية وهو صبي قد امتلأ قلبه من الرعب، ولو ترك أصحابه هزمونا إلى أن يدخلونا المدينة.
قصة بريكة
كل ذلك وأمة عجوز يقال لها بريكة مملوكة لرجل كردي من أصحابنا يقال له علي بن محبوب واقفه بين الخيل على شط النهر وفي يدها شربة تسقي بها وتسقي الناس، وأكثر أصحابنا الذين كانوا على الشرف لما رأوا الإفرنج مقبلين في ذلك الجمع إندفعوا نحو المدينة وتلك الشيطانه واقفة لا يروعها ذلك الأمر العظيم. وأنا ذاكر شيئاً من أمر هذه بريكة، وإن لم يكن موضعه، لكن الحديث شجون. كان مولاها علي يثدين ولا يشرب الخمر. فقال لوالدي يوماًوالله يا أمير لا أستحل ما آكل من الديوان وما آكل من كسب بريكة، وهو الجاهل يظن ان ذلك السحت الحرام أحل من الديوان الذي هو مستأجر به. وكانت هذه الأمه لها ولد أسمه نصر رجل كبير وكيلاً في ضيعة للوالد رحمه الله وهو رجل يقال له بقية بن الأصيفر. حدثني قالدخلت في الليل البلد أريد الدخول إلى داري في شغل لي. فلما دنوت من البلد بين المقابر في ضوء القمر شخصاً ما هو آدمي ولا هو وحش فوقفت عليه وتهيبته. ثم قلت في نفسيما أنا بقية! ما هذا الخوف من واحد؟ فوضعت سيفي ودروقتي والحربة التي معي ومشيت قليلاً قليلاً وأنا أسمع لذلك الشخص زجلاً وصوتاً فلما قربت منه وثبت عليه وفي يدي دشني فقبضته، وإذا بها بريكة مكشوفة الرأسي وقد نفشت شعرها وهي راكبة قصبة تصهل بين المقابر وتجول. قلتويحكي أي شيء تعملين في هذا الوقت ها هنا؟ قالتأسحر قلتقبحك الله وقبح سحرك وصنعتك من بين الصنائع!
امرأة تقاتل في شيزر
اذكرني قوة نفس هذه الكلبة بأمور جرت للنساء في الواقعة التي كانت بيننا وبين الأسماعليية، وإن لم تكن سواء. لقي في ذلك اليوم مقدم القوم علوان ابن حرار ابن عمي سنان الدولة شبيب ابن حامد بن حميد رحمه الله في الحصن وهو تربى فيه. ولدت أنا وهو في يوم واحد السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثمانية وثمانين وأربع مائة إلا انه ما باشر الحرب ذلك اليوم وأنا كنت قطبها. فأراد علوان اصطناعها. فقال لهارجع إلى بيتك احمل منه ما تقدر عليه ورح لا تقتل، فالحصن قد ملكناه. فرجع إلى الدار وقالمن كان له شيئاً يعطيني إياه يقول ذلك لعمته ونساء عمه، فكل منهم أعطاه شيئاً، فهو في ذلك إذاً إنسان وقد دخل الدار عليه زردية وخوذة ومعه سيف وترس. فلما رآه ايقن بالموت، فوضع الخوذة وإذا هي ابن عمه ليث الدولة يحيى رحمه الله. فقالتأي شيئاً تريد تعمل؟ قالآخذ ما قدرت عليه، وانزل من الحصن بحبل وأعيش بالدنيا. قالتبئس ما تفعل، تخلي بنات عمك وأهلك للحلاجين وتروح؟ أي عيش يكون عيشك إذا افتضحت في أهلك انهزمت عنهم؟ أخرج قاتل عن أهلك حتى تقتل بينهم، فعل الله بك وفعل. ونعته رحمها الله من الهرب، وكان من الفرسان المعدودين بعد ذلك.
والدة أسامة في القتال
وفي ذلك اليوم فرقت والدتي رحمها الله سيوفي وكزاغنداتي، وجاءت إلى أخت لي كبيرة في السن وقالتألبسي خلفك وإزارك. فلبست وأخذتها إلى روشن في داري يشرف على الوادي من الشرق أجلستها عليه وجلست إلى باب الروشن، ونصرنا الله سبحانه عليهم. وجأت إلى داري أطلب شيئاً من سلاحي ما وجدت إلى جهازات السيوف وعيب الكزاغندات. قلتيا أمي أين سلاحي؟ قالتيا بني أعطيت السلاح لمن يقاتل عن، وما ظننتك سالماً قلتوأختي أي شيء تعمل هاهنا؟ قالتيا بني أجلستها على الروشن وجلست براً منها. إذا رأيت الباطنية وصلوا إلينا دفعتها رميتها إلى الوادي فأراها قد ماتت ولا أراها مع الفلاحين والحلاجين مأسورة. فشكرتها على ذلك وشكرتها الأخت وجزتها خيراً، فهذه النخوة أشد من نخوات الرجال.
عجوز تضرب بالسيف
وتلثمت في ذلك اليوم عجوز من جواري جدي الأمير أبي الحسن علي رحمه الله يقال لها فنون فأخذت سيفاً وخرجت إلى القتال وما زالت كذلك حتى صعدنا وتكاثرنا عليهم.
وما ينكر للنساء الكرام الأنفة والنخوة والإصابة في الرأي.
جدة أسامة تنصحه
ولقد خرجت يوماً من الأيام مع الوالد رحمه الله إلى الصيد، وكان مشغوفاً بالصيد عنده من البزاة والشواهين والصقور والفهود والكلاب الزغارية ما لا يكاد يجتمع عند غيره، ويركب في أربعين فارساً من أولاده ومماليكه كل منهم خبير بالصيد عارف بالقنص، وله بشيزر مصيدانيوماً يركب إلى غربي البلد إلى أزوار وأنهار فيتصيد الدراج والطير الماء والأرنب والغزلان ويقتل الخنازير، ويماً يركب إلى الجبل قبلي البلد يتصيد الحجل والأرانب. فنحن في الجبل يوماً وقد حانت صلاة العصر فنزل ونزلنا نصلي فرادى، وإذا غلام قد جاء يركض قالهذا الأسد! فسلمت قبل الوالد رحمه الله لكيلا يمنعني من قتال الأسد وركبت ومعي رمحي فحملت عليه فأستقبلني وهدر، فحاص بي الحصان ووقع الرمح من يدي لثقله وطردني شوطاً جيداً، ثم رجع إلى سفح الجبل ووقف عليه وهو من أعظم السباع كأنه قنطرة جائع وكلما دنون منه نزل من الجبل، طرد الخيل وعاد إلى مكانه، وما ينزل نزلة إلا يؤثر في أصحابنا.
ولقد رأيته راكباً مع رجل من غلامان عمي يقال له بستكين غرزة على وركي حصانه وخرق بمخالبه ثيابه ورانته وعاد إلى الجبل، فما كان لي فيه حيلة إلا أن صعدت فوقه في سفح الجبل. ثم حدرت حصاني عليه فطعنته فنفذت الرمح فيه وتركته في جانبه، فتقلب إلى أسفل الجبل والرمح فيه، فمات الأسد وانكسر الرمح، والوالد رحمه الله واقف يرانا معه أولاد أخيه عز الدين يبصرون ما يجري وهم صبيان. وحملنا الأسد ودخلنا البلد العشاء، وإذا جدتي لأبي رحمها الله جاءتني في الليل وفي يدها شمعة - وهي عجوز كبيرة قاربت من العمر مائة سنة. فما شككت أنها قد جاءت تهنئني بالسلامة وتعرفني مسرتها بما فعلت. فلقيتها وقبلت يدها فقالتلي بغيظ وغضبيا بني أيش يحملك على هذه المصائب التي تخاطر فيها بنفسك وحصانك وتكسر سلاحك ويزداد قلب عمك منك وحشة ونفوراً.؟ قلتيا ستي أنما أخاطر بنفسي في هذا ومثله لأتقرب إلى قلب عمي. قالتلا والله ما يقربك هذا منه وانه يزيدك منه بعداً ويزيده منك وحشاً ونفوراً. فعلمت أنها نصحتني في قولها وصدقتني، ولعمري إنهن أمهات رجال.
ولقد كانت هذه العجوز رحمها الله من صالحي المسلمين من الدين والدقة والصوم والصلاة على أجمل طريقة، ولقد حضرتها ليلة النصف من شعبان وهي تصلي عند والدي، وكان رحمه الله من أحسن من يتلو كتاب الله تعالى، ووالدته تصلي بصلاته، فأشفق عليها فقاليا أمي لو جلست صليت من قعودة. قالتيا بني بقي لي من العمر ما أعيش إلى ليلة مثل هذه الليلة؟ لا ولله ما أجلس، وكان الوالد قد بلغ السبعين سنة وهي قد شارفت المائة سنة رحمها الله.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
مسلمة تقتل زوجها
وشاهدت من نخوات النساء عجباً. وهو أن رجلاً من أصحاب خلف بن ملاعب يقال له علي عبد بن أبي الريداء كان قدر رزقه الله تعالى من النظر ما رزق زرقاء اليمامة، فكان ينهض مع ابن ملاعب يبصر القوافل على المسيرة يوم كامل. ولقد حدثني رجل من رفاقه يقال له سالم العجازي انتقل إلى خدمة والدي بعد ما قتل خلف بن ملاعب قالنهضنا يوماً وأرسلنا علياً عبد ابن أبى الريداء بكرة يديب لنا، فجاءنا وقالابشروا بالغنيمة! هذه قافلة كثيرة مقبلة. فنظرنا ما رأينا شيئاً، فقلناما نرى قافلة ولا غيرها. قالوالله، إني لأرى قافلة وقدامها فرسان معينان ينفضان معارفهما. فأقمن في الكمين إلى العصر فوصلتنا القافلة والفرسان المعينان قدامها فخرجنا أخذنا القافلة. وحدثني سالم العجازي فقالنهضنا يوماً وصعد علي عبد ابن أبي الريداء يديب لنا، فنام وما درى إلا وقد أخذه تركي من سربة أتراك ناهضة وقالواأي شيء أنت؟ قال أنا رجل صعلوك قد أركيت جملي لرجل من التجار في القافلة، أعطني يدك أنك تعطيني جملي حتى أدلك على القافلة. فأعطاه مقدمة يده، فمشى بين أيديهم إلى أن أوصلهم إلينا إلى الكمين، فخرجنا عليهم أخذناهم، وتعلق هو في الذي كان بين يديه أخذ فرسه وعدته، وغنمنا منهم غنيماً حسنة. فلما قتل ابن ملاعب انتقل علي ابن أبي الريداء إلى خدمت توفيل الإفرنجي صاحب كفرطاب، فكان ينهض بالإفرنج إلى المسلمين يغنمهم ويبالغ في أذى المسلمين وأخذ مالهم وسفك دمهم حتى قطع سبل المسافرين، وله امرأة معه في كفر طاب تحت يدي الإفرنج تنكر عليه فعله وتنهاه فلا ينتهي. فنفذت أحضرت نسيب لها من بعض الضياع وأظنه أخاها، وأخفته في البيت إلى الليل. واجتمعت هي وهو على زوجها علي ابن أبى الريداء قتلاه واحتملاه يجمع مالها. وأصبحت عنا في شيزر وقالتغضبت للمسلمين مما كان يفعل بهم هذا الكافر. فأرحت الناس من هذا الشيطان، ورعينا لها ما فعلت وكانت عندنا في الكرامة والاحترام.
إفرنجية تجرح مسلماً
وكان في أمراء مصر رجل يقال له ندى الصليحي في وجهه ضربتان الواحة من حاجبه الأيمن إلى حد شعر رأسه والأخرى من حاجبه الأيسر إلى حد شعر رأسه. فسألته عنهما فقالكنت انهض وأنا شاب من عسقلان وأنا راجل، فنهضت يوماً في طريق بيت المقدس أريد حجاج الإفرنج، فصادفنا قوماً منهم فلقيت رجلاً معه قنطارية وخلفه امرأته معها كوز خشب فيه ماء. فطعنني الرجل هذه الطعنة الواحدة وضربته قتلته، فمشت إلي امرأته وضربتني بالكوز الخشب في وجهي، جرحتني هذا الجرح الأخر فوسما وجهي.
شيزرية تأسر ثلاثة إفرنج
ومن إقدام النساء ان جماعة من الإفرنج الحجاج حجوا وعادوا إلى رفنية، وكانت ذلك الوقت لهم، وخرجوا منها يريدون أفامية، فتاهوا في الليل وجائوا شيزر وهي إذ ذك بغير سور، ودخلوا المدينة وهم في نحو سبع مائة ثمان مائة من رجال ونساء وصبيان. وكان عسكر شيزر قد خرجوا مع عمي عز الدين أبي العساكر سلطان وفخر الدين أبى كامل شافع رحمهما الله ليلقيا عروسين قد تزوجاهما من بني الصوفي الحلبيين أختين. ووالدي رحمه الله في الحصن. فخرج رجل من المدينة في شغل له في الليل فرأى إفرنجياً، وعاد أخذ سيفه وخرج قتله، ووقع الصياح في البلد، وخرج الناس فقتلوهم وغنموا ما كان معهم من النساء والصبيان والفضة والبهائم. وفي شيزر امرأة من نساء أصحابنا يقال لها نصرة بنت بوز رماط خرجت مع الناس أخذت إفرنجي أدخلته بيتها، وخرجت أخذت آخر أدخلته بيتها، وعادت خرجت أخذت أخر. فاجتمع عندها ثلاثة من الإفرنج، فأخذت ما كان معهم وما صلح لها من سلبهم وخرجت، دعت قوماً من جيرانها قتلوهم. ووصل عمي والعسكر في الليل، وقد كان انهزم من الإفرنج ناس وتبعهم رجال من شيزر فقتلوهم في ظاهر البلد. فصارت الخيل تعثر في الليل في القتلى، ولا يدرون بماذا تعثر، حتى ترجل بعضهم وابصر القتلى في الظلام، فهالهم واعتقدوا ان البلد قد كبس.
إفرنجية تؤثر أن تكون زوجة اسكاف
كانت غنيمة ساقها الله عز وجل إلى الناس، فصار إلى دار والدي رحمه الله عدة من جواري سيبهم لعنهم الله، جنس ملعون لا يألفون لغير جنسهم فرأى منهم جارية مليحة شابة فقال لقهرمانة دارهادخلي هذه الحمام وأصلحي كسوتها واعملي شغلها للسفر. ففعلت وسلمها إلى بعض خدامه وسيرها إلى الأمير شهاب الدين مالك بن سالم بن مالك صاحب قلعة جعبر وكان صديقه، وكتب إليه يقولغنمنا من الإفرنجي غنيمة قد نفذت لك سهماً منها. فوافقته وأعجبته فتخذها لنفسه، فولدت له ولداً سماه بدران الولد والرعية وأمه الآمرة الناهية. فواعدت قوماً وتدلت من القلعة بحبل ومضى بها أولئك إلى سروج، وهي إذ ذاك للإفرنج فتزوجت بإفرنجي اسكاف وابنها صاحب قلة جعبر.
إفرنجي يتنصر بعد إسلامه
وكان في أولئك الذين صاروا إلى دار والدي امرأة عجوز ومعها بنت لها امرأة شابة حسنة الخلقة وابن مشتد، فأسلم الابن وحسن إسلامه فيما يرى من صلاته وصومه، وتعلم الترخيم من مرخم كان يرخم دار والدي. فلما طال مقامه زوجه الوالد امرأة من قوماً صالحين وقام له بكل ما احتاجه لعرسه وبيته فرزق منها ولدين وكبا وصار لكل واحد منهما خمس ست سنين، والغلام راؤول أبوهما مسرور بهما، فأخذهما وأمهما، وما في بيته واصبح في افامية عند الإفرنج وتنصر هو وأولاده بعد الإسلام والصلاة والدين. فالله تعالى يطهر الدنيا منهم.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
طبائع الإفرنج وأخلاقهم
سبحان الخالق البارئ إذا خبر الأنسان أمور الإفرنج سبح الله تعالى وقدسه ورأى بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال ولا غير، كما في البهائم فضيلة القوة والحمل. وسأذكر شيئاً من أمورهم وعجائب عقولهم. كان في العسكر الملك فلك بن فلك فارس محتشم إفرنجي قد وصل من بلادهم يحج ويعود، فأنس بي وصار ملازمني ويدعوني أخي وبيننا المودة والمعاشرة فلما عزم على التوجه في البحر إلى بلاده قال لييا أخي أني سائر إلى بلادي، وأريدك تنفذ معي أبنك وكان ابني معي وهو ابن أربعة عشر سنه إلى بلادي يبصر الفرسان ويتعلم العقل والفروسية. وإذا رجع كان مثل الرجل عاقل. فطرق سمعي كلام ما يخرج من رأس عاقل. فإن أسر ما بلغ به الأسر اكثر من رواحه إلى بلاد الإفرنج. فقلتوحياتك هذا الذي كان في نفسي. لكن منعني من ذلك ان جدته تحبه وما تركته يخرج معي حتى استحلفتني أن أرده إليها قال أمك تعيش؟ قلتنعم. قال لا تخالفها.
ومن عجيب طبهم ان صاحب المنيطرة كتب إلى عمي يطلب منه إنقاذ طبيب يداوي مرضى من أصحابه، فأرسل إليه طبيباً نصرانياً يقال له ثابت، فما غاب عشرة أيام حتى عاد فقلنا لهما أسرع ما داويت المرضى! قال أحضروا عندي فارساً قد طلعت في رجله دملة وامرأة قد لحقها نشاف، فعملت للفارس لبخة ففتحت الدملة فصلحت، فحميت المرأة ورطبت مزاجها فجاءهم طبيب إفرنجي فقال لهمهذا ما يعرف شيئاً يداويهم. وقال للفارس ايما لك ان تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين. قال أعيش برجل واحدة. قال أحضروا لي فارساً قوياً وفأساً قاطعاً. حضر الفارس والفأس وأنا حاضر، فحط ساقه على قرمة خشب وقال للفارس أضرب رجله بالفأس ضرباً واحداً واقطعها. فضربه وأنا أراه ضربة واحداً ما انقطعت، فضربه ضربة ثانية فسال مخ الساق، ومات من ساعته. وأبصر المرأة فقال هذه المرأة في رأسها شيطان قد عشقها، احلقوا شعرها، فحلقوه وعادت تأكل من مأكلهم الثوم والخردل فزاد بها النشاف، فقال الشيطان قد دخل في رأسها. فأخذ الموس وشق الرأس صليب وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح، فماتت من وقتها. فقلت لهمبقي لكم إلي حاجة؟ قالوا لا. فجئت وتعلمت من طبهم ما لم أكن أعرفه. وقد شاهدت من طبهم خلاف ذلك. كان للملك خازن من فرسانهم يقال له برناد لعنه الله، من ألعن الإفرنج وارجسهم فرحمه حصانه من ساقه فعملت عليه رجله وفتحت في أربعة عشر موضعاً والجراح كلما ختمت موضع فتح موضع وأنا أدعو بهلاكه. فجاء طبيب إفرنجي فأزال عنه تلك المراهم وجعل يغسلها بالخل الحاذق فختمت تلك الجراح وبرأ وقام مثل الشيطان. ومن عجيب طبهم انه كان عندنا بشيزر صانع يقال له أبو الفتوح له ولد قد طلع في رقبة خنازير، وكلما ختم موضع فتح موضع، فدخل إنطاكية في شغل له ومعه ابنه، فرآه راجل إفرنجي فسأله عنه فقال هو ولدي. قال تحلف لي بدينك إن وصفت لك دواء يبرئه لا تأخذ من أحد تداويه به أجرة حتى أصف لك دواء يبرئه؟ فحلف. فقال تأخذ له أشنان غير مطحون تحرقه وتربيه بالزيت والخل الحاذق وتداويه به حتى يأكل الموضع، ثم خذ الرصاص المحرق وربه بالسمن، ثم داوه به فهو يبرئه. فداواه بذلك فبرأ، وختمت تلك الجراح، وعاد ما كان عليه من الصحة. وقد داويت بهذا الدواء من طلع فيه هذا الداء فنفعه وأزال ما كان يشكوه. فكل من هو قريب العهد بالبلاد الإفرنج اجفى أخلاقاً من الذين قد تبلدوا وعاشروا المسلمين.
فمن جفاء أخلاقهم قبحهم الله، أنني إذا زرت بيت المقدس دخلت إلى المسجد الأقصى، وفي جانبه مسجد صغير جعلوه الإفرنج كنيسة. فكنت إذا دخلت المسجد الأقصى وفيه الداوية وهم أصدقائي، يخلون لي ذلك المسجد الصغير اصلي فيه فدخلت يوماً كبرت ووقفت في الصلاة، فهجم علي واحداً من الإفرنج مسكني ورد وجهي إلى الشرق وقال كذا صلي فتبادر إليه قوم من الداوية أخذوه أخرجوه عني، وعدت أنا إلى الصلاة، فأغفلهم وعاد هجم علي ذلك بعينه ورد وجهي إلى الشرق وقال كذا صل! فعاد الداوية دخلوا إليه وأخرجوه واعتذروا إلي وقالواهذا غريب وصل من بلاد الإفرنج هذه الأيام، وما رأى من يصلي لغير الشرق. فقلت حسبي من الصلاة! فخرجت وكنت أعجب من ذلك الشيطان وتغير وجهه ورعدته وما لحقه من نظر الصلاة إلى القبلة. ورأيت واحداً منهم جاء إلى الأمير معين الدين رحمه الله وهو في الصخرة فقال تريد تبصر الله صغيراً؟ قال نعم. فمشى بين أيدينا حتى أرانا صورت مريم والمسيح عليه الصلاة والسلام صغير في حجرها فقال هذا الله صغير - تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً.
ليس للإفرنج غيرة جنسية
وليس عندهم شيء من النخوة والغيرة، يكون الرجل منهم يمشي هو وامرأته يلقاه رجل أخر يأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها، والزوج واقف ناحية ينتظر فراغها من الحديث، فإذا طولت عليه خلاها مع المتحدث ومضى. ومما شاهدت من ذلك أنى كنت إذا إلى نابلس أنزل في دار رجل يقال له معز داره عمارة المسلمين لها طاقات تفتح إلى الطريق، يقابلها من الجانب الطريق الأخر دار لرجل إفرنجي يبيع الخمر للتجار قد فتح بيته من هذا الخمر، من أراد منها شيئاً فهي من موضع كذا وكذا، واجرته عن ندائه النبيذ الذي في تلك القنينة فجاء يوماً ووجد رجل مع امرأته في الفراش فقال لهأي شيء أدخلك عند امرأتي؟ قال وجدت فراشاً مفروشاً نمت فيه قال والمرأة نائمة معك؟ قال الفراش لها كنت أقدر أن أمنعها من فراشها؟ قال وحق ديني إن عدت فعلتها تخاصمت أنا وأنت. فكان هذا نكيره ومبلغ غيرته.
ومن ذلك انه كان عندنا رجل حمامي يقال له سالم من أهل المعرة في حمام لوالدي رحمه الله قال فتحت حماماً في المعرة أتعيش فيا، فدخل إليها فارس منهم وهم ينكرون على من يشد في وسطه الئزر في الحمام، فمد يده وجذب مئزري من وسطي رماه، فرآني وأنا قريب عهد بحلق عانتي، فقال سالم فتقربت منه، فمد يده على عانتي وقال سالم جيد! وحق ديني أعمل لي كذا واستلقى على ظهره وله مثل لحيته في ذلك الموضع، فحلقته فمر يده عليه فستوطأه فقال سالم بحق دينك اعمل للدام والدام بلسانهم الست يعني امرأته. وقال لغلام لهقل للداما تجيء. فمضى الغلام أحضرها وأدخلها، فاستلقت على ظهرها وقال اعمل كما عملت لي، فحلقت ذلك الشعر وزوجها قاعد ينظرني فشكرني ووهبني حق خدمتي. فانظروا إلى هذا الاختلاف العظيمما فيهم الغيرة والنخوة وفيهم الشجاعته العظيمة، وما تكون الشجاعة إلا من النخوة والأنفة من سوء الأحدوثة. ومما يقارب هذا أنني دخلت الحمام بمدينة صور فجلست في خلوة فيها. فقال لي بعض غلماني في الحما معنا امرأة. فلما خرجت جلست على المسطاب وإذا التي كانت بالحمام قد خرجت وهي مقابلي قد لبست ثيابها وهي واقفه مع أبيها ولم أتحقق أنها امرأة. فقلتبالله أبصر هذه امرأة هي. وأنا أقصد أن يسأل عنها. فمضى وأنا أراه رفع ذيلها وطلع فيها فألتفت إلي أبوها وقال هذه ابنتي ماتت أمها وما لها من يغسل رأسها، فأدخلتها معي الحمام غسلت رأسها. قلتجيد عملت، هذا لك فيه ثواب.
عجائب طبهم أيضاً
ومن عجيب طبهم ما حدثنا به كليما دبور صاحب طبرية وأنا معه، فحدثنا في الطريق فقال كان عندنا في بلادنا فارس كبير القدر فمرض واشرف على الموت، فجئنا إلى قس من قسوسنا قلناتجيء معنا حتى تبصر الفارس فلاناً؟ قال نعم. فمشا معنا ونحن نتحقق انه إذا حط يده عليه عوفي فلما رآه قال أعطوني شمعاً. فاحضرنا له قليل شمع، فلينه وعمله مثل عقد الإصبع، وعمل كل واحدة في جانب أنفه، فمات الفارس فقلنا لهقد مات قال نعم كان يتعذب سددت أنفه حتى يموت ويستريح.
دع ذا وعد القول في هرم.
سباق ومحاكمات
نرجع من حديث مجاريه حضرت في طبرية في عيد من أعيادهم، وقد خرج الفرسان يلعبون بالرماح، وقد خرج معهم عجوزان فانيتان أوقفوهما في رأس الميدان، وتركوا في رأسه الأخر خنزيراً سمطوه وطرحوه على صخرة، وسابقوا بين العجوزين ومع كل واحد منهم سرية من الخيالة يشدون منها، والعجائز يقمن ويقعن على كل خطوة وهم يضحكون حتى سبقت واحده منهن لأخذت ذلك الخنزير في سبقها. وشاهدت يوماً في نابلس وقد حضروا أثنين للمبارزة، وكان سبب ذلك أن كان حرامية من المسلمين كبسوا ضيعة من ضياع نابلس فأتهموا بها رجلا من الفلاحين وقال واهو دل الحرامية على الضيعة فهرب. فنفذ الملك فقبض أولاده فعاد إليه وقال انصفني أنا أبارز الذي قال عني أنى دللت الحرامية على القرية. فقال الملك لصاحب القرية المقطعاحضر من يبارزه فمضى إلى قريته وفيها رجل حداد فأخذه وقال لهتبارز إشفاقا من المقطع على الفلاحيه لا يقتل فيهم واحد لا يقتل منهم واحد فتخرب فلاحته. فشاهدت هذا الحداد وهو شاب قوي إلى انه قد انقطع، يمشي ويجلس ويطلب ما يشربه، وذلك الأخر الذي يطلب البراز شيخ إلا انه قوي النفس يزجر وهو غير محتفل بالمبارزة، فجاء البسكند وهو شحنة البلد، لأعطي كل واحد منها العصا والترس، وجعل الناس حولهم حلقة. والتقيا وكان الشيخ يلز ذلك الحداد وهو يتأخر حتى يلجثه إلى حلقة، ثم يعود إلى الوسط. وقد تضارا حتى بقيا كعامود الدم. فطال الأمر بينهما والبسكند يستعجلهما وهو يقول بالعجلة، ونفع الحاد إدمانه بضرب المطرقة. وأعي ذلك الرجل فضربه الحداد فوقع ووقعت عصاه تحت ظهره، فبرك عليه الحداد يداخل إصبعه في عينه ولا يتمكن من كثرة الدم من عينه، ثم قام عنه وضرب رأسه بالعصا حتى قتله. وطرحوا في رقبته حبلاً وجروه شنقوه. وجاء صاحب الحداد أعطاه غفارته وأركبه خلفه وأخذه وانصرف. وهذا من جملة فقههم وحكمهم لعنهم الله. ومضيت مرة مع الأمير معين الدين رحمه الله إلى القدس، فنزلنا نابلس. فخرج إلى عنده رجل أعمى وهو شاب عليه ملبوس جيد مسلم، وحمل له فاكهة وسأله في أن يأذن له في الوصول إلى خدمته إلى دمشق ففعل، وسألت عنه فخبرت ان أمه كانت مزوجه لرجل إفرنجي فقتلته، وكان ابنه يحتال على حجاجهم ويتعاون هو وأمه على قتلهم، فاتهموه بذلك وعملوا له حكم الإفرنججلسوا بتية عظيمة وملئوها ماء عرضوا عليها دف خشب وكتفوا ذلك التهم وربطوا في أكتافه حبلاً ورموه في البتية - فإن كان برياً غاص في الماء، فحرص ذلك لما رموه في الماء ان يغوص فلما قدر. فوجب عليه حكمهم لعنهم الله فكحلوه. ثم ان رجل وصل إلى دمشق فاجرى له الأمير معين الدين رحمه الله ما يحتاجه. وقال لبعض غلمانهتمضي به إلى البرهان الدين البلخي رحمه الله تقول لهتأمر من يقرئ القرآن وشيئاً من الفقه. فقال له ذلك الأعمىالنصر والغلب! ما كان هذا ظني! قال ما ظننت بي! قال تعطيني الحصان والبغلة والسلاح وتجعلني فارساً قال ما اعتقدت ان أعمى يصير من الفرسان.
ولحم الخنزير
ومن الإفرنج قوم قد تبلدوا وعاشروا المسلمين فهم أصلح من القريب العهد ببلادهم، ولكنهم شاذ لا يقاس عليه. فمن ذلك أنني نفذت صاحباً إلى إنطاكية في شغل، وكان بها الرئيس نادرس بن الصفي وبيني وبينه صداقة، وهو نافذ الحكم في إنطاكية. فقال أصحابي يوماًقد دعاني صديق لي من الإفرنج، تجيء معي تراى زيهم قال فمضيت معه فجئنا إلى دار فارس من الفرسان العتق الذين خرجوا في أول خروج الإفرنج، وقد اعتقى من الديوان والخدمة، وله بإنطاكية ملك يعيش منه، فأحضر مائدة حسنة وطعاماً في غاية النظافة والجودة، ورآني متوقفاً عن الأكل فقال كل طيب النفس، فأنا ما أكل من طعام الأفرنج ولي طباخات مصريات لا أكل إلى من طبخهن، ولا أدخل داري لحم خنزير. فأكلت وأنا محترز وانصرفنا. فأنا بعد مجتازاً في السوق وامرأة إفرنجية تعلقت بي وهي تبربر بلسانهم وما أدري ما تقول. فاجتمع علي خلق من الأفرنج فأيقنت من الهلاك. وإذا ذلك الفارس قد أقبل فرآني، فجاء فقال لتلك المرأة مالك ولهاذ المسلم؟ قالت هذا قتل أخي عرس، وكان هذا عرس فارساً بأفامية قتله بعض جند حماة. فصاح عليهم وقال هذا رجل برجاسي أي تاجر لا يقاتل ولا يحضر قتال وصاح على أولئك المجتمعين، فتفرقوا وأخذ يدي ومضى، فكان تأثير تلك المواكلة خلاصي من القتل.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
اختبارات وملاحظات
الخوف من الفأرة والحية
ومن عجائب القلوب أن الأنسان يخوض المغامرات ويركب الأخطار ولا يرتاع قلبه من ذلك، ويخاف ممن لا يخاف منه الصبيان والنسوان. ولقد رأيت عمي عز الدولة أبا العساكر سلطان رحمه الله وهو من أشجع أهله له مواقع المشهورة والطعنات المذكورة، وهو إذا رأى الفأرة تغيرت صورة وجهه ولحقه كالزمع من نظرها وقام من الموضع الذي يراها فيه. وكان في غلمانه رجلاً شجاع معروف بالشجاعة والأقدام اسمه صندوق يفزع من الحية حتى يخرج عقله. فقال له والدي رحمه الله وهو واقف بين يدي عمي يا صندوق أنت رجل جيد معروف بالشجاعة ما تستحي تفزع من الحية؟ قال يا مولاي أي شيء في هذا من العجب؟ في حمص رجل شجاع بطل من الأبطال يفزع من الفأر ويموت - يعني مولاه. فقال عمي رحمه اللهقبحك الله يا كذا وكذا. ورأيت مملوكاً لولدي يرحمه الله يقال له لؤلؤ، وكان رجلاً جيداً ومقداما. وقد خرجت ليلة من شيزر ومعي بغال كثيرة وبهائم أريد احمل عليها من الجبل خشباً قد قطعته هناك لناعورة لي، فسرنا من ظاهر شيزر ونحن نظن أن الصبح قد دنا، فوصلنا إلى قرية يقال لها دبيس، وما تنصف الليل. فقلت أنزلوا ما ندخل الجبل في الليل. فلما نزلنا واستقرنا سمعنا صهيل حصان فقلناالإفرنج! فركبنا في الظلام وأنا أحدث نفسي ان أطعن رجل واد منهم وآخذ حصانهم ويأخذون دوابنا والرجل الذي مع الدواب، فقلت للؤلؤ وثلاثة من الغلمانتقدمونا اكشفوا هذا الصهيل. فتقدمونا يركضون فلقوا أولئك وهم في جمع وسواد كثير، فسبق إليهم لؤلؤ وقال تكلموا وإلى قتلتكم كلكم وهو رام جيد، فعرفوا صوته وقال وا حاجب لؤلؤ؟ قال نعم. وإذ هم عسكر حماة مع الأمير سيف الدين سوار رحمه الله قد أغار على بلاد الإفرنج وعاد وكان هذه أقدامه على ذلك الجمع، وإذا رأى في بيته حية خرج منهزماً وقال لامرأتهدونك والحية! فتقوم إليها تقتلها.
جرح وضبعة
والمحارب ولو انه الأسد اتلفه واعجز اليسير من العوائق كما أصابني على حمص. خرجت وقتل حصاني وضربت خمسين سيفاً - كل ذلك لنفاذ المشيئة، ثم لتواني الركابي في تركيب عنان اللجام، فإنه عقده في الباشات ولم يشقه. فلما جذبته أريد الخروج من بينهم انحل العنان من عقدته في البشات، فنالني ما نالني. وقد كان صاح صائح يوماً بشيزر من قبله فلبسنا وفزعنا. فكان الصائح كذاباً. فرحل أبي وعمي رحمهما الله ووقفت بعدهما، فوقع الصائح من الشمال من جانب الإفرنج، فركضت حصاني إلى الصائح، فرأيت الناس في المخاض يركب بعضهم بعضاً وقال واالإفرنج! فعبرت المخاض وقلت للناسلا بأس عليكم أنا دونكم! ثم طلعت أركض إلى رابية القرافطة، وإذا الخيل مقبلة في جمع كثير، وقدم تقدم منهم فارس لابس ذردية وخوذة وقد دنا مني فقصدته استفرص بعضه من أصحابي واستقبلني، فحين حركت حصاني إليه انقطع ركابي وما بقي لي مندوحة عن لقائه فقمت إليه بلا ركاب، فلما تدنينا ولم يبقى إلا الطعن سلم علي وخدمني وإذا هو السلار زين الدين إسماعيل بن عمر بن بختيار، وكان نهض مع عسكر حماة إلى بلد كفرطاب، فخرج عليهم الإفرنج فعادوا إلى شيزر منهزمين، وتقدمهم الأمير سوار رحمه الله. فسبيل الرجل المحارب يتفقد عدة حصانه، فإن ايسر الأشياء وأقلها يؤذي ويهلك، كل ذلك مقرون بما يجري به الأقدار والأقضية. وقد شهدت قتال الأسد في مواقف لا يحصيها، وقتلت عدة منها لم يشركني أحد في قتلها، فما نالني من شيء منها أذى. وخرجت يوما مع والدي يرحمه الله إلى الصيد في جبل قريب من البلد نصيد منه الحجل بالبزاة، ولم يكن الوالد رحمه الله ونحن معه والبازيارية على الجبل وبعض الغلمان والبازيارية أسفل من الجبل للتخليص من الزاة والوقوف على النبج، فقامت لنا ضبعة فدخلت مغارة، وفي تلك المغارة محجر دخلت فيه فصحت بغلام لي ركابي اسمه يوسف خلع ثيابه وأخذ سيكنه ودخل في ذلك المحجر، وأنا في يدي قنطارية مستقبل الموضع إذا خرجت طعنتها، فصاح الغلام إليكم قد خرجت! فطعنتها أخطأتها لأن الضبعة رقيقة الحجم. وصاح الغلامعندي ضبعة أخرى! فخرجت في إثرها، فقمت وقفت في باب المغارة وهي ديقة الباب متعليه مقدار قامتين أنظر ما يعمل أصحابنا الذين في الوطا بالضباع التي نزلت إليهم، فخرجت ضبعة ثالثة، وأنا مشغول بالنظر إلى الأوائل، فندستني رمتني من باب المغارة إلى قراره التي تحته فكادت تكسرني فتأذيت بضبعه وما تأذيت بالسباع، فسبحان مقدر الأقدار ومسبب الأسباب.
الخادم والفصاد ونشر الساق وغيره
وشاهدت من ضعف نفوس بعض الرجال وخورهم ما لا كنت أظن بالنساء. فمن ذلك أنني كنت على باب دار والدي رحمه الله وأنا صبي وعمري دون العشر سنين، فلطم غلام لوالدي اسمه محمد العجمي صبياً من خدام الدار فانهزم منه وجاء تعلق بثوبي، فلحقه وهو ماسك بثوبي فلطمه، فضربته بقضيب كان في يدي فدفعني، فجذبت من وسطي سكيناً ضربته بها فوقعت في بزه الأيسر فوقع. وجاءنا غلام كبير لوالدي يقال له القائد أسد فوقف عليه ونظر الجرح وإذا تنفس طلع منه الدم مثل فواقع الماء، فاصفر وارتعد ووقع مغشياً عليه، فحمل إلى داره وكان يسكن معنا في الحصن على تلك الحال، فما أفاق من غشيته إلى آخر النهار، وقد مات المجروح وقبر. ومما يقارب ذلككان يزورنا رجل من أهل حلب فيه فضل وأدب يلعب بالشطرنج طبقة ويلعب بها غائباً يقال له أبو المرجى سالم بن قانت رحمه الله، فكان يقيم عندنا سنة ولأكثر ولأقل، فربما مرض فيصف له الطبيب الفصاد، فإذا حضر الفصاد تغير لونه وأرتعد، فإذا فصده غشي عليه فلا يزال في غشيه حتى يشد فصاده ثم يفيق. ومما يضاد ذلك انه كان في أصحابنا من بني كنانة رجل أسود يقال له عي ابن فرج طلعت في رجله حبة فتخبثت وتناثرت أصابعه وانتنت رجله فقال له الجراحيما لرجلك إلا القطع وإلا تلفت. فحصل عنده منشاراً وجعل ينشر ساقه حتى يغلبه فيض الدم ويغشى عليه، فإذا من أجلد الرجال وأقواهم، فكان يركب في سرجه بركاب واحد، وفي الجانب الأخر سير تكون فيه ركبته، ويحضر القتال ويطاعن الإفرنج وهو في تلك الحال، وكنت أراه رحمه الله لا يستطيع رجل يشابكه ولايقابضه، وكان خفيف الروح مع قوته وشجاعته. فأصبح يوماً من الأيام وهو وبنو كنانة يسكنون حصننا حصن الجسر، أرسل إلى رجال من وجوه بني كنانة فقال اليوم يوم مطير وعندي فضلة نبيذ ومأكول تتفضلون علي بالحضور لنشرب. فاجتمعوا عنده فجلس في باب البيت وقال هل فيكم من يخرج من الباب إن لم أشأ؟ يشير إلى قوته. قال والا والله. قال هذا يوم مطير، وما أصبح في داري دقيق ولا خبز ولا نبيذ، وما فيكم إلا من في داره ما يحتاجه ليومه، أنفذوا إلى دوركم أحضروا طعامكم ونبيذكم، والبيت من عندي، ونجتمع اليوم نشرب ونتحدث. قال وا كلهمنعم ما رأيت يا أبا الحسن! وأنفذوا واحضروا ما في دورهم من طعام وشراب وقضوا نهارهم عنده، وكان رجلاً محترماً، فتعالى من خلق الخلق أطواراً أين جلد هذا وقوة نفسه من خور أولئك وضعف نفوسهم؟ وقريب من هذا ان رجلاً من بني كنانة حدثني بحصن الجسر ان رجلاً في الحصن استسقى فشق بطنه وبرئ وعاد صحيحاً كما كان. فقلت أريد أبصره واستخبره. وكان الذي حدثني رجل من بني كنانة يقال له أحمد بن معبد بن أحمد فاحضر ذلك الرجل عندي فإستخبرته عن حاله وكيف فعل في نفسه فقال أنا رجل صعلوك وحيد استسقى جوفي وكبرت حتى عجزت عن التصرف وتبرمت بالحياة فأخذت موسي فضربت به فوق سرتي في عرض جوفي، شققته فخرج منه قدر طباختين ماء يعني قدرين. وما زال الماء ينزل منه حتى ضمر جوفي، فخيطته وداويت الجرح فبرأ، فزال ما كان بي. وأراني موضع الشق في جوفه أطول من شبر ولا شبهة ان هذا الرجل كان له في الأرض رزق يستوفيه. وإلا فقد رأيت من استسقى وفصد الطبيب جوفه فخرج منه الماء كما خرج من الذي بزل نفسه إلا أنه مات من ذلك الفصد، لكن الأجل حصن حصين.
فرسان الإفرنج يهاجمون شيزر ويفشلون
النصر في الحرب من الله تبارك وتعالى لا بترتيب وتدبير ولا بكثرة نفير ولا نصير، وقد كنت إذا بعثني عمي رحمه الله لقتال أتراك أو إفرنج أقوله لهيا مولاي أمرني بما أتدبر به إذا لقيت العدو. فيقوليا بني الحرب تدبر نفسها وصدق. وكان امرني ان آخذ امرأته وأولاده خاتون بنت تاج الدولة تتش والعسكر وامضي أوصلهم إلى حصن مصياث وهو إذ ذاك له، وكان يشفق عليهم من حر شيزر، فركبت وركب أبي وعمي رحمهما الله معنا إلى بعض الطريق، وعاد وليس معهما إلى المماليك الصغار لجر الجنائب وحمل السلاح والعسكر كله معي. فلما قربا من المدينة سمعا طبل الجسر يضرب. فقال اشيء قد جرى في الجسر فدفعا خيلهما تناقلا ونحباً إلى الجسر. وكان بيننا وبين الإفرنج لعنهم الله هدنة. فنفذوا من كشف لهم مخاضة يعبرون منها إلى مدينة الجسر وهي في الجزيرة لا يعبر إليها إلا من الجسر معقود بالحجر والكلس لا يصل الإفرنج إليه، فدلهم ذلك الجاسوس على مخاضه، فركبوا جميعهم من افامية فأصبحوا إلى ذلك الموضع الذي دلهم عليه، عبروا الماء وملكوا المدينة ونهبوا وسلبوا وقتلوا ونفذوا بعض السبي والنهب إلى افامية وملكوا الدور، وعلم كل واحد منهم صليبه على دار وركز عليه رايته. فلما اشرف ابي وعمي رحمهما الله على الحصن كبر أهل الحصن وصاحوا. فألقى الله سبحانه وتعالى على الإفرنج الرعب والخذلان فذهلوا على الموضع الذي عبروا منه ورموا خيلهم وهم بدروعهم عليها في غير مخاض، فغرق منهم جماعة كثيرة كان الفارس يغوص في الماء فيسقط عن سرجه ويرسب في الماء ويطلع الحصان. ومضى من سلم منهم منهزمين لا يلوي بعضهم عل بعض وهم في جمع كثير، وأبي وعمي معهما عشرة مماليك صبيان. فأقام عمي في الجسر ورجع أبي إلى شيزر، وواصلت أنا أولاد عمي إلى مصياث وعدت من يومي وصلت العشاء فأخبرت بما جرى، فحضرت عندى والدي رحمه الله وشاورته في ان امضي إلى عمي إلى حصن الجسر. قال تصل في الليل وهم نيام. ولكن سر عليهم من بكرة. فأصبحت سرت وحضرت عنده وركبنا وقفنا على ذلك الموضع الذي غرق فيه الإفرنج ونزل إليه جماعة من السباح فأخرجوا جماعة من فرسانهم موتى. فقلت لعمييا مولاي ما نقطع رؤوسهم وننفذها إلى شيزر؟ قال افعل فقطعنا منهم نحو من العشرين رأساً فكان الدم يسيل منهم كأنهم قد قتلوا تلك الساعة ولهم يوم وليلة. وأظن الماء حفظ فيهم دمهم.
وغنم الناس منهم سلاحاً كثيراً من الزرديات والسيوف والقنطاريات والخوذ والكلسات والزرد. ورأيت رجلاً من الفلاحين الجسر حضر عند عمي ويده في ثيابه. فقال له عمي يمزح معهأي شيء أعزلت لي من الغنيمة؟ قال أعزلت لك حصاناً بعدته وزرديته وترساً وسيفاً. ومضى أحضر الجميع، فأخذ عمي العدة وأعطاه الحصان وقال أي شيء بيدك؟ قال يا مولاي تقابضت أنا والإفرنجي ولا معي عدة ولا سيف فرميته ولكمت وجهه وعليه اللثام الزرد حتى أسكرته وأخذت سفه وقتلته به، وتهرأ الجلد على عقد أصابعي وورمت يدي فما تنفعني. وأظهر لنا يده وهي كما قال قد انكشفت عظام أصابعه.
وكان في جند الجسر رجل كردي يقال له أبو الجيش وله بنت اسمها رفول قد سباها الإفرنج، وهو قد توسوس عليها يقول لكل من لقيه يوماً سبيت رفول! فخرجنا من الغد نسير على النهر فرأينا في جانب الماء سواداً فقلنا لبعض الغلمان اسبح ابصر ما هذا السواد. فمضى إليه فإذا ذلك السواد رفول عليها ثوب أزرق وقد رمت نفسها من على فرس الإفرنجي الذي أخذها فغرقت، وعلق ثوبها في شجرة الصفصاف، فسكنت لوعة أبيها أبي الجيش فكانت الصيحة التي وقعت في الإفرنج وهزيمتهم وهلاكهم من لطف الله عز وجل لا بقوة ولا بعسكر. فتبارك الله القادر على ما يشاء. وقد يكون الترهيب في بعض الأوقات نافع في الحرب. من ذلك ان أتابك وصل الشام وأنا معه في سنة تسع وعشرين وخمس مائة وصار قاصداً دمشق. فلما نزلنا القطيفة قال لي صلاح الدين رحمه اللهاركب وتقدمنا إلى فستقة. أقم على الطريق لا يهرب أحد من العسكر إلى دمشق. فتقدمت ساعة وإذا صلاح الدين قد أتى في قلة من الصحابة. فرأينا بعذراء دخاناً فأرسل خيلاً تبصر ما هو دخان. فإذا هم قوم من عسكر دمشق يحرقون التبن الذي في عذراء فانهزموا، فتتبعهم صلاح الدين ونحن معه لعل في ثلاثين أربعين فارساً فوصلنا القصير وإذا عسكر دمشق جميعه في القصير قاطع الجسر ونحن عند الخان فوقفنا مستترين بالخان، ويخرج منا خمسة ستته فوارس حتى يبصرهم عسكر دمشق ويعودون إلى خلف الخان نوهمهم ان لنا كميناً ونفذ صلاح الدين فارساً إلى أتابك يعرفه ما نحن فيه. فرأينا نحوًا من عشرة فوارس مقبلين إلينا مسرعين والعسكر خلفهم متتابع. فوصلنا فإذا هو أتابك قد تقدم والعسكر في إثره. فأنكر على صلاح الدين فعله وقال تسرعت إلى باب دمشق بثلاثين فارساً لتكسر يا موسى ولامه وهم يتكلمون بالتركي ولا أدري ما يقولون. فلما وصلنا أوائل العسكر قلت لصلاح الدينعن آمرك اخذ هؤلاء الذين قد وصلوا وأعبر إلى خيل دمشق الواقفة مقابلهم اقلعهم. قال لا كذا وكذا ممن ينصح في خدمة هذا! ما تسمع أي شيء قد عمل بي؟ ولولا لطف الله تعالى ثم ذلك الترهيب والتخييل كانوا قلعونا. وجرى لي مثل ذلك وقد سرت مع عمي رحمه الله من شيزر يريد كفرطاب ومعنا خلق من الفلاحين والصعاليك لنهب ما على كفرطاب من غلة وقطن. فانتشر الناس بالنهب وخيل كفرطاب قد ركبت ووقفت عند البلد، ونحن بينهم وبين الناس المنتشرين في الزرع والقطن، وإذا فارس من أصحابنا يركض من الطلائع قال جاءت خيل افامية! فقال عمي تقف أنت مقابل خيل كفر طاب، واسير أنا بالعسكر ألقي خيل افامية. فوقفت في عشر فوارس من شجر الزيتون متوارين، ويخرج منا ثلاثة أربعة يخيلون للفرنج ويعودون إلى شجر الزيتون، والإفرنج يعتقدونا اننا في جماعة فيهم يجتمعون ويصيحون ويدفعون خيلهم إلى ان يقربوا منا ونحن لا نتزعزع فيرجعوا، فما زلنا كذلك حتى عاد عمي وانهزموا الإفرنج الذين جاءوا من افامية. فقال له بعض غلمانهيا مولاي ترى ما فعل يعنيني؟ تخلف عنك وما سار معك للقاء خيل افامية. فقال له عميلولا وقوفه في عشرة فوارس مقابل خيل كفرطاب وراجلها كانوا اخذوا هذا العالم كله. فكان الترهيب والتخيل للإفرنج في ذلك الوقت انفع من قتالهم لأننا كنا قلة وهم في جمع كثير.
الخام المسروق وقلة الخبرة
وجرى لي مثل ذالك بدمشق، كنت يوماً مع الأمير معين الدين رحمه الله فأتاه فارس فقال قد أخذ الحرامية قافلة في العقبة حاملة خام فقال لينركب إليهم. فقلت الأمر لك، أمر الشاوشية تستركب العسكر معك. قال أي شيء حاجتنا إلى المعسكر؟ قلتوما يضرنا من ركوبهم؟ قال ما نحتاجهم. وكان رحمه الله من أشجع الفرسان، واكن قوة النفس في بعض المواضع تفريط ومضرة. فركبنا في نحو من عشرين فارساً، فلما أن ضحونا نفذ فارسين كذا وفارسين كذا وفارسين كذا وفارساً كذا يكشفون الطرقات. وسرنا نحن في قلة فحانت صلاة العصر. فقلت ا لغلام لييا سونج أشرف مغرباً إلى ما نصلي. فما سلمنا إلا والغلام يركض. قال هذه الرجالة وعلى رؤوسهم شقاق الخام في الوادي! فقال معين الدين رحمه الله اركبوا. قلتأمهل علينا نلبس كزاغنداتنا فإذا رأيناهم رميناهم برؤوس الخيل وطعناهم فما يدرون كثير نحن أو قليل. قال إذا وصلنا إليهم لبسنا. وركب وسرنا إليهم فلحقناهم في وادي حلبون وهو واد ضيق لعل ما بين الجبلين خمسه أذرع، والجبال من جانبيه وعره رفيعة وطريقه ضيقه إنما يمشي فيها فارس، وهم قي سبعين رجلا بالقسي والنشاب. فلما وصلناهم كان غلماننا خلفنا بسلاحنا لا يصلون إلينا وأولئك قوم منهم في الوادي ومنهم قوم في سفح الجبل، فظننت ان الذين في الوادي من أصحابنا فلاحي الضياع قد فزعوا خلفهم والذين في الجبل هم الحراميه، فجذبت سيفي وحملت على الذين في السفح. فلما طلع الحصان في ذلك الوعر إلا بآخر روحه. فلما صرت إليهم وحصاني قد وقف ما بقي يندفع استوفى واحد منهم نشبته في فوقه ليضربني، فصحت عليه وتهددت فمسك يده عني، وعدت انزلت الحصان وما اصدق اخلص منهم.
وطلع الأمير معين الدين إلى أعلى الجبل يظن أن هناك من الفلاحين من يستفزهم، وصاح إلي من أعلى الجبللا تفارقهم حتى أعود وتراي عنا. فرجعت إلى الذين في الوادي وقد علمت انهم من الحرامية فحملت عليهم وحدي لضيق المكان فانهزما وراموا ما كان معهم من الخام. وخلصت منهم بهيمتين كانت عليهما خام ايضاَ، وطلعوا إلى المغارة في سفح الجبل ونحن نراهم وما لنا إليهم سبيل. وعاد الأمير معين الدين رحمه الله آخر النهار وما وجد من يستفزه، ولو كان معنا العسكر كنا ضربنا رقابهم واستخلصنا كل ما معهم.
وقد جرى لي مرة أخرى مثل هذا والسبب فيه نفاذ المشيئة ثم قلة المخبرة بالحرب، وذلك اننا سرنا مع الأمير قطب الدين خسرو بن تليل من حماة نريد دمشق إلى خدمة الأمير العادل نور الدين رحمه الله فوصلنا إلى حمص. فلما عزم على الرحيل على طريق بعلبك قلت لهأنا أتقدم ابصر الكنيسة بعلبك إلى حين تصل. قال افعل. فركبت ومضية، فأنا في الكنيسة جاءني فارس من عنده يقولقد خرجت رجالة حرامية على قافلة أخذها، فاركب ولقني إلى الجبل فركبت ولقيته، فصعدنا في الجبل فلقينا الحرامية في وادي تحتنا، والجبل الذي نحن عليه محيط بذلك الوادي. فقال له بعض أصحابهتنزل إليهم. قلتلا تفعل، ندور على الجبل ونصير فوق رؤوسهم نحول بينهم وبين طريقهم إلى المغرب ونأخذهم. وكانوا من بلاد الأفرنج، فقال آخرإلى ما ندور على الجبل نكون قد وصلنا إليهم وأخذناهم فنزلنا. فلما رأنا الحرامية صعدوا في الجبل. فقال لياصعد إليهم. فحرصت على الطلوع، فما قدرت. وكان على الجبل من خيالة ستة سبعة فترجلوا إليهم وجاءوا يقدون خيلهم معهم وأولئك في جماعة. فحملوا على أصحابنا فقتلوا منهم فارسين وأخذوا حصانيهما وحصاناً آخر وسلم صاحبه، ونزلوا من جانب الجبل الأخر بالغنية. وعدنا نحن وقد قتل من فارسان وأخذ منا ثلاثة حصن وقافلة. فهذا تغرير لقلة المخبرة بالحرب.
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا))
حمل toolbar alexa لتصفح أسرع و حماية أكبر
يداً بيد نبني سورية الغد
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)