صفحة 5 من 22 الأولىالأولى ... 3456715 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 17 إلى 20 من 88

الموضوع: تجارب أمم المجلد الثاني


  1. #17
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر حيلة مروان بن الحكم التي عادت بهلاكه

    فتزوّج مروان أمّ خالد، فدخل يوما على مروان وعنده جماعة كثيرة، فمشى بين الصفّين، فالتفت مروان إلى من حوله، فقال:
    « إنه ما علمت لأحمق، تعالى يا بن الرطبة الاست. » يقصّر به ليسقطه من عين الناس.
    فرجع إلى أمّه، وبكى بين يديها، وقال:
    « خاطبني بحضرة الناس بكذا. » فقالت له أمّه:
    « لا تعرّفنّ أحدا، ولا يعرفنّ هو منك، واسكت فإني أكفيكه. » فدخل عليها مروان، وقال لها:
    « هل قال لك خالد فيّ شيئا؟ » فأنكرته، وبسطت له وجهها، وقالت:
    « وأيّ شيء يقول خالد فيك؟ » ثم مكثت أيّاما حتى أنس مروان، فنام عندها، فغطّته بوسادة وأمسكتها عليه حتى مات.
    أيام عبد الملك بن مروان

    وكان مروان قبل هلاكه بعث بعثين: أحدهما إلى المدينة، عليهم حبيش بن دلجة، والآخر إلى العراق، عليهم عبيد الله بن زياد.
    فأما عبيد الله، فسار حتى نزل الجزيرة، وأتاه الخبر بها بموت مروان، وخرج إليه الشيعة من الكوفة، وهم الذين تسمّوا بالتوّابين، يطلبون بدم الحسين بن عليّ، وسنذكر من أخبار التوّابين وأخبار أهل المدينة، ما يليق ذكره بهذا الكتاب.
    خبر التوابين

    فأما خبر التوابين، فإنّه لما قتل الحسين بن عليّ، عليهما السلام، اجتمعت الشيعة بالكوفة، ولام بعضها بعضا، ورأوا أنّهم جنوا جناية عظيمة باستدعائهم الحسين إلى الكوفة، ثم تقاعدهم عنه، إلى أن جرى عليه ما جرى، وأنه لا يغسل عنهم هذا العار، ولا يمحو عنهم هذا الإثم، إلّا الخروج والتوبة إلى الله، والطلب بدمه، إلى أن يقتلوا قاتليه أو يقتلوا قبل ذلك.
    فاجتمع الكلّ إلى خمسة من الرؤساء، وهم: سليمان بن صرد، والمسيّب بن نجبة، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وعبد الله بن وال التميميّ، ورفاعة بن شدّاد البجليّ.
    ثم اجتمع هؤلاء الخمسة على سليمان بن صرد، وكانت له صحبة من النبي، ، فرأسوه، وقالوا:
    « لا بدّ من رئيس واحد تكون له راية يحفّ بها، ورأى يصدر عنه. » فرضوا بسليمان بن صرد، وخطبهم سليمان خطبة طويلة، قال في آخرها:
    « كونوا كتوّابى بني إسرائيل، إذ قال لهم نبيهم: إنكم ظلمتم أنفسكم باتّخاذكم العجل، فتوبوا إلى بارئكم، فاقتلوا أنفسكم، ذلكم خير لكم عند بارئكم. وإني أرى أنّ الله قد سخط عليكم مما أتيتموه في أمر ابن نبيكم، فلا يرضيه شيء أو تبيروا قتلة الحسين، فلا تهابوا الموت، فو الله ما هابه أحد إلّا ذلّ. » وتكلّم كلاما كثيرا يشبه هذا. فقال خالد بن سعد:
    « أمّا أنا، فو الله، لو أعلم أنّ قتلى نفسي يخرجني من ذنبي، ويرضى عني ربّى، لقتلتها، ولكن هذا الذي ذكرته من قتل الأنفس إنما أمر به قوم، فأشهد الله ومن حضر، أنّ كلّ مال أملكه، سوى سلاحي الذي أقاتل به، صدقة على المسلمين، أقوّيهم به على قتال القاسطين. » وقام جماعة، فتكلّموا بمثل ذلك.
    فقال سليمان:
    « حسبكم، من أراد من هذا شيئا، فليأت بماله عبد الله بن وال التيمي، فإذا اجتمع عنده ما يكفى جهّزنا به ذوي الخلّة من أشياعكم. » وكتب سليمان بن صرد إلى المدائن، وبها جماعة من الشيعة، ورأسهم سعد بن حذيفة بن اليمان، بما اجتمع عليه رأى القوم من إخوانهم، وذكّر بمقتل حجر وأصحابه، وبما يقاسيه الشيعة من الذلّ، وحضّهم على التوبة، واستقدمهم.
    فلما قرأ سعد بن حذيفة الكتاب على الشيعة الذين كانوا بالمدائن، أجابوه بالسمع والطاعة. فأجاب سليمان بن صرد، بما وجد عند الشيعة من الحرص، وأنهم جادّون ينتظرون الداعي، فإذا جاء الصريخ أقبلنا ولم نعرّج، إن شاء الله.
    وكتب سليمان إلى أهل البصرة، وإلى من يتشيع بها بمثل ذلك، فجاءه الجواب بمثل ما أجابه أهل المدائن.
    ولم يزل الناس في الاستعداد إلى أن هلك يزيد، وقام بالأمر مروان، ومدة ذلك ثلاث سنين وشهران.
    وهلك يزيد، وأمير العراق عبيد الله بن زياد، وهو بالبصرة، وخليفته بالكوفة عمرو بن حريث، واجتمعت الشيعة إلى سليمان بن صرد، وقالوا:
    « قد مات هذا الطاغية، وهم اليوم مضطربون مشغولون، فقم بنا نثب على عمرو بن الحريث، ثم نظهر الطلب بدم الحسين، ونتتبع قتلته فنقتلهم، وندعو الناس إلى أهل البيت المدفوعين عن حقوقهم. »
    ذكر رأي سليمان بن صرد في ذلك

    فلمّا أكثر الناس، وأطالوا عليه، قال لهم سليمان:
    « رويدا، لا تعجلوا، إني قد نظرت في ما تذكرون، فرأيت أنّ قتلة الحسين هم أشراف الكوفة، وفرسان العرب، وهم المطالبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون علموا أنهم المطلوبون فكانوا أشدّ شيء عليكم. وقد نظرت في من معي منكم، فعلمت أنّهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم، ولم يشفوا نفوسهم، ولم ينكأوا في عدوّهم، وكانوا لهم جزرا، ولكن بثّوا دعاتكم، فإني أرجو أن يكون الناس أسرع استجابة حيث هلك هذا الطاغية. »
    قدوم المختار وما زعم

    ففعلوا، وخرجت منهم دعاة يدعون الناس، فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد بن معاوية أضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك. فلما كان بعد ذلك، قدم المختار بن أبي عبيد، فزعم أنه من قبل المهديّ محمد بن الحنفيّة يدعوهم إلى الطلب بدم الحسين. فكانت الشيعة قد انقادت لسليمان بن صرد. فكان المختار، إذا خاطب الشيعة، ودعاهم إلى نفسه، قالوا:
    « هذا سليمان بن صرد شيخ الشيعة. » فيقول المختار:
    « هذا ليس لكم بصاحب، إنما يريد أن يخرج فيقتل نفسه، ويقتلكم. ليس له بصر بالحرب، ولا علم بها. » فلا يقبل منه.
    قدوم عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد من قبل ابن الزبير

    وقدم الكوفة عبد الله بن يزيد أميرا على حربها وثغرها، وقدم معه من قبل ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله، أميرا على خراج الكوفة.
    فبلغهما أنّ الشيعة خارجة، وأنهم طائفتان: طائفة كثيرة مع سليمان بن صرد، وطائفة يسيرة مع المختار، وأشير على عبد الله بن يزيد أن يجمع الشرطة والمقاتلة ووجوه الناس وينهض إليهم، وقيل له:
    « إذا صرت إلى منزله، دعوته، فإن أجابك حبسته، وإن قاتلك، قاتلته وقد جمعت له وعبّأت وهو مغترّ. » وقيل له:
    « إن لم تفعل بذاك، خرج عليك، وقد اشتدّت شوكته، وتفاقم أمره. »
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #18
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر رأي عبد الله بن يزيد

    فنظر عبد الله بن يزيد، فإذا القوم يطلبون غيره بدم الحسين، فكره أن يستحضّهم. فقال لمن أشار عليه بما حكيناه:
    « حدّثونى ما يريدون » قال:
    « يذكرون أنهم يطلبون بدم الحسين. » فقال:
    « أنا قتلت الحسين؟ لعن الله قاتل الحسين. »
    وقال:
    « الله بيننا وبين هؤلاء القوم، إن تركونا لم نطلبهم. » ثم خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
    « فقد بلغني أنّ طائفة من أهل هذا المصر، أرادوا أن يخرجوا علينا، فسألت عن السبب الذي دعاهم إلى ذلك ما هو؟ فقيل لي: إنّهم يطلبون بدم الحسين بن عليّ. فرحم الله هؤلاء القوم، قد - والله - دللت على أماكنهم، وأمرت بأخذهم، وقيل لي: ابدأ بهم، قبل أن يبدءوك، فأبيت ذلك، وقلت: إن قاتلوني قاتلتهم، وإن تركونى لم أطلبهم. وعلام يقاتلوننى؟ فو الله ما أنا قتلت حسينا، ولا أنا ممّن قاتله. ولقد أصبت بمقتله، رضي الله عنه. هؤلاء القوم آمنون، فليخرجوا، ولينتشروا ظاهرين، ثم ليسيروا إلى قاتل الحسين، فقد أقبل إليهم، وأنا ظهير لهم.
    هذا ابن زياد قاتل الحسين، وقاتل أخياركم، وأماثلكم، قد توجّه إليكم عهد العاهد به، على مسيرة ليلة من منبج، فقتاله والاستعداد له أجزى وأرشد من أن يجعلوا بأسكم بينكم، فيسفك بعضكم دماء بعض، فيلقاكم العدوّ غدا وقد رققتم، وتلك أمنيّة عدوّكم، فإنّه قد أقبل إليكم. أعدى خلق الله لكم من ولى عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين، ومن قتل من تبغون دمه قد جاءكم، فاستقبلوه بحدّكم وشوكتكم، واجعلوها به، ولا تجعلوها بأنفسكم، فإني لم آلكم نصحا، جمع الله كلمتنا، وأصلح لنا أئمتنا. » فخرج أصحاب سليمان بن صرد ظاهرين، يشترون السلاح، ويتجهّزون بما يصلحهم.
    وأما النفر الذين مع المختار، فإنهم سكتوا، لأنّ المختار كان يريد ألّا يهيج أمرا حتى ينظر: إلى ما يصير أمر سليمان بن صرد. ورجا أن تستجمع له الشيعة، فيكون أقوى على درك ما يطلب.
    اجتماع الأمر لسليمان بن صرد

    واجتمع لسليمان أمره في سنة خمس وستين، وكان قد واعد أصحابه، وكاتب أهل المدائن وغيرهم لغرّة شهر ربيع الأوّل، فخرج في تلك الليلة إلى المعسكر بالنخيلة، ودار في الناس ووجوه أصحابه، فلم تعجبه عدّة الناس. فبعث حكيم بن منقذ في خيل، وبعث الوليد بن حصين في خيل، وقال:
    « اذهبا حتى تدخلا الكوفة، فناديا: يا لثارات الحسين! وابلغا المسجد الأعظم، فناديا بذلك. » فخرجا، فكأنّ خلق الله دعوا: يا لثارات الحسين. وكثر المستجيبون، وكثر البكاء والنحيب. وكان الرجل إذا سمع هذا النداء، فارق أهله وولده، وتركهم يبكون، ووثب إلى سلاحه وودّعهم، ثم خرج.
    قال:
    فلم يصبح حتى جاءه نحو ممن كان في عسكره حين دخله، ثم دعا بديوانه حين أصبح، فوجد من جاء أربعة آلاف رجل من جملة ستّة عشر ألفا كانوا بايعوه، فقال:
    « سبحان الله! أما هؤلاء بمؤمنين؟ أما يخافون الله؟ أما يذكرون ما أعطوا من العهود والمواثيق؟ » وجعل يبعث ثقاته إلى من تخلّف عنه يذكّرهم الله. فخرج إليه نحو من ألف رجل. فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
    « أيها الناس، إنه ما ينفعنا المكره، وإنما ينفعنا ذو النيّة. فمن كان يريد حرث الدنيا، فو الله ما يأتى فيئا، ولا غنيمة، ما خلا رضوان الله، وما معنا ذهب ولا فضّة، ولا خزّ، ولا حرير، وما هو إلّا سيوفنا في عواتقنا، ورماحنا في أكفّنا، وزاد قدر البلغة إلى لقاء عدوّنا، فمن كان ينوي غير هذا، فلا يصحبنا. » فأجابه الناس:
    « إنما خرجنا للَّه، وللتوبة إليه من ذنبنا، والطلب بدم ابن بنت رسول الله، وإنما نقدم على حدّ السيوف، وأطراف الرماح. »
    ذكر آراء أشير على سليمان ورأى رءاه وحده

    أما أكثر الناس، فأشاروا على سليمان أن يقصدوا الكوفة، وقالوا:
    « إنّا خرجنا نطلب بدم الحسين، وقتلة الحسين كلّهم بالكوفة: عمر بن سعد بن أبي وقّاص، ورؤوس الأرباع، وأشراف القبائل، فأين نذهب وندع الأوتاد. والله، ما نلقى، إن مضينا نحو الشام، وهذه الخيل التي أقبلت، إلّا عبيد الله وحده ممن نطلبه، ووراءكم ألدّهم بالكوفة، مثل عبيد الله. » فقال سليمان بن صرد:
    « والله، لقد جئتم برأى، فهلمّوا أيها الناس بجميع ما عندكم. » فلمّا سمع هذا وأمثاله، قال:
    « لكن أنا لا أرى لكم ذلك. »
    ذكر الرأي الذي رءاه سليمان

    قال:
    « إنّ الذي قتل صاحبكم هو الذي عبّى إليه الجنود فألزم الناس المسير إليه كارهين، وهدّدهم. » ثم قال:
    « لا أمان له عندي دون أن يستسلم، فأمضى فيه حكمي، هذا الفاسق، ابن الفاسق، ابن مرجانة، عبيد الله بن زياد. فإن يظهر الله عليه كان من بعده أهون شوكة، ورجونا أن يدين لكم من وراءكم من أهل مصركم، فينظرون من شرك في دم الحسين، فيقتلونه، وإن قاتلتم الآن أهل مصركم، ما عدم الرجل أن يرى رجلا غدا وقد قتل أخاه، أو أباه، أو حميمه، أو رجلا لم يكن يريد قتله، فيكثر أعداؤكم، فاستخيروا الله وسيروا. » فتهيّأ الناس للخروج.
    ذكر رأي آخر رءاه أمير الكوفة عبد الله بن يزيد

    لمّا بلغ عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة أنّ سليمان خارج بأصحابه نحو عبيد الله بن زياد، رأيا أن يأتياهم، فيعرضا عليهم الإقامة، وأن تكون أيديهم واحدة، فإن أبوا إلّا الشخوص، سألوهم النظر حتى يجهّزوا معهم جيشا، فيقاتلوا عدوّهم بكتف وحدّ.
    فراسلا سليمان بن صرد وقالا:
    « إنّا نريد أن نجيئك لأمر عسى الله أن يجعل لنا ولك فيه صلاحا. » فقال سليمان للرسول:
    « قل لهما، فليأتيانا. » وأحسن سليمان تعبئة الناس، وجاء عبد الله بن يزيد، في أشراف أهل الكوفة، وجاء إبراهيم في جماعة من أصحابه. وكان عبد الله بن يزيد قال لكلّ رجل معروف علم أنّه شرك في دم الحسين: لا تصحبنى، مخافة أن ينظروا إليه، فيعدوا عليه.
    وكان عمرو بن سعد طول تلك الأيام التي كان سليمان فيها معسكرا بالنخيلة، لا يبيت إلّا في قصر الإمارة مع عبد الله بن يزيد مخافة أن يأتيه القوم وهو غافل، فيقتل.
    ولما دخل عبد الله بن يزيد إلى سليمان، حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
    « إنّ المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يغشّه، وأنتم أهل مصرنا، وأحبّ الناس إلينا، فلا تفجعونا بأنفسكم، ولا تستبدّوا علينا برأيكم، ولا تنقصوا عددنا بخروجكم، وأقيموا معنا حتى نتيسّر ونتهيّأ، فإذا علمتم أنّ عدوّنا قد شارف بلادنا خرجنا إليهم بجماعتنا، فقاتلناهم. » وتكلّم إبراهيم بنحو من هذا.
    فتكلّم سليمان، وحمد الله، وأثنى عليه، وقال:
    « قد علمت أنّكما قد محضتمانى النصيحة، واجتهدتما في المشورة، ونحن فقد خرجنا على نيّة، ولن ننقضها، ونسأل الله العزيمة، والتشديد. » فقالا:
    « فأقيموا حتى نجهّز معكم جيشا كثيفا، فتلقوا عدوّكم بكتف وجمع وحدّ. » فقال سليمان:
    « تنصرفون ونرى رأينا. » فعرضا عليه الصبر عليهما، حتى يجعلا له ولأصحابه خراج جوخى دون الناس.
    فأبى سليمان وقال:
    « ما خرجنا للدنيا. » وإنما فعلا ذلك، لما داخلهم من إقبال عبيد الله بن زياد نحو العراق.
    وأبطأ على سليمان أصحابه من أهل البصرة والمدائن، فخرج من عسكره بالنخيلة، ومرّ نحو الأقساس، وتخلّف عنه ناس كثير.
    فقال سليمان:
    « لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، لأنّ الله كره انبعاثهم، فثبّطهم. » ثم خرج حتى صبّح قبر الحسين. فلما انتهى الناس إليه، صاحوا صيحة واحدة، وبكوا. فما روى يوم كان أكثر باكيا منه، وجعلوا يدعون الله، ويسألونه أن يتوب عليهم، وأحسن الناس بالمنطق، وزادهم ذلك بصيرة، وشحذ رأيهم، ووطّنوا أنفسهم على الجهاد، وحبّ الشهادة.
    كتاب عبد الله بن يزيد إلى سليمان بن صرد وما كان من جوابه

    ثم ساروا، فلحقهم كتاب من عبد الله بن يزيد، وهم بالقيّارة، مع المحلّ بن خليفة الطائيّ.
    قال المحلّ:
    فلقيته، وأبلغته السلام والكتاب، فاستقدم أصحابه حتى ظنّ أن قد سبقهم.
    فوقف، وأشار إلى الناس، فوقفوا، ثم قرأ الكتاب، فإذا فيه:
    « بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن يزيد إلى سليمان بن صرد ومن معه من المسلمين. سلام عليكم، أما بعد، فإنّ كتابي هذا كتاب ناصح، وكم من ناصح مستغشّ، ومن غاشّ مستنصح. إنّه قد بلغني أن قد أقبل من الشام، جموع عظيمة، وأنتم تريدون أن تلقوهم بالعدد اليسير، وإنّه من يرد أن ينقل الجبال عن مراتبها، تكلّ معاوله، وينزع، وهو مذموم الفعل والعقل. يا قومنا، لا تطمعوا عدوّكم في أهل بلادكم، فأنتم خيار كلّكم، ومتى يصبكم عدوّكم، أطمعهم ذلك في من وراءكم من أهل مصركم. يا قومنا، إنّهم إن يظهروا عليكم، يرجموكم، ويعيدوكم في ملّتهم، ولن تفلحوا إذا أبدا، يا قومنا، إنّ أيدينا وأيديكم واحدة وعدوّنا وعدوّكم واحد، ومتى تجتمع كلمتنا نظهر على عدوّنا، ومتى تختلف تهن شوكتنا. يا قومنا، لا تستغشّوا نصحى، ولا تخالفوا أمري، وأقبلوا حين يقرأ عليكم كتابي، أقبل الله بكم إلى طاعته، والسلام. » فلما قرأ الكتاب، قال ابن صرد للناس:
    « ما ذا ترون؟ » قالوا:
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #19
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    « ما ذا نرى؟ قد أبينا هذا عليهم، ونحن في مصرنا، وأهلنا، والآن حين خرجنا، ووطّأنا أنفسنا على الجهاد، نفتأ عزيمتنا؟ ما هذا برأى. » ثم نادوه:
    « أخبرنا برأيك! » قال:
    « رأيي أن لا ننصرف عمّا جمعنا الله عليه، لأنّا وهؤلاء مختلفون، لأنّهم لو ظهروا دعونا إلى الجهاد مع ابن الزبير، ونحن لا نرى الجهاد مع ابن الزبير إلّا ضلالا، وإن ظهرنا رددنا الأمر إلى أهله، وإن أصبنا، فعلى نيّتنا، تائبين من ذنوبنا.
    لأنّ لنا شكلا، ولابن الزبير شكلا. » فانصرف الناس معه حتى نزلوا هيت.
    وكتب سليمان جواب الكتاب، ولا طفه، وأثنى عليه، واعتذر إليه، بأنّهم تائبون خرجوا على نيّة الجهاد، وتوجّهوا لأمر لا ينقضونه. فلما أتى هذا الكتاب إلى عبد الله بن يزيد، قال:
    « استمات القوم. أوّل كتاب يرد عليكم يكون بقتلهم. »
    بين سليمان بن صرد وزفر بن الحارث في قرقيسيا

    وسار القوم إلى قرقيسيا، وبها زفر بن الحارث بن كلاب، قد تحصّن بها من القوم، ولم يخرج إليهم. فبعث سليمان إلى المسيّب بن نجبة، فقال له:
    « ايت ابن عمّك هذا، فقل له: فليخرج لنا سوقا، فإنّا لسنا إيّاه نريد، إنّما صمدنا لهؤلاء المحلّين. » فانتهى المسيّب إلى الحصن، وانتسب، واستأذن. فقيل:
    « هذا رجل حسن الهيئة يستأذن عليك، ويزعم أنه المسيّب بن نجبة. » فقال زفر بن الحارث:
    « هذا فارس مضر، وهو بعد رجل ناسك له دين، فأذنوا له. » وجاء، فأجلسه إلى جانبه، وسائله، وألطفه في المسألة.
    ثم خاطبه المسيّب، وقال:
    « ممّ تحصّن، إنه والله، ما إياكم نريد، وما قصدنا إلّا هؤلاء الظلمة المحلّين، فأخرج لنا سوقا، فإنّا لا نقيم بساحتك إلّا يوما أو بعض يوم. » فقال له زفر بن الحارث:
    « إنّا لم نغلق أبواب المدينة إلّا لنعلم: إيّانا اعتريتم، أم غيرنا. وما نعجز عن الناس ما لم تدهمنا حيلة، وما نحبّ أنّا بلينا بقتالكم، وقد بلغنا عنكم صلاح وسيرة حسنة جميلة. » ثم دعا ابنه، وأمر أن يضع لهم سوقا جامعة، وأمر للمسيّب بفرس وألف درهم.
    فقال المسيّب:
    « أمّا المال، فلا حاجة لي فيه، ولا له خرجنا، وأما الفرس، فإني أقبله، فلعلّى أحتاج إليه إن غمز فرسي تحتي. » وخرج حتى أتى أصحابه، وأخرجت لهم السوق، وبعث إلى المسيّب بعشرين جزورا، وإلى سليمان بن صرد مثل ذلك. وكان سأل عن وجوه العسكر، فأخرج إلى كلّ واحد منهم بعشر جزائر وعلف كثير، وطعام واسع، وأخرج إلى العسكر عيرا عظيمة، وشعيرا كثيرا.
    وقال غلمان زفر للناس:
    « هذه عير، فاجتزروا منها ما أحببتم، وهذا شعير، فاحتملوا ما أردتم، وهذا دقيق، فتزوّدوا ما أطقتم. » فأخصب القوم، ولم يحتاجوا إلى كثير شيء من السوق التي أخرجت لهم.
    وبعث إليهم زفر بن الحارث:
    « إني خارج إليكم، ومشيّعكم، ومشير عليكم برأى عندي، والله موفّقكم. »
    ذكر رأي أشار به زفر بن الحارث على سليمان بن صرد وأصحابه

    ثم إنّ زفر خرج إليهم من الغد، وقد خرجوا على تعبئة، فسايرهم، وقال لسليمان:
    « إنّه قد بعث بخمسة من الأمراء، وقد فصلوا من الرقّة الحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأدهم بن محرز الباهلي، وربيعة بن المخارق الغنوي، وحملة بن عبد الله الخثعمي، وقد جاءوكم مثل الشوك والشجر، أتاكم والله عدد كثير، وحدّ حديد، وأيم الله، لقلّ ما رأيت رجالا أحسن هيئة ولا عدّة، ولا أخلق بكل خير، من رجال أراهم معكم، ولكنّه قد بلغني أنّه قد أقبلت إليكم عدّة لا تحصى. » قال ابن صرد:
    « عَلَى الله تَوَكَّلْنا، وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. » فقال لهم زفر:
    « فهل لكم في أمر أعرضه عليكم؟ لعلّ الله يجعل لنا ولكم فيه خيرا. »
    قال سليمان:
    « وما هو؟ » قال: « نفتح لكم مدينتنا، فتدخلونها، فيكون أمرنا واحدا، وأيديكم مع أيدينا. » فقالوا:
    « لا نفعل ذلك. » قال زفر:
    « فتنزلون على باب مدينتنا، ونخرج، ونعسكر إلى جانبكم، فإذا جاءنا هذا العدّو قاتلناه جميعا. » فقال سليمان لزفر:
    « قد أرادنا أهل مدينتنا على مثل ما ذكرت، ثم كتبوا إلينا به بعد ما فصلنا، فلم نفعل. » قال زفر:
    « فلو ضممتم رأينا إلى رأيهم، وأقمتم معنا، وكاتبتم أهل مصركم، فبادروا إليكم بما عرضوا عليكم لرجونا أن يصل إلينا عدوّنا ونحن مجتمعون بحدّ واحد، وشوكة واحدة، فكانت الدبرة عليهم. » فقالوا:
    « فإنّا لا نفعل. » فقال زفر:
    « فانظروا الآن ما أشير به عليكم، فاقبلوه، وخذوا به، فإني عدوّ القوم، وأحبّ أن يجعل الله الدائرة على القوم، وأنا لكم وادّ، أحبّ أن يحوطكم الله بالعافية. إنّ القوم قد فصلوا من الرقّة، فبادروهم إلى عين الوردة، فاجعلوا المدينة في ظهوركم ويكون الرستاق والماء والمادة في أيديكم، وما بين مدينتنا وبينكم فأنتم له آمنون. والله، لو أنّ خيولي كرجالى، لأمددتكم، اطووا المنازل الساعة إلى عين الوردة، فإنّ القوم يسيرون سير العساكر، وأنتم على خيول، والله، لقلّ ما رأيت جماعة خيل أكرم منها. تأهّبوا إليها من يومكم هذا، فإني أرجو أن تسبقوهم إليها، وإن بدرتموهم إلى عين الوردة، فلا تقاتلوهم في فضاء ترامونهم، وتطاعنونهم، فإنّهم أكثر منكم، فلا آمن أن يحيطوا بكم، ولا تقفوا لهم ترامونهم، وتطاعنونهم، فإنّه ليس لكم مثل عددهم، وإن استهدفتم لهم لم يلبّثوكم أن يصرعوكم، ولا تصفّوا لهم حين يلقونكم. فإني لا أرى معكم رجالا، ولا أرى جميعكم إلّا فرسانا، والقوم لاقوكم بالرجال والفرسان، فالفرسان تحمى رجالها، والرجال تحمى فرسانها، وأنتم لا رجال لكم تحمى فرسانكم. فالقوهم في المقانب والكتائب. ثم بثّوها في ما بين ميمنتهم وميسرتهم، واجعلوا مع كلّ كتيبة كتيبة إلى جانبها، فإن حمل على إحدى الكتيبتين، ترجّلت الأخرى، فنفّست عنها الخيل والرجال، ومتى ما شاءت كتيبة ارتفعت، ومتى ما شاءت كتيبة سفلت، ولو كنتم في صفّ واحد، فزحفت إليكم الرجال، فدفعتم عن الصفّ انتقض، فكانت الهزيمة. » ثم وقف، فودّعهم، فأثنى الناس عليه، ودعوا له، وقالوا له خيرا.
    وقال له سليمان:
    « نعم المنزول به أنت، أكرمت النزل، وأحسنت الضيافة، ونصحت في المشورة. »
    موقعة عين الوردة

    ثم إنّ القوم جدّوا في السير، فجعلوا كلّ مرحلتين مرحلة، حتى انتهوا إلى عين الوردة، وسبقوا القوم إليها، ونزلوا في غربيّها، فأقاموا خمسا لا يبرحون، فاستراحوا فأراحوا خيلهم، ثم خطبهم سليمان، فأطال خطبته، وذكر الدنيا، فزهّد فيها، والآخرة فرغّب فيها، ثم قال:
    « أمّا بعد، فقد أتاكم الله بعدوّكم الذي دأبتم له في السير آناء الليل والنهار، تريدون في ما تظهرون التوبة النصوح، ولقاء الله معذرين. فقد جاءوكم، بل أنتم جئتموهم في دارهم وحيّزهم، فإذا لقيتموهم، فاصدقوهم، واصبروا، ولا يولّينّهم أحد دبره إلّا متحرّفا لقتال، أو متحيزا إلى فئة، ولا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تقتلوا أسيرا إلّا أن يكون من قتلة إخواننا بالطّفّ، فإنّ هذه كانت سيرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في أهل هذه الدعوة. » ثم قال سليمان:
    « إن قتلت، فأمير الناس المسيّب بن نجبة، فإن أصيب، فأمير الناس عبد الله بن سعد بن نفيل، فإنّ أصيب، فأمير الناس عبد الله بن وال، فإن أصيب، فأميرهم رفاعة بن شدّاد. ثم بعث المسيّب بن نجبة في أربعمائة فارس، وقال له:
    « سر حتى تلقى أول عسكر من عساكرهم، فشنّ فيهم الغارة، فإن رأيت ما تحبّ، وإلّا فانصرف إليّ، وإيّاك أن تنزل، أو ينزل أحد من أصحابك. » فمضى المسيّب، حتى لقي رجلا أعرابيا يسوق أحمرة. فقال:
    « عليّ بالرجل. » فأتى به، فقال:
    « كم بيننا وبين أدنى هؤلاء القوم؟ » قال:
    « أدنى عسكرهم إليك عسكر ابن ذي الكلاع، وبينه وبين الحصين بن نمير اختلاف. ادّعى حصين أنه على جماعة الناس، وقال ابن ذي الكلاع: ما كنت لتولّى عليّ. وقد تكاتبا في ذلك إلى عبيد الله، [ فهما ينتظران أمره ] فهذا عسكر ابن ذي الكلاع على رأس ميل. » قال:
    فتركنا الأعرابيّ، ومضينا مسرعين، فو الله ما شعروا بشيء حتى أشرفنا عليهم وهم غارّون فحملنا إلى جانب عسكرهم، فو الله، ما ثبتوا وانهزموا، وخلّوا لنا معسكرهم، فقتلنا منهم، وجرحنا، وأخذنا من المعسكر ما خفّ علينا، وصاح المسيّب فينا:
    « الرجعة، الرجعة، إنكم قد نصرتم وغنمتم وسلمتم، فانصرفوا. » فانصرفنا إلى سليمان.
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #20
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    عبيد الله بن زياد يسرح الحصين بن نمير لدفع سليمان

    وأتى الخبر عبيد الله، فسرّح إلينا الحصين بن نمير مسرعا، حتى نزل في اثنى عشر ألفا، فخرجنا إليه وقد عبّى سليمان ميمنته وميسرته، ووقف في القلب. فلما دنوا منّا دعونا إلى الجماعة مع عبد الملك بن مروان، وإلى الدخول في طاعته، ودعوناهم إلى أن يدفعوا إلينا عبيد الله بن زياد فنقتله ببعض من قتله من إخواننا، وأن يخلعوا عبد الملك بن مروان، وإلى أن نخرج من بلادنا من آل الزبير، ثم نردّ الأمر إلى أهل بيت نبينا الذين هم أولى بالأمر. فأبى القوم، وأبينا.
    ثم حملت ميمنتنا على ميسرتهم فهزمتهم، وحلمت الميسرة، وحمل سليمان في القلب فهزمناهم حتى اضطررناهم إلى عسكرهم، فكان الظفر لنا حتى حجز الليل بيننا وبينهم، وقد أحجزناهم في عسكرهم. فلما كان من الغد، صبّحهم ابن ذي الكلاع في ثمانية آلاف، أمدّهم بها عبيد الله بن زياد، وكان عبيد الله أنفذ إليه يشتمه، ويقول:
    « عملت عمل الأغمار، وضيّعت مسالحك وعسكرك. سر إلى الحصين بن نمير، حتى توافيه، فهو أمير للناس. » فجاءه مددا، وغاديناهم القتال. فاقتتلنا قتالا لم ير الشيب والمرد مثله، وكان فينا قصّاص يقصّون، ويحضّون، ويقولون:
    « أبشروا عباد الله، فحقّ لمن ليس بينه وبين لقاء الله، والراحة من أبرام الدنيا، وأذاها، إلّا فراق هذه النفس الأمّارة بالسوء، أن يكون سخيّا بفراقها، مسرورا بلقاء ربّه. » فاقتتلنا اليوم الثاني كقتال أمس، ثم اقتتلنا اليوم الثالث مثل ذلك، إلى أن كثرنا أهل الشام، وانعطفوا علينا من كلّ جانب.
    فلما نظر سليمان إلى ذلك قال:
    « عباد الله، من أراد البكور إلى ربّه، والتوبة من ذنبه، والوفاء بعهده، فإليّ. » وكسر جفن سيفه، ففعل معه ناس كثير مثل ذلك، ومشى الناس بالسيوف، مصلتين، فقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة، وجرحوا فيهم فأكثروا.
    مقتل سليمان بن صرد

    فلما رأى الحصين بن نمير صبرنا وبأسنا، بعث رجالا ترمى بالنبل، واكتنفهم الخيل والرجال. فقتل سليمان، وأخذ الراية المسيّب بن نجبة، فقاتل وأحسن وصبر صبرا لم ير مثله، وقاتل قتالا لم يسمع بمثله، وما ظنّ أحد أنّ رجلا واحدا يقدر أن يبلى ما أبلى، إلى أن قتل، وأخذ الراية عبد الله بن سعد.
    قال:
    فبينا نحن نقاتل معه إذ جاء فرسان ثلاثة أنفذهم أهل المدائن على خيول مقلّمة تطوى المنازل يبشّروننا بخروج أصحابنا من المدائن وخروج المثنى بن محربة في أهل البصرة، والجميع نحو من خمسمائة فارس.
    فقال عبد الله بن سعد لمّا قالوا له: أبشر بمجيء إخوانكم:
    « ذلك لو جاءونا ونحن أحياء. » قال:
    فنظروا إلى ما أساء أعينهم، ولم يلبثوا أن قتل عبد الله بن سعد، ونادينا عبد الله بن وال، وكان قد استلحم في عصابة معه إلى جانبنا، فحمل عليهم رفاعة بن شدّاد، فكشفهم عنه، ثم أقبل إلى رايته، فأخذها، ونادى الناس:
    « يا عباد الله، من أراد الحياة التي لا وفاة لها، والراحة التي لا نصب بعدها، والسرور الذي لا حزن فيه، فإليّ. » ثم قاتلناهم، وكشفناهم. ثم انعطفوا علينا، وكثرونا من كلّ جانب حتى ردّونا إلى مكاننا الذي كنّا به. (قال: وكنّا بمكان لا يقدرون أن يأتوا فيه، إلّا من وجه واحد) وحملت علينا خيل عظيمة فيها أدهم بن محرز عند المساء، فقتل عبد الله بن وال، فنادينا رفاعة، وقلنا:
    « أمسك رايتك. » فقال:
    « لا أريدها. » قلنا:
    « إنّا للَّه، مالك؟ » قال:
    « ارجعوا بنا، فلعلّ [ الله ] يجمعنا ليوم شرّ لهم. »
    فوثب إليه عبد الله بن عوف بن أحمر.
    ذكر رأي رءاه ابن أحمر

    فقال:
    « أهلكتنا، والله، لئن انصرفت ليركبنّ أكتافنا، فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك من عند آخرنا، فإن نجا منّا ناج أخذه الأعراب وأهل القرى فتقرّبوا به إليهم، فيقتل صبرا. ننشدك الله أن تفعل. هذه الشمس قد طفلت للمغيب، وهذا الليل قد غشينا هلمّ نقاتلهم على حالنا هذه، فإنّا الآن مجتمعون ممتنعون، فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أوّل الليل، فرمينا بها، فكان ذلك أوّل شأن حتى نصبح، فنسير على مهل، ويحمل الرجل منّا جريحه، وينتظر صاحبه، ويسير العشرة والعشرون معا، ويعرف الناس الوجه الذي يأخذون، فيتّبع بعضهم بعضا. ولو كان ما ذكرت لم تقف أمّ على ولد، ولم يعرف رجل وجه صاحبه، ولم نصبح إلّا ونحن بين مقتول ومأسور. » فقال له رفاعة:
    « نعم ما رأيت. » وأخذ يحمّل.
    فقال ابن أحمر:
    « قاتل معنا ساعة واحدة، رحمك الله، ولا تلق بيدك إلى التهلكة. » وما زال يناشده حتى احتبس عليه، وتحدّث الناس بما عزم عليه رفاعة من الرجوع، وكان لا تزال الجماعة تنادى:
    « عباد الله، روحوا إلى ربّكم، والله، ما في شيء من الدنيا خلف من رضا الله.
    قد بلغنا أنّ طائفة منكم يريدون الرجوع إلى ما خرجوا منه، وأن يركنوا إلى الدنيا التي قليلا ما يلبثون فيها. ثم يحملون، فيقاتلون حتى يقتلوا. » فلما أمسى الناس ورجع أهل الشام إلى معسكرهم، نظر رفاعة إلى كلّ رجل قد عقربه، وإلى كلّ جريح لا يعين على نفسه. فدفعه إلى قومه. ثم سار بالناس ليلته كلّها حتى عبر الخابور، وقطع المعابر كلّها وكان لا يمرّ بمعبر إلّا قطعه. وأصبح الحصين، فوجدهم قد ذهبوا، وكان رفاعة قد خلّف وراءهم أبا الجويريّة في سبعين فارسا يسيرون وراء الناس فإذا سقط رحل حمله، وإذا سقط متاع قبضه حتى يعرّفه. فلم يزالوا كذلك حتى مرّوا بقرقيسيا، فبعث إليهم زفر من الطعام والعلف مثل ما كان بعثه في المرة الأولى، وأرسل إليهم الأطبّاء، وقال لهم:
    « أقيموا ما أحببتم، فلكم عندنا الكرامة والمواساة. » فأقاموا ثلاثا ثم تزوّدوا ما أحبّوا، ورحلوا.
    فاستقبلهم مددهم من البصرة، ومن المدائن، فتباكوا، وتناعوا إخوانهم، وانصرف أهل البصرة والمدائن إلى بلدانهم، وقدم الناس الكوفة والمختار محبوس.
    ووردت البشارة على عبد الملك بن مروان، فأظهر سرورا عظيما، وقال للناس:
    « لم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع ولا امتناع. »
    ذكر ما كان من المختار بعد التوابين

    لما انصرف الناس إلى الكوفة إذ المختار محبوس، فكتب من حبسه إلى رفاعة بن شدّاد:
    « أما بعد، فمرحبا بالعصب الذين عظّم الله لهم الأجر، ورضى انصرافهم حين قفلوا. إنّ سليمان قد قضى ما عليه، وتوفّاه الله، فجعل روحه مع أرواح الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون. إني أنا الأمين المأمون المأمور، أنا أمير الجيش، وقاتل الجبّارين، والمنتقم من الأعداء، والمقيد من الأوتار. فأعدّوا، واستعدّوا، واستبشروا، وأبشروا. أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه، وإلى الطلب بدماء أهل البيت، والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلّين، والسلام عليك. » وتحدّث الناس بهذا من أمر المختار، فبلغ ذلك عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمّد، فخرجا في الناس حتى أتيا المختار، فأخذاه.
    وفي هذه الأيّام اشتدّت شوكة الخوارج بالبصرة، وقتل نافع بن الأزرق.
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني


  • صفحة 5 من 22 الأولىالأولى ... 3456715 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. أربع اخطاء في تذويب الطعام المجمد
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى ملتقى المطبخ والمأكولات والحلويات السورية Syrian food and sweets
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 06-10-2010, 03:26 AM
    2. انطلاق السباق المحلي السادس بقطر
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-11-2010, 12:27 PM
    3. لموشية يعود للمنتخب المحلي الجزائري بانتظار المونديال
      بواسطة Mgtrben Sport في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 04-11-2010, 02:50 PM
    4. نجم مانشستر يونايتد روني يحلم بتحطيم رقم ليفربول المحلي
      بواسطة Mgtrben Sport في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-13-2010, 01:25 PM
    5. العشى الليلي Night blindness
      بواسطة Dr.Ahmad في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 01:57 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1