صفحة 5 من 14 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 17 إلى 20 من 54

الموضوع: تجارب أمم المجلد الخامس


  1. #17
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    « يا با بكر تقرّب أبو عمر بوديعتى وعرّضنى. » قال: فقلت:
    « الوزير أيّده الله صادق فمن أخبره؟ » فأومأ إلى زيدان القهرمانة وأن القاضي أبا عمر عرف تنكّر الوزير له.
    ووصل إلى منزله وقت العشاء الآخرة فإذا فأبي عمر وابنه جالسين في مسجد على بابه فأكبر ذلك ونزل إليهما فحلفا عليه أن يدخل إلى منزله ودخلاه بدخوله فقالا له:
    « خبر المجلس عندنا، فما الذي ترى؟ » فقال لهما:
    « إزالة الاعتذار والإحتجاج وردّ المال. » فاستجابا، وكان مبلغ المال ثلاثة آلاف دينار وسألاه التسكين عنهما لئلا يعاجلا فبكّر ابن قرابة إلى ابن الفرات فقال له:
    « قد جاءني أبو عمر القاضي وابنه قلقين، وذكرا أنّ المال بحاله. » فقال:
    « الحمد لله ربّ العالمين. » فلمّا كان في اليوم الثاني من ذلك حمل أبو بكر الثلاثة الآلاف الدينار في برنيّة كانت ضمّنت الوديعة فلمّا رآها ابن الفرات عجب وأمر بتسلّمها:
    وعدنا إلى خبر حامد في وزارته

    ولمّا رأى حامد وعليّ بن عيسى تمكّن ابن الحوارى من المقتدر بالله خرج توقيع حامد بخطّ عليّ بن عيسى بتقليد ابن الحوارى جميع أعمال الإعطاء في العساكر لسائر نواحي المغرب من حدّ هيت إلى آخر حدود مصر، وأن يقام له من الرزق مثل ما كان يقام لجميع من كان ينظر في ذلك في آخر أيّام وزارة ابن الفرات الثانية، وأن يقلّد ابنه - وكانت سنّة في الحال نحو عشر سنين - ويجرى عليه ما مبلغه في الشهر مائة وخمسون دينار وقلّد ابنه هذا بيت مال الإعطاء بالحضرة بحقّ الأصل بجاري مائة وثمانين دينارا في الشهر واستخلف له عليه المعروف بقاطر ميز الكاتب.
    وزاد بعد ذلك اختصاص ابن الحوارى وخدمته له في خلواته وكان يشاوره في أموره فقلّد أعمالا أخر وأجرى عليه واستخلف له عليها. فكان يصل إليه مال عظيم ولا يباشر شيئا من الأعمال ولا يدرى ما يجرى فيها.
    وصرف نزار عن الشرطة بمدينة السلام وقلّد نجح الطولونى واستخلف عليها وأقام في الأرباع فقهاء يعمل أصحاب الشرط في أمر الجناة بما يفتون به في أمرهم فضعفت هيبة الشرطة بذلك واستلان اللصوص والعيّارون جانب نجح فكثرت الجراحات والفتن وتفاقم الأمر في التلصّص وكان العيّارون يقولون:
    أخرج ولا تبالي ** ما دام نجح والى.
    ودخلت سنة سبع وثلاثمائة

    كان غرض حامد في الضمانات على النواحي التي ذكرناها تفرّد عليّ ابن عيسى بتدبير المملكة وإبطاله أمر حامد. فتضمّن حامد بهذه النواحي ليكون له بالحضرة أمر ونهى وليوفّر من هذه الأعمال ما يبطل به السوق التي قامت لعليّ بن عيسى عند المقتدر بالكفاية والعفاف. وإنّما لم يدخل أعمال فارس في ضمانه لأنّها كانت في ضمان أبي القاسم ابن بسطام وكان النعمان يشير على حامد بترك الدخول في الضمان فإنّه زعم أنّه تسقط هيبته عند الناس ويصير عليّ بن عيسى المطالب له بالأموال والمتحكّم عليه.
    وكان أبو عيسى أخو أبي صخرة قديم الصداقة لحامد وكان يشير عليه بالضمان ليتبيّن أثره وأن يتضمّن بعبرة سنى عليّ بن عيسى خاصّة ليكون ما يثيره - وهو شيء كثير وافر - استدراكا على عليّ بن عيسى. فمال حامد إلى هذا الرأي وخاطب عليّ بن عيسى بحضرة المقتدر وقال له:
    « قد تفرّدت بتدبير الأمور دوني وليس ترى أن تشاورنى في شيء تعمله ولا بدّ من صدق أمير المؤمنين. فقد أضعت بالسواد والأهواز وإصبهان أربعمائة ألف دينار في كلّ سنة وأنا أضمن هذه الأعمال أربع سنين بعبرة المحمول والمسبّب في سنى وزارتك وزيادة أربعمائة ألف دينار في كلّ سنة. » فأجابه عليّ بن عيسى بأنّه لا يستصوب تضمينه هذه الأعمال لأنّ مذهبه في خبط الرعيّة وإحداث السنن وضرب الأبسار معروف ومن عمل بهذه السيرة فهو لا محالة يوفّر سنة أو أكثر ثم تخرّب خرابا لا يتلافى في سنين فيبطل الارتفاع ويسيء الذكر. فتخاصما خصومة طويلة فقال المقتدر:
    « هذا توفير من حامد ولا يجوز تركه فإن ضمنت أنت هذه النواحي بما ضمنه حامد ضمّنتك. » فقال عليّ بن عيسى:
    « أنا كاتب وليست بعامل وحامد أولى بالضمان لا سيّما وقد بذل ما بذل راغبا والأثر في ذلك يا أمير المؤمنين، لأنّى قد عمرت البلدان لرفقى بالرعيّة وتقليدي من العمّال من أزال المؤن عنهم، وسنة سبع قد تناهت عمارتها وليس يقدر أن يقول إنّه يتضمّنها ليستزيد في عمارتها لأنّ أيّام العمارة قد انقضت منذ مدّة. » فأمر المقتدر بعقد الضمان على حامد وأخذ خطّه به فخرجا.
    وتقدّم عليّ بن عيسى إلى أصحاب الدواوين بإخراج العبر من دواوينهم بعبر السنين القريبة لأنّها أوفر فأخرج عبرة المحمول والمسبّب مع مال النفقات الراتبة في نواحي السواد والأهواز لسنة من ثلاث سنين أولاهن سنة ثلاث وأخراهن سنة خمس وثلاثمائة - ثلاثة وثلاثين ألف ألف درهم. وأخرج عبرة الضياع الخاصّة والمستحدثة والعبّاسيّة والفراتيّة للمحمول والمسبّب ثمانية آلاف ألف درهم وثمانمائة ألف درهم وأخرج عبرة مال إصبهان مع النفقات الراتبة بقسط سنة واحدة من ثلاث سنين ستّة آلاف ألف وثلاثمائة ألف درهم تصير الجميع لسنة واحدة ثمانية وأربعين ألف ألف درهم ومائة ألف درهم والزيادة التي بذلها حامد وهي عن قيمة أربعمائة ألف دينار خمسة آلاف ألف وثمانمائة ألف درهم مبلغ الجميع ثلاثة وخمسون ألف ألف وتسعمائة ألف درهم.
    والتمس حامد بن العبّاس من المقتدر بالله أن يأمر بتسليم جماعة من الكتّاب إليه ليوليهم كتابته على ديوان ضمانه واختار عبيد الله بن محمّد الكلواذى وأحمد بن محمّد بن زريق وغيرهما، فتقدّم المقتدر بإجابته إلى ما سأله بعد أن عقد عليّ بن عيسى عليه الضمان باسم صاحبه محمّد بن منصور وأخذ خطّ حامد بتضمّنه عنه ما عقده باسمه واعتمد حامد بن العبّاس على عبيد الله بن محمّد الكلواذى فكان ينظّم الأعمال التي يخرجها كتّاب حامد ويتولّى المواقفة عن حامد في دار السلطان ويرفق في المناظرة ويستعمل الحجّة فقط.
    واعتمد عليّ بن عيسى على الصقر بن محمّد في مناظرة كتّاب حامد، فكان حامد إذا حضر لا يزيد على الشتم والسبّ لعليّ بن عيسى وذكره بالقبيح في نفسه وأسلافه واستعمل في ذلك ما فضح به المملكة وشاع في الخاصّ والعامّ الخبر به ثم أصلح المقتدر بينهما بحضرته.
    وأسرف عليّ بن عيسى في الإلحاح على حامد في حمل المال واحتاج حامد إلى أن يستأذن في الخروج إلى الأهواز فأذن له وذكر أبو القاسم الكلواذى أنّه يضعف عن مقاومة عليّ بن عيسى عند غيبته، فنصب حامد صهره أبا الحسين محمّد بن أحمد ابن بسطام للنيابة عنه في دار السلطان عند المناظرة ولإعزار الكلواذى ليستوفى حجّته وظهرت في ذلك الوقت صناعة الكلواذى وكفايته وصحة عمله فكان ذلك من أكبر أسباب نباهته.
    وجرى خلاف كثير بين كتّاب حامد وبين كتّاب عليّ بن عيسى يطول ذكرها، ورضى حامد بوساطة النعمان فيها وكتب بذلك وتوسّط النعمان وقرّر الأمر من سائر أبواب الخلاف على مائة ألف دينار بقسط سنة واحدة.
    وكتب ابن بسطام والكلواذى إلى حامد وهو بالأهواز بصورة ما تقرّرت عليه الحكومة، فدبّر حينئذ حامد في ذلك تدبير الشيوخ المجرّبين.
    فكتب إلى المقتدر كتابا وأنفذ مع غلام له فأوصل نصر الكتاب مختوما إلى المقتدر فوجده قد ذكر فيه أنّه لم يدخل في هذا الضمان لاستجلاب فائدة لنفسه ولا للربح على السلطان وإنّما أراد أن يبيّن عن خبرته بالأعمال وحفظ الأموال وقبح آثار عليّ بن عيسى فيما تولّاه قديما وحديثا وأنّه كان بذل زيادة أربعمائة ألف دينار في كلّ سنة، وأنّه لمّا صار بالأهواز لاحت له زيادة مائتي ألف دينار في سنة سبع على أربعمائة ألف دينار، فوفّر ذلك وكتب كتابه بخطّه حجّة عليه لينضاف ذلك إلى الزيادة الأولى ويثبت في الدواوين.
    فسرّ المقتدر بذلك وأمر بتقوية يد حامد وأن يقتصر بعليّ بن عيسى على النظر في حوائج القوّاد والحاشية والاحتياط فيما يطلق من الأموال في النفقات فإنّه بذلك أبصر من حامد، وبإفراد حامد بجباية الأموال والنظر في النواحي.
    وخاف عليّ بن عيسى أن تقوى يد حامد فيسلّم إليه. واتفق بعقب ذلك أن تحرّكت العامّة ثم الخاصّة بسبب زيادة السعر وشغبوا شغبا عظيما متصلا أشفى به الملك على الزوال وبغداد على الخراب. فادّعى كتّاب حامد وأسبابه ومن يميل إليه أنّ عليّ بن عيسى حمل العامّة وأكثر الخاصّة على الشغب لأنّ السعر لم يكن زاد زيادة توجب ما خرجوا إليه وإنّما بلغ الخبز الحوارى ثمانية أرطال بدرهم.
    ذكر ما اضطرب لأجله أمر حامد بن العباس حتى فسخ ضمانه

    تجمّع الناس وقوم من أماثل العامّة فتظلّموا من زيادة السعر وضجّوا في وجه عليّ بن عيسى لمّا ركب، ثم نهب العامّة دكاكين الجماعة من الدقّاقين ببغداد ثم اجتمعوا إلى باب السلطان فضجّوا.
    فتقدّم المقتدر إلى ابن الحوارى بأن يكتب إلى حامد بأن يبادر إلى الحضرة وينظر في أمر الأسعار فيزيل التربّص ببيع الغلّات لتنحطّ الأسعار، فنفذ الكتاب بذلك فخرج حامد من الأهواز وأنفذ المقتدر ماهر الخادم لاستعجاله.
    وخرج أصحاب الدواوين والقوّاد لتلقّيه وخرج نصر وابن الحوارى فتلقّياه وخرج عليّ بن عيسى فتلقّاه، ووصل إلى المقتدر بالله فخاطبه بجميل وعرّفه إحماده إيّاه على ما وفّره وأمر بأن يخلع عليه فخلع عليه وحمل على شهريّ وانصرف إلى منزله. وتحرّك الجند لغد ذلك اليوم في دار السلطان وضجّوا لارتفاع السعر، وتحرّكت العامّة في المساجد الجامعة ببغداد وكسروا المنابر وقطعوا الصلاة بعد الركعة الأولى واستلبوا الثياب ورجموا بالآجرّ وكثرت الجراحات واجتمع منهم في المسجد الجامع الذي في دار السلطان عدد كثير على نصر الحاجب فوثبوا عليه ورجموه بالآجرّ.
    ثم صاروا في ذلك اليوم إلى دار حامد بن العبّاس فأخرج إليهم غلمانه فرموهم بالآجرّ والنشّاب وقتل خلق من العامّة فحملوا على الجنائز وشنّعوا بهم.
    ووجّه حامد جماعة من غلمانه ومعهم ديوداذ بن محمّد وهو ابن أخي يوسف بن أبي الساج، فدخلوا المسجد الجامع بالجانب الغربي على دوابّهم فقتلوا جماعة وقتل أيضا من الجند عدّة وبات الناس ليلة السبت على صورة قبيحة من الخوف على أنفسهم وأموالهم وحرمهم وضعف صاحب الشرطة عن مقاومتهم لكثرة من تجمّع من العامّة.
    فلمّا أصبحوا يوم السبت صار من العامّة عدد كثير إلى الجسور فأحرقوها وفتحوا السجون ونهبوا دار صاحب الشرطة ودار غيره، فأنفذ المقتدر جماعة من الغلمان الحجرية في شذاءات عدّة لمحاربة العامّة وركب هارون بن غريب الخال في جيش عظيم إلى باب الطاق فأحرق مواضع وتهارب العامّة من بين يديه إلى المسجد الجامع بباب الطاق ووكّل هارون بباب المسجد وقبض على جميع من وجده ولم يفرّق بين المستور والعيّار وحملهم إلى مجلس الشرطة فضرب بعضهم بالسوط وبعضهم بالدرّة وقطع أيدى قوم عرفوا بالإفساد.
    ثم ركب يانس الموفقى يوم الأحد فسكّن الناس ونادى فيهم وزالت الفتنة، ثم ركب حامد في طيّاره يريد دار السلطان فقصده العامّة ورجموه بالآجرّ، فأمر المقتدر شفيعا المقتدري بالركوب لتسكين العامّة، فركب وسار في الجانب الغربي وفيه كانت الفتنة، فسكّن الناس ثم قبض على جماعة من العامّة فضرب بعضهم بالسوط وقطعت أيدى قوم عرفوا بالرجم.
    وضجّت الرجّالة المصافية في دار السلطان من زيادة السعر فتقدّم المقتدر بالله بفتح الدكاكين والبيوت التي لحامد وللسيّدة والأمراء أولاد الخليفة والوجوه من أهل الدولة وبيع الحنطة بنقصان خمسة دنانير في الكرّ وبيع الشعير بحسب ذلك وبمطالبة التجار والباعة أن يبيعوا بمثل هذا السعر فركب هارون بن غريب ومعه إبراهيم بن بطحاء المحتسب فسعّر الكرّ المعدّل بخمسين دينارا وتقدّم إلى الدقّاقين بذلك فرضي العامّة وسكنوا وانحلّ السعر.
    فسخ الضمان عن حامد بن العباس

    وخرج توقيع المقتدر إلى حامد بن العبّاس بفسخه عنه الضمان لأجل الفتنة وضجيج العامّة من زيادة السعر وتوقيع إلى عليّ بن عيسى بأن يدبّر هو الأعمال بالسواد والأهواز وإصبهان ويقلّدها العمّال من قبله وأن يكتب عنه كتابا إلى العامّة يقرأ في الشوارع والأسواق ثم على المنابر بأنّه قد زال ضمان حامد بن العبّاس وحظر على جميع الوجوه والقوّاد والغلمان أن يتضمّنوا بشيء من الأعمال. وكتب حامد إلى عمّاله بالانصراف من الأعمال وتسليمها إلى عمّال عليّ بن عيسى وانخزل حامد بن العبّاس لذلك.
    ودخلت سنة ثمان وثلاثمائة

    وفيها ورد الخبر من مصر بحركة الفاطمي إليها فأخرج مونس الخادم إليها.
    وفيها خلع على أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان وقلّد طريق خراسان والدينور وخلع على أخويه أبي العلاء وأبي السرايا.
    وفيها ورد رسول أخي صعلوك بالمال والهدايا فخلع عليه.
    ودخلت سنة تسع وثلاثمائة

    وفيها وردت الكتب وقرأت على المنابر بهزيمة المغربي واستباحة عسكره.
    وفيها لقّب مونس: المظفّر، وأنشئت الكتب به عن المقتدر بالله إلى أمراء النواحي وعقد له على مصر والشام.
    وفيها دخل رسول صاحب خراسان برأس ليلى بن النعمان الديلمي الذي خرج بطبرستان.
    وفيها اشتهر أمر الحلّاج واسمه الحسين بن منصور حتى قتل وأحرق.
    ذكر خبر الحسين بن منصور الحلاج وما آل إليه أمره من القتل والمثلة

    انتهى إلى حامد بن العبّاس في أيّام وزارته أنّه قد موّه على جماعة من الحشم والحجّاب وعلى غلمان نصر الحاجب وأسبابه وأنّه يحيى الموتى وأنّ الجنّ يخدمونه فيحضرونه ما يشتهيه وأنّه يعمل ما أحبّ من معجزات الأنبياء. وادّعى جماعة أنّ نصرا مال إليه وسعى قوم بالسمرّى وببعض الكتّاب وبرجل هاشميّ أنّه نبي الحلّاج وأنّ الحلّاج إله - عزّ الله وتعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
    فقبض عليهم وناظرهم حامد فاعترفوا بأنّهم يدعون إليه وأنّه قد صحّ عندهم أنّه إليه يحيى الموتى وكاشفوا الحلّاج بذلك فجحده وكذّبهم وقال:
    « أعوذ بالله أن أدّعى الربوبيّة والنبوّة وإنّما أنا رجل أعبد الله عزّ ذكره وأكثر الصوم والصلاة وفعل الخير ولا غير. » واستحضر حامد بن العبّاس أبا عمر القاضي وأبا جعفر ابن البهلول القاضي وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود واستفتاهم في أمره، فذكروا أنّهم لا يفتون في قتله بشيء إلى أن يصحّ عندهم ما يوجب عليه القتل وأنّه لا يجوز قبول قول من ادّعى عليه ما ادّعاه - وإن واجهه - إلّا بدليل وإقرار منه.
    فكان أوّل من كشف أمره رجل من البصرة تنصّح فيه وذكر أنّه يعرف أصحابه وأنّهم متفرّقون في البلدان يدعون إليه وأنّه كان ممّن استجاب له ثم تبيّن مخرقته ففارقه وخرج عن جملته وتقرّب إلى الله بكشف أمره
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #18
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    واجتمع معه على هذه الحال أبو عليّ هارون بن عبد العزيز الأوارجى الكاتب الأنبارى وقد كان عمل كتابا ذكر فيه مخاريق الحلّاج وحيله فيه وهو موجود في أيدى جماعة والحلّاج حينئذ مقيم في دار السلطان موسّع عليه مأذون لمن يدخل إليه وهو عند نصر الحاجب.
    وللحلّاج اسمان: أحدهما الحسين بن منصور والآخر محمّد بن أحمد الفارسي، وكان استهوى نصرا وجاز عليه تمويهه وانتشر له ذكر عظيم في الحاشية فبعث به المقتدر إلى عليّ بن عيسى ليناظره فأحضر مجلسه وخاطبه خطابا فيه غلظة فحكى أنّه تقدّم إليه وقال له فيما بينه وبينه:
    « قف حيث انتهيت ولا تزد عليه شيئا وإلّا قلبت عليك الأرض. » وكلاما في هذا المعنى. فتهيّب عليّ بن عيسى مناظرته واستعفى منه ونقل حينئذ إلى حامد بن العبّاس.
    الحلاج وبنت السمري

    وكانت بنت السمرّى صاحب الحلّاج قد أدخلت إلى الحلّاج وأقامت عنده في دار السلطان مدّة وبعث بها إلى حامد ليسألها عمّا وقفت عليه من أخباره وشاهدته من أحواله.
    فذكر أبو القاسم بن زنجي أنّه حضر دخول هذه المرأة إلى حامد بن العبّاس وأنّه حضر ذلك المجلس أبو عليّ أحمد بن نصر البازيار من قبل أبي القاسم ابن الحوارى ليسمع ما تحكيه. فسألها حامد عمّا تعرفه من أمر الحلّاج، فذكرت أنّ أباها السمرّى حملها إليه وأنّها لمّا دخلت إليه وهب لها أشياء كثيرة عدّدت أصنافها.
    قال أبو القاسم: وهذه المرأة كانت حسنة العبارة عذبة الألفاظ مقبولة الصورة فكان ممّا أخبرت عنه أنّه قال لها:
    « قد زوّجتك من سليمان ابني وهو أعزّ أولادى عليّ وهو مقيم بنيسابور وليس يحلو أن يقع بين المرأة والرجل كلام أو تنكر منه حالا من الأحوال وأنت تحصلين عنده وقد وصّيته بك فإن جرى منه شيء تنكرينه فصومي يومك واصعدي آخر النهار إلى السطح وقومي على الرماد والملح الجريش واجعلي فطرك عليهما واستقبليني بوجهك واذكري لي منه ما تنكرينه منه، فإني أسمع وأرى. » قالت: وأصبحت يوما وأنا أنزل من السطح إلى الدار ومعي ابنته وكان قد نزل هو فلمّا صرنا على الدرجة بحيث يرانا ونراه قالت لي ابنته:
    « اسجدي له. » فقلت لها:
    « أو يسجد أحد لغير الله؟ » قالت: فسمع كلامي لها فقال:
    « نعم، إله في السماء وإله في الأرض. » قالت: ودعاني إليه وأدخل يده في كمّه وأخرجها مملوءة مسكا ودفعه إليّ ثم أعادها ثانية إلى كمّه وأخرجها مملوءة مسكا ودفعها إليّ وفعل ذلك مرات ثم قال:
    « واجعلي هذا في طيبك فإنّ المرأة إذا حصلت عند الرجل احتاجت إلى الطيب. » قالت: ثم دعاني وهو جالس في بيت على بواري فقال:
    « ارفعى جانب البارية من ذلك الموضع وخذي ممّا تحته ما تريدين. » وأومأ إلى زاوية البيت فجئت إليها ورفعت البارية فوجدت تحتها الدنانير مفروشة ملء البيت، فبهرني ما رأيت من ذلك. فأقيمت المرأة وحصلت في دار حامد إلى أن قتل الحلّاج.
    الجد في طلب أصحاب الحلاج

    وجدّ حامد في طلب أصحاب الحلّاج وأذكى العيون عليهم وحصل في يده منهم حيدرة والسمرّى ومحمّد بن عليّ القنّاى والمعروف بأبي المغيث الهاشمي، واستتر ابن حمّاد وكبس منزله فأخذت منه دفاتر كثيرة وكذلك من منزل محمّد بن عليّ القنّاى فكانت مكتوبة في ورق صينى وبعضها مكتوب بماء الذهب مبطّنة بالديباج والحرير مجلّدة بالأدم الجيّد. ووجد في أسماء أصحابه ابن بشر وشاكر. فسأل حامد من حصل في يده من أصحاب الحلّاج عنهما فذكروا أنّهما داعيان له بخراسان.
    قال أبو القاسم بن زنجي: فكتبا في حملهما إلى الحضرة أكثر من عشرين كتابا فلم يرد جواب أكثرها. وقيل فيما أجيب عنه منها: إنّهما يطلبان ومتى حصلا حملا، ولم يحملا إلى هذه الغاية.
    وصاياه للدعاة إليه

    وكان في الكتب الموجودة له عجائب من مكاتبات أصحابه النافذين إلى النواحي وبوصيته إيّاهم بما يدعون إليه الناس وبما يأمرهم به من نقلهم من حال إلى حال أخرى ومرتبة إلى مرتبة حتى يبلغوا الغاية القصوى وأن يخاطبوا كلّ قوم على حسب عقولهم وأفهامهم وعلى قدر استجابتهم وانقيادهم وجوابات لقوم كاتبوه بألفاظ مرموزة لا يعرفها إلّا من كتبها ومن كتبت إليه.
    كلام غريب من غلام حامد في الحلاج

    وحكى أبو القاسم بن زنجي قال: كنت أنا وأبي يوما بين يدي حامد إذ نهض من مجلسه وخرجنا إلى دار العامّة وجلسنا في رواقها وحضر هارون بن عمران الجهبذ بين يدي أبي ولم يزل يحادثه فهو في ذلك إذ جاء غلام حامد الذي كان موكّلا بالحلّاج وأومأ إلى هارون بن عمران أن يخرج إليه فنهض مسرعا ونحن لا ندري ما السبب، فغاب عنّا قليلا ثم عاد وهو متغير اللون جدّا فأنكر أبي ما رأى منه فسأله عن خبره فقال:
    « دعاني الغلام الموكّل بالحلّاج فخرجت إليه فأعلمني أنّه دخل إليه ومعه الطبق الذي رسمه أن يقدّم إليه في كلّ يوم فوجده قد ملأ البيت بنفسه فهو من سقفه إلى أرضه وجوانبه حتى ليس فيه موضع. فهاله ما رأى ورمى بالطبق من يده وعدا مسرعا وأنّ الغلام ارتعد وانتفض وحمّ.
    فبينا نحن نتعجب من حديثه إذ خرج إلينا رسول حامد وأذن في الدخول إليه فدخلنا وجرى حديث الغلام فدعا به وسأله عن خبره فإذا هو محموم، وقصّ عليه قصّته فكذّبه وشتمه وقال:
    « فزعت من نيرنج الحلّاج - وكلاما في هذا المعنى - لعنك الله اعزب عني. »
    كيف حل دم الحلاج

    فانصرف الغلام وبقي على حالته من الحمّى مدّة طويلة. ثم وجد حامد كتابا من كتبه فيه:
    « إنّ الإنسان إذا أراد الحجّ فلم يمكنه أفرد في بيته بناء مربعا لا يلحقه شيء من النجاسات ولا يتطرّقه أحد. فإذا حضرت أيّام الحجّ طاف حوله وقضى من المناسك ما يقضى بمكّة، ثم يجمع ثلاثين يتيما ويعمل لهم أسرى ما يمكنه من الطعام ويحضرهم ذلك البيت ويقدّم لهم ذلك الطعام ويتولّى خدمتهم بنفسه، ثم يغسل أيديهم ويكسو كلّ واحد منهم قميصا ويدفع إلى كلّ واحد سبعة دراهم أو ثلاثة دراهم - الشكّ من أبي القاسم بن زنجي - وإنّ ذلك يقوم له مقام الحجّ. » قال: وكان أبي يقرأ هذا الكتاب فلمّا استوفى هذا الفصل التفت أبو عمر القاضي إلى الحلّاج وقال له:
    « من أين لك هذا. » قال: « من كتاب الإخلاص للحسن البصري. » قال له أبو عمر:
    « كذبت يا حلال الدم. » قد سمعنا كتاب الإخلاص للحسن البصري بمكّة وليس فيه شيء ممّا ذكرت. فكلّما قال له أبو عمر: « يا حلال الدم » قال له حامد:
    « أكتب ما قلت. » فتشاغل أبو عمر بخطاب الحلّاج فلم يدعه حامد يتشاغل وألحّ عليه إلحاحا لم يمكنه معه المخالفة، فكتب بإحلال دمه وكتب بعده من حضر المجلس. فلمّا تبيّن الحلّاج الصورة قال:
    « ظهري حمى ودمى حرام وما يحلّ لكم أن تتأوّلوا عليّ بما يبيحه.
    اعتقادي الإسلام، ومذهبي السنّة، ولى كتب في الورّاقين موجودة في السنّة، فالله الله في دمى. »
    كتاب القوم وجواب المقتدر

    ولم يزل يردّد هذا القول والقوم يكتبون خطوطهم حتى كمل الكتاب بخطوط من حضر فأنفذه حامد إلى المقتدر بالله.
    فخرج الجواب:
    « إذا كان فتوى القضاة فيه بما عرضت فأحضره مجلس الشرطة واضربه ألف سوط، فإن لم يمت فتقدّم بقطع يديه ورجليه، ثم اضرب رقبته وانصب رأسه وأحرق جثّته. » فأحضر حامد صاحب الشرطة وأقرأه التوقيع وتقدّم إليه بتسلّم الحلّاج وإمضاء الأمر فيه. فامتنع من ذلك، وذكر أنّه يتخوّف أن ينتزع من يده.
    فوقع الاتفاق على أن يحضر بعد العتمة ومعه جماعة من غلمانه وقوم على بغال يجرون مجرى الساسة ليجعل على بغل منها ويدخل في غمار القوم. وأوصاه بأن لا يسمع كلامه. وقال له:
    « لو قال لك: أجرى لك دجلة والفرات ذهبا وفضّة فلا ترفع عنه الضرب حتى تقتله كما أمرت. »
    تنفيذ أمر المقتدر في الحلاج

    ففعل محمّد بن عبد الصمد صاحب الشرطة ذلك وحمله تلك الليلة على الصورة التي ذكرت وركب غلمان حامد معه حتى أوصلوه إلى الجسر وبات محمّد بن عبد الصمد ورجاله حول المجلس.
    فلمّا أصبح يوم الثلاثاء لستّ بقين من ذي القعدة أخرج الحلّاج إلى رحبة المجلس واجتمع من العامّة خلق كثير لا يحصى عددهم وأمر الجلّاد بضربه ألف سوط فضرب وما تأوّه ولا استعفى.
    قال: فلمّا بلغ ستمائة سوط قال لمحمّد بن عبد الصمد:
    « ادع بي إليك فإنّ عندي نصيحة تعدل عند الخليفة فتح قسطنطينية. » فقال: « قد قيل لي إنّك ستقول هذا وما هو أكثر منه، وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل. » فسكت حتى ضرب ألف سوط ثم قطعت يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ثم ضرب عنقه وأحرقت جثّته ونصب رأسه على الجسر، ثم حمل رأسه إلى خراسان.
    وادّعى أصحابه أنّ المضروب كان عدوّا للحلّاج ألقى شبهه عليه. وادّعى بعضهم أنّه رآه وخاطبه في هذا المعنى بجهالات لا يكتب مثلها. وأحضر الورّاقون وأحلفوا أن لا يبيعوا شيئا من كتب الحلّاج ولا يشتروها.
    ودخلت سنة عشر وثلاثمائة

    إطلاق يوسف بن أبي الساج والعقد له على أعمال

    وفيها إطلاق يوسف بن أبي الساج بمسألة مونس المظفّر من الحبس وشفاعته ثم حمل إليه مال وكسوة ثم وصل إلى المقتدر بالله وكان ركب في سواد فقبّل البساط ثم يد المقتدر وخلع عليه خلع الرضا وحمل على فرس بمركب ذهب.
    ثم جلس المقتدر في دار العامّة بعد أيّام وعقد له على أعمال الصلاة والمعاون والخراج والضياع بالري وقزوين وأبهر وزنجان وأذربيجان وركب معه مونس المظفّر ونصر الحاجب وشفيع ومفلح وجميع من بالحضرة من القوّاد والغلمان وكانت الدار قد شحنت له بالرجال والسلاح واحتشد له.
    واستكتب يوسف بن أبي الساج محمّد بن خلف النيرمانى وقوطع عن الأعمال التي تقلّدها على خمسمائة ألف دينار محمولة في كلّ سنة على أنّ عليه القيام بمال الجيش الذي في هذه الأعمال والنفقات الراتبة. وخلع على وصيف البكتمرى وعلى طاهر ويعقوب ابني محمّد بن عمرو بن الليث.
    من بعض حوادث السنة

    وفيها قلّد نازوك الشرطة ببغداد وخلع عليه وعزل عنها محمّد بن عبد الصمد وخلع عليه وعزل عنها محمّد بن عبد الصمد وخلع على وصيف البكتمرى خلعة أخرى وضمّ إلى يوسف بن أبي الساج وشخص يوسف بن أبي الساج إلى عمله على طريق الموصل، فلمّا وصل إلى أردبيل وجد غلامه سبك قد مات.
    وفيها وصل إلى بغداد هدية أبي زنبور الحسين بن أحمد المادرائى من مصر وفيها بغلة معها فلوّ وكان يتبعها ويرتضع منها وغلام طويل اللسان يلحق طرف أرنبته.
    وفيها قبض على أمّ موسى القهرمانة وعلى أختها وأخيها
    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب في ذلك أنّ أمّ موسى زوّجت بنت أخيها أبي بكر أحمد بن العبّاس من أبي العبّاس بن محمّد بن إسحاق بن المتوكّل على الله، وكان من أولاد الخلفاء النجباء وكانت له نعمة حسنة ظاهرة وكان حسن المروءة واللبسة والدوابّ والمراكب، وكان صديقا لعليّ بن عيسى حتى قيل: إنّه كان يرشّحه للخلافة.
    فلمّا وقعت المصاهرة بينه وبين أمّ موسى أسرفت فيما نثرت من المال وفيما أنفقت على دعوات دعت فيها الصغير والكبير من أهل المملكة في بضعة عشر يوما. فتمكّن أعداؤها من السعى عليها ومكّنوا في نفس المقتدر بالله ووالدته السيدة أنّها إنّما صاهرت ابن المتوكّل ليزيلوا المقتدر بالله عن الخلافة وينصبوا فيها ابن المتوكّل.
    فتمّت النكبة عليها وسلّمت إلى ثمل القهرمانة مع أختها وأخيها. وكانت ثمل موصوفة بالشر لأنّها كانت قهرمانة أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف وكان أحمد يسلّم إليها من يسخط عليه من جواريه وخدمه فاشتهرت بالقسوة والسرف في العقوبات.
    واستخرجت ثمل منها ومن أختها وأخيها أموالا عظيمة وجواهر نفيسة ومن الثياب والكسوة والفرش والطيب ما يعظم مقداره حتى نصب عليّ بن عيسى لذلك ديوانا وسمّاه: ديوان المقبوضات عن أمّ موسى وأسبابها، أجرى فيها أمر ضياعهم وأملاكهم وقلّده أبا شجاع المعروف بابن أخت أبي أيّوب أبي الوزير وقلّد الزمام عليه أبا عبد الله اليوسفى الكاتب. ويقال: إنّه حصل من جهتهم نحو ألف ألف دينار.
    ولمّا قبض على أمّ موسى صرف عليّ بن عيسى ابن أبي البغل عن أعماله بفارس وقلّدها أبا عبد الله جعفر بن القاسم الكرخي وصادره. ثم لمّا تقلّد ابن الفرات الوزارة الثالثة كتب إلى الكرخي بتجديد مصادرة ابن أبي البغل واعتقاله.
    ذكر وفاة محمد بن جرير الطبري

    وفيها توفّى محمّد بن جرير الطبري وله نحو تسعين سنة، ودفن ليلا، لأنّ العامّة اجتمعت ومنعت من دفنه نهارا، وادّعت عليه الرفض ثم ادّعت عليه الإلحاد.
    وفيها دعا المقتدر مونسا المظفّر فشرب بين يديه وخلع عليه خلع منادمة وكانت مثقلة بالذهب.
    ودخلت سنة إحدى عشرة وثلاثمائة

    وفيها صرف حامد بن العبّاس عن الوزارة وعليّ بن عيسى عن الدواوين.
    ذكر صرف حامد بن علي بن عيسى ورد الوزارة إلى ابن الفرات


  • #19
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    كانت لذلك أسباب كثيرة منها أنّ حامدا شرع في تضمن عليّ بن عيسى لمّا فسخ ضمانه لتلك الأعمال والبلدان التي ذكرناها وبذل أن يقوم بالأمور ويدبّر الأعمال. وكان الذي حمله على ذلك ما كان يبلغه من عزم المقتدر بالله على تقليد ابن الفرات لمّا كثر ضجيج الحاشية من عليّ بن عيسى لتأخيره عنهم أرزاقهم وأرزاق الحرم والولد، واقتصر بالخدم والحاشية والفرسان على البعض من استحقاقاتهم وحطّ من أرزاق العمّال شهرين في كلّ سنة ومن أرزاق المنفقين وأصحاب الأجناد والبرد والقضاة أربعة أشهر فزادت عداوة الناس له وخشي حامد بن العبّاس من ابن الفرات لمّا سلف منه إليه ولما عامل به ابنه المحسّن وسائر كتّابه وأسبابه.
    فأمره المقتدر أن يكتب رقعة بخطّه بما يضمنه ويبذله وبتسمية من يقلّده الدواوين، ففعل حامد ذلك وعرض المقتدر بالله رقعته على ابن الفرات وهو في حبسه وشرح له أمره.
    فقال ابن الفرات:
    « لو اجتمع مع حامد بن العبّاس الحسن بن مخلد وأحمد بن إسرائيل وسائر من شهر بالكفاية لما كان موضعا لتدبير المملكة ولا لضبط أعمال الدواوين وأنّه إن قلّد ذلك انخرقت الهيبة وزالت الحشمة وإن عليّ بن عيسى على تصرّف أحواله أقوم منه وأعرف بالأعمال والتدبير. » ثم إنّه قال:
    « أنا أتضمّن خمسة أضعاف ما ضمنه حامد إن أعاده ومكّنه ممّا يريد. » فوعده المقتدر بذلك. وكان حامد مقيما ببغداد لا يدخل نفسه في شيء من الأمور ولا يزيد على أن يحضر في أيّام المواكب وينصرف. وضجر حامد من مقامه ببغداد لقبح حاله في الذلّ، ولأنّه افتضح بما كان يعامله به عليّ بن عيسى في توقيعاته، وذلك أنّه كان يوقّع إلى كتّاب الوزير حامد وإلى كتّاب الدواوين إذا ذكره بما لا صبر له عليه، وكان يوقّع:
    « ليطالب جهبذ الوزير - أسعده الله - بحمل وظيفة واسط ».
    « وليكتب إلى الوزير - أسعده الله - بأن يبادر بحمل شعير الكراع ».
    وإذا تظلّم إليه متظلّم من أعمال حامد وعمّاله وقّع على ظهر رقعة:
    « هذا ممّا ينظر فيه الوزير، أسعده الله. » وذكر عليّ بن عيسى أنّه يحتجّ في ذلك برسم قديم كان للوزراء.
    فاستأذن حامد المقتدر في الخروج إلى واسط والمقام بها لينظر في أمور ضمانه بنواحيها فأذن له وخرج.
    ومنها ما جرى من أمّ موسى وما ذكرناه من خبرها وما تحدّث به الناس من أمر ابن المتوكّل وأنّ ابن الحوارى دبّر ذلك لميل أمّ موسى إليه وكشفها له أسرار الخلافة.
    وكان بعض أسباب ابن الفرات طرح رقعة في دار المقتدر فيها بيت شعر:
    يهنيك يهنيك هذا ** يا ديك دار الخليفة
    ولم يذكر في الرقعة غير هذا البيت وهي أبيات فاحشة ليست فيها أصلح من هذا البيت، وتعمّد أن جعلت الرقعة في ممرّ الخليفة إلى دار حرمة له.
    فقرأ المقتدر الرقعة وقبّحت عنده صورة ابن الحوارى جدّا واعتقد فيه ذلك اليوم استحلال دمه وسفكه ونكبة أمّ موسى، ويظنّ أنّ هذا البيت كان من أوكد أسباب نكتبها ونكبته.
    ومنها أنّ مفلحا الأسود كان شديد التحقّق بالمقتدر مثابرا على خدمته ثم عظم أمره حتى أقطع الإقطاعات وملّك الضياع الجليلة ووقعت بينه وبين حامد مماحكة وذكر مفلح حامدا بالقبيح وقال حامد:
    « لقد هممت أن أشترى مائة خادم أسود وأسمّى كلّ واحد منهم مفلحا وأهبهم لغلماني. » فحقد مفلح ذلك عليه ووقف على ذلك المحسّن وعلى ما يشبه ذلك، فوجّه إلى كاتب مفلح واجتمع معه وضمن له الأعمال والأموال والولايات حتى عقد حالا بينه وبين مفلح.
    تضريب من ابن الفرات عند المقتدر

    وكتب المحسّن رقعة إلى المقتدر بالله على يد مفلح يذكر فيها أنّه إن سلم منه حامد وعليّ بن عيسى ونصر الحاجب وشفيع اللؤلؤي وابن الحوارى وأمّ موسى وأخوها والمادرائيون استخرج منهم سبعة آلاف ألف دينار، وكان أبو الحسن ابن الفرات لا يقصّر وهو في الحبس في التضريب على هؤلاء وإطماع المقتدر فيهم.
    وكان من طريف ما عمله وعجيبة أن راسل المقتدر يوما على يدي زيدان القهرمانة يلتمس منه قيمة اثنى عشر ألف دينار أو هذا المقدار دنانير بعينها لشيء من أمره، فتذمّم المقتدر مع ما أخذه من أمواله أن يمنعه. فحملها إليه، ثم سأله أن يدخل إليه إذا اجتاز بموضعه ليلقى إليه شيئا لا تحتمله المكاتبة ولا المراسلة، وكان المقتدر كثيرا ما يدخل إليه ويشاوره فدخل إليه.
    فلمّا رآه ابن الفرات قام وأخذ الكيس الذي فيه الدنانير، ففتحه وفرّغه بين يديه وقال له:
    « يا أمير المؤمنين قد عرّفتك أن أموالك تنتهب وتضيّع وتقضى بها الذمامات. ما تقول في رجل واحد يرتزق في كلّ شهر من شهور الأهلّة هذا المقدار من مالك وهو اثنا عشر ألف دينار؟ » فاستعظم المقتدر ذلك واستهوله وقال:
    « ويحك، من هذا الرجل؟ » قال له: « عليّ بن محمّد ابن الحوارى، وهذا سوى ما يصل إليه من المنافع لمكانه منك وموضعه من الإختصاص بك، وسوى ارتفاع ضياعه وسوى المرافق التي تصل إليه من الأعمال التي يتولّاها وسوى وسوى. » وردّ الدنانير إلى المقتدر بالله وقال:
    « إنّما أردت أن تشاهد ما يصنع بك وتراه بعينك فليس الخبر كالمعاينة. » فقام المقتدر بالله وقد عظم عنده أمر ما يجرى واعتقد لابن الحوارى غاية المكروه.
    خرج المحبوس وزيرا

    فلمّا اجتمعت هذه الأسباب قوى عزم المقتدر على ردّ الوزارة إلى ابن الفرات. فلمّا كان يوم الخميس لتسع بقين من شهر ربيع الآخر وقد انحدر عليّ بن عيسى إلى دار السلطان قبض عليه وحبس عند زيدان القهرمانة في الحجرة التي كان فيها ابن الفرات، فأخرج منها ابن الفرات ليقلّد الوزارة.
    ابن الفرات يتحدث في أيام وزارته الثانية

    قال أبو محمّد عليّ بن هشام: كنت حاضرا مع أبي مجلس أبي الحسن ابن الفرات فسمعته يتحدّث في وزارته الثانية قال:
    « دخل إليّ أبو الهيثم العبّاس بن محمّد بن ثوابة الأنبارى في محبسى من دار المقتدر بالله فطالبني أن أكتب خطّى بثلاثة عشر ألف ألف دينار. » فقلت: « ما جرى قدر هذا على يدي للسلطان في طول ولايتي فكيف أصادر على مثله؟ » فقال: « إني حلفت بالطلاق أن تكتب خطّك بذلك. » فكتبت بثلاثة عشر ألف ألف من غير أن أذكر ما هي أو ضمانا فيها.
    فقال:
    « فاكتب دينارا لتبرّئنى من يميني. » فلمّا كتبت دينارا ضربت عليه وأكلت الرقعة وقلت:
    « قد برئت عن يمينك ولا سبيل لك إلى غير هذا. » فاجتهد جهده فلم أجبه إلى شيء، فلمّا كان من الغد دخل إلى الحبس ومعه أمّ موسى فطالب بذلك وأسرف في سبّى وشتمي ورمانى بالزنا، فحلفت بالطلاق والعتاق والأيمان المغلظة أنّى ما دخلت في شيء من محظور هذا الجنس منذ نيّف وثلاثين سنة وسمته أن يحلف بمثل ذلك إنّ غلامه القائم على رأسه لم يأته في ليلته تلك. فأنكرت أمّ موسى هذه الحال وغطّت وجهها حياء منه.
    فقال لها ابن ثوابة:
    « هذا إنّما تبطره الأموال التي وراءه، ومثله في ذلك مثل المزيّن مع كسرى والحجّام مع الحجّاج بن يوسف، فاستأمري السادة في إنزال المكروه به حتى يذعن بالأموال. »
    قال أبو الحسن: يعنى بالسادة المقتدر ووالدته وخالته وخاطف ودستنبويه أمّ ولد المقتدر لأنّهم إذ ذاك يدبّرون الأمر معا لحداثة المقتدر.
    قال ابن الفرات: فمضت أمّ موسى ثم عادت فقالت لابن ثوابة:
    « يقولون لك قد صدقت ويدك مطلقة فيه وكنت في حجرة ضيّقة وحرّ شديد فأمر بكشف البواري حتى صرت في الشمس ونحّى الحصير من تحتي وأغلقت أبواب البيوت حتى حصلت في الشمس ثم قيّدنى بقيد ثقيل وألبسنى جبّة صوف قد نقّعت في ماء الأكارع وغلّنى بغلّ وأقفل باب الحجرة وانصرف فأشرفت على التلف. فلمّا مضت نحو أربع ساعات إذا صوت غلمان مجتازين في الممرّ الذي في الحجرة التي أنا فيها محبوس. » فقال لي الخدم الموكّلون:
    « هذا بدر الخادم الحرمي وهو لك صنيعة. » فاستغثت به فصحت:
    « يا أبا الخير، الله الله فيّ، لك مكان من السادة ولى عليك حقوق، وقد ترى حالي والموت أسهل عليّ ممّا أنا فيه.
    فخاطب السيّدة وذكّرهم حرمتي وخدمتي في تثبيت دولهم إذ خذلهم الناس وافتتاحى البلدان والمنغلقة وإثارتى الأموال المنكسرة فإن كان ذنبي يوجب القتل فالموت أروح. » فرجع إليهم فخاطبهم ورقّقهم ولم يبرح حتى حلّ الحديد كلّه عني ثم أذنوا في إدخالى الحمّام وأخذ شعري وتغيير لباسى وتسليمي إلى زيدان وترفيهى فجاءني مبشّرا بذلك فلم يبرح حتى فعل جميع ذلك وقال:
    « يقولون لك: لن ترى بعدها بؤسا. »


  • #20
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر الخبر عن وزارة أبي الحسن ابن الفرات الثالثة

    وتقلّد أبو الحسن عليّ بن محمّد بن الفرات الوزارة الثالثة في ذلك اليوم وخلع عليه واستدعى المقتدر بالله المحسّن ابنه من منزله بسوق العطش فخلع عليه مع أبيه ولم يوصل المقتدر بالله إليه في ذلك اليوم أبا القاسم ابن الحوارى وظهر أولاد ابن الفرات وأسبابه واستتر بعض أسباب حامد وقبض المحسّن في طريقه على جماعة من أسباب حامد.
    وكان أبو عليّ ابن مقلة يتقلّد لعليّ بن عيسى زمام السواد طول أيّام وزارة حامد، فلمّا تقلّد ابن الفرات هذه الوزارة تجلّد ولم يستتر وصار إليه وظهر من إعراض ابن الفرات عنه ما غضّ منه ولم يقبض عليه للمودّة التي بينه وبين ابن الحوارى فلمّا قبض بعد ذلك على ابن الحوارى قبض عليه.
    وانتقل ابن الفرات إلى داره الأولى التي بالمخرّم وركب إليه ابن الحوارى ليهنّئه فأطال عنده وآنسه ابن الفرات وشاوره وخلا به فتحقّق به وأظهر السرور بولايته مع ما يبطنه من الخوف الشديد منه.
    وكان أسباب أبي القاسم ابن الحوارى قد أشاروا عليه بالاستتار وقالوا له:
    « إنّ المقتدر بالله لم يأذن لك عند تقليده ابن الفرات مع علمه بالعداوة بينكما إلّا لسوء رأيه فيك. » فقال ابن الحوارى:
    « لو كان كذلك لقبض عليّ قبل تقليد ابن الفرات. » فلمّا كان يوم الاثنين ركب ابن الفرات وركب ابن الحوارى إلى دار السلطان فأذن لابن الفرات ولم يؤذن لابن الحوارى فاستوحش ابن الحوارى.
    ثم صرف الأمر إلى ابن الفرات وقد كان شرط على ابن الفرات أن يجريه على رسمه في وزارته الثانية، فإنّه لم يكن يصل مع ابن الحوارى ظاهرا وإنّما كان يصل سرّا. فلمّا خرج ابن الفرات من عند المقتدر بالله وانفرد دخل إليه ابن الحوارى فأقبل عليه وشاوره في جميع أموره وقال:
    « قد غبت عن مجاري الأمور منذ خمس سنين وأنت عارف بها وأريد أن تعاضدنى وتستعمل ما يلزمك بحقّ المودّة. » فتلقّى ابن الحوارى قوله بالشكر وإظهار المناصحة وأنشأ ابن الفرات معه حديثا طويلا ونهض قبل أن يستتمّه ونزل إلى طيّاره وأنزل معه ابن الحوارى وأحمد بن نصر البازيار ابن أخيه ومحمّد بن عيسى صهره وعليّ بن مأمون الإسكافي كاتبه وعليّ بن خلف النيرمانى.
    وكان أخوه محمّد بن خلف مصاهرا له وأظهر لجماعتهم الإكرام والإختصاص وما زال يضاحكهم إلى أن حصل في داره. ثم أسرّ إلى العبّاس الفرغاني حاجبه بأن يقبض على ابن الحوارى وجميع أسبابه، فقبض عليهم واعتقلهم في حجرة الدار واستحضر ابن الفرات في الوقت شفيعا اللؤلؤي فأنفذه إلى دار ابن الحوارى ليحفظها من النهب وضمّ إليه جماعة من الفرسان والرجّالة وأمر بمعاملته بالجميل في مطعمه ومشربه وأفردت له دار واسعة وفرشت بفرش نظيف وأفرده عن كتّابه ومن يأنس به وراسله ابن الفرات في المصادرة وتوسّط ابن قرابة بينهما.
    وكان ابن قرابة متحقّقا بابن الفرات وشديد الأنس بابن الحوارى، فتقرّرت مصادرته بعد خطاب كثير على سبعمائة ألف دينار في نفسه دون كتّابه وأسبابه واشترط إطلاق أحمد بن نصر البازيار لينصرف في أداء مال التعجيل وهو مائتان وخمسون ألف دينار فأطلق وأزيل التوكيل عن دار ابن الحوارى وأسبابه وسلّم جميعها إلى أحمد بن نصر.
    وأمر ابن الفرات بكبس مواضع فيها أسباب حامد وكتّابه فأثارهم، وكان المحسّن يسرف في المكروه الذي يوقعه بمن يحصل في يده منهم حتى إنّه أحضر ابن حمّاد الموصلي وأخذ خطّه بمائتي ألف دينار وسلّمه إلى مستخرجه، فصفعه المستخرج صفعا عظيما فلم يرض المحسّن ذلك وأخرجه إلى حضرته وصفعه على رأسه حتى خرج الدم من أنفه وفمه ومات ولم ينكره المقتدر وقد كان أشفق المحسّن من إنكاره وخافه خوفا شديدا.
    فلمّا كان بعد أيّام أنفذ المقتدر إلى المحسّن خلع منادمته وأجرى عليه من الرزق كلّ شهر ألفى دينار زيادة على رزق الدواوين، فضرى المحسّن على مكاره الناس وأسرف المقتدر في استصابة أفعاله إلى أن بلغ الأمر فيه إلى أن غنّى الجواري بحضرته:
    أحسن المحسِّن أحسن وكان استتر أبو الحسين محمّد بن أحمد بن بسطام صهر حامد بن العبّاس فاستخرجه واستخرج منه ستين ألف دينار وأخذ خطّه بمائتي ألف دينار بعد مكروه غليظ وغضبه على خادم يعرف بموج كان مشهورا بالميل إليه وقبض على جماعة فأخذ خدمهم وغلمانهم الروقة وأوقع بهم المكاره.
    ذكر الخبر عن قبض الوزير ابن الفرات على حامد بن العباس

    كان المقتدر قد شرط على ابن الفرات أن لا ينكب حامدا وأن يناظره على ما يجب عليه من فضل الضمان فإذا وجب عليه شيء بقول الكتّاب والقضاة أخذ بعضه وقال:
    « قد خدمني ولم يأخذ مني إلّا رزق سنة واحدة وشرط عليّ أن لا أسلمه لمكروه ولا أدع عليه حقّا. » فاضطرّ ابن الفرات إلى إقراره على أعمال واسط وخاطبه بأجلّ دعاء، ثم عمل له الأعمال واستقصى عليه الحجّة وخرّج عليه أموالا عظيمة وكاتب أصحابه بمطالبته والإلحاح عليه فإن تقاعد بها وكّل به من يطالبه بالمال الواجب عليه للمصالح والبذور إذ كان ممّا لا سبيل إلى تأخيره، فإنّ أمير المؤمنين ليس يأذن في تضمينه مستأنفا.
    فأظهر صاحب الوزير ابن الفرات هذا الكتاب في مجلسه وبلغ حامدا الخبر في الوقت فأظهر بواسط أن كتاب المقتدر ورد عليه يأمر فيه بالمسير إلى بغداد وخرج من واسط مع جميع كتّابه وحاشيته ورجّالته وحمل معه من الفرش والآلات والكسوة جميع ما كان يخدم به بعد أن احتاط في أمواله وأمتعته الفاخرة وأودعها عند ثقاته بواسط وضرب عند خروجه بالبوقات وأجلس غلمانه وحاشيته بأسرهم في الزواريق والسميريّات وبادر بخبره على أيدى الفيوج وعلى أجنحة الطير إلى ابن الفرات وقاد دوابّه ودوابّ حاشيته. وأصحابه على الشطّ فوصل خبره إلى ابن الفرات فاستشار ابنه المحسّن ومن يختصّه فيما يعمل به فأشاروا عليه بأن يبادر إلى المقتدر ويقرئه كتاب حامد ففعل ذلك.
    وقال المقتدر:
    « ما وقفت على ما عمله حامد ولا كتبت بشيء ممّا ادّعاه عليّ. » فقال ابن الفرات:
    « فإن كان كذلك فالصواب أن ينفذ نازوك في جمع من الغلمان الحجريّة والفرسان والرجّالة بعضهم في الماء وبعضهم في الظهر حتى يقبض على حامد وأسبابه. » فأذن له في ذلك فانصرف ابن الفرات إلى داره وأنفذ نازوك وتقدّم إليه بالمبادرة حتى يقبض على حامد وعلى أسبابه حتى لا يفوته أحد منهم.
    فسار نازوك وأخطأ بأن قبض على أوّل من لقيه من أسباب حامد وعلى دوابّه وغلمانه وبلغ حامدا خبره فاستتر من الطريق ونهب أسباب نازوك بعض ما كان مع القوم من الأمتعة واستظهر نازوك على الكتب والحسبانات والأعمال وصار بالجميع إلى الحضرة.
    فأمر المقتدر بتسليم جميع الكتب والأعمال إلى ابن الفرات وفرّق الأمتعة في خزائنه والدوابّ في اصطبلاته، ووجد ابن الفرات في الكتب المحمولة إليه عجائب من كتب من تقرّب إليهم فقبض عليهم، وكان حين ورد كتاب حامد بالمسير من واسط واستظهر بالتوكيل بجهبذه إبراهيم الذي كان بالحضرة.
    فلمّا تمّ قبض نازوك على أسباب حامد أمر ابن الفرات هشاما بالرفق بهذا الجهبذ مرّة وبالغلظة أخرى ويسأل عن ودائع حامد، ففعل هشام به ذلك فأقرّ عفوا أنّ لحامد عنده مائة ألف دينار عينا ثم حلف على أنّه ليس عنده لحامد ولا لأحد من أسبابه وديعة غيرها. فآمنه ابن الفرات على نفسه وأن لا يسلّمه إلى المحسّن ولم يطلع ابن الفرات المقتدر بالله على خبر هذه المائة الألف إلّا بعد أن تسلّم حامدا.
    وانتشر الخبر في رجب أنّ حامدا إنّما استتر لأنّ المقتدر كتب إليه ينكر خروجه من واسط على تلك الحال التي خرج عليها ويأمره أن يستتر ويوافى بغداد حتى يتوثّق منه ويأخذ خطّه بما بذل أن يضمن به ابن الفرات والمحسّن وكتّابهما وأسبابهما ليسلّم الجماعة إليه فاستتر المحسّن والفضل والحسين والحسن أولاد أبي الحسن ابن الفرات وحرمهم وأكثر الكتّاب ولم يبق في دار ابن الفرات من كتّابه الذين يحضرون مجلسه إلّا أبو القاسم ابن زنجي وحده.
    وكانت مدّة سعادة حامد قد انقضت فصار إلى دار السلطان في زيّ الرهبان ومعه يونس خادمه وصعد إلى دار الحجبة التي فيها نصر الحاجب فاستأذن له فارس بن رنداق على نصر وقال:
    « حامد بن العبّاس قد حضر الباب وهو يستأذن على الأستاذ. » فقال:
    « قل له يدخل. »
    فلمّا دخل قال له قبل أن يجلس:
    « إلى أين جئت؟ » قال: « جئت بكتابك. » فقال له:
    « فإلى هاهنا كتبت إليك أن تجيء. » ولم يقم له، واعتذر إليه أنّه تحت سخط الخليفة، ووجّه نصر إلى مفلح يسأله الخروج إليه، وكان مفلح يتولّى الاستئذان على المقتدر إذا كان عند حرمه. فخرج مفلح وكلّمه نصر في أمر حامد وقال له:
    « هو في هذا الوقت في حال رحمة ومثلك من استعمل معه الجميل ولم يؤاخذه بما كان منه في تلك الأمور. » ثم قال حامد لمفلح:
    « تقول لمولانا أمير المؤمنين عني، بأنّى أرضى أن أكون معتقلا في دار أمير المؤمنين كما اعتقل فيها عليّ بن عيسى ويناظرني الوزير والمحسّن والكتّاب بحضرة الفقهاء والقضاء ووجوه القوّاد، فإن وجب عليّ مال خرجت منه بعد أن أكون مالكا لاستيفاء حججي ومحروسا في نفسي ولم يمكّن المحسّن من دمى فيجازينى على المكاره التي كنت أوقعها به في طاعة مولانا أمير المؤمنين وهو شابّ وأنا شيخ قد بلغت هذه السنّ العالية واليسير من المكروه يتلفنى. » فوعده مفلح بذلك ودخل على المقتدر بالله فخاطبه في أمره بضدّ ما وعده به، فتكلّمت السيّدة في أمر حامد وقالت:
    « لا يضرّ أن يعتقل في الدار ويناظر حتى تحرس نفسه. »
    فقال مفلح:
    « إن فعل هذا لم يتمّ لابن الفرات عمل، لأنّ الأراجيف قد كثرت به وخربت الدنيا وبطلت الأموال. » فقال المقتدر لمفلح:
    « صدقت. » وأمره أن يخرج إلى نصر فيأمره أن ينفذ حامدا إلى ابن الفرات. فخرج مفلح إلى نصر بذلك فأخذ نصر يطيّب نفس حامد بأن يقول:
    « لا بدّ من أن تصير إلى حضرة الوزير مع ثقة لي ثم أردّك إلى دار أمير المؤمنين. » فالتمس حامد من نصر ثيابا يغيّر بها ما عليه من زيّ الرهبان، فامتنع مفلح من الإذن له في ذلك وقال:
    « قد أمرنى مولاي أن أوجّه به في الزيّ الذي حضر فيه. » فما زال نصر يشفع له حتى أذن له في تغيير زيّه وأنفذه مع ابن رنداق الحاجب وبادر مفلح بإنفاذ كاتبه إلى ابن الفرات يبشّره بحصول حامد وما أمر به المقتدر من تسليمه إليه.
    وكان ابن الفرات على قلق وانزعاج لمّا وقف على حصول حامد في دار السلطان واستتر كتّابه وأولاده كلّهم. فلمّا جاءته رسالة مفلح سكن بعض السكون وصلّى الظهر وجلس وليس بين يديه غير ابن زنجي وهو ينظر في العمل نظرا خفيفا إلى أن ذكر بعض الغلمان أنّ طيّارا من طيّارات الخدمة قد أقبل، ثم قدّم عند درجة داره وبادر البوّابون بخبره ودخل ابن الرنداق ومعه حامد بن العبّاس فلمّا رآه ابن الفرات قال له:
    « لم تركت عملك وجئت؟ » قال: « بكتابك جئت. »
    قال: « فلم لم تقصد دارى إن كنت جئت بكتابي؟ » قال: « حرمت التوفيق. » ولم يزل يخاطبه بالكاف من غير ذكر الوزارة. وأخرج ابن الرنداق رقعة نصر الحاجب إلى الوزير بإنفاذ حامد إليه فألقاها إلى ابن زنجي وقال:
    « اكتب بوصوله. » فكتب وسلّم الجواب إلى ابن رنداق فنهض من المجلس. فلمّا انصرف ضعفت نفس حامد وأقبل يخاطب ابن الفرات بالوزارة ولان كلامه وبان فيه الخضوع.
    وأمر ابن الفرات يحيى بن عبد الله قهرمان داره بأن يفرد لحامد دارا واسعة في داره، ويفرشها فرشا حسنا ويتفقّده في طعامه وشرابه وطيبه، حتى يخدم بمثل ما كان يخدم به وهو وزير، وأن يقطع له كسوة فاخرة ويجعل معه لخدمته إذا كان خاليا خادمين أسودين أعجميين، وأمره أن يؤنسه عند الأكل وأن يخدمه في تلك الحال من الخدم والفرّاشين من يوثق به. ففعل يحيى ذلك.
    ذكر ما عومل به حامد وما عمله هو

    دخل إلى حامد وقت العصر من ذلك اليوم عبد الله بن فرجويه وأحمد بن الحجّاج بن مخلد صهر موسى بن خلف وقد كان حامد استعمل معهما في أيّام وزارته من المكاره ما لم يسمع بمثله قطّ. فوبّخاه على ما فعل بهما فجحد أن يكون رآهما أو وقع بصره عليهما. فلمّا أكثرا عليه قال لهما:
    « قد أكثرتما عليّ، وأنا أجمل القول لكما. إن كان ما استعملته من الأحوال التي تصفان وما عاملت الناس به قد أثمر لي خيرا فاستعملا مثله وزيدا عليه، وإن كان قبيحا وهو الذي أصارونى إلى أن تمكّنتم مني فتجنّبوه.
    فإن السعيد من وعظ بغيره. » فذهبا وأعادا ذلك على ابن الفرات فاسترجح حامدا وقال:

  • صفحة 5 من 14 الأولىالأولى ... 34567 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 99
      آخر مشاركة: 06-15-2010, 01:21 AM
    2. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    3. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    4. سير أعلام النبلاء الخامس
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 229
      آخر مشاركة: 06-04-2010, 02:34 AM
    5. باب الحارة الجزء الخامس
      بواسطة En.muhammed manla في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 03-09-2010, 12:41 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1